إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان 1426ه
  6. شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - تعريف الصيام في اللغة والشرع وحكمه

شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - تعريف الصيام في اللغة والشرع وحكمهللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حكم الله على عباده بوجوب صوم رمضان، وبين لهم أن الصيام سبب للتقوى، وأخبرهم بأن الصوم كان مفروضاً على الذين من قبلهم من القرون الماضية، والأمم السالفة، وقد بين العلماءمعنى الصيام وحكمه وأحكامه، فعلى كل مسلم أن يتعلم أحكام الصيام ولو بالجملة؛ ليعبد الله على علم وبصيرة، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

    1.   

    تعريف الصوم في اللغة والغاية العظمى منه

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    نبدأ من هذه الليلة إن شاء الله في شرح كتاب الصيام وأعمال شهر رمضان، فإننا نحتاج إلى معرفة هذه الأحكام فنقول: لقد فرض الله سبحانه وتعالى الصيام، وجعله ركناً من أركان الإسلام، وذكر الله عز وجل في كتابه أحكاماً تفصيلية للصيام في خمس آيات من سورة البقرة، من قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، إلى قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]، فالصيام فريضة فرضها الله عز وجل علينا، وفرضها على الأمم من قبلنا، فهو تهذيب للنفوس، وشعور يجعل المؤمن يشعر بحاجة الفقير والمسكين إلى الطعام والشراب، فالصوم يهذب نفسه، ويجعله يرحم غيره من الخلق، ويقربه من الله سبحانه وتعالى، ويعينه على العبادة، فالمسلمون في هذه العبادة يصومون في شهر واحد، ويقومون في هذا الشهر في صلاة التراويح معاً، ويتعاونون على البر والتقوى، وعندما يأتي وقت زكاة الفطر يخرجون الزكاة معاً في وقت محدد من أواخر هذا الشهر قبل يوم العيد، فالمسلمون في هذا الشهر يجتمعون على أنواع من الطاعات والقربات، من صيام وصلاة وقيام وإطعام للفقراء وإخراج للزكاة، وهذا يؤلف بين قلوب الجميع من الفقراء والأغنياء، والكبراء والمتواضعين، وغير ذلك من الحكم الظاهرة من وراء هذا الصيام العظيم.

    والأصل في الصيام معناه اللغوي، وقد جاءت الشريعة بالصيام على معناه اللغوي، ثم أعطت له معنى شرعياً لا يخرج عن معناه اللغوي، فقيدته بقيود، فالصيام لغةً: الإمساك، فإن أمسك عند الطعام والشراب سمي صائماً، وإن أمسك عن الحركة أو الكلام سمي صائماً، لكن الشريعة قيدت المعنى اللغوي للصيام بالمعنى الشرعي.

    إذاً: الصوم في اللغة بمعنى: الإمساك، فكل إمساك يطلق عليه صيام، فيقال: صام إذا سكت، وصامت الخيل إذا وقفت ولم تتحرك، قال الله عز وجل لمريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيِنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26]، ما هو هذا الصوم؟ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:26]، فهو صوم عن الكلام، قال ابن عباس : معنى قوله تعالى: نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26] أي: سكوتاً وصمتاً. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : كل ممسك عن كلام أو طعام أو سير فهو صائم.

    وقال النابغة :

    خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

    فصائمة أي: لا تتحرك، وتحت العجاج أي: تحت التراب والغبار، تعلك اللجما أي: تحرك أفواهها وكأنها تنظر إلى اللجام المعقود عليها.

    وقال الخليل : الصيام: قيام بلا عمل، والصوم: الإمساك عن الطعام، وصام الفرس أي: قام على غير اعتلاف، وصام النهار أي: إذا قام قائم الظهيرة واعتدل، يعني: بأن توسطت الشمس في كبد السماء واستقامت، والصوم أيضاً: ركود الريح، يقال: صامت الريح: إذا ركدت ولم تتحرك.

    ويطلق الصيام كذلك على السياحة، والسياحة: أن يسافر الإنسان من بلد إلى بلد آخر بحثاً عن مكان يتعبد الله فيه، فيسمى الصائم سائحاً، وقد تتبع العلماء النصوص فيجدوا أن الله عز وجل إذا ذكر الصيام لم يذكر السياحة، وإذا ذكر السياحة لم يذكر الصوم، وذلك في معرض الحديث عن العبادات، قال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، فذكر الصوم ولم يذكر السياحة، وقال سبحانه: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ [التوبة:112]، فذكر السياحة ولم يذكر الصوم، وكأنه أبدل الصوم بكلمة السائحين، وقد قال أهل التفسير: السياحة هنا بمعنى: الصيام، فهو داخل في عموم المعنى اللغوي للسياحة: وهو السفر من بلد إلى آخر بحثاً عن مكان يتعبد الله فيه.

    وقال في سورة التحريم لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، فذكر السياحة ولم يذكر الصوم، وهذا دليل على أن السياحة هنا بمعنى: الصيام، يقول الزجاج : السائحون في قول أَهل التفسير واللغة جميعاً: الصائمون. وإنما قيل للصائم: سائح؛ لأن المتعبد يسيح في الأرض ولا زاد معه، فهو لا يهتم كثيراً بطعام أو شراب، فتراه لا يطعم إلا إذا وجد الزاد، وكذلك الصائم فهو لا يطعم أيضاً، فلشبهه بالسائح سمي سائحاً، هذا تعريف الصيام في اللغة.

    1.   

    تعريف الصيام في الشرع

    الصيام في الشرع: هو الإمساك عما منعه الله عز وجل منه، وكان مباحاً له في الأصل، فيمسك عن شهوتي البطن والفرج، فشهوة البطن في الطعام والشراب، وشهوة الفرج في الجماع.

    ويصح الصوم من مسلم مميز، والمميز: من كان عمره سبع سنوات أو ثماني سنوات، فهو يميز بين الصواب والخطأ، ويفهم الأشياء وإن كان ليس فهماً كاملاً.

    إذاً: الصوم: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من مسلم مميز، وإذا كان هذا الحكم في المميز فالمكلف من باب أولى.

    والفرق بين المميز والمكلف: أن المميز: هو الذي يعقل وإن لم يصل إلى درجة البلوغ، والمكلف هو البالغ العاقل، وهذا الأمر ينطبق كذلك على المرأة، فلابد أن تمسك عن شهوتي البطن والفرج إذا كانت مميزة، ونضيف لها شرطاً آخر إذا كانت بالغة مكلفة، وهو طهارتها من الحيض أو النفاس إذا كانت متزوجة، فإذا صامت المرأة المكلفة الحائض أو النفساء لم يصح منها الصوم، وكذلك المميزة إذا كانت حائضاً؛ وذلك لوجود مانع من موانع قبول هذا الصوم وهو: الحيض أو النفاس.

    إذاً: الصوم هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من مسلم مميز أو مكلف، أو مسلمة مميزة أو مكلفة، بشرط أن تكون المكلفة طاهرة من الحيض أو النفاس، ويكون هذا الإمساك من طلوع الشمس إلى غروبها بنية التعبد والتقرب لله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183].

    وقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، إلى أن قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، فلك أن تأكل طوال الليل إلى أن يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، فإذا ظهر الفجر حرم عليك الطعام والشراب إلى الليل، أي: من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وهذا الصوم بنية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    حكم صوم رمضان

    صوم رمضان فرض واجب وركن من أركان الإسلام، والأصل في وجوبه: الكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:183-185].

    إذاً: فقد فرض الله عز وجل صيام هذه الأيام في البداية، فجعل لهم شدة من وجه وتخفيفاً من وجه آخر، ثم بعد ذلك يسر الله سبحانه وفرض صوم رمضان على النحو الذي جاءت به الآية، يقول الحافظ ابن حجر في قول الله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]: (كتب) أي: فرض عليكم الصيام، والمراد بالمكتوب في قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) أي: مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله عز وجل، فقد كتب في اللوح المحفوظ أن عليكم صيام رمضان، قال: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183].

    وقد اختلفوا في التشبيه الذي تدل عليه الكاف هنا، وما المقصود به؟ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، فإذا حملنا التشبيه هنا على الحقيقة فسيكون معناه: أن الصيام كان شهراً كاملاً على الذين من قبلنا، مثلما وجب علينا صيام شهر رمضان وإن تسمى باسم آخر، وإلا فالمقصود: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] أي: كصيامهم، فقد كتب عليهم الصيام، وهذا أيضاً محتمل، وإن كان الكثيرون من أهل العلم يرجحون فرضيته على السابقين شهراً كما فرض علينا، فإذا بهم يزيدون فيه وينقصون منه، وإذا بهم يأكلون ويشربون، ويزيدون في مدة الصيام بدعوى التعويض عن الفوائت، فإذا جاءهم شهر رمضان في أيام الحر مثلاً أخروه إلى وقت معين وعوضوا ما فاتهم منه، مع زيادة عشرة أيام مقابل هذا التأخير.

    قال الله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، ثم ذكر لنا العلة فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، وكأن هذه العلة تشير إلى أنه كتب على الذين من قبلنا على سبيل الإصرار والتشديد عليهم، وقد قال جماعة من أهل العلم منهم معاذ وابن مسعود وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصيام لم يزل مشروعاً منذ عهد نوح. فالصوم عبادة لله عز وجل، وهو من ضمن العبادات التي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183].

    إذاً: فكل من كانوا قبلنا كان مكتوباً عليهم الصوم بحسب ما فرض الله عز وجل عليهم، أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184].

    1.   

    بيان أن الصوم ركن من أركان الإسلام

    قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، الأيام المعدودات هي: أيام شهر رمضان، فمن شهد هذا الشهر بأن كان حياً مكلفاً قادراً لزمه صومه، وقد دلت السنة على فرضية صيام هذا الشهر، فقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).

    فهذه أركان الإسلام: فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هي التوحيد والشهادة بالرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الركن هو أهم أركان الإسلام، أما الركن الثاني فهو أهمها بعد التوحيد، وهو إقام الصلاة، وقد أمر الله عز وجل به، أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما وجهه إلى اليمن أن يأمرهم بهذه الصلاة العظيمة بعد كلمة التوحيد، ثم يأتي بعد ذلك: إيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان.

    وفي الصحيحين عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما: (أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله! أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، إلا أن تطوع شيئاً، فقال الرجل: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الصيام؟ قال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً، ثم أخبره عن شرائع الإسلام، فقال الرجل: والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق)، أو قال: (دخل الجنة إن صدق)، فعبر صلى الله عليه وسلم بـ (إن) الدالة على أنه قد يحدث الخبر، بخلاف ما لو أخبر بلو، فإنه حرف امتناع لامتناع، أي: يمتنع وقوع الجواب لامتناع الشرط، ولكن قال: (أفلح إن صدق)، ولكن أنى يكون للإنسان الصدق في ذلك؟! فإن كان للبعض فلن يكون للباقين؛ لأن الإنسان قد لا يأتي بالفريضة على الوجه الذي يرضى الله عز وجل عنه بها، فكل إنسان يعتريه في صلاة الفريضة السهو والخطأ، وقد يتأخر عنها وما إلى ذلك، أما أن يأتي بها كاملة فهذا بعيد، وعلى كل فقد أفلح من أتى بهذه الفرائض من غير النوافل إن صدق في إتيانها.

    وهذا دليل كذلك: على أنه لا فرض في الصوم غير فرض رمضان، إلا أن يكون بسبب آخر، كنذر ينذره الإنسان، أو كفارة من الكفارات التي لا تكون إلا بالصيام، فهذه فروض في الصوم بسبب آخر غير الأصل وهو صيام شهر رمضان.

    شرح حديث وفد عبد القيس

    في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم وفد عبد القيس فقالوا: يا رسول الله! نحن من ربيعة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فلسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بأمر نأخذ به وندعو إليه من وراءنا)، وكأن هذا الحي لم يزل على كفره إلى أن وفد وفد عبد القيس هذا، فقال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله) يعني: آمركم بالإيمان بالله، قال: (وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وعقد بيده) أي: أنه أشار بيده وكأنه يقول: فهذه واحدة، قال: (وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان)، فهذه الخصال الأربع التي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها.

    وقوله: (شهادة أن لا إله إلا الله) دليل على ما بعدها، وهي شهادة أن محمداً رسول الله، ويطلق على هاتين الشهادتين مسمى: كلمة التوحيد، ولم يذكر الحج في الحديث مع أنهم جاءوا في السنة الثامنة من الهجرة بعد فرض الحج؛ لأنهم لم يكونوا مستطيعين الحج، وإنما يجب الحج على من استطاع إليه سبيلاً. ثم زادهم فرضاً خامساً فقال: (وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم) فإذا جاهدتم في سبيل الله عز وجل وغنمتم فعليكم الخمس المذكور في سورة الأنفال في قوله سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، وهذا الخمس الخاص بالله سبحانه وتعالى يخرج قبل توزيع الغنائم، ثم يأخذ المجاهدون أربعة أخماس من المغنم فيما بينهم.

    ثم قال صلى الله عليه وسلم (وأنهاكم عن أربع: عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمقير أو المزفت)، وهذه أربعة أشياء يكون التخمر والفساد فيها سريعاً فنهاهم عنها، وإن كان بعد ذلك قد رخص لهم الشرب في جميع الأواني إلا أن يكون محرماً.

    قال: (أنهاكم عن الدباء)، الدباء: هو القرع، سواء كان القرع العسلي أو اليابس، فيعمد إلى هذا القرع فيفتح فيه فتحة بسيطة ويأخذ ما بداخله، فيصير كهيئة الإناء، فيطرح فيه النبيذ، والنبيذ: هو الشراب الذي ينبذ فيه التمر أو الزبيب، والنبيذ على وزن فعيل بمعنى مفعول، فهو الشيء المنبوذ الملقى بداخله، فإذا وضع التمر أو الزبيب داخل هذه القرعة أخذ في التخمر والتحول بسرعة كبيرة، فيصير خمراً، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

    قال: (والحنتم)، وهو: نوع من أنواع الجرار لها فم في جانبها، وكان لون هذه الجرار أخضر، والحنتم أو الحنتمة شيء واحد، يستعملونها كالأواني فيشربون فيها الخمر، وقد نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك سداً للذريعة، ولئلا توسوس لهم أنفسهم بعد ذلك فيشربون الخمر.

    ونهاهم كذلك عن: (النقير)، والنقير: مأخوذ من النقرة، وهو أن يأخذ جذعاً ملقى على الأرض فينقر فيه نقرة فيجعله مجوفاً، فيضع فيه النبيذ ويغطيه، فيتخمر سريعاً فيشربه، فنهاهم عن ذلك أيضاً.

    ونهاهم كذلك عن: (المزفت أو المقير)، وهو الإناء المطلي بالقار أو الزفت، فعندما يوضع فيه النبيذ يسخن إلى أن يتخمر، وقد نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أيضاً.

    فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أرضنا كثيرة الجرذان، ولا تبقى فيها أسقية الأدم -أي: أسقية الجلود، وهذه الأسقية تأكلها الجرذان- فقال صلى الله عليه وسلم: وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان).

    وهذا كان في البداية، حتى يمتنع الناس عن الخمر بتاتاً، فلما تعودوا على التحريم بعد ذلك أخبرهم أن الآنية لا تحل شيئاً ولا تحرمه، فاشربوا فيما شئتم غير ألا تشربوا مسكراً، فأصبح النهي عن هذه الآنية منسوخاً بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أنه قال: (كنت نهيكم عن الانتباذ في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً).

    ففي البداية حرم النبي صلى الله عليه وسلم الانتباذ في الأسقية هذه سداً للذريعة؛ لأن الإنسان قد تستهويه نفسه فتجعله يشرب الخمر بعد أن كان نبيذاً، ثم لما تعود الناس على هذا الحكم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الآنية لا تحرم شيئاً ولا تحله، فنسخ الحكم السابق القاضي بالنهي فأجازها.

    الإجماع على وجوب صوم رمضان

    أجمع أهل العلم على وجوب صيام شهر رمضان، وقلنا: إن الصوم المشروع: هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق المستطير إلى غروب الشمس، قال الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، فلك أن تأكل في الليل وتشرب حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والمقصود بذلك: بياض النهار من سواد الليل، فإذا تبين ذلك فلا يجوز لك أن تأكل أو تشرب.

    قال ابن عبد البر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، وفي هذا الحديث دلالة على أن للفجر أذانين، أذان يؤذنه بلال ، وأذان يؤذنه ابن أم مكتوم ، وفي الحديث دليل على أن الخيط الأبيض: هو الصباح، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، فلا يوجد هناك سحور بعد الفجر، وهذا بدلالة الأحاديث والآيات، وكأنه يشير هنا إلى الخلاف الواقع في هذه المسألة، ولذلك سينقل لنا الإجماع بعد ذلك على أن الطعام والشراب وغيرهما مفطرات إذا طلع الفجر، ثم قال: إلا الأعمش وحده فقد شذ ولم يعرج أحد على قوله، وكأن الأعمش وحده يرى جواز الأكل والشرب حتى تطلع الشمس، أي: يرى جوازه في وقت الإسفار بين الفجر وطلوع الشمس!

    ثم قال: والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هو الذي دلت عليه الآية، قال ابن عبد البر: هذا قول جماعة علماء المسلمين.

    1.   

    بيان الفجر الصادق والكاذب

    روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال من سحوره)، والسحور: طعام السحور، وهو فعل الأكل، أي: الأكل في وقت السحر، قال: (لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم)، فقوله: (ليرجع)، هذا فعل لازم ومتعد، فيجوز أن ينصب (قائمكم) على المفعولية، أو يرفعه فيكون فاعلاً له، ولفظ الحديث بالنصب، قال: (ولينبه نائمكم، وليس له أن يقول الفجر أو الصبح، وقال بأصابعه هكذا، فرفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا)، وكأنه يريد أن يقول: إن الفجر الكاذب: ما كان ضوءً عمودياً من أعلى إلى أسفل، وأن الفجر الصادق ما كان أفقياً مستطيلاً في السماء.

    (ثم قال بسبابتيه إحداهما على الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله)، وإذا نظرت إلى هذا الفجر وجدته يبدأ نوراً أفقياً من المشرق إلى المغرب، ثم يبتدأ هذا الخيط من النور في الظهور شيئاً فشيئاً إلى أن تتغير السماء من الظلمة إلى اللون الأزرق أو اللبني، وهذا هو الإسفار، إذاً: فالفجر الصادق: هو النور المستطيل في السماء المبتدئ من المشرق إلى المغرب.

    وفي رواية: (وليس أن يقول الفجر أو الصبح -وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل- حتى يقول هكذا بسبابتي إحداهما فوق الأخرى، ثم مدها عن يمينه وشماله).

    وروى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير هكذا)، فلا تغتر بهذا البياض أو النور في السماء، بل البياض المعتمد في الفجر هو ما كان على امتداد الأفق، والأفق هو المكان البعيد الذي ينقطع إليه بصرك.

    فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح)، والعمود: هو الشيء النازل من أعلى إلى أسفل.

    يقول: (حتى يستطير) أي: حتى ينفرد عن الأفق كخيط أمامك، ولذلك قال الله عنه: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ [البقرة:187].

    ولـأبي داود والترمذي من حديث طلق بن علي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم) أي: لا يزعجنكم، قال: (ولا يهيدنكم الساطع المصعد) يعني: الضوء الصاعد أو النازل بشكل طولي من السماء، قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)، وهو الخيط الأفقي الممتد من المشرق إلى المغرب، وليس الأحمر لوناً له، لكنه يكون محمراً عند أول ظهوره، ثم يصير خطاً ذهبياً أمام ناظريك، وهذا هو الخيط الأبيض المعبر عنه في القرآن الكريم.

    ولـابن أبي شيبة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفجر فجران: فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه ولكن المستطير)، وذنب السرحان: هو ذيل الثعلب، فهذا لا يحل شيئاً ولا يحرم شيئاً، بل الضوء المستطير الأفقي هو الذي يحرم الأكل والشرب، وهو الفجر الصادق، فإذا طلع الفجر الصادق فلا يحل لك أن تأكل أو تشرب شيئاً، هذا إذا تبين لك الفجر الصادق، وإذا لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح لك؛ لأن الله تعالى أباح الوطء أو الأكل أو الشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، فقال تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، فلو تبين لك الفجر فلا يحل لك أن تأكل أو تشرب أو تجامع، ولو كان في فمك ماء أو طعام لزمك أن تلفظه، وحرم عليك بلعه، قال الله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

    1.   

    جواز الأكل والشرب ما لم يتبين بزوغ الفجر الصادق

    روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)، فمنطوق الحديث يدل على جواز الأكل والشرب إلى أن ينادي ابن أم مكتوم ، ومفهوم المخالفة في الحديث يدل على عدم جواز الأكل والشرب بعد أذانه رضي الله عنه.

    قال: (وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت). يعني: طلع الصبح أو الفجر.

    وروى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، قلت: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالاً أبيض وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار، يعني: أنه فهم الآية على ظاهرها، فكان يأكل ويشرب حتى يتميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود له، إذا أصابهما الضوء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن وسادك لعريض -أي: ضخم- إنما هو سواد الليل وبياض النهار)، وهذا لفظ الإمام مسلم ، وفيه دلالة لما سبق، وأن من شك في طلوع الفجر فله أن يأكل ويشرب إلى أن يستيقن من طلوعه، ثم بعد ذلك يمسك، وقال ابن عباس: كل ما شككت حتى لا تشك، فتأخذ من هذه القاعدة أن كل ما جاء عن الصحابة في الأكل مع وجود الضوء محمول على أنهم شكوا في طلوع الفجر، فأكلوا حتى استيقنوا من طلوع الفجر، وهذا كان في عصرهم، أما الآن فقد توافرت لدينا الساعات، فإذا جاء وقت صلاة الفجر وجب علينا الإمساك عن جميع المفطرات.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) أي: أطيلوا الصلاة في الفجر، حتى يرى بعضكم بعضاً بعد الصلاة، فهذا أول وقت الأسفار، وهو الوقت الذي تتلون فيه الشمس باللون الأزرق بعد أن كانت سوداء مظلمة، نتيجة لبداية ظهور الشمس على هذا الجزء من الأرض، فإذا ارتفعت الشمس عن الأرض قدر رمح لم يجز لك أن تصلي في هذا الوقت، وهذا التقدير تقريبي؛ وقد حرمت الصلاة في هذا الوقت لأن الشمس تشرق فيه على قرني شيطان، فتكون العبادة في هذه الساعة مصروفة للشيطان لا لله جل وعلا.

    1.   

    حكم السحور بعد الأذان الثاني للفجر

    جاء عند أبي داود وأحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)، زاد أحمد: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر)، وقد قررتم فيما سبق أن من الواجب على الإنسان إذا سمع النداء وفي فمه شيء أن يلقيه ولا يبلعه، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟

    الجواب: قد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على جواز أكل ما في اليد والمؤذن يؤذن، والحديث محتمل لهذا المعنى، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله هذا الحديث مع أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرى كثيرة ثم حمل هذا الحديث على الشك، فكأنه يجوز للمتشكك في طلوع الفجر أن يأكل ما بيده والمؤذن يؤذن، ونحن نخاف من أن نقول بهذا الحديث؛ لورود الاحتمالات عليه؛ ولأن الله عز وجل يقول: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ [البقرة:187] ولم يقل: حتى يتبين للمؤذن فقط، فكأنه يقول: يجب على الناس كلهم أن يستيقنوا بزوغ الفجر ودخول وقته، ما لم فليأكلوا ما بأيديهم حتى يستيقنوا من ذلك.

    أيضاً: جاء حديث عند النسائي وأحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السحور: (يا أنس ! إني أريد الصيام فأطعمني شيئاً) أي: يريد أن يصوم تطوعاً صلى الله عليه وسلم قال: (يا أنس ! أطعمني شيئاً، قال: فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعدما أذن بلال)، وبلال كان يؤذن الأذان الأول، فقال: (يا أنس ! انظر رجلاً يأكل معي)، ولاحظ أنه كان بين الأذانين وقت قصير جداً، وقد ذكر: أنه ما كان بينهما من الوقت إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يتسحر لوحده، بل يريد أن يتسحر مع رجل آخر، قال: (فدعوت زيد بن ثابت فجاء فقال: إني قد شربت شربة سويق -وهو الشعير المخلوط بالماء- قال: وأنا أريد الصيام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة)، فكأن زيداً تبين له الفجر فلم يأكل، ولم يتبين للنبي صلى الله عليه وسلم فأكل، ثم امتنع عن الأكل لما تبين له طلوع الفجر بعد ذلك، فهذا الحديث قد يوهم أنه أكل بعد الأذان الثاني وليس كذلك؛ لأنه قد نص في الحديث على أن مؤذن هذا الأذان هو بلال رضي الله عنه، وهو الذي كان يؤذن الأذان الأول، فاندفع الوهم، وارتفع الإشكال.

    قال ابن حزم في المحلى بعدما ذكر آثاراً كثيرة جداً عن الصحابة في هذا الشيء: وهذا كله محمول على أنه لم يكن تبين لهم الفجر بعد، وبهذا تتفق السنن مع القرآن.

    وقد كان ابن عباس في آخر حياته بعد أن عمي يسأل عن الفجر هل طلع أم لا؟ فإن قال أحدهم: نعم، والآخر: لا، قال: شككتما، ثم يأكل حتى يستيقن، وهذا هو رأي جمهور أهل العلم، والله تعالى أعلم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755942728