إسلام ويب

تفسير سورة لقمان (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا بعث الله الرسل وأنزل معهم الكتب انقسم الناس عند ذلك إلى قسمين: قسم يصدق رسل الله ويؤمن بما جاءوا به ويتبع سبيلهم، فذاك قسم موعود عند الله بالأجر العظيم والتمكين في الدنيا، والخلود في جنات رب العالمين في الآخرة، وقسم مكذبون معرضون، وللآيات جاحدون، وعن نورها وهدايتها عمون، فأولئك جزاؤهم في الآخرة العذاب الأليم في نار الجحيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ...)

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع سورة لقمان الحكيم، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ * وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان:22-26].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان:22]، هذا وعد الله الصادق، أبشروا فتح الله في وجوهكم باب رحمته؛ لتدخلوا دار السلام آمنين مطمئنين، وادفعوا المقابل.. ادفعوا العوض، ألا وهو أن تسلموا قلوبكم، ولا تتقلبوا إلا في طلب رضا الله، ولا تلتفت في وجهك إلى غير الله، بل أسلم جوارحك لله، واجعل كل حركاتك وسكناتك لله، وهذا شأن المؤمن بالله ولقائه.

    وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [لقمان:22]، والحال أنه محسن في تلك العبادة وفي تلك الطاعة، يؤديها على الوجه المطلوب، ويؤديها على ما أداها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعالمون.

    فهذا وعد الله الصدق يشمل الأبيض والأسود، العربي والعجمي، وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [لقمان:22]، فأسلم قلبك، والوجه تابع للقلب، واجعل قلبك لا يتقلب دائماً إلا في طلب رضا الله، واعبد الله بما شرع أن تعبده من إقام الصلاة إلى الرباط في سبيل الله، وتلك العبادات كلها يتضمنها إسلام القلب والوجه لله، ثم أحسن تلك العبادة، وأدها على الوجه الذي أداها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تزد ولا تنقص ولا تقدم ولا تؤخر وأدها على الوجه المطلوب، فإن فعلت هذا فأبشر، فقد استمسكت بالعروة الوثقى يا عبد الله! وإلى دار السلام إن شاء الله.

    وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [لقمان:22]، أي: يعبد الله عبادة شرعها الله، يؤديها كما أداها رسول الله وأصحابه والمؤمنون العالمون، فمن فعل هذا فقد أخبر تعالى عنه أنه: اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان:22]، التي يصل بها إلى الجنة دار السلام، ولا خوف عليه ولا حزن، ولا يسقط ولا تأكله الدواب ولا الحيوانات، وهذا وعد من الله عز وجل لعباده: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ [لقمان:22]، أي: قلبه، حيث يتجه دائماً حيث رضا الله، ثم يعبد الله بما شاء أن يعبد، ثم يؤدي العبادة على الوجه المطلوب؛ حتى تزكي نفسه وتطهرها، وتطيب قلبه، فيصبح أهلاً لرضا الله وولاية الله، بعد ذلك فليعلم أنه قد أخذ بالعروة الوثقى، ولن يحول بينه وبين دخول الجنة حائل، وهذه بشرى.

    وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [لقمان:22]، يطيع الله بما شرع أن يطاع فيه بهذه العبادات، ويحسنها ويؤديها على الوجه المطلوب، وأخبر تعالى أنه قد استمسك، أي: تمسك بالحبل والعروة الوثقى لا يسقط منها إلا إلى الجنة، فلا خوف عليه ولا حزن، وهذا كقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وهم: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أسلم وجهه لله وعبد الله أحسن العبادة.

    فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [لقمان:22]، خبر ثانٍ، عاقبة الأمور إلى الله، ومن هنا فليبشر هذا العبد الذي أسلم وأحسن؛ لأن العاقبة لله عز وجل، فليبشر وليفرح وليسر بأن الجنة هي دار نزوله ومأواه، فهذا الخبر وعد إلهي.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن كفر فلا يحزنك كفره ...)

    قال تعالى: وَمَنْ كَفَرَ [لقمان:23] أي: كفر بالله ولقائه، وكفر بكتبه ورسله، وكفر بشرع الله وبعبادته، فلا يحزنك يا رسولنا كفره، فقد بينا الطريق، ووضحنا السبيل ووضعنا العلامات لذلك، فمن استجاب فقد فاز وأخذ بالعروة الوثقى ونجا، ومن كفر ورفض الإيمان والدعوة والعمل الصالح، فلا تحزن عليه ولا يضرك ذلك أبداً بحال من الأحوال.

    وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ [لقمان:23]، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل داعٍ يدعو إلى الله في البشرية، من استجاب له نجا، ومن أعرض ولم يستجب هلك.

    وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ [لقمان:23]، لا إلى غيرنا، عندما يموت الكافرون والمشركون والفاسقون والفاجرون تعود أرواحهم إلى الله لا إلى غيره، فليس هناك سلطان ولا حاكم ولا قاضي ولا دولة ولا حزب ولا جماعة، تئول إليهم أرواح الناس ويتصرفون فيها، فينجونها من عذاب الله.

    إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ [لقمان:23] أي: بعد موتهم، فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا [لقمان:23]، عملاً بعد عمل، ساعة بعد ساعة، فكل ذنوبهم وآثامهم وكفرهم وشركهم أعلمهم به وأطلعهم عليه لأجزيهم بذلك.

    فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [لقمان:23]، أي: كل ما في القلب من عقيدة، من حب، من سخط، من رضا، من كذا.. الله عز وجل مطلع عليه، ما تحمله صدور البشر من عقائد صحيحة أو فاسدة، من نيات فاسدة أو صحيحة، الله عز وجل مطلع على ذلك، عليم به، ومن ثم يكون الجزاء في الدار الآخرة قائماً على العدل، الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها.

    وهكذا يقول تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [لقمان:23]، ويجزي بحسب علمه الذي علم ما في صدور البشر وما في قلوبهم من خير أو شر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ)

    ثم قال تعالى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:24]، هؤلاء الكافرون المشركون، المحاربون للإسلام المعاندون، وهؤلاء المصرون على الكفر والعياذ بالله تعالى نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا [لقمان:24] أي: في هذه الدنيا حتى تنتهي أعمارهم، فهذا خمسون سنة وهذا ستون عاماً، وهذا عشرة، نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ [لقمان:24]، أي: نلجئهم إلجاءً إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:24]، ألا وهو عذاب النار، وهذا خبر آخر ووعيد إلهي: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا [لقمان:24]، في دنياهم بالطعام والشراب واللباس، ثم تنتهي آجالهم فيلجئون إلجاءً ويضطرون اضطراراً إلى جهنم، إلى العذاب الغليظ ألا وهو عذاب النار -والعياذ بالله-.

    فهكذا يقول تعالى لرسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ كَفَرَ [لقمان:23] يا رسولنا! فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ [لقمان:23]، لماذا؟ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:23-24]، ألا وهو عذاب جهنم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ...)

    ثم قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ [لقمان:25] أي: يا رسولنا لئن سألت هؤلاء المشركين الكافرين المصرين على الشرك والكفر من كفار قريش والعرب وغيرهم، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [لقمان:25]، والله! لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، لأن العرب المشركين وغيرهم قبل المذهب البلشفي الشيوعي، قبل المادية وهذه الصهيونية، كانت البشرية كلها مؤمنة بالله، ليس هناك من ينكر وجود الله أبداً، فكيف ينكر وجود الله وهو أوجده؟! وكيف ينكر وجود الخلاق والمخلوقات و..؟! مستحيل.

    فالعرب بالذات لو سألت الكافر منهم: من خلقك؟ سيقول: الله. أو سألته: من خلق السماوات والأرض؟ سيقول: الله. من أوجد هذه الجبال وهذه الوهاد وهذه البحار؟ لقال: الله. لن يقول: عمي ولا خالي ولا فلان ولا.. مستحيل هذا.

    وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ [لقمان:25] يا رسولنا قائلاً: مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، فهو الذي خلق، وهو كذلك.

    مرة ثانية أقول: قبل وجود العلمانية وهذه المادة الإلحادية البلشفية التي أوجدها اليهود، كانت البشرية كلها تؤمن بوجود الله، ولا يوجد من يقول: الله خالق هذا الكون غير موجود، بل يعرف أنه موجود.

    وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] هو الذي خلقها، إذاً: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [لقمان:25]، الحمد لله.. الحمد لله، اعترفوا بوجود الله بأنه الخالق فالحمد لله، إذاً لِم لا يحمدون الله وقد عرفوا أنهم مخلوقون وخالقهم هو الله عز وجل، وأن الحياة مخلوقة والله خالقها ومن أجلهم؟! احمده أنت؛ لأنهم أموات، وإلا المفروض يقولون: الحمد لله.

    قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [لقمان:25]، وهذه الحقيقة التي تتقرر في كتاب الله مئات المرات أن سبب الكفر الجهل، وأن سبب العصيان والتمرد والفسق والفجور الجهل، عرف أن الله هو الذي خلق، لكن من عرفه بالله، بأسمائه، بصفاته، بجلاله، بكماله، بكتبه وما أنزل على رسله؟

    ما عرفوا، أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [لقمان:25]، لو كانوا يعلمون، لبكوا وانطرحوا على الأرض يبكون، حتى تدلهم على ربهم وتعرفهم به ليحبوه ويرهبوه، ولكن مع الأسف: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [لقمان:25]. فالآن أكثر البشرية طاروا في السماء وغاصوا في الماء، وأوجدوا هذه العجائب من الصنائع، والله! أكثرهم لا يعلمون، فلو علموا لجاءوا يسألونكم عن الله، وكيف يعبدونه ويتقربون إليه، وبم يعبدونه وبم يتقربون إليه؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد ...)

    ثم قال تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [لقمان:26] سواء يعبدون الله أو لا يعبدونه، فليس في حاجة إلى عبادتهم، فوالله! ما الله في حاجة إلى عبادة العابدين أبداً ولا يضره كفر الكافرين ولا يؤذيه فسق الفاسقين أبداً؛ لأنه فوقهم وبيده ملكهم وإليه مصيرهم، فكيف إذاً يبالي بهم؟! ولكن لرحمته وللطفه ولإحسانه يريد أن يعبدوه ليسعدوا ويكملوا في الدنيا والآخرة، أما الحاجة إليهم والله! لا حاجة به إليهم.

    لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [لقمان:26]، من كل الموجودات، ومن كل الكائنات هو مالكها والمتصرف فيها، وليس في حاجة إلى شكرهم ولا إلى عبادتهم، إلا أن العبادة هذه تصلح لهم وتعود منافعها عليهم.

    إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان:26]، غناه مطلق وليس في حاجة إلى كائن أو إلى مخلوق لا في السماء ولا في الأرض، وهو المحمود بكل صفاته وأعماله وأفعاله، فكيف بالذي رفع هذه القبة لا يحمد ولا يشكر؟!

    فالذي أوجدنا يجب أن يحمد، وكل الكون يحمد الله عز وجل على ما خلق وصنع، وليس في حاجة إلى عبادتهم ولا إلى شكرهم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    قال: [بعد إقامة الحجة على المشركين في عبادتهم غير الله، وتقليدهم لآبائهم في الشرك والشر والفساد -في الآيات التي تقدمت- قال تعالى مرغباً في النجاة داعياً إلى الإصلاح: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [لقمان:22]، أي: يقبل بوجهه وقلبه على ربه يعبده متذللاً له خاضعاً لأمره ونهيه. وَهُوَ مُحْسِنٌ [لقمان:22]، أي: والحال أنه محسن في عبادته إخلاصاً فيها لله، واتباعاً في أدائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان:22]، أي: قد أخذ بالطرف الأوثق فلا يخاف انقطاعا أبداً -فقد.. أي: قد أخذ بالطرف الأوثق الأمتن، فلا يخاف انقطاعا أبداً- وقوله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [لقمان:22]، يخبر تعالى أن مرد الأمور كلها لله تعالى يقضي فيها بما يشاء فليفوض العبد أموره كلها لله إذ هي عائدة إليه فيتخذ بذلك له يداً عند ربه.

    وقوله لرسوله: وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ [لقمان:23]، أي: أسلم وجهك لربك وفوض أمرك إليه متوكلاً عليه ومن كفر من الناس فلا يحزنك كفره، أي: فلا تكترث به ولا تحزن عليه. إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ [لقمان:23]، أي: فإن مردهم إلينا بعد موتهم ونشورهم وبعثهم من قبورهم. فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا [لقمان:23]، في هذا الدار من سوء وشر وفساد ونجزيهم به. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [لقمان:23]، أي: بما تكنه وتخفيه من اعتقادات ونيات وبذلك يكون الحساب دقيقاً والجزاء عادلاً.

    وقوله تعالى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا [لقمان:24]، أي: نمهل هؤلاء المشركين فلا نعاجلهم بالعقوبة فيتمتعون مدة آجالهم وهو متاع قليل، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ [لقمان:24]، بعد موتهم ونشرهم، إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:24]، أي: نلجئهم إلجاءً إلى عذاب غليظ ثقيل لا يحتمل ولا يطاق وهو عذاب النار، نعوذ بالله منها ومن كل عمل يؤدي إليها.

    وقوله تعالى في الآية: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، أي: ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين قائلاً لهم: من خلق السموات والأرض؟ لبادروك بالجواب قائلين: الله. إذاً: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [لقمان:25]، على إقامة الحجة عليكم باعترافكم، وما دام الله هو الخالق الرازق كيف يعبد غيره أو يعبد معه سواه؟! أين عقول القوم؟! وقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [لقمان:25]، أي: لا يعلمون موجب الحمد ولا مقتضاه، ولا من يستحق الحمد ومن لا يستحقه؛ لأنهم جهلة لا يعلمون شيئاً.

    وقوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [لقمان:26]، أي: خلقاً وملكاً وعبيداً ولذا فهو غني عن المشركين وعبادتهم فلا تحزن عليكم ولا تبال بهم عبدوا أو لم يعبدوا. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ [لقمان:26]، عن كل ما سواه، الْحَمِيدُ [لقمان:26]، أي: المحمود بعظيم فعله وجميل صنعه].

    هداية الآيات

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: بيان نجاة أهل لا إله إلا الله، وهم الذين -أسلموا وجوههم لله- عبدوا الله وحده بما شرع لهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم]، هذا من هداية قوله تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [لقمان:22].

    [ثانياً: تقرير عقيدة البعث والجزاء]، لابد من حياة ثانية يتم فيها الجزاء على الدنيا، وعلى العمل في هذه الدنيا.

    [ثالثاً: بيان أن المشركين من العرب موحدون في الربوبية مشركون في العبادة، كما هو حال كثير من الناس اليوم، يعتقدون أن الله رب كل شيء ولا رب سواه، ويذبحون وينذرون ويحلفون بغيره، ويخافون غيره ويرهبون سواه، والعياذ بالله]، وهم يعتقدون أن الله رب كل شيء ومليكه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756581534