إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب شروط الصلاة [6]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المعلوم أن العبد المسلم يقف بين يدي ربه في اليوم كأقل حد خمس مرات يصلي فيها لله عز وجل، ولذلك فلابد من معرفة شروط الصلاة، والتي منها: طهارة المكان، ويتفرع على ذلك معرفة الأماكن التي لا تصح الصلاة فيها، أو تكره، ونحو ذلك.

    1.   

    الطهارة من النجاسات شرط من شروط الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ومنها اجتناب النجاسات].

    ما زال المصنف رحمه الله يتحدث عن الأمور التي ينبغي توفرها في المصلي حتى يحكم بصحة صلاته، فذكر أن من هذه الأمور والشروط: شرط اجتناب النجاسة، يقال: اجتنب الشيء يجتنبه اجتناباً: إذا تركه وابتعد عنه، وأما النجاسة فقد تقدم الكلام عليها في باب الطهارة، فقوله رحمه الله: [ومنها اجتناب النجاسات] أي: يجب على المصلي أن يجتنب النجاسة سواءٌ في بدنه أم ثوبه أم مكانه الذي يصلي عليه، والأصل في إلزام الناس بالطهارة في الصلاة قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، فإن الآية الكريمة اشتملت على الأمر بتطهير الثوب، والمراد به أن يطهر ثوبه عند الصلاة بذكر التكبير الذي يفهم منه الشروع في الصلاة.

    وأما اشتراط طهارة البدن فقد دل عليها قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة الحائض: (ثم اغسلي عنك الدم وصلي)، فدل على أن المرأة لا تصلي إلا بعد أن تطهر بدنها من النجاسة؛ لأن الأمر يدل على الوجوب.

    وأما اشتراط طهارة المكان فلما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما بال الأعرابي في المسجد أمر بذنوبٍ من الماء أن يصب على ذلك البول)، وليس ذلك إلا لطهارة المكان، فقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم تطهير المكان الذي يصلي فيه الناس في المسجد، ودل أيضاً على اشتراط طهارة المكان حديث أنس في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعاله أثناء الصلاة، فلما سلم قال للصحابة: ما شأنكم؟ -أي: لماذا خلعتم؟- قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا فقال: أما إنه قد أتاني جبريل فأخبرني أنهما ليستا بطاهرتين -أي: أن هذين النعلين ليستا بطاهرتين-)، فاتقى النبي صلى الله عليه وسلم النعل النجس، فدل على أنه لا يجوز للمصلي أن يصلي على موضعٍ نجس.

    وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه أمر بالصلاة في النعال في المسجد ثم قال: فإن وجد بهما أذى فليدلكهما بالأرض، ثم ليصل فيهما) أي: في المسجد الذي ليس بمفروش.

    فالمقصود من أمره عليه الصلاة والسلام بتطهير الحذاء أنه لا يجوز للمصلي أن يصلي على موضعٍ غير طاهر، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن هذا الشرط لازمٌ لصحة الصلاة، وإن كان هناك قولٌ شاذ يقول بعدم اللزوم، ولكن الصحيح لزوم طهارة البدن والثوب والمكان، فلو صلى المصلي وبدنه نجس، أو صلى وثوبه نجس، أو صلى ومكانه الذي يصلي عليه نجس فإن صلاته لا تصح مع العلم والقدرة على إزالة تلك النجاسة.

    1.   

    حكم من لاقى نجاسة أو حملها في صلاته

    قال المصنف رحمه الله: [فمن حمل نجاسةً لا يعفى عنها، أو لاقاها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته]

    قوله: (فمن حمل نجاسةً لا يعفى عنها) الفاء في قوله: (فمن حمل) للتفريع والتفصيل، أي: إذا علمت أن اجتناب النجاسة لازمٌ على المصلي فاعلم أن من حمل نجاسةً يحملها بالاتصال، مثل أن تكون في ثوبه متصلةً به، فيوصف بالحمل تجوزاً وإن كان في الحقيقة أنه متلبسٌ بها.

    وقوله: (أو لاقاها) أصل الملاقاة: مواجهة الشيء للشيء، يقال: لقيه: إذا واجهه قالوا: فإذا اتصل الجسم بالجسم فقد التقيا، ثم إذا حصل اللقاء على سبيل المداخلة كأن يلقى نجاسةً وتدخل في ثيابه فهي مداخلة، وأما إذا لاقت النجاسة الجسم دون أن تداخله، كأن تكون جامدة لا تسيل على البدن أو الثوب فهي مماسة.

    فملاقاة النجاسة على حالتين: فإن كانت النجاسة دخلت في ثوبه، كأن تكون نجاسةً مائعةً فحينئذٍ لا إشكال، فيقال: لقيها وتنجس بها.

    وأما إذا لم تدخل واقتصر اللقاء على كونه مواجهاً لها إلى درجةٍ يمس فيها الجسم الجسم يقال: لاقاها، ثم فإذا مس الجسم الجسم لا يخلو من الأحوال: إما أن يمسها ببدنه، فيقال: لاقاها ببدنه، كأن يضع كفه على شيءٍ نجس، فيقال: لاقاها ببدنه؛ لأن بشرة البدن قد لاقت النجاسة، وإما أن يمسها ثوبه، وهو الحائل الذي بين البدن وبين النجاسة، فإذا كان الثوب حصلت به الملاقاة قيل: لاقاها بثوبه، فقال رحمه الله: (أو لاقاها ببدنه أو ثوبه) فالملاقاة بالبدن والثوب على هذه الصور التي ذكرناها.

    وحمل النجاسة له أمثلة، كأن يحمل النجاسة بالجرم النجس أو المتنجس، كشخصٌ أصابه رعاف، ثم سال دمه في منديل، ثم نسي ووضع المنديل في جيبه، فهذا حاملٌ للنجاسة بالوصف.

    فإن كان عالماً بها فحينئذٌ نقول: حاملٌ للنجاسة، وأما الحمل المنفصل، وهو الحمل الذي يكون جوف الشيء فيه نجس فهذا له حكمٌ يخصه، مثل أن يكون حاملاً لصبية صغيرة أو صبي صغير، فإنه لا يخلو في الغالب من وجود النجاسة، وهذه المسألة ذكرها العلماء رحمهم الله في زمانٍ قد لا يكون مما عمت به البلوى، ولكن في عصرنا اليوم وقعت هذه المسألة، فإن بعض العمليات الجراحية -أعاذنا الله وإياكم منها- يكون الإنسان فيها مضطراً إلى حمل كيس يكون فيه فضل بوله أو غائطه، ففي هذه الحالة يعتبر حاملاً للنجاسة، فلا يشترط في حمل النجاسة أن يضعها على عاتقه، بل الحمل المطلق الذي يطلق على الجيب والبدن، فإن كانت في جيبه قالوا: حملها بثوبه؛ لأن الثوب معلقٌ على البدن، والنجاسة موجودةٌ فيه، فهو حاملٌ لها من هذا الوجه، أو يحملها بالبدن نفسه، كالكيس الذي يكون فيه فضل البول -أكرمكم الله- في حالة الاضطرار، كما في بعض الجراحات المتعلقة بالمسالك البولية، فهذا حاملٌ للنجاسة، وحمل النجاسة لا يخلو من حالتين: إما أن يحملها معذوراً بها لا يمكن بحالٍ، أو يمكنه ولكن بمشقةٍ كبيرة أن يزيلها عنه فهذا يرخص له؛ لأن التكليف شرطه الإمكان وهذا ليس بإمكانه، كمريضٍ قرر الأطباء أنه لا بد من حمله لهذا الكيس الذي يكون فيه فضل بوله، فحينئذٍ نقول: إنه معذور؛ لأنه لم يكلف إلا ما في وسعه، وهذا ليس في وسعه إلا هذا الشيء.

    وأيضاً يكون معذوراً بحسب الموضع النجس بالمنديل أو القطن إذا احتاج إلى ذلك، مثل ما يقع في الجراحات السيالة التي لا تنكف إلا بمنديل أو بقطنٍ يوضع عليها، فهذه نجاسة ليست بيد الإنسان أن ينزه عنها فيعتبر مضطراً لها، ويجوز له أن يصلي مع حمله لها.

    أما الذي يتكلم عليه العلماء هنا فهو حال الاختيار لا حال الاضطرار، فلو حملها مختاراً وعالماً ذاكراً فإنه لا تصح صلاته.

