إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [17]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فسر الشيخ في مستهل هذا اللقاء آيات من سورة النازعات، وضمن إيضاحه لمعانيها تكلم عن: مصير الإنسان وما سيلاقيه، وتذكره لما عمل من خير وشر، وأنه مكتوب، وتحدث عن أنواع وأقسام النفس، وبعد ذلك ركز على نصيحة حول سوء الخاتمة، وحسن الخاتمة والحرص على أن يموت الإنسان والله راضٍ عنه.

    1.   

    تفسير آيات من سورة النازعات

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    هذا هو اليوم الذي نلتقي فيه بإخواننا في هذا الشهر، كما هو مقرر في كل يوم خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها لقاءات مباركة، ونبدأ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل وقد بدأنا من سورة النبأ إلى آخر القرآن، ووقفنا على قوله: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا... [النازعات:27-28] إلى آخر السورة.

    تفسير قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها)

    يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده يقول: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات:27] وأراد بهذا الاستفهام تقرير إمكان البعث؛ لأن المشركين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالبعث، وقالوا: مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]؟ فيقول الله عز وجل: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ [النازعات:27] والجواب معلوم لكل أحد أن السماء أشد خلقاً، كما قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر:57].

    (بناها) هذه الجملة لا تتعلق بالتي قبلها، ولهذا ينبغي للقارئ إذا قرأ أن يقف عند قوله: أَمْ السَّمَاءُ [النازعات:27] ثم يستأنف فيقول: بَنَاهَا [النازعات:27] فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء، (بناها) أي: بناها الله، وقد بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى في سورة الذاريات أنه بناها، فقال: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] أي بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47].

    تفسير قوله تعالى: (رفع سمكها فسواها)

    قال تعالى: رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [النازعات:28] (رفع) أي: عن الأرض، ورفعها عز وجل بغير عمد، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2] (فسواها) أي: جعلها مستوية وجعلها تامة كاملة كما قال تعالى في خلق الإنسان: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:6-7] أي: جعلك سوياً تام الخلقة، فالسماء كذلك سواها الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (وأغطش ليلها وأخرج ضحاها)

    قال تعالى: وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات:29] أغطشه، أي: أظلمه، فالليل مظلم، قال تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12].

    وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات:29] فالشمس تخرج كل يوم من مطلعها وتغيب في مغربها.

    تفسير قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها)

    قال تعالى: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ [النازعات:30-33].

    (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ) أي: بعد خلق السماوات والأرض (دَحَاهَا) وبين هذا الدحو بقوله: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات:31-32] وكانت الأرض مخلوقة قبل السماء كما قال الله تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:9-12].

    فالأرض مخلوقة قبل السماء، لكن دحوها وإخراج الماء منها والمرعى كان بعد خلق السماوات: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات:31-32] أي: جعلها راسية في الأرض تمسك الأرض لئلا تضطرب بالخلق مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ [النازعات:33] أي: جعل الله تعالى ذلك متاعاً لنا نتمتع به فيما نأكل ونشرب، ولأنعامنا، أي: مواشينا من الإبل والبقر والغنم وغيرها.

    تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءت الطامة الكبرى..)

    ولما ذكر الله عباده بهذه النعم الدالة على كمال قدرته، ذكرهم بمآلهم الحتمي الذي لا بد منه، فقال عز وجل: فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [النازعات:34] وذلك قيام الساعة، وسماها طامة؛ لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها، (كبرى) أي: أكبر من كل طامة فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى [النازعات:34-35] بيان لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة الكبرى، وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، يتذكره، ويجده مكتوباً عنده يقرأه بنفسه، قال الله تعالى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] إذا قرأه تذكر ما سعى، أي: ما عمل، أما اليوم فإنا قد نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح ومنها اللغو ومنها السيئ، لكن كل هذا نُسي، وفي يوم القيامة يُعرض علينا هذا في كتاب، ويقال: اقْرَأْ كِتَابَكَ [الإسراء:14] أنت بنفسك: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] فحينئذٍ يتذكر الإنسان ما سعى وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40].

    تفسير قوله تعالى: (وبرزت الجحيم لمن يرى)

    ثم قال: وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى [النازعات:36] أعاذنا الله وإياكم منها، (وبرزت) أظهرت، تجيء وتقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام معه سبعون ألف ملك يقودونها، إذا ألقي فيها الظالمون في مكان ضيق مقرنين، دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً [الفرقان:13] وتأتي جهنم وتبدو -والعياذ بالله- لمن يرى ويبصر فتنخلع القلوب ويشيب المولود، ولهذا قال: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-39] هذان الوصفان هما وصفان لأهل النار، الطغيان وهو: مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة وكونها أكبر هم للإنسان، فإذا قال قائل: ما هو الطغيان؟ قلنا: الطغيان مجاوزة الحد كما ذكرناه آنفاً، وحد الإنسان مذكور في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي؛ فأنت مخلوق لعبادة الله لا لتأكل وتتمتع وتتنعم كما تتمتع الأنعام، فاعبد الله عز وجل فإن لم تفعل فقد طغيت، وهذا هو الطغيان.

    وقوله: وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النازعات:38] هما متلازمتان، فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا؛ لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له: اذكر الله آثر اللهو على ذكر الله وهكذا، وقوله: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:39] أي: هي مأواه، والمأوى هو: المرجع والمقر، وبئس المقر مقر جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.

    تفسير قوله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)

    قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ [النازعات:40] أي: خاف القيام بين يديه؛ لأن الإنسان يوم القيامة سوف يقرره الله عز وجل بذنوبه، ويقول: عملت كذا وعملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح، فإذا أقر قال الله له: (قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) هذا الذي خاف هذا المقام وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى [النازعات:40] أي: عن هواها، والنفس أمارة بالسوء، لا تأمر إلا بالشر، ولكن هناك نفس أخرى تقابلها وهي النفس المطمئنة؛ لأن للإنسان ثلاثة أنفس: مطمئنة، وأمارة، ولوامة، وكلها في القرآن.

