إسلام ويب

شرح عمدة الفقه - كتاب البيع [5]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أحكام بيع الربويات أنها إذا اتحدت في الجنس يشترط فيها التساوي والتقابض، ولابد في تحقيق التساوي من الأخذ بالمعيار الشرعي، بالكيل في المكيلات، وبالوزن في الموزونات، ولا يصح بيع ما يكال بالوزن، أو بيع ما يوزن بالكيل، وقد ذكر العلماء ضوابط لمعرفة المعيار ا

    1.   

    من أحكام بيع الربويات

    تقدم لنا تعريف الربا في اللغة والاصطلاح، وذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله في علة ربا الفضل، وما هي الأموال الربوية؟ وما هي الأموال غير الربوية؟

    فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن المال الربوي كل مكيل وكل موزون، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، هذا المال الربوي.

    والرأي الثاني -اختيار شيخ الإسلام -: ما هو المال الربوي؟ المكيلات المطعومة والموزونات المطعومة، أيضاً ما كان ثمناً للأشياء، هذا المال الربوي، وذكرنا رأي أبي حنيفة ومالك والشافعي .. إلى آخره، ولا حاجة لإعادة هذه الأقوال.

    ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً، ولا موزون كيلاً).

    ذكرنا فيما سبق بعض الضوابط، ومنها: التعريف، وما المراد بالمال الربوي وإذا بادلنا ربوياً بجنسه، فإنه يشترط شرطان، وإذا اختلف الجنس واتحدت العلة، يشترط شرط واحد التقابض، وإذا اختلف الجنس والعلة، لا نشترط شيئاً، مثال ذلك عند مبادلة الذهب بالبر، الجنس مختلف، الذهب يختلف عن البر، لا نشترط شيئاً، لا نشترط التساوي، وكذلك أيضاً لا نشترط الحلول والتقابض، لا نشترط شيئاً.

    وإذا انتفت العلة من كلٍ من العوضين أو من أحدهما فإننا لا نشترط شيئاً، مثال ما انتفت العلة فيه من أحد العوضين، بيع ذهب بقماش، الذهب العلة فيه الثمنية، القماش ليس ربوباً؛ لأن علة ربا الفضل ليست موجودة فيه، ليس ثمناً للأشياء، وليس مطعوماً مكيلاً، أو مطعوماً موزوناً.

    مثال آخر انتفت العلة من أحد العوضين: الفضة بالطماطم، الطماطم ليس مالاً ربوياً، وإن كان مطعوماً إلا أنه ليس مكيلاً ولا موزوناً.

    مثال ثالث: الريالات بالسيارات، الريالات ربوية، السيارات ليست ربوية، لا يشترط التساوي، وأيضاً لا يشترط التقابض.

    قلنا: إذا انتفت العلة من أحد العوضين، أو انتفت من كل منهما، فإننا لا نشترط شيئاً، مثاله سيارات وأقمشة، السيارات ليست مالاً ربوياً، الأقمشة ليست مالاً ربوياً، ما نشترط شيئاً، تبيع بالتقابض، بعدم التقابض، بالتساوي، بعدم التساوي. مثال آخر انتفت فيه العلة من كل من العوضين، يعني كلاً من العوضين ليس مالاً ربوياً، بيع الخشب بالحديد، والخشب ليس مالاً ربوياً، والحديد على الصحيح ليس مالاً ربوياً، لا نشترط شيئاً، فعندما تبادل خشباً بحديد فبع كيف شئت.

    مثال أيضاً، أحذية بأقمشة، الأحذية ليست أموالاً ربوية، المال الربوي على كلام شيخ الإسلام ما جمع وصفين:

    إما أن يكون ثمناً للأشياء، ويستخدم في البيع والشراء، مثل الريالات، الجنيهات، الليرات، الدراهم، وإما أن يكون مطعوماً مكيلاً، مطعوماً موزوناً، فالأحذية والأقمشة هذه بع كيف شئت.

