الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فقد كنا نتدارس الأمر السادس المتعلق بترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو يدور حول حب الله لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها ودفاعه عنها، وغيرته عليها، وقلت: سأذكر حادثتين تدللان وتقرران ذلك:
الحادثة الأولى مر الكلام عليها، ألا وهي تسببها في نزول آية التيمم بسبب عقدها المبارك رضي الله عنها وأرضاها.
والحادثة الثانية أيضاً بسبب عقدها أنزل الله جل وعلا آياتٍ تتلى في تبرئتها، وفيما حصل لها خيرٌ لها، ولمن له صلة وثيقة بهذه القصة وللمسلمين إلى يوم الدين، وهذا الأمر الثاني هو حادثة الإفك المريرة التي ألفقت واتهمت بها أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وسنتدارس بقية حديث الإفك، ونختم به الكلام على ما يتعلق بمكانة أمنا عائشة رضي الله عنها في ترجمتها المباركة، ثم بعد ذلك ننهي هذا الموضوع ببيان دلالة الآيات على منزلة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وأنه هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وأصحابه صلوات الله وسلامه.
قال سعد : أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه مباشرة، ولا داعي أن تأمرنا بضرب عنقه، نحن نوافقك على عقوبته، فإن كان من تكلم في الإفك من قبيلتنا ضربنا عنقه واسترحنا منه، وإن كان -انظر إلى أدبه ورقة عبارته ولطف كلامه- من إخواننا من الخزرج، أي: ممن ينتسب إليهم وهو معهم وعداده فيهم، و(من) هنا بيانية كما أنها في الأولى تبعيضية، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، إن كان من تلك القبيلة فلا نضرب الرقبة، ولا نقطع اللسان، بل ننتظر أمرك.
ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث في المستدرك مع أنه في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه، قال: لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم أبي سفيان ، أي: للمعركة يوم بدر، وأنهم جاءوا للقتال بعد أن أفلتت العير شاور الناس حين بلغه قدوم أبي سفيان ، فقال: ماذا تقولون؟ فقام أبو بكر رضي الله عنه فتكلم وأحسن، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اجلس، وقام عمر فتكلم وأحسن، فقال: اجلس، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يريد أن يأخذ رأي المهاجرين، فالمهاجرون أمرهم مفروغ منه، أرواحهم في أكفهم، في فداء النبي عليه الصلاة والسلام، وما خرجوا من بلادهم إلا من أجل هذا الأمر، أما الأنصار فقد كانت البيعة بينهم وبين نبينا المختار عليه الصلاة والسلام أن يمنعوه مما يمنعون أنفسهم ونساءهم وأولادهم إذا جاء إليهم إلى المدينة، فما دام في المدينة فإنهم ينصرونه، أما إذا خرج فهذا ما لم يتم الاتفاق عليه، فكأن النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يتحقق من موقف الأنصار إذا خرجوا من المدينة، والموقعة في بدر، وبينه وبين المدينة مائة وخمسون كيلو متراً، فهل ستنصرون نبيكم عليه الصلاة والسلام أو تقولون: النصرة واجبة، لكن ليس بيننا وبينه اتفاق، فإذا رجعت إلى المدينة نصرناك، وأما خارج المدينة فأنت وأصحابك تدبرون أنفسكم، فقال: أشيروا علي، فقام سعد بن عبادة ، وسيأتينا أن سعد بن معاذ أيضاً قام، لكن هنا كما في صحيح مسلم قام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله! لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، يعني: المراكب التي يركبها من خيول وإبل، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها وأن نحركها للسير كحال الراكب عندما يريد أن يحرك خيله للسير يضرب برجله على كبدها لتنطلق، لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغِماد بكسر الغين وضمها لضربناها، وبرك الغِماد، أمر الغُماد: مكانٌ وراء مكة، يبعد مسيرة خمسة ليال في ناحية البحر وجهة البحر، يقال له: برك الغِماد الغُماد، وقيل: هو أقاصي هجر، فأنت إذا أمرتنا أن نسير بخيلنا إلى ذلك المكان سرنا، وإذا أردت أن نخيضها البحر أخضناها، ففرح النبي عليه الصلاة والسلام بكلام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج.
