قضية الاستنساخ قنبلة علمية أذهلت العالم كله، فزعزعت عقيدة مرضى القلوب، وضعاف النفوس، وكان لابد من إجلاء حقيقة هذه القضية، وذلك ببيان ثلاثة عناصر:
الأول: أن العلم يدعو للإيمان، وأن نور الوحي لا يطمس نور العقل.
الثاني: هل علماء الجيولوجية خلقوا نعجة؟
الثالث: أن ما تراه من عجيب الصنعة هو من خلق الله، فهو الذي أوجد من العدم، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا وإياكم في هذا الصباح الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا مع حضراتكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! قنبلة علمية أذهلت العالم كله في الأيام الماضية!! بل وأصابت العالم كله بالدوار، وانطلق العلمانيون للصيد في الماء العكر، وخرجوا علينا بكلمات خبيثة عبرت تعبيراً صادقاً عما يدور في صدورهم، وخلجات نفوسهم.
أيها الأحبة الكرام! هذه القنبلة العلمية التي أصابت العالم بالدوار، وأصابت العلمانيين بالشجون، وانطلقوا من خلالها ليدمروا بقية باقية من عقيدة باهتة مشوشة في قلوب مريضة لا يخلو منها زمان ولا مكان، هذه القضية هي: قضية الاستنساخ.
إن القضية تمس العقيدة بطريق مباشر، وتمس قدرة الله وجلال الله وعظمة الله في نفوس المؤمنين؛ لذا رأيت من واجبي في هذا الجمع المهيب، وفي هذا اليوم الحبيب: أن أجلي الحق في هذه القضية الخطيرة، وفي هذه المسألة التي هزت القلوب المريضة والنفوس الضعيفة؛ لأنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا ينبغي أن يكون العلماء والدعاة بموضوعاتهم في واد من الأودية، وأن يكون العالم بصفة عامة، وأن تكون الأمة بصفة خاصة في واد آخر، ومن هذا المنطلق كان لقاؤنا في الجمعة الماضية بحول الله وتوفيقه عن الطريق إلى القدس، أسأل الله أن يحرره من دنس اليهود، وأن يرده إلى الأمة رداً جميلاً، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
وإن لقاءنا مع حضراتكم عن قضية الساعة التي زلزلت العقيدة في قلوب مريضة، ونفوس خبيثة ألا وهي قضية (الاستنساخ).
أيها الأحبة! واجب عليكم جميعاً ألا ينصرف من بين يدي أحد إلا إذا أنهيت هذا الموضوع الخطير؛ فإنه يجب عليك أن تقف اليوم على أبعاده، هذا لزام على كل مسلم في هذه اللحظة، فإن لم تصبّر نفسك ساعة لله؛ لتتعرف على قضية خلخلت العقيدة في قلوب عباد الله، فمتى ستبذل وقتك لدين الله جل وعلا؟!
وسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية:
أولاً: العلم يدعو إلى الإيمان.
ثانياً: هل خلقوا نعجة بالفعل؟!
ثالثاً: هذا خلق الله.
وأخيراً: يا أيها الإنسان ما غرك!!
فأعيروني القلوب والأسماع جيداً والله أسأل أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال.
اصطاد العلمانيون في الماء العكر، وخرجوا علينا بكلمات خبيثة، خرج علينا من يقول: انتهت أسطورة الأمومة!!!
وخرج علينا من يقول: لم تعد هناك حاجة لدور ملُحٍّ للرجل!!!
وخرج علينا من يقول: لقد آن الأوان للعذراء التي لم تتزوج أن تختار طفلاً بالصفات الوراثية التي تشاء! دون الزواج بأي رجل على وجه الأرض!!!
وخرج علينا من العلمانيين من يقول: لقد أحدثت النعجة (دوللي) انقلاباً في كل الموازين والمقاييس!!! اسمع! انقلاباً في كل المقاييس والموازين البيولوجية والأخلاقية والدينية، منذ أن خرجت إلى النور في يوليو الماضي، فجعلت الإنسان في حَيْص بَيْص، هكذا يقول: فجعلت الإنسان في حيص بيص؛ وذلك لسبب واحد وهو: أنها ولدت بدون أب!! ونسي العالم المجنون المخدوع أن الله خلق عيسى بدون أب! وخلق آدم بدون أم وأب! وصار العالم والعلمانيون يطبلون ويزمرون: انتهى عالم الشرع والدين، وليس هناك مجال للخطباء الذين يصرخون على المنابر أن يتكلموا بعد اليوم، لماذا؟! لقد خلق العلماء نعجة!! كذب وخداع، فما الذي حدث؟
ركزوا معي جيداً لتقفوا على حقيقة ما حدث، وليمتلئ قلبك الآن بعظمة الملك، وجلال الملك، وقدرة الملك جل جلاله.
