إسلام ويب

الإرادة الشرعية والإرادة الكونيةللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أركان الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأن تؤمن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، والقدر سر الله في الخلق، وإرادة الله الحق، فمن آمن بالقدر وسلم، وانقاد واستسلم، زاد إيمانه، وصفا عيشه، وأنير طريقه، ولم يحزن على ما فات، وبهذا يتحقق المعنى الحقيقي للاستسلام لرب الأرض والسماوات.

    1.   

    أهمية الإيمان بالقدر

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فقد بينا بأن القدر هو سر من الغيب لا يعلمه إلا علام الغيوب، لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقلنا: إن القدر من لوازم الربوبية، ولا يستقيم إيمان عبد حتى يتعلم مسائل القدر ويوقن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهو ركن ركين من أركان الإيمان الستة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل.

    1.   

    طوائف الناس في القدر

    الناس في القدر ثلاث طوائف:

    الطائفة الأولى: محضت النظر للقدر، فضربت به الشرع وألغته، وهؤلاء هم الجبرية، الذين احتجوا بالقدر على كل معصية يفعلونها.

    الطائفة الثانية: محضوا النظر للشرع، فضربوا به القدر، وقالوا: الأمر أُنُف، وهؤلاء هم القدرية، الذين ألغوا القدر ولم يقروا بقدرة الله جل في علاه، فنصبوا أنفسهم أرباباً مع الله جل في علاه.

    الطائفة الثالثة: وسط بين الطائفتين، قالت: ننظر إلى الشرع بعين الشرع، وننظر إلى القدر بعين القدر، ونوفق بين الشرع وبين القدر، فلشهود القدر أحوال، ولشهود الشرع أحوال، ولا يضرب هذا بذاك.

    مذهب أهل السنة في الاحتجاج بالقدر

    فإن قال قائل: متى ينفع شهود القدر ومتى لا ينفع شهود القدر؟

    نقول: شهود القدر هو قولك عندما تنزل عليك البلايا أو المحن: قدر الله وما شاء فعل.

    فشهود القدر هنا ينفع المرء في حالتين، ولا ينفع في حالة ثالثة، وهذا عند أهل السنة والجماعة.

    الحالة الأولى: تمحض المصيبة دون أدنى تدخل منك، إذ المصائب تأتي على نوعين:

    النوع الأول: مصائب بسبب الإنسان، أي: بسبب تفريطه وتقصيره ومعاصيه، كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَ الْنَّاسِ [الروم:41]، والباء هنا سببية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: قال الله تعالى: (فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، أي: أنه المتسبب في إتيان هذه المصيبة، فلا يصح له شهود القدر إلا في مرحلة سنبينها لاحقاً.

    النوع الثاني: المصائب بسبب الأقدار لا من الإنسان، فعند تمحض المصيبة والبلية مع الأخذ بالأسباب الصحيحة السديدة من المكلف، فهذا له أن يشهد القدر ويحتج بالقدر، ويحيل الأمر برمته على تصرف ربه جل في علاه، مؤمناً بقدرة الله التي هي من لوازم ربوبية الله جل في علاه؛ قال الله تعالى مصوراً لنا ذلك تصويراً بديعاً: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن:11]، أي: ما من بلية ولا مصيبة تنزل على العبد إلا بإذن الله وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ [التغابن:11]، أي: يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله جل في علاه هو الذي كتب المصيبة في الأزل، وأن الله قادر على أن يوجدها فأوجدها. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] يعني: يثبت الإيمان في جنانه، وهو الإيمان بقدر الله جل في علاه.

    فهذه دلالة على أن المصيبة المتمحضة التي نزلت على العبد إذا أحالها على قدرة الله وأحالها على القدر ينفعه ذلك عند ربه جل في علاه.

    ويجلي لنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم تجلية واضحة جداً في الحديث الذي في الصحيحين قال: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا) ، يعني: لو أخذت بالأسباب الشرعية الصحيحة، وأصبتَ بمصيبة متمحضة لحكمة يعلمها الباري، فهنا يقول لك صلى الله عليه وسلم: (لا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا)، وذلك لأنك ستفتح باب الشيطان، (لكن قل: قدر الله وما شاء فعل).