    فقوله: (فمن حمل نجاسةً لا يعفى عنها) أي: يحمل النجاسة، وتكون هذه النجاسة شرطها مما لا يعفى عنه؛ لأن النجاسة على قسمين: ما عفي عنه وهو يسير الدم، وما لا يعفى عنه وهو ما زاد عن ذلك، وقد تقدم ضابط اليسير وخلاف العلماء رحمة الله عليهم فيه، وهناك من أهل العلم من يقول: كل نجاسةٍ يسيرة شق التحرز عنها فإنه يعفى عنها، وهذا من جهة المشقة لا من جهة اليسير، وفرق بأن تقول: يعفى عنه لمكان المشقة وشقة التحرز، وبين أن تقول: يعفى عنه ولو لم يشق، والفرق واضح في هذا، فإنك إن قلت: يعفى عن اليسير للمشقة، مثلما ذكروا في عرق الحمير، إذا ركب الحمار أو نحو ذلك، فهذا لمكان المشقة والعفو من جهة الاضطرار، بحيث لو أمكنه أن يتحرز لزمه، لكن الذي يتكلم عليه المصنف هنا عن نجاسة يعفى عنها في حال الاختيار كاليسير، أو نجاسة يعفى عنها بحال الاضطرار كالنزيف، فحينئذٍ هذا له حكم.

    فيشترط في النجاسة المؤثرة في الصلاة أن تكون مما لا يعفى عنها، فإن كانت يسير دمٍ يعفى عنه فهذا معذورٌ صاحبه ولا حرج عليه في حمله.

    فإن قال قائل يوماً: خرج من سني دمٌ، فأخذت المنديل وكففته، فتعلق بالمنديل، ثم انكف هذا الدم، فنظرت فإذا المنديل حامل لهذه النجاسة، فوضعته في جيبي فما حكم الصلاة؟

    فحينئذٍ ننظر في هذا الدم الذي تعلق بالمنديل، فإن كان يسيراً -وهو دون الدرهم البغلي كما ذكرنا ضابطه في إزالة النجاسة- فإن صلاته صحيحة، ولا يؤثر فيه هذا اليسير، وأما إذا كان كثيراً متفاحشاً فحينئذٍ نقول: إنه حاملٌ للنجاسة وتبطل صلاته، ومن هنا سيخرج ما أُثر عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يعصرون البثرة وهي الحبة اليسيرة من الدم الذي يخرج في اليد، كانوا يعصرونها وربما عصروها وصلَّوا؛ لأن الذي يخرج من البثرة إنما هو شيءٌ يسير، فنقول: إذا كان الدم الذي حمله المنديل يسيراً فإنه مما يعفى عنه ويغتفر، وإنما ينظر العالم والفقيه في الدم المؤثر في الصلاة إذا كان كثيراً فاحشاً.

    وقوله: (أو لاقاها بثوبه أو بدنه) سبق الكلام على الملاقاة بالثوب والملاقاة بالبدن.

    وقوله: (لم تصح صلاته)؛ لأن الله عز وجل أمر بالطهارة، والطهارة شرط الصحة، وفقدها فقدٌ للحكم بالصحة.

    1.   

    حكم الصلاة بوجود النجاسة المنفصلة عن المصلي

    قال المصنف رحمه الله: [وإن طيَّن أرضاً نجسة أو فرشها طاهراً كره وصحت]

    بعد أن بين لنا رحمه الله أنه ينبغي عليك إذا صليت أن يكون البدن والثوب والموضع الذي تصلي عليه طاهراً، شرع في مسألة النجس غير المتصل، فالنجاسة إذا كان المصلي متلبساً بها إما أن يكون مباشراً لها مثلما قال: (أو لاقاها) وإما أن يكون بحائل، فمن ترتيب الأفكار بدأ بالملاقاة؛ لأنها أقوى ما يكون وهي متصلة بالمكلف وحكمها أقوى وأشد، ثم شرع في مسألةٍ ثانية وهي النجاسة المنفصلة، ويتأتى ذلك لو أن إنساناً علم أن هذا الفراش بال عليه صبيٌ أو فيه نجاسة مثلاً، فجاء بسجادةٍ ووضعها فوق الفراش، بشرط أن يكون الفراش الأسفل الذي حكمنا بنجاسته غير رطبٍ، أي: في حال النجاسة، وأن يكون الأعلى أيضاً غير رطبٍ؛ لأنه لو كان الأدنى نجساً والأعلى طاهراً وأحدهما رطب، فإنه يتشرب النجاسة، فهنا نقول: إنه إذا وضع الطاهر على النجس فإنه قد حيل بينه وبين النجس، لكن من العلماء من يقول: تصح صلاته بدون كراهة؛ لأنه صلى على موضعٍ طاهرٍ، والله عز وجل كلفه طهارة المكان، فلا عبرة بهذا النجس المنفصل عن السجاد، أو عن الحصير الذي يصلي عليه.

    ومن أهل العلم من قال: إنه يفرق بين ما تسري فيه النجاسة وما لا تسري فيه، فقالوا: لو أنه وضع تراباً فوق الأرض النجسة وصلى يحكم بأن صلاته صحيحة، ولا كراهة في هذا، ومنهم من قال: تصح مع الكراهة، فيكون وجه الصحة أن الأرض طاهرة، ووجه الكراهة أنه معتمدٌ على نجسٍ، فتكون الكراهة من جهة الاعتماد؛ لأن ثقله وثبوته على الأرض إنما هو ثبوتٌ على أرضٍ نجسة، والحائل طاهر، فقالوا: الحائل يصحح الصلاة، والاعتماد يوجب كراهتها؛ لأن المتردد بين الحل المحض والحرام المحض يوصف بالكراهة على مذهب بعض الأصوليين، لكن يشترط في هذا التراب حينما يوضع على النجس ألا يكون رطباً، وألا تتخلله الرطوبة، ولذلك قالوا: لو طين أرضاً نجسة فجاء بطينٍ ووضعه فوقها في حال طراوة الطين تنجس الطين بملاقاة النجاسة.

    وهذه الأمور يذكرها العلماء وهي مسائل فرضية ليس المقصود بها حصر المسائل، وليس المهم أن تعرف حكمها، ولكن الأهم أن تعرف ضابطها؛ لأن الناس لا تسأل عن شيءٍ واضح غالباً، وإنما تسأل عن أمرٍ خفي، فإن كنت قد درست مسائل الطهارة فإنك قد علمت أنه ينبغي طهارة الموضع الذي تصلي عليه، فقد يسألك إنسان عن نجاسةٍ بحائل، ولا يكون فيها طين أو تراب، مثل ما يقع الآن في بعض الحافلات يكون موضع الخلاء -مثلاً- تحت الإنسان، فهل إذا صلى مع وجود هذا الحائل يعتبر كأنه مصلٍ على موضعٍ نجس؟ فهذا كله يذكره العلماء من باب الضابط، والأصل أن يعرف الإنسان القاعدة والأصل في المسألة، وليس المراد أن تحفظ الصورة بعينها بمقدار ما تفهم ضابط الصورة، حتى إذا سئلت عن مسألة مثلها تستطيع أن تخرجها عليها، ولذلك يعرف في الفقه وفي المتون الفقهية ما يسمى بالتخريج، وهو أن يكون أصل المسألة منصوص عليه عند العلماء المتقدمين، وتطرأ مسألة موجودة يمكن إلحاقها وتفريعها على هذه المسألة، وهذا يعتني به العلماء كثيراً لما ذكرناه، حتى يكون الفقيه مستوعباً للمسائل التي تطرأ وتجد عليه من حوادث الناس.

    1.   

    حكم الصلاة مع وجود نجاسة متصلة بطرف المُصلَّى

    قال المصنف رحمه الله: [وإن كانت بطرف مصلى متصلٍ صحت إن لم ينجر بمشيه]

    أي: إن كانت النجاسة بطرف المصلى غير متصلةٍ به فإنها لا تؤثر، ما لم تكن بطرف المصلى وتنجر بمشيه، وهذا يقصد منه أن يكون الشيء النجس بمثابة المحمول على المصلى، وذكر العلماء رحمهم الله أمثلة لهذا بالنجاسة التي تكون في طرف الحبل أو طرف القماش المتصل بالثوب، فلو أن إنساناً أراد أن يصلي وهو على سفر ومعه بعيره ويخشى أن البعير يفر، فربما عقد حبله بيده، وقد تكون الدابة نجسة، فهذه صورة في الأصل قد تكون فرضية، لكن المراد منها وضع الضابط كما قلنا، وليس المراد أعيان الصور، ولكن المراد القاعدة التي تخرجت عليها هذه الصورة، فقد ذكر لك الشيء النجس المتصل فقال لك: [لاقاها]، وذكر لك الشيء الذي بينك وبينه طاهر، ويبقى الشيء الذي يتصل بك كأنك حاملٌ له، فإن حملت النجس فلا إشكال، ولكن عندما يكون هذا النجس متصلاً بك بواسطة، بحيث لو تحركت تحركت به، أو يكون متصلاً بك بواسطة لا تتحرك بتحركك، فلو أن إنساناً ربط شيئاً نجساً بحبلٍ، فهذا الشيء النجس المتصل بالحبل لا يخلو من حالتين: إما أن يكون متشرب المادة بالحبل فحينئذٍ الحبل بذاته نجس، ولا يتكلم العلماء عليه؛ لأنه كحمل النجاسة، بمعنى أن يكون طرف النجس سائلاً وسرى إلى الحبل برطوبةٍ أو نحوها فإننا نقول: الحبل نجس، وحكم حمل هذا الحبل كحمل النجاسة؛ لأنه يستوي أن يكون طرف الطاهر في جيبك أو يكون طرفه بعيداً عنك ما دام أن الأصل واحد، كما لو حمل شيئاً وأطرافه التي تتصل بالمصلي نجسة، وأطرافه التي هي بعيدةٌ عنه طاهرة، فلا تؤثر طهارة البعيد ما دام أن القريب نجس؛ لأن الجرم واحد، كذلك لو كان طرفه الطاهر في جيبه وطرفه النجس في موضعٍ آخر، فإن الحكم بذاته واحد، فكما حكمت ببطلان صلاته باتصاله بالنجس مع أن المتصل به طاهر، كذلك تحكم ببطلانها إذا كان المتصل به طاهراً والبعيد عنه نجس.

