إسلام ويب

كتاب الصلاة [10]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نهى الشارع عن الصلاة في ثلاث هيئات: اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء، وكذلك إذا لم يكن على عاتقه منه شيء. واختلف العلماء في اشتراط الطهارة من النجاسة للصلاة، فقائل بأن ذلك سنة مؤكدة، وقائل يقول بفرضية ذلك مطلقاً وكل له مستند من الشرع.

    1.   

    ترجيحات في حد العورة وحكم سترها في الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

    الراجح في صلاة من لم يجد ما يستر عورته

    قوله: (واختلف في من عدم الطهارة، هل يصلي أم لا يصلي؟).

    وأما قوله: (هل يصلي أم لا يصلي؟)

    فالراجح: أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، للقادر على ذلك؛ للآية، وهي من باب إطلاق الحال، الذي هو الزينة، وإرادة المحل وهو الثياب، ويدل على ذلك أيضاً حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )، رواه أبو داود و الترمذي وحسنه، وصححه شيخنا في صحيح أبي داود رقم: (648)، والإرواء رقم: (196)، وصحيح الجامع رقم: (7747).

    وقال الإمام النووي : وجه الاستدلال به: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق، أي: في الشرطية، انظر كتاب المجموع (3/173).

    الراجح في تحديد عورة الرجل في الصلاة

    وقوله: ( قال البخاري وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، وقال بعضهم: العورة الدبر والفرج والفخذ ) قلت: والراجح أن عورة الرجل في الصلاة ما بين السرة إلى الركبة، وأنه يجب ستر السرة والركبة؛ لأن ذلك هو الدائم من فعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وقد قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وحديث أنس الذي فيه: أنه كشف عن فخذه، إنما وقع خارج الصلاة.

    حد عورة الرجل

    حد العورة للرجل.

    قال: [ وأما المسألة الثانية: وهي حد العورة من الرجل، فذهب مالك و الشافعي إلى أن حد العورة منه ما بين السرة إلى الركبة، وكذلك قال أبو حنيفة ] و أحمد [ وقال قوم: العورة: هما السوأتان فقط من الرجل ] وبهذا القول قال أهل الظاهر و ابن جرير و الإصطخري ، وهو رواية أخرى عن أحمد .

    الراجح في حد عورة المرأة

    حد عورة المرأة.

    وقوله: [ وأما المسألة الثالثة: وهي: حد العورة من المرأة:

    فأكثر العلماء ومنهم مالك و الشافعي ، ورواية عن أحمد ، وعنه: إلا وجهها فقط.

    والراجح أن عورة المرأة في الصلاة: جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها؛ لحديث ابن عمر عند البخاري قال: ( لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )، ولو كان الوجه والكفين من العورة لما حرم سترها عند الإحرام.

    ولذلك فالمرأة مأمورة أن تكشف وجهها وكفيها في الإحرام، ولو كانا من العورة؛ لحرم كشفهما في الإحرام، ولما حرم على المرأة أن تلبس قفازين، أو أن تستر وجهها في الإحرام. فهذا دليل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة في الصلاة والإحرام.

    والخلاصة: أن الوجه والكفين للمرأة خارج الصلاة، عند الرجال عورة، وفي الصلاة والإحرام ليسا بعورة.

    حكم ستر الوجه والكفين للمحرمة بغير القفاز والنقاب

    فإن قيل: [فهل للمحرمة أن تستر وجهها وكفيها؟]

    فيقال: يجوز لها أن تسترهما لكن بغير النقاب والقفازين، والنقاب: شيء معروف يستر به الوجه، والقفاز: شيء يستر به الكف، لا يجوز أن تلبسه المحرمة، ولكن لها أن تلبس غيرهما؛ لأن علة التحريم في الملبوس نفسه.

    وأما في الصلاة فيجوز لها أن تكشف وجهها وكفيها ولا تبطل صلاتها؛ لأنه لا يوجد إحرام في الصلاة.

    1.   

    اللباس المجزئ في الصلاة وبعض هيئات اللباس فيها

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الثاني من الباب الرابع فيما يجزئ من اللباس في الصلاة:

    أما اللباس فالأصل فيه قوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[الأعراف:31] ].