وقد أخذته الحمية حمية الجاهلية في هذا الموطن، وليس من شأن الصديق والصالح ألا يخطئ، أخطأ قطعاً وجزماً، كما أخطأ في بيعة أبي بكر رضي الله عنه فلم يبايع، لما اجتمع الأنصار رضي الله عنهم أجمعين وأرادوا أن يبايعوه في سقيفة بني ساعدة، ثم جاء بعد ذلك عمر وأبو بكر وأبو عبيدة رضي الله عنهم أجمعين، وتمت البيعة لـأبي بكر بناءً على الأدلة الشرعية التي ذكرت، أيضاً أخذته ما يأخذ الإنسان أحياناً من اعتباراتٍ أرضية، فامتنع عن البيعة، ومات رضي الله عنه وأرضاه في خلافة عمر على المعتمد في سنة خمسة عشرة للهجرة في بلاد حوران من بلاد الشام، وقيل: إنه ذهب مبتعداً بسبب ما حصل من الأوضاع، وكونه لم يبايع، يعني: لا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، ولا بعد موت أبي بكر ، فترك المدينة المنورة وذهب إلى ذلك المكان ومات، وسبب موته أنه بال في جحرٍ كما في طبقات ابن سعد ، فاخضر جلده ومات من ساعته، وقال: إنني أشعر كأنه نمل يسري في جسدي. ولذلك نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نبول في الجحور، وأمرنا إذا ذهبنا للحشوش وقضاء الحاجات أن نقول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، وتقدم معنا هذا في الباب الرابع من أبواب الطهارة ما يقوله إذا دخل الخلاء، وعند روايات الحديث ذكرت حديث زيد بن أرقم وهو في المسند والسنن الأربع إلا سنن الترمذي ، ورواه ابن حبان أيضاً وابن خزيمة والحاكم في المستدرك، ورواه البغوي في شرح السنة، وهكذا الإمام النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة، وأبو داود الطيالسي وهو صحيح، ولفظ الحديث من رواية زيد بن أرقم عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، من ذكران الشياطين وإناثهم)، ولما قتل سعد بن عبادة ومات من أثر بوله في الجحر، ما علم أهل المدينة بموته إلا بإنشاد الجن، فكانوا يسمعون الجن تنشد في المدينة دون أن يروا من ينشد ولم يروا شخصه، وكانت الجن تقول:
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم يخطئ فؤاده
هذا بعد أن قتل في بلاد حوراء من بلاد الشام، سنة خمس عشرة للهجرة رحمه الله ورضي الله عنه، وله مقامات مشهورة، تقدم معنا في ترجمة أمنا عائشة وزواج نبينا عليه الصلاة والسلام بها، لو ما عملت وليمةً ولا طعاماً عليها حتى جاءت قصعة وصحفة جفنة سعد بن عبادة ، وكان يرسل كل ليلةٍ إلى نبينا عليه الصلاة والسلام بقصعة طعام تدور معه حيثما دار، رضي الله عنه وأرضاه، وكما قلت: ليس من شرط الصالح ألا يخطئ، يغفر له الله زلـله، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، لكن هذا الزلل إذا قيس بما له من حسن العمل فهو كقطرة في بحرٍ لجي.
توفي وعمره دون الأربعين، كان عمره عندما استشهد رضي الله عنه من أثر الضربة التي أصابته في موقعة الخندق، كان عمره سبعاً وثلاثين سنة، وهو سيد قومه في هذا السن، لكن عنده عقلٌ يسع الدنيا بما فيها، يقول أئمتنا: مقاماته في الإسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إلا يوم بدر لكفى به فخراً، دع ما سواه، وهذا كلام الإمام ابن الأثير في أسد الغابة، والقصة التي سيذكرها مرويةٌ أيضاً في كتب السير، كسيرة ابن هشام ومغازي ابن إسحاق وغيره، وما حصل له أيضاً يوم بدر فقد أشار بما أشار به سعد بن عبادة ، والمعتمد أن سعد بن عبادة حضر موقعة بدر كما قرر ذلك الإمام البخاري وابن منده ، وإن كان بعضهم قال: إنه ما شهدها، والحديث الذي تقدم معنا في صحيح مسلم وغيره يقرر ذلك والعلم عند الله، وأما سعد بن معاذ فحضرها بلا خلاف.
وبعد أن قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أشيروا عليّ أيها الناس)، فقام المقداد بن عمرو وهو من المهاجرين فتكلم وأحسن، وقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين وهم من المهاجرين فتكلموا وأحسنوا، قال: (أشيروا عليّ أيها الناس، فقام
هذا العبد الصالح له مقامات في الإسلام مشهورةٌ عظيمة، وقد كوفئ عليها، وعندما مات اهتز عرش الرحمن لموته فرحاً وطرباً بقدومه؛ لأنه سيعرج بروحه إلى الملأ الأعلى، إلى رب العالمين وأرحم الراحمين، وحديث اهتزاز العرش لموت سعد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله وغيره رضي الله عنهم أجمعين، قال الإمام الذهبي في كتاب العلو صفحة واحد وسبعين بعد أن ذكر طرقه من رواية جابر وغيره: هذا خبرٌ متواتر، أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.
وثبت في الصحيحين وسنن الترمذي وغيرهما من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: (لما أهدي للنبي عليه الصلاة والسلام جبةٌ من حرير لينة الملمس ناعمةٌ حسنة، فبدأ الصحابة يتعجبون من لينها ومن جمالها ومن حسنها ويمسكونها، فقال عليه الصلاة والسلام: مناديل
وثبت في سنن النسائي وغيره بإسنادٍ صحيح من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (فتحت أبواب السماء لـ
سعد بن معاذ له مواقف مشهورة، وهو أعلى من سعد بن عبادة ، وكلٌ منهما صحابيٌ مبارك، وقد أعز الله الإسلام بهما، ولما حصلت موقعة العقبة، ثم أسلم بعد ذلك سعد بن معاذ ، أنشد الجن في مكة وسمع المشركون هذا:
فإن يسلم السعدان يصبح محمدٌ بمكة لا يخشى خلاف المخالف
أي: إذا أسلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فالنبي عليه الصلاة والسلام في مأمن وحصن حصين لا يخشى من خلاف المخالف، ومن عداوة المعادي، فصار معه الأوس والخزرج رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أنصار الإسلام وكتيبة الإيمان، لكن مواقف سعد بن معاذ أقوى من مواقف سعد بن عبادة رضي الله عنهم أجمعين، سعد بن معاذ لما قال النبي عليه الصلاة والسلام ما قال، قال كلمة حق: أنا أعذرك، إن كان المتكلم على أهلك من الأوس ضربنا رقبته واسترحنا، وإن كان من إخواننا الخزرج مرنا فيه بما شئت، نحن طوع بنانك، وأفعالنا متوقفة على حركة لسانك عليه صلوات الله وسلامه.
سعد بن عبادة أخذته حمية الجاهلية وزل فيترضى عنه ويستغفر له، ولا نتكلم بأكثر من هذا، فقام وقال: كذبت لعمر الله ما تقتله، ولا تقدر على ذلك.