    واحتاج العلماء إلى وضع ضابط في الحبل فقالوا: ينجر بمشيه؛ لأنه إذا انجر بمشيه أشبه الحامل له، لكن لو كان لا ينجر قالوا: لا يعتبر هذا الشيء النجس مؤثراً.

    ومثلوا له بالجرو -ولد الكلب أكرمكم الله- على القول بنجاسته، وهذا أقوى الأمثلة؛ لأنه ينجر بجرك له، فأشبه ما لو حملته، فيكون طرفه كطرف النجس، فهذا الذي ذكره المصنف ودرج عليه.

    وهناك قول لبعض العلماء أن النجاسة في هذه الصور لا تؤثر، وهو أصح وأقوى، ما لم تتشرب النجاسة في الحبل؛ لأن كونه ينجر لا يستلزم الوصف بكونه محمولاً، وفرقٌ بين المنجر وبين المحمول؛ لأن المنجر منفصل الذات، والمحمول كأنه موضوعٌ على الذات، فالصحيح في هذه المسألة الصحة؛ لأن المجرور والمتصل بحبل ليس كالمحمول لما ذكرناه، إلا إذا كان هذا الحبل الذي يجره الإنسان طرفه نجس، فإننا قلنا: أَشبَهَ ما لو حمل شيئاً طرفه طاهر من جهة ونجسٌ من جهةٍ أخرى، فإنه يحكم ببطلان الصلاة.

    فالخلاصة أن العبرة بالتنجيس إذا كان الشيء المتصل بك نجس الطرف، أما لو كان طاهراً في ذاته متصلاً بنجسٍ لا يسري إلى هذا الشيء الذي أنت ممسكٌ به أو واقفٌ عليه فإنه لا يؤثر؛ لأنه ليس في حكم ملاقاة النجاسة ولا حملها لكن لو كان طرف الحبل نجساً فإننا نحكم بالتأثير.

    وبناءً على ذلك يستوي عندنا أن ينجر أو لا ينجر، ما دام أنه نجس الطرف، كما لو صليت على سجادة وطرفها نجس، فإنك كأنك صليت على النجس؛ لأن الذات واحدة، وبناءً على هذا نقول: إن التفصيل بين الانجرار وعدمه مرجوحٌ، والأرجح والله أعلم القول بالصحة.

    1.   

    حكم من علم بالنجاسة بعد الانتهاء من الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ومن رأى عليه نجاسةً بعد صلاته وجهل كونها فيه لم يعد]

    ذكر رحمة الله عليه الأحوال للنجاسة، وقرر لك الأصل أنه ينبغي عليك اتقاء النجاسة، وذكر لك صور ملاقاة النجاسة من جهة التأثير وعدم التأثير.

    ثم شرع الآن في مسائل متعلقة بالنجاسات وهي خارجة عن الأصل من جهة الاضطرار، إما بنسيانٍ أو خطأ، فلو أن إنساناً صلى وعليه نجاسة، ولم يعلم بالنجاسة إلا بعد انقضاء الصلاة فحكمه فيه قولان للعلماء: أصحهما أن من صلى وعليه نجاسة وعلم بها بعد انتهاء الصلاة أن صلاته صحيحة، والدليل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أنه صلى بأصحابه وفي أثناء الصلاة خلع نعليه، فلما رآه الصحابة خلع نعليه ظنوا أن هناك تشريعاً جديداً بخلع النعال وعدم جوازه في الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سألهم: ما شأنكم؟ فقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد أتاني جبريل فأخبرني أنهما ليستا بطاهرتين).

    ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر تكبيرة الإحرام، وفعل من أركان الصلاة ما فعل؛ لأن تنبيه جبريل وقع أثناء الصلاة، وقد فعل بعض أركانها، فلو كان الناسي أو الجاهل لوجود النجاسة يتأثر بوجودها لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ولكان كبر من جديد، ولأعاد من أول الصلاة، فكونه عليه الصلاة والسلام بنى على ما كان دل على أن ما مضى بمكان الجهل وعدم العلم معفوٌ عنه، ولذلك فأصح الأقوال أن من نسي النجاسة أو لم يعلم بالنجاسة أن صلاته صحيحة، ولا تلزمه الإعادة، لكن لو علم بها أثناء الصلاة لزمه قولاً واحداً أن يزيل هذه النجاسة التي علقت به، وذلك بشرط عدم وجود الفعل الكثير الذي يخرجه عن كونه مصلياً كما سيأتي إن شاء الله في صفة الصلاة.

    1.   

    حكم صلاة من علم بوجود النجاسة ثم نسيها

    قال المصنف رحمه الله: [وإن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد]

    هذا مذهب التفصيل، فبعض العلماء يقول: من صلى في ثوبٍ نجس، أو على موضعٍ نجس، أو في بدنه نجاسة، ولم يعلم بها، أو علم بها ثم نسي، فما دام أنه أثناء الصلاة لا يعلم فالحكم أنه لا تلزمه إعادة الصلاة، وهذا هو الصحيح.

    ومنهم من فصل -كما درج عليه المصنف رحمه الله- فقال: إذا كان غير عالمٍ بالنجاسة، ثم علم بعد الصلاة تصح صلاته، لكن إذا كان عالماً بها ثم نسيها وصلى فإن صلاته باطلة.

    مثال من جهل وجودها وعلم بعد الصلاة: شخصٌ صلى على سجادة وهو يظن أنها طاهرة، وعهده أن هذه السجادة التي يصلي عليها طاهرة، فلما صلى وانتهى من الصلاة جاءته امرأته، أو جاءه أخوه، أو أحد الناس وقال له: هذه السجادة التي صليت عليها نجسة. فنقول في هذه الصورة: إنه جاهلٌ بوجود النجاسة؛ إذ إنه غير عالمٍ بها، والحكم أن صلاته صحيحة.

    والمثال الثاني: شخصٌ أصابت ثيابه النجاسة فلم يغسلها بعد الإصابة، وانشغل حتى نسي، فأذن عليه المؤذن ونزل بثوبه النجس وصلى، وبعد الصلاة تذكر النجاسة.

    فعلى الصحيح أنه لا تلزمه إعادة، وذلك لظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه؛ لأن المعنى فيه وجود النسيان.

    والقول الثاني: تلزمه الإعادة، يقولون: إنه فرط وقصر؛ لأنه كان عالماً بها قبل الصلاة وفرط وقصر في المبادرة بإزالة النجاسة وهذا -كما قلنا- يحتاج إلى نظر من جهة تفريطه في الغسل، وممكن أن يقال أيضاً: إن من صلى على موضعٍ لا يعلم بنجاسته أنه مفرط؛ لأنه لو قلب السجادة أو ثوبه وتحرى ربما رأى النجاسة، فالمعنى الذي هو التفريط موجودٌ في هذا كما هو موجودٌ في ذلك، وإن كانت الصورة الثانية أكثر من جهة تعدد الأنواع، لكنه لا يمنع التأثير في العلة.

    1.   

    حكم الصلاة في الجبيرة إذا كانت نجسة

    قال المصنف رحمه الله: [ومن جُبِرَ عظمه بنجسٍ لم يجب قلعه مع الضرر].

