إسلام ويب

تفسير سورة (ق) [30-45]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    دار العمل تذكر بدار الجزاء

    عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير) متفق عليه. وفي رواية لـمسلم : (قالت النار: ربي أكل بعضي بعضاً، فائذن لي أتنفس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم) لا شك أن هذا الحديث من أقوى الأدلة على أن النار والجنة مخلوقتان الآن موجودتان، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة. الأمر الآخر: أن هذا الكلام من النار ظاهره الحقيقة، فهو كلام حقيقي سوف نبينه عما قريب إن شاء الله تعالى. أما العبرة من هذا الحديث: فلا شك أن الله سبحانه وتعالى خلق لعباده داراً يجزيهم فيها بأعمالهم مع البقاء فيها من غير موت، وخلق داراً معجلة للأعمال، فدار الجزاء دار مؤجلة وهي دار الجنة أو النار، ويؤتى بالموت فيذبح بين الجنة والنار فيقال: (يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة سروراً وفرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار هماً وحزناً على حزنهم). أما دار العمل ففيها موت وحياة، وابتلى الله سبحانه وتعالى العباد في هذه الدار بما أمرهم به ونهاهم عنه، وكلفهم فيها الإيمان بالغيب، ومنه الإيمان بالجزاء وبالدارين المخلوقتين للجزاء، وأنزل بذلك الكتب، وأرسل به الرسل، وأقام الأدلة الواضحة على الغيب الذي أمر بالإيمان به. وإحدى الدارين المخلوقتين للجزاء دار نعيم محض لا يشوبه ألم، والأخرى دار عذاب محض لا يشوبه راحة.

    نار الدنيا تذكر بنار الآخرة

    هذه الدنيا الفانية ممزوجة بالنعيم والألم، وذلك كي يكون ما فيها من النعيم مذكراً بنعيم الجنة، وما فيها من الألم مذكراً بألم النار، ولذلك قال سبحانه وتعالى في حكمة خلق النار: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ [الواقعة:71-73]. فجعل الغاية الأولى والعظمى من خلق النار في الدنيا: أن تكون تذكرة بنار الآخرة، مع الفضل والتفاوت الذي بينهما. والغاية الثانية أنها متاع للمقوين، سواء للاستدفاء أو للاستضاءة أو لإنضاج الطعام أو غير ذلك من وجوه التمتع بالنار في الدنيا.

    نعيم الدنيا يذكر بنعيم الجنة

    فجعل الله سبحانه وتعالى في هذه الدار أشياء كثيرة تذكر بدار الغيب المؤجلة الباقية، منها أمور تتعلق بالزمان أو بالمكان، أما الأماكن فخلق الله سبحانه وتعالى في بعض البلدان من المطاعم والمشارب والملابس وغير ذلك من نعيم الدنيا ما يذكر بنعيم الجنة، وأما الأزمان فكزمن الربيع الذي يذكر طيبه ورونقه بنعيم الجنة وطيبها، فيقول ابن سمعون في وصف الربيع: أرضه حرير، وأنفاسه عبير، وأوقاته كلها وعظ وتذكير وكان بعض السلف يخرج في أيام الرياحين والفواكه في الربيع إلى السوق فيقف وينظر ويعتبر ويسأل الله الجنة. ومر سعيد بن جبير بشباب من أبناء الملوك في مجالسهم في زينتهم، فسلم عليهم؛ فلما بعد عنهم بكى واشتد بكاؤه وقال: ذكرني هؤلاء بشباب أهل الجنة. وتزوج صلة بن أشيم بـمعاذة العدوية وكان من كبار الصالحين فأدخله ابن أخيه الحمام، ثم أدخله على زوجته في بيت مطيب فقاما يصليان إلى الصباح، فسأل ابن أخيه عن حاله فقال: أدخلتني بالأمس بيتاً أذكرتني به النار -يعني: الحمام- حيث الماء والبخار، وأدخلتني الليلة بيتاً أذكرتني به الجنة، فلم يزل فكري في الجنة والنار إلى الصباح! ودعا عبد الواحد بن زيد إخوانه إلى طعام صنعه لهم، فقام على رءوسهم عتبة الغلام يخدمهم وهو قائم وهم يأكلون، فجعلت عيناه تهملان! فسأله عبد الواحد عن سبب بكائه؟ فقال: ذكرت موائد أهل الجنة إذا أكلوا وقام الولدان على رءوسهم. الدنيا مرآة ننظر بها إلى الآخرة لا لننظر إليها ونتوقف عندها، فالمرآة آلة لا يُنظر إليها نفسها، ولكن ينظر المرء إلى ما يرى من خلال هذه المرآة. فهذا هو الوضع الملائم لحكمة خلقنا في الدنيا من نعيم أو من عذاب، أن تكون تذكرة لنا بدار الآخرة، يقول الشاعر: كفى حزنـاً أن لا أعاين بقعـة من الأرض إلا ازددت شوقاً إليكمُ وأني متى ما طاب لي خصب عيشـة تذكرت أياماً مضـت لي لديكـمُ