إذاً موقعة الخندق كانت قبل، وسعد بن معاذ توفي بعد موقعة الخندق عندما حكم في بني قريظة بحكم الله من فوق سبع سموات، وانفجر بعد ذلك جرحه الذي أصيب به في أكحله، وهو عرق في وسط الساعد، ولما حسم انتفخت يده فانبعث الدم، فكان في ذلك وفاته رضي الله عنه وأرضاه بعد أن أشفى غليله من أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، وهم بنو قريظة، وحكم فيهم بما يرضي الله ويرضي رسوله عليه صلوات الله وسلامه.
فـسعد بن معاذ إذا كان مات بعد موقعة الخندق فكيف شهد هذه الموقعة وقال ما قال؟! استشكل هذا كثيرٌ من أئمتنا وقالوا: ذكر سعد بن معاذ غلط في الرواية، إنما هو أسيد بن حضير الذي ورد أنه دافع عن سعد بن معاذ ، لكن هو في الحقيقة دافع عن نفسه، قال في أول الأمر: ثم رد على سعد بن عبادة ، وهذا الجواب لا يسلم له، وتغليط الرواة من غير دليلٍ واضح بيِّن غير مقبول.
فإن قيل: هذا دليلٌ واضح، قيل: ذهب أئمتنا في توجيه ما ذكرته من إشكال إلى جوابين معتمدين، فقالوا: المعتمد أن موقعة الخندق كانت في العام الخامس ولم تكن في العام الرابع، وأن غزوة بني المصطلق المريسيع كانت في العام الخامس أيضاً، ثم اختلفوا على قولين ووجهوا هذا الإشكال على حسب هذين القولين، فقيل: إن غزوة بني المصطلق المريسيع كانت قبل موقعة الخندق، فإذا كان كذلك فلا إشكال؛ لأنهما في عامٍ واحد، فـسعد بن معاذ كان حياً، وقال ما قال، ثم شهد موقعة الخندق، لكن يعكر على هذا ما ثبت في الصحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد غزوة بني المصطلق غزوة المريسيع، وثبت عنه أنه قال: أول مشاهده موقعة الخندق، مما يدل على أن غزوة المريسيع بعد الخندق، قال أئمتنا: هذا الإشكال لا يرد أيضاً أبداً؛ لأن أول مشاهد ابن عمر التي أجيز فيها الخندق، ولا يمنع أن يشهد غزوةً أخرى لم يجز فيها، كأن يتطوع في الذهاب كما حصل من أنس رضي الله عنه فهو بدري ولم يسم من أهل بدر؛ لأن عمره دون سن الرجال، وأنس لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة كان عمره عشر سنين، وموقعة بدر في العام الثاني للهجرة، فعمره حينها اثنتا عشرة سنة، ما أجيز، لكن ذهب للخدمة فقط، فصار حاله كحال النساء لا يحضرن للقتال إنما يحضرن من أجل خدمة الجيش الذي يقاتل، ولذلك لم يذكر ضمن من حضر بدراً، ولعل ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين حضر المريسيع دون إجازةٍ من النبي عليه الصلاة والسلام، فما حضر ليقاتل، إنما ذهب ليصحب الجيش وليساعد أباه ويخدمه، والعلم عند الله جل وعلا، المقصود أنه لا إشكال في حضوره وإخباره بعد ذلك أن أول مشاهده الخندق؛ لأن تلك أجيز فيها رسمياً، وأما هذه فذهب فيها متطوعاً دون أن يبلغ، هذا الجواب الأول، وهذا الذي مال إليه جمٌ غفيرٌ من أئمتنا.
والجواب الثاني مقبولٌ أيضاً، فقالوا: إما موقعة الخندق جرت قبل غزوة المريسيع بني المصطلق، ثم تلتها غزوة المريسيع، وسعد بن معاذ حضر غزوة الخندق، وأصيب كما قلنا بضربةٍ بسهمٍ في أكحله، ووضع في المسجد ليداوى فامتد علاجه، وذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى غزوة المريسيع بني المصطلق وعاد ولا زال سعد بن معاذ في المسجد يعالج ويطبب، ونصبت له خيمة وقبة وهو فيها، فلما عاد النبي عليه الصلاة والسلام وجرى من المنافقين ما جرى نحو الإفك رقى النبي عليه الصلاة والسلام المنبر واستشار الناس، وسعد بن معاذ كان حاضراً، وإن لم يشهد غزوة المريسيع، لكن شهد مشورة النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه في أمر الإفك فقال ما قال رضي الله عنه وأرضاه.
هذان الجوابان هما اللذان حققهما أئمة الإسلام: كشيخ الإسلام الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في المجلد الثاني عشر صفحة عشرٍ ومائة، وهكذا الإمام ابن حجر في فتح الباري في الجزء الثامن صفحة واحد وسبعين وأربعمائة فما بعدها، ولذلك فـسعد بن معاذ تثبت له هذه المنقبة، ولا داعي لأن نقول: هذا وهمٌ من الرواة بتسميته، وأنه أسيد بن حضير ، فـسعد بن معاذ أعطى رأيه، فرد عليه سعد بن عبادة ، فدافع عن سعد بن معاذ وعن الحق أسيد بن حضير كما سيأتينا.