    الجبيرة على حالتين: إما أن تكون بطاهر، أو تكون بنجس، فلو أن إنساناً جبر عظمه بنجس، ويتأتى ذلك بالعظام النجسة، أو توضع له مواد نجسة تساعد على التحام العظم، فإن بعض العلماء قال: يلزمه قلع الجبيرة وإبدالها بجبيرة طاهرة، وذلك لأن الجبيرة النجسة موجودٌ بديلٌ عنها، وهو الجبيرة الطاهرة، ولا يحكم باضطراره مع وجود البديل؛ لأن شرط الحكم بالضرورة عدم وجود البديل، وبناءًَ على ذلك لما وجدت الجبيرة الطاهرة صار غير مضطر، بل صار مختاراً، وقال بعض العلماء: نفصل فيه: فإن شق عليه نزع هذه الجبيرة وحصل له ضرر بنزعها فإنه يبقي عليها ولا تلزمه الإعادة، ولا يلزمه قلعها، وإن لم يشق عليه نزعها وأمكنه النزع فإنه يجب عليه.

    فتحديد الخلاف بين العلماء أن يقال: من جبر عظمه بنجاسةٍ أو بجبيرةٍ نجسة، وأمكنه إزالة هذه النجاسة دون تعبٍ ولا عناءٍ ولا مشقة يلزمه قولاً واحداً أن يزيلها، وذلك لأنه مأمورٌ بالطهارة، وبإمكانه أن يتطهر ولا ضرورة له، وبناءً على ذلك يبقى على حكم الأصل، فهذه الصورة الأولى نريد أن نبحث أحكامها، فلو قلت لإنسان: هذه الجبيرة طاهرة أم نجسة؟ فقال: نجسة تقول له: اخلعها. فإن قال: لا أستطيع؛ لمشقة ذلك عليه، فحينئذٍ يكون له حكم سيأتي، لكن لو قال: أستطيع وبالإمكان ولا مشقة، نقول: اخلعها. فإن امتنع عن خلعها وبقيت الجبيرة حتى انجبر العظم فتلزمه إعادة الصلوات كلها، إذا كان قادراً على إزالتها وامتنع من الإزالة حتى انجبر العظم؛ لأنه لم يصل كما أمره الله عز وجل متطهراً في بدنه، ولذلك يلزم بالإعادة.

    أما إذا كانت الجبيرة لا يمكن نزعها أو في نزعها مشقة، فتبقى على ما هي عليه، وقال بعض العلماء: تلزمه الإعادة لأنه فرط، وكان بإمكانه أن يجبر بالطاهر ولكنه فرط. ولكن الأقوى والصحيح أنه يعذر لمكان وجود الحرج والمشقة لإزالة هذه الجبيرة النجسة.

    1.   

    حكم طهارة أعضاء الإنسان بعد انفصالها عنه

    قال المصنف رحمه الله: [وما سقط منه من عضوٍ أو سن فطاهر]

    من الملاحظ أن هناك اتصالاً في المباحث والمسائل حيث يذكر العلماء فيه الشبيه بشبيهه، فنحن الآن نتكلم عن إزالة النجاسة، وفي بعض الأحيان يذكر العلماء مسائل فرعية متصلة بالفرع الذي بحث في الباب، فالأسنان والأعضاء التي تسقط من الإنسان ليس هذا موضع الكلام عليها؛ لأن موضع الكلام عليها بكونها طاهرة أو نجسة إنما هو في باب النجاسات، ولكن لما كان يتكلم عن الجبائر وحكم اتصال النجس وانفصاله، فإنه من الأشبه أن تذكر مسألة الأعضاء، فقد يبتر من الإنسان عضو ويزال منه، كأن تقلع منه سنٌ، أو تقطع منه إصبع، أو يد، أو رجل، فللعلماء في حكم هذا العضو الذي بُتر وجهان:

    فمنهم من قال: هو نجسٌ بمجرد المفارقة، فإذا فارق البدن حكم بنجاسته، قالوا: إن اليد فيها الدم، وإذا قطعت فإن هذا الدم نجس، ولأنه مسفوح، فيحكم بتنجسها بمجرد قطعها، وبناءً على هذا لو أن اليد بترت ثم أعيدت فحينئذٍ يكون إعادةً لنجس؛ لأنها بالبتر أصبح الدم فيها مسفوحاً، وإذا أصبح مسفوحاً فإن الله قال عن الدم المسفوح: فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145]، فحينئذٍ يكون كإعادة النجس إلى البدن.

    والصحيح أن العضو إذا بتر فهو طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أبين من حيٍ فهو كميتته).

    والجواب عن الدم المسفوح أن نقول: الدم المسفوح المراق، فاليد ما أريق من جزئها المتصل بالبدن مسفوح، وما أريق من اليد وخرج عنها مسفوح، والجَرَّاح حين يعيدها يزيل ذلك حتى تتصل العروق وتتصل اليدين ببعضها، فيكون هذا ليس من إيصال النجس بالطاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن ما أُبين من حيٍ فهو كميتته، وميتة الآدمي طاهرة، فاليد حين تبان هي طاهرة، والدم المسفوح لا يحكم بكونه مسفوحاً إلا بالمفارقة، فنحكم بكون الدم الذي جرى خارجاً عن اليد المقطوعة والمكان الذي قطع منه بكونه نجساً، لكن ذات اليد وذات الموضع الذي أُبين منه إذا اتصل عاد إلى أصله، فبناءً على ذلك لا يحكم بكونه نجساً من هذا الوجه.

    فإذا ثبت أن السن أو اليد لا يحكم بنجاستها يتفرع على هذا جواز ردها إذا أمكن الرد، فإنه يوجد الآن في الجراحات الدقيقة إذا قطعت اليد وكان قطعها قريباً، وعرضت على جراح أو طبيب، فإنه بإمكانه بإذن الله عز وجل أن يعيدها، فتكون إعادتها على هذا الأصل الذي ذكرناه لا حرج فيها؛ لأنها ليست بنجسة ولا بمتنجسة، ونحكم بجواز الإعادة من هذا الوجه.

    كذلك أيضاً إذا حكم بكون السن طاهرة، فإنه حينئذٍ لا تسري عليها أحكام النجاسات، فلو أن إنساناً حملها فإنه حاملٌ لطاهر، بخلاف من يقول: إنها نجسة وحاملٌ لنجس.

    1.   

    الأماكن التي نهي عن الصلاة فيها

    أولاً: المقابر

    قال المصنف رحمه الله: [ولا تصح الصلاة في مقبرة]

    بعد أن بين رحمه الله أنه ينبغي عليك أن يكون الموضع الذي تصلي فيه طاهراً، وبين لك أحكام النجاسات المتصلة، وما هو قريبٌ من المتصل، شرع في بيان المواضع التي لا يجوز أن يصلى فيها، وهذه -كما قلنا- مسائل شبيهة بالمسائل التي معنا، فكما أن الأرض النجسة لا يصلى عليها فإن المواضع التي نهي عن الصلاة عليها كالأرض النجسة، فلا يصح أن تذكر في غير هذا الموضع.

    والمقبرة مثلثة الباء، والمقبرة: المكان الذي يقبر فيه الآدمي، ولا يصلى فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقابر، وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل من صلاته في بيته، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً) فقوله: (ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً) يدل على أن القبر ليس موضعاً للصلاة، قال العلماء: نهى عن الصلاة في القبور لأمورٍ؛ فإن الأمر قد يعلل بعللٍ كثيرة، فقالوا: منها: خوف الشرك، وهذا أعظمها وأجلها؛ لأن الصلاة على القبر قد تؤدي إلى تعظيمه وإجلاله إلى درجةٍ قد تصل بالمرء إلى الصلاة لصاحب القبر والعياذ بالله.

    وقيل: نهي عن الصلاة فيها حتى لا يشابه اليهود والنصارى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعنهم عند موته، قالت أم المؤمنين: (يحذر مما صنعوا)، أي: يحذر أمته أن تصنع كصنيع اليهود والنصارى، فقالوا: من أجل المشابهة وكذلك أيضاً قال بعض العلماء: لأنه إذا صلى على القبر فإنه يؤذي صاحب القبر، وقد يؤذيه صاحب القبر؛ لأن الجلوس على القبور مضرةٌ لصاحب القبر ومضرةٌ لمن جلس عليها، ولذلك شدد عليه الصلاة والسلام في التحذير من أذية أهل القبور بالجلوس والاتكاء عليها فقال: (لأن يجلس الرجل على جمرة فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر).

    فلذلك نهى عن الصلاة في القبور وعلى القبور، ولذلك بين رحمه الله أن هذا الموضع -القبر- لا يجوز أن يصلى فيه، والإجماع منعقد على أنه لا تجوز الصلاة في القبور، والمراد بها صلاة الفريضة وصلاة النافلة، ويستوي في ذلك النوافل المقيدة والنوافل المطلقة، فلا يصلى في المقابر العيدان ولا الكسوف ولا الخسوف، فلا يصلى فيها نفلاً ولا فرضاً.