    هيئات اللباس المنهي عن الصلاة فيها

    قال المصنف رحمه الله: [ والنهي الوارد عن هيئات بعض الملابس في الصلاة، وذلك: أنهم اتفقوا -فيما أحسب- على أن الهيئات من اللباس التي نهي عن الصلاة فيها، مثل اشتمال الصماء ] واشتمال الصماء ورد فيه حديث: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد، ليس على فرجه منه شيء ) قال: [ وهو أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ] وهذا كلام غير صحيح والمعنى الصحيح هو: [ أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ] أو لعله ما في البخاري : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ) ولكن لا يسمى اشتمال الصماء.

    قال: [ وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ] إذاً المصنف لم يقصد الحديث، وإنما قصد الأشياء المنهية، وهي ثلاثة أشياء:

    الأول: اشتمال الصماء.

    الثاني: أن يصلي في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء.

    الثالث: أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء.

    فهذه ثلاث هيئات نهي عن الصلاة فيها.

    أما أن يصلي في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء فهذا فيما إذا كان له ثوبان، أو كان له ثوب طويل، فيخالف بين طرفيه ويعقده على عاتقه، فيكره أن يصلي فيه على هذه الهيئة، وقد يقول قائل: إنه لا يملك غيره، فيقال: عليه أن يربطه، ويجعل على عاتقه منه شيئاً.

    أما اشتمال الصماء فهي: أن يلتحف الرجل في ثوبه، ويجعل يديه من الداخل، وهذه الصفة مكروهة؛ لأنه لا يستطيع أن يخرج يديه وهو يصلي.

    وأما الاحتباء فهو قسمان: قسم في صلاة الجمعة، وهو الحبوة المعروفة، والحبوة: هي أن يجلس الرجل ويضع على ركبتيه شيئاً، وهي مكروهة في صلاة الجمعة؛ لأنها تأتي بالنوم.

    والثاني: الاحتباء وهو: أن يضع ثوبه على عاتقيه ويجلس، وليس على فرجه منه شيء، فهذا هو الاحتباء في الصلاة.

    معنى السدل في الصلاة

    وأما السدل فهو طرح الرداء على الكتفين، دون رد طرفه على الكتف كالبشت الذي عند السعوديين فإذا لبسه أحدهم فلا يخرج يديه من أكمامه؛ لأنه لو أخرج يديه صار مخالفاً للعادة، وإن لم يخرجها فهو سدل.

    ولكن شيخنا ناصر الدين الألباني بالغ في السدل كثيراً.

    فهو يرى أن البشت هذا سدل؛ فلا يلبسه، ولذلك لم يلبسه في السعودية حتى مرة؛ لأنه إذا أخرج يده خالف الهيئة المعروفة وإن بقيت يديه فيه صار سدلاً؛ حتى إنه قيل له: لا بد أن تلبسه؛ حتى تعرف، فقال: لست جحاً أعرف بثيابي!

    ومن السدل عند الشيخ: طرح الشال والغترة دون أن يرد أحد الطرفين على الكتف؛ ولذلك كان يرى: أن لبسها بهذه الصفة من السدل.

    وكذلك فإن من السدل: لبس الكوت دون أن يخرج يديه منه وهذا سدل حقيقة؛ لأن معنى السدل: أن يلبس الشيء ولا يخرج يديه منه. فهذه الهيئات المنهي عنها في الصلاة.

    معنى الكفت وحكمه

    وأما الكفت فهو: أن يكفت الثوب ويضمه، وهو مكروه إن كان في الصلاة؛ لأنه يشغل الإنسان في الصلاة، أما إذا كان مكفوتاً من قبل الصلاة فأنا لا أرى فيه شيئاً إذا كان من أصله مكفوتاً، لكن إذا شغل في الصلاة كما نرى بعض أصحاب البشوت السعودية، فإنه يشغله في الصلاة! مرة يصلحه ومرة يكفته، حتى إنك إذا رأيت بعضهم لا تظن أنه في صلاة؛ ولهذا كان يتحرج بعض الشافعية إن صلى بعد إمام سعودي؛ لأن الشافعية عندهم تبطل الصلاة بثلاث حركات.