أسيد بن حضير -وهو من الصحابة الكرام الأبرار، وله مواقف مشهودة في الإسلام أيضاً- قد ثبت في سنن الترمذي بسندٍ حسن، ومستدرك الحاكم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، والحديث صححه الحاكم وقال: على شرط مسلم ، وأقره عليه الذهبي ، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (نعم الرجل
وثبت في صحيح البخاري وغيره: نزول الملائكة عند قراءة أسيد بن حضير ، ويقال: كان أجود الصحابة صوتاً بقراءة القرآن، وهو أيضاً من النقباء كـسعد بن عبادة ، لكن توفي في خلافة عمر بعد سعد بن عبادة ، وبعد سعد بن معاذ سنة عشرين للهجرة، وقد حمل عمر بن الخطاب بنفسه جنازته، وصلى عليه في البقيع رضي الله عنهم أجمعين.
وقول أسيد بن حضير لـسعد بن عبادة : إنك منافق يحتمل أمرين كما قرر أئمتنا:
الأمر الأول: أن هذا من باب الزجر والترك، ليزجره بما يخلع قلبه، ولا يراد منه حقيقته، كما تقول للعاصي: إذا زنيت خرجت من الإيمان، ولا يكفر بالزنا، إنما تريد بذلك أن تزجره بلفظٍ ينزجر به، فإذا قلت له: إذا زنيت خرجت من الإيمان وكفرت بالرحمن، يقول: أعوذ بالله، كيف أزني؟! إذاً لا أزني، ولو قطعتم رقبتي ما دام أن الزنا يخرج من الإيمان، وهذا إحدى تأويلات خمسة قيلت في إطلاق لفظ الكفر ونفي الإيمان عن فاعل المعصية، من جملته أن هذا من باب الزجر والتغليظ.
والثاني: قيل: إن النفاق هنا لا يريد منه نفاق المعصية، وأنه منافقٌ في الإيمان، إنما يريد أن يقول: أنت تظهر مودة الأوس وأنت من الخزرج، وأظهرت لنا أن العداوات التي كانت بيننا قبل الإسلام زالت بالإسلام، ثم الآن بدأت تخفيها، فكأنك أظهرت خلاف ما قلته لنا، وهذا هو حال النفاق، أظهرت ما في مكنونك، وأنك تتحين مناسبة من أجل أن تعارض الأوس، وهذا هو شأن المنافق الذي يقول: أحبك وفي قلبه ليس كذلك، فإذا وجد فرصةً أظهر ما فيه، ولا يقصد أنه ليس من المؤمنين، إنما يريد أنت نحونا في هذه الخصلة لست بصادقٍ.
ومن الرواة من قال نقلاً عن أمنا عائشة رضي الله عنها: وأبواي يظنان أن البكاء فالقٌ كبدي، يعني: بكت حتى كانت تظن أن البكاء سيمزق كبدها، وأبواها رضي الله عنهم أجمعين يظنان ذلك، أي: أنها من كثرة البكاء ستموت، وأن كبدها سيتقطع، تبكي ليلتين متصلتين مع يومٍ بينهما، قالت: فبينما هما جالسان عندي -يعني: أبواها- وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأةٌ من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي -تشاركها في مصيبتها رضي الله عنهن أجمعين- فبينا نحن كذلك -هذا بعد الليلة الثانية- ونحن في الصباح إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء.
وتقدم معنا أنه عندما كان يدخل عليها يقول: (كيف تيكم)، وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيءٍ، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: (أما بعد: يا
وحقيقةً: نهاية الصبر الفرج، والصبر مفتاح الفرج، والصبر الجميل هو الصبر الذي لا شكوى معه إلا إلى الله جل وعلا، لا أشكو إليكم حالي، ولا أقول: إني بريئة، وأفوض أمري إلى ربي فهو أعلم بشأني فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف:18]، أي: فصبري صبر جميل، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]، قالت: ثم تحولت، أعرضت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعن أبويها، وعن المرأة التي معها، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذٍ أعلم أني بريئةٌ، وأن الله مبرئني ببراءةٍ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ يتلى. ومن الرواة من قال نقلاً عن أمنا عائشة من التابعين الأربعة الذين تقدم معنا ذكرهم: ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، تقول: أنا على يقين أني بريئة، وأن الله سيبرئني، لكن كنت أطمع أن يرى رسول الله عليه الصلاة والسلام رؤيا ببراءتي، ورؤيا الأنبياء وحي، أما أن ينزل وحيٌ وقرآنٌ يتلى من كلام الله في تبرئتي، فأنا أحقر في نفسي من ذلك، وما خطر هذا ببالي، ولم يا أمة الله وأنت الصديقة التي يحبك الله جل وعلا، ولما ضاع عقدك وسع الله على الأمة بسببك فأنزل آية التيمم، ولكن الأتقياء يتهمون أنفسهم دائماً وفي كل حين.
يذكر أئمتنا في ترجمة العبد الصالح زاهر ، وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، يقال: ابن حرام بالحاء المهملة المفتوحة بعدها راء، وقيل: بزاي قبلها حاء مكسورة زاهر بن حرام ، وهو من الصحابة الكرام من أهل البادية، يذكر أئمتنا في ترجمته في كتب تراجم الصحابة حديثاً رواه الإمام أحمد في المسند وأبو يعلى والبزار ، ورواه الترمذي في الشمائل المحمدية على نبينا صلوات الله وسلامه، وهو في صحيح ابن حبان أيضاً، ورواه البغوي في شرح السنة، وإسناد الحديث صحيحٌ كالشمس كما نص على ذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، انظروه في الجزء التاسع صفحة تسعٍ وستين وثلاثمائة، والحديث صححه أيضاً شيخ الإسلام الإمام ابن حجر في الجزء الأول صفحة اثنتين وأربعين وخمسمائة، ولفظ الحديث: عن أنسٍ رضي الله عنه وأرضاه قال: كان رجلٌ من أهل البادية يحضر هدايا إلى النبي عليه الصلاة والسلام من البادية ما بين الحين والحين، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يكافئه بهدايا من المدينة المنورة، على منورها صلوات الله وسلامه، ثم يقول: (
فلما حصل ما حصل، والنبي عليه الصلاة والسلام بجوارها، وأعرضت عن أهل الدنيا قاطبةً، واضطجعت على فراشها، وتحولت عنهم، وقالت: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]، قالت: فو الله ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه، يعني: ما فارقه ولا خرج منه، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، الأبوان والمرأة الأنصارية التي تبكي معها حتى أنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء: وهي شدة الحمى التي تأخذ الإنسان والكرب الذي يتغشى، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا نزل عليه الوحي يأخذه ما يأخذ المحموم من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شاتٍ فيه بردٌ قارصٌ شديد من ثقل القول الذي أنزل عليه.
والجمان: هو الدرة، وهي القطعة من الفضة، وقيل: خرزةٌ تعمل من الفضة، يتحدر منه مثل الجمان، أي: عرق، كأنه لؤلؤ وحبات فضة مدورة، قالت: فسري عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ذهب عنه الوحي وهو يضحك، فكان أول كلمةٍ تكلم بها أن قال لي: (يا
(أبشري يا
تقول عائشة فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق ، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره -أي: فقر مسطح - : والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعدما قال لـعائشة رضي الله عنهم أجمعين، فأنزل الله: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22]، فقال أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.
قال الحافظ ابن حجر : في هذا الحديث من الفوائد: أن من آذى النبي عليه الصلاة والسلام بقولٍ أو فعلٍ يقتل، وهذا أخذه من إطلاق سعد بن معاذ الذي قال: إن كان هذا القائل من الأوس قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج مرنا فيه بما شئت، فأقره النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد قرر أئمتنا كما في كتاب المغني لشيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في الجزء العاشر صفحة ثلاثين ومائتين: أن من قذف أم نبينا عليه الصلاة والسلام فحده القتل، وإن تاب وأناب، سواء كان من المسلمين أو من الكافرين، يعني لو قدر أن مسلماً قذف أم نبينا عليه الصلاة والسلام وقال: هذه كانت في الجاهلية تعمل وتعمل، أو أنه عندنا في الدار الإسلامية قذف ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، نقول: لو شهدت ألف مرة وتبت قبلنا توبتك، وإذا قذفت هذه الطاهرة المطهرة أم نبينا عليه الصلاة والسلام آمنة فليس لك حد إلا أن نضرب رقبتك، ولو وصلت في الصلاح إلى درجة الملائكة، وهذا هو قول الإمام أحمد ، قال ابن قدامة : وقد ذهب الإمام الشافعي وأبو حنيفة إلى أن قذف أم النبي عليه الصلاة والسلام ردة، إن تاب قبلنا توبته، وأسقطنا عنه القتل، ثم قال: وقول الإمام أحمد الذي ذهب إليه وهو أن قاذف أم النبي عليه الصلاة والسلام يقتل أقوى لوجهين اثنين:
أولهما: هذا هو حد القذف، من قذف أم النبي عليه الصلاة والسلام، أو إحدى زوجاته بعد نزول الآيات، أو قذف نبياً من الأنبياء، فهذا هو حد القذف، وحد القذف لا يسقط تاب أو لم يتب، هذا موضوع آخر، فإن تاب قتلناه، ويموت إن شاء الله على الإيمان، وإن لم يتب قتلناه ويموت على الكفر، فلا بد من استيفائه منك، أما أن تتوب أو لا فهذا بينك وبين ربك، الحد عقوبة دنيوية لا بد من تنفيذها.
إذاً هذا المرجح الأول لقول الإمام أحمد رحمه الله ورضي الله عنهم أجمعين، عقوبة قاذف أم النبي عليه الصلاة والسلام أو النبي أو نبي من الأنبياء أو إحدى زوجاته الطاهرات المطهرات بعد نزول هذه الآيات، عقوبته القتل، ولا تسقط هذه العقوبة بتوبة القاذف، إنما هذه بينه وبين ربه، كما لو قتل إنساناً وتاب لا يسقط عنه الحد، ولا بد من استيفائه، وتقدم معنا أن قذف عرض النبي عليه الصلاة والسلام في زوجاته في أمه في نفسه كل هذا كفر؛ لأن الله نزه نفسه عن ذلك، هذا كوصف الله بالولد، لكن هناك كفر يمكن أن يقال منه وأن تقبل توبته، أما هنا فلا بد من ضرب الرقبة.
الأمر الثاني: يقول ابن قدامة : لو أسقطنا الحد عن قاذف أم النبي عليه الصلاة والسلام، أو عن قاذف النبي، أو قاذف زوجات النبي، لكان قذف النبي وزوجاته وأمه أخف من قذف غيره؛ لأن غيره لا يسقط الحد عن القاذف بتوبة القاذف، فكيف هنا نسقط الحد وهنا لا يوجد جلد ثمانين، بل إما قتل وإما ترك، أنت لو قذفت إنساناً عادياً لا بد من أن تجلد وإن تبت، فكيف هنا نسقط الحد؟! إذاً هذا يجعل قذف النبي عليه الصلاة والسلام، وقذف أمه، وقذف زوجاته الطاهرات المطهرات، أقل من قذف غير النبي وغير عرض النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لا ينبغي، وحقيقةً: هذا الحكم سديدٌ رشيد. وهو: أن من قذف النبي عليه الصلاة والسلام أو قذف أمه، أو قذف إحدى زوجاته الطاهرات المطهرات، فلا حد له إلا إزالة رقبته من جسمه.