    أما المطمئنة: ففي قوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].

    وأما الأمارة بالسوء: ففي قوله تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53].

    وأما اللوامة: ففي قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2].

    والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس، يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير ويفعله، هذه هي النفس المطمئنة، ويرى أحياناً في نفسه نزعة شر فيفعله، هذه هي النفس الأمارة بالسوء.

    تأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل، فتجده يندم على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير -والعياذ بالله- فإن من الناس من يلوم نفسه على فعل الخير، وعلى مصاحبة أهل الخير، ويقول: كيف أصحب هؤلاء الذين يصدوني عن حياتي وشهواتي وعن الهوى وما أشبه ذلك.

    فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء، وتلوم المطمئنة تارة أخرى، فهي في الحقيقة نفس بين نفسين، تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء وتُنَدِّم الإنسان، وقد تلوم النفس المطمئنة إذا فعلت الخير -نسأل الله العافية-

    يقول الله عز وجل: وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] هكذا جاء في القرآن وجاء في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

    هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت.. كيف ذلك؟

    إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس للخروج وقالت: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله، وتبشر النفس بالجنة، قال الله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ [النحل:32] متى يقولون؟ حين الوفاة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] فيبشر بالجنة، فتخرج روحه راضية متيسرة سهلة، ولهذا لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة : يا رسول الله! كلنا يكره الموت، قال: ليس الأمر كذلك) كلنا يكره الموت هذه طبيعة، ولكن المؤمن إذا بشر بما يبشر به عند الموت أحب لقاء الله، أحب الموت، وسهل عليه، وأن الكافر إذا بشر بما يسوءه -والعياذ بالله- عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه، وتفرقت في جسده، حتى ينتزعها منه كما ينتزع السفود من الشعر المبلول، والشعر المبلول إذا جر عليه السفود -وهو معروف عند الغزَّالين- يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه.

    هكذا روح الكافر -والعياذ بالله- تتفرق في جسده؛ لأنها تبشر بالعذاب فتخاف، ولهذا يوجد بعض الناس -والعياذ بالله- يسود وجهه، ولونه في الحياة أحمر، وحدثني من أثق به -وأقسم لي أكثر من مرة- وهو ممن يباشرون تغسيل الموتى، يقول: والله مرت عليّ حالتان لا أنساهما أبداً، غسلت اثنين بينهما زمن، يقول: الوجه أسود مثل الفحم -والعياذ بالله- والبدن طبيعي؛ لأنه يبشر بما يسوءه، والإنسان إذا بشر بما يسوءه تغير.

    فالجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقلت: إن الإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يبشر به، ولا يخفى علينا ما جاء في السيرة النبوية أن أنس بن النضر رضي الله عنه قال: (والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد ) وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، إنما هو وجدان حقيقي -كما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من أن بعض الناس قد يدرك الآخرة وهو في الدنيا- ثم انطلق أنس فقاتل وقتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

    تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)

    ثم قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [النازعات:42] (يسألونك) أي: يسألك الناس، كما قال تعالى في آية أخرى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:63] وسؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين: سؤال استبعاد وإنكار وهذا كفر، كما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة واستعجلوها، وقد قال الله عن هؤلاء: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [الشورى:18].

    وسؤال عن الساعة للاستعداد لها، وهذا لا بأس به، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال له: ماذا أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله، قال: المرء مع من أحب) فالناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن تختلف نياتهم في هذا السؤال، ولكن مهما كانت نياتهم ومهما كانت أسئلتهم فعلم الساعة عند الله، ولهذا قال: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا [النازعات:43-44] أي: أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لماذا؟ لأن علمها عند الله، كما قال الله تعالى في آية أخرى: قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:63] وقد سأل جبريل -وهو أعلم الرسل من الملائكة- النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أعلم الخلق من البشر- فقال: (أخبرني عن الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: إذا كانت خافية عليك فأنا أيضاً خافية عليَّ، وإذا كان أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما؟ وبهذا نعرف أن ما يشيعه بعض الناس من أن الساعة تكون في كذا، وفي زمن معين كله كذب، نعلم أنهم كَذَبَة في ذلك؛ لأنهم لا يعلمون متى الساعة، ولا يعملها إلا الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذر من يخشاها)

    قال تعالى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات:45] أي: ليس عندك علم بها ولكنك منذر، (من يخشاها) أي: يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار لا ينفعه: وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] ولهذا نقول: أنت لا تسأل متى تموت ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، هذا أمرٌ مفروغ منه ولا بد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يوماً واحداً، بل كما قال تعالى هنا: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46] ولكن السؤال الذي يجب أن يَرِدَ على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟!

    لا أريدك أن تسأل: هل أنت غني أو فقير؟ قوي أو ضعيف؟ ذو عيال أو عقيم؟ بل: على أي حال تموت من حيث العمل، فإذا كنت تسأل نفسك هذا السؤال فلا بد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفاجئك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورُجِعَ به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول: هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولا يأكله، وكم من إنسان لبس قميصاً وزرَّ أزرته، ولم يفكها إلا الغاسل قبيل أن يغسله، هذا أمر مشاهد لكل أحد، بحوادث...!! بغتة على أي حال، فينبغي أن تنظر الآن، وتفكر على أي حال تموت؟ نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التوبة والإنابة.

    ولهذا ينبغي أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه؛ لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى، واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:105-106].

    وهذا استنباط جيد يمكن أيضاً أن يستنبط من قوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] والاستغفار من الهدى، لذلك أوصي نفسي وإياكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار ومحاسبة النفس، حتى نكون على أهبة الاستعداد لما نخشى أن يفاجئنا من الموت، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.

    تفسير قوله تعالى: (كأنهم يوم يرونها...)

    قال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46] العشية: من الزوال إلى غروب الشمس، والضحى: من طلوع الشمس إلى زوالها، أي: كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم وهذا هو الواقع، لو سألت الآن: كيف ما مضى من السنوات علينا؟ هل نشعر الآن بأنها سنوات أو كأنها يوم واحد؟ كأنها يوم واحد لا شك، والإنسان الآن بين ثلاثة أشياء:

    يوم مضى فهذا قد فات، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أم لا يدركه، ووقت حاضر وهو المسئول عنه، أما ما مضى فقد فات وهلك عنك، والمستقبل لا تدري أتدركه أم لا، والحاضر هو الذي أنت مسئول عنه.

    أسأل الله تعالى أن يحسن لي ولكم العاقبة، وأن يجعل عاقبتنا حميدة، وخاتمتنا سعيدة، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    1.   

    الأسئلة

    .

    استغلال فرصة الإجازة للدعوة إلى الله

    السؤال: فضيلة الشيخ! كما تعلم في آخر الشهر القادم ستبدأ إجازة الربيع، ويا حبذا لو رغبت طلاب الجامعة والمدرسين في الدعوة إلى الله، ومحادثة الناس في الشمال والجنوب، حتى أني أذكر أني حملت رجلاً قبل أيام من بعض القرى، فأردت أن أقرأ أنا وإياه بعض قصار السور، وقرأ الفاتحة فلم يحسن قراءتها، فتعجبت منه! وقلت له: يا أخي! إذا رجعت القرية جزاك الله خيراً تحاول أن تقرأ على إمام القرية، فقال: أنا إمام القرية، وهو لا يحسن الفاتحة، فحبذا التنبيه على فضل الدعوة إلى الله؛ لأن بعض الناس يذهبون إلى البر وهذا مباح، ولكن أيهما أفضل: الخروج إلى هذه البراري أم الدعوة إلى الله، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: لا شك أن هذا توجيه مهم من الأخ، وذلك أن الناس في أيام إجازة الربيع الكثير منهم يخرج إلى البر للنزهة والأنس بأصحابه وإخوانه، وهذا من الأمور المباحة لكن ينقسم الناس في هذا الخروج إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: يكتسبون به إثماً، فتجد عندهم من آلات اللهو والموسيقى، والأغاني والألعاب المحرمة التي يحصل فيها شر، ويكون ذلك وبالاً عليهم.

    القسم الثاني: يقضون الوقت في اللغو واللهو وإن لم يصل إلى درجة التحريم.

    القسم الثالث: من يستغله في الدعوة إلى الله، يكون إذا بقي في مخيمه يتلو كتاب الله، يقرأ في كتب التفسير وكتب الحديث، ويتجول بين المخيمات للدعوة إلى الله عز وجل والترغيب والترهيب، ويهدي الله به بشراً كثيراً، والحازم العاقل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).

    حكم المسح على الجوربين في وضوء تخفيف الجنابة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجزئ في وضوء تخفيف الجنابة المسح على الجوربين حتى يمكث في المسجد مع بقاء مدة المسح أم أنه لا بد من غسل القدمين؟

    الجواب: نعم. هذا سؤال جيد، يقول: وضوء تخفيف الجنابة هل يجزئ إذا مسح على الجوارب مع بقاء مدة المسح أو لا بد أن يخلعها ويغسل قدميه؟

    والجواب: يكفي إذا مسح على الجوارب؛ لأنه وضوء يبيح الصلاة له، فإذا كان يبيح الصلاة له إذا كان على غير جنابة، فكذلك يخفف في الجنابة.

    أما المكث في المسجد فلا يجوز إلا إذا توضأ، وإذا كان لابساً جورباً ومسح عليه هل يكفي أو لا بد أن يخلع الجورب ويغسل قدميه؟ فالجواب: أنه يكفي؛ لأن هذه كيفية الوضوء الشرعي الذي يبيح الصلاة، فإذا استدل أحدهم بحديث صفوان بن عسال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (امسحوا عليهما إلا من جنابة) تقول له: هذا في الاغتسال، فإذا أراد أن يغتسل لا بد أن يخلع الجوارب.

    أجر الداعية إلى الله

    السؤال: فضيلة الشيخ! سمعنا من بعض المشايخ أن الإنسان إذا مشى بفكر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي نيته أن يهتدي كل العالم ويدخل في الدين، ويمشي بالفكر والهم لهذه الأمة، فكل من دخل في هذا الدين يكون له نصيب في الأجر، وهذا الشخص خرج للدعوة إلى الله، ولكن لم يذهب إلى جميع البلاد، ولكن نيته أن يهتدي العالم كله، فهل كل من دخل في الدين له بدخوله أجر وثواب؟

    الجواب: لا. إذا لم يكن للإنسان أثر في إدخال غيره في دين الله فليس له أجر، الأجر إنما يكون على من دل على خير وأعان عليه، أما من نوى الخير فله -لا شك- أجر النية بأنه يحب أن الله يهدي الخلق، ولكنه لا يكتب له أجر كل من آمن.

    السائل: فضيلة الشيخ! هم يستشهدون بالحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً بـالمدينة ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم) وفي رواية: (لهم الأجر) أي: أن الله كتب لهم الأجر على نيتهم أن يكونوا مع الرسول في هذه الغزوة؟

    الشيخ: نعم. بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حبسهم العذر، فهم لولا العذر لخرجوا مع المجاهدين فيكتب لهم أجر هذا العمل، ولكنهم لم يدركوه.

    حكم الاستدانة للفدية في الحج

    السؤال: فضيلة الشيخ! حاج ضاعت نفقته هل عليه أن يستدين للفدية؟

    الجواب: إذا ضاعت نفقة الحاج فإنه ليس عليه أن يستدين للفدية، ولكن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع؛ أما إذا ضاعت نفقته ويحتاج إلى نفقة خاصة مثل الأكل والشرب وما أشبه ذلك، فهذا لا بد أن يستدين إذا لم يكن لديه شيء، إلا من عَلِمَ بحاله وأعطاه من الزكاة أو صدقة تطوع فهذا طيب.

    الجمع بين العمرة عن الشخص وعن الميت في وقت واحد وحكم عمرة الصغير

    السؤال: فضيلة الشيخ! معتمر يريد أن يعتمر عن ميت، هل له أن يشرك نفسه في الثواب؟ وإذا اعتمر لصبية صغار ونوى هو أجرهم للميت هل يكون ذلك؟

    الجواب: هذان سؤالان في سؤال.

    أما المسألة الأولى: فإنه لا يصح أن ينوي نسكاً واحداً عن اثنين؛ لأن النسك لا يجزئ إلا عن واحد، كما لو أردت أن تصوم قضاءً عن نفسك وعن ميت فإنه لا يصح.

    وأما المسألة الثانية: فإن ثواب الأولاد لهم؛ لأن الصبي الذي لم يبلغ يكتب له الثواب، ولا يكتب عليه العقاب، لكن لك أجر لكونك أحرمت بهم، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة التي رفعت إليه الصبي وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) أي: الحج للصبي وأنتِ لك أجر، أما ما اشتهر عند العامة أن أجره يكون لأبيه أو لأمه أو لمن حج به فهذا لا أصل له.

    الجمع بين تربية الأبناء وحج التطوع

    السؤال: فضيلة الشيخ! شخص يسأل أن له أولاداً يشغلونه عن التطوع في الحج ويخشى عليهم من نقص الأخلاق في أثناء أداء حج التطوع، فهل ترى له عذراً في ذلك أم لا؟

    الجواب: لا شك أن تربية أولاده واجبة، وحج التطوع ليس بواجب، وكذلك عمرة التطوع، فإذا كان يخشى على أولاده من الضياع إذا ذهب لأداء العمرة في رمضان -مثلاً- أو الحج فإنه لا يجوز أن يذهب للحج؛ لأنه مسئول عن أهله سؤالاً مباشراً، والحج الذي أتكلم عنه حج التطوع.

    مسافة القصر في السفر

    السؤال: فضيلة الشيخ! في الأسبوع قبل الماضي سأل أحد الإخوان، فقال: إنه يذهب (70 كم) ويرجع، فهل عليه قصر أم لا؟ فأفتيته بأنه ليس عليه قصر، بسبب أنه لا يحتاج إلى مئونة وطعام، فما رأيكم: اليوم يستطيع الإنسان أن يذهب إلى الرياض أو الدمام ، ويرجع في يوم ولا يحتاج إلى مئونة سواء بالسيارة أو بالطائرة، أرجو التفصيل لدفع الالتباس، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: العبرة بالعادة وليس بالفعل، العادة أن من ذهب إلى (70كم) ورجع في يومه لا يستعد له استعداد السفر، لكن من ذهب إلى الرياض أو إلى مكة من القصيم فالعادة أنه يستعد له، هذه العادة، يشدون الرحال ويأتون بالأزواد وبالمياه وبالقرب، لكن كونه الآن بالطائرات ليس بعبرة، العبرة بما كان الناس عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن مثل هذا السفر يستعدون له، الآن ربما يذهب الإنسان إلى أبعد من الرياض إلى أماكن بعيدة ليس معه إلا الدراهم فقط، يجد الطعام هناك أمامه في الفنادق وغيرها، ولا يحمله، ولكن العبرة بالأول، قديماً كان الناس إذا ذهبوا إلى مكان قريب (70 كم) -مثلاً- ورجعوا في يوم أنهم لا يستعدون لهذه المدة، ولا يقال: إن فلاناً مسافر، ولكن إذا أراد أن يسافر إلى محل آخر أو إلى (70 كم) ويبقى يومين أو ثلاثة، فإن هذا يستعد له.

    فالمسألة في الحقيقة كما سمعت الآن مني، هذا قول بعض العلماء، بعض العلماء يقول مسافة القصر محدودة لا ترجع للعرف، إذا بلغ (81 كم) أو أكثر قليلاً فهذه مسافة قصر، وإذا كان دون ذلك فليست مسافة قصر، ولكن هذا ليس عليه دليل، ولهذا أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: العبرة بما يسمى سفراً.

    الآن -مثلاً- إذا ذهب الإنسان إلى الرياض صباحاً ورجع وقت العصر قال الناس: إنه مسافر، ولكنه لو ذهب إلى الرس من عنيزة ورجع في يومه لم يقل الناس: هذا مسافر.

    حكم تأخير إنكار المنكر لأجل الدعوة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك بعض المسلمين من أصحاب المعاصي نزورهم بنية الدعوة إلى الله عز وجل، لكن هؤلاء لا يحضرون مجالس الذكر وهم بعيدون عن الله عز وجل، ونجد عندهم بعض المنكرات وأحياناً يريدون أن يختبرونا بأن يفتح أحدهم أغانٍ في وجودنا، ونحن لا ندعوهم أمام الناس، بل نأتيهم إلى بيوتهم، ونحاول أن نكسب قلوبهم في البداية بتكرار الزيارات، ووجدنا حسب التجارب أننا إذا بدأناهم بإنكار المنكر يفرون منا ولا يجالسوننا، ولكن بفضل الله عز وجل نصبر على ذلك، وإن سمعنا أحياناً بعض المنكرات، ولكن بعض الإخوة ينكرون يقولون: لا بد أن تنكروا المنكر، فهل ننكر المنكر مباشرةً أو نصبر بنية الدعوة إلى الله عز وجل؟

    الجواب: منكر المنكر هو مثل الطبيب، لو أن الطبيب أتى على جرح وشقه مباشرة ليستخرج ما فيه فربما يتولد ضرر أكبر، ولكن لو أنه شقه يسيراً يسيراً وصبر على ما يشم منه من رائحة منتنة لحصل المقصود، فأنتم ما جلستم مع أهل المنكر رغبة فيما هم عليه من المنكر، وإنما جلستم من أجل الدعوة إلى الله، وفي ظني أن كل إنسان عنده عقل مميز إذا جلس إلى جانبه صاحب خير فإنه سوف يقلع عن المعصية التي هو عليها، وربما يكابر أو يعاند فيبقيها أو يزيدها كما قلتَ، ولكن اصبرْ فإذا عرفت أنه ليس فيه رجاء فحينئذ لا تجلس معه، ويجب حينئذٍ أن تفارقه.

    حكم اللقطة في الحرم

    السؤال: فضيلة الشيخ! إنسان وجد لقطة وهو داخل مكة في طريق السيل الكبير، ما رأيك هل يدعها في مكانها أم يأخذها معه ويرجع إلى القصيم -مثلاً-؟

    الشيخ: هل وجدها قبل دخول الحرم أم بعد دخول الحرم؟

    السائل: قبل دخول الحرم.

    الجواب: هذه مثل غيرها من اللقطات إن شاء أخذها إن أمن نفسه عليها، وعلم أنه سوف يعرّفها فليأخذها؛ لأن ذلك خير، وأما إذا كان يخشى ألا يعرفها أو لا يأمن نفسه عليها فإنه لا يأخذها ويتركها.

    السائل: إذا كانت شيئاً قليلاً مثلاً (10) أو (20) ريالاً؟

    الأشياء الصغيرة مثل (10)، (20)، (50) ريالاً حسب عرف الناس هل يهتم بها أوساط الناس؟ الظاهر أنه لا يُهتم بها، والشيء الذي لا يُهتم به ولا يُظن أن صاحبه يرجع يبحث عنه يملكها بمجرد الالتقاط ولا يحتاج إلى تعريف.

    المسح على الجوربين

    السؤال: إذا توضأ الإنسان ثم لبس الشراب، وبعد أن مسح عليه احتاج إلى شراب آخر يلبسه، فهل يمسح على الشراب الثاني، وكذلك العكس إذا كان عليه جوارب عدة بعضها على بعضها، فاحتاج إلى نزع أحدها فكيف يكون البناء على المسح؟

    الجواب: أما المسألة الأولى: إذا احتاج أن يلبس ولبس الزيادة على طهارة فلا بأس، فيمسح عليها، ولكن يعتبر المدة من مسح الأول، فلو مضى -مثلاً- يوم وبقيت ليلة على المقيم، فلبس فوق الأول على طهارة، فإنه لا يمسح الثاني إلا بقية الليلة فقط.

    أما العكس إذا مسح الأعلى ثم أراد أن يخفف وخلعه فإنه يخلع الثاني إذا أراد أن يتوضأ ويغسل الرجلين؛ لأنه خلع الممسوح، وإذا خلع الممسوح بطل المسح.

    أما إذا توضأ الإنسان ومسح على الجورب ثم احتاج إلى زيادة، ولبس الجورب الثاني على طهارة بعد أن مسح الأول وهو طاهر فإنه يمسح على الثاني وليس فيه بأس، لكن يمسح عليه بقية المدة، لا يبدأ من جديد، والمثال كما قلت: إنسان -مثلاً- لبس جوارب في الفجر ومسح عليها الظهر والعصر والمغرب، ثم مسح عليه ولبس الجورب الثاني هل يبتدئ يوماً وليلة من جديد أو يكمل الليلة الماضية؟

    الجواب أنه يكمل اليوم والليلة الماضية، أما الآن فيمسح ولو لم يبق من المدة إلا وقتاً واحداً، أما العكس كما لو كان لبس اثنين، ولما مضى نصف يوم خلع الذي كان يمسحه، فهنا يجب أن يتوضأ للصلاة بدون خف، أي: يخلع الجورب، والفرق بينهما أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح.

    معنى إحصاء الأسماء الحسنى

    السؤال: ما صحة حديث: (من أحصى أسماء الله الحسنى دخل الجنة) وكيف يحصيها، وكيف يدخل بها الجنة؟

    الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) هذا ثبت في صحيح البخاري وغيره، ومعنى إحصائها: أن يعرفها لفظاً ومعنى، ويتعبد لله بها، ليس إحصاؤها أن تتغيبها فقط، لابد أن تحفظها وتعرف معناها وتتعبد لله بها، أي: بما تقتضيه هذه الأسماء -فمثلاً- إذا علمت أن الله (غفور) فإنك تتعرض للمغفرة فتستغفر، وتفعل العبادات التي تكون سبباً لغفران الذنوب.

    وإذا علمت بأن الله سبحانه وتعالى (عليم) لا تفعل شيئاً يبغضه؛ لأنه عالم بك.

    وإذا علمت أنه يراك فإن مقتضى هذا الإيمان بأن الله يراك ألا تعمل عملاً سيئاً؛ لأنه يراك ولو كنت في أقصى بيتك.

    وإذا علمت أن الله (سميع) فإنك لا تُسمِع الله شيئاً يغضبه.

    فإحصاؤها ليس بمجرد أن تحفظها؛ لأن هذا سهل لكنَّ إحصاءها معرفتها لفظاً، أي: حفظها، ومعرفة معناها، والتعبد لله بها، فالإنسان إذا فعل هذا أحصاها لفظاً، وفهمها معنى، وتعبد الله بها فهذا هو الدين، ومن دان لله بهذا أدخله الله الجنة.

    حكم الاجتماع للتعزية

    السؤال: فضيلة الشيخ! بعض الناس يجتمعون في البيت ينتظرون الذين يأتون للعزاء، فهل هذا صحيح أم فيه شيء؟

    الجواب: هذا غير صحيح، وهو من البدع، فإن السلف الصالح لم يكونوا يفعلون هذا، بل الشخص يبقى في بيته، وإذا خرج ووجده أحد في السوق عزاه، والتعزية ليست تهنئة يتبادر إليها الناس، ويذهبون إليها، ويسهرون الليل من أجلها، التعزية هي: التسلية والتقوية، وإذا رأيت المصاب فاجلس عنده، أو كلمه وأنت في السوق، وقل: اصبر واحتسب، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، اجعله يطمئن فقط، ليس المقصود بالتعزية أنك تجيء تعلله وتؤنسه كأنك في نزهة، هذا العمل في الحقيقة ينسي الآخرة وينسي الثواب وينسي الأجر، ولذلك تجد الذين يعزون يأتون للإيناس فقط، ولا تجد منهم تذكيراً للمعزى بأن الإنسان يؤجر على الصبر وما أشبه ذلك، إنما يجيئون من أجل إيناس صاحبهم فقط.

    حكم المكث عند القبر بعد الدفن

    السؤال: فضيلة الشيخ! بعد دفن الميت هناك حديث يقول: يبقى قدر ما يذبح البعير، فما معنى ذلك؟

    الجواب: هذا أوصى به عمرو بن العاص رضي الله عنه، قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه الأمة ولم يفعله الصحابة فيما نعلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) هذا هو المشروع، فيقف على القبر ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له ثم ينصرف، أما المكث عنده فليس بمشروع.

    حكم العقيقة، والهدية للكافر

    السؤال: فضيلة الشيخ! حبذا لو أتحفتنا ببعض أحكام العقيقة: تسميتها، ووقتها، وهل يعطى الأغنياء منها، وهل يجوز إعطاء الكافر منها، وهل الأفضل توزيعها أو عمل وليمة؟

    الجواب: العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، تذبح في اليوم السابع، ويؤكل منها ويوزع على الأغنياء هدية وعلى الفقراء صدقة.

    السائل: هل يجوز أن يعطى الكافر منها؟

    الشيخ: الكافر يتصدق منها عليه إذا كان لا ينال المسلمين منه ضرر، لا منه ولا من قومه، لقوله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8] أي: لا ينهاكم عن برهم، بروهم أي: تصدقوا عليهم، ليس هناك مانع أن تبروهم وتقسطوا إليهم، فالبر إحسان، والقسط عدل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].

    حكم الصلاة إلى المدفأة

    السؤال: فضيلة الشيخ! بعض الناس يتورع أن يصلي أمام المدفأة فهل هذا صحيح؟

    الجواب: الصحيح أنه لا بأس بذلك، وما علمنا أن أحداً كرهه من أهل العلم، وإنما كره بعض العلماء استقبال النار التي تتوهج ولها لهيب، وعللوا كراهيتهم لذلك بأن وقوفهم بين يدي النار يشبه وقوف المجوس الذين يعبدون النار، فأما هذه الدفايات فليست كنار المجوس، وإذا قلنا بهذا لقلنا حتى النجفات لا نضعها في الجدران وتزال من المسجد إذا كانت في القبلة؛ لأنها نار، وما زلنا نذكر عن علمائنا أنهم كانوا يأتون بالمباخر ويضعونها أمام الناس بين يدي الصفوف، ثم إن المدفأة هذه إنما تكون بين يدي المأمومين لا بين يدي الإمام، والذي يؤثر هو ما يكون بين يدي الأمام، لو قلنا: أنه مكروه؛ لأن المأمومين تبع لإمامهم، ولهذا لا يشرع لهم اتخاذ السترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، المهم أنه ليس في النفس شيء، ولا بأس بها.

    حكم الصلاة خلف إمام عاصٍ

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الصلاة خلف إمام مُرابٍ ومُسبِل؟

    الجواب: الصلاة خلف الإمام المرابي والمسبل صحيحة، لكن إن تيسر لك أن يؤمك متقٍ صاحب دين فافعل وإلا فصل خلف إمام عاصٍ، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون خلف الحجاج بن يوسف الثقفي ، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف أنه ظالم، قَتَّال للنفوس، ومع هذا صلوا خلفه، وكان ابن عمر وهو من أزهد الناس وأورع الناس يصلي خلفه.

    حكم قراءة سورة (يس) على الموتى

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما صحة الحديث الذي يقول: (اقرءوا يس على موتاكم)وبعض الناس يقرءونها على القبر؟

    الجواب: (اقرءوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يُقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح؛ لأن فيها قوله تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27] فتُقرأ عند المحتضر، هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له.

    حكم العمل باسم شخص آخر

    السؤال: فضيلة الشيخ! عندنا أحد المحسنين قام ببناء مسجد، وأتى بإمام على نفقته، ولكن هذا الإمام لم يتمكن من أن يكون إماماً رسمياً، وهو حافظ للقرآن، ويعمل في الجمعية الخيرية، ولكن يوجد حل آخر وهو أن يأتي باسم شخص سعودي ويتم التفاهم بينه وبين هذا الشخص السعودي، هل هذا العمل صحيح وجزاك الله خيراً؟

    الشيخ: أنا أسألك هل هذا كذب أو صدق؟ السائل: هذا في الظاهر كذب.

    الجواب: هذا كذب ظاهر على كل حال، والجهات المسئولة إن كانت قالت لك ذلك فقد ظلمت نفسها، وظلمتك، وخانت الدولة؛ لأن الواجب على المسئول أن يمشي على ما رسم له في حدود ما شرع الله، وإن كان لا يعجبه، ولا مانع أن يبدي رأيه للجهات المسئولة إن كان لديه رأي، ولكن كونه يخادع ويكتب في المحاضر أن العمل باسم سعودي، والحقيقة أنه غير سعودي هذا فيه خيانة للدولة، وكذب وأكل للمال بالباطل، فلا يجوز أبداً للإنسان أن يتستر ويكتب الوظيفة باسم غيره لأجل أن يأخذها هو.

    حكم بطائق الائتمان البنكية

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك بطاقات ائتمانية تصدرها بعض البنوك وشركات الصرافة، هذه البطاقة يستفاد منها عند السفر للخارج يسدد بها حساب البنوك أو بعض المشتروات من الأسواق، فعندما تأتي الفواتير تخصم من حسابه في البنك أو الشركة، وأحياناً يكون رصيده لا يغطي فيبقى عليه مبالغ للبنك، فالبنك يتحصل عليها فوائد ربوية بنسب معينة، أحياناً تكون عن غير قصد من هذا الشخص فما حكمها؟ وماذا يعمل من حدث له ذلك في السابق؟

    الجواب: هذه المعاملة حرام؛ لأنها معاملة على التزام الربا، وهو إن كان يدفع قبل أن يحل عليه الربا، لكنه قد دخل على التزام الربا فهي حرام، ومن وقعت منه وكان هو المستفيد فالزائد الربوي هذا يتصدق به بنية التخلص منه، وإذا كان هو المظلوم والذي أخذ منه ظالم فتوبته تكفي؛ لأنه مظلوم وليس بظالم.

    كيفية التخلص من الوساوس

    السؤال: فضيلة الشيخ! شاب كان يعمل المعاصي كثيراً والتزم وذهب إلى الدعوة، فأخذت الشياطين توسوس له أن الله ليس حقاً، وأن الرسول ليس حقاً، وأن الصحابة قصص خرافية.. هل يعاقب على هذا الفكر؟

    الجواب: هذه وساوس -بارك الله فيك- يلقيها الشيطان في قلوب أهل الإيمان، وقد جرى هذا للصحابة رضي الله عنهم، وجاءوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: (إن أحدنا يجد في نفسه ما يحب أن يخر من السماء ولا يتكلم به أو يحب أن يكون حممة -أي: فحمة محترقة- ولا يتكلم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان) أي: هذا هو الإيمان الخالص، هذا علامة على الإيمان الخالص، لماذا؟ لأن الشيطان إذا رأى من الإنسان إقبالاً على الحق صرفه عنه بكل ما يستطيع، وإذا كان معرضاً فقد كفي المئونة فلا يأتي إليه، ولا تدخل عليه الوساوس؛ لأن قلبه مظلم.

    والتخلص من ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته) (يستعيذ بالله) أي: يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (ولينته) أي: يعرض عن هذا ولا يفكر فيه إطلاقاً.

    الفرار من الفتن

    السؤال: أخبرنا أحد الإخوة أنه قرأ في كتيب منشور في المملكة أنه في آخر الزمان تكثر الفتن، وأنه على الإنسان أن يسافر إلى الشام أو إلى اليمن هروباً من الفتن، ما صحة هذا الحديث؟

    الجواب: أما كثرة الفتن في آخر الزمان فقد تواترت به الأحاديث، أو كادت تتواتر الأحاديث في هذا، وأما كونه يهاجر إلى الشام أو إلى اليمن فلا أعلم في هذا حديثاً صحيحاً، والهروب من الفتن يكون بالخروج من المدن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال الرجل غنماً يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) ولكن من أمكنه أن يبقى ويصبر ويدعو الناس إلى الخير كان هذا أوجب وأنفع له.

    دفع توهم الإشكال في قوله تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة...)

    السؤال: فضيلة الشيخ! قرأت تفسير قول الله سبحانه وتعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان:28] والإشكال الذي لديّ أن أول الآية يدل على القدرة في الخلق وفي نهاية الآية السمع والبصر؟

    الجواب: قوله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان:28] أي: في سهولة هذا على الله عز وجل، كما قال تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50] إذا أمر بالشيء فهو مثل لمح البصر، يأمر الله الأرض فتهتز، وبلمح البصر يُتلف بهذه الهزة عالماً وبيوتاً وأموالاً لا يحصيها إلا الله، كلمة واحدة لو أتيت بأقوياء الدنيا كلها ما فعلوا هذا الفعل، أو بقنابل الدنيا كلها ما فعلت هذا الفعل، ولكنها كلمة واحدة يقول (كن) فيكون، فيقول: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان:28] هذا من باب التهديد، فهو سميع لأقوالكم، بصير بأفعالكم، فإياكم أن تنكروا شيئاً وأنتم تعرفون عظمة الله عز وجل، هذه المناسبة؛ لأن هذا تهديد لهم لئلا ينكروا شيئاً من عظمة الله.

    ضمة القبر للميت

    السؤال: فضيلة الشيخ! حديث الصحابي الذي حضر جنازته سبعون ألف ملك، وعندما دفنه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد ضُم ضمة لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ) هل هذا حاصل لنا جميعاً أم لا؟

    الجواب: أما كونه حضر جنازته سبعون ألف ملك فهذا لا أعلم به، أما كونه ضمته فهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو سيد الأوس، وقصته معروفة مع بني قريظة الذين كانوا حلفاءه حين غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فغزاهم وحاصرهم أكثر من عشرين ليلة، فلما تعبوا من الحصار سألوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان سعد رضي الله عنه في خيمة له في المسجد؛ لأن أكحله أصيبت في يوم الأحزاب فبنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبة -أي خيمة- في المسجد ليزوره عن قرب.

    وكان رضي الله عنه لما سمع أن بني قريظة وهم حلفاؤه قد نقضوا العهد قال: [اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بهم] أي: بأن يؤخذوا بما نقضوا العهد.

    بعد ذلك أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (إن حلفاءك أرادوا أن ينزلوا على حكمك، فجاء رضي الله عنه من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان بني قريظة راكباً على حمار، فلما أقبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه، ونزل ثم اجتمع رؤساء اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وكان اليهود ينتظرون أن يحكم سعد فيهم بما حكم به عبد الله بن أُبي في بني النضير لكن فرق بين عبد الله بن أبي رأس المنافقين وبين سعد بن معاذ رضي الله عنه.

    فلما حضروا قال: حكمي نافذ عليكم؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من هنا؟ ولم يقل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبه، ما قال: حكمي نافذ على الرسول، بل قال: وعلى من هنا؛ قال: أحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ثم نفذ الحكم فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية.

    وبعد ذلك انبعث الدم من جرح سعد بن معاذ ومات رضي الله عنه، بقي حتى استجاب الله دعوته، أقر الله عينه ببني قريظة حتى صار حكمهم بيده، ولما حكم وانتهت قضيتهم انبعث الدم فمات رضي الله عنه، وورد في الصحيح: (اهتز عرش الرب لموت سعد بن معاذ) الله أكبر! وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

    وما اهتز عرش الله من موت هالك     سمعنا به إلا لـسعد أبي عمر

    أما الضمة فقد ورد أن القبر ضمه رضي الله عنه ولكن فيما أظن أن هذا الحديث فيه ضعف؛ لأن الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرجل إذا سأله الملكان وأجاب بالصواب فسح له في قبره، فإن صح الحديث فالمعنى أنه أول ما دخل ضمه القبر ثم فسح له وقد ذكر أن ضمة القبر للمؤمن كضمة الأم الرحيمة لولدها، أي: ليس ضماً يؤلم أو يؤذي، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء.

    حكم دخول الرجل المسجد وفي رجله روث غنم

    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل يدخل المسجد وفي رجله روث غنم، فما الحكم؟

    الجواب: أنا سأعطيك قاعدة -بارك الله فيك- كل شيء يؤكل لحمه فروثه وبوله طاهر، الغنم روثها طاهر، والبقر طاهر، والدجاج طاهر، والإبل بعرها طاهر، ولكن النهي عن الصلاة في أعطان الإبل ليس هو من أجل النجاسة، لكن لأن أعطان الإبل غالباً تكون مأوى للشياطين؛ لأن الإبل طباعها سيئة غليظة، لهذا تجدون رعاة الإبل عندهم غلظة وفظاظة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الغلظة والجفاء في الفدادين أصحاب الإبل) وقال أيضاً: (السكينة والوقار في أصحاب الغنم) راعي الغنم ساكن هادئ وعنده تأنٍ بخلاف صاحب الإبل، فصاحب الإبل تجده نافشاً رأسه مختالاً كأنه فوق الناس، هذا شيء مشاهد، ولهذا اختار الله للأنبياء أن يرعوا الغنم: (ما من نبي إلا رعى الغنم).

    حكم وضع صوت (قراءة قارئ للقرآن) عند انتظار المكالمة

    السؤال: شخص اتصل فقال: أريد فلان، فوضع مسجلاً عند سماعة الهاتف يقرأ القرآن، هل فيها شيء أم لا؟

    الجواب: هذه يستعملها بعض الإخوة إذا اتصلت عليه، وقلت: أريد فلاناً أسمعك آية من القرآن، حتى في بعض الجهات المسئولة، لكني أرى أن يجعل بدل ذلك شيءٌ من الحكم والأمثال، أو حكم من الأحكام الشرعية، -مثلاً- دخل رجلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بلا طمأنينة ثم جاء فسلم، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة تقام..) ما يحث على صلاة الجماعة فهذا أحسن؛ لأن القرآن أولاً: ربما يكون الذي اتصل عليك يكره هذا الشيء ولا يطمئن له، أنا والحمد لله وإياكم نحب القرآن، لكن قد يكون بعض الناس لا يحب القرآن، يستثقله وإن كان لا يكرهه كراهة قلبية، لكنه يستثقله، أو يقول: هذا الرجل يلزمنا -مثلاً- نستمع ثم يغلق السماعة أو يبقى على مضض، والحمد لله إذا وضعت أحكام أو حِكم مثل (رأس الحكمة مخافة الله) أو ما أشبه ذلك.

    غثائية المطبوعات

    السؤال: نجد الآن في الأسواق بعض الكتيبات الصغيرة تنتشر فيها قصص، وهذه منشورة في المكتبات، فما أجد فيها شيئاً يا شيخ! هل هذه القصص صحيحة، وإن كانت ليست بصحيحة فما حكمها؟

    الجواب: مع الأسف أن أهل المطابع الآن اتخذوا -أو بعضهم- طباعة هذه الكتب تجارة، ولهذا تجدهم يحرصون على التسويق بالكتاب وتصحيح القطاع وما أشبه ذلك، ويأتون بما هب ودب، والسبب في ذلك أن الرقابة على الكتب التي تنشر في الأسواق أو التي تطبع ضعيفة، إما ضعيفة في العلم أو مقصرة في العمل والمسئولية، ولكن الإنسان إذا رأى شيئاً منافياً للدين والأخلاق يجب أن يرفعوا إما إلينا وإما إلى غيرنا ممن يوصل الأمر إلى الحكومة.

    حكم العقيقة عن السقط

    السؤال: الولد الصغير الذي يسقط قبل أن يتم، هل له عقيقة أم لا؟

    الجواب: ما سقط قبل تمام أربعة أشهر فهذا ليس له عقيقة، ولا يسمى، ولا يصلى عليه، ويدفن في أي مكان من الأرض، وأما ما سقط بعد أربعة أشهر فهذا قد نفخت فيه الروح، فيسمى، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين، ويعق عنه على ما نراه، لكن بعض العلماء يقول: لا يعق عنه حتى يتم سبعة أيام حياً، لكن الصحيح أنه يعق عنه؛ لأنه سوف يبعث يوم القيامة ويكون شافعاً لوالديه.

    المسح على الشراب

    السؤال: توضأت وأنا لابس شُراباً ثم خلعت الشراب ولبست شراباً آخر، فما الحكم؟

    الجواب: ما دمت على طهارتك فصل ما شئت، لكن إذا انتقضت طهارتك فلا بد أن تخلع الشراب وتغسل قدميك.

    السائل: اتسخ الشراب مرة، ثم توضأت ومسحت عليه ثم خلعته ولبست آخر ولم أتوضأ.

    الشيخ: هل توضأت وضوءاً كاملاً؟

    السائل: نعم. ومسحت على الشراب الأول، ثم خلعته ولبست آخر؟

    الشيخ: لا يصلح. أي :لا تمسح على الأخريات، لا بأس أن تبقى على طهارتك لكن لا تمسح على هذا.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756195890