إسلام ويب

محاضرة في مخيمللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • انقسم شباب الأمة إلى شباب ملتزم وشباب غير ملتزم، وهذا التمايز أحدث فجوة عميقة بين الفئتين، حتى أثمر ذلك سلبيات كثيرة تضر بالإسلام والمسلمين على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، وهي أمور مهمة يجب تداركها والعمل على سد الفجوة ولأم الشق الحادث وسط المجتمع المسلم.

    1.   

    المؤامرة على الأمة وشبابها

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فهي فرصة طيبة أن نلتقي بالإخوة الكرام في هذا اللقاء المبارك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب القائمين على هذا المخيم، وأن يجعل ما يقدمون في موازين حسناتهم.

    ونحن في الواقع بحاجة إلى مثل هذا التوسع في أنشطتنا الإسلامية، وفي دعوتنا، وفي برامجنا، وهي فكرة رائدة سرتني كثيراً، وأتمنى أن نرى في المستقبل المزيد من مثل هذه الأفكار والجهود؛ لأن المسلم يرى أن دينه ودعوته تتطلب منه جهداً أكثر.

    لئن كان أصحاب التجارة وأصحاب الأموال يبتكرون الوسائل والأساليب في الدعاية والإعلان، وترويج منتجاتهم، ولئن كان أصحاب الفساد والفجور يبذلون المستحيل، لابتكار واكتشاف ألوان الفساد، والحصول على ما يريدون، والتحايل على الناس، فأهل الحق أولى ألا يكونوا أسرى تجارب ووسائل ورثوها، وألا يكونوا أسرى أفكار اعتادوا عليها، فصاروا لا ينطلقون إلا من خلالها.

    أسأل الله سبحانه وتعال أن يعظم الأجر والمثوبة لإخواننا، وأن يجعل ما قدموا في موازين حسناتهم، وأن يجعلنا وإياكم جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

    معشر الشباب! لقد أدرك أعداء الإسلام أنه لا مجال للانتصار على هذه الأمة والقضاء عليها إلا بسلخها عن دين الله سبحانه وتعالى، وأدرك أولئك جميعاً أن الشباب هم الأمة، يقال: الشباب عدة الأمة، وأمل المستقبل، والواقع أن الشباب هم الأمة، وليست الأمة إلا الشباب، فعلى أكتافهم وسواعدهم تقوم المجتمعات، وهم القادة في المستقبل، وهم الرجال الذين يوجهون المجتمعات والأمم.

    وعلى أساس ما نشئوا عليه في شبابهم وفتوتهم يكونون بعد ذلك، ولما أدرك الأعداء قيمة هؤلاء الشباب وخطر شأنهم في الأمة سعوا لإضلالهم وفتنتهم، وصدهم عن دين الله سبحانه وتعالى، فقامت تلك الجهود، ومن ورائها الطابور الخامس المنتشر في مجتمعات المسلمين في عرض الأمة وطولها، يمهدون للأعداء، ويقومون بتنفيذ خططهم نيابة عنهم، ولا يزيد على أن يأخذ وكالة فقط حتى تتغير الواجهة واللافتة، والمقصود من ذلك كله واحد هو سلخ شباب هذه الأمة، وصدهم عن دين الله سبحانه وتعالى.

    وتنوعت أساليب الإغراء والإثارة والصد، بدءاً بتشكيك أولئك بدين الله سبحانه وتعالى، وإخراج أجيال ممن يتشككوا في دين الله عز وجل، ويرتضي الإلحاد والردة عن دين الله سبحانه وتعالى، وصار يبحث له عن مناهج بديلة عن الإسلام.

    ومروراً بوسائل سعى فيها أولئك الأعداء إلى إثارة غرائز الشباب، وإلى إثارة اهتمامات الشباب، وصرف الهمة الجادة والعالية؛ فخرج لنا جيل همه فرجه وشهوته، وصار يسعى إلى تحصيل هذه الشهوة بكل الوسائل، وإذا لم تتح له في بلده وفي موطنه، فهو على استعداد أن يوفر جزءاً كبيراً من ماله؛ حتى يسافر إلى الخارج، ويسافر إلى بلاد الكفر؛ حتى يقضي شهوته في الحرام.

    وخرج لنا جيل يتعلق بالرياضة ويفتن بها، حتى صارت أساس تفكيره، وخرج لنا جيل يعتني بما يسمى بالفن، وصار أولئك مرايا عاكسة لآخر صرعات الفن في عالم الغرب.

    إنه -معشر الإخوة الكرام- نتاج جهد متواصل من أولئك الأعداء، قابله تخاذل من هذه الأمة، وانشغال من المصلحين الذين كان أولى بهم أن يقفوا على بوابات الحراسة في مجتمعات المسلمين؛ ليحموا هذه الأمة من هذا الغزو الماكر، وبقيت مجتمعات المسلمين وبالأخص الشباب دهراً في سبات عميق، وما كان لهذا النوم أن يطول، وما كان لهذه الأمة أن تطيل في الغيبوبة وهي الأمة الشاهدة، وهي الأمة القائمة بدين الله عز وجل للبشرية جميعاً إلى قيام الساعة.

    فآذن الله سبحانه وتعالى بانبلاج فجر الصحوة، وخرجت تلك الصحوة مع هذا الجيل الذي كان ينتظر الأعداء منه كل ألوان الفساد والانحراف، خرجت الصحوة مع هذا الجيل ليعود إلى دين الله عز وجل، وليضرب المثل الصادق في العودة إلى دين الله عز وجل، والعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

    وأصبحنا مرة أخرى نرى الأفواج تتقاطر إلى طريق الاستقامة والصلاح والخير، وصارت الأفواج التي تتسابق إلى المساجد هي الأفواج إلى كانت تتسابق إلى الملاعب وإلى أماكن اللهو والرقص، بل صار أصحاب السفر والفساد والمجون والمخدرات والفن يعودون إلى هذا الطريق، وينضوون تحت لوائه، وصار العدد يتضاعف يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام.

    وهي مسيرة بإذن الله مستمرة، فحين أشعل الفتيل، وحين أعلنت المسيرة فهذا إيذان باستمرار المسيرة إلى أن يتحقق وعد الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح:28]، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون [الصف:9].

    إنها مسيرة لابد أن تصل بإذن الله عز وجل، ولابد أن تؤتي ثمارها بإذن الله سبحانه وتعالى، رغم الكيد، ورغم التآمر، ورغم ألوان المكر والتحايل التي تواجه بها هذه الأمة، فما أن استيقظت الأمة فهو إعلان لبدء المسيرة، وإعلان لهذا التيار الجارف الذي لا يمكن أن يتوقف، ولم تعد القضية معلقة بشخص، أو فرد، أو بلد، أو مجتمع، حتى يمكن إيقافها، فهو تيار لا يمكن أن يقف أحد في طريقه.

    معشر الإخوة الكرام! ليس هذا موضوع حديثنا، فهذه تقدمة بين يدي هذا الموضوع.

    1.   

    انقسام شباب الأمة إلى فئتين

    أقول: حين عاد هذا الجيل الناشئ بإذن الله عز وجل، والذي نعلق عليه -بعد توفيق الله عز وجل وعونه- آمالاً عريضة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا عند حسن ظننا، والله سبحانه وتعالى عند حسن ظن عبده به عز وجل.

    أقول: مع تقاطر هذا الجيل أصبح عندنا فئتان من الشباب:

    فئة من الشباب الذين عادوا إلى الله عز وجل، وعادوا إلى الأصل والفطرة فاستقاموا على دين الله سبحانه وتعالى، وفئة وهي لا تزال عريضة تحتاج إلى دعوة. وينبغي أيضاً ألا نفرط في التفاؤل، وألا ننسى أن هناك قطاعاً عريضاً، بل إن القطاع العريض من شباب الأمة لا يزال بحاجة إلى من يشده إلى هذه الميادين.

    صار لدينا فئة من الشباب اصطلح على أن يسمى الشاب الملتزم، وفئة أخرى من الشباب غير الملتزم، ولسنا هنا بصدد تحديد المصطلحات، ومدى سلامة هذا المصطلح أو ذاك، وأيهما أولى، ليس هذا موضوع حديثنا، ولكن هذه القسمة نشأ عنها مفاهيم مغلوطة، هي ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في هذه الدقائق.

    نشأ عن هذه القسمة مفاهيم ومشاعر أصبحت جزءاً من تفكيرنا، وهكذا شأن الأخطاء، الخطأ يبدأ خطأً، ثم ينتشر ويتوسع، حتى يصبح بعد ذلك جزءاً من التفكير أصلاً، فيصبح الإنسان يفكر من هذه الزاوية، ولا يستطيع أن يتخلص من هذه النظرة التي تسيطر عليه.

    وهذا الحديث لا يخص إحدى الفئتين، بل هو حديث للجميع، وقد يكون الحديث صريحاً، والصراحة لها ضريبة، وإذا كنا نريد الإصلاح فينبغي أن نكون واضحين وصرحاء. وسأتحدث بصراحة مع الجميع وفي محضر الجميع عن أخطاء يقع فيها الشاب الملتزم تجاه أخيه، وعن أخطاء يقع فيها الشاب غير الملتزم، ونحن ينبغي أن نكون جميعاً صرحاء، ولعل هذه النقطة سيكون لها حديث في نهاية هذا الأسبوع في محاضرة الأربعاء، فلست بحاجة للإفاضة فيها.

    ولكني أقدم بين يدي هذا الحديث أننا لابد أن نكون صرحاء، ولو أدى ذلك إلى أن تكشف الأوراق بمحضر الجميع، وأن نتحدث عن الأخطاء بمحضر الجميع، ما دام المقصود هو النصيحة.

    هناك الكثير يتحدثون عن الأخطاء، وهناك الكثير ينتقدون، ومن ثم فنحن حين نريد أن نقطع الطريق على أولئك الذين يتخذون من النقد سلماً ووسيلة للفتنة والإعاقة، حين نريد أن نقطع الطريق على أولئك فلن نقطعه إلا حين نبني منهجاً سليماً للنقد يتحدث عن الأخطاء تحت ضوء الشمس، وفي وضح النهار، وحينئذٍ نقطع الطريق على من يريد أن يتكئ على هذه الأخطاء، وأن يستثمر هذه الزلات؛ ليجعل منها معولاً يهدم به البناء.

    1.   

    عدم الالتزام لا يبرر المعاصي

    حين تتحدث مع أحد الشباب غير الملتزم عن المعصية أو عن الطاعة يفاجئك بهذه الكلمة: إنني لست ملتزماً. فيتصور أن عدم التزامه يعني أنه مخاطب بأحكام خاصة، وبتكاليف خاصة.

    فنقول ابتداءً: إن كون الإنسان غير ملتزم، أو كونه يخل بشعائر ظاهرة من شعائر الإسلام؛ حتى يبقى مظهره لا يدل على الاستقامة والصلاح، لا يعفيه مما يجب على آحاد المسلمين، فهو مسلم يجب عليه ما يجب على المسلمين، وهو مسلم مخاطب بكل التكاليف الشرعية، وبكل النصوص الشرعية.

    إنه يتخيل أحياناً أنه ما دام غير ملتزم، فينبغي ألا يوجه له هذا الخطاب، وينبغي أن يكون في مندوحة أن يقال له هذا الكلام، لأنه يظن أن هذا الكلام إنما يقال للناس الملتزمين، ويقال للأخيار، ويرى أنه لا يستحق أن يوجه له هذا الكلام، إنه ينبغي أن يخاطب بكلمة واحدة فقط لا غير، وهي: تب إلى الله عز وجل، وتخل عن طريق الإعراض والغفلة، وكن سائراً مع ركاب الصالحين والملتزمين.

    وهذا لا شك خطاب وكلمة لابد أن تقال، وهي أساس ومبدأ حديثنا، وحولها ندندن، ولكن مع ذلك يبقى لنا حديث آخر، فمثلاً: هذا الشاب عندما تطالبه بطاعة من الطاعات، وهب أنها من النوافل، فتقترح عليه أن يصوم يوم الإثنين، أو يصوم يوم الخميس، أو يقوم ليلة من الليالي، أو يصلي النافلة، فيفاجئك ويقول: لست ملتزماً.

    ويتخيل أنه ما دام كذلك فلا ينبغي له أن يخادع نفسه، ويرى أن صيامه، أو تلاوته لكتاب الله عز وجل، أو قيامه لليل، أو قيامه بأي عمل صالح إنما هو من المخادعة والنفاق، بل تراه مثلاً حينما يرى زميلاً له يقع في خطأ من الأخطاء، أو يعرف عنه ممارسة محرمة، أو عملاً سيئاً، ويراه يعمل طاعة من مثل هذه الطاعات، فإنه يتهمه بالنفاق والمراوغة والمخادعة، إلى غير ذلك.

    إنه منطق عجيب، فلماذا كانت هذه المعاصي التي وقعت فيها مانعة لك من تلك الطاعات، نعم إن هذه المعاصي تكبلك، وهذه المعاصي تثقلك وتجعلك تتكاسل عن الطاعة، وتجعل الطاعة ثقيلة عليك، لكن هذا شيء وكونك لا تعمل الطاعة شيئاً آخر، هذا شيء وكونك تعتقد أن عملك لتلك الطاعة يعتبر نفاقاً شيء آخر.

    وهذه من الحيل الشيطانية، فالشيطان يسيطر عليك بهذا المنطق، وبهذا التفكير؛ حتى يحقق إنجازاً لا يستطيع أن يحققه حتى يغلق جبهة كاملة يمكن أن تستثمرها أنت في صراعك مع هذا العدو، فيقطع عليك الطريق عن كل طاعة من الطاعات يمكن أن تقوم بها؛ بحجة أنك لست ملتزماً، وما دمت لست ملتزماً فينبغي ألا تعمل هذه الطاعات، وعملك لهذه الطاعة يعتبر مخادعة ويعتبر نفاقاً.

    في أي كتاب أم بأية سنة؟ ومن أين حصلنا على مثل هذا الاقتناع؟ لست أدري! إنها قناعة لا تقبل الشك عندك، ولا يمكن أن تناقش فيها، والدليل على ذلك -كما قلت قبل قليل- أنك حين ترى زميلك أو أخاك يعمل ذلك تتهمه بالنفاق والمخادعة؛ لأنك رأيته يسمع الغناء، والذي يسمع الغناء لا ينبغي -مثلاً- أن يصلي الراتبة، والذي يسمع الغناء لا ينبغي أن يصوم النفل، وهكذا، الذي يقع في مثل هذه المعاصي لا ينبغي له أن يعمل تلك الطاعات، وإذا عملها عد منافقاً.

    إنك لا زلت مسلماً شأنك شأن الآخرين، ويصدق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، ويصدق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من سائل فأعطيه سؤاله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟).

    عهدتك لا تنام إلا قبيل الفجر، فها أنت مستيقظ في الثلث الأخير من الليل، فما رأيك لو طرحت عليك هذا الاقتراح؟ اقتطع من وقت السهر والسهرة التي تقضيها -وربما كانت على معصية الله عز وجل- نصف ساعة، واقضها في أن تصلي ركعتين لله عز وجل، أو أربع ركعات، وتتضرع فيها إلى الله عز وجل في سجودك، وتدعو الله سبحانه وتعالى أن يهديك ويعينك ويوفقك؛ لأني أجزم تماماً أنك تتمنى أن يهديك الله سبحانه وتعالى، وتتمنى اليوم الذي تودع فيه الغفلة، وتودع فيه المعصية، وتقبل على الله عز وجل.

    فلعلك أن توافق باباً مفتوحاً من السماء فترفع لك فيه دعوة صادقة، ولماذا تحرم نفسك هذا الخير؟ فتستغفر وتتوب في هذه الساعة التي أنت أصلاً مستيقظ فيها.

    إنك -أخي الكريم- أحوج إلى الطاعة من غيرك؛ لأنك تملك ركاماً هائلاً من المعاصي والذنوب، وأنت تراه كالجبل يوشك أن يهوي عليك، فأنت أحوج الناس إلى التخفف، وأنت أحوج الناس إلى التوبة، وأنت أحوج الناس إلى ما يكفر الذنوب، فما أحوجك إلى طاعة الله سبحانه وتعالى!

    1.   

    كيف نتعامل مع المعصية

    ثانياً: كيف تتعامل مع المعصية؟

    عدم المجاهرة بالمعصية

    إن الكثير من الشباب يضع أمامه خيارين لا ثالث لهما:

    الخيار الأول: أن يتوب، ويترك المعصية، ويكون مع الناس الصالحين الأخيار، وهذا لا شك هو المطلوب.

    الخيار الثاني: حين يفشل في هذا فإنه يبقى على المعصية دون أي وازع، ودون أي مانع، ويرى أنه لم يبق أمامه خيار ثالث.

    إن هناك خياراً ثالثاً، ومع ذلك فهذا الخيار لا يعني أن نتنازل عن الخيار الأول الذي هو الأصل وهو ترك المعصية وتوديعها، والتوبة الصادقة النصوح إلى الله سبحانه وتعالى، لكن هب أنك فشلت ولم تستطع أن تتوب، ستكون في هذه الفئة، فكل مسلم قادر على أن يسلك هذا الطريق، وما كلف الله عز وجل الإنسان إلا ما يطيق، وهب أنك لم تستطع ذلك، فلماذا تجاهر بالمعصية، وأنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين

    إنك تفعل المعصية بالليل بينك وبين نفسك لا يعلم عنها أحد، وربما لا يعلم عنها إلا شريكك في المعصية، فما بالك إذا أصبحت تلقى زميلك في المدرسة فتخبره بما عملت وما صنعت؟!

    أنك تدعي أنك لا تستطيع التخلص من تلك المعصية، ولو فرضنا جدلاً أنك كذلك، أفلا تستطيع أن تتخلص من المجاهرة بالمعصية؟ ألا تستطيع أن تبقى معصيتك سراً بينك وبين الله سبحانه وتعالى؟ فإن ذلك أدعى إلى توبتك وإقبالك على الله سبحانه وتعالى.

    ثم إن الذي يجاهر بالمعصية حين يهم بالتوبة بعد ذلك تثقل عليه، ويصعب عليه أن يسلك طريقها؛ لأنه أصبح مشهوراً بين الناس، ومشهوراً بين زملائه وأقرانه بالسوء والفساد، وهو الذي جنى على نفسه.

    ومما يتعلق أيضاً بالمعصية أنك حين تفعل المعصية فلماذا لا تقتصر على نفسك؟ لماذا تدعو غيرك إلى المعصية؟ ولماذا تسعى إلى تسهيل المهمة لغيرك؟ فأنت أحياناً تتحدث مع زميلك، بل كثيراً ما تتحدث مع زميلك، فتخبره ماذا فعلت بطريقة تمارس فيها دعاية بالمجان لهذه المعصية، بل ربما تدله على الوسيلة التي يمكن أن تعينه على فعل المعصية، وربما وظفت نفسك مستشاراً دون مقابل على أسباب ووسائل الاحتيال على تحصيل المعصية.

    أليست هذه دعوة للمعصية والفساد؟ ألا تخشى أن ينطبق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)، وأن ينطبق عليك قول الله عز وجل: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25]؟

    ألا تخشى أن تأتي يوم القيامة وأنت تحمل وزرك على ظهرك ووزر من أضللته؟

    قد تقول مرة أخرى: إن لك مبرراً وعذراً في فعل المعصية، ولكن ما العذر والمبرر أن تدعو غيرك للمعصية، وتسهلها عليه؟

    عدم الاستخفاف بالمعصية

    ومما يتعلق بالمعصية أيضاً: ما بالك تستخف بالمعصية وتستهين بها؟

    لقد حدثنا أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضرب لنا مثلاً بليغاً، أرجو أن ترعي سمعك حتى لا ينطبق عليك هذا المثل، بل لعلك أن تصنف نفسك مع الفئة الأخرى: المؤمن يرى ذنبه كالجبل يوشك أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا.

    ما بالك حين تواجه بالنصيحة والإنكار تستخف بشأن المعصية؟ إن فعل المعصية شيء، والاستخفاف بها واستهوانها معصية أخرى، بل إن الاستخفاف بالصغيرة يحولها إلى كبيرة، فما بالك بالاستخفاف بالكبيرة والاستهانة بها؟!

    مرة أخرى أقول لك: حين تفشل في ترك المعصية، وتعجز عن ترك المعصية، فهذا لا يعني أن تفتح لنفسك الباب على مصراعيه، فهناك خيار ثالث وخطوة ثالثة أرجو وآمل أن تكون مقدمة التوبة الصادقة النصوح.

    عدم التخاذل عن نصرة الدين وخدمته

    أخيراً: إن إعراضك وإدراجك لنفسك ضمن قائمة غير الملتزمين ليس مبرراً لك حتى تتخاذل، إنك تأتي إلى المسجد، فترى فيه محاضرة، هذه المحاضرة سلكت خطوات في إعدادها، وفي الإعلان عنها، وفي دعوة المحاضر، وفي ترتيب اللقاء، إلى غير ذلك.

    ترى مثل هذا المخيم الذي تستمع فيه لمثل هذه الكلمة، وترى الجهد الذي بذله الشباب الذين قاموا عليه، وترى من يوزع الشريط، وترى من يوزع الكتاب، تلقيت منه الشريط والكتاب، وترى زميلك في المدرسة ويده تمتد ليناولك كتاباً أو شريطاً، وتراه يحرك لسانه ليقول لك كلمة صادقة ناصحة، وترى الجهود تبذل لخدمة دين الله عز وجل هنا وهناك.

    فما بالك لا تبحث لك عن موقع في هذا الميدان؟!

    نعم، إنني أقدر موقعك، وإنني لا أنتظر منك وأنت على هذه الحال أن تتحول إلى واعظ، أو تتحول إلى خطيب أو محاضر، أو رجل يتحدث باسم الإسلام، فيؤلف ويصنف ويكتب وينافح عن دين الله عز وجل، لا أريد ذلك، بل لو أردت ذلك لقلت لك: رويدك وليس هذا مكانك.

    لكن تستطيع -أخي الكريم- أن تقدم خدمة جليلة لدين الله عز وجل، وتستطيع أن تساهم في خدمة دين الله سبحانه وتعالى.

    نقرأ في تاريخ الذين ساهموا في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، من الزهاد، والعابدين، والقانتين، والعلماء، والصالحين، وحفاظ كتاب الله عز وجل، وحملة العلم الشرعي.

    ولكننا مع ذلك نرى نماذج من أولئك الذين لم يكونوا على حال من الصلاح والاستقامة، كانت لهم مساهمات في دين الله عز وجل، والوقت يطول، فلعلي أذكر مثلاً واحداً.

    كان الإمام أحمد رحمه الله كثيراً ما يدعو لرجل يقال له أبو إسحاق ، فكان يقول: اللهم اغفر لـأبي إسحاق إذا قام وإذا جلس. فسأله أحد أبنائه: من يكون؟ فكان ينتظر أن يكون زاهداً رأى منه الإمام رحمه الله قدوة في الزهد، أو قدوة في العبادة، وكان ينتظر أن يكون شيخاً للإمام أحمد تعلم منه علماً.

    فأخبره الإمام أحمد رحمه الله أن هذا الرجل كان لصاً، وكان قاطع طريق، حينما جيء بالإمام أحمد رحمه الله ليجلد في فتنة خلق القرآن، جذبه بردائه، فقال: أتعرفني؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا أبو إسحاق العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني جلدت كذا وكذا في السرقة، ومع ذلك ما صدني ذلك، وأنت تجلد على كلمة الحق، فأنت أولى مني أن تثبت.

    أرأيت هذا اللص الذي في السجن ولا يزال مصراً على جريمته، ومع ذلك يرى أنه يستطيع أن ينصر الإسلام، ويستطيع أن يقدم خدمة، وما هي هذه الخدمة؟ إنها ليست إقامة درس، ولا إلقاء خطبة، ولم يكن هذا الرجل مؤهلاً لذلك، إن هذه الخدمة كانت تتمثل بأن يقف مع الإمام أحمد رحمه الله، ويقول له تلك الكلمة التي زادته تثبيتاً، ولم يجد هذا اللص في تاريخه شيئاً يمكن أن يستثمره إلا تاريخه المليء بالإجرام والسرقة، فوظف ذلك التاريخ؛ ليكون شاهداً ومعيناً للإمام أحمد رحمه الله، بل تراه يستعين بتاريخه السابق السيئ فيقول للإمام أحمد : أنا وأنا صاحب المعصية والهوى أتحمل العذاب في سبيل السرقة، فأنت أولى مني أن تتحمل، وأنت تقول كلمة الحق!

    إننا نطلب منك أن تساهم، وأن تشعر أن الدين يعني الجميع، وأن الدين دين الناس جميعاً، وأنك ما دمت مسلماً فإنك ينبغي لك أن تسير مع القافلة، بل لعل هذا يكون بمشيئة الله عز وجل بداية خير وطريق توبة، فماذا عليك مثلاً لو أخرجت مبلغاً من المال -فهناك مبالغ كثيرة تقدم لزملائك بها بعض المشروبات والمأكولات، والذي تقدم أضعافاً منها لتكون وسيلة تشتري بها ما يعينك على المعصية- ماذا عليك لو أخرجت جزءاً من هذا المبلغ؛ فأعطيته أحد الصالحين والأخيار، أو أحد الدعاة إلى الله عز وجل، وقلت له: اصرف هذا المبلغ في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي سبيل الله سبحانه وتعالى؟ ماذا عليك حين تستمع إلى شريط أن تهديه إلى أحد زملائك، وأن تشتري كتاباً، وأن تشتري شريطاً؟

    ولو أردت مجال الخير وخدمة دين الله عز وجل؛ لاستطعت أن تجد الآلاف من الوسائل والسبل، فقد عهدناك مفكراً، وعهدناك مجتهدً في البحث عن شهواتك ورغباتك، بل أنت تبتكر، ولا ترضى بحال أن تستعير فكرة غيرك، فأنت كل يوم تخرج لنا بفكرة جديدة، وطريقة جديدة، فوظف هذا التفكير وهذا العقل لتقدم شيئاً يسيراً لخدمة دين الله سبحانه وتعالى، عل هذا يكون خطوة لك تنقلك إلى طريق الاستقامة والخير بإذن الله عز وجل.

    1.   

    الآثار السيئة للهوة القائمة بين الملتزمين وغيرهم

    بعد هذا الحديث ننتقل إلى نقطة أخرى تحتاج منا إلى مصارحة، وهي العلاقة بين الشاب الملتزم والشاب غير الملتزم، فنرى أن هناك أخطاء ترتكب من الجميع، ولا ننزه أنفسنا، وحين نقول: إن هناك أخطاء، فإننا نعرف ونجزم أن معظم هذه الأخطاء قد لا يكون بالضرورة صادراً عن عمد وسبق إصرار، بل ربما عن اجتهاد وحسن نية، فيرى أن هذا ما ينبغي أن يفعله.

    وهناك أخطاء ألفناها فصارت جزءاً من تفكيرنا.

    الصراع والتنافس بين الملتزمين وغيرهم

    إن أول خطأ أرى أن الجميع مسئولون عنه هي هذه الهوة السحيقة والفجوة العميقة بين هذين الجيلين، بين الشباب الملتزم والشباب غير الملتزم، فأنت ترى كل طرف يعتقد أنه في ميدان، والطرف الآخر في ميدان آخر يقابله، بل نرى أنهما قد أصبحا في ميدان تنازع وتنافس، وربما في ميدان صراع.

    لا شك -معشر الإخوة الكرام- أن سلوك المرء واستقامته ودينه يؤثر على علاقته، وعلى نظرته للناس، ولا شك أن هذا يصير الناس فئات، فيتعاملون من خلال ما يعتقدون من معتقدات، وما يمارسون من سلوكيات، والمشابهة في الظاهر تورث المحبة واللقاء في الباطن، والتنافر في الظاهر يورث التنافر في الباطن، ولكن هذا شيء والواقع الذي نعاني منه شيئاً آخر.

    إنني أطرح هذا السؤال الذي أرجو أن نطرحه جميعاً -معشر الملتزمين وغير الملتزمين- على أنفسنا: من المستفيد من هذه الفجوة وهذه القطيعة؟

    إن الأعداء هم المستفيدون؛ لأنهم يحولون دون وصول الخير، ودون وصول الكلمة الناصحة والصادقة إلى الطرف الآخر، ودون وصول النقد والتقويم إلى الآخرين.

    ثم السؤال نفسه بطريقة أخرى: من الخاسر؟

    نحن جميعاً، ولست أقول: إنه غير الملتزم، بل حتى الملتزم، إن الشاب غير الملتزم يخسر خسارة كبرى حين يساهم في إيجاد هذه الهوة، وهذه الفجوة، إنه يخسر حين يقيم هذه الهوة وهذه الفجوة، فيقيم أمامه سحباً تمنعه من وضوح الرؤية، وتجعل حاجزاً بينه وبين طريق الخير وطريق الصلاح والاستقامة، فيفترض حواجز وعوائق تحول بينه وبين طريق الخير، فهو الخاسر الأكبر.

    وأنت أيها الشاب الملتزم خاسر أيضاً؛ لأنك تساهم في الحيلولة بينك وبين من تريد أن تخاطبه في هذه الدعوة، إن مثل هذا الشاب كما أنه يحتاج إلى دعوتك، فأنت أيضاً تحتاج إلى أن تفتح معه هذه العلاقة، وتفتح معه هذه الصفحة؛ لتقدم بين يديك عملاً صالحاً تدخره عند الله عز وجل، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

    إن مثل هذه القطيعة المفتعلة، التي نمارسها ونسعى إليها، تحول بيننا وبين هذا الميدان الواسع الفسيح من الدعوة، بل تكون عائقاً لنا عن أداء هذا العمل الذي هو من أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله عز وجل.

    إذاً: معشر الإخوة الكرام! من الرابح ومن الخاسر؟

    قلب الأمر حيث شئت؛ لترى أننا بحاجة إلى أن نلغي هذه القطيعة، وأن نقضي عليها.

    ثم مع ذلك نحن نخسر خسائر أخرى غير هذه الخسارة؛ نخسر الشاب غير الملتزم حال بينه وبين طريق الهداية، وطريق الكلمة الناصحة، والشاب الملتزم حال بين نفسه وبين هذا المجال من مجالات الدعوة، ومجالات الكلمة الناصحة الصادقة، هذا الميدان من ميادين العبادة والطاعة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.

    السخرية من الشباب الملتزم

    أيضاً نخسر خسارة أخرى، فالشاب غير الملتزم يقع في خطأ شنيع قد يكون محبطاً لعمله الصالح، وهو السخرية من الشاب الملتزم، والاستهزاء به، وهذا أمر خطير قد يقود الإنسان -عافانا الله وإياكم- إلى أن ينطبق عليه قوله الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].

    وهذه الآية نزلت -كما تعلمون جميعاً- في قوم كانوا يقولون في قراء النبي صلى الله عليه وسلم: هؤلاء قراؤنا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء.

    إنه يخشى أن ينطبق عليه قول الله عز وجل: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:109-111].

    ويخشى أن ينطبق عليه قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:29-35].

    استكبار الشاب الملتزم وإعجابه بنفسه

    وفي المقابل الشاب الآخر الملتزم المستقيم هو الآخر عرضة لآفة تنشأ عن هذه القطيعة، وآفة تنشأ عن هذه الهوة المفتعلة، وهي الاستكبار والاستعلاء، والشعور بالعلو، واحتقار ذاك الذي يقع في المعصية، ويخشى أن يكون كأحد صاحبي بني إسرائيل الذي كان مطيعاً لله عز وجل، ومقبلاً على الله سبحانه وتعالى، وكان صاحبه مفرطاً، ومهملاً لنفسه، فكان يدعوه إلى ترك المعصية، ويدعوه إلى الاستقامة، وإلى الصلاح.

    ونتيجة لأن هذه الدعوة الملحة قد طالت دون نتيجة، قال له صاحبه: (ما لك ولي، دعني وربي. فقال: والله لا يغفر الله لك، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي، قد غفرت له، وأحبطت عملك!).

    معشر الشباب الكرام! آفة عرضة لأن يقع فيها الشاب الملتزم، حين يرى نفسه قد سلك الاستقامة والخير، وانتصر على شهواته ورغباته، في حين يرى صاحبه غارقاً في أوحال المعصية والرذيلة، فحين يراه كذلك فإن هذا مدعاة لأن يفكر في أنه أعلى قدراً وشأناً، وأن يفكر أنه أعظم منزلة عند الله عز وجل، وأن يعجب بعمله، وهذا الأمر مدعاة لإحباط العمل وبطلانه كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم.

    بل أول معصية نشأت إنما نشأت من الكبر والعجب ممن قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12].

    حرص غير الملتزمين على إغواء الملتزمين

    وهي أيضاً تنشئ عند الشاب سلوكاً آخر مرفوضاً، وهو حرصه على فتنة هذا الشاب وصده وإغوائه بأي وسيلة، أحياناً عن طريق السخرية، وأحياناً المناقشة، وأحياناً بترف الفتنة أمامه أياً كانت، وكم نرى من الشباب من يمارس الفتنة والصد، وهذه جريمة أخرى، وشنيعة أخرى.

    إنك حين تقع في المعصية، وحين تستحقرها، فأنت على خطأ، وأنت قد قصرت، وأنت على الهاوية، نسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياك على التوبة النصوح لله سبحانه وتعالى، فأنت تساهم في دعوة غيرك إلى المعصية، بل حين تساهم في فتنة وصد ذاك الشاب العفيف، والشاب الخير، والشاب المستقيم، فأنت ترتكب جريمة أخرى، وأنت تقف مع الأعداء في خندق واحد وصف واحد، سواء شعرت بذلك أم لم تشعر.

    1.   

    دعوة إلى كسر الحواجز بين الملتزمين وغيرهم

    إذاً: فنحن بعد أن أدركنا هذا النتاج، وبعد أن أدركنا تلك المقدمات كلها بحاجة إلى أن نسعى إلى كسر الحواجز، ووالله حين نكسر هذه الحواجز ونحطمها، فإننا بإذن الله عز وجل سنرى نتاجاً أكبر، وسنرى إن شاء الله جهوداً خيرة قد أثمرت، وسنرى الاقتراب.

    لقد تضاعف عدد المسلمين الذين أسلموا بعد صلح الحديبية، فإن الذين أسلموا بعد صلح الحديبية إلى فتح مكة كانوا مثل الذين أسلموا منذ أن جاء الإسلام إلى صلح الحديبية، بل كانوا أكثر، والسبب في ذلك -كما يقول أهل السير- أن صلح الحديبية كان مجالاً للقاء والمناقشة والدعوة، وكانت هدنة أوقفت الحرب، فصار مجالاً لنشر الدعوة واللقاء، مما زاد من عدد المهتدين والداخلين في دين الله عز وجل.

    وحين ندعو إلى كسر الحواجز فإننا ندعو الطرفين جميعاً، ندعو الشاب الملتزم لأنه هو الذي يحمل الهمة العالية، ويرى أن هذه الدعوة وظيفته، وأن هذه الدعوة شغله الشاغل، وأن هذه الدعوة هي همه وهي حياته.

    وندعو الشاب غير الملتزم ونقول له: إن الشاب الملتزم قد فاقك في سلوك طريق الخير، والاستقامة، وقطع خطوة، وله حسنات، ولعلك تبادر وتقطع هذه الخطوة، فتكون أنت السابق ولو على الأقل في هذا الميدان.

    إننا ندعو الجميع أن يساهموا في إزالة هذه الحواجز، وأن يساهموا في ردم هذه الخنادق، وبناء الجسور على مثل تلك الهوة التي كانت حاجزاً ومانعاً عن كلمات صادقة كان يمكن أن ينفع الله بها الكثير.

    معشر الشباب! إنها دعوة صادقة وملحة إلى كسر هذه الحواجز وتحطيمها وإزالتها، فنفتح صفحة من الحوار والنقاش والمجادلة بالتي هي أحسن: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

    النقاش والحوار الهادئ

    النقاش والحوار الهادئ بين الطرفين، فسنرى أن الشاب غير الملتزم سيطرح عوائق وعقبات يراها أمامه في طريق الالتزام، فيساهم صاحبه وأخوه في تذليل هذه العقبات، والإجابة على هذه التساؤلات، وإعانته عليها، ونرى في المقابل الشاب غير الملتزم سيطرح بعض الانتقادات، وبعض العيوب التي يرى أن أخاه وزميله الملتزم يقع فيها، فتكون مدعاة لتوضيح الرؤية، ووضوح الصورة، ومدعاة لتصحيح الأخطاء أيضاً.

    إن هذا النقاش وهذا الجدل حين يكون بالتي هي أحسن، وحين نفتح حلقات للحوار والنقاش في المدرسة، وفي الشارع، وفي المنزل، وفي كافة اللقاءات، فسنستفيد جميعاً، ولو على الأقل أن تقترب وجهات النظر، ولو على الأقل أن يكون هذا النقاش وحده مساهماً في تحطيم هذا الحاجز، وحين يكون هناك نقاش فينبغي ألا يتحول إلى محاكمة وجدل، وحين نتناقش نحن، ونتخيل أننا في ساحة المحكمة، فستكون ثمرة النقاش مرة، وستكون النتيجة معاكسة.

    حين أقف أنا وأنت، فأقول: إنك تفعل كذا، فتتهمني بكذا، وأتهمك بكذا، ويصبح كل منا شأنه أن يبحث عن تهمة يلصقها بصاحبه، وشأنه أن يبرر تهمته، حين نسلك هذا المنهج فلن نفلح، ولن يؤتي النقاش ثمرته إلا حين يكون كما قال الله عز وجل: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

    ومعنى (بالتي هي أحسن) أن نكون واضحين، وأن نكون صرحاء، وأتحدث لك عن خطئك بوضوح وصراحة، ومع ذلك فالصراحة ليست مبرراً لسوء الأدب، فمع الصراحة والوضوح أتحدث معك بأدب، ويتطلب مني أيضاً أن أعترف بأخطائي وعيوبي، وأن أكون واضحاً صريحاً مع نفسي ومعك.

    وحين يفتقد النقاش ويفتقد الحديث هذا الشرط فلن يجدي، ولن ينتج الثمرة، بل لعله يزيد في افتعال الهوة، بل لعله أن ينتج لنا الثمرة المرة.

    البحث عن أسباب المشكلة والعمل على علاجها

    أخيراً: إننا حين نرى مثل هذه القطيعة وهذه الهوة فأنا أجزم أنكم تشاركونني أنها مرفوضة، وأنها غير مقبولة، وأن الرابح غيرنا، والخاسر ليس سوانا، أظنكم تشاركونني هذه النتيجة.

    أيضاً يجب أن نكون واقعيين، وأن نبحث عن أسبابها، فهناك أسباب وأمور أدت إلى ذلك، ولعل من أهمها تطبيق مبدأ الولاء والبراء، والبغض في الله والحب في الله.

    إن الشاب الملتزم يرى أن دينه وأن استقامته وصلاحه تفرض عليه أن يحب في الله ويبغض في الله، وما دام فلان غير مستقيم، وما دام فلان يجاهر بالمعصية، فإن علي أن أبغضه وأن أظهر له البغضاء، وهذا من دين الله عز وجل، ولا نطالب بإلغائه ولا زواله، ولكن حسن العشرة شيء آخر غير ذلك بكثير.

    إنه لا يمنعني -وحين يعهد مني صاحبي الصراحة- أن آخذه بحديث ودي، فأقول له: إنك مسلم، وإني أجزم أنك تحب الله ورسوله، وإنني أحب فيك الطاعة، وأحب أن أراك في المسجد، وأن أراك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكني واضح صريح معك، فلست أدعي أني أحبك كما أحب أخي، ولست أدعي أني أحبك من سويداء قلبي.

    إنني مع ذلك أرى عليك أثر المعصية، وأثر الانحراف، وأرى أن هذا يفرض علي أن أبغض فيك هذه المعصية، فإني أتمنى أن تكمل المحبة، وأن يتم اللقاء، ولن تكمل هذه المحبة، ولن يتم هذا اللقاء إلا حين تزيل سبب القطيعة والبغضاء، وهو هذه المعصية.

    أيضاً جانب آخر وأمر آخر قد يكون عائقاً للشاب الملتزم عن صاحبه، هو أنه يرى أنه حين يحسن العشرة معه، فإن هذا مدعاة إلى أن يصحبه فيتأثر به، فيدعوه ذاك من حيث لا يشعر إلى الارتكاس والانتكاس عافانا الله وإياكم.

    إنه يرى أن هذه الاستقامة، وأن هذا الالتزام، وأن هذا الخير الذي حصله مكسب لا يقاس بثمن، وثمرة لا تعادلها ثمرة، فهو يريد أن يحيطها بهذا السياج، ويحيطها بهذا السور المنيع حتى لا تخترق، فيرى أنه إن صاحب ذاك بالحسنى وعاشره، فإنه مدعاة إلى أن يكون وسيلة للصحبة السيئة التي تقوده من حيث لا يشعر إلى الانتكاس، وإلى الحور بعد الكور.

    فهو يضع هذا السياج، ويبني هذا السور، لا رغبة عن الخير، ولكن حماية لنفسه من التأثر، ومن الوقوع في الزلل والخطأ والانحراف والحور بعد الكور.

    ونحن نقره أن الثمرة التي حصلها غالية، ونقره أن الاستقامة لا يعدلها الشيء، وأن السلامة لا يعدلها شيء، وأنه ينبغي أن يحرص عليها.

    ولكن ما ندعوك إليه ليس أن تقضي لياليك ونهارك مع صاحبك، ليس أن تضاحكه وتمازحه وتعاشره، إنما ندعوك إلى ابتسامة صادقة، وإلى كلمة تقولها، وإلى دعوة، وإلى نقاش، ثم بعد ذلك يجب أن تحرص، وأن تحتاط، وأن تعرف أن طول العشرة والألفة واللقاء قد يكون مدعاة لأن تتأثر أنت، فتتحول من مرسل إلى مستقبل، وتتحول من داعٍ إلى مدعو، فيجرك معه إلى المستنقع حين أردت أنت إنقاذه.

    وحينئذٍ فمع دعوتنا إلى كسر الحواجز، ومع دعوتنا إلى اللقاء والنقاش والحوار، فإننا ندعو أيضاً أن يكون هناك ضوابط تكفل ألا تتحول بعد ذلك إلى خسائر أخرى، وإلى أن يكون أولئك أصحاب الشهوات هم الذين يدعون الآخرين، ويجرونهم إلى طريقهم.

    ونحن قادرون حين يكون الأمر مقتصراً على كلمة صادقة، وعلى هدية، وعلى ابتسامة، وعلى حسن عشرة، ثم بعد ذلك نقطع الطريق، ونقول لهم أيضاً بصراحة ووضوح: إننا نرى أن طول عشرتنا معكم، وإلفنا معكم، ولقاءنا معكم قد يكون مدعاة لأن نقع نحن معكم، فنعتذر لكم عن طول اللقاء، ونعتذر لكم عن طول المعاشرة؛ لأننا نخشى على أنفسنا، وحين تعودون وتسيرون في الجادة، فنحن سنصبح وإياكم إخوة.

    معشر الإخوة الكرام! إن ما أطرحه في هذا اللقاء لا يزيد على أن يكون محاولة من قلب يتفطر ألماً وحرقة على هذا الواقع المرير الذي نعانيه.

    الشاب يراهم هنا في هذه المخيمات، بل يراهم أمامه في الفصل وقد أنصتوا إليه، ويراهم أمامه في الحي فيتفطر قلبه ويبدأ يفكر، وقد يقوده هذا التفكير إلى مثل هذه الرؤى والنتائج، وهذه الرؤى والنتائج ليست بالضرورة معصومة، وليست بالضرورة نتائج مسلمة، بل ينبغي أن تحاط أفكارنا وإبداعاتنا دائماً بسياج الشرع الحكيم، وينبغي أن نكثر المراجعة، وأن نكثر المناقشة لها مرة بعد أخرى، وأن نقيس مدى انطباق ما نقوله على شرع الله عز وجل؛ لأن هذه الدعوة ينبغي أن تحاط بسياج الشريعة.

    ومهما كانت أهدافنا نبيلة، ومهما كانت مقاصدنا عالية وسامية، فإن ذلك ليس مبرراً لنا أن تنطلق أفكارنا واقتراحاتنا دون ضوابط من شرع الله عز وجل، ودون قواعد.

    أيها الإخوة الكرام! إنها محاولات وأفكار لا أدعي فيها العصمة، بل لا أدعي فيها أن تكون صواباً، فهي لا تعدو أن تكون اجتهاداً، فإن أصبت فمن الله عز وجل، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى، وهو صاحب الفضل والمن أولاً وأخيراً، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأنا أدعوكم جميعاً إلى أن نفكر جميعاً فيما نسمع، وألا نتلقى فقط دون مناقشة ودون مساءلة.

    إنني أجزم أنكم جميعاً تشاركونني الألم والهم، وأجزم أنكم جميعاً ترون أن هناك أخطاء من الجميع، ولكن كيف يصحح الخطأ؟ قد نختلف في الوسيلة والأسلوب، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن نختلف في المقصد والحكمة والهدف الذي نسعى إليه جميعاً.

    أسأل الله عز وجل أن يمن علينا وإياكم بالهداية والتوفيق، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح.

    1.   

    الأسئلة

    كلمة توجيهية للنساء

    السؤال: نطلب منك كلمة توجيهية لأخواتنا المسلمات؛ لأنه يوجد في المخيم عدد كبير من النساء، نشكرهن على إنصاتهن وحسن أدبهن.

    الجواب: لا أريد أن أطيل إنما أريد أن أقول كلمات يسيرة:

    أولاً: لماذا نفترض أن هناك كلمة خاصة للنساء، وإذا وجهنا كلمة خاصة للنساء فهذا يعني أن كل ما قلناه خاص بالرجال فقط، فما نقوله سابقاً يشمل الشباب، ويشمل أيضاً الفتيات، ولهذا أقول للفتيات: كل ما قلناه سابقاً ينطبق عليكن.

    وإن كان هناك من كلمة خاصة توجه للنساء فهو فيما يخصهن، أما بقية الأمور فالمرأة تشترك فيها مع الرجل، ولئن كانت لهجة التذكير سائدة على حديثي فذلك لأسباب:

    أولاً: أن أصل الخطاب في الشرع للرجال، وتدخل فيه النساء.

    ثانياً: لا أرى أمامي إلا الشباب، فيتأثر الإنسان بما يشاهد وبمن يستمع إليه.

    كلمة توجيهية عن الدعوة إلى الاجتماع ونبذ الخلاف

    السؤال: نرى شباب الصحوة وقد وقعوا في التفرق المذموم، وإهمال العلم والدعوة إلى الله، والاشتغال بأمور تعود عليهم بالإثم، بينما هناك أهل الباطل يستجلبون الشباب، ويعملون ليل نهار على ألا يعودوا إلى الله، فهل من كلمة توجيهية حول هذا الأمر؟

    الجواب: لا شك أن الجميع يدرك أن هناك فرقة واختلافاً، ونسمع الكلام الكثير عن ضرورة الاتحاد والاجتماع وذم الفرقة، لكن نريد برامج عملية للقاء، وبرامج عملية لزوال الفرقة، فنريد من الذين يتحدثون ويذمون الفرقة أن يطرحوا لنا وأن يساهموا وأن يعملوا.

    الجميع يقولون: نجتمع على الكتاب والسنة، هذا الكلام نوافق عليه جميعاً، لكن كل الناس يرون أنهم على الكتاب والسنة، ولا يوجد من يدعو إلى خلاف ذلك.

    ولكن بدلاً من هذا كله، وبدلاً من النحيب والانتقاد، وربما تجد هذا السؤال نطرحه جميعاً في كل مناسبة وكل لقاء، نريد أن نطرح برامج عملية، وأن نساهم عملياً في مثل هذه الأمور، مع أن هذا ليس دعوة إلى إلغاء الحديث في مثل هذه الأمور، لكنكم تعلمون جميعاً أن هناك من يمارس الفرقة عن عمد وسبق إصرار باسم الدعوة إلى إلغاء الفرقة، ومن يمارس شق الصف عن عمد وسبق إصرار باسم الدعوة إلى جمع الصف ووحدة الكلمة.

    ونحن لا يهمنا النية، ولا يهمنا ما يريد، المهم الذي أقصده أننا يجب أن ننتقل نقلة أخرى، نحن الآن أصبحنا نسمع الدعوة إلى اللقاء، ونسمع ذم الفرقة، لكن نريد أن نكون عمليين، ونريد أن نكون أناس واقعيين، فمجرد الدعوة ومجرد الكلام لا يكفي.

    لا يوجد أحد يرضى الاختلاف، ولا يوجد أحد يرفض الاجتماع، وإذا وجد أحد فهذا مرفوض أصلاً، وهذا يريد الفتنة لا يريد الخير، لكن نريد خطوات عملية واقعية يمكن أن تقنع الناس، فبدلاً من الانشغال بكثرة الكلام، يجب أن نشغل أذهاننا بالتفكير؛ فنطرح أموراً عملية نساهم فيها نحن عملياً عل الله عز وجل أن يعين ويوفق إن شاء الله.

    وأنا أتصور أن من أهم الأمور التي تساعد على الاجتماع وزوال الفرقة، أن ننشغل جميعاً بالدعوة، فإذا انشغلنا بالدعوة والخير، وصار العمل هم الجميع، حينئذٍ ستزول كثير من المشكلات.

    هذه القضايا ومشاكل الفرقة والاختلاف لا تنشأ إلا عند الناس الفارغين، فلو كان كل إنسان يعمل في ميدانه وينتج؛ لكانت المحصلة والنهاية -إن شاء الله- إلى الاجتماع والالتقاء.

    دعوة الآباء إلى الاهتمام بالأبناء

    السؤال: آمل منكم توجيه نداء للآباء بالاهتمام بأبنائهم والعناية بهم، ولعل هذا النداء يعتبر من الجسور أو من إحدى الطرق لإقامة الجسور بين الطيبين وغير الطيبين؟

    الجواب: نحن جميعاً ندرك المشكلة، وكل الآباء يدركون المشكلة التي يعانون منها، بل إن الأب حينما يرزق بمولود ذكر، فإنه كثيراً ما يضع يده على قلبه يخشى من المستقبل، ويخشى مما أمامه، وتراه دائماً يقول: أصلحك الله يا ولدي، وهداك الله يا ولدي، يقولها في العتاب والتأنيب والشكر والتشجيع، وفي كل مناسبة يكرر هذه الكلمة، والتي تنم عن شعور برغبته الجامحة وحرصه على هدايته وإصلاحه.

    فأقول: لماذا لا نفكر أيضاً في كسر هذه الحواجز وتحطيم هذه الحواجز، ومد هذه الجسور بين الآباء والأبناء أنفسهم.

    إن مما يحول دون التربية الأبوية السليمة والصحيحة والناضجة أن هناك فجوات عريضة وواسعة بين الأبناء والآباء، فلو سعى الطرفان جميعاً إلى تحطيم هذه الفجوات، وصار الأب يعيش في حوار صريح مع أبنائه، والأبناء كذلك؛ لساهم هذا كثيراً في وضوح الرؤية أولاً؛ لأن الأب لا يعرف فيم يفكر ابنه، ولا يعرف ماذا يريد ابنه، ولا يعرف مشاكل ابنه، والابن كذلك.

    فلو كان هناك وضوح، وحوار صريح؛ لساهم كل طرف في معرفة ما عند الطرف الآخر، ثم كان هذا مدعاة بإذن الله لمزيد من الإصلاح، وقطع الخطوات بمشيئة الله عز وجل.

    كيفية العودة إلى طريق الاستقامة

    السؤال: أنا شاب كنت ملتزماً، ولكني تغيرت وانحرفت في الأخير، وأريد أن أعود إلى الطريق، وإلى الرفقاء الصالحين، وأخشى ألا يرحب بي زملائي الطيبين، فماذا أعمل؟

    الجواب: أولاً: يجب أن تشعر أن العودة إلى طريق الاستقامة والصلاح ضرورة، وليست فكرة تريد أن تطبقها.

    ثم المشكلة أن الشاب عندما يكون مستقيماً وصالحاً ثم ينحرف؛ يكون أسوأ في الانحراف، ويكون أكثر بعداً عن العودة إلى طريق الاستقامة والخير؛ لأن الإنسان الذي لم يجرب أقرب إلى الخير من الإنسان الذي جرب هذا الطريق وعرف ما فيه.

    فأقول: يجب أن تعرف أن القضية ليس فيها خيار، ولا مجال للتفكير في العقبات، وهو طريق لابد أن تسلكه، وإذا فكرت في العقبات ففكر كيف تذللها فقط، أما أن تفترض عقبات أمامك لتؤثر هذه العقبات في اتخاذ القرار فهذه مشكلة.

    ومما يؤسف أن كثيراً من قراراتنا تتأثر، فعندما يفكر الإنسان أول ما يتبادر إلى ذهنه هذه العقبات، وينسى أنه ليس أمامه خيار من سلوك هذا الطريق، فإذا فكر في العقبات فيجب أن يفكر في كيفية تذليلها.

    فأقول: إذا وجدت عندك هذه العزيمة والهمة ستستطيع أن تذلل هذه العقبات، وأنا أجزم أن زملاءك سيرحبون بك، بل سيحرصون عليك، وعندما تعرض أمامهم المشكلة بوضوح فسيحرصون عليك.

    وهب أنهم رفضوك، فالناس غيرهم كثير، فبإمكانك أن تذهب إلى غيرهم، وأن تجد بديلاً عنهم بإذن الله عز وجل.

    حكم إشاعة خبر الانحراف

    السؤال: ما توجيهكم لبعض الشباب الملتزمين الذين ينشرون خبر شاب كان من إخوانهم الملتزمين، ثم ارتكب معصية أو انحرف؟

    الجواب: أولاً: هذا الأمر هو من الغيبة التي لا تخفى شناعتها وشؤمها، وقد شبهها الله عز وجل بمن يأكل لحم أخيه ميتاً.

    ثانياً: هذا من إشاعة المعصية والفاحشة بين المؤمنين، وهي دعاية للمعصية؛ لأن الناس عندما يعرفون أن فلاناً وقع في المعصية، وفلان .. وفلان؛ يستسهلون المعصية، ويستهينون بها، وصاحب المعصية كلما تصور واعتقد أنه غريب ووحيد في هذه المعصية؛ فإن هذا مدعاة لأن يتوب إلى الله عز وجل، ويقبل إليه سبحانه وتعالى، أما حين يعرف أن له شركاء في المعصية؛ فهذا يجعل المعصية تهون عليه وتخف كالطاعة تماماً.

    ثالثاً: هذا أيضاً لا يخدم المصلحة في النهاية؛ لأننا نريد من هذا الشاب أن يعود إلى الله عز وجل، وهذا يكرس الانحراف عنده، بخلاف ما إذا كان الناس لا يعلمون عنه مثل هذا الشيء، فإنه يسهل عليه أن يعود بعد ذلك.

    موقف الشاب الملتزم من بيئته

    السؤال: أنا في بداية الالتزام على طريق الهداية، ولكني أعيش في بيئة غير ملتزمة، فماذا أعمل حيال ذلك؟

    الجواب: لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعيشون في حال أعظم مما نعيش فيه، فقد كانوا يعيشون في بيوت ليس فيها انحراف ومعاص فقط، بل كانت بيوتاً تغص بالشرك والكفر بالله عز وجل، وكان آباؤهم وأمهاتهم يسعون إلى فتنتهم وصدهم عن دين الله عز وجل، وما كان ذلك ليردهم عن دين الله سبحانه وتعالى، فعليك أن تصبر وتحتسب، ثم تعلم أن الالتزام والاستقامة لها ضريبة لابد أن تدفعها، ولابد أن تتحمل، ولابد أن تجاهد نفسك، ولعل ذلك يكون سبباً في إصلاح هذا البيت، ودعوته، والتأثير فيه، فكم نرى من البيوت التي عم فيها الخير والصلاح والاستقامة؛ بسبب شاب من هذه الأسرة هداه الله عز وجل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756281524