وهذا الحكم الذي ذكره شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة هو المقرر عند أئمتنا الكرام، وقد قرر هذا أيضاً الإمام الألوسي في روح المعاني في الجزء الثامن عشر صفحة سبعٍ وعشرين ومائة، قال: والذي ينبغي أن يعول عليه في الحكم كفر من رمى إحدى أمهات المؤمنين، ليس هذا الحكم خاص بأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، من رمى إحدى أمهات المؤمنين بعد نزول هذه الآية كفر، سواءٌ قصد الرامي الطعن في النبي عليه الصلاة والسلام أم لم يقصد، وسواءٌ استباح الرمي أو لم يستبح، فبمجرد أن يتلفظ بقذف زوجةٍ من زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام، أو بقذف نبينا، أو بقذف أمه يكفر، قال: وأما قبل نزول الآيات الكريمات ففي ذلك تفصيل: من قصد الطعن في النبي عليه الصلاة والسلام أو استباحه فلا شك في كفره، وهذا هو حال المنافقين الذين تكلموا في عرض نبينا الكريم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه صلوات الله وسلامه، وقصدوا الطعن بنبينا عليه الصلاة والسلام عن طريق الطعن بزوجه الطاهرة المطهرة، فلا شك في كفر فاعل ذلك. وأما من تكلم تقليداً، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [النور:15]، وأما من تكلم تقليداً فإنه يوبخ توبيخاً شديداً، ويبين له الحكم.
ومن قلد دون وعي وبصيرة فهذه غفلةٌ وسذاجة، ولا ينبغي أن يقع فيها إنسان، لكن من أجل الضعف البشري يوبخ ويقام عليه الحد، وبعد ذلك تقال عثرته.
انظروا تفصيل الكلام على ذلك في المغني وفي كتاب روح المعاني وغيرهما من كتب أئمة الإسلام.
إخوتي الكرام! لما قذفت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها حصل لوالدها ما حصل من العار والتعيير الذي حصل لابنته أمام الناس، فلا بد أيضاً من تطييب خاطره كما طيب خاطر ابنته، فإذا أنزل الله آياتٍ تتلى في براءة ابنته الطاهرة المطهرة، فقد جعل ضمن تلك الآيات آيات في منزلة صديق هذه الأمة، ومكانته من أجل أن يتسلى عن المصيبة التي وقعت عليه وعلى ابنته وعلى فلذة كبده، وليتحقق من قول الله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11]، انظر إلى الخيرية التي حصلت لـأبي بكر في هذه الآيات رضي الله عنه وأرضاه.
قال الله مشيراً إلى مكانة أبي بكر ومنزلته، وأنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22]، وبالإجماع هذه الآية نازلة في أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
قول الله: ولا يأتل، في مطلعها وفي أولها، (يأتل) افتعال يفتعل، من ألوت بمعنى قصرت، والألو التقصير، بوزن عتو ألو، (ولا يأتل)، أي: لا يقصر في النفقة على من كان ينفق عليه، إذاً (ولا يأتل) افتعال من الألو بمعنى التقصير، وإما من آليت بمعنى حلفت، قال الشاعر:
قليلُ ألألا يا حافظٌ ليمينه إذا صدرت منه الألية برت
قليلُ ألألا يا، أي: قليل الأيمان والحلف والقسم، قليل ألايا حافظٌ ليمينه إذا صدرت منه الألية، يعني: اليمين والقسم برت، وهنا (ولا يأتل) إما من الألية بمعنى الحلف والقسم، وقد حلف أبو بكر ألا ينفق على مسطح ، وإما من التقصير ولا يقصر في النفقة بعد أن جرى من مسطح ما جرى، ولا يقصر ولا يحلف على أن يقصر، قال أئمتنا: وحقيقة الإيلاء والألية هو الحلف المقتضي بتقصيرٍ في الأمر الذي يحلف الحالف عليه، فقد حلف أبو بكر على أن يقصر في نفقته على مسطح ، بل أن يقصر نفقته عن مسطح ، وألا ينفق عليه شيئاً مما كان ينفق عليه قبل ذلك.
المعنى الثاني وهو فيما يظهر أقوى المعنيين لقراءة أبي جعفر ، وهو من القراء العشرة، وهو أحد المدنيين قرأ: (ولا يتألّ)، وهذه القراءة قال عنها الحافظ في الفتح عند تفسير سورة النور من كتاب التفسير في صحيح البخاري في الجزء الثامن صفحة تسعٍ وثمانين وأربعمائة عند الآيات التي في موضوع الإفك، يقول: قال الفراء : قرأ أهل المدينة بتأخير الهمزة وتشديد اللام يتألّ، ثم قال: وما نسب إلى أهل المدينة عن طريق الإمام الفراء غير معروف، إنما نسبت هذه القراءة من الحسن البصري ، والإمام ابن حجر واهمٌ في ذلك قطعاً وجزماً، فهذه القراءة قرأ بها أحد المدنيين وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع شيخ نافع رضي الله عنهم أجمعين، والقراءة متواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، كما ذكر ذلك الإمام ابن الجزري في تقريب النشر في صفحة تسعٍ وأربعين ومائة، وذكرها أيضاً ممن كتبوا في القراءات الشيخ عبد الفتاح القاضي في البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة في صفحة اثنتين وعشرين ومائتين، وعبارة الإمام ابن الجزري يقول: بهمزة مفتوحة بين التاء واللام، ولا يتألّ، وتشديد اللام مفتوحةً، يقول: مضارع تألّ إذا حلف يتألّ، فقول الحافظ ابن حجر : هذه القراءة تنسب للحسن البصري ، وما خرج عن العشر شاذ، كقراءة الحسن البصري ، وقراءة اليزيدي وابن محيصن ، كلها من القراءات الشاذة، فقوله: تنسب للحسن البصري كأنه يريد أن يقول: إنها شاذة وليس بصحيح فهي متواترةٌ، وليس هذا من باب الرد على ابن حجر ولا الطعن فيه رحمه الله ورضي الله عنه، لكن كل علمٍ يؤخذ من أهله، فالقراءة لا تؤخذ من المحدثين، كما أن الحديث لا يؤخذ من القراء، والفقه يؤخذ من الفقهاء لا يؤخذ من أهل الحديث ولا من القراء، وكل أناسٍ لهم اختصاص، واستعينوا على كل صنعةٍ بصالح أهلها.
والإمام ابن حجر عليه رحمة الله عندما قال: هذه لا تعرف عن أهل المدينة خالفه أئمتنا فنسبوها إلى أهل المدينة، فإذاً هذه ترجح معنى قراءة الجمهور يأتل بمعنى يحلف، (ولا يأتل) أي: ولا يحلف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه (أولوا الفضل منكم والسعة) على أن يقصروا في النفقة.
الأمر الأول: ما تمدح فيه، فكم من إنسان عنده غنى في هذه الحياة، وعنده الأموال الطائلة كـقارون ولم يمدح، والله يذكره في الكتاب ويقول: أنت صاحب الفضل، وكثرة المال لا تمدح فيه.
الأمر الثاني: ذكر كثرة المال في اللفظ الذي تلى هذا في الآية الكريمة بقوله: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [النور:22]، إذاً السعة مذكورة، فلا يراد من الفضل الفضل الدنيوي، إنما يراد منه الفضل الديني، فذكر هنا أولي الفضل باللام التي تفيد الاستغراق، أي: هو الذي حوى جميع الفضائل، وهو أفضل الصحابة، وهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فالفضل هنا الفضل في الدين كما قال رب العالمين: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، وأشار الله إلى هذا النوع من الفضل فقال جل وعلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]، الفضل الديني، أما أنه فضلٌ دنيوي يمدح به الإنسان فلا، إنما هو صاحب فضلٍ في الدين، وهو صاحب سعةٍ في الدنيا.
قال الإمام الرازي وغيره من المفسرين: وقد نعت الله أبا بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه في هذه الآية بصفاتٍ عديدةٍ.
الدلالة الأولى: كنى عنه بلفظ الجمع مدحاً له فقال: (أولوا الفضل)، وصيغة الجمع من باب الإشارة إلى منزلة أبي بكر وعلو شأنه ورفعة قدره عند ربه جل وعلا.
الدلالة الثانية: (ولا يأتل أولو الفضل منكم)، نعته الله بأنه صاحب الفضل، والفضل هو إعطاء ما ينبغي لا لعوض، تعطي دون أن تطلب مقابلاً، وهذا كقول الله جل وعلا في الآية التي وصف بها أبا بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه في سورة الليل: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21]، والآية التي قبلها في أبي بكر رضي الله عنه: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].
فالفضل إعطاء ما ينبغي لا لعوض، ما يطلب مكافئةً معنويةً ولا مادية، وهذا حال أبي بكر صاحب الفضل، ولا يأتل أولوا الفضل منكم، إذاً هو صاحب فضلٍ في الدين، ويتفضل على عباد الله.
الدلالة الثالثة: قال أئمتنا: أشار الله في هذه الآية إلى قيام أبي بكر رضي الله عنه بأمر الدين على وجه التمام والكمال، من تعظيمٍ لله وشفقةٍ على خلق الله، كما وصف بذلك، وكما هو حال ابنته الصديقة رضي الله عنها وأرضاها.
أما قيامه بالدين ورسوخه فيه فظاهر، ثم بعد ذلك هو صاحب سعة وإحسان ينبغي أن يجود على عباد الرحمن، وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:22]، فهو صاحب فضلٍ في الدين، وإحسانٍ في الدنيا، يعظم الله ويشفق على خلق الله، والدين كله يقوم على هاتين الدعامتين: تعظيمٌ لله، وإحسانٌ إلى عباد الله.
الدلالة الرابعة: أمر الله صديق هذه الأمة بالعفو عن ابن خالته مسطح ، والعفو يعظم ويكبر بمقدار الجناية، فأي جنايةٍ جرت من مسطح ؟ مسطح قريبٌ لـأبي بكر ، ومسكين، كان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليه عندما هاجر ولا يملك شيئاً، ثم وقع مسطح رضي الله عنه فيما وقع، فتكلم على قريبته، وعلى ابنة المحسن إليه، وعلى أمه، وعلى زوجة نبيه عليه الصلاة والسلام، فدلالته حقيقة دلالةٌ عظيمةٌ فضيعة، مع كل هذا ما جرى من أبي بكر رضي الله عنه نحو مسطح عقوبة، إلا أنه قال: سأقطع إحساني عنه فقط، لا سبه ولا شتمه، ولا ضربه، ولا خاصمه، لكن يقول: هذا ما قدر المعروف، فأنا لا أحسن إليه، وأقطع نفقتي عنه، فما رضي الله بذلك وعاتبه، وطلب منه أن يعفو، فأي عفوٍ سيصدر من أبي بكر مقابل هذه الجناية، عفوٌ عظيمٌ عظيم لا يقوم به إلا الرجل العظيم، وحقيقةً: ذنب مسطح كما قال أئمتنا:
لو كان نجماً في أفق السماء لخر على الأرض بذنبه وزلته
ومعصيته التي جرت منه.
فإن قدر الذنب من مسطحٍ يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه
ومع عظم جنايته وشناعة كلامه الذي تكلم به ما رضي الله لـأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أن يصارم مسطحاً ، وأن يقطع إحسانه عنه، فقال: تخلق بأخلاق الله، كما أنا أعفو عن عبادي، اعف عمن يسيء إليك، وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النور:22]، نعم هم أخطئوا في حقكم، لكن أنتم لا تقابلوا الخطأ بالعدل، وقابلوه بالفضل، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22]، فانظر إلى فعل أبي بكر فليس عفواً وصفحاً فقط، وإعادة الإحسان الذي كان يحسن به إلى مسطح ، بل عفوٌ وصفحٌ ثم مضاعفة الإحسان، فقد كان ينفق عليه بعد نزول الآية ضعف ما كان ينفق عليه قبل ذلك، وقال: بلى نحب أن يغفر الله لنا، وهو الغفور الرحيم.
وقد ثبت ذلك في معجم الطبراني الكبير بسندٍ رجاله ثقات، وإسناده جيد، كما في مجمع الزوائد في الجزء السابع صفحة تسعٍ وسبعين، وانظروه في فتح الباري في الجزء الثامن صفحة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة، لما نزلت هذه الآية قال: أحب أن يغفر الله لي، وأن أكون لليتامى خيراً مما كنت عليه، وبدأ ينفق عليه ضعف ما كان يعطيه قبل نزول الآية.
وهذه الآية نزلت في معاتبة صديق الإسلام، وما رضي الله لـأبي بكر إلا أن يتخلق بأخلاق ذي الجلال والإكرام، وخلق الله العفو والرحمة، ورحمته سبحانه وتعالى سبقت غضبه، فإذا كان كذلك ينبغي أنت أيها الصديق! أن تتصف بهذا الخلق.
والمعاملة ثلاثة أقسام: إما أن تعامل بالجور، أو بالعدل، أو بالفضل، فالجور لا يكون في معاملة الله لعباده، ولا في معاملة الصالحين أيضاً مع الناس، بقي بعد ذلك معاملتان: عدل وفضل، العدل جائز في معاملة الناس به، لكن كلما تخلقت بأخلاق الله تعامل بالفضل، فإذا كانت الآية تطلب منا أن يعامل بعضنا بعضاً بالفضل، فربنا أولى بأن يعاملنا بالفضل لا بالعدل، ولذلك كل من عومل في الآخرة بعدل الله هلك وهو في النار، وكل من عومل بفضل الله جل وعلا نجا وهو في الجنة، وما طابت الدنيا إلا بذكر الله ومحبته، وما طابت الآخرة إلا بمغفرة الله ورحمته، وما طابت الجنة إلا بالنظر إلى نور الله ومشاهدته.
فإذاً كما أمرنا أن يتفضل بعضنا على بعض فهو أولى بذلك الخلق، ولذلك رحمة الله عندنا أرجى من عملنا، ومغفرة الله لنا أوسع من ذنوبنا، مهما كثرت ذنوبنا فمغفرته أكثر، وعملنا فيه من العلل ما فيه، ولا نعول إلا على رحمة أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وإذا طلب منا أن يعامل بعضنا بعضاً بالفضل فهو أولى بذلك الخلق.
وكنت ذكرت أن بعض الآيات أيضاً هي أرجأ ما قيل في القرآن، وقلت: هذا الذي يظهر لي، وأثر أيضاً عن عليٍ رضي الله عنه، وعن حفيده علي بن الحسين زين العابدين رضوان الله عليهم أجمعين: أن قول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، قيل: إنها أرجأ آية، وقلت: هذا الذي كان يظهر لي قبل أن أقف على قول هذين الإمامين الطاهرين المباركين، الصحابي علي وحفيده التابعي رضوان الله عليهم أجمعين، ولما وقفت على قولهما حمدت الله جل وعلا على توفيقه، ووجه ذلك كما قلته مراراً في تقرير هذا: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، الشرك لا يغفر، ما عداه: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، المعاقبة على الذنوب عدل، والمغفرة فضل، والله جل وعلا أخبرنا أن ما عدا الشرك دائرٌ بين الفضل والعدل، وإذا دار الأمر بين عدلٍ وفضل فالمرجح في حق الله الأصل، ولذلك هذه أرجأ آية في القرآن، وكل إنسانٍ عندما يسمع هذه الآية: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، إذا كان من الموحدين يرجو أن يكون ممن يشاء الله له المغفرة والرحمة، والله إذا أطمع عبداً حقق له طمعه فهو عند ظن عباده به، فليظنوا به ما شاءوا، وظننا بربنا أن يغفر لنا، وأن يرحمنا، وأن يدخلنا الجنة من غير حساب ولا عذاب، إنه كريمٌ وهاب، هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
وفيما يتعلق بمبحث أرجأ آيات القرآن، أكثر أئمتنا من بيان بعض الآيات التي قيل: إنها أرجأ آية في القرآن، وقد ذكر أئمتنا في ذلك بضعة عشر قولاً في بضع عشرة آية، انظروا هذا المبحث الشيق الذي تطرب له العقول واستحضروه عند السياق في هذه الآيات في كتاب الإتقان للسيوطي في الجزء الرابع صفحة ثمانٍ وأربعين ومائة إلى صفحة ثلاثٍ وخمسين ومائة، وانظروه في البرهان للإمام الزركشي في الجزء الأول صفحة ستٍ وأربعين ومائتين إلى ثمانٍ وأربعين ومائتين، وبذلك نكون قد انتهينا من المبحث الأول فيما يتعلق بدراسة إسناد حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وندخل غداً إن أحيانا الله في فقه الحديث، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر