إسلام ويب

تفسير سورة الشورى [36 - 37]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • متاع الدنيا زائل، وما في الآخرة خير وأبقى، وقد عرف المؤمن ذلك فهو يجتنب الفواحش والكبائر، وتراه متوكلاً على الله، ويعفو عمن ظلمه، والكبائر كثيرة مبسوطة أدلتها في الكتاب والسنة، فعلى المسلم أن يجتنبها ليفوز برضا الله سبحانه في الدنيا والآخرة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الشورى: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:36-37].

    ذكر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان مهما أوتي في هذه الدنيا من نعم الله سبحانه وتعالى فهو متاع قليل، وهو زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]، فالذي يؤتاه العبد في الدنيا ينبغي عليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى عليه، ولا يفعل ذلك إلا المؤمنون الذين ذكر الله صفاتهم هذه، قال تعالى: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، للمؤمنين، المتوكلين، المستجيبين لله سبحانه، الذين يجتنبون ما حرم الله، ويفعلون ما أمرهم الله عز وجل به، والذين يكبتون أنفسهم عن غيظها وعن ملذاتها إلا ما أحل الله سبحانه وتعالى.

    ووصف الله الذين آمنوا بقوله: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، وما عند الله خير وأفضل من هذه الحياة الدنيا، ولا وجه للمقارنة، فالدار الآخرة للمؤمنين الصالحين، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

    الإيمان شرط في قبول العمل الصالح

    فالإنسان المؤمن التقي الذي لا يبتغي العلو ولا الإفساد في الأرض، ولا البغي على الخلق ولا الطغيان هو الذي لا يظلم أحداً، فإن هذا الإنسان المؤمن له عند الله عز وجل هذه الدار الآخرة، قال تعالى: (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، إذاً: هذه من أول صفاتهم: الإيمان، أما الكافر فليس له عند الله شيء، فإذا مات الإنسان الكافر فقد أعطاه الله عز وجل في الدنيا ما شاء سبحانه، فإذا جاء يوم القيامة وقال: لقد عملت صالحاً، كنت أصل الرحم، كنت أتصدق، كنت أفعل كذا، يقال له: لا ينفعك هذا كله؛ لأنك لم تكن مؤمناً بالله سبحانه وتعالى.

    والذي يعمل الخير ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى سوف يأخذ أجره من الله، والذي يعمل الخير ابتغاء مرضاة الناس سيأخذ ثوابه من الناس، فسوف يمدحونه، ويشكرونه، وسيأخذ شهرة في الناس، فقد أخذ أجره في الدنيا؛ لأنه لم يبتغ به وجه الله سبحانه وتعالى.

    لذلك الكافر فعل هذا في الدنيا حتى يقال: إن هذا إنسان جواد، ويقال عنه: جواد حتى يشتهر، ويأخذ عند الناس منصباً كبيراً، ويكون رأساً فيه، والناس يمدحونه ويحبونه ويثنون عليه، لكن الله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً، ولذلك فإن الكافر يطلب العمل الحسن الذي عمله، ويظن أنه يؤجر عليه يوم القيامة، فيقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، أي: يصير كالهبأة التي تراها في الغبار وذرات الغبار، وكذلك عمله صار هَبَاءً مَنْثُورًا؛ لأنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي، رب ارحمني، ولذلك جبير بن مطعم بن عدي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل أبيه مطعم، وجبير كان مسلماً وأبوه كان رجلاً كافراً، وكانت له خصال حميدة وكثيرة جداً مع الناس، من إطعام الفقراء، واسمه مطعم؛ لأنه كان يطعم الناس، فيسأل جبير النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبي كان يفعل من البر هل ينفعه ذلك عند الله؟ قال: إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).

    فلم يكن يؤمن أن هناك بعثاً، بل كان يعمل هذا للدنيا فقط، وأخذ ثوابه في الدنيا من ثناء الناس عليه، ومن كلامهم الطيب عنه، ومن شكرهم له، أما عند الله فلا ينتفع بعمل تطلب به الناس وتطلب به الله في نفس الوقت؛ لأن العمل لابد أن تطلب به الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

    إن أصل الأصول هو توحيد الله سبحانه وتعالى، والإيمان بما جاء من عند الله سبحانه والتصديق به، فإذا صدق الإنسان بذلك نفعه هذا الذي فعله، وإذا لم يكن مصدقاً لم ينتفع بشيء، قال الله عز وجل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104]، فقوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ)، أي: هل نخبركم عن هؤلاء؟ قال تعالى: (بِالأَخْسَرِينَ)، أي: أخسر الخلق (أَعْمَالًا)، قال تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، أي: تاهوا وضاعوا، اتبعوا شيئاً خلاف ما قاله الله سبحانه وتعالى، فكان سعيهم لغير وجه الله سبحانه، فضل وضاع، فلما جاءوا يوم القيامة لم يجدوا شيئاً عند الله سبحانه وتعالى، لأنهم (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ومصيبتهم أنهم (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).