كل ما حدث أنهم أخذوا خلية -وركز معي جيداً، فلن أسمح لك أن تنصرف إلا بعد أن تسمع الموضوع بكاملة وإلا فوالله لا عذر لك إن اختل الإيمان في قلبك من كلام العلمانيين -وهذه الخلية الحية أخذوها من ثدي نعجة- ومنطقة الثدي تسمى: ((active area)) أي: منطقة نشطة، وهذه الخلية الحيوانية تحتوى على اثنين وخمسين كروموسوماً، والكروموسوم: هو الذي يحمل الصفات الوراثية كلها، وهذه الخلية لا يمكن على الإطلاق أن تتكون إلا إذا التقى الحيوان المنوي بالبويضة، فإذا خصبت البويضة بالحيوان المنوي وتجمعت الكروموسومات من الحيوان المنوي ومن البويضة تكونت الخلية، والحيوان المنوي يحتوي على ستة وعشرين كروموسوماً في الشواذ، والنواة في البويضة تحتوي على ستة وعشرين كروموسوماً، فإذا ما اجتمع هذا العدد في الحيوان المنوي مع هذا العدد في نواة البويضة وخصبت البويضة، تكونت الخلية التي تحتوي على (52) كروموسوماً، هذا في الحيوان.
أما الخلية في الإنسان: فإنها تتكون من ستة وأربعين كروموسوماً، (23) كروموسوماً في الحيوان المنوي للرجل، و(23) كروموسوماً في بويضة المرأة، فإذا لقح الحيوان المنوي البويضة تجمعت كل هذه الأعداد من الكروموسومات التي تحمل كل الصفات الوراثية في الحيوان أو في الإنسان، ماذا صنع هذا الفريق العلمي في أسكتلندا؟
أخذوا خلية من نعجة تتكون من (52) كروموسوماً، ثم في المرحلة الثانية: أخذوا بويضة من نعجة ثانية، وهذه البويضة لم تخصب بحيوان منويّ أي أنها: تحتوي على (26) كروموسوماً فقط، واستطاعوا بإبرة دقيقة تصنع بالكمبيوتر أن يأخذوا حمض الـ: (DNA) الذي يحمل كروموسومات هذه البويضة، فأصبحت البويضة بسائلها فقط دون حمض الـ: (DNA) أي: بدون الكروموسومات، ووضعوا الخلية الأولى التي جاءوا بها من النعجة الأولى إلى جوار البويضة التي حصلوا عليها من النعجة الثانية، وعن طريق الحث الكهربائي اندمجت الخلية في هذه البويضة، وبعد ستة أيام نقلوا البويضة التي وضعوا بداخلها الخلية -التي تحتوي على جميع الصفات- إلى النعجة الثالثة، وبدأ الحمل يسير في رحم النعجة الثالثة حتى وضعت النعجة نعجة تشابه النعجة الأم، أي: التي أخذوا منها الخلية الأولى.
هذا هو كل ما حدث في الاستنساخ.
الرد على من يظن أن البشر خلقوا نعجة
ثالثاً: هذا خلق الله.
أيها الإنسان المغرور! يا من أنفقت المليارات! وتحديت رب الأرض والسماوات، انظر لخلق الله، يلتقي الرجل بالمرأة ويستمتع ويتلذذ كل منهما، ويلقي الرجل نطفته، وهذه النطفة تحتوي على مئات الملايين من الحيوانات المنوية، تنطلق هي بدورها لتبحث عن البويضة، وتخرج البويضة كأنها عروس في كامل زينتها عليها تاج مشع، نعم عليها تاج مشع! وهذا مفهوم علمي وليس مفهوماً أدبياً، عليها تاج مشع لعلها تجذب إليها حيواناً منوياً واحداً، فتهلك كل هذه الملايين من الحيوانات، ولم تكتشف هذه القضية العلمية إلا في القرن العشرين، في الوقت الذي أخبر عنها المصطفى منذ مئات السنين، اسمع لحبيبك محمد -والحديث في صحيح
مسلم - قال صلى الله عليه وسلم: (
ما من كل الماء يكون الولد) بل تهلك كل الحيوانات، ويبقى حيوان منوي واحد: (
ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء)، فيصل هذا الحيوان المنوي الواحد إلى جدار البويضة، فتخرج له سائلاً لزجاً لعله يتعلق بجدارها! ويفرز هو الآخر سائلاً لعله أن يذيب هذا الشعاع الملتف حول البويضة، ثم يخترق الحيوان المنوي جدار البويضة، فإذا ما أخصبت البويضة بأمر الملك تكون ما يسمى بالنطفة الأمشاج، قال تعالى:
إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]، تتكون هذه النطفة الأمشاج، ثم تبدأ الخلية في الانشطار إلى خليتين، والخليتان إلى أربع، وهكذا حتى تتكون في صورة تشبه الدودة، فتتعلق هذه الدودة بجدار الرحم، فتتحول إلى المرحلة التالية ألا وهي مرحلة العلقة، وسميت بالعلقة لتعلقها بجدار الرحم، وتبدأ هذه العلقة بالتمايز إلى طبقتين: طبقة خارجية وظيفتها أن تأكل الرحم؛ لتحصل على الدماء لتغذي الجنين، أما الطبقة الداخلية في العلقة فوظيفتها: تخليق الجنين وإنشاؤه في الرحم.
