إسلام ويب

أهمية مخالفة الكفارللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلاف البشر سنة كونية، غير أن المسلمين متميزون عن الناس في أخلاقهم وتعاملهم بناء على شريعة ربهم؛ ولذلك جاء النهي عن التشبه بالكفار في العبادات والمناسبات ونحو ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم.

    1.   

    سنة الله الكونية في قيام الجماعات البشرية

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه عن أبي عمير بن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن عمومة له من الأنصار يقصون له قصة بدء الأذان في الإسلام كيف بدأ، قال: ( اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمعهم لها؟ ) أي: أخذه الهم كيف يجمع الناس المتفرقين في المدينة ليحضروا صلاة الجماعة، ( فقالوا: انصب راية، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً )، إذا رأوا الراية انتصبت أعلم الناس بعضهم بعضاً بحضور وقت الصلاة، ( فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القنع )، قال الراوي: هو شبور اليهود، القنع: القرن الذي ينفخ فيه، وكانت اليهود تتخذه لجمع الناس لصلاتهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( هو من أمر اليهود، فلم يعجبه ذلك، فذكروا له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى )، فامتنع عليه الصلاة والسلام من أخذ هذه الوسائل؛ لأنها لا تميز المسلمين من غير المسلمين.

    قال: ( فاهتم عبد الله بن زيد لاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم، فانصرف وهو مهتم كذلك، فبينما هو نائم أتاه آتٍ فعلمه الأذان، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه عليه الصلاة والسلام، وقال -كما في الرواية الأخرى-: إنها لرؤيا حق، ثم أمره أن يعلم بلالاً ).

    هذا الحديث فيه موقف واحد من مواقف عديدة لا تحصى من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في حرصه الأكيد على تميز المسلمين عن غيرهم من الجماعات.

    هناك سنة كونية في هذه الخليقة في البشر أن الجماعات الإنسانية لا تقوم إلا على ركيزتين:

    الركيزة الأولى: رابطة تربط بينها فتؤاخي بينها؛ لتصير كالجسد الواحد.

    الركيزة الثانية: التميز عن غيرها حتى لا تذوب في غيرها من الجماعات.

    هذه سنة الله في قيام الجماعات البشرية، لا سيما في جماعات متلاطمة متصارعة متنازعة، وسنة الله جرت على التصارع والتنافس والتصادم بين الحق والباطل على هذه الأرض، وفي هذه البسيطة، سنة الله عز وجل أن يدفع الناس بعضهم بعضاً، وأن يدرأ أهل الخير أهل الفساد، وأن يدرأ أهل الإيمان أهل الكفران، هذه سنة الله.

    1.   

    جماعة المسلمين هي الحاملة للحق

    واقتضت حكمة الله أن تكون جماعة المسلمين هي الحاملة للحق الذي يريده الله، هي الحاملة للخير الذي يحبه الله، ومن ثم كان لا بد أن تتميز عن غيرها من الجماعات، وأن تكون بينها رابطة الإخاء الذي تضمن بها قوتها، وتضمن بها جمع كلمتها، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من أول لحظاته في تأسيس مجتمع المدينة بعد الهجرة، كان أول ما فعله المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فكان الرجل من مكة يرث الرجل إذا مات من أهل المدينة، ليس بينهم سبب ولا نسب إلا الأخوة في الله، الأخوة في الدين، آخى بينهم فكانت هذه أخوة خاصة قامت مقام أخوة النسب بل أشد، وفدى بعضهم بعضاً، وآثر بعضهم بعضاً، حتى كان الرجل يتنازل عن بيته لأخيه، ويتنازل عن مزرعته لأخيه، ويخير أخاه في إحدى امرأتيه ليطلقها فيتزوجها، إلى غير ذلك من مظاهر الأخوة ومظاهر المحبة والإيثار، فقامت هذه الجماعة على أقوى رباط يمكن أن تقوم عليه جماعة على هذه الأرض.

    1.   

    الأمر بمخالفة جماعة الكفار

    ولما رأى النبي عليه الصلاة والسلام هذا البناء المحكم اهتم بالجانب الآخر، والركيزة الثانية، وهي تميز هذه الجماعة عن الجماعات المحيطة بها، عن جماعة اليهود، عن جماعة المشركين، عن جماعة النصارى، عن أصناف الكفر، فجاءت الأحاديث الكثيرة الآمرة صراحة بمخالفة هذه الجماعات، كم نقرأ في أحاديث رسول الله: ( خالفوا المشركين )، ( خالفوا اليهود والنصارى )، ( خالفوا أهل الكتاب )، ( خالفوا المجوس )، أوامر صريحة بمخالفة الطوائف كلها، ولم يرض عليه الصلاة والسلام لأصحابه بأن يفعلوا شيئاً مما تختص به هذه الجماعات، ما من أمر تفعله هذه الجماعات ويختصون به إلا وحرص عليه الصلاة والسلام على ألا يفعلوا مثلهم، حتى في هيئتهم، كانوا يلبسون السراويل فأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يأتزروا ويتسرولوا، حتى في الهيئة لا بد أن يكون لباسهم خلاف لباس أولئك ليتميزوا، حتى فرق الشعر كان عليه الصلاة والسلام يحب هيئة فرقه وهو في مكة؛ لأنها صفة أهل الكتاب، لكن لما جاء إلى المدينة غير هيئة فرقه عليه الصلاة والسلام للشعر، في مأكلهم، في مشربهم، نهاهم أن يتختموا بالذهب، نهاهم أن يأكلوا بشمالهم، جاء إلى دفنهم لقبورهم، فرأى الناس يشقون شقاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ( اللحد لنا والشق لغيرنا )، مرت الجنازة فوقف لها عليه الصلاة والسلام لأنها نفس، لكن لما أخبر بأن اليهود يفعلون ذلك جلس عليه الصلاة والسلام، وكان هذا دأبه، حريص كل الحرص على أن يخالف اليهود والنصارى ما أمكنته هذه المخالفة، ليس عبثاً، وليس لمجرد البغض والكراهية، ولكن لأمور عظيمة من وراء هذه المخالفة.

    1.   

    ثمار مخالفة جماعة الكفار

    إن أهم ثمار هذه المخالفة: المحافظة على هذه الجماعة من الذوبان في الجماعات الأخرى، أن تتميز هذه الجماعة، وأن تبقى محكمة البناء مترابطة متميزة.

    إن من أهم ثمار هذه المخالفة: الوقوف ضد تسرب الألفة والمودة والمحبة بين أفراد هذه الجماعات وبين المسلمين، فإن التشبه في الظاهر يقود إلى الميل في الباطن لا محالة، كل من أحب شخصاً وتشبه به في مظهره، في زيه، في كلماته، في هديه وسمته، فإن هذا لا محالة يجره باطناً إلى محبته، ومحبة الاقتداء به والتأسي به، والمرء مع من أحب.

    حرص عليه الصلاة والسلام أن يخالف اليهود والنصارى في أبواب شتى: في أبواب الدين، في العقائد، في العبادات، في الآداب، في الأخلاق، فنهاهم عليه الصلاة والسلام عن جملة من الآداب والأحكام ليخالفوا المشركين، في القرآن يأمرهم سبحانه وتعالى بالاتحاد وجمع الكلمة، ويقول لهم: وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الروم:31-32].

    فحذرهم سبحانه وتعالى من التفرق والتحزب والتشتت، وحذرهم سبحانه وتعالى من عصبية الجاهلية، وحمية الجاهلية، حتى يكونوا جماعة واحدة مؤتلفة: وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ [الروم:31-32]، ورآهم عليه الصلاة والسلام وقد تحزبت الخزرج وتحزبت الأوس، واجتمعت كلمة هؤلاء وكلمة هؤلاء، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: ( إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس رجلان: مؤمن تقي، وفاجر شقي )، أخلاق الجاهلية التي كنتم تعرفونها، الفخر بالأحساب، والفخر بالأنساب، والتعالي بغير ما أراد الله عز وجل أن يتعالى الناس به، كل ذلك قد وضعه الله: ( إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس رجلان: مؤمن تقي وفاجر شقي )، فمن أراد الكرم ومن أراد الفخر فعليه بالتقوى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    نهاهم عليه الصلاة والسلام في عباداتهم عن عبادات يحبها الله ويرضاها، بل نهاهم سبحانه وتعالى عن الصلاة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: ( الصلاة خير موضوع ) خير ما كلف به الناس، وخير ما طلب من الناس الصلاة، القيام بين يدي الله والسجود له، ومع هذا نهاهم عن هذه الصلاة إذا كانت متضمنة للتشبه بعدونا، فنهاهم عن الصلاة وقت غروب الشمس، ونهاهم عن الصلاة وقت طلوع الشمس، وجعل الصلاة في هاتين الساعتين صلاة محرمة، إذا صلى الإنسان بغير سبب فإنه مأزور غير مأجور، آثم ارتكب معصية من معاصي الله، لا يقبل منه التسبيح، ولا يقبل منه التهليل، ولا تقبل منه الفاتحة ولا الركوع والسجود، إذا تضمن هذا ذلك المحذور الشديد وهو التشبه بأعداء الله الذي يجر إلى الميل إليهم والركون إليهم والمحبة لهم.

    نهاهم عليه الصلاة والسلام كما في الحديث عن القيام خلف الإمام، وهي مسألة من موارد الخلاف بين العلماء، لكن الحديث الصحيح فيها هكذا، جلس عليه الصلاة والسلام لأنه شق عليه القيام في صلاته، فوقف الناس لأنهم يعلمون أن هذا هو الواجب، فوقف الناس، فلما انصرف من الصلاة قال: ( لقد كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس والروم، فإنهم يقومون حول ملوكهم وهم جلوس )، الملك جالس وهم قيام، ( فلا تفعلوا ذلك )، لا تفعلوا هذا حتى لا تتشبهوا بهم.

    نهاهم عليه الصلاة والسلام عن تأخير الإفطار في الصيام حتى تبدو النجوم، لا تبالغوا في تأخير الإفطار حتى لا تتشبهوا باليهود، وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ).

    إذاً: هناك مقصد شرعي من خلال تعاليم كثيرة في باب العقائد، في باب العبادات، في باب الأخلاق، في الهدي والسمت الظاهر، هناك مقصد لشرع الله، وهو أن تتميز هذه الجماعة عن غيرها من الجماعات، فمخالفة اليهود والنصارى فيما أمرنا أن نخالفهم به عز وتمكين لدين الله، ومشابهتهم حيث أمرنا الله أن نخالفهم ذلة وتضييع لحدود الله، هكذا أرادت منا شريعة الله، أن تبقى هذه الأمة متميزة، ولا يجوز بحال أن نتشبه بغيرنا فيما هو من خصائصهم، في أخلاقهم، في عباداتهم، في معاملاتهم، وقد توعد عليه الصلاة والسلام بأشد الوعيد، فقال في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ).

    يقول شيخ الإسلام : ظاهر هذا الحديث يقتضي أنه كافر؛ لأنه قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، ولكنه ليس كذلك، ليس بكافر إلا إذا تشبه بهم في كفرهم، لكنه يبقى مرتكباً لإثمٍ عظيم، التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، يعني: فيما لم ينتشر ولم يذع بين المسلمين، أما ما انتشر بين الناس ولم يعد من خصائصهم فهذا ليس من مجال التشبه المذموم أو المنهي عنه، إنما ما كان من خصائصهم لا سيما إذا كان في دينهم، فإن النهي عن التشبه بهم أشد، والوقوع في مشابهتهم أقبح وأذم، لا سيما ما ارتبط بدينهم، ومن ذلك أعياد المشركين، أعياد الكفار، فهي جزء من دينهم؛ لأنهم يفرحون بهذا الدين، الدين المحرف، الدين الباطل، يفرحون به، ويقيمون له مواسم الأفراح في عامهم، فكيف يليق بعد ذلك بمن أبغض هذا الدين المحرف، بمن كفر به، أن يفرح بيوم عيده، كيف يليق هذا؟ ولذلك يقول عمر رضي الله تعالى عنه: لا تدخلوا على أهل الكتاب كنائسهم في أعيادهم، فإن السخط يتنزل عليهم. سخط الله، مقت الله، غضب الله يتنزل عليهم في أفراحهم؛ لأنهم يفرحون بالوثنية؛ لأنهم يفرحون بالإشراك، يمجدون غير الله، وينسبون له الصاحبة والولد، فرح بالكفر بالله، فرح بالشرك بالله، فمن هنأهم في هذه الأعياد كما يقول ابن القيم : فكأنما يهنئ المشرك إذا سجد للصنم، إذا رآه يسجد لغير الله، ويعبد غير الله، كيف يليق بمؤمن يؤمن بأنه لا إله إلا الله، كيف يصح منه أن يهنئ من يراه يسجد للصنم؟

    1.   

    حكم تهنئة الكفار

    ليس هناك كبير فرق بين من هنأ الساجد للصنم، ومن هنأ من يحتفل بأن عيسى ابن الله، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:73].

    التهنئة لهم رضا بكفرهم، رضا بسب الله تعالى، هكذا يقول الله سبحانه كما في الحديث القدسي في البخاري وغيره: ( شتمني ابن آدم وما ينبغي له، وأما شتمه إياي فنسبه إليّ الصاحبة والولد ) شتيمة في حق الله؛ لأنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:2-4] سب لله؛ لأنه مشابهة له بخلقه، فكيف يرضى مؤمن بعد ذلك أن يهنئهم على هذه الشتائم؟ أن يهنئهم على هذا السب؟ وكيف يمكن أن يلتقي هذا مع عقيدة التوحيد؟ ومع أنه لا إله إلا الله لا مثيل له ولا نظير، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، كيف يلتقي هذا وذاك؟

    1.   

    مخالفة الكفار مقصد شرعي

    إن من المسائل المتعين علينا أن نعلمها، أن مخالفتنا لهم في هذه المراسيم هو من أجل المقاصد الشرعية للحفاظ على ديننا، للحفاظ على عقائدنا، قبل أن نتكلم عن الهوية، وقبل أن نتكلم عن الوطنية، نحن بحاجة أن نحافظ على أصل الملة، على عمود الملة، على الإسلام، على التوحيد، على عقيدة لا إله إلا الله، لا يجوز للمسلم أبداً أن يشاركهم في هذه الأعياد.

    اختلف العلماء في جواز أن يبيع المسلم لهم شيئاً قد يستعينون به في أعيادهم، لكن قد أفتى كثير من أهل العلم بأنه لا يجوز أن يباع لهم ما يستعينون به على أعيادهم، يجوز للمسلم أن يقبل منهم هديتهم في أعيادهم، لكن لا يجوز له أن يهديهم بمناسبة العيد، ولا يجوز له أن يهنئهم بمناسبة العيد، فلا يجوز له أن يقرهم على هذا الباطل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )، أضعف الإيمان إذا وجد الإيمان في القلب أن يكره الإنسان المنكر، أضعف الإيمان أن يبغض الإنسان في قلبه حملة المنكر والدعاة إلى المنكر، فكيف يجتمع بعد ذلك إنكار المنكر في القلب مع محبته ومودته والتهنئة عليه وتهنئة أصحابه عليه؟ إن بين المقامين فرقاً شاسعاً.

    نحن بحاجة أيها الإخوة! أن نربي بناتنا وأبناءنا على ضرورة مخالفة المشركين، فالمرء مع من أحب، والطبع سراق، هذه حقيقة شرعية وحقيقة كونية، الإنسان يسرق أخلاق من يجالسهم، ومن يتشبه بهم من حيث شعر ومن حيث لا يشعر، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: ( السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر )، يعني: أصحاب الإبل، حتى البهيمة إذا جالسها الإنسان وأطال عشرتها فإنه يتخلق بأخلاقها، شعر أو لم يشعر، فراعي الغنم المداوم لمصاحبتها يتخلق بأخلاق الغنم من المسكنة والضعف والسكينة، وراعي الإبل يتخلق بأخلاق الإبل من القوة والجبروت، فتجده غليظ الطبع، شديد الأخلاق، (والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر) هذه طبيعة الإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن دينه وملته، الإنسان من حيث هو إنسان مجبول على أن يتشبه بمن يحبهم، بمن يخالطهم، بمن يعاشرهم، وطبعه يسرق منهم أخلاقهم، شاء أم أبى، ولا غرابة بعد ذلك أن تقوم الشريعة بهذه التوجيهات الصارمة للحيلولة بين مشابهة المسلم لأعدائه من أعداء الله اليهود والنصارى أو غيرهم.

    أما النافع الذي لا يختصون به، فهذا هو ميدان التشبه، هذا هو ميدان التسابق، ولكن للأسف عكسنا الطريق، فأخذنا ما يضر، وتركنا ما ينفع، أخذنا منهم ما نهينا عن أخذه، وتركنا منهم ما ينبغي أن نأخذه منهم، نعيش في قافلة البشرية بسبب تخلفنا العلمي، وهم يعيشون في ذروتها بسبب أعمالهم هذه، لكننا تشبهنا بهم في كل شيء إلا في ذلك، أخذنا منهم كل شيء إلا ما كان سبب قوتهم، أخذنا منهم كل قبيح إلا ما أحسنوا فيه، نكسنا الطريق وقلبناها، وكان ينبغي لنا أن نأخذ أنفسنا بالجد والحزم، فننظر إلى أسباب قوة القوم، وما الذي أدى بهم إلى ذلك، لم يتقووا لأنهم نصارى، ولم يتقووا لأنهم يعبدون ثالث ثلاثة، ولم يتقووا لأنهم يعتقدون هذه القبائح أبداً، بل تقووا لأنهم أخذوا بسنة الله في كونه، بسنة الله في خلقه، وهذا ما ينبغي أن نفعله، وأن نتشبه بهم فيه.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    استحباب صوم عاشوراء

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! يوم الأحد بحسب التقويم الهجري هو اليوم العاشر من شهر محرم، وقد ثبت في بعض البلاد البعيدة كما أخبرني بعض الثقات أن الهلال رؤي عندهم يوم الخميس غرباً في أقصى المغرب، ويمكن أن يكون الهلال ثبت قبل أن يثبت في التقويم الهجري، وإذا كان الأمر كذلك فيحتمل أن يكون السبت هو اليوم العاشر من محرم، فاحتياطاً وأخذاً بالأولى والأورع والأحوط أن يصوم الواحد منا يوم السبت ويوم الأحد، فإن كان السبت هو التاسع فقد وفق للسنة فصام التاسع والعاشر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر )، وإن كان هو العاشر فقد صامه والحمد لله.

    صيام يوم عاشوراء سنة مؤكدة ورد في فضلها الحديث، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )، وسبب إحياء هذه الذكرى ما ذكر في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: ( أن أهل خيبر -يعني: اليهود- كانوا يصومون يوم عاشوراء، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: هذا يوم نجىّ الله فيه موسى وقومه، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا أولى بموسى منكم ).

    فمبدأ صيام هذا اليوم هو شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، أن أنجى الله فيه المؤمنين من بني إسرائيل، وأهلك الكافرين، فصاموه شكراً لله، وتابعهم المؤمنون على ذلك إلى يومنا هذا، وهذا ثوابه، يكفر السنة التي قبله.

    والسنة أن يصوم يوماً قبله، وهو التاسع، أو يصوم يوماً بعده حتى تحصل المخالفة لليهود، فإنه عليه الصلاة والسلام لما أخبر بأنهم يصومون العاشر أراد أن يخالفهم فيصومون معه يوماً وهو التاسع، قال العلماء: فيستحب أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، وأكمل المراتب وأعلاها أن يصوم ثلاثة أيام، يوم العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وغيره.

    1.   

    مصيبة مقتل الحسين رضي الله عنه

    هذا اليوم شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون مناسبة لقدر آخر، وهو مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما، ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم، وحبيبه وولده، شاء الله أن يقتل في هذا اليوم، أما من قتله فهذا تاريخ طويل، دعوه لينصروه فخذلوه، فقتل، دعوه فقتل بسببهم، وأصبحوا بعد ذلك يقيمون المآتم، ويصيحون الصياح، ويفعلون ما لم يشرعه الله إحياءً لهذه الذكرى.

    هذا اليوم إذا تذكر فيه الإنسان المسلم هذه المصيبة، فعليه أن يفعل ما أمره الله عز وجل به إذا أصيب بالمصائب، وهو قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، إذا تذكر الإنسان هذه المصيبة العظيمة، فهذا هو الموقف الشرعي منها، لم يكن من دين الحسين ولا من دين أبيه ولا من دين جده النياح، والصياح، وضرب الخدود، وشق الجيوب، بل قد قال عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية، والنائحة إذا لم تتب ) (النائحة) هي التي ترفع صوتها بالبكاء لتهيج الأحزان ( النائحة إذا لم تتب أقيمت يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب )، مهددة بهذه العقوبة الشديدة، فليس من دين الإسلام في شيء النياحة على الميت، وليس من دين الإسلام في شيء لطم الخد، أو نتف الشعر، أو شق الثوب، أو ضرب الصدر، فهذا ليس من ديننا في شيء، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة بتسميته من أمر الجاهلية، فمحب الحسين على الحقيقة هو من يحيي ملة جد الحسين ، محب الحسين على الحقيقة هو من يحيي دين جد الحسين ، أما الدعاية وادعاء الإنسان ما ليس فيه فزور وبهتان:

    وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك

    إذا سالت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكا

    والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء

    الدعوة وحدها لا تفيد، دعوى المحبة تحتاج إلى الاتباع والاقتداء والائتساء، هكذا يقول الحسن البصري رحمه الله في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، قال: ادعوا محبة الله فامتحنهم الله بهذه الآية، ادعوا أنهم يحبون الله ويحبون رسوله، فاختبر الله هذه المحبة بهذه الآية، فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، هذا هو ميزان المحبة، وهذا هو مقياس المحبة، فمن أحب شخصاً تمثل به، من أحب شخصاً اقتدى به، من أحب شخصاً حرص على أن يكون مثله، فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

    فمقياس محبة الله ومحبة رسوله ومحبة آل بيته القيام بدينه كما أراده الله عز وجل، وهو الطريق الموصل إلى محبة الله، كما قال سبحانه في الحديث القدسي: ( ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به )، يقول ابن كثير رحمه الله: ليس الشأن كل الشأن أن تحِب، ولكن الشأن كل الشأن أن تحَب، فرق بين أن تحِب وبين أن تحَب، قد تحِب ومن تحبه لا يحبك، وهذه محبة لا تنفعك، الشأن كل الشأن أن تحَب، نحن مطالبون بأن نحب الله، ونحن مطالبون في الوقت ذاته أن نسلك السبيل الذي يوصلنا إلى أن يحبنا الله.

    إذا أردت الوصول إلى أن يحبك الله فهذا هو الطريق، امتثال شرعه، واقتداء سنة نبيه، والاستكثار من الأعمال الصالحات: ( ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ).

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يشغل قلوبنا بحبه، وألسنتنا بذكره، وجوارحنا بطاعته، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756517035