    والأصل أن الحركة مبطلة، ولكن وردت حركات غير مبطلة يحددها العرف؛ لأن الشرع إذا لم يحدد، فيرجع في التحديد إلى العرف، فقال الشافعية: إن الثلاث الحركات كثيرة وتبطل، وأن ما أقل من الثلاث فليس بكثير ولا يبطل. وقال غيرهم: بل العرف أنك إذا رأيته تظنه لا يصلي؛ لأنك لو رجعت إلى الشرع لن تجد فيه حداً.

    وأصل اختلافهم في هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( اسكنوا في الصلاة )، ولكن ورد عنه أنه فتح الباب وهو يصلي، وكذلك أنه صلى على المنبر، فلما لم يجدوا حداً في الشرع يحد الحركة، رجعوا إلى العرف

    فاختلفوا في العرف.

    ولكن أنا أرى: أنه إن كان الكفت قبل الصلاة فلا شيء فيه، وأما في الصلاة فهو شغل.

    وأما كفت الشعر للرجل: فلا يجوز في الصلاة، ويكره ربطه خارج الصلاة، بل يتركه كما هو.

    وأما المرأة فإنها تربطه، ولا تتركه، فقد كانت النساء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يربطن شعورهن.

    الصلاة في البنطال

    وأما الصلاة في البنطال: فإنه إذا كان ضيقاً يصف العورة فتكره الصلاة فيه، وأما إذا كان بنطالاً تركياً أو مثله -كما يقول شيخنا- فلا شيء فيه؛ لأنه واسع جداً؛ فهو مثل الإزار، ومنسدل لا يصف العورة.

    وأما البناطيل هذه التي نراها، فتكره الصلاة فيها، ولكن لا أقول: الصلاة باطلة فيها؛ لأن العورة مستورة وإنما قد تصف بعضها.

    ولكن إذا كان يظهر شيء من جسمه أدنى من السرة بطلت الصلاة فيه، أو إذا ظهر شيء من العورة بطلت الصلاة.

    قال: [ وسائر ما ورد من ذلك: أن ذلك كله: سد ذريعة ألا تنكشف عورته ولا أعلم أن أحداً قال: لا تجوز الصلاة على إحدى هذه الهيئات إن لم تنكشف عورته ] أي إنما يقولون: مكروه فقط [ وقد كان على أصول أهل الظاهر يجب ذلك ].

    اللباس المتفق على إجزاء الصلاة فيه

    قال المصنف رحمه الله: [ واتفقوا على أنه يجزئ الرجل من اللباس في الصلاة: الثوب الواحد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: ( أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال: أولكلكم ثوبان؟ ) ] أي: ليس الكل يملك ثوبين، بل كان أكثرهم ليس معه ثوب إلا ثوب واحد فقط.

    أقوال العلماء في صلاة مكشوف الظهر والبطن

    قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا في الرجل هل يصلي مكشوف الظهر والبطن، فالجمهور على جواز صلاته؛ لكون الظهر والبطن من الرجل ليسا بعورة، وشذ قوم فقالوا: لا تجوز صلاته لنهيه صلى الله عليه وسلم: ( أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ).

    وتمسك بوجوب قوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] ] أي: إن هذه الآية دليل نتمسك به على أن نأخذ زينتنا وأنها حد العورة المعروفة.

    ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ واتفق الجمهور على أن اللباس المجزئ للمرأة في الصلاة: هو درع وخمار؛ لما روي عن أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ماذا تصلي فيه المرأة؟ فقال: في الخمار والدرع السابغ إذا غيبت ظهور قدميها ) ]. والحديث أخرجه أبو داود وقال الحاكم : صحيح، ووافقه الذهبي وتعقبهما الألباني في الإرواء فقال: من أوهامهما الفاحشة، فإن أم محمد بن زيد لا تعرف كما قال الذهبي ، والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

    [ ولما روي أيضاً عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )، وهو مروي عن عائشة و ميمونة و أم سلمة أنهم كانوا يفتون بذلك ]، وهذا حديث صحيح أخرجه أبو داود و الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم و الألباني [ وكل هؤلاء يقولون: إنها إن صلت مكشوفة أعادت في الوقت وبعده، إلا مالكاً فإنه قال: إنها تعيد في الوقت فقط ]. أي: أن مالكاً يقول: إذا صلت الأمة وهي مكشوفة الرأس، فإن عليها أن تعيد في الوقت.

    [ والجمهور على أن الخادمة لها أن تصلي مكشوفة الرأس والقدمين، وكان الحسن البصري يوجب عليها الخمار واستحبه عطاء ].

    سبب الاختلاف في صلاة الأمة مكشوفة الرأس والقدمين

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الخلاف ] أي: هل هي كالحرة أو لا؟

    [ الخطاب المتوجه إلى الجنس الواحد ] أي: إلى جنس النساء، [ هل يتناول الأحرار والعبيد معاً أم الأحرار فقط دون العبيد؟ ].

    ولكن الراجح: أن الخطاب يتناول الأحرار والعبيد، فما كان ستراً للحرة في الصلاة وغيرها فهو ستر للأمة في الصلاة وغيرها، ولا فرق بينهما في العورة؛ لأن الأمة امرأة من جنس بني آدم، ليسوا من جنس آخر.

    أذكر أن قرية بقربنا، اشتهرت بالجهل الشديد، فجاء إليها عبد مملوك، فنزل عند أحدهم، فقال الرجل لزوجته: أكرمي العبد، يعني: أعطيه فطور وكذا، فأعطته قصباً وماء؛ لأنها ظنت أنه من غير جنس بني آدم، ظنت أنه جنس آخر! -فهؤلاء كانوا يقولون: إن الأمة جنس آخر- فجاء إليها زوجها، فسألها عما أعطت العبد، فقالت: أعطيته قصباً وماءً، فقال: لكن ما أعطيتيه مجرد علف؟! فقالـت: وهل الخويدم نويدم؟! يعني: وهل هذا الخادم من بني آدم؟

    فالخلاصة أنه لا فرق بين الأمة والحرة، فكل ما تجده في الحرة ستجده في الأمة من إقبال الرجال عليها، ومن الافتتان بها إلى غير ذلك، فكيف نقول: لها أنها تكشف وجهها، وتكشف رأسها، وتتعرى للرجال! بل إن هذا لا يجوز لا في الصلاة ولا خارجها.

    صلاة الرجل في ثوب الحرير

    قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا في صلاة الرجل في الثوب الحرير، فقال قوم: تجوز صلاته فيه ] وهؤلاء هم: الشافعي ، و أبو حنيفة ، وأظن مالكاً أيضاً، ورواية عن أحمد [ وقال قوم: لا تجوز ] وهذا القول: رواية عن أحمد ، فرواية عن أحمد أنها تجوز، ورواية عنه أنها لا تجوز، أما الشافعي و مالك و أبو حنيفة فقولهم قول واحد: إنها تجوز.

    [ وقوم استحبوا له الإعادة في الوقت ] لأنهم رأوا أنه أحوط له.

    سبب الاختلاف في صلاة الرجل في ثوب الحرير

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في ذلك: هل الشيء المنهي عنه مطلقاً اجتنابه شرط في صحة الصلاة أم لا؟ ] لأن لبس الحرير منهي عنه مطلقاً.

    [ فمن ذهب إلى أنه شرط قال: إن الصلاة لا تجوز به، ومن ذهب إلى أنه يكون بلباسه مأثوماً والصلاة جائزة، قال: ليس شرطاً في صحة الصلاة، كالطهارة التي هي شرط ] لأنهم اتفقوا على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة [ وهذه المسألة هي من نوع الصلاة في الدار المغصوبة، والخلاف فيها مشهور ]. أي: الخلاف في باب الأصول، فيمن صلى في دار مغصوبة هل صلاته صحيحة، أو غير صحيحة؟ فقالوا: هل يتوجه الأمر والنهي على الشيء الواحد بشخصه، فمثلاً: هل يتوجه الأمر والنهي على غصب الدار، ولبس الحرير مع أنه شيء واحد؟ قالوا: إن الشيء الواحد إن كانت له جهة واحدة فلا يتوجه فيه الأمر والنهي؛ لأنه إما أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه.

    فمثلاً: الإيمان بالله شيء واحد، فهل يكون مأموراً به ومنهياً عنه مع كونه شيئاً واحداً؟

    وأما إذا كان متعدد الجنس فإنه يتوجه فيه، أي: يتعدد فيه الأمر والنهي، كالحيوان مثلاً، فيجوز فيه أكل الأنعام ويحرم أكل الخنزير؛ لأنه بالجنس الواحد، لا بالشخص الواحد.

    وأما إذا كان بالشخص، ولكن اختلفت الجهة، فاتفقوا على أنه إذا اختلفت الجهة: جاز تعدد توارد الأمر والنهي وإن كان شيئاً واحداً، لكنهم اختلفوا في التحقيق؛ فقالت الحنابلة: أن من صلى في ثوب حرير أو صلى في دار مغصوبة فإن حركاته غصب؛ فتكون الجهة واحدة وبناءً على ذلك فالصلاة باطلة، وقال الأئمة الثلاثة: إن صلاته ليست مطلوبة وغصبه منهي عنه؛ فالجهة هنا مختلفة ومنفكة؛ وبناء على ذلك فتكون صلاته صحيحة، وعليه إثم غصبه.

    واختلفوا في مثل ذلك اختلافاً كثيراً، فلو صلى في خاتم ذهب أو غترة حرير؛ فالجهة هنا منفكة بالاتفاق.

    والمقصود بالجهة: جهة النهي مثلاً في الخاتم الحرير فإنه لا تعلق لها بالصلاة، وليست شرطاً في تمام الصلاة، فالجهة إذاً تكون منفكة.

    وقد جاءني مثال ما رأيته فيما مثلوا به في الأصول، وهو أحسن مثال للجهة غير المنفكة، هذا المثال هو: الوضوء بالماء المغصوب؛ لأن نفس استعماله للماء في غسل أعضائه نقص للماء، وإذهاب له، فلا يجوز لك أن تأخذ ماء غيرك لتتوضأ به، ولكن لو أن إنساناً مثلاً أخذ ماء غيره للوضوء؛ فإن الوضوء مأمور به، ولكن غصب الماء منهي عنه، فالجهة فيه غير منفكة، أما غصب الدار مثلاً للسكن فالجهة منفكة؛ لأنه يغصبه في غير الصلاة، بخلاف غصب الماء للوضوء، فإن نفس استعماله للماء نقص للماء وإذهاب له؛ ولذلك فالجهة فيه غير منفكة.

    فالوضوء بالماء المغصوب لا يجزئ، وإذا اشتبه في غصب الماء فلا يتوضأ به ولا يغتسل بماء مغصوب، وهذا ما أفتينا به في القرى، فقلنا لمن استعمل ماء غيره -كأن يكون لهم خزان مشترك، فيستعمل منه ماءً بعد استيفائه حظه منه- قلنا لهم: إن صلاتكم وجنابتكم باقية عليكم حتى تغتسلوا بماء غير مغصوب، ولا يشتبه فيه؛ لأن الجهة غير منفكة.

    أما مثلاً: الذي يحج على سيارة مغصوبة، فلا يدخل تحت هذا؛ لأنها مجرد وسيلة للوصول إلى الحج، وكذلك مثلاً: الإفطار بماء مغصوب فهذه تعتبر وسائل لا شرطاً في العبادة.

    وبناءً على ما سبق، فإن الراجح في الصلاة في الحرير هو: الجواز؛ لاختلاف جهة الأمر بالصلاة، والنهي عن لبس الحرير. فإن الجهة منفكة، فالحرير منهي عن لبسه في الصلاة وغيرها.

    الصلاة في خاتم الذهب وعمامة الحرير

    واتفقوا على صحة الصلاة في خاتم الذهب وعمامة الحرير؛ لأن النهي لا يعود على شرط الصلاة؛ لأن العمامة والخاتم ليست شرطاً في صحة الصلاة، ولا كمالية، فليس لها تعلق بالصلاة أصلاً.

    أما إذا كان مما يستر به العورة فلا بأس.

    وأما من أبطل الصلاة في الدار المغصوبة فهو يحتج بأن حركاته غصب، فيكون سجوده غصب للدار واعتداله غصب للدار؛ فتكون الجهة غير منفكة.

    حكم غصب الأرض لجعلها مسجداً

    فإن قيل: لو اغتصب الأرض لتكون مسجداً؟

    فيقال: هذا ما يجوز.

    الباب الخامس: اشتراط الطهارة للصلاة:

    1.   

    الطهارة من النجس

    مذاهب العلماء في الطهارة من النجاسة

    [ الباب الخامس: وأما الطهارة من النجس فمن قال: إنها سنة مؤكدة؛ فيبعد أن يقول: إنها فرض في الصلاة أي من شروط صحتها ] وممن قال بهذا: مالك فهو يقول: إن الطهارة سنة مؤكدة، لا يقول: إنها شرط في صحة الصلاة.

    [ ومن قال: إنها فرض بإطلاق؛ فيجوز أن يقول: إنها فرض في الصلاة، ويجوز ألا يقول ذلك ] كالإمام الشوكاني -مثلاً- فإنه يرى أن ستر العورة واجب، ولكنه يقول: لا يبطل الصلاة عدمها.

    [ وحكى عبد الوهاب عن المذهب في ذلك قولين: ] أي: مذهب مالك [ أحدهما:

    أن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة في حال القدرة والذكر ] وهذا هو الراجح [ والقول الآخر:

    أنها ليست شرطاً ] والقول الأول هو الراجح من حيث الدليل، وهو أن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة، في حالة القدرة والذكر.

    ويدل على ذلك حديث النعلين، الذي فيه ( أن جبريل أخبره أن في نعليه قذراً، فخلعهما واستمر في الصلاة ).

    [ والذي حكاه من أنها شرط لا يتخرج على مشهور المذهب ] أي: مذهب مالك ، فإن المشهور فيه: أنها ليست بشرط، ولكن نحن نرجح أنها شرط.

    [ من أن غسل النجاسة سنة مؤكدة، وإنما يتخرج على القول بأنها فرض مع الذكر والقدرة ]، وهذا القول ليس قوياً في المذهب، ولكنه قوي من حيث الدليل، [ وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطهارة وعرف هناك أسباب الخلاف فيها، وإنما الذي يتعلق به ها هنا الكلام من ذلك: هل ما هو فرض مطلق مما يقع في الصلاة يجب أن يكون فرضاً في الصلاة أم لا؟ ] أي: الأشياء التي تكون مفروضة عليك دائماً، فالطهارة ليست مفروضة عليك دائماً، لكن ستر العورة مفروض عليك دائماً.

    قال: [ والحق أن الشيء المأمور به على الإطلاق، لا يجب أن يكون شرطاً في صحة شيء ما ] إذاً فالمصنف يرجح: أن ما كان شرطاً في صحة الصلاة، قد لا يؤمر به دائماً، كما قال الشوكاني .

    [آخر مأمور به وإن وقع فيه إلا بأمر آخر ] إلا إذا جاء أمر آخر يخبر بأن ستر العورة مأمور به، والابتعاد عن النجاسة مأمور به في خارج الصلاة، فلا بد أن يأتي دليل خاص في أنه مأمور به في الصلاة، ودليل على أنه مأمور به خارج الصلاة.

    فالمؤلف يرى أنه لا بد من دليل خاص يخبر أنه مأمور به في الصلاة؛ فإن جاء دليل خاص أنه مأمور به في الصلاة كان شرطاً لصحة الصلاة، وإن لم يأت دليل خاص فهو ارتكاب أمر محرم، والصلاة صحيحة.

    [ وكذلك الأمر في الشيء المنهي عنه على الإطلاق لا يجب أن يكون شرطاً في صحة شيء ما، إلا بأمر آخر ].

    ولكن نقول: إن الطهارة من النجاسة قد ورد في حديث أسماء . والأمر به، وترتيب الصلاة على إزالتها في قوله صلى الله عليه وسلم: ( تحته ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ثم تصلي فيه )، وهذا الترتيب بثم (ثم تصلي فيه) يقتضي الشرطية، فهو دليل على أن الابتعاد عن النجاسة شرط في صحة الصلاة، وقد علقنا على الحديث فيما تقدم.

    الراجح في حكم إزالة النجاسة للصلاة

    وبناءً على ما سبق فيكون الراجح أن الابتعاد عن النجاسة شرط في صحة الصلاة عند القدرة والذكر، ويدل على ذلك حديث النعلين وحديث أسماء ، فحديث النعلين يدل على أنها ليست بشرط عند النسيان أو عدم القدرة، وحديث أسماء يدل على أنه شرط عند القدرة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756621648