إسلام ويب

كتاب التوحيد [9]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك جملة من الألفاظ المنهي عنها؛ لكونها وسيلة إلى الشرك بالله تعالى، ومن ذلك قول: (عبدي) و(أمتي)، وقول: (لو) عند الندم على ما فات، وسب الريح، وغير ذلك من الألفاظ التي يجب على العبد الحذر منها ليسلم له توحيده وإيمانه.

    1.   

    النهي عن قول: عبدي وأمتي وعلته

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

    فقد سبق في الدرس الماضي ما يتعلق بشرك الألفاظ، وسبق أن ذكرنا مجموعة من القواعد تتعلق بالألفاظ الشركية، وفي هذا الدرس سنكمل التطبيق في بيان شرك الألفاظ.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بابٌ لا يقول: عبدي وأمتي.

    في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي)].

    إذا قال القائل: (عبدي)، لمن يملكه من العبيد، أو قال: (أمتي)، لجارية يملكها، فالأصل هو جواز هذا اللفظ، إلا إذا اقترن به قصد فاسد، وهو تعظيم النفس ومحاولة تشبيهها بالإله، وقد سبق أن بينَّا أن الألفاظ المنهي عنها لوجود شائبة من شوائب الشرك تنقسم إلى قسمين: قسم لا ينظر فيه إلى قصد صاحبه؛ لأن ظاهره أنه لفظ شركي، بغض النظر عن صاحبه، ولكن عند الحكم عليه لا بد من معرفة نيته وإرادته، وأما لفظه فإنه لفظ شركي، مثل (ما شاء الله وشئت)، ومثل الحلف بغير الله سبحانه وتعالى، والإقسام على الله عز وجل، إذا كان الله عز وجل حتى نحكم بأنه منهي عنه قصد القائل هو تعظيم النفس والإدلال على الله سبحانه وتعالى ونحو ذلك، أما إذا كان على سبيل الثقة بالله سبحانه وتعالى فهو جائز، كما فعله سعد بن عبادة ، ولكن لا يكون من أي أحد، وإنما يكون من الأولياء الصادقين الصالحين الذين لهم تعبد ولهم صدق وصلاح.

    فالأصل هو جواز هذا اللفظ (عبدي) و(أمتي)، فيصح للإنسان أن يقول: هذا عبدي، وهذه أمتي، ولكن إذا كانت النية قصد التعظيم ومشابهة الإله في كون الإله له عبيد وإماء، فلا شك في أنه لفظٌ شركي وليس بلفظٍ شرعي.

    ولهذا يرى الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في (القول السديد) أن النهي عن قوله: (عبدي) و(أمتي) نهي للكراهة، وأن ترك ذلك مستحب، وليس المقصود بالنهي هنا التحريم، كما سبق في كلمة (لولا الكلبة لسرقنا اللصوص)، فإنها بحسب قصد القائل، فإذا قصد نسبة الأسباب إلى غير الله عز وجل وتعظيمها فلا شك في أن هذا من الألفاظ الشركية، وأما إذا لم يقصد ذلك، وإنما قالها على سبيل ذكر السببية -وكان ذلك الشيء سبباً في حقيقة الأمر- فهذا لا شيء فيه، ولا إشكال فيه، وهو جائز.

    1.   

    النهي عن رد من سأل بالله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بابٌ لا يرد من سأل بالله.

    عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعو له حتى تُروا أنكم قد كافأتموه) رواه أبو داود والنسائي بسندٍ صحيح.

    بابٌ: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.

    عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) رواه أبو داود ].

    نلحظ هنا أن هذين البابين بينهما علاقة، فالباب الأول (لا يرد من سأل بالله) سبحانه وتعالى، فهذا خطاب للمسئول، فمن سأل بالله فلا يرده المسئول، والباب الثاني يتعلق بالسائل، فالسائل لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، والمسئول إذا سأل بالله فلا يرده تعظيماً لله سبحانه وتعالى.

    والمقصود من هذا الباب هو بيان عظمة الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان إذا سأل بالله شخصاً سؤال عزيمة وليس هناك مفسدة تترتب على تحقيق سؤاله بالله عز وجل، فلا شك في أنه يجب عليه أن يجيب هذا السائل؛ لأن لله عز وجل منزلة عظيمة في نفس المسلم ونفس المؤمن، فلا بد من أن يجيب السائل إذا سأله بالله عز وجل، وهذا مقيد بشرط ألا يكون هناك مفسدة تترتب على هذا الأمر.

    والباب الثاني يتعلق بالسائل، وهو الحديث الذي رواه أبو داود : (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده سليمان بن قرم ، وهو ضعيف، وقد تفرد بهذا الحديث، والمقصود من إيراد المصنف له هو تعظيم الله سبحانه وتعالى بألا يسأل بوجهه الكريم إلا أعظم أمرٍ يريده الإنسان، وهو الجنة، وأما الأمور اليسيرة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل فيها بوجه الله، وليس المقصود به النهي عن سؤال الله عز وجل بوجهه الكريم، وإنما المقصود نهي الخلق عن أن يسأل بعضهم بعضاً بذلك، أما سؤال الإنسان الله عز وجل بوجهه الكريم -أي: اتخاذه وسيلة- فالأصل فيه الجواز؛ لأنه من التوسل الجائز، فهو من التوسل بصفات الله عز وجل، والله عز وجل يقول: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] والوجه صفة من صفاته.

    إذاً: المقصود بالحديث أولاً ألا يسأل بوجه الله إلا أمراً عظيماً وهو الجنة، وقوله: (لا يسأل بوجه الله)، يحتمل أنه لا يسأل الله عز وجل، ويحتمل أنه لا يسأل المخلوق، فأما سؤال المخلوق بوجه الله فهو ظاهر وواضح، وأما سؤال الله عز وجل بوجهه الكريم فلا شك في جوازه؛ لقوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وهذا الحديث فيه ضعف كما سبق أن بينا.

    1.   

    النهي عن قول: لو فعلت كذا لكان كذا

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في اللو، وقول الله تعالى: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154] وقوله: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168].

    وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان).

    يشترط في النهي عن (لو) القصد القلبي، فإذا قال الإنسان: لو حصل كذا لكان كذا وكذا وكان قصده الندم والتسخط على الماضي فلا شك في أن هذه تفتح عمل الشيطان، وهذه هي المرادة بالنهي.

    فالمراد بالنهي هنا: أن يكون قصد القائل عندما يقول: (لو) هو الندم والسخط والحزن ونحو ذلك من المعاني الفاسدة، أما إذا كان له قصد آخر -مثل أن يتمنى الخير- فلا شيء عليه.

    وقد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حجة الوداع عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا بعد العمرة قال لهم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) فهذا تمنِّ للخير، وليس فيه حزن وتسخط على الماضي، وورد في الحديث المشهور في الرجل الذي يتمنى أنه يقول: لو أن عندي مالاً لفعلت فيه كذا وكذا، يعني: إذا تمنى الإنسان أن يكون له مال ينفقه في الطاعة فله أجر عظيم.

    وليعلم أن (لو) ورد النهي عن استعمالها، وورد استعمالها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من الجمع بينهما؛ لأنه لا يمكن أن يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهي منهية عنها، وهذا يدل على أهمية القصد في مثل هذه الكلمات، فكلمة (لو) قد يطلقها الإنسان وهو حزين، وكأنه يتمنى استرجاع الماضي، واسترجاع الماضي ليس بيده، أو كأنه متسخط على الماضي، أما إذا كان متمنياً للخير فلا إشكال في ذلك؛ لأن الإنسان إذا قال: (لو)، وهو متسخط وحزين على الماضي فإن في قوله سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لم يرض بقدر الله عز وجل الذي قدره له، ولهذا قال: (فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)، ولهذا مثل بقوله: (ولا يقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا)؛ لأنه لا يمكن أن يحصل ذلك له، ففيها سوء أدب مع الله عز وجل واعتراض على قدره، أما إذا قالها متمنياً للخير فليس فيها ذلك المحذور الشرعي، وبناءً على هذا تكون جائزة، بل فيها طلب للخير وتمنٍ له وتربية للنفس عليه.

    1.   

    النهي عن سب الريح

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن سب الريح.

    عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به) صححه الترمذي ].

    هذا الحديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده في عمل اليوم والليلة، وهذا الباب يدخل في الباب الذي سبق أن تحدثنا عنه، وهو النهي عن سب الدهر، فإن الدهر هو الأيام والليالي التي تحصل للإنسان، والحوادث التي تحصل في هذه الأيام والليالي، فالنهي عن سب الريح داخل في عموم النهي عن سب الدهر عموماً.

    والنهي عن سب الريح تعليله اعتقاد أن الريح مدُبَّرة، وليست هي التي تدبر نفسها بنفسها، وإنما هي سببٌ من الأسباب خلقه الله سبحانه وتعالى، فليس لها ذنب، وليست مريدة لما تقوم به من عمل، بل هي مسيرة مخلوقة لله عز وجل، ولهذا فإن من سب الريح كأنه سب الذي خلقها.

    1.   

    ذكر ما جاء في النهي عن كثرة الحلف

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كثرة الحلف، وقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب) أخرجاه، وعن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ، وعائلٌ مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) رواه الطبراني بسند صحيح، وفي الصحيح عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم -قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثاً- ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)، وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)، قال إبراهيم : كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار].

    المراد بهذا الباب هو النهي عن كثرة الحلف لسببين:

    السبب الأول: أن كثرة الحلف مظنة للكذب، والكذب في اليمين يجعلها غموساً إذا كانت يميناً عن الماضي، وكونه لا يفي بها في المستقبل يدل على عدم تعظيمه لله سبحانه وتعالى.

    والسبب الثاني: أن كثرة الحلف فيها عدم تعظيم لله عز وجل.

    وقوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] حفظ الإيمان جاء على قولين عند المفسرين، وكلا القولين صحيح:

    القول الأول: أن قوله: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] يعني: احفظوا أيمانكم من كثرة الحلف، فلا تكثروا الحلف إلا فيما هو نافع ومهم.

    القول الثاني: أن المعنى: إذا حلفتم ولم تستطيعوا الوفاء فأتوا بالكفارة؛ لأن الإنسان إذا حلف ولم يستطع الوفاء لا يجوز له أن يترك يمينه دون كفارة.

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلف منفقة للسلعة) يعني: الحلف وسيلة لترويج السلعة، لكنه ممحقة للكسب، والمحق معناه: الإزالة، والكسب معناه: بركة الكسب؛ لأن السلعة إذا راجت في الدنيا فإنه يكثر الكسب من حيث العدد، ولكن تمحق من حيث البركة، ولهذا أخبر الله عز وجل أنه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] ومحق الربا معناه: إزالة البركة منه، فتجد أن صاحب المال الربوي لديه مال كثير، ولكن لا ينفع صاحبه بشيء، وهذا فيه تنبيه للباعة الذين يبيعون ويحلفون على بيعهم، وهي مسألة تكثر عند كثير ممن يشتغل بالتجارة ويشتغل بالبيع والشراء، فيدفع سلعته للشراء بيمينه، وهذا لا شك في أنه منهي عنه.

    وفي الحديث الثالث: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ) والأشيمط: هو الشيخ الذي ظهر فيه الشيب كثيراً، فإن قيل: لماذا الأشيمط الزاني أشد من الشاب الزاني؟ فالجواب أن الإنسان إذا كان كبيراً تكون رغبته في الحرام وفي الزنا أقل وشهوته أضعف، فكونه يقترف الزنا من غير دافع قوي للشهوة يدل على أنه مستخف بهذا العمل، ولهذا فإن الزنا كله من الكبائر، ولكن زنا الرجل الكبير في السن أشد من زنا الشاب؛ لأن الشاب قد يكون دافعه هو الشهوةَ لديه، بينما ذلك ضعيفٌ عند الشيخ الكبير، وكلاهما يستويان في كون الزنا من الكبائر، ولكنَّه بالنسبة للأشيمط الزاني أكبر، ولهذا يقول أبو الفتح البوستي :

    هب الشبيبة أبدت عذر صاحبها ما عذر أشيب يستهويه شيطان

    يقول: هب الشبيبة -أي: كون الإنسان صغيراً في سنه- أبدت عذر صاحبها، بأن عنده نزوات قد لا يستطيع التحكم بها إذا كان ضعيفاً، والأصل أن المسلم يستطيع التحكم في نفسه، يقول: فما عذر أشيب -يعني: رجل كبير جرب الحياة وعرفها وأصبحت النزوات عنده أضعف من غيره- يستهويه شيطان، أي: لا عذر له.

    قال صلى الله عليه وسلم: (وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) والعياذ بالله، وهذا هو الذي يتخذ اليمين وسيلة لإنفاق السلعة أو وسيلة للشراء، حيث يقلل المبلغ، مثل أن يأتي إلى شخصٍ فيقول: هذا المسجل وجدته في الدكان الفلاني، فيحلف على أنه وجده بكذا من السعر، فهو يكذب في هذا، وجعله أمراً مستديماً بالنسبة له، فلا شك في أن هذا يدل على عدم تعظيم الله سبحانه وتعالى.

    وبقية الحديث هي في القرون المفضلة الثلاثة، ثم ذكر أوصاف القرون التي تلي هذه القرون المفضلة الثلاثة، وهي عصورنا هذه التي نعيش فيها اليوم، ذكر من أوصافهم أنهم قوم (يشهدون ولا يستشهدون)، يعني: لا تطلب منهم الشهادة ومع هذا يشهدون، (ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن).

    وقوله: (يظهر فيهم السمن)، ليس المقصود به أن السمن في ذاته مذموم، ولكن دلالة السمن سببها عدم الحركة وعدم الجهاد وعدم إقامة شعيرة الجهاد في سبيل الله؛ لأن المجاهدين الذين يتحركون ويقاتلون ويبذلون لا يمكن أن يحصل فيهم السمن، والسمن نقصد به السمن الاختياري؛ لأنه أحياناً قد يبتلى إنسان بِسمَنٍ ليس اختيارياً، كـوكيع بن الجراح رحمه الله، فقد كان من علماء العراق، وهو شيخ الشافعي ، وكان رجلاً سميناً جداً، مع أنهم كانوا يسمونه راهب الكوفة من كثرة الصيام، وقد سئل ذات يوم: لماذا أنت سمين بهذه الطريقة؟ فقال: من فرحي بالإسلام. يعني: السبب الذي جعلني سميناً بهذه الطريقة فرحي بالإسلام.

    والمقصود بالسمن المنهي عنه هنا: هو السمن الاختياري، وهذا هو الذي انتشر في زماننا هذا، والسبب أنه ليست هناك معسكرات لإعداد الشباب والناس للجهاد في سبيل الله، وليس هناك جهاد في سبيل الله، وليس هناك إرادة لإقامة هذه الشعيرة في هذا الزمن. فيبدو أن هذا هو سبب النهي، وليس المقصود بالنهي كون الإنسان يكون سميناً في ذاته، وهذا من جهة. ومن جهة أخرى يذم للسمن لأنه دلالة على الترف وانتشار المال والركون إلى الدنيا بشكل كبير.

    1.   

    ذكر ما جاء في تعظيم ذمة الله وذمه نبيه صلى الله عليه وسلم

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقول الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91].

    وعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه في خاصَّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، فقال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلُّوا ولا تغدِروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصالٍ -أو خلال-، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم إنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، ويجري عليهم حكم الله تعالى الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيءٌ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، فإن همْ أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه، وإذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله فيهم أم لا؟) رواه مسلم .

    أهمية الوفاء بالعقود والعهود

    المراد بهذا الباب هو تعظيم ذمة الله سبحانه وتعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على أهمية الوفاء بالعقود والعهود، سواء أكانت هذه العقود والعهود فردية أم جماعية، والله عز وجل يقول: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91] لأنَّ نقضَ العهد بدون نبذٍ لصاحب العهد خيانة وغدر، وهذا لا يجوز، ويدخل في هذا أن يدخل أحد الكفار بلاد المسلمين بعهد، فلا يجوز قتله ولو كان كافراً، فالكفار إذا كانوا غزاةً يختلفون عنهم إذا كانوا معاهدين، فليس المانع من قتل الكافر وهو في بلاد المسلمين كونه كافراً، وإنما المانع هو كونه معاهداً؛ لأنه دخل بأمان، فلا يصح قتله إلا في حالة أن يكون غازياً للمسلمين، فدخوله في بلاد المسلمين يجعله حلال الدم، فيجوز قتله بحسب قدرة أهل الإسلام وبحسب إمكاناتهم واستطاعتهم.

    والحقيقةُ أن هناك إشكالات كبيرة في هذه القضية، ولها جوانب متعددة، ولهذا نجد أن أشخاصاً قد يخطئون في فهم هذه القضية، وهي قضية حساسة، وينبغي التفريق بين من يأتي وهو غازٍ ومن يأتي وهو مستأمن، فهناك فرق كبير بين هاتين الحالتين، وكثير من الناس يخلط في هذه المسألة، وهي مسألة بحاجة إلى بحث وتحقيق ودراية، وهي من مسائل الفقه المهمة التي ينبغي للإنسان أن يدركها إدراكاً صحيحاً، خاصة أن كثيراً من العهود قد لا تكون عهوداً مشروعة، وقد لا تكون مشروعة، وبناءً على هذا قد يجد بعض الناس من يناقش في بعض هذه العهود وعلى هذه العقود وأنها عقود غير صحيحة، وبناءً على هذا لا يكونون -كما يقولون- معاهدين، أم من أهل الذمة، فهذه الآية فيها خلاف في تصور المعاهد، وكيف يكون معاهداً وكيف لا يكون معاهداً.

    وهي -كما قلت- من المسائل الحساسة التي ينبغي للإنسان أن يدركها إدراكاً جيداً.

    توجيه الجيوش في قتالها في سبيل الله

    عليك أن تلحظ في الحديث صفة تأمير النبي صلى الله عليه وسلم لسرايا الجهاد، ثم قارن ذلك بالواقع الذي نعيشه فـبريدة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه بتقوى الله، وأول فائدة نستفيدها هي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يؤمِّر رجلاً على جيش يحرك الجيش للجهاد في سبيل الله، فالجيش ينبغي إذا وجه أن يوجه في سبيل الله سبحانه وتعالى، فلا يصح للإنسان أن يقاتل لعصبية، ولا أن يقاتل لقومية، ولا أن يقاتل للدفاع عن ملك فلان وفلان، وإنما يقاتل في سبيل الله بالطريقة المشروعة، وقد يكون الجهاد في سبيل الله أحياناً غزواً للعدو، وفي بعض الأحيان يكون رداً لصائل يصول على بلاد المسلمين، فيردونه وهذا في سبيل الله.

    فهل يجوز لإخواننا العراقيين أن يطيعوا صدام حسين في دخولهم إلى الكويت؟ والجواب أنه لا يجوز ذلك؛ لأنه ليس غزواً في سبيل الله وليس جهاداً في سبيل الله، وكيف لنا أن نقاتل المسلمين؟ وكان الواجب عليهم أن يقول بعضهم لبعض: يسأل كيف ندخل بلداً أهله من المسلمين، والذين نقتلهم من المسلمين، والذين نشردهم من المسلمين، فهل هذا جهاد؟

    وكذلك عندما تثور أي نعرة جاهلية بين بلدين من البلدان الإسلامية فإنه لا يجوز للمسلم أن يدخل في القتال؛ لأن الراية جاهلية؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية) فمن قاتل تحت راية عمية مجهولة الهدف فقتاله جاهلية، فكيف إذا كان الهدف قومية أو كان الهدف عصبية أو كان الهدف هو الدفاع عن مكتسبات شخصية ليس لها أي ارتباط بالأمور الشرعية من قريب ولا من بعيد، فلا يجوز للمسلم أن يدخل في قتال من هذا النوع أبداً.

    وعند حصول الفتن في كثير من الأحيان يغيب هذا الفقه عن أذهان كثير من الناس، فتجد الناس يقاتل بعضهم بعضاً، وهدف القتال ليس هدفاً واضحاً، وأحياناً يكون قتالاً لجنس معين أو عرق معين أو جهة معينة، وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال، فأي جيش يتحرك للقتال لا بد له من أن يحدد هدفه وغايته، ويعلم كون الهدف شرعياً أم غير شرعي.

    ثم انظر إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يوصيهم بتقوى الله، ولا يحركهم على الموسيقى، وإنما يوصيهم بتقوى الله سبحانه وتعالى ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الجهاد في سبيل الله من أعظم شعائر الدين، فيوصي الأمير بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم يقول: (اغزوا بسم الله في سبيل الله) وهذا هو الهدف، وليس الجهاد في سبيل أي غرض من أغراض الدنيا، (قاتلوا من كفر بالله) وهذا يدل على أهمية قتال من كفر بالله، (اغزوا ولا تغلوا) يعني: لا يأخذ أحدكم شيئاً من الغنيمة قبل أن تقسم، وهذا معنى الغلول. (ولا تغدروا) يعني: لا تغدروا أحداً، ولو كان كافراً عدواً، فإن قيل: كيف نجمع بين هذا وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة)؟ قلنا: نعم الحرب خدعة، ولكن الغدر لا يجوز، فالخدعة هي أن تفاجئ عدوك وتأتيه من حيث لا يشعر ولا ينتبه، أما الغدر فهو أن تصالحه وتتفق معه على مواثيق معينة ثم تنقض هذه المواثيق، فهناك فرق بين الخدعة والغدر.

    (ولا تمثلوا) يعني: لا تمثلوا بعدوكم، فلا تجدعوا أنوفهم، ولا تقطعوا آذانهم، ولا تعملوا بهم مثلة.

    (ولا تقتلوا وليداً) يعني: لا تقتلوا طفلاً صغيراً ليس من أهل القتال.

    ومسألة النساء والأطفال مسألة فقهية من مسائل الجهاد، والحقيقة أن كثيراً من الناس يعمم فيها، مع أن فيها تفصيلاً فقهياً مشهوراً.

    فكثير من الناس يقول: الأطفال والنساء لا يقتلون، وهذا خطأ، وإنما هو بحسب الحال الذي نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في عدم جواز قتل النساء والأطفال، أي: قصدهم بالقتل، فلوا أن جيشاً وجد طفلاً فقتله قائلاً: هذا يكبر ويكون عدواً لنا؛ فإن هذا لا يجوز، أو مر على امرأةٍ ليست من أهل القتال فقتلها، أو مر على شيخٍ كبيرٍ ليس من أهل القتال فقتله، فهذا لا يجوز.

    فقصد الأطفال وقصد النساء وقصد الشيوخ الكبار بالقتل هو المنهي عنه شرعاً.

    أما إذا كانت المرأة تقاتل فإنها تقتل، كما هو عند الغربيين الآن، حيث يوظفون النساء في القتال، وكثير من النساء يقدن الطائرة الحربية، فهل معنى هذا أن نتورع عن قتل هذه المرأة لأنها امرأة؟! ليس هذا صحيحاً. وكثير منهن قد تدخل لتعمل على الكمبيوتر في إطلاق الصواريخ أو في أي أمر من الأمور، فهذه لا بد من أن تقتل، وهي من الجيش، فلا يصح أن يقول أحد: إن مثل هذه لا تقتل.

    وأحياناً يكون العدو شيخاً كبيراً لا يستطيع حمل السلاح بيده، ولكنه صاحب فكر وتدبير يخطط لهم ويقول: ائتوا هؤلاء من هذه الزاوية واتركوهم من هنا، فإذا جئتموهم من هنا فإنكم تستطيعون قتلهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاز قتل دريد بن الصمة مع أنه لا يستطيع أن يقف على رجليه ويمشي، فضلاً أن يحمل السلاح؛ لأنه من أهل الرأي ومن أهل البصيرة الذين يخططون، وفعله في القتال أشد في كثير من الأحيان من المقاتل العادي الذي ينفذ الأمر فقط.

    وهناك مسألة فقهية ذكرها العلماء في قتل النساء والأطفال، وهي ما إذا تترس العدو بالنساء والأطفال، وبحيث لا يتم قتل هذا العدو إلا بقتلهم، وإذا تركوا فإنهم سيلحقون الضرر بالمسلمين، فقد خرجت امرأة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف، فكشفت فرجها للصحابة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فرماها حتى قتلها.

    فهذه المسألة فيها تفصيل، والواجب هو التفصيل في هذه المسائل الشرعية وعدم الحكم العام في هذه المسألة.

    فبعض الناس يكون عنده حماسة، فيريد أن يبين أن هذه الأمة ترحم الصغار وترحم الشيوخ الكبار، فيطلق الحكم ويسميهم أبرياء، وهذا ليس بصحيح، وإنما الصحيح هو وضع الأمر في نصابه الصحيح، وتفصيل المسألة تفصيلاً شرعياً صحيحاً، بحيث ينزل الحكم الشرعي في مكانه الصحيح، وهذه من المسائل الفقهية المشهورة التي بحثها الفقهاء في كتبهم في باب الجهاد في سبيل الله.

    دعوة الكفار قبل قتالهم إلى ثلاث خصال

    يقول: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال) يعني: قبل القتال ادعهم إلى الله سبحانه وتعالى، (فأيتهن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام) يعني: أول الأمور أن تدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، فإذا أسلموا فالحمد لله؛ إذ هذا الذي نريده، فالقتال ليس هدفاً في ذاته، فإذا أسلموا فهم إخوتنا في الإسلام.

    يقول: (ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين) هذا إذا أسلموا، (وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين) يعني: إذا أسلموا ورفضوا التحول من دار الكفر إلى دار الإسلام فهم كأعراب المسلمين، يعني: هم من أهل الإسلام ولكنهم كالأعراب وليسوا كالمهاجرين، فيجري عليهم حكم الله تعالى، (ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين).

    قال: (فإن هم أبوا فاسألهم الجزية) يعني: يدفعون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

    أي: إما أن تزال حكومتهم ويكونوا تحت حكومة الإسلام، أو يكون هناك عقد أمان بينهم وبين المسلمين ويكون الحكم لهم، ولكن يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون.

    وهذه حقائق الإسلام لا تتغير، وقد يقول بعض الناس: كيف تطبق مثل هذه الأحكام في هذا الزمن؟! ونقول: إذا كان كثير من الناس لا يطبقونها الآن فإنها ستطبق بإذن الله، وصحيح أن هذا الكلام يشبه الخيال في بعض الأحيان في واقعنا اليوم، ولكن الحقائق الشرعية ثابتة لا يمكن أن تتغير أبداً، وسنطالبهم بها، وإذا كانت الأمة مستضعفة الآن فإنه يجب علينا أن نرفع عنها الاستضعاف بالدعوة إلى الله عز وجل والإصلاح، وتنمية روح الجهاد في سبيل الله في نفوس المسلمين، وجذبهم إلى الدين وتفهيمهم أحكام رب العالمين سبحانه وتعالى.

    يقول: (فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) وهذا يدل على أن القتال ليس مقصوداً لذاته، وإنما مقصود لرفع الظلم عن المسلمين، ورفع الكفر عن الناس.

    يقول: (وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك) ثم علل ذلك، وكذلك الأمر في الحكم، وهذا هو موضع الشاهد، وهذا يدل على قاعدة مهمة جداً، وهي أن هناك فرقاً بين حكم الله وحكم العلماء، فقد يقضي القاضي بحكم من الأحكام، فهل هذا الحكم الذي يقضي به هو حكم الله؟

    إن حكم الشخص قد يكون صحيحاً وقد يكون خطأً، ولهذا لا يصح للإنسان أن يقول: هذا هو عين حكم الله؛ لأنه قد يكون مخطئاً، وإنما يقول: هذا حكم القاضي، ويكون الناس ملزمين به إذا اجتهد القاضي في هذا الحكم اجتهاداً شرعياً وبالطريقة الشرعية، وأما إذا لم يكن بالطريقة الشرعية فإنه ينقض؛ لأنه ليس اجتهاداً مشروعاً، والاجتهاد المشروع ليس هو حكم الله دائماً، بل قد يكون خطأً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)، وهذا يدل على أن المجتهد قد يخطئ في بعض الأحيان، وإذا أخطأ في الحكم دلَّ ذلك على أنه لم يكن حكم الله في نفسه، ولكن لا يكون عليه إثم؛ لأنه بذل وسعه وبذل جهده، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها.

    1.   

    حكم تفسير آية التوبة بانهيار برجي التجارة في أمريكا

    ما زالت الخرافات وتفسير القرآن بالطريقة غير المشروعة منتشرة، فقد جاءني أحد الإخوة بورقة مكتوبة فيها ما نصه:

    معجزة القرآن الكريم في انهيار برج التجارة العالمي في نيويورك بتاريخ 11/9/2001م، والمكان شارع جرفٍ هار، والذي تحدث عنه رب العزة العلي القدير في القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة.

    فهذا إما أن يكون إنساناً مغفلاً يتكلم في دين الله عز وجل وهو جاهل، وإما أن يكون إنساناً خبيثاً يريد أن يضلل الناس، والحقيقة أن المغفلين كثروا في الناس، والذين يتكلمون وهم جهال كثيرون مع الأسف، والواجب على الإنسان ألا يتكلم فيما لا يعرف ولا يحسن.

    يقول: وقبل أن يأتي العالم بمبنىً في شارع جرف هار، عندما قال تعالى في سورة التوبة في الآية التاسعة بعد المائة: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109] يقول: هذا في آية برقم مائة وتسعة، وتأتي سورة التوبة في الجزء الحادي عشر، وهو تاريخ يوم الانهيار، ورقم السورة تسعة، وهو شهر الانهيار، وعدد الحروف من بداية السورة إلى الآية التاسعة والمائة، ألفان وواحد، وهو تاريخ عام الانهيار، ورقم الآية مائة وتسعة، وهو عدد أدوار البرج، مع أنني سمعت أن عدد الأدوار مائة وعشرة وليس مائة وتسعة.

    يقول: ورب العزة يتكلم قبل الحدث بألف وأربعمائة عام بالكلمات والأحرف القرآنية، سبحان الله، فنقول للملحدين: آمنوا، ولمن ليس لديهم دين: آمنوا بأن الله أخبرنا بكل الأحداث في القرآن قبل أن تقع بألف وأربعمائة على لسان نبي أمين اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، نرجو تصوير هذه المعجزة وإهداءها لكثير من الأحباب، وإن شاء الله تجزى عنها خيراً.

    ووالله لن تجزى عنها إلا إثماً لا خيراً.

    فانظر كيف يتلاعبون بالتفسير، وهل هذه الطريقة من طرق التفسير؟! وهل فسر النبي صلى الله عليه وسلم حدثاً من الأحداث في زمانه بهذه الطريقة؟! وهل فسر أحد من الصحابة القرآن بهذه الطريقة؟! وهل فسر أحد من العلماء المشهورين القرآن بهذه الطريقة؟ إن هذا التفسير لا يفسر به إلا الحمقى والمغفلون؛ لأنه إن قيل: إن الجزء الحادي عشر هو اليوم، فإنه يقال: لماذا لا يكون الشهر إذاً؟! وعلى أي أساس اختير اليوم دون الشهر؟! فهذه الآية تفسيرها الشرعي هو أن الله عز وجل يبين الفرق بين من أسس إيمانه تأسيساً صحيحاً على تقوى من الله عز وجل، وبين من كان عنده نفاق في قلبه، فشبهه بأنه مثل الذي يضع بنياناً على طرف حفرة ثمَّ يسقط هذا البنيان داخل الحفرة، فما علاقة البرجين بهذا؟! ثم إن المذكور هو جرف واحد، والبناء الذي سقط عمارتان لا واحدة.

    إذاً: لا بد من دليل آخر على المبنى الآخر، فهذه الآية -حسب مذهبهم- دليل على العمارة الأولى، ولا ندري هل هي الشمالية أم الجنوبية؟ فليتخير واحدة منها، والثانية يحتاج لها إلى دليل ثانٍ، فليبحث في القرآن وليحسب في الحروف حتى يتعب.

    إنَّ هذه الطريقة في التعامل مع القرآن طريقة فاسدة تشبه طريقة الباطنية، وهناك أناس ظهروا يسمون أصحاب الإعجاز العددي في القرآن، يعظمون الأحرف، حيث يقرأ الواحد منهم في مواضع من القرآن ويرى أنها مهمة، ويحسب حروفها ويبني عليها أشياء كثيرة جداً في الواقع وفي الأنفس وفي الآفاق وفي التاريخ، وهذه الطريقة عبث وهدم للقرآن الكريم، ويجب أن نحذر منها بقدر ما نستطيع، وأسأل الله عز وجل أن ينتقم ممن لعب بالقرآن وفسره بهذه الطريقة.

    فهناك أشخاص كثيرون يريدون لهذه الأمة وللصحوة الإسلامية أن يتشتت طريقها، وأن تختلف توجهات أصحابها، فتراهم يجمعون أسماءً لله سبحانه وتعالى، ويجمعون أحرفاً معينة فيخلطون بينها ويقولون: هذا علاج، حتى إنه مرت فترة من الفترات على العلمانيين رأوا فيها توجه الناس إلى التدين، فبدءوا يتكلمون عن القبور والأضرحة، حتى يوجهوا العاطفة الدينية المتوجهة إلى الله وجهة فاسدة، وحينئذٍ لا يكون لها تأثير، وأشد ما يخافون منه هو التوجه إلى المنهج السلفي الصحيح.

    1.   

    الأسئلة

    بيان من ينسب إلى السنة من الأشاعرة

    السؤال: ذكرتم أن المؤولين للصفات -كالأشعرية- ليسوا من أهل السنة، فهل معنى هذا أن العلماء الأعلام يشملهم هذا العموم؟

    الجواب: منهج الأشاعرة منهج كلامي مشهور، فمن كان من أهل الكلام وممن يعرف عقيدة أهل الكلام واتفق مع الأشاعرة في أصل كلي من أصول العقيدة فهو أشعري وليس من أهل السنة والجماعة في هذا الباب من أبواب العقيدة، ولو كان عالماً مشهوراً، أو له مكانةٌ كبيرة، وقد يوجد عالم من العلماء لا نسميه أشعرياً، بل هو متأثر بالأشعرية، وقد يكون عالماً في الفقه أو عالماً في الحديث أو عالماً في الطب أو عالماً في أي باب من الأبواب، ويكون شيوخه علماء الأشاعرة، فيتأثر ببعض كلامهم، مثل الحافظ ابن حجر والنووي رحمهما الله، فهما ليسا من أهل الكلام، ولم يكونا من المتكلمين، بل إنهما ينقلان كلام السلف الصالح في ذم علم الكلام وذم المتكلمين.

    ولكنهما مع هذا تأثرا ببعض أقوال الأشاعرة، فننتقد نحن هذا التأثر، ولكنهما ليسا من الأشاعرة، ولهذا فإنهما انتقدا الأشاعرة في أكثر من مكان، فالحافظ ابن حجر انتقد الأشاعرة في مسائل في القدر ومسائل في الإيمان مع أنه أخطأ في بعض مسائل الإيمان، فمثله لا نعده من الأشاعرة، وإنما الأشاعرة هم علماء الكلام، مثل أبي المعالي الجويني والرازي والغزالي ونحوهم من علماء الكلام المشهورين.

    الدعوة إلى توحيد الألوهية

    السؤال: ما المقصود بالدعوة إلى توحيد الألوهية؟

    الجواب: الدعوة إلى توحيد الألوهية هي حقيقة دعوة الرسل، فالرسل جميعاً يدعون إلى توحيد الألوهية، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فعبادة الله واجتناب الطاغوت هما مفهوم (لا إله إلا الله) وهما توحيد الألوهية، وهذا يدل على أن التوحيد هو أول أمر يجب أن يبدأ به الإنسان في الدعوة إلى الله عز وجل.

    وينبغي على الداعي إلى الله عز وجل أن تكون العقيدة محور دعوته، وأن يربط كل قضايا دعوته بالعقيدة؛ لأن العقيدة هي الأساس، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وفي بعض الألفاظ: (إلى أن يوحدوا الله)، وهذا يدل على أن أول واجب يجب على الناس هو توحيد الله، وأول ما يجب أن ندعو إليه هو العقيدة والتوحيد.

    وبهذا يتضح لنا فساد كثير من المناهج الضالة، ومن ذلك فساد حوار الأديان وحوار الحضارات، فنحن نسمع عن حوار الأديان وحوار الحضارات، وحوار الحضارات هو نفسه حوار الأديان، ولكن لما كان موضوع (الأديان) حساساً جاءوا بكلمة (الحضارات)، والحضارات هي التي تكون متبعة في الغالب لدين من الأديان، والطريقة التي عليها حوار الأديان ليست طريقة واحدة، وإنما هي طرق متعددة، فمن الناس من يدعو إلى توحيد الأديان بعضها مع بعض مع عدم الإنكار، فلا ينكر بعضهم على بعض ولا يكفر بعضهم بعضاً، وهذه الدعوة بهذا المفهوم شرك وكفر؛ لأن عدم تكفير أهل الكتاب من الكفر، هذا النوع الأول.

    النوع الثاني: الدعوة إلى حوار الأديان، كما يحصل لكثير من الدعاة إلى الله عز وجل، حيث يقولون: نحن ندعو إلى حوار الأديان ولا نكفرهم، وإنما نسكت عن القضايا الخلافية، ونبحث في القضايا المشتركة بيننا، فمن القضايا المشتركة القضاء على الفقر -مثلاً- والمخدرات، والتعاون على رفع الظلم عن المظلومين والشعوب المضطهدة، وهكذا، وأما القضايا التي يكون فيها خلاف بيننا وبين اليهود أو بيننا وبين النصارى فلا نثيرها؛ لأننا إذا أثرناها يصبح هناك خلاف.

    فهذا النوع من أنواع الحوار بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله كان بينهم وبين أقوامهم حوار، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يأتي إلى قومه كان يحاورهم.

    والحوار عبارة عن ترديد الكلام، فأنا أقول كلاماً وهذا يقول كلاماً، فكيف كان حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه وهم من أهل الأديان؟ وكيف كان حوار الأنبياء السابقين مع أهل الأديان؟! لقد كان عن طريق دعوتهم إلى التوحيد، فقد كانوا يأتون إلى أقوامهم ويقولون لهم: ما أنتم عليه شركٌ أكبر، فلا بد من أن تتركوه، والواجب أن تسلموا لهذا الدين، ثم يقومون بإثبات هذا الدين بالأدلة التفصيلية، وإبطال دينهم بالأدلة التفصيلية.

    أما حوارات الأديان الموجودة الآن فهي بدعة؛ لأنه يجتمع فيها مجموعة من القساوسة ومجموعة من المسلمين في مكان واحد، ولا يقول المسلمون للقساوسة: أسلموا، ولا يقولون لهم: هذا الدين خير لكم ونحن نثبت لكم بالبراهين والأدلة أن الإسلام دين صحيح وأن النصرانية دين فاسد، فهم لا يتناقشون في هذه القضايا، بل يتواصون على تركها ويتفقون، فيجتمع القساوسة والمسلمون في مكان واحد، ويقولون: لا نريد أن نثير الخلاف فيما بيننا، فأنتم لكم خصائص دينكم ونحن لنا خصائص ديننا، وأنتم ترون ديننا باطلاً ونحن نرى دينكم باطلاً، فلا نريد النقاش في هذا الموضوع؛ لأن هذا الموضوع يفرق، ونحن لا نريد أن نتفرق، بل نريد أن نجتمع، فيتناقشون في دفع الفقر، فيقولون: هناك بلدان كثيرة فقيرة علينا أن نتعاون في أن ندفع الفقر الموجود فيها. أو يقولون: هناك شعوب مضطهدة نريد أن ندافع عنها، والمسلمون الذين يشاركون في حوار الأديان هدفهم هو أن يحركوا النصارى لإنكار عمل اليهود في فلسطين، ومع هذا ما استطاعوا، وربما وجدوا مجموعةً أنكرت ومجموعةً لم تنكر.

    ومن أقوالهم: أننا نعيش في مرحلة استضعاف، وما دام أننا نعيش في مرحلة استضعاف فإن من الخطأ الكبير أن يكون بيننا وبين الحضارات الأخرى -مثل الحضارة الغربية- صدام، فنحن لا نستطيع الصدام.

    فنقول: إذا لم تستطيع الصدام فإنك لا تستطيع الحوار كذلك؛ لأن القوي سيغلبك، فإنَّه بإمكاناته الاقتصادية والسياسية والإعلامية أقوى منك من كل وجه.

    فالذين يدعون إلى حوار الحضارات يجرون في ركب الحضارات القوية ويتابعونها، ويقولون: نحن لا نريد الصراع بين الحضارات، مع أن الحقيقة أن الصراع مستمر بين الحق والباطل، سواءٌ أكان هذا الحق ديناً أم حضارةً، وسواء أكان الباطل ديناً أم حضارة، فلا بد من الصراع، ولكن الواجب هو الالتزام بالحق، والدفاع عنه، ودعوة الناس إليه بلغة صريحة، فيقال: ندعوكم إلى هذا الدين ذي البراهين الساطعة، وندعوكم إلى ترك ما أنتم عليه من الدين؛ لأن فيه فساداً، وبهذه الطريقة نستطيع أن ندخل معهم في الدعوة.

    أما أن نسكت عن القضايا الخلافية، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى كفار قريش لم يسكت عنها، مثل عبادة الأصنام، وعدم تصديق النبوة الجديدة، فلماذا لم يسكت عن ذلك ويكتف بقوله: نجتمع ليكون بيننا وبينكم حوار في قضية، ولنتعاون على رفع الظلم المنتشر في الجزيرة العربية، فالجزيرة العربية كان فيها سلب ونهب وقتل وتشريد وإيذاء، وكان فيها عادات قبيحة جداً، منها أن الرجل ينكح زوجة أبيه إذا مات، ونحو ذلك من التصرفات الشنيعة.

    فلماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟ ولماذا بدأ معهم من الجذر، ودعاهم إلى أن يتركوا الدين الذي هم عليه ويؤمنوا بالحقيقة المطلقة؟ وهذا هو الشيء الذي ينبغي أن يبدأ به، وهذا هو المنهج المشروع في هذه القضية، وهذا هو ما يتعلق بباب التوحيد والدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فلا بد من أن تكون الدعوة إلى العقيدة هي الأساس، وأن تكون بقية الأمور تابعة لهذه القضية.

    كيفية الدعوة إلى التوحيد

    السؤال: ذكرتم أن أول ما يدعو إليه الداعية توحيد الله، فإذا كنت في بلاد التوحيد فكيف يكون أسلوب الدعوة؟

    الجواب: أحب أن أنبه إلى نقطتين:

    الأولى: ليس معنى أن الإنسان يبدأ بالتوحيد ألا يتكلم في أمور الإسلام الأخرى، فلا يتكلم في الأخلاق ولا يتكلم في الآداب ولا يتكلم في الأحكام، فالله عز وجل يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فالدين كامل، ولا بد من أن ندعو إلى دين الله عز وجل كله، ولهذا فإن الله عز وجل يقول: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] يعني: في الإسلام، فلا بد من أن ندعو إلى الدين كله.

    وتكون الدعوة إلى العقيدة في برنامجنا جزءاً أساسياً ومن الأولويات عندنا.

    الثانية: أن لا نقبل السكوت عن الشرك والقدح في توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات.

    فلا بد من أن نتصور كيفية الدعوة، فالدعوة تكون لأناس مسلمين أو لأناس غير مسلمين، فغير المسلمين لا بد من أن تبدأ معهم بالدعوة إلى الإسلام ابتداءً، ولا يصح أن تدعوهم إلى خُلُقٍ من أخلاق الإسلام وهم ليسوا بمسلمين، وإنما تدعوهم إلى الإسلام ابتداءً، أما إذا كنت تدعو المسلمين فلا بد من أن تدعو إلى الإسلام عموماً.