    أضرب لكم مثلاً: لو أن طالباً ذاكر مادة اللغة، ودخل الاختبار فوجدها رياضيات، أخطأ في قراءة الجدول، فلو قال في نفسه: لو أني اتصلت بزميلي لقال لي: غداً امتحان مادة كذا، هنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (لا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا)، مع أنه لو اتصل بصاحبه وقال له: مادة ماذا غداً؟ لقال له: مادة اللغة أو مادة الرياضيات، فهنا له أن يشهد القدر لأنه أخذ بالأسباب، وليس له أن يقول: لو كان كذا لكان كذا.

    إذاً: فالطائفة الوسطية قالوا: نحن لم نمحض النظر في القدر ولم نمحضه في الشرع، وإنما ننظر بعين القدر حينما يكون القدر نافعاً إذا نظرنا إليه، وننظر بعين الشرع حينما يكون الشيء مأموراً به.

    فإن قيل لهم: هذا التفصيل البديع الذي فصلتموه، من أين أتيتم به؟ أو اذكروا لنا مثالاً حتى نعلمه؟

    قالوا: مثال النظر بعين القدر: إذا نزلت المصيبة بعد الأخذ بالأسباب الصحيحة يصح لك أن تقول: ربي فعل بي ذلك، وأنا شاكر له وراض عنه، أو صابر على قدره.

    وأما مثال النظر بعين الشرع، فلا بد أن أعلم أن هذا الشيء إما أن يكون مأموراً بفعله، أو منهياً عنه، فأعمل العمل وفقاً للأمر والنهي.

    أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي)، يعني: الذي يأخذ بالأسباب، وقوله: (اعقلها وتوكل) يعني: الذي يأخذ بالأسباب، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أتقى الناس وأقواهم يقيناً بربه، ومع ذلك عند الهجرة أخذ دليلاً خريتاً ماهراً، وكان يعمي على الناس إذا أراد غزوة؛ لأنه يعلم أن المؤمن القوي هو الذي يأخذ بالأسباب مع الاعتقاد الجازم بأن الله هو مسبب الأسباب (وفي كل خير، احرص على ما ينفعك)، هذا أمر، فبعد أن جاء بالخبر: (المؤمن القوي)، جاء ليؤكد الخبر بالأمر.

    قوله: (احرص على ما ينفعك)، يعني: خذ بالسبب، وقوله: (فإن أصابك)، يعني: إذا أديت ما عليك بعين الشرع، الذي هو الأمر والنهي، وأخذت بالأسباب وجاءت المصيبة (فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل)، في هذه الحالة ينفعك شهود القدر، وتقول: ربي فعل بي ذلك وأراد بي ذلك، وأنا وقف لله، يفعل بي ما يشاء، فتقول: (قدر الله وما شاء فعل).

    إذاً: فشهود القدر ينفع بعد أن يأخذ الإنسان بالأسباب، لا أن يعصي الله أو يزني ثم يفتح باب القدر ويقول: ليس لي فعل، بل الله هو الفاعل.

    الحالة الثانية عند أهل السنة في شهود القدر: قالوا: حتى بعد المعصية، ومثال ذلك: رجل زنى، وبعد أن زنى، قال: أذهب ليقام عليّ الحد فسمع وهو يسير قارئاً يقرأ قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]، فقال: ولم لا أكون كذلك؟! فإذا به يبكي ويتضرع وينكسر ويتذلل ويتوب إلى الله جل في علاه ويئوب، فلما تاب إلى ربه من هذه المعصية، جاء صباحاً يصلي الفجر، فقام إليه رجل رآه يزني وقال له: أما كنت تزني بالأمس؟ وعيره بذنبه، فله هنا أن يقول: لا والله، قدر الله علي هذا الزنا، وأنا تائب منه، فله أن يشهد القدر.