وبعد مرحلة العلقة تتحول هذه العلقة إلى مضغة، وسميت مضغة؛ لأن العلماء اكتشفوا على ظهرها أشباه أثر أسنان وكأنها قد مضغت، وهذه المضغة بعد مرحلة تكون عظاماً، ثم يكسوا الله جل وعلا العظام باللحم، ثم ينشئ الله الإنسان خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، قال جل وعلا:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ *
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:12-14].
أيها المسلمون! أئله مع الله؟! هذا خلق الله جل وعلا، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد قفت على كلمة لعالم فرنسي شهير كبير تابع نمو الجنين في رحم الأم: نطفة ثم علقة ثم مضغة، وفجأة -في الوقت الذي شاء الله أن يرسل الملك فينفخ فيه الروح- تحرك هذا الجنين لما نفخت فيه الروح، فصرخ العالم الذي كان يتابع النمو ساعة بساعة وقال: (هنا الله)! توقف كل العلم البشري، من أين جاءت الحياة إلى هذا الجنين؟! لماذا تحرك؟! ما الذي حدث؟! إنها الروح:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وفي الصحيحين من حديث
أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
وَكَّلَ الله بالرحم ملكاً فيقول الملك: أي رب! نطفة. أي رب! علقة، أي رب! مضغة. أي رب! أذكر أم أنثى؟ أي رب! ما رزقه؟ ما أجله؟ أي رب! أشقي أم سعيد؟ فيكتب الملك ما شاء الله) وفي رواية: (
فيقضي ربك ما شاء).
أئله مع الله؟! العلم الحديث يقول: إنه يعلم الآن الجنين أهو ذكر أم أنثى! وأنا أقول لهم: نعم، لا ننكر عليكم أن تعلموا أن الجنين في بطن أمه ذكر أم أنثى، ولكن متى علمتم ذلك؟ لقد علمتم ذلك في مرحلة معينة من مراحل النمو، ولكننا نقول: إن الله جل وعلا قد علم أن فلاناً من الناس سيلتقي بفلانة، ويتزوج بها في الليلة الفلانية، ويقدر الله بينهما الإنجاب، ويعلم الله هل سيكون المولود ذكراً أم أنثى، ويعلم الله أيكون هذا المولود شقياً أم سعيداً، ويعلم الله أجله، ويعلم الله رزقه، ويعلم الله بأيِّ أرض يموت.
اسألوا أهل العلم وقولوا لهم: أأنتم أعلم أم الله؟!
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعُوفي بعدمـا عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح مات لا من علة من يا صحيح بالمنايا دهاك
بل وسل البصير كان يحذر حفرةً فهوىَ بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطى وسط الزحـام بلا اصطدام من يقود خطـاك
وسل الجنين يعيش معـزولاً بـلا راع ومرعى ما الذي يرعاك
وسل الوليد بكى وأجهـش بالبكـا ء لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمـه فسله من ذا بالسموم حشاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبـان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطـرت شهداً وقل للشهد من حلاك
بل سائل اللبن المصفى من بين فر ث ودم من ذا الذي صفاك
وإذا رأيت الحي يخرج من ثنا يا ميت فاسأله من أحياك
وإذا رأيت النبت في الصحراء ير بو وحده فاسأله من أرباك
وإذا رأيت النخل مشقوق النـوى فاسأله من يا نخل شق نواك
وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسأله من أسراك
وإذا رأيت النار شب لهيبهـا فاسأل لهيب النار من أوراك
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمـم السحاب فسله من أرساك
لله في الآفاق آيات لعـ ل أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسـرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
أئله مع الله؟!
سل الواحة الخضراء والماء جاريا وهذه الصحاري والجبال الرواسيا
سل الروض مزداناً سل الزهر والنـدى سل الليل والإصباح والطير شاديا
سل هذه الأنسام والأرض والسما سل كل شيء تسمع التوحيد لله ساريا
ولو جن هذا الليل وامتد سرمدا فمن غير ربى يرجع الصبح ثانيا
أئله مع الله؟!
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
ابحث وقل من ذا الذي يخرج مها الثمرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
-
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم