إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [5]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة: حديث: (المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم)، وحديث: (المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم وسحورهم)، وحديث: (خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين، صلاتهم وصيامهم)، وحديث: (ليس على النساء أذان ولا إقامة)، وحديث: (يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، ما يقضي الطاعم من أكله، والمتوضئ من طهوره)

    1.   

    حديث: (المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم)

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    أول أحاديث هذا اليوم هو حديث الحسن عليه رضوان الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم )، وهذا الحديث رواه البيهقي من طريق الشافعي عن عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن البصري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا الحديث معلول بالإرسال، وكذلك الاضطراب في إسناده، فقد وقع فيه اختلاف، فـالشافعي رحمه الله وعنه البيهقي يرويه من حديث عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وتابع عبد الوهاب عليه محمد بن أبي عدي، كما رواه البيهقي من حديث علي بن المديني عن محمد بن أبي عدي، عن يونس عن الحسن مرسلاً، وهو الصواب، ولكنه جاء موصولاً من وجهٍ آخر، ولكن من حديث أبي هريرة، فقد رواه الدارقطني من حديث عبد الله بن محمد بن المغيرة، عن سفيان الثوري، عن يونس، عن الحسن عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعله من مسند أبي هريرة وهو وهم وخطأ، والصواب أنه من حديث الحسن مرسلاً، صوب ذلك الدارقطني و البيهقي وغيرهم، وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله كما رواه البيهقي من حديث يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله وهو وهم وغلط، والحديث إنما هو من مراسيل الحسن، و الحسن البصري مراسيله، وسائر مراسيل البصريين والكوفيين من أوهى المراسيل، وذلك لبعدهم عن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً لقلة حديث الكوفيين والبصريين الذي يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بينهم إلا واحد، ولهذا فإن مراسيل الحسن من أوهى المراسيل، وأما كلام العلماء رحمهم الله في بعض المراسيل إنها مراسيل صحيحة، فمرادهم بذلك أنها أصح من جنسها من تلك الطبقة، فقد يقال مثلاً في بعض العراقيين مراسيلهم صحيحة، ويريدون بذلك هي صحيحة بالنسبة لأهل بلده وإلا فكلها ضعيفة، والحكم في هذا هو العمل، فإذا نظرنا إلى عمل الأئمة نجد أنهم لا يحتجون بالمرسل على الإطلاق، إلا إذا احتفت به قرينة، وهذه القرينة كأن تكون مثلاً أصل من الأصول التي يحتج بها، كالقياس أو الإجماع، أو نحو ذلك، فإنها تقبل، كذلك أيضاً من وجوه رد مراسيل الحسن البصري أن الحسن البصري يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة بعض الصحابة وبينه وبينهم ضعفاء، ويقع في بعض مروياته الوهم، ولكنه وإن كان من المدلسين إلا أنه لا يدلس بالرواية عن التابعين، فهو يذكر التابعي إذا حدثه، ولكنه يروي عن صحابي ما لم يسمعه منه، وهذا معروف عنه، ولهذا لا يقال بإعلال المرويات التي يرويها الحسن البصري عن التابعي، لا تعل بالتدليس، وذلك أن الحسن البصري إنما يروي بالتدليس عن أناس لم يدركهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم مراراً أنه ينبغي لطالب العلم إذا وجد راوياً قد وصف بالتدليس ألا يطلق الرد لحديثه، لعموم القول: إن هذا الراوي مدلس، ولا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالسماع، نقول: إن تدليس الرواة يتباين، فقد نهدر رواية راوي ولا يدلس إلا عن شخص بعينه، ولهذا ينبغي أن نجمع كلام العلماء في مروياتهم، وكذلك نُقول العلماء في كلامهم على المدلسين في معرفة نوع التدليس الذي يقعون فيه، وتدليس الراوي يعرف بكلام العلماء عنه، ويعرف من طريق أخرى أيضاً بجمع الطرق، إذا جمعت الطرق فإنه يروي الحديث من وجه ثم يرويه من وجهٍ أخرى ويذكر الواسطة التي بينه وبين من حدثه، وهذا من وجوه التدليس، ويعرف كثرة وقلة، كذلك أيضاً من نصوص العلماء، وبتخريج تلك الأحاديث، وهذا الحديث في قول الحسن: (المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم)، هذا الحديث هناك عادة للعراقيين فيما يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة المعنى، أنه ينسب إليه فقهاً وربما نسبوه إليه قولاً، وهذا نوع من الترخص، ولهذا يكثر الكذب في العراق، بعضهم على سبيل التجوز لا على سبيل التزندق والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا علم بالسبر أن هذا الأمر يعلم من حال النبي عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن المؤذن إذا أذن يأتمنه الناس على تلك الصلاة، أنهم يؤدونها، النساء في البيوت والرجال يقدمون عليها، كذلك في الإفطار، فإذا كان هذا قد استقر فإنهم يتساهلون بنسبة هذا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً، بل بعض الضعفاء ربما ينسبه قولاً، ولهذا قد يقال: إن الحسن البصري إنما سمعه من بعض الفقهاء من البصريين، ولهذا يوجد في بعض ألفاظ الحديث الذي يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفردون به من ركاكة اللفظ ما لا يوجد عند الحجازيين، فهؤلاء يروون بعض الألفاظ التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، وينسبونها إليه، ويظهر من ركاكة اللفظ أنها عبارات فقهية، أو متكلفة بنسبة حالٍ وجعله قولاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إنما نورده هنا في مسألة المؤذنون أمناء، وإن كان هذا الأصل مفهوم في الشريعة، إلا أن القطع به باعتبار أن الإنسان إذا سمع الأذان أنه يتحمل المؤذن على الإطلاق، لكن نقول: ينبغي له أن يتحرى، وأن يعرف أحوال المؤذنين، وهذا يقيده ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إن بلالاً يؤذن بليل )، يعني أنه ينبغي للإنسان أن يفرق بين الأذانات، وألا يقطع بالاتكال على المؤذن في صلاته على الإطلاق، وإنما إذا عرف من حاله الثقة وسبرها اعتمد عليه.