    والإنسان إذا كان عاصياً نرجو أن يتوب هذا العاصي، ويعلم أنه عاص لله سبحانه، فإذا كان لا يعرف أنه يعصي فكيف يتوب؟ وإذا كان لا يعرف الحق، أو ترك الحق وراءه وضل وسار على الضلال، فكيف يقبل الله منه عملاً صالحاً يعمله؟ فالمسافر إذا أخبرته أن هذا المكان خاطئ، وعرف أن المكان خطأ، فسار فيه فلعله يضيع ولعله يرجع، ولكن الإنسان إذا عرف طريق الصواب، ومشى في الطريق الخطأ وهو يظن أنه على صواب حتى ضاع في النهاية، فمستحيل أن يرجع هذا الإنسان وهو يظن أنه على صواب، كذلك هؤلاء قال تعالى: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ [الكهف:104]، أي: خاب وخسر سعيهم في الحياة الدنيا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:104-105] حبطت أعمالهم أي: خاب سعيهم وشقوا في الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا لم يعرفوا ربهم ولم يصدقوا بما جاء من عند ربهم، فعملوا أعمالاً ابتغاء وجه الناس، وعملوا أعمالاً يظنون أنها تخلدهم ذكراناً بعد موتهم، فلما ماتوا ولقوا ربهم سبحانه لم يجدوا أعمالهم، فضاعت منهم هذه الأعمال التي طلبوا بها الناس في الدنيا.

    لذلك على المؤمن أن يصدق بالله سبحانه، ويعمل لله سبحانه، ويتوكل على الله سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون)

    ومن صفاتهم قال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37]، فهذه ثلاثة أوصاف لهؤلاء: يجتنبون كبائر الإثم، ويجتنبون الفواحش، (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)، فهو إنسان مؤمن تقي نقي يبتعد عما حرم الله سبحانه ويجتنب الكبائر، وهنا قال تعالى: (كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)، فالإثم مضاف إلى الكبائر، والفواحش معطوف على الكبائر، فالكبائر كبائر، والفواحش كبائر، إذاً: هم يجتنبون كل الفواحش، فلا يقع المؤمن في الفاحشة أبداً، ويجتنب جميع الكبائر، والله عظيم وكريم قد وعد عبده المؤمن أنه إذا اجتنب الكبائر في الدنيا يكفر عنه عند وفاته سيئاته.

    اجتناب الكبائر من صفات المؤمنين

    قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، فالكبائر: كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى وتوعد عليه بعقوبة من عنده سبحانه وتعالى أو بعذاب أو بغضب أو بلعنة أو بحد يكون في الدنيا، وما ألحق بذلك مما لا حد فيه ولكنه مثل هذه الكبائر.

    فالعلماء يقولون: الذنوب تنقسم إلى: كبائر وصغائر، والإنسان حين يتعامل مع ربه سبحانه يعلم أن ربه هو العظيم الكبير فلا يخطئ في حق الله سبحانه، فإذا وقع في معصية يبادر بالتوبة إلى الله، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، والمؤمنون الذين وعدهم الله بالنجاة لا يقعون في الكبيرة؛ لأنهم يريدون النجاة يوم القيامة، بل إن المؤمن يخاف من الصغائر، ولا يستهين بها؛ لأن الاستهانة بالذنب تجعله كبيرة من الكبائر، فلو أنه واظب وداوم على صغيرة من الصغائر مستهيناً بهذه الصغيرة فإنه يستهين بحق الله سبحانه وتعالى.

    ولذلك الذنب إذا تهاون به صاحبه واستهان به فهو من الكبائر أو ملحق بالكبائر؛ لأنه يشعر أنه لا دين عنده، فهو يعصي الله، ويتلذذ بمعصية الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال العلماء: إذا استهان العبد بالمعصية فوقع فيها، وفعله يدل على الاستهانة بحق الله، فإن هذه الاستهانة تُصَير المعصية كبيرة من الكبائر.

    اجتناب الفواحش من صفات المؤمنين

    قوله تعالى: (وَالْفَوَاحِشَ) أي: ويجتنبون الفواحش، والفواحش: ما فحش من الذنوب الكبيرة، وقد يكون منصوصاً على الكثير منها أن الفواحش من الكبائر، ولكن هي أشياء تنبئ بشيء من الرذالة والنتانة والقذارة، فالفاحش يقع في الفحش من الشيء، والمؤمن ليس فاحشاً؛ لأن الإنسان الذي يفحش يكون لسانه بذيئاً، وهذا إنسان فاحش بالقول، وإذا كانت أفعاله تدل على الفحش فهذه فواحش الأفعال.

    يقول العلماء: الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، والقبيح: الشيء السيئ، يقال: أفحش عليه في المنطق بمعنى: كلمه بكلام بذيء، أي: قال القبح من القول، ورجل فاحش أي: ذو فحش، وفي الحديث في سنن أبي داود قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض الفاحش المتفحش)، فهذا بغيض إلى الله، ومن أبغض العصاة إلى الله سبحانه، وكل العصاة يبغض الله عز وجل فيهم معصيتهم، ولكن هذا أشد الناس بغضاً؛ إذ يبغضه الله سبحانه وتعالى لفحشه وتفحشه.

    يقول العلماء: والفاحش: ذو الفحش والخنا من قول أو فعل، يقع في الزنا ويقع في المحارم، والمتفحش: الذي يتكلف سب الناس ويتعمد ذلك، والفاحش في الحديث: هو كل ما اشتد قبحه، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المؤمن ليس بالفاحش ولا بالبذيء، وكثيراً ما تأتي كلمة الفواحش بمعنى الزنا.

    ذكر بعض كبائر الذنوب

    إذاً: المؤمنون يجتنبون الوقوع في الكبائر، والكبائر كثيرة، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نصوص على بعضها، ويلحق بها غيرها، فمما ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة (اجتنبوا السبع الموبقات)، أي: المهلكات، فهي سبع كبائر من أعظم الكبائر التي يقع فيها الناس، قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

    فهذا الحديث ذكر سبعاً من أكبر الكبائر، وفي رواية أخرى ذكرها وذكر فوقها اثنتين، فقال صلى الله عليه وسلم: (وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً).

    من هذه الكبائر: الشرك بالله سبحانه وتعالى الذي لا يغفره الله عز وجل، والسحر، فالذي يتعلم السحر يتعلم الكفر، وقد أخبر الله عز وجل في كتابه عن هاروت وماروت أنهما يعلمان الناس السحر، قال تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، أي: لا تكفر بتعلم السحر، وبعمل السحر، فمن الكفر التعامل بالسحر وعمل السحر.

    قال: (وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)، فهذه من كبائر الذنوب العظيمة، أن يقتل نفساً حرم الله عز وجل قتلها إلا بالحق.

    قال: (وأكل الربا)، فأكل الربا من أكبر الذنوب والمعاصي، ومن أفحش ما يقع فيه الإنسان؛ لأنه يعلم أنه يمص دماء الناس، يعطي ديناً ويأخذ عليه مالاً فوق المال الذي أعطاه.

    قال: (وأكل مال اليتيم)، كأن يكون عمهم أو أخاهم الأكبر، فيتولى أموالهم ويأخذ منها ما ينفقه على نفسه وعلى أهله وينفقها في الحرام، فهو يضيع على اليتامى أموالهم، وهذا من أقبح ما يكون، وإن لم تنزل الشريعة بتقبيحه، فعقل الإنسان يقبح مثل ذلك.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والتولي يوم الزحف)، أي: أن يتولى الإنسان حين يلتقي الصفان، والمؤمنون يطلبون الشهادة والنصر من الله عز وجل فإذا به يهرب ويدخل في قلوب المؤمنين الوهن، ويجعل الناس يخافون من أعدائهم، لأنه بدأ بالهرب فجعل غيره يقلده في ذلك.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)، وهو أن ترمي امرأة محصنة فاضلة مستورة بجريمة الزنا، فهذا من كبائر الذنوب.

    قال: (وعقوق الوالدين)، أي: أن يعصيهما ولا يبر بهما، يأمرانه بالمعروف وهو يرفض ذلك، وينهيانه عن المنكر وهو يرفض ذلك، فهو لا يطيع الوالدين، بل يقطع ويعق، وهذا من كبائر الذنوب.

    قال: (واستحلال البيت الحرام)، أن يستحل ارتكاب الذنوب في بيت الله الحرام، ويستحل أن يقاتل المسلمين فيه، ويستحل أن يؤذي الناس في بيت الله الحرام، ويستحل ما حرم الله في المسجد الحرام، أو في بيت الله الحرام قبلتنا أحياء وأمواتاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    كذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو : (إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه)، والصحابة ما كانوا يتخيلون ذلك، بل العرب لم يكن عندهم أن واحداً يعق أباه أو أمه، مستحيل أن يوجد ذلك؛ لأن العربي بطبيعته يحب أباه ويوقره، ويوقر جده، ويعرف أهله وحق أهله، ولذلك كانوا يذهبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقولوا له على عادتهم التي كانوا يقولونها: (إني سائلك عن شيء، فيقول: سل، فيقول: أنت خير أم جدك عبد المطلب ؟).

    فعلى عادة العرب أنه ليس من الممكن أبداً أن يقول أحدهم: أنا أحسن من أبي، أو أحسن من جدي، بل كانوا يفتخرون بآبائهم وأجدادهم، لذلك فإن الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى هذه العادة التي عنده: (أنت خير أم عبد المطلب؟)، فلا يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خير من على الأرض جميعهم صلوات الله وسلامه عليه.

    الشاهد: أن العرب كانوا يوقرون الآباء، لذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه، قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، فالرجل قد يسب أبا الرجل، فيقوم الآخر بالرد عليه فيسب أباه وأمه، إذاً: هذا تسبب في لعن أبيه، فمن الفعل القبيح أن يشتم أبا الرجل، ومن الفحش أن يشتم أباه وأمه، وهذا مما يقع فيه الناس من فواحش الذنوب.

    أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس)، فمن أكبر الكبائر والذنوب: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والعق بمعنى: القطع، أي: يقطع والديه، قال: واليمين الغموس، فهذه كبيرة أخرى من الكبائر لم تذكر في الحديث السابق.

    إذاً: مفهوم العدد الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو للتعليم فقط، لبيان سبع من الكبائر، وليس المقصود: الحصر في السبع أو التسع فقط؛ لأن الكبائر كثيرة؛ ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه حين سئل: الكبائر سبع؟ قال: هن إلى السبعين أقرب.

    من الكبائر اليمين الغموس

    قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (واليمين الغموس)، وهي مأخوذة من الغمس، فاليمين الغموس تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله.

    واليمين الغموس أن يأخذ الإنسان الشيء أو يفعل الفعل ثم ينكر ويحلف بالله أنه ما فعل ذلك، ليقتطع مال امرئ مسلم بعير حق، أو رجل آخر يأخذ وديعة من رجل آخر، فيأخذ الوديعة ويصرفها على نفسه، ولما يأتي صاحبها ويطلب حقه ينكره ويقول: لم تعطني شيئاً، أو متى أعطيتني؟ فيقول صاحب الوديعة: والله لقد أعطيتك ويحلف عليه، فيقول الذي أخذ الوديعة: والله ما أخذت منك شيئاً، فيحلف ليستحل مال المسلم، فإذا فعل ذلك استحق أن ينزل ويحل في نار جهنم والعياذ بالله باليمين الغموس.

    واليمين الغموس لا كفارة لها؛ لأنها ذنب أعظم من أن تقول: أصوم وأنجو من العذاب، فإنها لا كفارة لها إلا أن تدركك رحمة الله سبحانه وتعالى، فتتوب وتعيد الحقوق لأصحابها، وإلا يعذبك الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة)، أي: شيء تافه لا قيمة له، أخذ من الآخر شيئاً بسيطاً من ماله ثم حلف بالله أنه لم يأخذ شيئاً واستهان بذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (إلا جعلت نكتة - نقطة سوداء- في قلبه إلى يوم القيامة).

    ومن الكبائر التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وحرمها ومنعنا منها: الرشوة، وقد ذكر القرآن عن اليهود أنهم كانوا يأكلون السحت، وأنهم كانوا يتعاملون بالرشوة، فالرشوة من الكبائر، وأكل السحت من الكبائر، والإنسان قد يقع فيما حرم الله سبحانه وتعالى فيتحمل الوعيد من الله عز وجل، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟! قال: من لا يأمن جاره بوائقه)، فهو إنسان شرير يخيف الجيران فيكون الجار خائفاً منه أن يسرقه أو يؤذيه أو يضرب عياله، فمثل هذا قد نزع النبي صلى الله عليه وسلم منه الإيمان وقال: (والله لا يؤمن)، فهذا الجار المؤذي قد استحق بهذه الخصال الشريرة أن يكون مرتكباً لكبيرة من الكبائر.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السرقة وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن) إذاً: هؤلاء وقعوا في جرائم، فهو إنسان سارق، وإنسان منتهك، وإنسان مختلس، وإنسان مغتصب وقعوا في كبائر، وليس عندهم إيمان في حال وقوعهم في هذه الكبائر.

    الربا من كبائر الذنوب

    وهناك كبائر من الذنوب نص النبي صلى الله عليه وسلم على أشياء منها، فالربا مثلاً من أفحش ما يقع فيه الإنسان من الذنوب، يقول لصاحبه: أسلفك مائة على أن تردها لي مائة وعشرة، أو تردها لي مائتين، فهذا يأكل دماء ولا يتاجر، فلابد أن تعطي إنساناً القرض على سبيل المواساة والرفق به، وتأخذ مالك بعينه، ولا يجوز لك أن تقرض الإنسان شيئاً وتقول: لو وضعت هذا في البنك لربحت كذا، ولو شغلتها لربحت كذا، فإذا أردت أن تأخذ مني قرضاً ثم ترده بزيادة ووافقت فهذا حرام لا يجوز؛ لأنك لو نظرت النظرة الأخرى لوجدت أن مالك سيضيع ويبور، لكن ضع مالك معك ولا تأخذ رباً على ذلك، فإذا أخذت الربا فإن الله سبحانه يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] أي: يقومون من قبورهم يوم القيامة مثل المصروعين، والسكارى، يترنحون شمالاً ويميناً بسبب أكلهم أموال الناس بالباطل، وشربهم من دماء الناس بالباطل.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل ذكره سمرة بن جندب : (رأيت الليلة رجلين -وذكر في الحديث- قال: فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع حيث كان قال: فقلت: من هذا؟ فقال: آكل الربا).

    هذا عذابه في البرزخ إذا كان في قبره، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافاً من الناس يعذبون في قبورهم، من هؤلاء الذين يعذبون آكل الربا؛ لأنه كان يسلف ويقول: أعطيك المائة وتردها لي مائة وعشرة، سأعطيك الألف ورتده لي ألفاً وكذا، هذا الذي يأكل دماء الناس في قبره يكون في نهر من دماء الناس يسبح فيه، فالإنسان إذا جرح ونزف الدم ثم وقف يذهب ليغسل يديه من أثر الدم، فكيف بمن يسبح فيه كله، كما كان في الدنيا طعامه وشرابه من ذلك، كذلك هو في قبره يغوص في هذا الدم ويسبح فيه.

    وفي الدنيا الإنسان إذا أراد العوم في ماء البحر لا يعرف أن يعوم؛ لأن الماء كثير، فيصعب عليه السباحة، فكيف به إذا كان يسبح في نهر من دم، ومع ذلك يسبح ويريد أن يهرب من هذا النهر، فإذا وصل إلى الشاطئ فتح فمه ليتنفس، وإذا بالذي يقف على شاطئ النهر معه حجر يرمي به في فم هذا الإنسان، فيرجع مرة أخرى إلى النهر ليسبح، وهكذا إلى أن تقوم الساعة وهو على هذه الحال.

    وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة: من يحل للناس الحرام ويغير اسمها بأسماء أخر، فمنهم من يستحلون الخمر ويتناولونها ويشربونها، ويسمونها بغير اسمها، فتراهم يشربون الخمر ويقولون: هذا ليس خمراً، هذا اسمه حشيش، أو هذه بودرة، فيغيرون اسم الخمر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والخمر ما خامر العقل)، أي شيء تشربه ويذهب عقلك فهو الخمر بعينه، سواء كان جامداً أو يابساً أو طرياً، فكل ما تشربه ويذهب عقلك أو يخالط عقلك فهو من الخمر، ولكنهم يسمونها بغير اسمها ويستبيحونها ويحللونها، وكذلك الربا يسمونه: فوائد البنوك، ومن ثم يقولون: هو مال حلال ليس فيه شيء من الحرام، ويقولون لك: خذ بقول المبيح، وهذه قاعدة عجيبة جداً ما سمعناها أبداً، وما قالها أبداً أحد من أهل العلم، وهو قولهم: المسائل إذا اختلف فيها فخذ بقول المبيح، والقاعدة هي: خذ بقول من تثق فيه، ليس بقول المبيح، وإلا لأصبح كل واحد يبيح شيئاً فيأخذ الناس منه ما أباح فيبيحون الخمر والربا والسرقة، فيصبح الدين كله خذ بقول المبيح ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه قاعدة ما سمعناها أبداً، وما قالها أحد أبداً، لا من فقهاء الإسلام ولا من الأصوليين ولا من غيرهم من علماء الدين، بل هذه قاعدة شيطانية يجعلها بعض الناس ليستبيحوا ويستحلوا ما حرم الله سبحانه وتعالى.

    إنما على الإنسان إذا استفتى أن ينظر من الذي يفتيه، وينظر إلى دينه وإلى علمه، قال معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه: (احذروا من زيغة الحكيم، قالوا: وكيف نعرفها؟ قال: إن الشيطان يأتي للحكيم فيجعله يغيب ويبعد عن الصواب)، فالناس لا يسكتون جميعاً، بل لابد أن يجعل الله عز وجل في أمة النبي صلى الله عليه وسلم من ينكر المنكر على صاحبه.

    إن ابن عباس رضي الله عنهما من علماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمع حديثاً ولم يعرف باقيه فحدث بالذي سمعه فقال: (لا ربا إلا في النسيئة)، وهو عالم عظيم رضي الله عنه، ولكن فلتة عظيمة وقع فيها رضي الله تبارك وتعالى عنه، فإذا بالناس يقفون له ويقولون: ما هذا الذي تقول؟ الربا في النسيئة وفي غير النسيئة، فقد نهى الله عن الربا، قال: والله ما قلت إلا ما سمعت من فلان، إذاً: هو سمع شيئاً فحدث، ولم يسمع الباقي فأخطأ رضي الله تبارك وتعالى عنه.

    فلذلك العلماء يقولون: معنى الحديث: أن الربا الذي كان موجوداً عندهم هو ربا النسيئة، فإذا كان ربا النسيئة حراماً وأنت تستفيد منه، فكيف يكون ربا الفضل حلالاً؟ والفرق بين الاثنين: أن ربا النسيئة أن تستقرض الألف وبعد شهر تردها ألفاً ونصف الألف، وهو حرام لا يجوز، أما ربا الفضل فكأن يقول لك: خذ ألفاً وأعطني ألفاً ونصف الألف، فقوله: (لا ربا إلا في النسيئة)، أي: الغالب ذلك، فإذا كانت النسيئة حراماً فربا الفضل أشد حرمة منه، ولكن ابن عباس حدث بذلك فأخطأ رضي الله عنه فوقف، فهو صحابي وعالم كبير.

    وحدث ابن عباس بنكاح المتعة بأنه يجوز، فقام له الصحابي علي بن أبي طالب وقال له: إنك إنسان تائه، وهذا اعتراض من علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ابن عباس، قال: إنك إنسان تائه، ثم قال: (لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية وحرم المتعة).

    فالحكيم قد يقع في الخطأ، ولكن لن تتركه الأمة على خطئه، بل يقومونه إذا أخطأ، فلذلك حذرنا معاذ من زيغة الحكيم، ولم يحذر من زيغة بقية الناس؛ لأن الإنسان الذي يقوم أمام الناس وهو قدوة لهم أو يظنون فيه أنه كذلك قد يقتدون به في خطئه، والعصمة في كتاب الله وسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقد حرم الله الربا، وكل العلماء إلى سنين قليلة ماضية متفقون على أن فوائد البنوك حرام، ولكن الوضع تغير الآن، فقد جعلوا هذه الفوائد حلالاً بعدما كانت حراماً، وهي بنوك لم تتغير معاملتها إلى الآن، فاحتالوا على الناس وقالوا: نجعل فرعاً إسلامياً في هذا البنك والمعاملة نفس المعاملة، والموظفون نفس الموظفين، والإنسان المؤمن حين يسمع أحاديث الربا يخاف على نفسه.

    هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بلال رضي الله تبارك وتعالى عنه بتمر جيد، وقد كان من نصيب النبي صلى الله عليه وسلم تمر رديء، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (أكل تمرنا هكذا؟)، أي: تمرنا تمرنا تمر رديء فمن أين أتيت بهذا؟ قال: إني أبيع الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوه! عين الربا، لا تفعل) أي: فأنت قد وقعت في الربا، وبلال لم يكن يعرف ذلك رضي الله تبارك وتعالى عنه، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يتخلص من التمر الرديء، فقال: (بع التمر الرديء بالمال، واشتر بالمال التمر الآخر)، إذاً: جعل له النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصرف ببيع التمر الرديء بالمال، ثم يشتري بالمال التمر الآخر، لكن لا يبع التمر بالتمر، فإن التمر جنس ربوي والتمر الآخر جنس ربوي، ولذلك قال: (أوه!)، أي: يتأوه ويتوجع لهذا الذي فعله، وقال: (هذا عين الربا).

    فالربا مصيبة، ومهما ظن المرابي أنه رابح وأنه سوف يكون له مال كثير، فإن عاقبته في النهاية إلى قلة وإلى ذلة وإلى ضياع، كما أخبرنا النبي صلوات الله وسلامه عليه فقال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً)، وفي رواية: (اثنان وسبعون حوباً -ذنباً- أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام)، والعياذ بالله! فهذا أدنى ما يكون من الربا، فكيف تقبل من نفسك أن تفعل ذلك؟ وإذا تكلمنا عن البنك نتكلم عن المعاملات أيضاً، فمن الناس من يفتح بقالة، فيأتيه شخص ويعطيه عشرة آلاف جنيه ويقول: شغل هذه النقود لي، وسأعطيك كل شهر مائتي جنيه، فكيف يشغل هذا المال من أجل أن يعطيه كل شهر مائتي جنيه؟ فإما أن يشغل هذا المال مضاربة، وإما أن يكون مستلفاً منه هذا المال، فعلى صاحب البقالة أن يرد المال كما كان من غير زيادة، أو يوضح ما الذي يصنع فيه.

    فإذا أردت أن تشغل مال شخص ما، وأخذت منه ألف جنيه، فإذا شغلتها مع مالك كله فتحسب، فتقول مثلاً: مالي عشرة آلاف، ووضعت عليها هذا الألف فصارت إحدى عشر ألفاً فأشغل الجميع، وفي النهاية تقول لصاحب الألف: لك من ربح مالك خمسون في المائة ولي خمسون في المائة من الربح، فإذا خسر المال وكان بتفريط مني فالخسارة علي جميعها، وإذا كان قضاء الله وقدره من غير تفريط مني فنتحملها جميعاً.

    هذا إذا أراد أن يضارب بأموال الناس، أما أنه سيأخذ منك عشرة آلاف ويعطيك كل شهر مائتين وهكذا، وأنت تطالب بحقك وتريد مائتين وخمسين، فتجد البعض من الناس بسماجة وغباء يقول لك: أنا لا أتعامل بالربا، فالربح مرة كذا، ومرة كذا، مرة أعطيك مائتين، ومرة أعطيك مائتين وعشرة، فكونك حددت ربحاً على رأس المال فهذا هو الربا.

    والمعاملة بالمضاربة أن يأخذ نسبة من الربح، فإذا كان الربح ألفاً يشغل هذا الربح، فإذا كان منه نصف الربح يكون لطرف واحد ربع الربح، وهذا الذي يأخذه ليس من رأس المال، بل من الربح الذي يحصل، فإن لم يكن في ذلك ربح فليس له شيء طالما عمل الطرف الثاني الذي عليه، فهذا الذي يجري في المضاربة الشرعية التي لا يكون عليه شيء فيها، أما أخذ أموال الناس بصورة من صور الربا، فهو داخل تحت هذه الأحاديث التي قالها النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة)، انظر إلى المرابي يقول لك: سآتي بنقود كثيرة، سأعطي عشرة وآخذ عشرين، وأعطي عشرين وآخذ ألفاً، ويحلم أحلاماً كاذبة، ولكن الله يخسف به الأرض في النهاية، فيصير إلى قلة وإلى افتقار، فكم من أناس أخذوا بفتوى من أفتى بالتعامل مع البنوك، ويدخل التاجر في ذلك وفي النهاية يقول: البنك دمر بيتي، فتكون الفوائد عليه متراكمة سنة بعد سنة، فيسدد الأصل والفوائد لا يستطيع أن يتخلص منها، فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في دينكم، واحذروا من الكبائر حتى تنجوا يوم القيامة.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755968743