    ويكون موضوع الدعوة إلى التوحيد أساسياً في دعوتك، ومن الأولويات بالنسبة لك، ولا تقبل بالقدح فيه، وتربط بقية عناصر الدعوة به، ولهذا نجد أن القرآن الكريم يربط الأحكام الفقهية -مثل أحكام الحيض وأحكام الصلاة وأحكام الحج وأحكام البيوع- بالعقيدة، ويربطها بمعرفة أسماء الله وصفاته، ويربطها بتوحيد الله ومراقبة الله عز وجل، ويربطها بكثير من القضايا المتعلقة بالتوحيد، فهذا هو معنى الدعوة إلى توحيد الألوهية.

    العذر بالجهل في التوحيد

    السؤال: هل هناك عذر بالجهل في التوحيد؛ إذ إن علماء الصوفية يُسمع لهم في كثير من بلاد المسلمين، ويطاعون في الغالب، وتشرف على الموالد وزارات الأوقاف؟

    الجواب: الأصل هو أن التوحيد لا يعذر أحد بجهله، ولكن قد يفعل بعض المسلمين نوعاً من الشرك وهو لا يعلم بأنه يقدح في التوحيد، وبناءً على هذا فلا بد من إقامة الحجة عليه، ويعذر بجهله في هذه الحالة، فينبغي أن نفرق بين أمرين في مسألة الإعذار بالجهل.

    الأمر الأول: أن اعتقاد التوحيد والالتزام به والحذر من الشرك أمر واجبٌ ولازم ولا يعذر أحدٌ بجهله.

    الأمر الثاني: أن الذي يعذر بالجهل به هو بعض الصور الشركية التي يظن بعض الناس أنها ليست من الشرك، ويظن بعض الناس أنها ليست عبادة لغير الله، فمثل هؤلاء لا بد من إقامة الحجة عليهم، وإن ارتكبوا كفراً وارتكبوا شركاً مخرجاً من الملة، ولكن لا يصح تكفيرهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم.

    وينبغي أن نفرق بين أمرين، كون الأمر كفراً أو شركاً في ذاته، وكون المعين كافراً أو مشركاً، فالمعين لا يصح تكفيره إلا بعد أن توجد فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع، أما الأمر في نفسه فهو كفر نحذر الناس منه، ونحكم عليه بكونه كفراً، مثل الاستغاثة بغير الله، فقد يرتكبها شخص ويكفر، وقد يرتكبها شخص آخر ولا يكفر؛ لأن الذي ارتكبها وكفر وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع، كأن يكون في بلاد يتضح فيها هذا الأمر، أو ناظره العلماء ونصحوه وبينوا له الحق وعاند، أو نحو ذلك من الأمور التي تحصل للإنسان، وشخص آخر لا يكفر، إذ قد يكون في بادية بعيدة، أو يكون شخصاً ضعيف الإدراك، أو يكون مضلَّلاً من بعض العلماء الذين يدعون إلى هذا الأمر، مع أنه هو نفسه يعظم التوحيد ويعلم خطورة الشرك، ولكنه لا يعلم أن هذه الصورة المعينة توقعه في الشرك.

    حكم قول: (ورب الكعبة) (ورب العرش) (ورب القرآن)

    السؤال: ما حكم قول: ورب الكعبة، ورب العرش، ورب القرآن؟

    الجواب: قوله: ورب الكعبة، ورب العرش جائز، وأما (ورب القرآن) فلا يجوز؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل، والرب معناه الخالق سبحانه وتعالى، فلا يصح أن يكون القسم بهذه الصيغة.

    نصيحة لمن يستخدم الحلف وسيلة لاستغلال الغير

    السؤال: ما الذي ينبغي فعله مع من يستخدم الحلف وسيلة لاستغلال الغير؟

    الجواب: ينبغي نصحه وإرشاده وتذكيره بالله سبحانه وتعالى.

    حكم قول: (صاحب العظمة) للشخص المعين

    السؤال: ما حكم قول: (صاحب العظمة) لشخص معين؟

    الجواب: هذا بحسب نية القائل، فإذا كان قصده صاحب العظمة المطلقة فهذا لا شك في أنه محرم، وأما إذا كان يقصد أنه معظم عند قومه بعظمة تناسبه فيبدو لي أنه لا إشكال فيه، وإن كان الأولى هو البعد عن مثل هذه الألفاظ التي تكون عامة وشاملة للأمر المباح والمحرم.

    حكم أفلام الكرتون

    السؤال: ما حكم أفلام الكرتون التي تبدو فيها الرسومات بأشكال غير واقعية وخيالية، كرسومات لحيوانات وحشرات قائمة على رجلين مثل الإنسان.

    الجواب: أفلام الكرتون التي تكون على شكل إنسان أو حيوان أو غير ذلك الفتوى واضحة فيها، ومبنية بناء شرعياً صحيحاً بحسب رأيي، ولكن يوجد من العلماء من يفتي بجوازها، فلجنة الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف في الكويت تفتي بجواز رسم العلماء في شكل أفلام كرتونية، وهذه المسألة من المسائل الفقهية التي يعذر فيها الإنسان إذا اجتهد اجتهاداً شرعياً، وإن كان الصواب الذي أراه هو أن فتوى اللجنة الدائمة أقوى من حيث الدليل، وأرى أن هذه الفتوى الأخيرة خطأٌ، ولكن يعذرون؛ لأن المجتهد إذا اجتهد فأخطأ فله أجر، ويكون معذوراً، وإذا استفتاهم أحدٌ فأفتوه فإنه لا يثرب عليه؛ ولا ينكر عليه لأنهم من أهل الاجتهاد.

    ما يترتب على ترك المعصية بعد العزم على فعلها

    السؤال: عاهدت امرءاً على أنني سوف أعمل معه عمل شر، وبعد العهد ابتعدت عن عمل الشر، فهل تركه لي أجر فيه؟

    الجواب: نعم إذا تبين أنه عمل شر، فلا يجوز العهد ولا ينعقد العهد على عمل شر، ولا يجوز للإنسان أن يعمل الشر بأي مسوغ.

    حكم حلف المشتري عند شراء سلعة

    السؤال: إذا حلف المشتري للبائع على أنه وجد هذه البضاعة أرخص مما يبيعها به، فهل يدخل في الحديث الوارد في الحلف في البيع مع أنه مشترٍ؟

    الجواب: الحديث الوارد فيه نهي عن الحلف الكاذب وإن كان قليلاً، وفيه نهيٌ عن كثرة الحلف وإن كان صحيحاً، وهذا يقع على البائع الذي يريد ترويج بضاعته، ويقع على المشتري الذي يريد أن يأخذ بضاعة رخيصة، فإذا كان الحلف كذباً فهو محرم، وإذا كان غير كذب فكثرته محرمة منهيٌ عنها.

    حكم الاستعانة بالكفار على المسلمين

    السؤال: ما حكم الاستعانة بالكفار على المسلمين؟

    الجواب: الاستعانة بالكفار على المسلمين من أمثلتها أن يكون الكفار في حرب ضد المسلمين، ثم يطلب الكفار من بعض المسلمين أن يساعدوهم على إخوانهم المسلمين، فمساعدة الكفار كفرٌ بواح مخرج عن دائرة الإسلام، كما في فلسطين أو في أفغانستان، فلو أن إنساناً ساعد شارون على حرب المسلمين فحكمه الكفر سواءٌ أكانت المساعدة برجال أم بمال أم بسلاح أم برأي أم بأي وسيلة من وسائل المساعدة، فهذا كفر مخرج عن دائرة الإسلام، وإذا كانت مساعدة شارون على الفلسطينيين كفراً، فمساعدة أمريكا على أفغانستان كفر، وأي دولة من دول الكفر تحارب المسلمين فإن مساعدتها على المسلمين كفر لا شك فيه، وهذه من نواقض الإسلام المشهورة والمعروفة التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب .

    معنى الشرك الخفي

    السؤال: هل الشرك الخفي من الشرك الأصغر أم الأكبر؟

    الجواب: يرى بعض العلماء أن إضافة الشرك إلى الخفي إضافة إلى نوع الشرك، يعني كون هذا الشرك خفياًّ وليس بظاهر، فيدخل فيها الشرك الأكبر الخفي والشرك الأصغر الخفي، وبعضهم يرى أن الشرك الخفي خاص بالأصغر.

    حكم مقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية

    السؤال: ما حكم مقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية لما ينتج عنها من هزة للاقتصاد الأمريكي؟

    الجواب: لا شك في أن أي وسيلة من الوسائل التي فيها إضعاف هؤلاء المشركين والكفار مطلوبة، فإذا كان في الإمكان أن يكون هناك تعاون على هذا الأمر فهذا أمر مطلوب وينبغي أن يحصل؛ لأن اقتصاد هؤلاء -مع الأسف- يقوم على شراء المسلمين له، ولو أنهم قاطعوا مثل هذه المنتجات فلعل المقاطعة تكون مجدية ومفيدة.

    حكم التسمية بـ(عبده)

    السؤال: ما حكم التسمي باسم عبده؟

    الجواب: المشكلة في هذا الاسم أن الضمير مجهول، فلا يعرف إلى من يعود، فإذا كان المقصود به: عبد الله أو عبد الرحمن فلا شك في جوازه، وإن كان المقصود به غير ذلك فلا يجوز، وينبغي تغيير مثل هذه الأسماء المبهمة.

    حكم الطعن في المجاهدين

    السؤال: ما حكم الذين يسبون المجاهدين وينتقدونهم ولا يشدون من أزرهم؟

    الجواب: لا شك في أن هذا خطأ كبير، والواجب هو مساعدة المجاهدين وإعانتهم والدعاء لهم بأن يثبتهم الله عز وجل فإذا لم يكن للإنسان مشاركة مع إخوانه في الجهاد في سبيل الله فليدع لهم، وليسأل الله عز وجل أن ينصرهم على الكفار، وليدع الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم، ويجتهد في أن يدافع عن أعراضهم في أي مكان من الأمكنة، فالمجاهدون لهم فضل عظيم جداً، ومن يقتل منهم وهو مخلص لله عز وجل له أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى، ويكفي هؤلاء أنهم جادوا بأنفسهم في سبيل الله، وقاتلوا أعداء الله سبحانه وتعالى، فالطعن فيهم وذمهم ونقدهم والتشنيع عليهم خطأ.

    ولا ينبغي أن يكون ذلك من العامي فضلاً عن الداعية إلى الله عز وجل، فإذا لم تكن معهم فادع لهم، وإذا لم تساعدهم بمالك فادع لهم، أو دافع عن أعراضهم أو اسكت عنهم، فما الذي يدعوك إلى أن تتكلم؟ وما الذي يدعوك إلى أن تجعل المجاهدين خصمك يوم القيامة؟ فبالله خبرني عن شخص خصمه يوم القيامة المجاهدون في سبيل الله، ففي أي كفة سيكون؟!

    فلا شك في أن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عن الطعن في المجاهدين، وبعض الناس يكون في قلبه مرض، فيشكك في نياتهم، أو يشكك في أغراضهم ومقاصدهم، أو يشكك في جهدهم وهم من أصدق الناس ومن أكثر الناس تقوى لله عز وجل، فإذا كان الإنسان يصبر على القتال في سبيل الله حتى يقتل فهذا من أعظم الجهود ومن أعظم الحب لله سبحانه وتعالى، ولا نزكي على الله أحداً، فينبغي للإنسان أن يبتعد عن نقدهم وأن يجتهد في عونهم، وأن يجتهد في الدعاء لهم في الصلاة، وفي خاصة نفسه ومع أهله، وأن يُذَكِّر أهله وأولاده بالدعاء لهم، بل ينبغي أن يحيي الجهاد في المسلمين، ويحيي هذه الفريضة الغائبة التي أصبح الكلام عنها كأنه كلام تاريخي في كثير من بقاع المسلمين، ونحن نلحظ ما يفعله اليهود الآن، وما يفعله الأمريكان بالمسلمين في أفغانستان وفي فلسطين، وكيف يدمرون بلادهم على مرأى ومسمع من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم من أكثر الناس عدداً، فعددهم أكثر من مليار، فلو نفر من كل مائة رجل واحد لكونوا جيشاً قوياً لن يستطيع أن يقف أمامه الإسرائيليون ولا الأمريكيون أبداً، ولكن مشكلتنا هي أننا عصينا الله عز وجل أولاً، فترتب على ذلك هذا الهوان وهذا الضعف وهذا الذل.

    فالواجب في مثل هذه الظروف هو أن نحيي روح الجهاد في كل الناس، وأن نحييه في نفوس الشباب، وأن نحييه في نفوس الأطفال، وأن نحييه في نفوسنا نحن، وأن نحييه في كل مكان، ولو كان هناك شخصٌ غيرَ متدين في الظاهر فإنه ينبغي أن نحيي هذه الروح في نفسه؛ لأن هؤلاء الكفار لا يقاتلون المتدينين ويتركون الشباب الآخرين، بل يريدون اجتثاث أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الجذر ومن الأساس، فيقتلون كل أحد، يقتلون النساء ويقتلون الصبيان ويقتلون الذي لا ذنب له ويقتلون الشيخ الكبير ويقتلون الأعمى ويذلونهم.

    وقد رأينا ما حصل لأفغانستان، فقد دمرت وأصبحت -مع الأسف- قاعاً صفصفاً، وكل ذلك بسببنا نحن، والأمريكيون يشهدون فيقولون: لو لم يكن هناك تحالف بيننا وبين بعض الأفغان -يعنون التحالف الشمالي- لما استطعنا أن نقضي عليهم وأن ندمرهم بهذه الطريقة. إذاً: نحن الذين ندمر أنفسنا بأنفسنا، وهكذا الأمر في فلسطين، وهكذا الأمر في كثيرٍ من بلدان المسلمين، فالواجب في هذه الظروف أن نحيي روح الجهاد في كل الأمة، وصحيح أنه لن يكون هناك شيء عملي للجهاد، مع أن الكثير يطالبون بفتح باب الجهاد للدفاع عن إخواننا الفلسطينيين والمسلمين الذين يذبحون هناك، فقد لا يكون شيء واقعي الآن، ولكن -على أقل تقدير- نحيي هذه الروح في النفوس، ونشرك في ذلك، كل الشباب سواءٌ أكانوا ملتحين أم غير ملتحين، وسواءٌ أكانوا يقعون في شيء من المعاصي أم لا، حتى الذين يسمعون الدسكو، والذين يتأخرون عن الصلاة، والذين يقعون في الفسق والمعاصي، يجب أن نحيي روح الجهاد في نفوسهم، وأن يحدث الواحد نفسه يوماً من الأيام أنه سيحمل سلاحه ويقاتل أعداء الله، فهذا أمر واجب وأساسي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يغز - يعني: من لم يقاتل في سبيل الله - ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) فالذي لم يتكلم مع نفسه في يوم من الأيام، ولم يفكر ولم يتمنَّ أن يحمل سلاحه ويقاتل في صفوف المسلمين في إيمانه دخن، وفيه شعبة من شعب النفاق والعياذ بالله، فينبغي أن نحيي روح الجهاد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755954652