    1.   

    حديث: (المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم وسحورهم)

    الحديث الثاني: حديث أبي محذورة أنه قال: ( لمؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم وسحورهم )، وجاء في لفظ: ( أو حاجتهم )، وهذا الحديث رواه الطبراني في كتابه المعجم من حديث يحيى الحماني عن إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه عن جده أبي محذورة عليه رضوان الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا الحديث منكر أيضاً، فإنه من مفاريد يحيى الحماني وقد ضعفه الأئمة، ضعفه الإمام أحمد و أبو حاتم و البخاري وغيرهم، وقد اتهم ونسب إلى الكذب أيضاً، وقد نسبه إلى ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وهذا الحديث من مفاريده عن إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، و أبو محذورة هو صحابي جليل مشتهر بالأذان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه المعاني تقصد منه، وتؤخذ عنه، لاختصاصه ولاشتهاره بذلك، وأيضاً تؤخذ الرواية عن أبنائه بهذا، وإنما تفرد بها يحيى الحماني وذلك موجب للرد، وذلك أن مثل هذا ينبغي أن يشتهر ويرويه الكبار، فإذا روى مثل هذا الحديث غير يحيى الحماني عن إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة لاحتمل القبول، ولو كان التفرد فيه متأخراً، وإنما قلنا بجواز التفرد لو رواه غير يحيى الحماني؛ لأنه من رواية الأبناء عن الآباء، ورواية الأبناء عن الآباء يحتمل فيها التفرد ولو كان في طبقة متأخرة، لماذا؟ لشدة الاختصاص، فإذا لم يتفرد الابن عن أبيه فمن يتفرد؟ خاصة فيمن كان من اختصاص الأب، كحال أبي محذورة فإنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال الأذان، وألفاظه، وكان أيضاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: إن تفرد أبنائه عنه مما يقبل، ولكن تفرد يحيى الحماني عن أبنائه في ذلك مردود، بل لو تفرد يحيى الحماني وقدر أنه في مثل هذه الحالة في طبقة ابن أبي محذورة لم يمكن القبول أيضاً، وذلك أن أبا محذورة إذا حدث غير أبنائه يعني أن هذا الحديث الذي حدث به ليس له مزية اختصاص بالرواية، فإذا خرج عن دائرة الدار والأبناء وجب أن يأخذه الثقات، وأما إذا كان في الدار فإنه يأخذه الأبناء وهم أولى الناس به، ولهذا فإن مثل هذا الحديث قد يقال: إن التفرد فيه في الطبقة الأولى أو المتأخرة لا فرق في ذلك، إلا إننا اغتفرنا التفرد في الطبقة الأولى وذلك لرواية الأبناء عن الآباء، فكان هذا محتملاً في الطبقات الأولى، مردوداً في الطبقة المتأخرة، لضعف الراوي بل شدة ضعفه، وكذلك أيضاً تأخر الطبقة، كلما تأخر يعني أنه دار في الأفواه والآذان، وإلا كيف نقل؟ يعني: تعددت المجالس، كلما تأخر عقداً دل على أنه دار في المجالس، وإذا دار في المجالس أين العقول والقلوب التي سمعته لم يرويه إلا ذاك، وإذا تأخر قل دورانه، وإذا تقدم قل دورانه، يعني أخذه الإنسان مباشرة، فلا نعلم هل رواه في مجلس واحد أم لا؟ ولهذا نقول: إن تفرد الراوي ينبغي أن يضبط، تفرد الراوي في طبقةٍ متقدمة عن راوي مشتهر يساوي تفرد الراوي المتأخر عن راوي مقل.