    وأما الصلاة على الجنازة في المقابر أو قريباً من المقابر فهذا مستثنى، كأن تكون الجنازة ما صلي عليها في المسجد، ثم أتي بها عند القبر، فصلي عليها عند قبرها ثم دفنت، فلا حرج أن يصلى عليها، ولكن ينبه على خطأ تكرار الصلاة على الجنائز عند القبور وقد صلي عليها في الجوامع، وأن هذا أمرٌ لا أصل له، فإن الأصل الاكتفاء بصلاة المؤمنين وشفاعتهم في المسجد، ولا يزاد على ذلك.

    وأما في داخل القبور فقال بعض العلماء بجوازه استدلالاً بحديث المرأة التي كانت تقم المسجد، ولكن هذا الحديث -كما جاء في صحيح مسلم، وهو مذهب طائفة من السلف- فيه شبهة تقتضي التخصيص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على المرأة قال: (إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمةً على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي) فقوله: (بصلاتي) دل على التخصيص، فورود النهي الحاضر مع المبيح يوجب تقديم الحاضر على المبيح، فالأولى والأحرى أن الإنسان يقتصر على الصلاة العامة التي تكون في مساجد المسلمين.

    أما تكرار الصلاة على الجنائز فهذا لم يكن عليه هدي السلف الصالح رحمهم الله، ولا يستقيم الاستدلال بما ذكرناه لوجود شبهة التخصيص.

    ثانياً: الحش

    قال رحمه الله تعالى: [وحُشَ] الحَش بالفتح والضم، والمراد بالحَش أو الحُش: المزابل، ويقال: موضع قضاء الحاجة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن ماجة : (إن هذه الحُشوش محتضرة) يعني: أماكن قضاء الحاجة، أي: تحضرها الشياطين والعياذ بالله؛ لأنها تحب الأماكن القذرة وروائحها الخبيثة فتأنس بها وتحبها، وأصل الحُش: البستان، قالوا: سميت أماكن قضاء الحاجة حُشاً لأنهم كانوا في الغالب في القديم يخرجون إلى أحوشة البساتين وأسورتها القديمة لقضاء حاجتهم، فما كانوا يضعون الحمامات في البيوت، وإنما كانت مثل المناصع الذي كان في المدينة، وهو موضع شرقي المسجد النبوي إلى شماله كانت تخرج إليه أمهات المؤمنين، وهو الذي كان يؤذي فيه اليهود والمنافقون نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرجن، كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (من لي بـالأشرف فقد آذى الله ورسوله)، فالمقصود أنهم ما كانوا يقضون الحاجة في البيوت، وإنما كانوا يقضونها في الحشوش، فيوصف بكونه حُشاً من هذا الوجه، فلا تجوز الصلاة في هذه المواضع؛ لأنها نجسة، وليست محلاً لذكر الله عز وجل، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني كنت على حالةٍ كرهت أن أذكر الله عليها)، فمن باب أولى إذا كان في الموضع النجس نفسه، ولا تصح الصلاة بالإجماع في هذا الموضع، وهو موضع قضاء الحاجة.

    ثالثاً: الحمّام

    قال رحمه الله تعالى: [وحمامٍ] الحمام في لغة القدماء ليس كالحمام الموجود الآن، فالحمام كان مكان الاغتسال، وكانوا في القديم يضعون الحمامات أماكن يغتسلون فيها ولها نظامٌ معين، فيغتسل فيها الناس بالماء الفاتر ويستحمون به، مثل المسابح أو أشبه، لكنها أماكن لها وضع معين تطهر فيها أبدان الناس، ويغتسلون فيها، وهذه الحمامات كانت موجودة إلى عهدٍ قريب في المدن، ونهي عن الصلاة فيها كما في حديث أبي داود والترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقبرة والحمام)، وهذا يدل على أنها ليست بموضع للصلوات، وذلك لأنها في حكم أماكن قضاء الحاجة لمكان العري، ولذلك قالوا: لا تصح الصلاة في الحمامات، فلو صلى لزمته إعادة الفريضة، ولا تصح منه إذا صلى في هذا الموضع.

    رابعاً: أعطان الإبل

    قال رحمه الله تعالى: [وأعطان إبلٍ] أعطان: جمع عطن، وعطن الإبل: الأصل فيه مراحه، وهو المكان الذي يمرح فيه ويستقر فيه، ويكون على أضرب: منها: أن يكون مراحاً له يبيت فيه ويأوي إليه، فهذا بالإجماع عطن ولا إشكال فيه، أو يكون في وقتٍ دون وقت، فله مكان في الظهيرة يعطِن فيه، ومكان في الليل يعطِن فيه، فإنه إذا عطن في هذا المكان وهو الذي يكون في وقت الظهيرة يوصف بكونه من أعطان الإبل، فلا يشترط أن يمكث جميع وقته في هذا المكان، أعني: وقت راحته أو وقت مراحه.

    فالأعطان لا تصح الصلاة فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل كما في صحيح مسلم أنه قال: (صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل)، فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل، والصحيح أن العلة أنها خلقت من الشياطين، وأنها مواضع الشياطين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فالعلة -والعياذ بالله- وجود الشياطين بها وتلبسها بالإبل، ولذلك أمر بالوضوء من لحم الجزور ولم يؤمر من غيره، ونهى عن الصلاة في معاطن الإبل، قالوا: إنها لا تخلو من حضور الشياطين فيها، والأحاديث صحيحة في هذا المعنى، وقد تكلم الإمام ابن القيم كلاماً نفيساً في (أعلام الموقعين) حبذا لو يرجع إليه في بيان بعض الحكم والأسرار المبنية على تحريم الصلاة في أعطان الإبل قالوا: فلمكان حضور الشياطين فيها يتقيها المصلي، ولهذا نظير فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بات عند قدومه إلى المدينة وعرس كما في حديث حذيفة في الصحيحين واستيقظ وقد نام عن صلاة الفجر قال: (ارتحلوا فإنه موضعٌ حضرنا فيه الشيطان) قالوا: فهذا أصل يدل على أن المواضع التي تحضرها الشياطين لا يصلى فيها، فلذلك نهي عن أعطان الإبل لمكان وجود الشياطين فيها.

    والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل يحتج به الشافعية رحمهم الله على أن روح أو فضلة ما يؤكل لحمه نجس؛ لأن أعطان الإبل حكم بنجاستها، لكن ينقض هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الصلاة في مرابض الغنم، فلو كانت فضلة ما يؤكل لحمه نجسة لكان روث الغنم نجساً أيضاً، ولذلك يقوى القول بأنها طاهرة، وحديث مرابض الغنم يدل على طهارتها، وحديث أعطان الإبل لا يستلزم الحكم بالنجاسة.

    خامساً: الأرض المغصوبة

    قال رحمه الله تعالى: [ومغصوبٍ] المغصوب: هو المأخوذ قهراً، والفرق بين السرقة والغصب: أن السرقة تكون خفية، والغصب يكون علانية، وللسرقة حكم وللغصب حكم، والسرقة أشد لما فيها من التخفي وعدم معرفة الآخذ بالمال، لكن الغصب يكون علانية، والغصب من كبائر الذنوب، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتصب شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أراضين)، قال بعض العلماء: إنه يضيق عليه سبعة أراضين، تجمع الأرض التي اغتصبها والشبر الذي اغتصبه كالطوق في عنقه، فيكون من أرضٍ إلى أرض حتى يبلغ السبع الأراضين التي اغتصبها، أي: المسافة التي غصبها، وقيل: يكلف حمل هذا القدر -والعياذ بالله- مما اغتصب، وكيفية تكليفه مع ضعفه أمره إلى الله، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن مقعد الكافر في نار جهنم -أي: مكان قعوده فقط- كما بين المدينة ومكة)، فهذا مقعد الكافر ومكان جلوسه في النار، فالله على كل شيءٍ قدير.

    وذكر عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أن ضرس الكافر -والعياذ بالله- مثل جبل أحد)، فلا شك أن الله عز وجل على كل شيءٍ قدير، فالغصب حرام وهو من كبائر الذنوب، فلو اغتصب أرضاً فمما يترتب على الغصب مسألة صحة صلاته:

    فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين: فجمهور العلماء على أن الأرض المغصوبة تصح فيها الصلاة، وذهب طائفة من العلماء إلى أن الأرض المغصوبة لا تصح فيها الصلاة، وهو مذهب الحنابلة رحمة الله على الجميع؛ لأنه منهي عن البقاء في هذه الأرض، فالصلاة باطلة، ويقولون: إن هذا مخرج على القاعدة الأصولية أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، والصحيح أن النهي فيه تفصيل، فإن رجع إلى ذات المنهي عنه اقتضى البطلان، وإن كان منفكاً عن ذات المنهي عنه فإننا نقول بانفكاك الحكم، فنقول: إن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة ولكن يأثم بالغصب، فهو آثمٌ من جهة الغصب وصلاته صحيحة؛ لأنه فعل ما أمره الله من القيام والقعود والركوع والسجود، وقد قال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: (إذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك)، فالصلاة صحيحة، ولكن قال بعض أهل العلم: أجمع العلماء على أن من صلى على أرضٍ مغصوبة أو بثوبٍ مغصوب أن صلاته غير مقبولة والعياذ بالله. أي: لا يثاب عليها والعياذ بالله، وإن كانت تجزيه، فيقولون: كأنه لم يصل والعياذ بالله من ناحية خلوه من الثواب، نسأل الله السلامة والعافية، وذلك لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] وهذا لم يتق الله، حيث غصب مال أخيه وصلى فيه أو صلى عليه.

    فإذا ثبت أن الأرض المغصوبة تصح الصلاة عليها، فيتفرع على ما ذكر المصنف رحمه الله أنه إذا قيل: إن الأرض المغصوبة لا تصح الصلاة عليها، يصبح الأصل عند أصحاب هذا القول: كل أرضٍ محرمة لا تصح الصلاة فيها.

    فيطرد على هذا لو كانت الأرض نهي عن الجلوس فيها مثل أراضي الظالمين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول مساكن الظالمين وقال: (لا تمروها -أي: ديار ثمود- إلا وأنتم باكون أو متباكون)، ولم ينزل بأرض ثمود، وإنما تنحى بأصحابه صلوات الله وسلامه عليه حينما قدم من غزوة تبوك، فأراضي الظالمين النهي فيها للتحريم، ولو صلى لم تصح صلاته على هذا الأصل؛ لأنه منهي عن الجلوس فيها، ويستوي في هذا أن يكون الغاصب هو المصلي، أو يكون غير الغاصب، فلو علمت أن هذه الأرض مغصوبة فعلى هذا الأصل لا تصل فيها، فلو صليت وأنت ترى عدم صحة الصلاة في الأرض المغصوبة تلزمك الإعادة.

    ويتفرع عليه أيضاً الأرض المحرمة، وهي المشتراة بمالٍ حرام، فإنهم يقولون: إنه لا تصح صلاته فيها، كأن يكون المال الذي اشترى به الأرض مالاً حراماً، كمال يتيم، أو مالاً مغصوباً، أو اشترى به ثوباً فإن الحكم كالحكم في الأرض.

    فإذا ثبت أن الأرض لا تصح الصلاة فيها، فلو صلى في سطح البيت المغصوب فهل تصح صلاته؟

    قالوا: وكذلك السطح، فسطح المغصوب كالمغصوب؛ لأن من ملك أرضاً ملك فضاها وسماها، وملك قعرها بدليل: (من ظلم قيد شبرٍ طوقه من سبع أراضين)، فدل على أنه مالكٌ لأسفل الأرض كما هو مالكٌ لأعلاها، والإجماع منعقد على أنه يملك الأعلى، وبناءً على ذلك قالوا: لو كانت الأرض مغصوبة فصلاته على أعلاها كصلاته على أدناها، وكصلاته فيها، فالحكم في كل ذلك واحد، ولذلك قال رحمه الله تعالى: [وأسطحتها] يعني: أسطح الأرض المغصوبة، وهذا -كما قلنا- مفرع على أن من ملك أرضاً ملك سماها، وتخرج على هذا القول فتوى من يرى الطواف والسعي في الدور الثاني بناءً على أن الأرض وسماها آخذةٌ نفس الحكم.

    قال رحمه الله تعالى: [وتصح إليها].

    إذا ثبت أن الأرض المغصوبة لا يصلى فيها ولا عليها، فإنها إذا كانت بينك وبين القبلة فقد قال المصنف: وتصح إليها. فلو كانت بينك وبين القبلة لا تؤثر، إنما المؤثر عند من يرى عدم الصحة أن تكون تحتك بالمباشرة، أو تكون في أسفل الأرض ونحو ذلك.

    1.   

    حكم الصلاة في الكعبة وفوقها

    يقول المصنف عليه رحمة الله: [ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة باستقبال شاخصٍ منها].

    ختم المصنف رحمه الله بهذه الجملة الأحكام المتعلقة بالشرط السابق، وكان الحديث عن طهارة المكان، ولزِم ذكرُ المواضع التي لا يجوز للمكلَّف أن يوقِع الصلاة فيها.

    فذكرنا المقابر والمزابل، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل، والأصل في هذه المواضع حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المجزرة، والمقبرة، والمزبلة، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل، وعلى ظهر الكعبة).

    فهذه المواضع نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فيها، وقد تقدَّم أن المِجزرة والمقبرة والمِزبلة والحمّام لا يُصلَّى فيها لأنها مشتملة على وجود الشياطين، وذكرنا علَّة ذلك، وأما قارعة الطريق فهي المكان الذي يقرعه الناس، أي: يمشون فيه، سمِّيت بذلك لأن الإنسان إذا سار في الطريق قرع نعاله، وسُمِع قَرع النعال، أي: صوتها، فيُقال: قارعة الطريق، بمعنى المكان الذي يطرقه الناس.

    وأما بالنسبة لأعطان الإبل فقد ذكرنا أن العلة في ذلك أنها مأوى للشياطين، وبيَّنا أن هذه العلة هي أقوى العلل، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة في أعطان الإبل، وأجازها في مرابض الغنم، فلو كانت العلة كونها أعطاناً للإبل لاشتمالها على فضلة الإبل لمُنِع من الصلاة في مرابض الغنم لاشتمالها على فضلة الغنم، فأقوى العلل كونها من الشياطين كما قرَّره غير واحدٍ من أهل العلم رحمة الله عليهم.

    أما الموضع السابع الذي نُهِي عن الصلاة فيه فهو فوق سطح الكعبة، وهذا هو الذي تكلَّم عليه المصنف فقال رحمه الله تعالى: [ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة باستقبال شاخص منها].

    أي: لا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها؛ لأننا أمرنا باستقبال الكعبة، والمستقبل للكعبة يستقبل جدارين، والله أمر نبيه أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام.

    ومسألة الصلاة على سطح الكعبة أو في داخل الكعبة في الأصل ليست بواردة في هذا المكان؛ لأن الكلام عن طهارة المصلَّى، وذكرنا اشتراط طهارة المكان الذي يصلي فيه المكلَّف، ودليل ذلك من السنة، لكن العلماء رحمة الله عليهم من عادتهم أنهم يذكرون المسائل الشبيهة في المظان، فلما ذَكَر تحريم الصلاة في المواضع النجسة ناسَب أن يُتبِعه بالمواضع المنهي عنها، وإلا فالأصل ألا يُذكَر هذا الحكم في طهارة الموضع من النجاسة.

    والصلاة على ظهر الكعبة فيها خلاف بين أهل العلم رحمة الله عليهم، فمنهم من قال بعدم صحّتها مطلقاً، ومنهم من قال بجوازها مطلقاً وصحّتها، ومنهم من فرّق بين النفل والفرض، كالصلاة بداخل الكعبة.

    والصلاة بداخل الكعبة أيضاً فيها ثلاثة أقوال مشهورة:

    القول الأول: ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى صحة الصلاة داخل الكعبة مطلقاً، سواءٌ أكانت نفلاً أم فريضة، وهو قول طائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.

    والقول الثاني أنه تصح الصلاة داخل الكعبة إذا كانت نفلاً دون الفريضة، فلا تصح الفريضة داخل الكعبة، وهذا اختيار طائفة من العلماء رحمة الله عليهم، كما هو عند المالكية وبعض أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، ودرج عليه الحنابلة.

    وهناك قولٌ ثالث بعدم الصحة مطلقاً، وهو لبقية من ذكرنا من المذاهب.

    فتحصَّل عندنا ثلاثة أقوال، فمن يقول بصحة الصلاة داخل الكعبة مطلقاً يحتج بقوله عليه الصلاة والسلام: (وجُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، قالوا: فقد عمّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدلّ على أن الإنسان إذا صلَّى داخل الكعبة تصح صلاته؛ لأنه أخبر أن الأرض مسجد وطهور، وداخل الكعبة مسجد لعموم هذا الخبر، فيصح للإنسان أن يصلي فيه.

    والدليل الثاني: ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر عندما دخل النبي عليه الصلاة والسلام الكعبة، وأغلق الباب عليه وعلى أسامة وبلال رضي الله عن الجميع ، فلما فُتِح الباب كان ابن عمر أول من ابتدر إلى الدخول فسأل بلالاً : هل صلى؟ قال: نعم، بين العمودين.

    فدلّ هذا على مشروعية الصلاة داخل الكعبة، قالوا: ولا فرق بين النفل والفرض.

    وأما من قال بعدم صحة الصلاة داخل الكعبة فاحتج بحديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة فكبَّر في أركان البيت ونواحيه، ثم لم يصلِّ، وخرج واستقبل الكعبة وكبر وركع ركعتين.

    فأسامة ينفي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى، وبلال يُثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى، فحصل الخلاف بين هذين الصحابيين، فيقولون: الأصل استقبال القبلة والكعبة بكمالها، فلمّا حصل التردد اعتضد قول أسامة بالأصل، وبقي كلام بلالٍ محتمِلاً؛ لأن الصلاة تُطلق بمعنى الدعاء، وقد قال أسامة : (كبَّر)، فيحتمل أن بلالاً سمع تكبيره وظنها صلاة؛ لأن أسامة يقول: (كبَّر في نواحي البيت)، وهذا يدل على أنه رأى منه انتقالاً في نواحي البيت؛ لأن الإشكال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل أغلق الباب، ومن المعلوم أن من دخل من خارج البيت أو من خارج الغرفة إلى داخلها ثم أُغلِق عليه مباشرة يخفَى عليه رؤية ما بالداخل، فظن أن سماع هذا التكبير المتتالي يُظَن معه أنه صلَّى. هذا وجه من يقول أنه لم يصلِّ.

    وأما الذين توسَّطوا وقالوا: يصلي النافلة دون الفريضة، فقالوا: إن بلالاً أثبت أنه صلَّى، فنُعمِل حديث بلال على الإثبات، ونُبقي الأصل من الأمر بالتوجه إلى الكعبة على ما هو عليه، فنقول: يصح إذا كانت الصلاة نافلة دون الفريضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما صلى فريضة داخل الكعبة، ولو كانت جائزة لبيَّنها إما بقوله أو بفعله، فحيث إنه عليه الصلاة والسلام صلى النافلة دون الفريضة -على القول بأنه صلَّى-، فحينئذٍ نقول: إن الفريضة لا تُصلَّى.

    والذي يترجّح والله أعلم أن مسلك من يقول بالتفصيل أقوى لأمور:

    الأمر الأول: أمر الله تعالى بالتوجه إلى البيت، ومن بداخل البيت يتوجه إلى جهةٍ واحدة، بخلاف من كان خارج البيت، فإنه يجمع بين جهتين من أي الجهات صلى، ولذلك كان استقباله داخل البيت أخف من استقباله خارج البيت، فلو وقفت -مثلاً- من جهة الباب أو المقام استقبلت جدار الباب والجدار الذي هو بين الحِجر وبين الركن، وكذلك لو وقفت بين الركنين استقبلت الجدار الذي فيه الركنان، وكذلك الجدار الذي من جهة الحِجر، بخلاف ما إذا صليت بالداخل فإن ستستقبل جداراً واحداً.

    والأصل في دلالة القرآن استقبال البيت، فلذلك يُحمَل على أكمل ما يكون، وحيث تعذر استقبال الأربع الجهات اكتُفِي بالجهتين للتعذُّر، فإذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى -مع التردد في الرواية- فإن الأصل يقتضي الاحتياط، ولو أن القاعدة: (من حفِظ حجة على من لم يحفظ)، لكن الشبهة هنا واردة وقوية، خاصة وأن هناك من ينفي وله جلالة علمه وقدره، والحادثة واحدة.

    الأمر الثاني: وجدنا أن الشريعة تخفِّف في النافلة ما لا تخفِّف في الفرض، ألا تراه في السفر عليه الصلاة والسلام كان يصلي على بعيره كما أخبر عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولم يصلِّ فريضة على بعيره، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي على بعيره حيثما توجَّه به في السفر، فدلّ على تخفيف القبلة في النافلة، بخلاف الفريضة.

    ومن هنا يقوى القول بالتفريق بين النفل والفرض ولأن الذي ورد من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو في النافلة، ولم يرد عنه في الفرض إذ لو كان الفرض سائغاً لبيَّنه بالقول عليه الصلاة والسلام.

    فلا يقوى مسلك من يقول بجواز صلاة الفريضة داخل الكعبة، إلا بناءً على قوله بأنه لا فرق بين النافلة والفريضة، فيُنقَض هذا القول بورود النص في استقبال القبلة، فوجدناه يخفِّف في صلاة النافلة على الراحلة في السفر، فيصلي النافلة حيثما توجَّهت به راحلته، فخفَّف في القبلة، بخلاف الفريضة فإنه يجب عليه أن ينزل ويجتهد ويتحرَّى ويستقبل، ففهمنا من هذا أنه قد تختص النافلة في الاستقبال بما لا يكون للفرض، فقوِي مذهب من يقول بصحة صلاة النافلة دون الفريضة.

    ثم إن هذا هو مبلغ التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن الحديث فيه ما فيه من تعارض قول أسامة مع بلال رضي الله تعالى عنهما.

    ولذلك قَوِي مذهب من يقول: إنه يصلي النافلة دون الفريضة، لما ذكرناه.

    ومن هنا لو صلّى على ظهر الكعبة، فإن ظاهر حديث ابن عمر أنه لا يصلي على ظهر الكعبة، وهذا الحديث رواه الترمذي وهو من رواية سعيد بن جبيرة ، وهو راوٍ مُتكلَّم في روايته، قال عنه الترمذي : إنه ليس بذاك، وللعلماء فيه قولان: قال بعضهم: إنه كان يضع الحديث، حتى قال بعضهم: إن هذا الحديث من وضعه وهذا من أشد ما يكون في القدح، وقال بعضهم: الرجل ثقة في ذاته -أي: من ناحية ديانته وصلاحه- ولكنه تدرِكه غفلة الصالحين.

    ولهذا الحديث أيضاً رواية عند ابن ماجة يرويها عن داود بن حصين ، وكذلك أيضاً يرويها ابن ماجة عن الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال..) وذكر الحديث.

    ولكن هذه الرواية مضعّفة بـالعمري ، وهو ضعيف من قِبَل حفظه، وقد يقول قائل: إنه قد تنجبر هذه الطريق بهذه الطريق، ويُحكَم بحسن الحديث كما قاله بعض العلماء، ولكن يُشكِل عليه أن الانجبار في الأحاديث الحسنة شرطُه ألا يكون الراوي في الطريق المنجبرة متهماً بالكذب أو بالوضع، والراوي الأول قلنا: إنه متهم بالكذب، ولذلك يقول بعض الفضلاء:

    وحيث تابع الضعيف معتبـر فحسنٌ لغيره وهو نظــر

    إن لم يكن لتهمة بالكــذب أو الشذوذ فانجباره أُبِــي

    فلذلك لا ينجبر لمكان التهمة له بالكذب.

    وبناءً على هذا يقوى القول الذي يقول بالتفريق بين النافلة والفريضة، ولكن السنة أنه إذا دخل أن يدخل من الباب على وجهه، ثم يصلي بين العمودين، وكانا موجودين بداخل الكعبة، فهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا حرج أن يصلي على سطح الكعبة، ولكن يخصها بالنافلة دون الفريضة؛ لأننا قرّرنا من أصول الشرع أن ما عَلا حكمه حكم ما سَفَل، فإذا كان باطن الكعبة تستقبل منه جداراً واحداً يصح في النفل، كذلك أيضاً بالنسبة لظهر الكعبة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم حمل الصبي في الطواف وعليه الحفاظة

    السؤال: ما حكم حمل الصبي أثناء الطواف بالبيت وهو حاملٌ للنجاسة فيما يسمى بالحفاظة، وهو مما عمت به البلوى؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فحمل الصبي على حالتين: إن كان طاهراً فلا حرج، وقد ثبت الدليل عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز ذلك ومشروعيته.

    وأما إذا كان نجساً أو متنجساً فإنه لا يجوز أن يحمله في الصلاة وهو على هذه الحالة، ويستثنى من ذلك حالة واحدة يحكم فيها بالجواز، وهي: إذا خافت المرأة على صبيها، كأن تريد أن تطوف بالبيت معتمرة أو حاجة ولو تركت الصبي خافت عليه أن يضيع أو يؤخذ، فإنه يجوز لها أن تطوف وهي حاملةٌ له لمكان الضرورة، والله تعالى أعلم.

    حكم إزالة النجاسة في الصلاة المفضية إلى كشف العورة

    السؤال: إذا كانت النجاسة التي علم بها في الصلاة على ثيابه، فإن خلعها ربما انكشفت عورته، فكيف يفعل؟

    الجواب: لو أن إنساناً لم يجد إلا ثياباً نجسة، ولا يمكنه ستر العورة للصلاة إلا بهذا النجس، فإن هذه المسألة تعرف عند العلماء بمسألة ازدحام الشروط، فإن قلت: أقدم شرط الطهارة على ستر العورة يصلي عارياً، وإن قلت: أقدم ستر العورة على شرط الطهارة يصلي بالمتنجس، وبناءً على ذلك يفصل في هذه المسألة فإن كان يصلي في موضعٍ لا يراه فيه أحد فإنه يعمل الأصل ويصلي عارياً؛ لأن الطهارة معتبرة، وهذا النجس يقدم فيه ما ذكرناه.

    أما لو كان في موضعٍ يراه فيه أحد فإنه يصلي بثوبه النجس لمكان الضرورة، والله تعالى أعلم.

    حكم من صلى وهو جنب ناسياً

    السؤال: رجلٌ احتلم بالليل ولم يعلم بذلك، وصلى الظهر والعصر والمغرب، وعند ذلك رأى آثار المني على ثوبه، فهل يعيد تلك الصلوات مرتبة أم كل صلاةٍ في وقتها في اليوم التالي؟

    الجواب: من صلى وهو ناسٍ أنه محتلم أو عليه جنابة فإنه يلزمه أن يعيد الصلوات ولو كانت أياماً؛ لأنه لا يصح للإنسان أن يصلي وهو على غير طهارة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وبناءً على ذلك يلزمه إعادة هذه الصلوات كلها، ويراعي فيها الترتيب حتى ولو تعددت أيامه، والله تعالى أعلم.

    حكم الصلاة في مسجد به قبر

    السؤال: ما حكم الصلاة في المسجد الذي به قبر؟ وإذا كانت غير صحيحة فهل يلزمني إعادة الصلوات التي صليتها في هذا المسجد؟

    الجواب: إذا بني المسجد على القبر فإنه لا تصح الصلاة فيه؛ لأنه آخذٌ حكم الصلاة على القبر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على القبر، وبناءً على ذلك يلزمك إعادة الصلاة إذا صليت فيه، ويجب عليك أن تبحث عن مسجدٍ لا قبر فيه وتصلي فيه، وأما إذا كانت المساجد كلها فيها قبور فتصلي في بيتك، ثم إذا خشيت الفتنة فكما قال عليه الصلاة والسلام: (صلِ معهم فإنها نافلة)، أما إذا لم تخش الفتنة فإنه لا تلزمك الجماعة لمكان هذا العذر، والأولى أن تصلي جماعةً بأهلك أو بجيرانك، والله تعالى أعلم.

    حكم من صلى إلى غير القبلة مخطئاً ثم عرف ذلك

    السؤال: لو أن رجلاً صلى في بادية فاجتهد في القبلة، وبعد الصلاة أتاه رجل فأخبره باتجاه القبلة الصحيح، فما حكم صلاته؟

    الجواب: من صلى في بريةٍ أو باديةٍ لا يخلو من حالتين: إما أن يكون بموضعٍ يمكنه السؤال والتحري فيلزمه؛ لأن القدرة على اليقين تمنع من الشك، وقد كلفه الله باستقبال القبلة، وبإمكانه أن يتحرى جهتها، فيسأل العالم بمواضع القبلة من أهل ذلك الموضع ويلزمه الرجوع إليه، أما لو كان في بريةٍ ليس فيها أحد، ولا يجد أحداً يسأله، أو الذين معه عوام وجهالٌُ مثله فإنه يتحرى ويصلي، ولا حرج عليه إذا ظهر أنه صلى لغير القبلة؛ لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى وأصحابه في ليلةٍ فيها غيم ثم لما أصبحوا فإذا هم على غير قبلة، فقال صلى الله عليه وسلم: قد مضت صلاتكم).

    فإذا تحرى الإنسان عند إمكان التحري على قدر وسعه عند فقد العالم بالقبلة أو بجهة القبلة فإنه قد أدى ما عليه، وصلاته صحيحة، والله تعالى أعلم.

    وجود النجاسة في الجبيرة

    السؤال: كيف يكون الجبر بالعمود النجس؟

    الجواب: تحتاج إلى طبيب يذكر لك أنواع الجبارة، وعلى العموم خذ هذا الأصل، أما الكيفية فهذا أمر يرجع إلى أهل الخبرة، وهذا فن ما قرأناه إلى الآن، فتحتاج إلى إنسان يعلم طرق الجبائر وأنواعها ثم يتكلم عليها.

    أما المهم فأن تكون الجبيرة نجسة، أو توضع فيها مادة نجسة، فلو أن الجبس كان فيه بول -أكرمكم الله- أو خلط بماءٍ فيه بول، أو وضعت خلطة الجبس في ماءٍ فيه بول، أو المادة التي وضعت بجبر هذا العظم نجسة، فهذا كله من جبر النجاسة، أو تكون الجبيرة التي توضع وتلف أصابتها نجاسة فتنجست، فكل هذه الصور واردة، وأما ما هي الجبيرة النجسة فهذا أمر يحتاج إلى عالمٍ خبير بالجبائر، ومن أحيل على مليء فليتبع.

    أما بالنسبة لحكم العلماء رحمة الله عليهم فهذا هو الأصل، أي: يستوي في ذلك أن تكون الجبيرة بذاتها نجسة، أي: نفس الآلات الموضوعة للشد نجسة، أو الحبال واللفائف التي توضع متنجسة، أو الجبس الذي يوضع نجس، فكل هذا يتأتى ويدخل في مسألة الجبيرة النجسة، والله تعالى أعلم.

    حكم الصلاة على أسطح الحشوش والحمامات وأعطان الإبل

    السؤال: هل تصح الصلاة على أسطح الحشوش والحمامات وأعطان الإبل؟

    الجواب: الصلاة على أسطح الحُش والحمام وأعطان الإبل مفرعة على الكلام على الموضع، فإن قلت: إن سماء الشيء آخذٌ حكم أرضه فحينئذٍ لا تصح، لكن لقائلٍ أن يقول: إن المتصل بالنجاسة ليس كالمنفصل، فنحن حينما ذكرنا مسألة الغصب قلنا: الصحيح أنها لا تؤثر، وأن المغصوب تصح فيه الصلاة، وأن الصلاة على ظهر أو سطح مغصوب صحيحة، كالصلاة على المغصوب نفسه.

    وبناءً على ذلك إذا قلنا: العلة هي النجاسة وكون الحُش متنجساً يبقى سطح الحُش على العموم لقوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فنقول بصحة الصلاة عليه من هذا الوجه، وكذلك أعطان الإبل إذا كانت الإبل تمرح في مكان وسطحها لا تمرح فيه، فإن العبرة بالمكان لا بسطحه، وهذا أقوى وأوفق وأقرب إلى الأصل من جهة العموم لقوله عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، ويبقى الإشكال في الجواب عن مسألة من ملك أرضاً ملك سماها. فنقول: هذا في الأوصاف المتعدية، فالاغتصاب الوصف فيه يتعدى؛ لأن الغصب سارٍ على الأرض كلها، لكن النجاسة الوصف فيها لا يتعدى، ونحن قلنا: إذا طين أرضاً نجسة، وكان هناك حائل بينه وبين الأرض النجسة وصلى صحت صلاته، وبناءً على ذلك يفرق بين المتصل والمنفصل، فلما كان في الغصب متصلاً؛ لأن الغصب يسري إلى السطح قلنا بعدم الصحة على الأصل الذي قرره المصنف، ولما كان الوصف هنا لا يسري، ولا يأخذ حكم المتصل قلنا بصحة الصلاة من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.

    حكم الصلاة بالثوب الذي عليه فضلات طير غير مأكول

    السؤال: من صلى وقد أصاب ثوبه من فضلات الطيور الجارحة كالصقر، وهو يعلم أنها على ثوبه، فهل يعيد الصلاة؟

    الجواب: الطيور الجارحة فضلاتها وذرقها نجس، أما الطيور التي تؤكل كالحمام والعصافير فأصح أقوال العلماء أنها طاهرة، وخالفت الشافعية رحمة الله عليهم فقالوا: إن ذرق الحمام نجس، ولذلك يقعون في حرجٍ كبير إذا صلوا في الأماكن التي فيها حمام، حتى قال بعض العلماء: بسبب كثرة الحمام ومشقة التحرز يعفى عن ذرق الحمام.

    فالطيور الجارحة على الأصل الذي ذكرناه أن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر، وأن ما عداه نجس، فيتخرج على هذا القول بنجاسته، وسيأتينا إن شاء الله في كتاب الأطعمة، فلو أصابه ذرق فإنه يعتبر متنجساً، لكن عند من يقول: إن يسير النجاسة الدم وغيره معفو عنه، وكان هذا الذرق يسيراً فإنه يعفى عنه على هذا القول، وإن كان الصحيح أنه لا يعفى عنه؛ لأن العفو مختصٌ بالدم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755984708