    ثلاجة بثلاجتين، الثلاجات ليست أموالاً ربوية، بع كيف شئت، ثلاجة بثلاجتين، لا يشترط التساوي، ولا التقابض، غسالة بغسالتين، قلم بقلمين، ثوب بثوبين بعشرة أثواب، كل هذا نقول: بأنه جائز، ولا بأس به، لا نشترط شيئاً مادام أنه ليس مالاً ربوياً، لا نشترط شيئاً.

    المعيار الشرعي في بيع الربويات

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً ولا موزوناً كيلاً).

    إذا اتحد الجنس الربوي فلا بد أن تكون المساواة بالمعيار الشرعي، كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات.

    مثال اتحاد الجنس الربوي: بر ببر، هنا اتحد الجنس الربوي، بر ببر، ذهب بذهب، فضة بفضة، إذا اتحد الجنس الربوي يشترط التساوي والتقابض أن يكون يداً بيد، هذا التساوي لابد أن يكون بمعياره الشرعي، كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات، فالبر ما هو معياره الشرعي؟ الكيل، نقول: صاع بر بصاع بر، مد بر بمد بر.

    لكن عشرة كيلو بر بعشرة كيلو بر هذا لا يجوز؛ لأنك ما ضبطته بمعياره الشرعي، عندما تبادل البر من جنسه لابد أن يكون بمعياره الشرعي، البر معياره الشرعي الكيل، ما تضبطه بالوزن، فعندما تقول: عشرة كيلو بر بعشرة كيلو بر نقول: ما يصح هذا، لابد أن يكون بمعياره الشرعي وهو الكيل، صاع بصاع، صاعان بصاعين إلى آخره. مثل هذا الذهب، معياره الشرعي الوزن، فعندما تبادل الذهب بذهب تقول: عشرون جراماً من الذهب بعشرين جرام، كيلو ذهب بكيلو ذهب.. إلى آخره، لكن صاع ذهب بصاع ذهب نقول: لا يجوز؛ لأنك ما ضبطت الذهب بالمعيار الشرعي. عند مبادلة الجنس الربوي بمثله يشترط التساوي، والتساوي هذا شدد فيه الشارع، قال: ( مثلاً بمثل، سواء بسواء )، ولا تحصل هذه المثلية والمساواة إلا بالمعيار الشرعي، فلابد في المكيلات أن نضبطها بمعيارها الشرعي، والموزونات لابد أن نضبطها بمعيارها الشرعي، وهذا عندما نبادل الربوي بجنسه، عندما تبادل براً ببر، شعيراً بشعير، ذهباً بذهب، فضة بفضة.. إلى آخره.

    أما إذا بادلت بغير جنسه ما يشترط المعيار الشرعي، بادل ذهباً بفضة لا يشترط، تضبطه بالكيل، تضبطه بالوزن، كله جائز؛ لأن التساوي لا يشترط، فالتساوي هنا ليس شرطاً، فإذا كان التساوي ليس شرطاً فالمعيار الشرعي ليس شرطاً، نحن لا نشترط المعيار الشرعي إلا عند اشتراط التساوي، كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات.

    نحن الآن ذكرنا أن المكيل يضبط بالكيل، عندما تبادل مكيلاً بجنسه، المكيل تضبطه بالكيل، والموزون تضبطه بالوزن، كيف نعرف المكيل؟ وكيف نعرف الموزون؟

    نقول: عندنا حديث ابن عمر رضي الله عنه، وضوابط ذكرها العلماء رحمهم الله.

    أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة)، هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا ما كان مكيلاً عند أهل المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبقى مكيلاً إلى يوم القيامة.

    ننظر إلى المكيلات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المدينة، فتبقى مكيلة، وننظر إلى الموزونات عند أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتبقى موزونة.

    فالبر مكيل عند أهل المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والتمر مكيل، والملح مكيل، والشعير مكيل.

    والذهب موزون عند أهل مكة، والفضة موزونة عند أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتبقى هذه الأشياء موزونة، وتلك تبقى مكيلة، فما كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام عند أهل المدينة مكيلة فإنها تبقى مكيلة، وما كان عند أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم موزونة فإنها تبقى موزونة.

    الأشياء التي لم توجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل مكة ولا أهل المدينة، فما الحكم فيها؟ إذا كان عندنا أشياء لم توجد عند أهل مكة، أو عند أهل المدينة، فما الحكم فيها؟

    هذا موضع خلاف:

    بعض العلماء يقول بالقياس مثل ما ذكرت، يعني أنها تلحق بما يشابهها عند أهل مكة أو أهل المدينة.

    والقول الثاني: أنه يرجع إلى عرف البلد، فننظر أعراف الناس، هل هذا مكيل عندهم أو هذا موزون؟

    وقد ذكر العلماء رحمهم الله ضوابط للمكيلات والموزونات، من هذه الضوابط:

    الضابط الأول: قالوا: كل الحبوب مكيلات، هذا ضابط يشمل كثيراً من الحبوب، هذا يدخل فيها الرز، يدخل فيها الذرة، يدخل فيها الدخن، يدخل فيها السمسم، وأشياء كثيرة، هذه كلها مكيلات، فعندما تبادل رزاً برز يشترط الكيل، عندما تبادل سمسماً بسمسم يشترط الكيل، ذرة بذرة يشترط الكيل، معياره الشرعي هو الكيل.

    الضابط الثاني: قالوا: كل المائعات مكيلات، يشمل هذا الدهن، يشمل العسل، يشمل الحليب، يشمل اللبن، فعندما تبادل حليباً بحليب، حليب بقرة بحليب بقرة، يشترط أن يكون بالكيل، بادل عسلاً بعسل يشترط الكيل، عندما تبادل دهناً بدهن يشترط الكيل، لبناً بلبن يشترط الكيل.. إلى آخره، كل المائعات مكيلات.

    الضابط الثالث: قالوا: كل المعادن موزونات، فعندك الذهب موزون، الفضة موزونة، الحديد إذا قلنا: يجري فيه الربا موزون، الرصاص موزون، النحاس موزون.. إلى آخره.

    فعندما تبادل حديداً بحديد تضبطه بالوزن، ما تضبطه بالكيل، لكن الصواب أن الحديد ليس ربوياً، تبيع حديداً بحديد مع القبض أو دون قبض، هذا كله جائز ولا بأس به.

    الضابط الرابع: قالوا: بأن الشعر والقطن والحرير والصوف والوبر، هذه كله موزونة، فالصوف بالصوف تضبطه بالوزن، القطن بالقطن تضبطه بالوزن، هذا إذا قلنا: بأنها ربوية على قول الحنابلة والحنفية، لكن إذا قلنا بما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فالقطن ليس ربوياً.. إلى آخره.

    أيضاً الثمار مكيلات، مثل: الزبيب، العنب، التمر.. إلى آخره، هذه مكيلات، عندما تبادل زبيباً بزبيب، تمراً بتمر تضبطه بالكيل، وليس بالوزن، عنب بعنب تضبطه بالكيل، وليس بالوزن.

    حكم اختلاف النوع والجودة في بيع الربويات بجنسها

    الضابط الأخير: عند مبادلة ربوي بجنسه يشترط التساوي مع التقابض، ولو اختلف في النوع أو الجودة أو الرداءة أو الحداثة أو القدم، لا ننظر إلى هذا الاختلاف، لا ينظر لخلاف النوع، أو القدم، أو الحداثة، أو الجودة، أو الرداءة.

    وعلى هذا إذا بادلت ذهباً عياره أربعة وعشرين بذهب عياره ثمانية عشر، ماذا يشترط؟ التساوي، أن يكون مثلاً بمثل، لا نجعل الرديء زائداً على الجيد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل، سواء بسواء).

    تمر جيد بتمر رديء لابد صاع بصاع، واختلاف الجودة والرداءة لا ينظر له.

    اختلاف النوع أيضاً لا ينظر، التمر أنواع كثيرة، السكري والبرحي.. إلى آخره، فعندما تبادل صاع تمر بصاع تمر، ولو اختلفا في النوع، لابد أن يكون يداً بيد، مثلاً بمثل، وهكذا قلت: الذهب بالذهب، الفضة بالفضة، لا ننظر للجودة لا ننظر للرداءة، لابد أن يكون متساوياً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755929135