    تفرد الراوي المتقدم عن راوي مشتهر بالتحديث، تفرد واحد عنه، وهو متقدم، لا نغتفر هذا ولو كان متقدماً، يساوي رد رواية الراوي المتأخر ولو كان عن راوي مقل، إذا كان الراوي مقل بالرواية يحدث عن راوي مقل بالرواية، قلة الرواية تعني أنه لا يعقد المجالس، ولا يحدث أحداً، وإنما يحدث قلة، هذا يعني أن دائرة التحديث لديه ضيقة، نحن نعل في التأخر لأن المجالس كثيرة، وطول الزمن امتد للرواية، فلماذا لم ينقل؟ ولكن إذا كان الراوي لا يحدث أحداً، فهذا عرف أنه ليس له مجالس، وليس له دروس، وليس له طلاب، ونحو ذلك، ويروي واحد عن واحد، وكل هذه الطبقات مقلة، هذا هل يقبل أم لا؟ في مثل التفرد هذا إذا كان في طبقة متأخرة يقبل من وجه ويرد من وجه آخر، ذكرنا الراوي إذا كان مكثر بالرواية في الطبقة المتقدمة، يعني تعدد المجالس، فالرجل اختصر لنا الزمن يعني أنه كان في الزمن الأول في الطبقة الأولى لديه مائة مجلس جلس مع الناس، فمائة مجلس هذا قد يقال إنه مكثر في الطبقة الأولى، فإذاً نقول: إن الحديث الذي حدث به ربما كرره في ثلاثين، أو في عشرين، هذه تساوي الزمن المتأخر مائة مجلس لثلاث رواة في كل طبقة مقلة: طبقة عشرين مجلس، طبقة خمسة وعشرين، طبقة ثلاثين، إذاً حدث عند المتأخر مائة مجلس وعند المتقدم مائة، ساوتها كثرة، إذاً نقول: التفرد عن المكثر المتقدم علة؛ لأنه كلما كثرت مجالسه دل على أنه أخرج الذي لديه من حديث، إذاً: ماذا يقول في المجالس؟ هو يقول هذا الحديث وأمثاله، خاصة إذا كان المعنى جليل، المتأخر كلما كثر الرجال ولو كانوا مقلين تعددت المجالس، يعني كل طبقة نقول: جلس هذا عشر حلق، وذا عشر حلق، وذا عشر حلق، إذاً: وجدنا أن عدد الأشخاص عند المكثر في الطبقة الأولى يساوون عدد الأشخاص الموزعين في الطبقات كلها، لهذا نقول: ننظر إلى ذات الراوي من جهة كثرة تلامذته وكثرة حديثه، وننظر أيضاً إلى تعدد الرواة، ويشتد النكارة هذه إذا كان الراوي في الطبقة الأولى مكثر، ويروي عنه شخص مكثر، ويروي عنه شخص، انظروا كيف التركيز بكثرة المجالس، ووجد كثرة التحديث وكثرة الرواة، ثم يأتي تلميذ من التلاميذ في طبقة رابعة ثم ينفرد عنه، أليس هذا شديد النكارة؟ شديد النكارة، لهذا الذي يأخذ أمثال هذه التفردات ويقول: راوي ثقة يحدث عن ثقة، يحدث عن ثقة، يحدث عن ثقة، فنرده لأن الدين جاء ليحفظ ويعمل به، ولما جلس هؤلاء ليأخذوا الحديث، لماذا لا يأخذه إلا واحد في طبقات في كل طبقة مائة مجلس، ولكن أحياناً تتأخر الطبقة وينفرد شخص في إسناد ثلاثي أو رباعي، في حديث من الأحاديث، نقبله؛ لأننا تتبعنا هؤلاء الرواة في كل طبقة وجدنا أنهم من المقلين، كلهم، شخص ليس له إلا ثلاثة تلاميذ، وواحد أربعة، وواحد اثنين، ونحو ذلك، وهذا الرجل الذي تفرد محتمل، هذا يساوي رجل لم يجلس إلا عشرة مجالس هو في الطبقة الأولى، تفرد عنه، لهذا في حال التفرد ينبغي أن ننظر إلى عدد الإسناد، عدد رجال الإسناد، يعني الإسناد هذا قرينة على كثرة التحديث ودوران الحديث، وإلا كيف وصل إلى هذه السلسلة؟ لا بد أنه صادف مجلساً من المجالس؛ لأن العلم ليس سراً، وأين الحملة، فكلما كثر رواة الإسناد دل هذا على دوران الحديث، وإذا كثرت روايات الراوي وكثر تلاميذه دل على كثرة حديثه؛ لأن السلف الصالح من الرواة وأصحاب الدراية لا يجتمعون عند شخص فيروي عنه تلامذته ألف إلا والرجل قد عرف بالرواية وعرف بالفقه، وعرف بالرواية والفقه قبل أن يجلس له مثل هذا العدد، وأيضاً فإن هذا العدد الذي يروون عنه لم يجتمعوا مواطأة، يعني لم يتواطئوا، وإنما هؤلاء الرواة المائتين الذين يروون عن هذا الراوي منهم من توفي وخلفه بعده من لم يراهم أصلاً، ولهذا لا بد في حال رد رواية الراوي في أبواب التفرد أن ننظر إلى طبقات الإسناد، وأن ننظر إلى كثرة الرواية، أحياناً نصحح حديث بالتفرد متأخر ويستغرب الإنسان يستنكر يقول: لماذا تعل رواية راوٍ متأخر بالغرابة، وتقبلها من وجه آخر؟ وهذه الرواية أشد تأخراً منها، وأحياناً تعل رواية راوٍ متقدم وتصحح متأخر، وهذا فيه نوع من التناقض في الظاهر، ولكن نقول: إنما أعللنا رواية المتقدم لأن ذلك المتقدم قد أكثر بالرواية، وذلك المتأخر الذي حدث كان من المقلين، ولهذا نقول: جلساؤه اثنين ثلاثة لا غرابة أن يروي عنه واحد.