    إذاً: الحالة الثانية: إذا تاب من الذنب فله أن يشهد القدر، فإن قيل: كيف يشهد القدر وهو زان، وهو الذي فرط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن القوي ..)، نقول: لأنه بعدما تاب رجع إلى القوة، ومن تاب تاب الله عليه، و(التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، إذ أن التوبة والأوبة من أسباب القوة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أسأت فأحسن)، وقال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، فهو أتبع هذه السيئة الحسنة فمحتها، ولما جاء عمرو بن العاص يبايع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ابسط يدك، فبسطها ثم قبضها، قال: علام؟ قال: أشترط، قال: وما تشترط؟ قال: أشترط مغفرة الذنوب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها؟!)، فالتوبة تجب كل ما قبلها، وهو قد أخذ بالأسباب القوية التي بها يقول: قدر الله وما شاء فعل.

    ويدل على ذلك فعل أبينا آدم عليه السلام؛ لأن آدم تاب من الذنب، قال عز وجل: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37]، فلما تاب قال لموسى: أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين سنة، فاحتج هنا بالقدر؛ لأنه قد تاب، وتاب الله عليه.

    عدم جواز الاحتجاج بالقدر مع عدم الأخذ بالأسباب

    وأما الحالة الثالثة التي لا يصح له أن يشهد القدر فيها: فهي التفريط مع عدم الأخذ بالأسباب، فليس له هنا أن يشهد القدر، ويحتج به؛ لأن هذا هو قول الجبرية الذين ضربوا الشرع بالقدر.

    نضرب مثلاً: لو أن رجلاً لعب طوال الليل بالأتاري، وكان في أمر مباح من الساعة العاشرة إلى الساعة الثانية ليلاً، ثم نام حتى ضاعت عليه صلاة الفجر، فلما قام صباحاً، جاءه أخوه فقال: أين كنت؟ لم نرك في صلاة الفجر؟ أكنت مريضاً؟ قال: لا والله، بل كنت نائماً وهذا عذر لي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في النوم تفريط)، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قال: وأنا اجتهدت للاستيقاظ في الفجر فما استيقظت، وروحي بيد المليك المقتدر يقبضها حيث يشاء ويرسلها حيث يشاء، فنقول له: إن أصحاب العقائد لا يرضون بكلامك ولا يرضون باحتجاجك بالقدر، قال: قد احتج من هو أفضل مني بالقدر، قلنا: من؟ قال: علي بن أبي طالب ، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين مر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أما قمتما من الليل تصليان؟ فقال علي : أرواحنا بيد الله إن شاء قبضها وإن شاء أرسلها، فولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً).

    نقول له: هذا المثل أنت منازع فيه، فهل عندك مثل آخر؟ قال: عندي مثل آخر، وهو آكد من الأول؛ لأنه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، قلنا: كيف ذلك؟ قال: جاء في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر ومعه أصحابه، فأتعبهم السفر في الليل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يحرس لنا الفجر هذه الليلة؟ فقام بلال فقال: أنا قائم عليكم -يعني: أنا الذي سأوقظكم في الفجر- فنام النبي صلى الله عليه وسلم ونام الصحابة فنام بلال وغلبته عيناه، وما قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى أشرقت الشمس، وما أيقظ عمر إلا حرُّ الشمس، فذهب فزعاًً إلى رسول الله فأيقظه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأيقظ أصحابه، وكادوا يموتون، يقولون: لم نصلِّ الفجر في وقته؟! ورسول الله لم يصل الفجر في وقته؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم محتجاً بالقدر: أرواحنا بيد الله يمسكها كيف يشاء أو حيثما شاء، ويرسلها حيثما شاء، انطلقوا من هذا الوادي؛ فإن في هذا الوادي شيطاناً، فانطلقوا ثم توضئوا ثم صلوا بعد ذلك الفجر).

    وأنا أحتج بما احتج به النبي فأقول: روحي بيد الله! إن شاء أرسلها وإن شاء قبضها سبحانه جل في علاه.

    وقياسه على فعل النبي صلى الله عليه وسلم قياس مع الفارق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السمر بعد العشاء، وأنت سمرت بعد العشاء، وضيعت الوقت، ولم تستيقظ الفجر بفعلك أنت، وبمعصيتك أنت، فليس لك أن تشهد القدر هنا؛ لأن القدر ليس حجة للعاصي، فليس للسارق أن يقول: سرقت بقدر الله، وليس للزاني أن يقول: زنيت بقدر الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين القوي وبين الضعيف، فالقوي محمود، لكن الضعيف مذموم، والضعيف هو الذي لم يأخذ بالأسباب الشرعية.

    الأول: أن الله جل في علاه قد أثاب على فعل العبد وعاقب عليه، ونسب الفعل للعبد، قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41]، وقال الله تعالى: وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الجاثية:22]، وقال تعالى أيضاً: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24]، فجعل العمل هو الذي يثاب عليه المرء أو يعاقب عليه، فليس له أن يحتج بالقدر، بل بفعله يحمد أو يذم.

    الأمر الثاني: أن الأمر الاختياري والأمر الاضطراري معروف جداً بين الناس، فلو قلت لرجل الآن: مكتوب في اللوح المحفوظ أنك ستلقي بنفسك من الشباك، فإذا وقع على رأسه قال: قدر الله وما شاء فعل، فهذا غير مقبول. كذلك: لو أن رجلاً سرق مال رجل، فوجده صاحب المال فقال له: سرقت مالي، فقال: يا أخي! ألا تؤمن بعقيدة نبيك صلى الله عليه وسلم؟ ألم تعلم أن الله قدر علي أن أسرق مالك؟! قال: نعم، قدر الله أن تسرق عليَّ المال، فقام وضربه على وجهه، وقال له: قدر الله أن أضربك على فعلك هذا.

    ونذكر قصة مشهورة جداً، تبين علة من يحتج بالقدر على المعصية، وهي قصة المرأة التي كانت من الجبرية ومعها زوجها، فدخل الزوج ذات مرة فوجد عليها رجلاً آخر، فقال: فأخذ السيف ليقتل هذا الرجل، فقال له وكان على عقيدته: مهلاً، والله ما وقعت عليها إلا بقدر الله، فقال: آمنت بالله. فقالت المرأة: والله إن هذا لمذهب سوء، ولا يمكن لي أن أتبنى هذا المذهب. فأصبح ديوثاً بالاحتجاج بالقدر.

    ولما جيء بسارق إلى عمر بن الخطاب قال: (اقطعوا يده، فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين! والله ما سرقت إلا بقدر الله. فقال عمر رضي الله عنه: ونحن والله لا نقطع يدك إلا بقدر الله جل في علاه).

    المفاسد العظيمة المترتبة على الاحتجاج بالقدر على المعاصي

    والاحتجاج بالقدر على المعاصي فيه مفاسد عظيمة، وهي مخالفة لظواهر الشرع، فمنها:

    أنها تبطل الرسالات، فإذا قلت بأن القدر حجة للعاصي، فما فائدة إرسال الرسل؟! والله جل وعلا قد بين العلة من إرسال الرسل؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهم يقولون: إنس الحجة موجودة: قدر الله وما شاء فعل، فهذا المذهب فيه مخالفة صريحة لأمر الله جل في علاه.

    1.   

    مدافعة القدر

    إن مدافعة الأقدار تكون بالأقدار، فلا يصح أن تقول: المرء لا يرضى بالقدر مطلقاً، ولا يصح أن تقول: يرضى بالقدر مطلقاً، بل له أن يرضى بالأقدار ويدافعها بالأقدار؛ لأن عدم الرضا بها مطلقاً، هو قول القدرية، والرضا بها مطلقاً، هو قول الجبرية، وأهل السنة والجماعة وسط، فيقولون: لا يصح أن نقول: مطلقاً، ولا يصح أن نقول: لا يرضى بها مطلقاً، بل له أن يرضى في أحايين، ويدافع في أحايين؛ لأن قدر الله على نوعين: قدر أنزله الله جل في علاه وأنزل معه قدراً آخر يدفعه، وقدر أنزله الله ولا يوجد ما يدفعه، فيقولون: لا نرضى بالقدر حينما نرى القدر الآخر الذي ندفع به، ونرضى به حينما لا نجد قدراً آخر ندفع به.

    وبالمثال يتضح به المقال: فالجوع قدر من أقدار الله، وأنزل الله لنا قدراً آخر ندفع به هذا القدر، ألا وهو الطعام، فنحن نأكل لندفع قَدَرَ الجوع بقدر الطعام.

    أيضاً: العطش، فإنا ندفع قدر العطش بقدر الشراب، وهذا من باب قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء).

    إذاً: يصح أن تدافع الأقدار قدر إمكانك كلما أتيح لك أن تدفع الأقدار، فمثلاً: إذا كنت في سفينة وكسرت السفينة، فليس لك أن تستسلم لوحوش البحار لتأكلك؛ لأن لك قدراً آخر، وهو أن تأخذ خشبة من السفينة أو تسبح إن كنت تستطيع أن تسبح.

    وقد كنت ذات مرة أختبر، وكان اختباري هذا هو اختبار الماجستير، وكنت أختبر مواد كثيرة في وقت واحد، في حين أن كل الزملاء يمتحنون مادة واحدة، وكنت -والحمد لله- أخذ ثلاث مواد أو خمس مواد فأختبر فيها، وفي نفس المدة وهي ثلاث ساعات، وكان الدكتور عبد الله بركات وهو رجل عنده من العلم لكنه أشعري، وكان يخفي علي ذلك وهو يختبرني، فدخل علي وأنا أختبر ثلاث مواد في وقت واحد، فقال لي: أنت مثخن بالمواد، وما لك إلا الساعات الثلاث، وكل مادة تحتاج إلى ثلاث ساعات، فقلت له: أنا أختبر الثلاث المواد في ثلاث ساعات، لكن لا تكلمني، ولا أريد أن يكون بجانبي أحد، والقلم سيال فقط، فجاء قبل الموعد بعشر دقائق وأراد أن يأخذ الأوراق، فقلت له: نعم، ماذا تريد؟ قال: الورقة، انتهى الوقت ولم يبق إلا عشر دقائق، قلت له: آخذ العشر الدقائق، قال لي: لا، انتهى الوقت، قلت له: أنا لي الآن ثلاثة أيام ما نمت، فلا تتعبني وتضيع وقتي، وحدثت المشادة بيني وبينه، وبعد ذلك حدث الوفاق بحمد الله، فقال: أنت لست بطالب علم! فقلت له: لمه؟ قال: قدر الله قد نزل عليك، وعليك أن تقول: قدر الله وما شاء فعل، فقلت له: وربي لن أرضى بهذا القدر! فالرجل كاد أن يموت، فذهب وأتى بالدكتور الثاني فجاء وقال: ما هذا؟ فقلت له: يا أخي! تمهل لا تندهش، أنا لا أرضى بقدر الله، قال: كيف؟ قلت له: إن هذا قدر وقد أباح لي مدافعته الله جل في علاه، أنت الآن من قدر علي، تقول لي: أريد أن آخذ الورقة، وأنا أدفعك وأقول لك: من حقي أن تبقيني إلى آخر دقيقة، فأنا أدافع القدر بالقدر، فضربت له المثل وقلت له: هذا الجوع يدافع بالطعام، والغرق يدافع بالسباحة، فهذا قدر يدفع بالقدر، فأذعن الرجل بفضل الله وتركني.

    وفي هذه الأبواب أنصحكم بقراءة كلام ابن القيم ، فهذا الكلام ليس من كيسي، وليس من ذات نفسي ولا من ذكائي، بل أعوذ بالله! فالله جل في علاه هو من أطلعني على الفهم الذي أطلع عليه ابن القيم ، فـابن القيم في كتاب (طريق الهجرتين) وكتاب (مدارج السالكين) أتى بنكت من هذه الأبواب وأبدع فيها، وغاص في كتابه (شفاء العليل)، لكن (شفاء العليل) من يقرأ فيه وليس عنده رسوخ في القدر، لن يفهم كثيراً.

    فإذا نزل بالإنسان داء فلا يقول: قدر الله وما شاء فعل، لأنه من قال ذلك فقد أخطأ في فهمه للقدر، بل هذا من الأقدار التي لا بد أن تدفع، قال النبي صلى الله عليه وسلم آمراً بمدافعة الأقدار: قال: (تداووا عباد الله! فإن الله ما أنزل من داء إلا أنزل له دواء) ، فهذه مدافعة للأقدار بالأقدار، لكن هناك أموراً وأقداراً لا يمكن دفعها، ومنها: الموت، فالموت لا يمكن دفعه بحال من الأحوال، فلا أحد يستطيع أن يرد تقدير الموت، فليس أمام الإنسان مع هذه الأقدار إلا الصبر، أما الصبر فهو الواجب فقط، والإحسان: هو أن ترضى بأقدار الله جل في علاه.

    1.   

    الإرادة الكونية والإرادة الشرعية والفرق بينهما وضابطهما

    الإرادة إرادتان بالنسبة لله جل في علاه: إرادة شرعية، وإرادة كونية، والله فعال لما يريد، فما أراده الله كان وما لم يرده لم يكن، قال الله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125]، وقال الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، فالإرادة هنا لله جل في علاه إرادتان: إرادة كونية، وإرادة شرعية، فالإرادة الكونية: هي كل ما قضاه الله جل في علاه، ولها ضوابط: الأول: أنها تقع فيما يحب.

    الثاني: أنها تقع لا محالة، يعني: لا مرد لها، كالموت، والصحيح أن الموت مبغوض لله تعالى ولا يحبه لذاته، لكنه يحبه لغيره، فهو يحبه لأجل البعث فقط، فالموت مكروه، والدليل أن الله سماه مصيبةً، والمصائب لا تكون محمودة للإنسان، والله لا يحب الموت، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن!)، فالله يبغضه، لكن قد يكون الموت محبوباً لله من وجه آخر؛ لما سيؤدي إليه وهو الخلود في الجنان، فالموت قضاه الله على عباده قضاءً كونياً لا شرعياً.

    أما الإرادة الشرعية: فهي المحبة، وهذا هو الفارق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، فالإرادة الكونية تساوي المشيئة، والإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع؛ لأنها خاصة فيما يحبه الله، ولا يمكن أن تكون فيما يبغضه الله جل في علاه، مثل: عبادة الله، فعبادة الله محبوبة لله شرعاً، وقد تقع وقد لا تقع، فليس كل أهل الأرض قد عبدوا الله جل في علاه، مع أنه أمرهم بالعبادة، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23].

    إذاً: فالعبادة قضاها الله قضاءً شرعياً لا كونياً.

    أمثلة وتطبيقات على الإرادتين: الشرعية والكونية

    قال الله تعالى: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:18]، فالله تعالى لا يحب وجود الشيطان، وقدر وجوده، فهذه إرادة كونية، والكونية تكون كما هو في الضابط الثاني: أنها تقع لا محالة ولا يمكن أن تتخلف، فخلق الشيطان إرادة كونية لا شرعية.

    وقال الله تعال: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125]، فلو أخذنا شطر الآية الثاني: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ، لعلمنا أن الضلال ليس محبوباً لله جل في علاه، وهذا هو الضابط الأول.

    الضابط الثاني: أنه يقع لا محالة، فلو أراد الله إضلال عبد فلن يهديه أحد، والدليل قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاء [القصص:56]، فوقوع الضلال للعبد إرادة كونية.

    يقول الله تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ [سبأ:14]، وقوله: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ [الإسراء:4]، وقول الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقوله تعالى: قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ [الزمر:69].

    فالآية الأولى والثانية القضاء فيهما كونياً، أما القضاء في الآية الثالثة: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا [الإسراء:23]، فهو قضاء شرعي.

    قال تعالى: قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الأنبياء:112] يمكن أن نقول: بأن فيها تفصيل: فإن كانت المسألة على الآخرة، فالحكم بالحق سيكون كونياً لا منازع له، قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَهِ الْوَاحِدِ الْقهَّار [غافر:16]، وإن كان في الدنيا، فحكم الله بالحق سيكون شرعياً، قد يقبل به الناس وقد لا يقبلون به، لكن من الممكن: أن ينازع منازع ويقول: هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم: أن يحكم كوناً بالحق.

    وقال الله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26]، فهذا يعتبر حكماً شرعياً؛ لأنه محبوب لله جل في علاه، والضابط الثاني: أنه قد يقع وقد لا يقع، أما رأيت كثيراً من الناس يتحاكمون إلى غير الله جل في علاه؟ فقد يقع وقد لا يقع.

    وقال الله تعالى: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة:10]، فالحكم هنا شرعي؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.

    وقال الله تعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107]، فهذا كوني؛ لأنه قد يُحِب وقد لا يُحِب، وهذا الضابط الأول، أما الضابط الثاني: فهو لا بد أن يقع، فما شاءه الله كان وما لم يشأ لم يكن.

    وقال الله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16]، الإرادة هنا كونية.

    وقال الله تعالى: إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود:34]، الإرادة هنا: كونية؛ لأن إغواء العباد لا يحبه الله، بل هو يحب هداية العباد.

    وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، هنا الإرادة شرعية؛ لأن الله يحب ذلك، لكنها قد تقع وقد لا تقع.

    وقال الله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21]، الكتابة هنا: كونية، وهي محبوبة لله جل في علاه.

    وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، الكتابة هنا: كونية، قد كتبها الله جل في علاه، وستكون لا محالة.

    قال الله تعالى في سورة الحج: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج:4]، الكتابة هنا: كونية؛ لأن الإضلال لا يحبه الله، وهي تقع لا محالة؛ لأنه من اتخذ الشيطان ولياً من دون الرحمن أضله الله جل في علاه.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَقُوْنَ [البقرة:183] الكتابة هنا شرعية.

    قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23].. إلى قوله تعالى: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24]، يعني: كتب الله عليكم، وهذا الكتاب: كتاب شرعي؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.

    وقال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، الأمر هنا: كوني، ولا بد أن يقع. وقال الله تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50]، الأمر هنا: كوني، ولا بد أن يقع.

    وقال الله تعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء:47] الأمر: كوني أيضاً.

    وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] هنا الأمر: شرعي.

    وقال الله تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، الإذن هنا: كوني؛ لأن الله لا يحبه.

    وقال الله تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [الحشر:5]، الإذن هنا شرعي.

    وقال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ [يونس:59]، الجعل هنا في قوله: فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا ، من أفعال البشر لا من أفعال الله، فلا يسمى كونياً ولا شرعياً؛ لأننا نتكلم عن أفعال الله تعالى.

    وقال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، الإذن هنا: إذن شرعي؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.

    وقال الله تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ [المائدة:103]، الجعل هنا: شرعي.

    وقال الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ [المائدة:97]، الجعل هنا: شرعي.

    وقال الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ [يس:8]، الجعل هنا: كوني.

    وقال الله تعالى: كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:33]، الكلمة هنا: كونية، لكن قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:137]، الكلمة هنا: كونية؛ لأن كلمة الله إذا قالها فلا بد أن تقع، فتكون كونية.

    وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، الكلمة هنا: شرعية؛ لأن المشرك سيسمع الكلام وقد يؤمن وقد لا يؤمن، فقد تقع وقد لا تقع.

    أصناف الناس في الإرادة الشرعية والكونية

    وأصناف الناس بالنسبة للإرادة الكونية والإرادة الشرعية أربعة:

    الصنف الأول: وافق الشرع والقدر، وهذا هو إيمان المؤمن، أما موافقته الشرع؛ فلأن الله قد أمر بالإيمان فقال: أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ [آل عمران:193]، فأمرهم شرعاً، وهو محبوب لله جل في علاه، أما موافقته القدر؛ فلأن الله كتب في اللوح أنهم من المؤمنين، كإيمان أبي بكر ، فـأبو بكر وافق الشرع والقدر.

    الصنف الثاني: خالف الشرع والقدر، وذلك مثل كفر المؤمن، يعني: لو كفر واحد من الصحابة فقد خالف الشرع والقدر؛ لأن الله يحب إيمانه، وهو قد آمن وكفر، لكن هذا لا يحدث أبداً.

    الصنف الثالث: وافق الشرع ولم يوافق القدر، وذلك كإيمان أبي جهل ، فإيمان أبي جهل وافق الشرع، يعني: أمر الشرع له بالإيمان، لكن القدر خالف ذلك وكتب وختم عليه عند ربه أنه من الكفار.

    الصنف الرابع: وافق القدر وخالف الشرع، وذلك مثل: كفر الكافر، فكفره موافق للقدر؛ لأن الله كتب وختم عليه أنه كافر إلى يوم القيامة، وخالف الشرع؛ لأن الله أمر الناس عامة بالإيمان والعبادة له، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755983381