    وجه تذكير نار الدنيا بنار جهنم

    وليس الآن وقت التفكر في زمان الربيع، فنرجئه إلى أن يأتي زمان الربيع إن شاء الله، لكن ننتقل انتقالة سريعة إلى نوع آخر من وجوه الاعتبار: فالله سبحانه وتعالى جعل من مخلوقاته ما يذكر بالنار التي أعدها لمن عصاه، وما فيها من الآلام والعقوبات، هناك أماكن وأزمان وأجسام تذكر بالنار، أما الأماكن التي تذكر بالنار، فكثير من البلدان الشيديدة الحر أو البرد، فبردها يذكر بزمهرير جهنم، وحرها يذكر بحر جهنم، فإن جهنم والعياذ بالله حافلة بكل أنواع الآلام، مما لم يخطر على قلب بشر، وليس في الدنيا من آلامها سوى الأسماء، حتى نار الدنيا إنما هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم والعياذ بالله، فبعض المناطق الاستوائية المعروفة بشدة الحرارة، يجد الناس فيها من الحر الشديد ما ينبغي أن يكون تذكرة لهم بنار جهنم. أهل النار كما يعذبون بشدة الحرارة كذلك يعذبون بشدة البرودة، فالزمهرير هو تعذيب بالبرد الشديد الذي يؤلم غاية الألم. كذلك هناك بعض البقاع تذكر بالنار كالحمام، والحمام في مصطلح السلف غير ما هو في مصطلحنا الآن، فقد كانت هناك حمامات عامة تسخن فيها المياه؛ لأنه لم يكن عندهم وسائل لتسخين المياه في البيوت، فكانوا يسخنون في الحمام ليتنظف الناس ويغتسلون. قال أبو هريرة: نعم البيت الحمام؛ يدخله المؤمن فيزيل به الدرن ويستعيذ بالله فيه من النار! يعني: أن من فوائده أن من دخله تذكر عذاب النار. وكان السلف يذكرون النار بدخول الحمام، فيحدث لهم ذلك عبادة كما تقدم خبر صلة بن أشيم . ودخل ابن وهب الحمام فسمع تالياً يتلو: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر:47] فغشي عليه. وكان بعض السلف إذا أصابه كرب الحمام يقول: يا بر يا رحيم! مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم. وصب بعض الصالحين على رأسه ماءً من الحمام فوجده شديد الحر فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى: (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج:19]. فكل ما في الدنيا يدل على صانعه ويذكر به ويدل على صفاته، فما فيها من نعيم وراحة يدل على كرم خالقه وفضله وإحسانه وجوده ولطفه، وما فيها من نقمة وشدة وعذاب يدل على شدة بأسه وبطشه وقهره وانتقامه، ولا شك أن اختلاف أحوال الدنيا من حر وبرد وليل ونهار، هي أمارات على انقضائها وزوالها. أما الأزمان التي تذكر بالنار فلا شك أن وقت شدة الحر أو البرد يذكران بما في جهنم من الحر والزمهرير، قد بين الحديث الصحيح الذي ذكرناه أن ذلك من تنفس النار: (اشتكت النار إلى الله سبحانه وتعالى فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين: نفس في الصيف ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدون من الحر فهو نفس من أنفاس جهنم، وأشد ما تجدون من البرد فهو نفس من أنفاس جهنم).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد)

    قال الله تبارك وتعالى يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]. (يوم) فيه قولان: القول الأول: أنه منصوب بظلام، أي: وما أنا بظلام للعبيد يوم نقول لجهنم... إلخ. الثاني: أنه منصوب بمضمر تقديره: اذكر يوم نقول لجهنم، أو: أنذر يوم نقول لجهنم. ((وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ))، قال ابن جرير : فيه لأهل التأويل قولان: الأول: أن معناه: ما من مزيد. فعن مجاهد قال: وعدها الله ليملأنها فقال: هلا وفيتك؟ قالت: وهل من مسلك؟وذلك بقوله تعالى: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]. أي: فوعدها الله ليملأنها؛ فقال بعدما ألقي فيها أهلها: هلا وفيتك؟ فتقول: وهل من مسلك؟ أي: قد امتلأت بالفعل. فالاستفهام إنكاري على هذا ومعناه النفي، وتؤيده بآية: ((لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) والقرآن يفسر بعضه بعضاً. القول الثاني: أن المعنى: زدني زدني، وعلى هذا يكون الاستفهام تقريرياً، دلالة على سعتها بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلو، فكأنها تطلب الزيادة. والفريق الذي يذهب إلى المذهب الثاني ورد عليه اعتراض من أصحاب القول الأول وهو أن هذا التفسير يتعارض مع قوله تعالى: ((لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)). فأجاب الفريق الثاني بأن المقصود أن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها، وإن كان فيها فراغ كثير، كما تقول: إن البلدة ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية، مع ما بينها من الأبنية والأغطية، أو أن هذا باعتبار الحالين، فالفراغ في أول دخول أهلها فيها، ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ.

    حقيقة إدراك الجنة والنار وتكلمهما

    قال الناصر في الانتصار: إنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك، وكيف نؤول وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك منها هذه الآية: ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)). ومنها: لجاج الجنة والنار واختصامهما كما في الحديث. ومنها: اشتكاؤها إلى ربها فأذن لها بنفسين. وهذه النصوص يجب حملها على حقائقها؛ لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم يمنع مانع، ولا مانع هاهنا، فإن القدرة صالحة والظواهر قاضية بوقوع ما جوزه العقل، وقد وقع مثل هذا قطعاً في الدنيا، كتسليم الشجر، وتسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد أصحابه، ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة لاتسع الخرق، وضل كثير من الخلق عن الحق. فنذكر هنا بما كنا قد ناقشناه من الأدلة عند الكلام على عبودية الكائنات: فمن الأدلة التي تؤيد ما ذكرناه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين! وقالت الجنة: لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغبرتهم! فقال الله عز وجل للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها) متفق عليه. ولا شك أن هذا الحديث فيه بيان أن الجنة والنار يعرفان ربهما، وأن في الجنة والنار إدراكاً وتمييزاً بحيث يتحاجان ويكلمان ربهما عز وجل. وأيضاً في الحديث الذي ذكرناه (اشتكت النار إلى ربها وقالت: رب أكل بعضي بعضاً) فيه أن النار لها لسان بل لها أذنان وعينان كما في هذه الآية: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق فيقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين) فهذا واضح في ذلك. وبين الله سبحانه وتعالى أن للنار إدراكاً، وأنها تتغيظ حنقاً على الكافرين، يقول تعالى: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان:12] فقوله: (( إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ))، يدل على حدة بصر النار. ويقول تبارك وتعالى: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك:7-8]. وكذلك الجنة فيها إدراك، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: لـعلي وعمار وسلمان) رضي الله تعالى عنهم أجمعين. أيضاً نار الدنيا لها إدراك، وهي مطيعة لأمر الله تعالى، ولا أدل على ذلك من قول الله تبارك وتعالى: قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ [الأنبياء:86-87] فخاطب الله عز وجل النار، فهذا دليل على أنها تدرك وتفهم الخطاب. كذلك كانت عادة الأنبياء في الغنائم أن يجمعوها فتجيء نار من السماء فتأكلها، فيكون ذلك علامة على قبولها وعدم الغلول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه الله قال: قال صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء ...) إلى أن قال في الحديث: (حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار تأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه، فلصقت يد رجل فقال: فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فبايعته قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال: فيكم الغلول! فأخرجوا له رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه في المال وهو في الصعيد فأقبلت النار فأكلته) وهذا رواه مسلم فهذا أيضاً يدل على أنها تدرك، وأنها تعرف أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. فهذه النصوص جزء من كثير من الأدلة التي تؤيد المذهب الحق، وأمثال هذه النصوص ينبغي حملها على حقيقتها، وعدم الاعوجاج إلى القول بالمجاز.

    كلام الشنقيطي على آية: (يوم نقول لجهنم)

    يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)). قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير نافع وشعبة عن عاصم ، (( يَوْمَ نَقُولُ )) بالنون الدالة على العظمة، وقرأ نافع وشعبة : ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ)) وعلى قراءتهما فالفاعل ضمير يعود إلى الله. واعلم أن الاستفهام في قوله: ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)) فيه للعلماء قولان معروفان: الأول: أن الاستفهام إنكاري، كقوله تعالى: هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:47]، أي: ما يهلك إلا القوم الظالمون، وعلى هذا فمعنى: (هل من مزيد) أي: لا محل للزيادة لشدة امتلاء النار، واستدل بعضهم لهذا الوجه بآيات من كتاب الله، مثل قوله تعالى: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]. وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:119]. وقال تعالى: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:84-85]. وقال تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:7]. فإقسام الله تعالى في هذه الآيات المدلول عليه بلام التوطئة فيه دليل على أنها لا بد أن تمتلئ، ما دام الله قد أقسم ليملأنها، فلا بد أنها سوف تمتلئ بالفعل، ولذلك قالوا: إن معنى: هل من مزيد؟ أي: لا مزيد؛ لأنها قد امتلأت وليس هناك محل للمزيد. وأما القول الآخر: فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار: ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)) زدني، وأنها تطلب الزيادة، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، أي: كفاني قد امتلأت، وهذا الأخير هو الأصح. والعلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى يرجح هذا القول الأخير؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جهنم لا تزال تقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط، قط) والتصريح بقولها: (قط، قط) أي: كفاني قد امتلأت، وأما قولها قبل ذلك: هل من مزيد؟ فلطلب الزيادة، يعني: قبل أن نصل إلى الغاية. وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات، فينبغي أن نسلك فيه مسلك السلف الصالح رحمهم الله تعالى في مثل هذه النصوص، من أنها تمر كما جاءت بلا كيف، فيثبت الوصف، لكن نفوض علم الكيفية إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. واعلم أن قول النار في هذه الآية: (( هَلْ مِنْ مَزِيدٍ )) قول حقيقي ينطقها الله به. وزعم بعض أهل العلم أنه كقول الشاعر: امتلأ الحوض فقال قطني مهلاً رويداً قد ملأت بطني فبعض العلماء استند إلى هذا البيت من الشعر كشاهد على أن قول النار: هل من مزيد؟ يفهم من حالها وليس نطقاً حقيقياً تنطق به النار. وهذا خلاف التحقيق كما أشرنا، فالراجح أن قولها: هل من مزيد؟ على الحقيقة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد)

    قال الله تبارك وتعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31]. قوله تعالى: (غير بعيد) فيه معنى التوكيد، كما قال الله سبحانه وتعالى وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ [التكوير:13]، وقال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] أي: قربت وأدنيت. ((لِلْمُتَّقِينَ)) أي: للذين اتقوا ربهم فخافوا عقوبته بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. ((غَيْرَ بَعِيد)) أي: مكاناً غير بعيد، فهو صفة للظرف قام مقامه، أو حال من الجنة، أي: أن الجنة تكون غير بعيدة، والتذكير في هذه الحالة لأنه صفة لمذكر. أي: في غير القرآن يقال: غير بعيدة، أي: حال من الحنة في كونها غير بعيدة، لكن ذكر لأنه صفة لمذكر فقال: ((وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ)) أي: شيئاً غير بعيد. أو تؤول الجنة على أنها بستان غير بعيد، أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر والمؤنث، فعومل معاملته وأجري مجراه، وعلى كل الأحوال فقوله: ((غَيْرَ بَعِيد)) للتأكيد، ودفع التجوز، فلا يقال: إن كلمة: ((أُزْلِفَتِ)) تغني عن التعبير بغير بعيد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هذا ما توعدون... ولدينا مزيد)

    قال تعالى: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:32-35]. ((هَذَا)) أي: الثواب، أو هذا الإزلاف والتقريب. ((مَا تُوعَدُونَ)) أيها المتقون. ((لِكُلِّ أَوَّابٍ)) أي: راجع عن معصية الله إلى طاعته تائب من ذنوبه. ((حَفِيظٍ)) أي: حافظ لفرائض الله وما ائتمنه الله سبحانه وتعالى عليه. وإعراب ((لِكُلِّ)) بدل من ((لِلْمُتَّقِينَ)) بإعادة حرف الجر، والمعنى: وأزلفت الجنة للمتقين لكل أواب حفيظ. ((مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)) أي: خاف الله سبحانه وتعالى في سره. ((وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)) أي: جاء ربه بقلب تائب من ذنوبه راجع مما يكرهه الله تعالى إلى ما يرضيه. ((ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ)) أي: يقال لهم: ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهم والحزن والخوف. ((ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ)). قوله تعالى: ((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا)) أي: مما تشتهيه نفوسهم وتلذه عيونهم. ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) أي: مما لا يخطر على بالهم، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت. يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: ((لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد)): قال بعض العلماء: المزيد النظر إلى وجه الله الكريم، ويستأنس لذلك بقوله تبارك وتعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] ، لأن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً ...)

    قال تبارك وتعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ [ق:36]. ((وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ)) أي: قبل هؤلاء المشركين من قريش. ((مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا)) أي: قوة كعاد وفرعون وثمود. ((فنقبوا في البلاد)) أي: فضربوا فيها وساروا وطافوا أقاصيها، قال امرؤ القيس : لقد نقبت في الآفـاق حتى رضيت من الغنيمـة بالإياب أي: أكثرت الطواف والمشي في نواحي الأرض حتى شق علي ذلك، وصرت أرى الرجوع إلى أهلي من غير ظفر ولا فائدة غنيمة. هنا احتمالان في قوله تعالى: ((فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ)) الاحتمال الأول: أن تكون واو الجماعة عائدة إلى (قرن) أي: هؤلاء القرون الماضية نقبوا في البلاد وضربوا فيها وطافوا أقاصيها. وعليه فمعنى ((هل من محيص)) أي: هل كان نفوذهم في البلاد مانعاً عنهم الهلاك الذي وعدوا به لتكذيبهم الحق. والاحتمال الثاني: أن الواو عائدة إلى مشركي مكة، أي: قبل مشركي مكة، أي: أن مشركي مكة ساروا في أسفارهم في بلاد هؤلاء القرون الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى، فهل رأوا لهم محيصاً حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم؟! قال ابن جرير : وقرأت القراء قوله: ((فنقبوا)) بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم، وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك (فنقِبوا) بكسر القاف، على وجه التهديد والوعيد، أي: طوفوا في البلاد، وترددوا فيها، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...)

    قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]. ((إن في ذلك)) أي: في إهلاك القرون التي أهلكت من قبل قريش. ((لذكرى لمن كان له قلب)) أي: لتذكرة يتذكر بها من كان له عقل من هذه الأمة، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم؛ خوفاً من أن يحل به مثل الذي حل بهم من العذاب. ((أو ألقى السمع)) أي: أصغى لإخبارنا إياه عن هذه القرون التي أهلكناها. ((وهو شهيد)) أي: حاضر القلب، متفهم لما يخبر به عنهم غير غافل ولا ساه. هذا على أن (شهيد) من الشهود وهو الحضور، والمراد به المتفطن؛ لأن غير المتفطن كالغائب، فيمكن أن يسمع الكلام لكنه ساه لاه غافل عن معانيه، فاشترط أمرين: أن يلقي السمع وهو حاضر الذهن متفهم متفكر. وقيل: (أو شهيد) من الشهادة، والمراد شاهد بصدقه، أي مصدق له. وقيل: (شهيد) كناية عن المؤمن؛ لأن الذي ينتفع به المؤمن المصدق له. أما قوله: ((أو ألقى)) قيل: إن (أو) هنا لتحصيل المتذكر المشتق الذي يحصل منه التذكرة والانتفاع بالموعظة، والمتذكر نوعان: إما تال، وإما سامع، قمن كان له قلب هو التالي، ومن ألقى السمع وهو شهيد هو السامع. أو إلى فقيه ومتعلم، فقوله: ((لمن كان له قلب)) هو الفقيه، ((أو ألقى السمع وهو شهيد)) هو المتعلم، أو غلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمل فيما عنده، وقاصر محتاج للتعلم، فيتذكر إذا أقبل بكليته وأزال الموانع بأسرها. وفي تنكير القلب وإبهامه تفخيم وإشعار بأن كل من له قلب لا يتفكر ولا يتدبر كمن لا قلب له.

    كلام ابن القيم على آية: (إن في ذلك لذكرى...)

    وفصل الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الفوائد) تفصيلاً رائعاً في قوله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) يقول رحمه الله تعالى: فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من كنوز العلم، وكيف تفتح ذراعاتها للعبد أبواب العلم والهدى، وكيف ينغلق باب العلم عنه من إهمالها وعدم مراعاتها، فإنه سبحانه أمر عباده أن يتدبروا آياته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة، بما تكون تذكرة لمن كان له قلب، فإن من عدم القلب الواعي عن الله لم ينتفع بكل آية تمر عليه، ولو مرت كل آية. ومرور الآيات عليه كطلوع الشمس والقمر والنجوم ومرورها على من لا بصر له، فإذا كان له قلب كان بمنزلة البصير إذا مرت به المرئيات فإنه يراها. فآيات الله إما آيات تنزيلية وإما آيات تكوينية، أما الآيات التنزيلية فهي آيات القرآن الكريم الوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بتدبره، وأما الآيات التكوينية فهي الأدلة التي بثها الله في السماوات وفي الأرض وفي المخلوقات لتدل الخلق على ربهم، كما قال الشاعر: تأمل صنوف الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل وقد خط فيها لو تأملت خطها ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فنحن أمرنا بتدبر هذين النوعين من الآيات، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد أنزل علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191])إلى آخر السورة، فهنا جمع بين النوعين من الآيات؛ لأنها آيات قرآنية نحن مطالبون بالتفكر فيها، وأما الجانب التطبيقي فهو أن نتفكر بالفعل فيما يمر علينا من آيات الله التي بثها، لنراها ونتوصل من خلالها إلى عظمة الله وكماله وجلاله وتوحيده. وقال تبارك وتعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18] إلى آخر الآيات، بل في القرآن ما يدل على أن التفكر في هذه المخلوقات واجب وفريضة محكمة قال عز وجل: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق:5]، هذه صيغة أمر، والأمر ظاهره الوجوب، أي: يجب على كل إنسان أن يتأمل في خلقه: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق:5-6] إلى آخر الآيات. فمن عدم القلب الواعي عن الله فإنه ستمر به ألفاظ القرآن دون أن يتدبر فيها ودون أن يتأمل فيها، فهو لم ينتفع بالآيات التي تمر عليه؛ لأنه عطل قلبه وصار كشخص لا قلب له، فتمر عليه آيات القرآن أو الآيات الآفاقية، أو الآيات التي في أنفسنا؛ لكنه غافل لاه عن التفكر فيها. ثم يقول: ولكن صاحب القلب لا ينتفع بقلبه إلا بأمرين: أحدهما: أن يحضره ويشهد بما يلقى إليه، فإن كان غائباً عنه مسافراً في الأماني والشهوات والخيالات لا ينتفع به، فإذا أحضره وأشهده لم ينتفع إلا بأن يلقي سمعه ويفضي بكليته إلى ما يوعظ به ويرشد إليه. إذاً هنا ثلاثة أمور: أحدها: سلامة القلب وصحته وقبوله. الثاني: إحضاره وجمعه ومنعه من الشرود والتفرق. الثالث: إلقاء السمع وإصغاؤه والإقبال على الذكر. فذكر الله تعالى الأمور الثلاثة في هذه الآية: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) فقوله: (( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ )) أي: كان له قلب سليم وقابل للحق. (( وَهُوَ شَهِيدٌ )) أي: أنه يحضر قلبه ويجمعه ويمنعه من الشرود والتفرق والتشتت، ثم يصغي بسمعه ويقبل على الذكر. قال ابن عطية : القلب هنا عبارة عن العقل إذ هو محله، والمعنى: لمن كان له قلب واع ينتفع به. وقال الشبلي : قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين. وقوله: (( أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) معناه: صرف سمعه إلى هذه الأنباء الواعظة وأثبتها في سمعه، فذلك إلقاء له عليها، ومنه قوله وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، أي: أثبتها عليك. (( وَهُوَ شَهِيدٌ )) قال بعض المتأولين: معناه: وهو شاهد مقبل على الأمر غير معرض عنه ولا يفكر في غير ما يسمع. وقال قتادة : هي إشارة إلى أهل الكتاب. فكأنه قال: إن هذه العبر تذكرة لمن سمعها من أهل الكتاب، فيشهد بصحتها لعلمه بها من التوراة وسائر كتب بني إسرائيل فهو منالشهادة، كما قال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10]. وقال الزجاج : معنى: (( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ )) أي: من صرف قلبه إلى التفهم، ألا ترى أن قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18] أنهم لم يستمعوا استماع مستفهم مسترشد، فجعلوا بمنزلة من لم يسمع. كما قال الشاعر: أصم عما شاءه سميعه ومعنى: (( أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ )) أي: استمع ولم يشغل قلبه بغير ما يستمع، والعرب تقول: ألق إلي سمعك أي: استمع لي.

    حال الناس مع آيات الله ومع الرياضة والفن

    للأسف الشديد تجد الذين يمكثون أمام مباراة كرة القدم، أو التمثيلية لو صاح طفل أو حرك رجليه أو سعل أو كح أو تكلم بكلام، تراهم يسكتونه ويصمتونه وينكرون عليه، بحيث لا تفوت عليهم كلمة واحدة من المتكلم أو اللاعب، لكن لو أننا ونحن نتلو القرآن كنا بهذا الحضور وهذا الحرص على إلقاء السمع لكل كلمة تقال، لتغير حالنا تماماً مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومع آيات الله، فنتذكر هذا الكلام المؤلم، ونتذكر كذلك كلمة موجعة قالها بعض السلف رحمه الله: رضينا من أحدكم أن يحافظ على دينه كما يحافظ على نعله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! الذي يكون له نعل غالي الثمن يحتاط لهذا النعل، وإذا وضعه في مكان جعل يحرسه من أن يضيع أو يسرق، أما الدين فإنه يفرط في دينه ولا يبالي، وينتهك حرمات الله عز وجل ولا يبالي! فمما يؤسف له أننا نحتاج في هذا الزمان إلى تذكير بهذه المذكرات الموجعة المؤلمة التي تقرب المعنى إلى الأذهان، فقد ولع الناس بالتمثيليات وبمباراة كرة القدم وغير ذلك، انظر كيف يكون سلوكهم أثناء الاجتماع للتمثيلية أو الفلم أو المباريات، خاصة في اللحظات الحاسمة التي سيحرز فيها الهدف أو يفعل فيها كذا وكذا؟! استحضر كيف يكون خشوعهم وإنصاتهم! بل أحيانا ولا حول ولا قوة إلا بالله يرفعون أيديهم إلى السماء وتهتف الجماهير: يا رب! يا رب! كأنما يدعون بفتح بيت المقدس أو باستعادة فلسطين؟! ففي ساحات اللعب واللهو يستغيثون بالله سبحانه وتعالى، والمسلمون كما ترون مشردون في آفاق الأرض يعانون الويلات ويعذبون في الشيشان وغيرها، ونحن نهتم بهذه الأشياء ونقول: يا رب! يا رب! وبعضهم يصاب بالسكتة والآخر يطلق زوجته كل هذا بسبب هذه الأشياء، فالشاهد أننا نقرب المثل فقط، انظروا كيف نحن مع هذه المواقف وحالنا حينما نتلو كتاب الله تبارك وتعالى. لنتأمل هذه الآية: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ )) ليس المقصود أن يكون له مجرد قلب؛ لأنه ما من إنسان إلا وله قلب، لكن المقصود أن يكون له قلب يفهم به ويعي به ويعقل به؛ لأن القلب هو محل الوعي والفهم فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179] فلما عطلوا حواسهم عن الانتفاع بها فيما خلقت لأجله صاروا كالأنعام، صم بكم عمي فهم لا يعقلون. فهل حالنا مع القرآن ومع كلام الله يستوي مع حالنا أثناء المباريات وهذه التفاهات؟! إذاً الحال يغني عن المقال. (( أو ألقى السمع )) أي: ألقى بكل حاسة السمع، فكأنه حملها وألقاها على هذا الشيء فقط، كي يستمع إليه ولا يشتغل قلبه بغير ما يستمع له.

    حال الناس مع الخشوع في الصلاة

    وكذلك يكثر السؤال عن الخشوع في الصلاة؟ فنقول لمن يسأل: هل رأيت عند إحراز هذه الانتصارات والبطولات الوهمية كيف يخشع الناس؟ وكيف تكون أنت -إن كنت ممن ابتلي بمتابعة هذه الأشياء- في أشد الحرص على المتابعة والتركيز والانتباه وحضور القلب والحذر؟! هكذا فكن في الصلاة. لو أن الإنسان ركز في الصلاة بنفس التركيز الذي يقوم به وقت اللعب لفوت على الشيطان الوساوس، لذلك لما جاء رجل إلى بعض السلف وقال له: أنا كلما أريد أن أسلم من الصلاة لا أستطيع أبداً أن أنطق بالسلام عليكم ورحمة الله، قال له: قلها كما تقولها الآن! فيركز الإنسان حتى ينجو من هذه الوساوس.

    تفسير: (وهو شهيد) وذكر الخلاف فيه

    قوله: ((وهو شهيد)) أي: شهيد قلبه حينما يسمع بأذنه، وقلبه حاضر حتى يعي ما يسمعه. وجاء في التفسير أن المقصود بقوله: (( وهو شهيد )) أهل الكتاب الذين عندهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي حكاه ابن عطية عن قتادة . وذكر أن شهيداً بمعنى شاهد، أي: مخبر. وقال صاحب الكشاف: (( لمن كان له قلب )) أي: قلب واع؛ لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له، وإلقاء السمع الإصغاء. ((وهو شهيد)) أي: حاضر بفطنته؛ لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب، أو هو مؤمن شاهد على صحته وأنه وحي من الله، وهو بعض الشهداء، كما في قوله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]. اختلف في الشهيد على أربعة أقوال: أحدها: أنه من المشاهدة وهي الحضور. وهذا أصح الأقوال، ولا يليق بالآية غيره، وذلك كما في الحديث: (اللهم! اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا)فـ(شاهدنا) معناها: حاضرنا. والثاني: أنه شهيد من الشهادة. وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه شاهد على صحة ما معه من الإيقان. والثاني: أنه شاهد من الشهداء على الناس يوم القيامة. والثالث: أنها شهادة من الله عنده على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علمه من الكتب المنزلة. والصواب القول الأول بأنه من المشاهدة، فإن قوله: (( وهو شهيد )) جملة حالية، والواو فيها واو الحال، أي: ألقى السمع في هذه الحال. وهذا يقتضي أن يكون حال إلقائه السمع شهيداً، فإذاً لابد أن تكون الشهادة بمعنى المشاهدة والحضور. ولو كان المراد به الشهادة في الآخرة أو في الدنيا لما كان لتقييدها بإلقاء السمع معنى إذ يصير معنى الآية: إن في ذلك لآية لمن كان له قلب أو ألقى السمع حال كونه شاهداً بما معه في التوراة، أو حال كونه شاهداً يوم القيامة. ولا ريب أن هذا ليس هو المراد بالآية. وأيضاً فالآية عامة في كل من له قلب أو ألقى السمع، فكيف يدعى تخصيصها بمؤمني أهل الكتاب؟ وأيضاً فالسورة مكية، والخطاب فيها لا يجوز أن يختص بأهل الكتاب، ولاسيما مثل هذا الخطاب الذي علق فيه حصول مضمون الآية ومقصودها بالقلب الواعي وإلقاء السمع.

    أنواع المنتفعين بالآيات من الناس حال دعوتهم إليها

    يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: المنتفع بالآيات من الناس نوعان: أحدهما: ذو القلب الواعي الذكي الذي يكتفي بهدايته بأدنى تنبيه، ولا يحتاج إلى أن يستجلب قلبه ويحضره ويجمعه من مواضع شتاته، بل قلبه واع ذكي قابل للهدى غير معرض عنه، فهذا لا يحتاج إلا إلى وصول الهدى إليه؛ لكمال استعداده وصحة فطرته، فإذا جاءه الهدى سارع قلبه إلى قبوله كأنه كان مكتوباً فيه، فهو قد أدركه مجملاً ثم جاء الهدى بتفصيل ما شهد قلبه بصحته. وهذه حال أكمل الخلق استجابة لدعوة الرسل، فأول ما يصل الحق ينقاد إليه، كما هي حال الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه. وكحال مؤمني قوم نوح عليه السلام؛ لأنَّه في سورة هود قال المشركون لنوح عليه السلام: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود:27]، فكانوا يذمون المؤمنين المستضعفين الذين اتبعوا نوحاً عليه السلام، فذموهم لأنه استجابوا أول ما دعاهم نوح عليه السلام، فذموهم بقولهم: (( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ))[هود:27]، فما أن سمعوا كلامك حتى انقادوا لك. فهم يذمونهم؛ لأنهم لم يتمهلوا، ولم يتريثوا ويفلسفوا الأمور ويقلبوها على وجوه شتى. وهذا مما لا يذم به، بل هذا مما يمدح به الإنسان، أنه إذا وضح الحق ينقاد إليه بلا تأجيل ولا تكييف، فهذا حال أكمل المؤمنين من أتباع الأنبياء الذين يستجيبون فوراً لدعوة الرسل، كما هو حال الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه، فقد أسلم بمجرد أن أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنبوته، فهذا هو النوع الأول. فالنوع الأول قلبه متوائم مع الفطرة، فهو في غاية السلامة، فلا يحتاج إلا أن يصل إليه الهدى فقط، فإذا بلغه الحق انقاد إليه في الحال، وهذا حال كثير من الناس، ورأينا وسمعنا أن كثيراً من الكفار أسلم كذلك؛ لأن قلبه في غاية السلامة، وكأن الحق منقوش في قلبه، ويجيء الهدى فيسلط النور على هذا القلب. وأذكر قصة أحد الإخوة الأفاضل من أمريكا يدعى إدريس دارمر، وهو من أنشط الإخوة في الدعوة في تلك البلاد. وقصة إسلامه في غاية العجب، فقد جال كل أنواع الظلام من الأديان، كان أولاً شيوعياً ملحداً، ثم انتقل إلى النصرانية، ثم رفض النصرانية وانتقل إلى الأديان الشرقية كالبوذية ودرسها، وحاول أن يبحث عن الهدى فيها فلم يجد شيئاً، إلى أن زار يوماً جاراً له مسلماً في البيت فسأله: ما هذا الكتاب؟ قال: هذا القرآن، فأخذ ترجمة القرآن وفتح الصفحة الأولى على فاتحة الكتاب، فبمجرد أن فتح الصفحة وجد نوراً يخرج الكتاب، ثم قرأ الفاتحة فقال: هذا هو الذي أبحث عنه! وهذا وقد قرأ معاني الفاتحة، فكيف لو قرأها بالعربية؟ وقد أسلم في الحال، وهو الآن من أكبر الدعاة، وله مؤلفات جيدة وخدمة كبيرة جداً للدعوة في كثير من البلاد. فما كان بينه وبين الحق غير أن يطلع على الحق، ولذلك ينبغي أن لا نعامل الناس معاملة واحدة، فلا نزعجهم بالكلام على نقض التكليف وتحطيم العقائد الفاسدة؛ إذ بعض الناس هو في عافية من هذا البلاء، ليس عنده شبهات ولا عنده ما يعارض به الحق، فما أن يبلغه الحق حتى ينقاد إليه، هذا هو الذي قال الله فيه: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ )). النوع الثاني: من ليس له هذا الاستعداد والقبول، فإذا ورد عليه الهدى أصغى إليه بسمعه وأحضر قلبه، وجمع فكرته عليه، وعلم صحته وحسنه بنظره واستدلاله، وهذه طريقة أكثر المستجيبين، ولهم نوع ضرب الأمثال وإقامة الحجج، وذكر المعارضات والأجوبة عنها. والإسلام واسع لكلا الفريقين، فنحن عندنا من الأدلة والحجج ما يدحض الشبهات ويقيم الأدلة على أنه دين الحق، فلهذا النوع الثاني تضرب الأمثال، ولهؤلاء تقام الحجج وتذكر المعارضات والأجوبة عنها. والأولون هم الذين يدعون بالحكمة، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125]. والنوع الثاني يدعون بالموعظة الحسنة، فهؤلاء المستجيبون.

    المعارضين للحق المدعوين إليه

    وأما المعارضون المدعوون للحق فنوعان: نوع يدعون بالمجادلة بالتي هي أحسن، فإن استجابوا وإلا فالمجالدة بالحجة والبيان، فإن لم فبالسيف والسنان. ومن تأمل دعوة القرآن وجدها شاملة لهؤلاء الأقسام متناولة لها، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125]، أي: (( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ))، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، أي: (( أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ))، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وهذه طريقة دعوة المعارضين للحق. والصنفان الأولان مستجيبان للحق. فهؤلاء المدعوون بالكلام، وهم ثلاثة أقسام: بالحكمة لمن كان له قلب. والموعظة الحسنة لمن ألقى السمع وهو شهيد. أو المعارض للحق الذي يجادل بالتي هي أحسن. وأما أهل الجلاد فهم الذين أمر الله بقتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. وأما من فسر الآية بأن المراد بمن كان له قلب هو المستغني بفطرته عن علم المنطق، وهو المؤيد بقوة قدسية ينال بها الحد الألطف بسرعة ... إلى آخر هذا الكلام. فقد فسر بعض الناس: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ))، فقالوا: هي القياس البرهاني. ((وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ))[النحل:125]، القياس الخطابي ((وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) هو القياس الجدلي. يقول ابن القيم : فهذا ليس من تفاسير الصحابة ولا التابعين ولا أحد من أئمة التفسير، بل ولا من تفاسير المسلمين، وهو تحريف لكلام الله تعالى وحمل له على اصطلاح المنطقية المبخوسة الحظ من العقل والإيمان، وهذا من جنس تفاسير القرامطة والباطنية وغلاة الإسماعيلية بما يفسرونه من القرآن وينزلونه على مذاهبهم الباطلة، والقرآن بريء من ذلك كله، منزه عن هذه الأباطيل والهذيانات.

    أنواع القلوب مع آيات الله تعالى

    ثم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه؛ لأن الآية في حق من كان له قلب حي واع، فالذي قلبه ميت لا يدخل في الآية. الرجل الثاني: رجل له قلب حي مستعد؛ لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة، إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضراً، فهذا أيضاً لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه. وهذا حال كثير من الكفار. والثالث: رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه وأحضر قلبه ولم يشغله بغير فهم ما يسمع، فهو شاهد القلب ممكن السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة. فالأول الذي هو صاحب القلب الميت بمنزلة الأعمى الذي لا يذكر. والثاني له قلب حي مستعد لكنه غير مستمع للآيات لسبب أو لآخر، فهو بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يرى. أما الثالث: فرجل حي القلب مستعد، أصغى بسمعه وأحضر قلبه ولم يشغل قلبه إلا بفهم ما يسمعه، فهذا بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور وأتبعه بصره، وقابله على توسط من البعد والقرب، فهذا هو الذي يرى، فسبحان من جعل كلامه شفاءً لما في الصدور. فإن قيل: فما موضع (أو) من هذا اللفظ بناءً على هذا التفسير، أي: في قوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ؟ قيل: فيها سر لطيف. ولسنا نقول: إنها بمعنى الواو كما يقوله ظاهرية النحاة: (وألقى السمع). يقول: فاعلم أن الرجل قد يكون له قلب وقاد مليء باستخراج العبر واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التذكر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نوراً على نور، نور الفطرة مع نور الوحي. وهذا كما يقولون في الهندسة: تمام الانطباق. فما في الأمر إلا أنه ينتظر الحق أن يأتي -وهو نور الوحي- على نور الفطرة الذي في قلبه، فيتطابقان تمام الانطباق، ويمتزجان تمام الامتزاج، ويلتقيان أتم التقاء، وهي حالة سليم الفطرة حي القلب. وهؤلاء أكمل خلق الله وأعظمهم إيماناً وبصيرة، حتى كأن الذي أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مشاهد لهم، وهذا يحصل في الحقيقة لمن عوفي ولم يبتل بالفلسفة والجدل والتنطع والحذلقة، وعوفي من شبهات أعداء الدعوة وأعداء الدين. فكثير جداً من الشباب غير ملتزم، فعندما تصله دعوة الحق ينقاد، وعندما يتعود الإنسان على ترك الجدل، تجده ينقاد إلى الحق؛ لأنه الحق ودين الفطرة، فتجد امرأة في غاية التبرج لم تكن قد وصلها الحق ولا الحجة، فبمجرد أن تسمع الأدلة نفاجأ بأنها يمكن أن تنقلب فتعتزل التبرج إلى الاحتجاب الكامل، أي: وهذا يوجد وإن كان قليلاً. وحين نجد الكثير من الفتيات يقلن: لنقتنع أولاً! فهؤلاء قد يكن من النوع الثاني إذا استجبن بعد مجادلة ومناظرة وإقامة للحجة. فإذاً: الشخص الذي له قلب وقاد مليء باستخراج العبر واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التفكر والاعتبار، فالقلب أصلاً فيه نور الفطرة سليم، وهذا دين الفطرة، فإذا سمع الآيات كانت له نوراً على نور، كما قلنا من قبل في تفسير سورة النور: نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35] يعني: نور الفطرة مع نور الوحي. وهؤلاء أكمل خلق الله وأعظمهم إيماناً وبصيرة، حتى كأن الذي أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مشاهد لهم، ولكن لم يشعروا بتفصيله وأنواعه، حتى قيل: إن مثل حال الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم كمثل رجلين دخلا داراً، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئياته، والآخر وقعت يده على ما في الدار ولم ير تفاصيله ولا جزئياته، لكن علم أن فيها أموراً عظيمة لم يدرك بصره تفاصيلها، ثم خرجا فسأله عما رأى في الدار، فجعل كلما أخبره بشيء صدقه؛ لما عنده من شواهده، وهذه أعلى درجات الصديقية، ولا تستبعد أن يمن الله المنان على العباد بمثل هذا الإيمان، فإن فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حساب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ...)

    يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]. ((وما مسنا من لغوب)) أي: من إعياء أو تعب أو نصب. قال قتادة : أكذب الله اليهود وأهل الفرِى على الله، وذلك أنهم قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السابع. وذلك عندهم يوم السبت، فهم يسمونه يوم الراحة. وهذا معروف من عقائد اليهود، فالله سبحانه وتعالى أكذب اليهود في زعمهم أن الله سبحانه وتعالى لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام مسه -والعياذ بالله- الإعياء والتعب والنصب، فقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون...)

    (( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ )) يعني: على ما يقوله المشركون من إنكار البعث والتوحيد والنبوة. يقول ابن القيم في تفسير قوله تعالى: (( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ )). تأمل قوله تعالى عقيب ذلك-يعني: بعدما قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ- ((فاصبر فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)) فإن أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم نسبوه إلى ما لا يليق، وقالوا فيه ما هو منزه عنه، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يصبر على قولهم، ويكون له أسوة بربه سبحانه وتعالى حيث قال أعداؤه فيه ما لا يليق. فكما كانوا يؤذون النبي عليه الصلاة والسلام بكلام مؤذٍ كقولهم: ساحر، شاعر، مجنون .. إلى آخره، فالله سبحانه وتعالى يقول: أما لك فيَّ أسوة؟ فأنا رب السماوات والأرض وخالق الكون، ومع ذلك آذاني هؤلاء الخلق وسبوني ونسبوا إلي ما أنا منزه عنه. قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] خلافاً لما يقول أعداء الله اليهود، فاصبر على ما يقولون في حقك كما أصبر أنا على ما يقولون في حقي وأحلم عنهم، كما قال الشاعر: قيل إن الله ذو ولد قيل إن رسول الله قد كهنا لم يسلم الله والرسول معاً من كلام الورى فكيف أنا

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك ... وأدبار السجود)

    قال تعالى: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:39-40]. وللعلماء كلام فيه تفصيل في قوله: (( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ))، فمنهم من يرى أنها تشمل الصلوات الخمس، ومنهم من أدخل فيها النوافل. ولكن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى يقول في هذه الآية: (( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)): هذا تفسير ما جاء في الأحاديث (من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي) أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر بدليل هذه الآية. يعني أن لفظ (من قال حين يصبح) ولفظ: (من قال حين يمسي) قد تكرر كثيراً في الأحاديث، وكذلك (كان إذا أصبح قال كذا)، (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت). فنفهمها في ضوء هذه الآية ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ))، فيكون وقت أذكار الصباح قبل طلوع الشمس، أي: بعد صلاة الفجر، فيبدأ أولاً بالفريضة ثم بعد ذلك يأتي بأذكار الصباح ما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، فهذا هو وقتها. (( وَقَبْلَ الْغُرُوبِ )) هذا هو المساء، أي: بعد صلاة العصر وقبل غروب الشمس. وهل معنى ذلك أن الإنسان إذا فاتته أذكار الصباح أو المساء بأن طلعت الشمس أو غربت الشمس يكون قد فاته وقتها فلا يستدركها؟ الجواب: لا. فهذه قلة فقه، بل إذا فاته ورده -مثلاً- حتى غربت الشمس فلا يترك ذلك، وإنما يقضي هذه الأذكار؛ لأنه ما زال في وقت المساء، فالمساء يكون من بعد العصر وهو العشي وأوقات الأصيل، فإذا فاته شيء فإنه يستدركه في الوقت اللاحق في أي جزء من أجزاء الليل؛ لأن الإنسان إذا فرط في قضاء ما فاته فسوف يتمادى في التفريط إلى أن يفرط في أداء العبادة في وقتها، لكن إذا عود نفسه أنه إذا فاته ورده استدركه لم يفرط فيه، فمن تعود على أنه كلما فاته شيء فإنه يعوضه ويقضيه في الفرصة المتاحة، فهذا أجدر أن يحافظ عليه في وقتها، لكن إذا تهاون في قضاء ما فاته فإنه قد يتمادى في التسويف والتفريط إلى أن يضيع العبادة في وقتها نفسه، فلا يأتي بعد ذلك بأذكار الصباح في وقتها، ولا بعد وقتها. وقد قال الله سبحانه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، أي يخلف أحدهما الآخر، فالليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل، فمن فاته عمل الليل فقد جعل الله النهار خلفة له فيعوض ما فاته بالليل، وهكذا. يقول القاسمي رحمه الله تعالى: ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)) يعني: أعقاب الصلوات، والمراد بالتسبيح إما ظاهره كقولك: سبحان الله وبحمده. أو هو الصلاة؛ لأن الصلاة يطلق عليها تسبيح، من إطلاق الجزء على الكل، كما تسمى الصلاة ركوعاً، فأحياناً يطلق الجزء على الكل. فالصلاة قبل الطلوع: الصبح، وقبل الغروب: الظهر والعصر، ومن الليل: العشاءان المغرب والعشاء، والتهجد أيضاً يدخل في ذلك. وأدبار السجود: النوافل بعد المكتوبات. هذا على القول بأن التسبيح مقصود به الصلاة، وأنه من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. وقد يطلق التسبيح على النافلة كما في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، ولم يسبح بينهما شيئاً. فقوله: (لم يسبح بينهما) يعني: لم يتنفل. وكذلك قول ابن عمر : (لو كنت مسبحاً لأتممت)؛ لأنه كان لا يصلي النوافل في السفر، فقيل له في ذلك فقال: (لو كنت مسبحاً -أي: لو كنت متنفلاً- لأتممت الصلاة)، أي: فالأولى أن أُتم الفريضة. ولاشك أن قوله ذلك يقصد به النوافل ما عدا الوتر وركعتي الفجر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (واستمع يوم ينادي المناد من مكان قريب ... ذلك حشر علينا يسير)

    قال تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ [ق:44]. أي: استمع لما أخبرك به من أهوال القيامة، يوم ينادي مناديها من مكان يصل نداؤه إلى الكل على سواء. قال: ((وَاسْتَمِعْ)) ولم يبين ما هو الذي يستمع إليه، ثم بينه بما بعده فقال: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:42] يعني: استمع للصيحة بالحق. وفي ورود الأمر مطلقاً ثم تبيينه بما بعده تهويل وتعظيم للمخبر به؛ لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتفخيم للفعل المحدث عنه. ((يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ)) أي: صيحة البعث من القبور والحشر للجزاء. ((بِالْحَقِّ)) يعني: بالأمر بالإجابة لله إلى موقف الحساب. (( ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ))، أي: من القبور. ((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ)) أي: في الدنيا بإفاضة نور الحياة أو قطعه. ((وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ)) أي: مصير الجميع يوم القيامة. ((يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا)) فيخرجون منها مسرعين، كما قال الله سبحانه وتعالى في تبيين ذلك الموقف: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج:43]، وقال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس:51] يعني: يسرعون. وقال تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [القمر:7-8] يعني: مسرعين مادي أعناقهم على الأصح. وقوله تعالى: ((يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا)) قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وابن عامر: (تشَّقَّق) بإدغام إحدى التاءين في الشين؛ إذ أصلها (تتشقق). وقرأ الباقون بتخفيف الشين وبحذف إحدى التاءين، (تَشَقَّقُ). ((سِرَاعًا)) جمع سريع، وهو حال من الضمير المجرور في قوله: (( عنهم )) أي: تشقق الأرض عنهم في حال كونهم مسرعين إلى الداعي. والداعي هو الملك الذي ينفخ في الصور ويدعو الناس إلى الحساب والجزاء. ((ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)) أي: ((ذلك)) الإخراج لهم في موقف الحساب ((حشر)) أي: جمع لهم في موقف الحساب ((علينا يسير)) سهل بلا كلفة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نحن أعلم بما يقولون...)

    قال تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]. ((نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ))، يعني: بما يقوله مشركو مكة من فريتهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنكارهم قدرته تعالى على البعث، وهو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم. ((وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)) أي: بمسلط ومسيطر تقهرهم على الإيمان، كما قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22]. ((وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)) لا تقهرهم على الإيمان. ((فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)) يعني: بل إنما بعثت مذكراً ومبلغاً فذكر بما أنزل إليك من يخاف الوعيد الذي أوعد به من عصى وطغى فإنه يُنتفع به. ومن دعاء قتادة رحمه الله تعالى: اللهم! اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعودك يا بار يا رحيم. آمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756529464