إسلام ويب

الأفغان والأحزابللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وعد الله عز وجل بنصر من ينصرون دينه من المؤمنين وإن كانوا قلة، فبالإيمان والصدق مع الله والثبات على الدين تحوز الصفوة وعد الله بإعلاء كلمته، ولله جنود السماوات والأرض، وفي غزوة الأحزاب خير دليل على ذلك.

    1.   

    فوائد إيمانية من غزوة الأحزاب

    الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الإطلاق، وركّب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قُضي وقُدّر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

    وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى ومنشئ الأرضين والثرى، لا راد لقضائه ولا معقّب لحكمه، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

    وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي، والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأظهر به الإيمان، ورفع دينه على سائر الأديان.

    فصلى الله عليه وسلم وبارك ما دار في السماء فلك، وما سبّح في الملكوت ملك، وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    عباد الله! أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].

    قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب:10-23].

    هذه الآيات الكريمات عباد الله! في سورة الأحزاب تحكي لنا كيف تألبت الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف اجتمعت القوى الكافرة من قريش ومشركي العرب ويهود بني قريظة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ذلك في شوال من السنة الخامسة من الهجرة.

    تجمع الأحزاب على النبي وأصحابه

    ذهب سلام بن مشكم وكنانة بن الربيع وغيرهم من اليهود الذين هم سبب كل حرب وسبب كل شر وفساد، ذهبوا إلى قريش لميعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي سفيان ، وكانا قد تواعدا على اللقاء في العام المقبل، وكانت غزوة أحد في شوال من السنة الثالثة، وخرج أبو سفيان لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال من السنة الرابعة، ولكنها كانت سنة مجدبة، فخطب الناس وقال: إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن ، وقال: إني راجع فارجعوا، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج لميعاد أبي سفيان ثم عاد إلى المدينة مرة ثانية لما بلغه أن أبا سفيان عاد إلى مكة، فأراد اليهود أن يثيروا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ رغبة في أن يستأصلوا شوكة المسلمين، وأن يبيدوا خضراء المسلمين، فاستجابت لهم قريش، وخرج (4000) من قريش على رأسهم أبو سفيان بن حرب، ثم ذهبوا إلى قبائل العرب، فأجابتهم قبائل العرب الكافرة، وخرج (10000) مقاتل يقصدون مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ من أجل أن يقضوا على الإسلام وأهله، ومن أجل أن يستأصلوا شأفة المسلمين.

    حفر الخندق وما صاحبه من بشارة الله لنبيه وأصحابه

    لما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة الكرام، فأشاروا عليه أن يحفر خندقاً بين حرتي المدينة، والحرة: هي الأرض ذات الحجارة السوداء، والمدينة بين حرتين: حرة الواقم وحرة الوبرة، فاستجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الرأي وشرع في حفر الخندق، وشرع الصحابة الكرام يحفرون الخندق، فقيل: مكثوا أربعة عشر يوماً، وقيل: عشرين يوماً وقيل: شهراً يحفرون الخندق، وكانت سنة فيها مجاعة في المدينة، وفيها قر -أي: برد- وفيها ريح شديدة، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصحابة وهم يحفرون، فخرج إليهم فوجد ما فيهم من مشقة فقال: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة) فأجابوه قائلين:

    نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً.

    وكانوا يرتجزون ويقولون:

    والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

    فأنزلن سكينةً علينا وثبت الأقدام إن لاقينا

    إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا

    فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمد بها صوته: أبينا أبينا أبينا.

    وكان يربط على بطنه حجراً من شدة الجوع.

    وعرضت كدية عظيمة للصحابة وهم يحفرون الخندق، وذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب الكدية بنفسه، فضربها ضربة أضاء ضوء تحت المعول، ثم ضرب ضربة ثانية فأضاء ضوء تحت ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب الضربة الثالثة فأضاء ضوء تحت المعول، وكلما أضاء ضوء يقول: (الله أكبر) ففي الأولى قال: (الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام، ثم ضرب ضربة فقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، وضرب الثالثة فقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن)، بشّره الله عز وجل بفتح هذه البلاد، والأحزاب الكافرة تتوجه إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل أن يستأصلوا شأفة المسلمين، فالله عز وجل يبشّر نبيه، ويثبّته وصحابته الكرام.

    فالأسباب الأرضية عباد الله! كلها توافق أن الأحزاب سوف تنتصر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (10000) مقاتل من قبائل العرب، ثم غدرت بنو قريظة وكان فيهم (700) مقاتل فصار العدد (10700) مقاتل، وكانوا من فوق الصحابة ومن أسفل منهم، أي: كان موقع اليهود الاستراتيجي يؤهلهم لأن يضربوا المسلمين ضربة من الخلف.

    ريح شديدة وحصار اقتصادي وبرد شديد ومجاعة بالمدينة، الأسباب الأرضية كلها تؤكد أن المشركين سوف ينتصرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة الكرام، ولكن الناس يغفلون أن فوق هذه الأسباب وفوق السماوات السبع رب قادر قاهر أبى إلا أن يُعز دينه، وأبى إلا أن ينصر جنده ويرفع رايته: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].

    فمهما اجتمعت قوى الأرض عباد الله! على المسلمين فإن المسلمين وليهم الله عز وجل وهو ناصرهم ومدّبر شئونهم، هو الذي يملك السماوات والأرض، والذي أمره بين الكاف والنون، ينصر أولياءه بكلمة (كن).

    فمهما تجمعت القوى الكافرة، ومهما اجتمعت الأسباب الأرضية الكثيرة، فإن الله عز وجل يُعطّل هذه الأسباب، ويمد المسلمين بجند من عنده: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31]، فمهما اجتمعت أوروبا الكافرة مع أمريكا الغادرة، مع اليهود ومع النصارى ومع الشيوعيين ومع العلمانيين ومع المنافقين، ومهما كان الكفرة والفجرة والذين يعادون دين الله عز وجل، والذين لا يُحبون أن تكون الدولة للإسلام والجولة للإسلام، مهما اجتمعوا صفاً واحداً وحاربوا دين الله وحاربوا أولياء الله عز وجل؛ لا بد أن يهزمهم الله عز وجل، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5]، وقال تعالى: وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الفتح:22]، فكانت الأسباب الأرضية كلها عباد الله! تُشير إلى أن الأحزاب سوف تقضي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الصحابة الكرام.

    بيان حال المؤمنين والمنافقين في غزوة الأحزاب

    هذه الشدائد يظهر بها نفاق المنافقين، كما يظهر بها صدق المؤمنين، قال عز وجل: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10].

    فهذا نظر قاصر منهم، لا يرون إلا تحت أرجلهم، ولا ينظرون إلى السماء، ولا يُعلّقون قلوبهم برب الأرض والسماء، ولا يعلمون أن النصر من عند الله، ولا يثقون بوعد الله عز وجل للمؤمنين. قالوا: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12] كيف يعدنا محمد صلى الله عليه وسلم بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته، ولا يستطيع أن يذهب إلى الخلاء وحده لشدة الخوف والبرد والجوع.

    يروي لنا حذيفة كيف كان حال الصحابة رضي الله عنهم في غزوة الأحزاب. قال بعض التابعين: لو حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلنا معه وأبلينا. قال: (أنتم كنتم تفعلون ذلك، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الأحزاب في برد شديد وريح وقر وخوف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من رجل يذهب يأتينا بخبر القوم جعله الله عز وجل معي يوم القيامة؟) الجائزة عظيمة أن يكون رفيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، والصحابة كانوا أحرص الناس على الخير، كانوا يسابقون في الخيرات ويسارعون إليها، ولكن الفتنة شديدة، برد شديد وريح شديدة وخوف وجوع، قال: (فما قام منا أحد، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل. ثم قال: من رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله عز وجل معي في الجنة؟ قال: فما قام منا أحد، فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هوياً من الليل، ثم قال: من رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله عز وجل معي في الجنة؟ قال: فما قام منا أحد. قال: قم يا حذيفة ! فما كان لي بد من القيام حين دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تُذعرهم عليّ. قال: فخرجت كأني أمشي في حمام) لما كان في مهمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذهب البرد وذهبت الريح الشديدة، وكأنه يمشي في حمام ساخن.

    قال: (فدخلت في القوم وإذا الريح وجنود الله عز وجل تفعل بهم ما تفعل، لا تُبقي لهم ناراً ولا قدراً ولا شيء، وإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار. قال: فوضعت السهم في كبد القوس ولو شئت أن أرميه لرميته، ولكني تذكّرت عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُذعرهم عليّ. قال: فعدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعاد القر-أي: البرد الشديد- وأخبرته بخبر القوم).

    أي: لما انتهى من مهمته عاد إليه البرد مرة ثانية، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم في فضل عباءة عليه، فنام فلما كان الصباح قال: قم يا نومان!

    المعجزات والتأييد الإلهي للمؤمنين في غزوة الأحزاب

    كان للصحابة رضي الله عنهم في هذه الغزوة أتم تأييد، أُيدوا بالمعجزات، وأيدوا بالكرامات، وأيدوا بريح من عند الله عز وجل، وأيدوا بملائكة من السماء، فإذا بذل المسلمون جهدهم -وإن كانت هذه الجهود قليلة بالنسبة إلى إمكانيات الكفار وأعدادهم وقوتهم وعتادهم- فإن الله عز وجل لا بد أن يؤيد جنده وينصر أولياءه.

    رأى جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق وهو يربط حجراً على بطنه، فذهب إلى امرأته فقال: (رأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً لم أصبر عليه، فهل عندكِ شيء؟ قالت: عندنا عناق -أي: شاة- وشيء من شعير. فقال: جهزي طعاماً. ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: طعيم لك يا رسول الله! ولرجل أو رجلين من أصحابك، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن قدر هذا الطعام فأخبره، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرين والأنصار، وأمر جابراً أن يبقي اللحم في البرمة، والخبز في التنور، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار، فذهب جابر يخبر امرأته بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالمهاجرين والأنصار، فقالت: أخبرته كم صنعت فأخبرها: أن نعم)، فعلمت أنها بركة ستحصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادخلوا ولا تضاغطوا) فأطعم أصحابه كلهم من هذه الشاة، ومن هذا الخبز، وبقي منه بقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر : (كلي وأطعمي، فإن الناس قد أصابتهم مجاعة).

    من المعجزات في هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى قصور الشام وقصور صنعاء وقصور فارس وهو يحفر الخندق قبل أن تأتي الأحزاب الكافرة.

    وحذيفة رضي الله عنه يسير كأنه في حمام ساخن!

    تأييد إلهي ومعجزات وكرامات، فإذا بذل المسلمون وسعهم وجهدهم لا بد أن يعزهم الله عز وجل، ولا بد أن ينصرهم سبحانه.

    وقفات مع غزوة الأحزاب

    إن معركة الخندق -معركة الأحزاب- لم يحصل فيها التحام بين الجيشين، فقد فوجئت الأحزاب الكافرة، وكان عددهم عشرة آلاف، ونزلوا إلى جانب جبل أحد، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف من الصحابة الكرام، ونزلوا بظهر سلع، وهو جبل قريب من المدينة أصغر من أحد، فكان سلع في ظهرهم، وكان الآخرون بجوار جبل أحد، وبينهم الخندق بين حرة الواقم وحرة الوبرة، لم يحصل التحام بين الجيشين.

    وتذكر بعض الروايات أن بعض المشركين حاولوا عبور الخندق بخيولهم، وأن علياً رضي الله عنه قتل عمرو بن عبد ود فارس قريش، وأن الزبير قتل رجلاً آخر من الكفار، ولكن ذلك لم يرد بسند صحيح، أما التراشق بالنبال فقد كان يستمر أحياناً، وقد استمر مرة إلى الليل، ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يملأ الله عز وجل قبورهم ناراً؛ لأنهم شغلوه عن الصلاة الوسطى، فما صلى هو والصحابة العصر حتى غربت الشمس، ولم تكن صلاة الخوف قد شُرعت.

    هذه الغزوة لم يكن فيها تلاحم بين الجيشين، ولكن الظروف التي لابستها وعدد الكفار والبرد الشديد والجوع والحصار الاقتصادي جعلتها من أشد الغزوات التي زلزلت قلوب الناس، والتي ظهر فيها النفاق، وقال المنافقون: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، وقال الله عز وجل حكاية عن حالهم: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [الأحزاب:13] وكذّبهم الله عز وجل في ذلك، فقال: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:13-17].

    وكما ظهر النفاق ظهر صدق الصادقين، كما قال الله عز وجل: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22].

    فأهل الإيمان الصادق عباد الله! لا يتزلزل إيمانهم، ولا تذهب بهم الظنون الكاذبة كل مذهب، فهم يثقون بوعد الله ويثقون بنصره، ويعتقدون بأن العاقبة للتقوى، وبأن جند الله هم الغالبون، وبأن حزب الله عز وجل هم المنتصرون، مهما تكالب عليهم الشرق والغرب الكافر، ثقتهم بالله عز وجل واعتقادهم في نصر الله عز وجل مهما قلت معهم الأسباب.

    تكالب أعداء الله على المسلمين بين غزوة الأحزاب وحرب الأفغان

    هاهو العالم بأسره في هذا الزمان يتعرض لدولة مسلمة تقيم شرع الله عز وجل وتعز دينه، فيها مجاعة وقحط وهم على مشارف الدخول في فصل الشتاء وعلى مشارف برد شديد وريح شديدة، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه هذه المعركة بما حدث يوم الأحزاب، ونحن نثق بأن قدرة الله عز وجل لا بد أن تتدخل، ولا بد أن يبتلي الله عز وجل الكافرين بما لم يكونوا يحتسبون، وهاهم اليوم يعانون من الطواعين ومن الجمرة الخبيثة، ولا ندري ما خبأ لهم القدر، وما يظهر لهم بعد ذلك من جند الله عز وجل، قال تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] فإذا ثبت المؤمنون على دين الله وأعزوا دينه فلا بد أن يُعزّهم الله عز وجل وينصرهم، ولا بد أن تكون الدولة للمسلمين، والجولة لحزب الله عز وجل الموحدين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    بيان غزوة بني قريظة وما حصل للمسلمين من تأييد بعد غزوة الأحزاب

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب:25-27].

    هذه آيات من الله عز وجل، إذ سجّل الله عز وجل لنا ما حدث مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ من أجل أن يثبت المؤمنين في كل زمان ومكان، وكيف أن الكافرين رجعوا بصفقة المغبون، ورد الله عز وجل كيدهم إلى نحورهم، وأنزل الذين ظاهروهم -أي: من يهود بني قريظة- من صياصيهم -أي: من قلاعهم وحصونهم- وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26]، وذلك لما أرسل الله عز وجل على الأحزاب الكافرة ريحاً تخلع خيامهم وتكفأ قدورهم، ولا تدع لهم قدراً ولا شيئاً إلا أذهبته ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم منزل الكتاب مجري السحاب اللهم اهزمهم وزلزلهم) فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأحزاب الكافرة، وتذكر بعض روايات السير إسلام نعيم بن مسعود وكيف أنه سعى في الوقيعة بين اليهود والأحزاب الكافرة، ولكن ذلك لم يرد بسند صحيح، والصحيح: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا ربه: (اللهم منزل الكتاب مجري السحاب اهزمهم وزلزلهم) فأرسل الله عز وجل ملائكة تزلزل قلوبهم وتلقي الرعب في نفوسهم، وأرسل ريحاً شديدة لا يستقر لها شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نُصرت بالصبا وأُهلكت عاد بالدبور) والصبا: هي الريح الشرقية.

    فالله عز وجل هو الذي أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، إذ أن قدرة المسلمين ضعيفة وإمكانياتهم ضعيفة، ولكن الله عز وجل من فوق سبع سماوات يمكر بالكافرين، فأرسل عليهم ريحاً شديدة تخلع خيامهم وتكفأ قدورهم وملائكة تزلزل قلوبهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب:9].

    انتشار جيوش وسرايا المسلمين في الجزيرة بعد غزوة الأحزاب

    بعد أن أجلى الله عز وجل يهود بني قريظة عن مدينة رسوله إلى غير عود قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الآن نغزوهم ولا يغزونا)، وكانت هذه من علامات النبوة، فما قصد المشركون بعد ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل كانت الجيوش والسرايا تخرج من المدينة تفتح البلاد، وتفتح قلوب العباد بدعوة الإسلام، فكان بعد ذلك في السنة الثالثة صلح الحديبية، ثم كان الفتح الأعظم فتح مكة في رمضان من السنة الثامنة، ثم كانت السنة التاسعة هي سنة انتشار الإسلام في جزيرة العرب، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بجيش قوامه ثلاثون ألفاً -والعرب ليس لها طاقة بمحاربة جيش قوامه ثلاثون ألفاً- قاصداً شمال الجزيرة من أجل مقابلة الروم وحربهم، ففروا أمام جحافل الإسلام، وبعضهم صالح النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية، وكان هذا العام -التاسع- عام انتشار الإسلام في جزيرة العرب، وأتت الوفود إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرون بالإسلام، أو يُعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، ثم كان في نهاية العام العاشر وبداية العام الحادي عشر حجة الوداع، وفي الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة توفي النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجاً، وجاء نصر الله والفتح، وبعد أن أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام دفعة قوية، أضاءوا بها الدنيا وكسروا بها كسرى، وقصموا بها قيصر، وتحركت شمس الإسلام تنير المعمورة من الأرض، حتى دق المسلمون أبواب فيينا في أوروبا، ووصلوا إلى حدود الصين، هذه هي الفتوحات الإسلامية الأولى.

    بشرى النبي صلى الله عليه وسلم بالفتوحات في آخر الزمان

    بشر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بأن الفتوحات الإسلامية الثانية سوف تكون أكثر من الفتوحات الأولى، وسوف تعم كل الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) رغم أنف أوروبا وأمريكا ورغم أنف روسيا ورغم أنف العلمانيين، والذين يسارعون في موالاة الكافرين نقول لهم: سوف تكون الفتوحات الإسلامية الأخيرة، وسوف ينتشر دين الإسلام، ولا يبقي الله عز وجل بيت مدر ولا وبر إلا دخل فيه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، وينتصر المسلمون على اليهود والنصارى كما بشّرت بذلك الأحاديث الصحيحة، واللقاء حتمي معروف.

    وبشر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الملاحم التي سوف تكون في آخر الزمان سوف تكون العاقبة فيها للمتقين، وسوف يرتفع دين الله عز وجل وترفرف راية الإسلام من جديد وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ [الروم:4-5] فلا بد أن يثبت المسلمون على دين الله عز وجل، فإن هذه الحروب المعاصرة حروب صليبية بمعنى الكلمة، كما صرّح بذلك رئيس الكفر وإمامه، وهي حروب صليبية لا تستهدف الإرهاب، وإلا فلماذا لا يُحاربون الإرهاب في فلسطين؟ لماذا لا يحاربون إرهاب شارون ؟ أم أن هذا ليس بإرهاب؟ فهم لا يقصدون الإرهاب كما يقولون، ولكنهم يقصدون كل بقعة من الأرض ترتفع فيها راية الجهاد ويراد فيها أن تكون كلمة الله هي العليا، هم يقصدون هذه البقاع من الأرض من أجل أن يقضوا على شعيرة الجهاد، ومن أجل أن يقضوا على الذين يجاهدون لإعزاز دين الله عز وجل، ولا يمكنهم ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشّر ببقاء طائفة من الأمة ظاهرين يقاتلون من أجل أن تكون كلمة الله عز وجل هي العليا، فلا يمكن أن تخلو الأرض ممن يجاهدون لإعزاز دين الله عز وجل ورفع رايته فإن الجهاد هو سبب عزة الإسلام، وسبب روحه وانتصاره.

    فلن ينتصر المسلمون بدون بذل وتضحية، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) أي: يجاهدون لإعزاز دين الله.

    فالطائفة الظاهرة ليست طائفة من علماء يقيمون الحجة على سائر أهل زمانهم، وينشرون سمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الطائفة فيها علماء ومجاهدون، وفيها آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، فالظهور عباد الله! في الجهاد والعلم والدعوة واتباع السنة، هذا الظهور الذي ذكره العلماء كما فسّر الإمام النووي بذلك هذا الحديث.

    فيجب أن يكونوا طائفة واحدة، بل أناس يقيمون الحجة العلمية، وأناس يجاهدون لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وأناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فهذه الطائفة ستبقى في الأرض، ولا يمكن لقوى الشر والشرك أن تقضي على هذه الطائفة التي بشّر بوجودها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يمكِّن الله عز وجل الكافرين في أي زمان أو مكان من أن يبيدوا خضراء المسلمين ويستأصلوا جذورهم، وإنما قد تحدث هزيمة عارضة كما حدث يوم أحد من أجل التمحيص والتربية، ومن أجل أن يتخذ الله عز وجل ما يشاء من الشهداء، ولكن الصولة والجولة في النهاية لا تكون إلا للإسلام وأهله.

    فنحن نبشر المسلمين في كل زمان ومكان أن الأحزاب الكافرة التي تجتمع على الإسلام اليوم لا يمكن أن يحققوا هدفهم، ولا يمكن أن يصلوا إلى مطلبهم، بل سوف يعودون بصفقة الخسران وسوف تكون الجولة والصولة في النهاية للإسلام وأهله.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعل راية الحق والدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين! ورد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

    اللهم أعزنا بالإسلام قائمين، وأعزنا بالإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين، اللهم عليك بالأمريكان والباطنيين وسائر أوروبا الكافرة يا رب العالمين! اللهم دمّرهم تدميراً والعنهم لعناً كبيراً، اللهم كف بأسهم عن إخواننا بأفغانستان، وبسائر بلاد المسلمين، اللهم كن مع المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم قو شوكتهم، وسدد رميتهم، وأجب دعوتهم، ووحد صفهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم عليك بـشارون وبيريز وسائر اليهود، اللهم اجعلهم عبرة للأمم يا رب العالمين! اللهم جمّد الدماء في عروقهم، اللهم اجعلهم عبرة لخلقك يا رب العالمين! اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لسائر خلقك عبرة وآية، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وانصر إخواننا في الشيشان وفي سائر البلاد التي يرتفع فيها علم الجهاد لإعزاز دينك.

    اللهم اهد شباب المسلمين، واهد أطفالنا وأطفال المسلمين، واهد نساء المسلمين للعفّة والحجاب والحياء يا رب العالمين، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلاء والوباء والربا والزنا، وردهم إليك رداً جميلاً.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755913851