    1.   

    حديث: (خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين، صلاتهم وصيامهم)

    الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين، صلاتهم وصيامهم )، هذا الحديث رواه ابن ماجه في كتابه السنن من حديث بقية بن الوليد عن مروان بن سالم، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث منكر، وإنما قلنا بنكارته لجملة من العلل:

    أولها: أن هذا الحديث تفرد به عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، و عبد العزيز بن أبي رواد لا يحتمل منه التفرد بمثل هذا عن نافع؛ لأن له أصحاب فقهاء كثر، هذا المتن متن فقهي متين يتعلق بالصلاة والصوم، ونافع له فقهاء من أصحابه ورواة كثر، وعبد العزيز بن أبي رواد من أهل الرواية، ولكنه قليل الدراية، قليل الفقه، ففي مثل هذا الحديث ينبغي أن يحمله الكبار، وتفرد عبد العزيز بن أبي رواد في هذا عن نافع عن عبد الله بن عمر منكر، أعله بهذا أبو نعيم في كتابه الحلية، قال: تفرد به ابن أبي رواد عن نافع ولا نعلمه عنه يعني عن نافع، إلا به، بهذا الإسناد.

    العلة الثانية: أن هذا الحديث تفرد به بقية بن الوليد عن مروان بن سالم، و بقية بن الوليد معروف بالتدليس، وتدليسه أيضاً من شر أنواع التدليس.

    العلة الثالثة: هو مروان بن سالم، وقد ضعفه الأئمة، لينه البخاري و أبو حاتم، والإمام أحمد، و النسائي، وغيرهم، وهو منكر الحديث، وهذا الحديث يحتاج إليه في أبواب الصلاة والصيام، فعارضه يطرأ على سبيل الدوام، ولم يرد فكان أمارة على نكارته.

    1.   

    حديث: (ليس على النساء أذان ولا إقامة)

    الحديث الرابع: حديث أسماء عليها رضوان الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على النساء أذان ولا إقامة )، هذا الحديث رواه ابن عدي في كتابه الكامل، والبيهقي في كتابه السنن، من حديث يحيى عن الحكم بن عبد الله الإيلي، عن القاسم، عن أسماء، وهذا الحديث منكر، لا يعرف فيه حديث مرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ويروى من حديث أنس بن مالك ويأتي الكلام عليه.

    وهذا الحديث منكر من جهة الإسناد والمتن، أما بالنسبة للإسناد فإنه تفرد به الحكم بن عبد الله الإيلي وهو متهم، وقد نسبه إلى الكذب غير واحد، وهو شديد الضعف، ضعفه يحيى بن معين، و أحمد، و العقيلي، وغيرهم، ثم إن هذا الحديث ينبغي أن يشتهر لتعلقه بالصلوات الخمس، ومعلوم أن داعيه قائم، وهو وجوب الصلوات الخمس على النساء كالرجال، ولو قلنا: إن الأذان يتداعى إليه الناس لصلاة الجماعة، نقول: والإقامة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة وعن أصحابه حتى للمنفرد من الرجال، بل جاء في أحكام الأذان حتى للمنفرد المسافر، ألا يتأكد هذا إيراد مسألة الأذان وحكمها للنساء، نقول: هذا من باب أولى، خاصة إن هذا الحديث ناقل عن الأصل، فالأصل في هذا أن النساء مثل الرجال، عليهن أذان وإقامة، أو عليهن إقامة، إما أن يشابهن الرجال بالأذان والإقامة، أو بالإقامة على الأقل، وهذا هو الأصل، ولكنه جاء ناقلاً عن الأصل بأنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، وهذا أشد تأكيداً، ولو جاء من جهة التأكيد في الإقامة للنساء لقلنا إنه أسهل، باعتبار أن الأصل أن المرأة كالرجل في الإقامة فيغتفر في ذلك، وأما في حال النفي فهذا نقل عن الأصل، والذي يتبادر إلى ذهن المخاطب، فمن جهة فضل الأذان والإقامة أنه داخل فيه، كذلك أيضاً في هذا الحديث إشارة بدلالة المفهوم وما تسمى عند الأصوليين بدلالة الخطاب، أن هذا الحديث فيه إشارة على وجوب الأذان والإقامة على الرجال، جماعة ومنفردين، وذلك لقوله: ( ليس على النساء أذان ولا إقامة ).

    يعني واجباً، وعلى من ألفاظ الإيجاب، وهذا ينبغي أن يرد بما هو أكثر من هذا، ومثل هذا لا يمكن أن يتفرد به الحكم بن عبد الله الإيلي، ولهذا نعلم بأن هذا الحديث منكر، وجاء من حديث أنس بن مالك وهو أشد ضعفاً، وهو واهٍ جداً، ذكره البيهقي ولكنه جاء عن أنس موقوفاً، وهو الصواب، رواه أبو بكر بن أبي شيبة و ابن المنذر في كتابه الأوسط من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس بن مالك أنه قال: ( ليس على النساء أذان ولا إقامة )، وإسناده صحيح عن أنس، وأيضاً فإن مثل هذا الحديث في قوله: ( ليس على النساء أذان ولا إقامة )، ينبغي أن يشتهر عنهم من جهة القول والفتيا لعدم الإيجاب، كذلك أيضاً فإن ظاهر العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عدم إيجاب الأذان والإقامة على النساء، هذا ظاهر العمل، وقد تقدم معنا قبل قليل: أن ما كان ظاهراً من جهة العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر الظاهر أن الضعفاء يخطئون فيه وينسبونه قولاً، نحن نقول نقر أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، لكن لا تنسبه للنبي قولاً، ونقول ظاهر العمل، الضعفاء ربما يسمعون مثل هذه الأحكام وينسبونها للنبي عليه الصلاة والسلام قولاً، وهذا تجده كثير عند العراقيين خاصة، لماذا؟ لكثرة تداول الفقه، ودلالات المفهوم، ودلالات الخطاب هي عند العراقيين كثيرة جداً، وهي من أكثر البلدان، وربما نسبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما قام في حاله عليه الصلاة والسلام وكان عليه العمل نسبوها أقوالاً، ولهذا من نظر في كتب أهل الرأي وجد هذا كثيراً عندهم، ولهذا نقول: إنه ينبغي لطالب العلم أن ينظر أن من قرائن الإعلال والرد للأحاديث في تفردات الكوفيين والعراقيين على وجه العموم أنهم يتفردون بحديث ظاهر الحال يعضده، هذا من قرائن الإعلال بالتفرد، ظاهر الحال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، والتفرد في مثل هذا إعلال، ولهذا نقول: إن مثل هذا ينبغي أن يحمله المدنيون رجالاً ونساءً.

    ويشرع الإقامة للنساء، وأما الأذان فقد قال باستحبابه بعضهم، جاء هذا عن عبد الله بن عمر، وعن غيره، فنقول: إذا أذنت المرأة في بيتها بما لا يسمع أحد من خارج المنزل، فتؤذن لأبنائها، لأهل بيتها، لخدمها، نقول: لا حرج عليها أن تؤذن، أما الإقامة فتتأكد في حق المرأة كما يتأكد في حق الرجل المنفرد، أما في حق الجماعة فالأمر مختلف، في أمر الجماعة بالنسبة للرجال هو كالحكم بالنسبة لجماعة النساء، نساء مثلاً في حملة حج يردن أن يصلين جماعة، نقول: إذا كان الرجال لا يسمعوهن وجب عليهن على الصحيح أن يقمن للصلاة بصوت يتداعين إلى الصلاة، وأما بالنسبة للأذان هل يجب عليهن أم لا؟ نقول: هذا إذا كنَّ مجتمعات أصلاً فلا يجب عليهن الأذان، وإذا لم يكن مجتمعات فإنه يجب عليهن كذلك، وهذا مقيد بعدم سماع صوتها من أحد من الرجال.

    1.   

    حديث: (يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، ما يقضي الطاعم من أكله، والمتوضئ من طهوره)

    الحديث الخامس: حديث أبي بن كعب عليه رضوان الله تعالى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـبلال: يا بلال ! اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، ما يقضي الطاعم من أكله، والمتوضئ من طهوره) هذا الحديث رواه الإمام أحمد، وكذلك رواه الترمذي من حديث مالك بن مغول، عن أبي الفضل، عن أبي الجوزاء، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خبر ضعيف، وذلك أن أبا الفضل لا تعرف حاله، وكذلك فإن هذا الحديث فيه تقدير للزمن ما بين الأذان والإقامة، هو قدر وجبة غداء أو عشاء، أو فراغ المتوضئ من وضوئه، وهذا تقدير لا ينبغي أن يرد بمثل هذا الإسناد، كذلك فإن ظاهر المتن يخالف أحاديث أخر، يخالف مثل ماذا؟ أنس، هنا حدد: ( اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً )، مثل ما يفرغ الآكل أو الطاعم من أكله، والمتوضئ من وضوئه، من يعل هذا الحديث؟

    مداخلة: أن بلالاً أصلاً لا يقيم إلا عندما يرى النبي عليه الصلاة والسلام.

    الشيخ: أحسنت، بلال يقيم إذا رأى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا يجعل أيضاً الإقامة ملك الإمام، هذا الذي عليه العمل، ولكن في هذا الحديث جعلها ملك المؤذن، ولهذا نقول: إن بلالاً لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يحتاج مثل هذا الخطاب، ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر متناً ومعلول إسناداً، وذلك لتفرد أبي الفضل وهو مجهول، عن أبي الجوزاء عن أبي بن كعب .

    فهذه الحديث فيه عدة علل:

    الأولى: الجهالة.

    الثانية: نكارة المتن.

    الثالثة: عدم سماع أبي الجوزاء من أبي بن كعب عليه رضوان الله، وعلى هذا نقول: إن الحديث ضعيف، لكنه جاء من وجه آخر من حديث عبد المنعم بن نعيم، عن يحيى بن مسلم، عن الحسن و عطاء بن أبي رباح، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر ضعيف أيضاً، رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، وذلك أنه من مفاريد عبد المنعم بن نعيم، و عبد المنعم بن نعيم متروك الحديث، قال البخاري رحمه الله: عبد المنعم بن نعيم عن يحيى لا يصح، ومنكر الحديث، وهذا الحديث أيضاً يرويه من جهة تقديره فقهاء مما يدل على اشتهاره، يرويه الحسن البصري و عطاء، عطاء ليس فقيهاً، و الحسن ليس فقيهاً، يعني: أن هذا الحكم تداوله وسمعه فقهاء، ينبغي أن يشتهر مثل هذا الضبط، والتحديث بين الأذان والإقامة، وينبغي أن يبقى العمل عليه، وهذا منكر، وقد جاء عند الدارقطني وغيره بنحو حديث جابر بن عبد الله من حديث علي بن أبي طالب وغيره وهو واهي، يقول الحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك: في هذا الحديث سنة غريبة، لا نعرفها إلا في هذا الحديث، السنن التي تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تشتهر، ولهذا ينبغي لطالب العلم حال نظره في الأسانيد ألا ينظر إلى ثقة الرواة مجردة، وإنما ينظر إلى حجم ما حملوا، إذا نظرنا إلى حال الراوي في ذاته، ونظرنا أنه صاحب ديانة وثقة، ولكنه يروي معنىً عظيماً، جليلاً، لا نقبله منه، لماذا؟ لأن هذا الدين لكل الناس، فلماذا لم تروه إلا أنت في طبقة متأخرة، ولكن أن يروي شيئاً قليلاً يحتمل منه، أن يروي معنىً يسيراً، ضربنا مثال في التفردات في المعاني العظيمة والقليلة، لو جاءك شخص اسمه أنس وأتاك فقال: أرأيت هذه الحجارة وزنها طن، أتيت بها من شرق مكة وإلا شرق المدينة، هذا يقبل؟ لا يقبل، لكن لو جاءك بحصاة صغيرة، طلعها من جيبه وقال: هذه جبتها لك من مكة، خبر يمكن يقبل، لهذا المعاني العظيمة لا نقبلها من شخص لا يمكن أن يحملها بذاته، لا بد من جماعة يحملونها، فهناك أحاديث تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخاطب بها البشرية، وينبغي أن يعمل بها الناس تعبداً، يأتينا شخص بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام مائة وخمسين سنة في حديث تعم به البلوى ويحتاجه كلهم، ثم يقول: أتيتك بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول: لا بد أن يأتي جماعة حتى يحملوا معك هذه الحجارة، هذه الجماعة من؟ ائتي بعشر رواة، خمسة عشر راو.

    1.   

    شرط الإمام أحمد في مسنده

    شرط الإمام أحمد في مسنده أنه يخرج في كتابه المسند الحديث الذي يحتج به الفقهاء واشتهر عندهم وعرف في الآفاق، قد يكون ضعيفاً، وقد يكون حسناً، وقد يكون صحيحاً، ولما كان احتجاج الفقهاء في الغالب في أشياء ممكن أن تقبل قل الموضوع فيه، المطروح في الغالب أنه لا يقول به فقيه في ذلك الزمن إلا ندرة، إما لجهل بحال الحديث ونحو ذلك، لهذا عدم الموضوع متناً في مسند الإمام أحمد، ولكن وجد الضعيف، والضعيف جداً، وهو قليل أيضاً، ولهذا نص الإمام أحمد رحمه الله حينما أعطى ابنه كتابه المسند قال: عليه مدار الناس في البلدان، يعني ما يدور في أفواه الناس في البلدان من الحديث هو موجود، أراد الإحصاء أو الجمع، كذلك أيضاً نص على هذا أبو موسى المديني، ونقله عن أحمد أبو الفرج بن الجوزي، و ابن مفلح، وغيرهم، أن هذا هو شرط الإمام أحمد رحمه الله في كتابه.

    أما حديث: ( إنما الأعمال بالنيات )، يرويه علقمة بن وقاص الليثي، وسمعه من عمر عن المنبر إذاً قاله علانية، محمد بن إبراهيم، يحيى بن سعيد، فالأمر مستقر، أعمال القلوب والنيات الأمر مستقر، لم يكن الأمر محتاجاً إليه، مسألة النية، وأن العمل بها، الأمر هذا لا يحتاج إليه حتى ينقله الناس.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756001567