إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [165]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويظهر أثر الحسد واضحاً بين طلبة العلم، فتبرز الأنانية وكره الخير للآخرين، وقد استطاع الشيخ أن يفضح الحسد والحساد مع ذكر مواطنه وبواطنه. كما كان التوجيه في هذا اللقاء بإفشاء السلام بين المؤمنين وخاصة طلبة العلم.

    1.   

    جناية الحسد على طالب العلم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الخامس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم في كل خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ).

    نكمل في هذا اللقاء ما سبق من بيان آداب طالب العلم وقد انتهينا في آداب طالب العلم إلى أنه يجب على طالب العلم أن يتجنب الحسد، فما هو الحسد؟

    المعروف في تفسيره عند كثيرٍ من العلماء أنه: تمني زوال نعمة الله على عبده، يعني: إذا أنعم الله على شخص بعلمٍ أو مال أو جاه أو ولد أو غير ذلك، تتمنى أن تزول نعمة الله عليه، هذا المشهور عند كثيرٍ من العلماء.

    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: بل الحسد: كراهة نعمة الله على عبده وإن لم تتمنَ زوالها، يعني: متى كرهت أن الله أنعم على عبده فقد حسدته.

    والحسد آفة عظيمة، فهو من كبائر الذنوب، لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ ولأنه من خصال اليهود، كما قال الله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109].

    ولأن الحسد حقيقته عدم الرضا بقدر الله عز وجل، فالذي أنعم على هذا العبد بهذه النعمة هو الله، فإذا كرهت هذه النعمة فإنك لم ترض بقضاء الله عز وجل، ولأن الحسد يأكل القلب أكلاً، ويورث الحسرة والندامة، وكلما ازدادت نعم الله على عباده ازداد الإنسان تحسراً بهذه النعمة.

    ويرى أنه في مقامٍ لا يمكنه معه أن يدرك المنزلة التي حازها هذا المحسود فيستحسر ويقول: أنا لن أصل إلى هذا، وحينئذٍ يتأخر كثيراً عما أنعم الله على عباده.

    ولأن الحسد يوقع الإنسان في همٍ وغمٍ دائماً، لأن نعم الله على عباده لا تحصى، أفكلما أنعم الله على عبده تزداد هماً وغماً؟!! إنك إن فعلت ذلك فقد قتلت نفسك.

    وبناءً على هذا يجب على طالب العلم أولاً وعلى غيره من المسلمين ثانياً أن يتجنب الحسد، لا في قلبه، ولا في مقاله، ولا في أفعاله:

    أما القلب: فحسده ما يقوم به من كراهة نعمة الله على العبد وتمنيه زوالها.

    وأما القول: فأن يخوض في عرض أخيه المحسود، ويستر كل نعمة أنعم الله بها عليه، فتجده مثلاً: عند ضغط الناس الجماعي عليه وعدم قبولهم منه ما يقوله في هذا المحسود، تجده يثني على المحسود ويقول: هو الرجل الكريم، الشجاع، العالم، العابد، وما أشبه ذلك، ثم يقول: ولكن كذا وكذا، وهذا يقع كثيراً فيأتي بمثلبة واحدة من مثالبه مقابل عدة مناقب لهذا، حتى ينزل من قدره، هذا عدوان بالقول على المحسود.

    العدوان بالفعل على المحسود: أن يحاول عدم نشر كتبه، عدم نشر أشرطته، فلا يدل عليها في المكاتب، ولا في التسجيلات، وربما يُسأل: أفي المكتبة الفلانية كتاب فلان؟ أفي التسجيلات الفلانية أشرطة فلان؟ فيقول: لا، وهو يدري أنها موجودة، لكن حسداً يحسده، وهذا لا شك أنه من العدوان في حق أخيه ولهذا جاء في الحديث: (إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ) يعني: إذا وقع في قلبك حسد إنسان فلا تبغ عليه بكتم محاسنه والعدوان عليه.

    فالحاصل: أن العدوان والبغي من الحاسد يزيده؛ أي: يزيد حسده إثماً ووبالاً، إذا عرفنا ذلك فإنه ينبغي لطالب العلم إذا احتاج أخوه إلى شيء من الكتب، أو المذكرات، أو الأشرطة أن يساعده في تحصيلها ما دامت عنده، ولا يستجيب لداعي الشيطان الذي يقول له: إنك إن ساعدته غلبك وتقدم عليك، فاحرص على ألا تساعده، فإن هذا من وحي الشيطان، وهو من أسباب تأخر هذا الإنسان الحاسد؛ لأن (الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فساعده (فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).

    1.   

    اهتمام طالب العلم بافشاء السلام

    ومن المهم لطالب العلم أن يعتني بإفشاء السلام، وهذه الخصلة مع الأسف الشديد مفقودة عند كثيرٍ من طلاب العلم، فتجده يمر بأخٍ من زملائه أو غيرهم فلا يسلم، وهذه آفة عظيمة؛ لأن السلام شعار اللقاء بين المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا لقيته فسلم عليه) وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

    والعجب أنه لا يخفى على طلاب العلم أن إفشاء السلام من السنة، وأن فيه أجراً إذا قلت: السلام عليكم، فعشر حسنات، ورحمة الله عشرون، وبركاته ثلاثون، ومع ذلك نرى كثيراً من طلبة العلم يتلاقون فلا يسلم بعضهم على بعض، سواءٌ كان أصغر منه أو أكبر منه، وهذه آفة يجب على طلبة العلم أن يقضوا عليها، وليعلم طالب العلم أن الناس ينظرون إليه نظرة تقليد، ونظرة عتاب، أما نظرة التقليد: فإنهم يقلدون طالب العلم فيما يقول ويفعل ويترك.

    وأما العتاب: فإنهم يعتبون على طالب العلم إذا ترك ما ينبغي فعله، أو فعل ما ينبغي تركه، وربما تكون الحسنة من طالب العلم حسنات؛ لأن الناس يعظمونه بها، ويتخذونه إماماً، وربما تكون السيئة سيئات؛ لأن الناس يعتبون عليه، وينفرون منه، ويحرم من فائدة العلم.

    فعليك يا أخي طالب العلم! أن تتقي الله عز وجل، وأن تتأدب بآداب العلم، وأن تحرص على نشر العلم ما استطعت، وأن تدعو إلى الله على بصيرة، والله يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    وجه إثبات صفة الكلام لله من البسملة

    السؤال: فضيلة الشيخ! ذكر بعض أهل العلم إثبات صفة الكلام لله من البسملة فما وجه ذلك؟

    الجواب: لأن بسم الله الرحمن الرحيم من كلام الله عز وجل، فإنها آية من كتاب الله، وكتاب الله عز وجل كله كلام الله، لقول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] ومن المعلوم أن المراد بالآية: حتى يسمع كلام الله من قارئه، إذ من المستحيل أن يكون المراد: يسمع كلام الله من المتكلم به وهو الله عز وجل.

    شروط المضاربة بالأموال

    السؤال: ما هي شروط المضاربة بالأموال؟

    الجواب: شروط المضاربة بالأموال: أن يكون رأس المال معلوماً، وأن يكون من النقدين المضروبين، يعني: من الدراهم والدنانير، أو أوراق العملة، وذلك لأنه لو كان سلعة فإن السلعة تختلف أقيامها، قد تكون حين العقد بألف، وحين التصفية بألفين أو بخمسمائة، فلذلك منع الفقهاء رحمهم الله أن يكون رأس المال من غير النقدين، وبناءً على كلامهم: لو أعطيت شخصاً سيارات قلت: هذه مضاربة، فإنه لا يصلح؛ لأن السيارات ربما يكون ثمنها حين العقد مائة ألف، وحين التصفية ثمانين ألف أو مائتي ألف.

    وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن يكون رأس مال المضاربة من غير النقدين لكن بشرط أن تقدر قيمته وقت العقد، حتى يعرف الربح من الخسارة عند تمام المضاربة، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي عليه العمل الآن، فإن الناس يعطون أراضي مضاربة، ويعطون سيارات مضاربة، لكن لابد كما سمعت من تقدير القيمة وقت العقد.

    الشرط الثالث: أن يكون نصيب العامل جزءاً مشاعاً من الربح، بمعنى: أن تجعل للعامل إذا أعطيته مائة ألف يتجر بها أن تجعل له من الربح الثلث، الربع، النصف، الذي ستتفقان عليه، فإن جعلت له شيئاً معلوماً بأن قلت: خذ هذا المال اتجر به ولك مائة ريال، فإن هذا لا يصلح؛ وذلك لأنه قد لا يربح شيئاً، وقد يربح أكثر من مائة ريال بكثير، فلابد أن يكون سهمه جزءاً مشاعاً.

    لا بد أيضاً أن يكون معلوماً، فلا يصح أن تقول: خذ هذا المال اتجر به ولك بعض ربحه، بل لابد أن تقول: ولك نصف الربح، ربعه، ثمنه، عشره، وما أشبه ذلك.

    وبناءً عليه لو قلت: خذ هذا المال اتجر به في السيارات وفي الأواني وفي الأقمشة ولك ربح الأقمشة، ولي ربح السيارات والأواني، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه قد يكون الربح في هذا دون هذا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم في المزارعة؛ أن يزارع الشخص إنساناً فيقول: لك زرع شرق الأرض ولي زرع غربها، أو لك زرع الشعير ولي زرع البر وما أشبه ذلك، هذه من شروط المضاربة.

    كذلك أيضاً: لو خسرت التجارة فالخسارة على رأس المال، وليس على العامل شيء، فلو أعطاه مائة ألف لمضاربةٍ ثم خسرت حتى عادت تسعين ألفاً؛ فإنه لا يجوز لرب المال أن يحمل العامل شيئاً؛ وذلك لأن الخسارة تكون على رأس المال وليس على العامل منها شيء.

    حكم الجمع بين الصلاة والسلام في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: فضيلة الشيخ! في الصلاة على نبينا هل يجب أن نجمع بين الصلاة والسلام أم تترك كل واحدة على حدة، مثلاً في صلاة التشهد نقول: اللهم صل على محمد، وما قلنا: اللهم صل وسلم، وكذلك في الحديث: (ومن صلى علي) ما قال: من صلى وسلم؟

    الجواب: لا يجب الجمع في الصلاة على النبي بين الصلاة والتسليم، بل للإنسان أن يفرد هذا دون هذا، ولهذا لما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ذكر السلام ولم يذكر الصلاة، لكن الجمع بينهما أفضل لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] أما الوجوب فلا يجب.

    النهي عن إطلاق: (ملائكة الرحمة) على الممرضات

    السؤال: فضيلة الشيخ! جريدة الرياض في أحد الأعداد السابقة القريبة كتبت في عنوان كبير: ملائكة الرحمة يفقدن الحنان، وتقصد بها الممرضات، فما قولكم في ذلك؟

    الجواب: قولي في هذا: أن مثل هذه العبارة محرمة، وليست النساء ملائكة إلا في قول المشركين الذين جعلوا الملائكة بنات الله، والممرضات فيهن الخير والشر كغيرهن من العاملات والعاملين، ولا يجوز أبداً أن نقول: إن الممرضات ملائكة الرحمة، ولا أن الممرضين ملائكة الرحمة.

    الملائكة عالم غيبـي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، أو من أطلعه الله عليه، لكن أنت تعرف أن الصحفيين -نسأل الله لنا ولهم الهداية- عندهم جهلٌ كثير، يطلقون كلمات لا يعرفون معناها، أو يغفلون عنها، كما نرى في بعض الصحف يقولون: فلان حمل إلى مثواه الأخير يعني: إذا مات، وهذه الكلمة على إطلاقها تتضمن إنكار البعث؛ لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير، فيعني هذا أنه لا مثوى بعده، ومن المعلوم أن الناس سيبعثون بعد ذلك وأنهم يرجعون إلى المثوى الأخير حقيقة وهو الجنة أو النار، ولهذا سمى الله تبارك وتعالى القبور سماها محل زيارة، فقال جل وعلا: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].

    عدم جواز الدعاء على رجل بسوء الخاتمة

    السؤال: هل الدعاء على رجل بسوء الخاتمة كفر؟

    الجواب: لو دعوت على شخص بسوء الخاتمة فإن الداعي لا يكفر، ولكن لا يجوز للإنسان أن يدعو على أخيه المسلم بهذا الدعاء الشنيع بسوء الخاتمة؛ لأن سوء الخاتمة -والعياذ بالله- يعني: أن يموت على غير الإسلام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -يعني: حتى يقرب أجله- فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

    حكم زيارة النساء للقبور

    السؤال: فضيلة الشيخ: عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) هل قصده بذلك: الزوارات كثيرة الزيارة، أم أنه يجوز الزيارة على فترات متباعدة؟

    الجواب: الحديث روي على وجهين:

    الوجه الأول: (لعن الله زائرات القبور).

    والوجه الثاني: (لعن الله زوارات القبور) وكلاهما له معنىً صحيح.

    أما زائرات القبور فهو باعتبار كل امرأة على حده، وزوارات يعني: الجنس، ومعلوم أن الجنس إذا رجعنا إلى أفعالهن صار كثيراً.

    والصواب الذي لا شك فيه: أن زائرة القبور ملعونة بهذا الحديث؛ لأن الحديث صحيح، احتج به كثيرٌ من العلماء، وتكلم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بكلامٍ جيد ينبغي لطالب العلم مراجعته، وما جاء في حديث عائشة : (أن الرسول عليه الصلاة والسلام علمها ما تقول ...) فالمراد إذا خرجت المرأة لغير قصد الزيارة، ولكن إذا مرت بالمقبرة وقفت ودعت لهم بالدعاء المأثور، فهذه لا تعد زائرة؛ لأن الزائر هو الذي يمشي من بيته أو من مقره إلى المزور.

    ويبقى النظر في زيارة النساء قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يدخل في هذا أو لا؟

    من العلماء من قال: إنه يدخل؛ لأن ذلك يسمى زيارةً عرفاً.

    ومنهم من قال: لا يدخل؛ لأن الواقف خارج الحجرة بينه وبين القبر بناء، ثلاثة جدران، فلا يمكن أن يقال: إنه زاره، ولهذا لو نظرت بالمقبرة المحوطة بالجدار، فإنه لا يقال: إنك زرت المقبرة؛ لأن بينك وبينها جدار.

    فلا يسمى وقوف المرأة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم زيارة قبر، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: تسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء، لكن الاحتياط ألا تزور المرأة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفيها أن تسلم عليه ولو كانت في أقصى الدنيا؛ لأن سلام الإنسان على الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه حيثما كان.

    حكم الشهادة على الكافر أنه من أهل النار

    السؤال: فضيلة الشيخ: ذكرتم أن من مات على الكفر ولم يقل يوماً من الأيام: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ أنه كافر، لكن لا نشهد له بأنه مخلد في النار، وهذا يشكل علينا؟

    الجواب: لا يشكل عليك بارك الله فيك!

    سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان؛ وكان يطعم الطعام ويقري الضيف، ويفعل ويفعل من الحسنات، هل ينفعه ذلك في الآخرة؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنه لا ينفعه.

    وكذلك الرجلان اللذان جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه: أن أمهما كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل وتفعل، أينفعها ذلك؟ قال: لا.

    فالإحسان لا ينفع الكافر في الآخرة، بل إذا شاء الله عز وجل أن ينفعه بإحسانه آتاه ثوابه في الدنيا، أما في الآخرة فما للكافرين فيها من نصيب.

    أما الشهادة بالكفر ففي الدنيا نشهد على أن هذا الرجل الكافر الذي يعلن الكفر ويعتز به نشهد أنه كافر، ونشهد أنه مات على الكفر ما لم يظهر لنا أنه تاب، لكن النار لا نشهد بها له؛ لأن هذا عمل غيبـي، قد يكون في آخر لحظة آمن، ما ندري، ولكن هل إذا لم نشهد له هل ينفعه ذلك ويمنعه من النار؟ لا ينفعه، هو إذا كان في النار فهو في النار سواء شهدنا أم لم نشهد، إذاً لا فائدة من أن نقول: هو في النار أو ليس في النار، إنما أحكام الدنيا نحكم بأنه كافر حتى لو قيل: إنه يحسن، وإنه يفعل ويفعل، فهذا لا ينفعه، لاسيما إذا كان يفعل باسم دين غير دين الإسلام، فتجده مثلاً: يحسن على الناس والصليب معلق في صدره، وما معنى هذا؟ هل هو يحسن من أجل أن يدعو الناس إلى النصرانية ويقول: هذا فعل النصارى، أو يحسن لله؟ ظاهر الحال الأول، وأنه في إحسانه هذا إنما يقصد تأليه النصارى، فالحمد لله نحن إذا قلنا: إنه مات على الكفر لا نترحم عليه ولا نسأل الله له المغفرة، يكفي، أما أن نقول: إنه في النار أو في غير النار، فلا، ولهذا كان من طريق أهل السنة والجماعة : أنهم لا يشهدون لمعينٍ بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم.

    الآن مثلاً: نحن نشهد بأن كل مؤمن في الجنة أليس كذلك؟ بلى، لكن هل يمكن أن نشهد لفلان الذي مات على الإسلام نعرف أنه مات ربما وهو يصلي، هل نقول: هو في الجنة؟ لا، لكن نرجو أن يكون من أهل الجنة.

    لكن إنساناً مات على الكفر، نشهد أنه كافر، لكن ما نشهد أنه في النار، وماذا تفيد شهادتنا أو عدم شهادتنا له، هو إن كان في النار فهو في النار سواء شهدنا أم لم نشهد.

    السائل: إذا سبق الشهادة لله لهذا الرجل الذي مات على الكفر، فهل معنى ذلك أن يتوب إلى الله ويستغفر لله.

    الشيخ: ربما في آخر لحظة ما نعرف، ما نعرف على كل حال: ما الفائدة الآن يعني: لماذا نلح أن نقول: هذا الرجل في النار، ليس له داعٍ.

    السائل: يا شيخ! ما ورد أثر أنه إذا مررتم على قبر الكافر؟

    الجواب: هذا خاص بأهل الفترة من قريش؛ لأن أهل الفترة من قريش وإن كانوا قد يكون ما أنذر آباؤهم من قبل كما قال تعالى: مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ [القصص:46] لكن الرسول شهد بأنهم من أهل النار.

    حكم إلقاء السلام على العاصي المجاهر بمعصيته

    السؤال: فضيلة الشيخ: احتار كثير من المسلمين في مسألة إلقاء السلام من عدمه على العاصي المجاهر حال عصيانه كشرب الدخان، هل من قاعدة تبين هذه المسألة وأمثالها أفتونا مأجورين؟

    الجواب: نعم القاعدة:

    أولاً: الفسوق لا يخرج الإنسان من الإيمان، ولا يجوز هجر المؤمن أكثر من ثلاثة أيام، لكن إذا كان الهجر دواءً له، بمعنى: أنه إذا رأى أن فلاناً هجره أو أن الناس هجروه، استقام وصلحت حاله فحينئذٍ يكون الهجر محموداً.

    الهجر قد يكون مستحباً وقد يكون واجباً بحسب ما يترتب عليه، ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه، وأمر الناس بهجرهم لتخلفهم عن غزوة تبوك ، لكن هذا الهجر نفع أم لم ينفع؟ نفع؛ لأنه زادهم لجوءاً إلى الله عز وجل وقوة إيمان، ولا يخفى علينا ما جرى من المحنة على كعب بن مالك -رضي الله عنه- حيث أتاه كتاب من ملك غسان وقال: بلغنا أن صاحبك قد قلاك، فأتنا نواسك، كأنه يشير إلى أنه إذا أتى إليه جعله من ملوك غسان، فماذا صنع؟ ما ازداد بهذا إلا إيماناً، ذهب بالورقة وأحرقها، خوفاً من أن تسول له نفسه في المستقبل أن يذهب إلى هذا الملك، وفي النهاية أنزل الله تعالى في قصتهم كتاباً يتقرب إلى الله تعالى بقراءته، ويقرأ في الصلاة: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118] إلى آخره.

    فالمهم يا أخي! أن الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان والدخان معصية وحرام والإصرار عليه ينـزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق، سلم عليه، إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلم عليه ربما إذا سلمت عليه ووقفت معه وحدثته: بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك، ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلم عليه كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة.

    حتى لو أصر على المعصية سلم عليه وانصحه.

    حكم إتمام الصلاة في مواضع القصر في السفر

    السؤال: أتينا من الطائف وقد أدينا صلاة الظهر والعصر أربعاً قبل دخول المنطقة بعشرين كيلو، وقد أفتانا بذلك رجل كان معنا فما حكم صلاتنا؟

    الجواب: مصيبتنا في هذا الوقت أن يفتي الإنسان بما لا يعلم، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، والمسافر لا ينقطع سفره إلا بوصوله إلى البلد حقيقة بأن يدخل البلد، ولهذا قصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مرجعه من سفر وهو يرى الكوفة ، والكوفة مقر سكناه -رضي الله عنه- كما نعلم نحن أنه قتل في الكوفة ، فقصر وهو يرى الكوفة ، فقيل له: يا أمير المؤمنين! هذه الكوفة، قال: إنا لم ندخلها بعد، أو كلمة نحوها، فالإنسان لو كان بينه وبين بلده مسافة عشرين متراً لكن لم يدخل البلد فله أن يترخص برخص السفر.

    والذي أفتاكم وصيتي له عند طريقك أن تنصحه وتقول: يا أخي! لا تتسرع في الفتوى، الفتوى خطيرة؛ لأن الفتوى إخبار المرء عن الله بأن هذا حكم الله، ولهذا نعتبر الفتوى من أخطر ما يكون، والإنسان الورع يقول: لولا أني أرى أن الفتوى تلزمني ما أفتيت؛ لأن المسألة خطيرة وليست هينة، الفتوى ليست سلعة يتجر بها الإنسان أمام الناس حتى يروه ويعظموه، الفتوى خبرٌ عن الله بأن هذا شرعه، وهذه مسئولية كبيرة، ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم وألحقنا بهم، كانوا يتدافعون الفتوى، اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، حتى تصل إلى الأول، كل هذا من التورع، فانصحه جزاك الله خيراً عني بألا يتسرع.

    أما صلاتكم إياها أربعاً فأرجو ألا يكون في ذلك بأس؛ لأن الإتمام في مواضع القصر لا يبطل الصلاة.

    نصيحة لطالب العلم المبتدئ

    السؤال: فضيلة الشيخ! بماذا تنصح طالب العلم المبتدئ؟

    الجواب: أنصح طالب العلم المبتدئ أن يلزم شيخاً معيناً ممن يثق بعلمه وأمانته، وألا يشتت ذهنه بين فلانٍ وفلان، فما دام مقتنعاً بأن هذا الشيخ عنده من العلم والأمانة والثقة ما يعتمد عليه فليلزمه، وإذا قدر أنه لم يكن عند الشيخ علمٌ مما يحتاجه الطالب، فليطلب شيخاً آخر يدرسه في هذا العلم فقط، مثال ذلك: إذا لزمت شخصاً في علم العقيدة في علم الفقه لكن ليس عنده علم في النحو فتذهب إلى شيخٍ آخر لا تقرأ عنده علم العقيدة والفقه اقرأ عنده علم النحو، لأنك ربما يتصادم قول هذا الشيخ والشيخ الآخر فيبقى الطالب في حيرة، ويتشتت ذهنه، هذه نصيحة.

    النصيحة الثانية: أن يبدأ بصغار العلم قبل كباره، فيبدأ بالكتب المختصرة الواضحة قبل أن يرتقي إلى الكتب التي فوقها، فإذا قدرنا أنه يريد القراءة في الفقه يقرأ كتب مختصرة في الفقه: كـزاد المستقنع مثلاً، ولا يقرأ ما فوقه من الكتب الكبيرة؛ لأن ذلك يضيعه، كالرجل الذي يتعلم السباحة من جديد، هل يذهب إلى العميق من الماء أو لا؟ لا، يبدأ بالضحن شيئاً فشيئاً حتى يتعلم.

    ثالثاً: أن يحرص على أن يطبق كل ما علمه، علم أن الصلاة واجبة يصلي، علم أن بر الوالدين واجب يبر الوالدين، علم أن إلقاء السلام سنة يلقي السلام، علم أن معونة الإنسان في دابته يحمله عليها، أو يعينه على حمل المتاع علم أنه خير فيفعل؛ لأن الإنسان إذا طبق العلم ورثه الله تعالى علم ما لم يكن يعلمه من قبل، ولا طريق أفضل في كسب العلم من العمل به، واقرأ قول الله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] لما اهتدوا بالعلم زادهم الله علماً وزادهم تقوىً، وهذه تعوز كثيراً من طلاب العلم، كثيراً من طلاب العلم أخذوا العلم نظرياً لا عملياً، فتجد عنده من قوة الحفظ والذاكرة والمجادلة والمناظرة شيئاً كثيراً لكنه في العمل مفرط، وهذا خطر عظيم؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بالعلم فعلمه وبال عليه لا شك، لكن ربما ينزع منه، كما قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] ولهذا قيل:

    العلم يهتف بالعمـل     فإن أجاب وإلا ارتحل

    يهتف بمعنى: ينادي، ينادي العمل، إن أجاب وإلا ارتحل العلم.

    رابعاً: أن يكون مكباً على العلم، لا يمل ولا يكل ولا يتعب، وإذا تعب استراح بقدر ما يعود إليه نشاطه؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما وهو الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل كان يتابع الناس حتى قيل: إنه يأتي في القائلة والذي يطلب منه العلم قد نام، فيتوسد رداءه وينام عند عتبة بابه ولا يوقظه، فإذا استيقظ طلب منه الحديث، فيقول له: ابن عم رسول الله تبقى عند بابي؟ قال: [إني صاحب الحاجة ولا أوقظك من منامك]، وقيل له: بم أدركت العلم؟ قال: [أدركت العلم بلسانٍ سئول، وقلب عقول، وبدنٍ غير ملول] ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) المثابرة هذه مهمة.

    بعض الطلبة يكون مثل البقرة تركض بسرعة بسرعة لكن سرعان ما تعجز وتقف، بعض الطلبة ينشط أول الأمر ويتعب، فإذا به يتراجع.

    فمن الأمور المهمة: أن يكون الإنسان صبوراً في طلب العلم مثابراً.

    حكم جلسة الاستراحة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل جلسة الاستراحة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟

    الجواب: ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه إذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً) الوتر من صلاته: الركعة الأولى، والركعة الثالثة، لم ينهض حتى يستوي قاعداً ويستقر، روى ذلك عنه مالك بن الحويرث ، وكان مالك ممن قدم مع الوفود في السنة التاسعة من الهجرة، وفي تلك السنة -والله أعلم- قد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الضعف، فكان يجلس لأجل أن ينهض، ولهذا كان في نفس الحديث أنه كان يتكئ على يديه، مما يدل على أنه محتاجٌ إليه، والعلماء اختلفوا فيه على أقوالٍ ثلاثة:

    القول الأول: أنها سنة في حق القوي والضعيف؛ لأن هذا آخر الأمرين من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    والقول الثاني: أنها ليست بسنة لا للقوي ولا للضعيف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها للراحة فقط.

    والقول الثالث: الوسط، نقول: من كان يستطيع أن ينهض بدونها فهو الأفضل، ومن لا يستطيع إما لكبر أو ضعف أو مرض أو غير ذلك فليرح نفسه؛ لأن الإنسان مأمور بالراحة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـعبد الله بن عمرو بن العاص لما قال: أقوم الليل كله، قال: ثم نم. فالله عز وجل يأجر الإنسان على طلب راحة بدنه، يعني: كونك تطلب راحة البدن أنت مأمور بهذا ولك أجر، فإذا كان الإنسان محتاجاً إليها لمرض أو كبر أو غير ذلك فإنه يجلس، لكن ليس كالجلسة التي كوقوع الطير على الغصن؛ ينهض سريعاً، إنما جلسة يستريح فيها بعض الشيء، ثم ينهض، هذا حكم الجلسة من حيث هي.

    أما بالنسبة للمأموم، فالمأموم تابعٌ لإمامه إن جلس فالسنة أن يجلس، وإن لم يجلس فالسنة ألا يجلس، حتى وإن كان المأموم يرى أن الجلسة سنة فإن الإمام إذا كان لا يجلس فلا يجلس المأموم؛ تحقيقاً للمتابعة، ولهذا أمر المأموم أن يترك التشهد الأول وهو واجب إذا نسيه الإمام.

    والقول الصحيح هو التفصيل في هذا: أن من احتاجها وصار يشق عليه أن يقوم من السجود إلى القيام فهنا ينبغي أن يريح نفسه، ومن لا فالأفضل أن ينهض بنشاط.

    وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755798229