إسلام ويب

تفسير سورة فصلت (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أرسل الله رسله بالدين القويم، وأنزل عليهم الآيات والذكر الحكيم، وأيدهم بالمعجزات والكرامات، ثم بعد ذلك بث آياته المعجزات في الأرض والسموات، وجعل خلق الإنسان آية في الإعجاز والقدرة والتدبير، لعل قلوباً مستنيرة تفقه، ولعل أعيناً مفتوحة تبصر، ولعل آذاناً تسمع، فقبل أهل القلوب الحية الحق واتبعوه، وامتنع أهل الشك والمرية عن الدين وقلوه، والله عز وجل بهم محيط لكنهم لقدره سبحانه ما قدروه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ [فصلت:52-54].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ [فصلت:52]، أي: قل يا رسولنا! المبلغ عنا لقومك مشركي قريش، المكذبين بنبوتك ورسالتك، المكذبين بلقاء الله، قل لهم: أَرَأَيْتُمْ [فصلت:52]، أي: أخبروني إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [فصلت:52]، أي: القرآن الذي كذبتم به، ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ [فصلت:52] كيف تكون حالكم؟ فيكون المعنى: إن كان هذا القرآن الكريم الذي أنزله الله علي فأصبحت بذلك نبياً ورسولاً مرسلاً إليكم وليس من عند غيره ثم كفرتم فإن حالكم تصبح أقبح حال وأسوأها وشرها، وضلال لا حد له. وهذه دعوة الله لهم لأن يؤمنوا برسالة نبيه، وبكتابه الذي أنزله على رسوله. فهو يقول لهم: أخبروني إن كان هذا الذي أقوله لكم وهو القرآن الكريم من عند الله ثم كفرتم به، هل يوجد من هو أضل منكم وأشقى؟ كما قال: مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [فصلت:52]. وهم في شقاق بعيد لا حد له، فالذين كذبوا بالإسلام وكفروا به في شقاق والله أبعد شقاق.

    وهكذا يدعوهم إلى الإيمان بكتابه ورسوله ولقائه، فيتهيئوا للعمل الصالح والبعد عن العمل الفاسد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ...)

    قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا [فصلت:53]. فالرب تبارك وتعالى يقول: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا [فصلت:53]، أي: سأري هؤلاء المشركين الكفار من قريش آياتنا أولاً: فِي الآفَاقِ [فصلت:53]، وثانياً: وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53]. والآيات جمع آية، وهي في لسان العرب: العلامات الدالة دلالة قطعية على وجود الرب تبارك وتعالى، وعلى ربوبيته وألوهيته، وعلى علمه وقدرته، وعلى حكمته.

    آيات الله في الآفاق

    آيات الله في الآفاق، فانظروا إلى السماء، وتفكروا من أوجد هذه الكواكب، وهذه الشمس من أضاءها، وهذا القمر من نوره، وفي هذه السحب والأمطار، فالذي فعل والله هو الله. وهذا يدل على وجوده وعلى ربوبيته، وعلى ألوهيته وعلى سعة علمه، وعلى حكمته وعلى قدرته على كل شيء. فقولوا: آمنا بالله إذاً.

    وكذلك هذه الآيات في الآفاق، فانظروا إلى الإسلام كيف انتشر من مكة إلى شرق الجزيرة وإلى غربها، وإلى جنوبها وإلى شمالها إلى أن وصل إلى الأندلس غرباً، وإلى السند والهند شرقاً، ووالله سينتظره العالم بكامله، وسيأتي يوم لم يبق فيه إلا الإسلام، وسيضم الآفاق كلها. وإن يوماً سيأتي يظهر الله فيه الإسلام على كل دين، ولن يبق دين سوى الإسلام.

    آيات الله في الأنفس

    من آيات الله في الأنفس: أن ينظر الكافرون أنهم يوم بدر سوف ينهزمون وينكسرون وفي فتح مكة. فكل هذا في أنفسهم. فهم يشاهدون آيات الله وقدرة الله وعلم الله، ونبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك ينظرون في أنفسهم أيضاً، فهم يدخلون الماء والطعام من فم واحد، ثم يتحول الطعام إلى براز، والماء إلى بول، والمسلك واحد. وليس هناك آية أعظم من هذا، ولا يقدر على هذا أحد من الخلق. وكذلك العين قطرة ماء فقط، ونحن ننظر بها هذا الكون. ما هي العين؟ قطرة ماء فقط.

    وكذلك ينظرون إلى الأذن، ويتفكرون كيف تسمع بها الأصوات، وتميز بين صوت الرجل والمرأة، والقريب والبعيد، وليس لك هذا بالحيلة والقدرة والطاقة. فهذه آيات الله الدالة على علمه وحكمته، وعلى قدرته وعلمه الموجب لعبادته دون من سواه. ما لهم لا ينظرون ولا يفكرون؟

    هكذا يقول تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ [فصلت:53] في الأرض والسماء، وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53]. وتبين لهم أنه الحق، ودخلوا في الإسلام، وما قبض الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وكل العرب في الإسلام. والحمد لله.

    علم الله شامل لكل شيء

    قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53]؟ وهذا لا يعجز عن إنزال هذا الكتاب وهذا الوحي وإرسال هذا الرسول.

    وقوله: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53]؟ أي: مطلع عليهم خبير؛ إذ هو الخالق والمدبر، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. فليؤمنوا إذاً برسالة رسوله، وليؤمنوا بكلامه وكتابه، ولا يقولوا: سحر أو شعر، وما إلى ذلك. أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53]؟ وقد شهد لك بالنبوة والرسالة، وشهد أن هذا القرآن كلامه أنزله على رسوله. فاقبلوا شهادة الله، فليس هناك شهادة أكبر من شهادة الله، وقد شهد الله بأنك رسوله، وشهد أن هذا الكتاب أنزله، فقال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ [النساء:105]. فأين يذهب بعقول هؤلاء الكافرين المشركين؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ...)

    قال تعالى: أَلا [فصلت:54]. واليوم الأطفال الصغار والكبار يأخذ أحدهم الهاتف ويقول: ألو، ولو سألتهم عن معناها قالوا: ما ندري. فهذه وجدت مع التليفون. وقد قلنا: ألا هذه جاء بها كتاب الله، وهي من لسان العرب الذي نزل به القرآن، ومعنى ألا: اسمع وانتبه وع ما أقول لك.

    قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ [فصلت:54]، أي: إن هؤلاء المشركين المحاربين لك يا رسولنا! الواقفين ضدك ما آمنوا برسالتك، ولا بكتاب ربك، فهؤلاء هم في مرية وفي شك عظيم من لقاء ربهم، ولو آمنوا بأنهم يلقون ربهم ويقفون بين يديه، ويحاسبهم ويجزيهم والله ما كفروا، وما وقفوا هذا الموقف. ولكن العلة هي: أنهم ما آمنوا بلقاء ربهم، ولا آمنوا بوجود الله وربوبيته، ولا آمنوا بلقائه.

    والحقيقة التي أكرر القول فيها: إن الإنسان ذكراً أو أنثى .. عربياً أو عجمياً إذا لم يؤمن بالبعث والدار الآخرة لا يمكن أن يستقيم، وأنه لا يعول عليه في شيء، ولا يوثق فيه في شيء، ولا يصدق بشيء؛ لأنه شر الخلق. ولهذا كل السور المكية تقرر هذه الحقيقة، أي: البعث الآخر والدار الآخرة، ويوم القيامة والساعة؛ لأن هذه الدار دار عمل فقط، وليست دار جزاء، والدار الآخرة هي دار الجزاء.

    وقد كررنا أن سر هذه الحياة وسبب خلق هذه الحياة هو: من أجل أن يذكر الله تعالى فيها ويشكر، أو بعبارة أوضح من أجل أن يُعبد الله فيها، والله العظيم هذا سر هذه الحياة. وقد قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فقط. والحياة الثانية خلقها وأوجدها من أجل أن يجزي العاملين هنا عليها في الدار الآخرة، فهذه الدار دار عمل، والدار الثانية دار جزاء. هذه هي الحقيقة التي لا ينكرها إلا كافر أو جاهل.

    فسر هذه الحياة هو العمل، وسر الحياة الثانية الجزاء، إما بالنعيم المقيم في الجنة دار السلام، وإما بالعذاب الأليم في النار دار البوار والخلود الأبدي.

    ويدلك على هذا أننا ما نخلد هنا، بل نموت. ومعنى هذا: أننا نعمل هنا، فإذا فرغنا من العمل ننتقل إلى الجزاء والله العظيم، سواء نعمل الصالحات أو الطالحات، ولما ينتهي العمل ننتقل إما إلى النعيم المقيم وإما إلى العذاب الأليم.

    وهو هنا تعالى يقول: أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ [فصلت:54]. فيا للعجب! فهم في شك كبير من لقاء الله، وما يؤمنون بأنهم سيبعثون أحياء كما كانوا في الدنيا، ويسألون ويجزون بعملهم في هذه الدنيا، ولو آمنوا بهذا ما وقفوا هذا الموقف بالتكذيب والكفر.

    ثم قال تعالى: أَلا [فصلت:54]، أي: انتبهوا، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ [فصلت:54]. ولا يخفى عليه من أمر الخلق شيء، لا ظاهر ولا باطن، ولا أول ولا آخر، فقد أحاط علمه بكل شيء، وأحاطت قدرته بكل شيء، وأحاطت حكمته بكل شيء، ولا توجد ذرة إلا ولها حكمة من أجلها خلقها الله. فقولوا: آمنا بالله، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولقاء الله حق، وكلام الله، وكتابه حق.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    من هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات.

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: التنديد بالكفر بالقرآن، والتكذيب بما جاء فيه من الهدى والنور ] وويل للمكذبين بكتاب الله، ويوجد اليوم من لا يؤمن بالقرآن وأنه من كلام الله، وهم كل اليهود والنصارى والمجوس، وكل الأمم ما عدا جماعة المسلمين لا يؤمنون بأن القرآن كلام الله أبداً، بل هم مكذبون به. فندد الله تعالى بهم.

    [ ثانياً: لا أضل ممن يكذب بالقرآن؛ لأنه يعيش في خلاف وشقاق لا أبعد منه ] فلا يوجد من هو أضل من أمة أو جماعة أو فرد يعيش بعيداً عن القرآن، وها نحن نشاهد أمة الإسلام من يوم ما انصرفت عن القرآن وتركته فلا تقرؤه على الموتى، وهي في الضلال. وهذا هو الواقع. فمن يوم أن أعرضت أمة القرآن عن القرآن وحولوه إلى الموتى وهم في الشقاق والخلاف، والنزاع والصراع، والضعف والعجز. وهذا كما نقول: الطعام يشبع، والماء يروي. إذاً: الكفر بالقرآن يهلك ويدمر ويخرب. وهذه سنة الله التي لا تتبدل.

    [ ثالثاً: صدق وعد الله تعالى؛ حيث أرى المشركين وغيرهم آياته الدالة على وحدانيته، وصحة دينه وصدق أخباره، ما آمن عليه البشر الذين لا يعدون كثرة ] فصدق وعد الله تعالى، فقد قال: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53]. وأراهم والحمد لله. فصدق وعد الله، وما مات الرسول صلى الله عليه وسلم حتى انتشر الإسلام في الجزيرة كلها وتجاوزها، وأراهم العذاب في بدر وهلكوا منه، وفي فتح مكة أراهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم أيضاً. فصدق وعد الله.

    [ رابعاً: ما من اكتشاف ظهر ] في الكون [ ويظهر إلا والقرآن أدخله في هذه الآية: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53] ] ومنها هذه الصناعات العجيبة، فالقرآن قد أشار إليها في هذه الآية: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53]. وأرانا الله عز وجل ما لم نكن نراه ولا نسمع به نحن والبشر كلهم. فهذا الهاتف الذي تتكلم به مع الشرق والغرب وهذا الطيران في السماء وغير ذلك هذا كله من آيات الله الدالة على وجوده وعلى ألوهيته، وعلى حكمته وعلى علمه وإرادته. فقولوا: آمنا بالله.

    [ خامساً: الإشارة إلى أن الإسلام سيعلم صحته، وسيدين به البشر أجمعون في يوم ما من الأيام ] فكما قلت لكم: في هذه الآيات إشارة إلى أن القرآن سينتشر في العالم بأسره، ولن يبق أي دين إلا الإسلام قبل أن تقوم الساعة.

    [ سادساً ] وأخيراً: [ تقرير البعث والجزاء، ومظاهر قدرة الله تعالى المقررة له ] والمراد من البعث يرحمكم الله: أن يبعثنا الله من الأرض أحياء، ويجزينا على كسبنا في هذه الدنيا. فهذا البعث يعني: أنه يبعثنا من تحت الأرض، فنخرج وإذا بنا أحياء كما كنا، بل أفضل مما كنا، ويجزينا على عملنا في هذه الحياة الدنيا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756919577