إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (296)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ...)

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع أحمد صالح عبد الله مظفر -فيما يبدو- يمني الجنسية وهو من ذمار، أخونا يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:123-124]، صدق الله العظيم، تفضلوا سماحة الشيخ بتفسير هذه الآيات لهذا المستمع جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد ذكر علماء التفسير عند هذه الآية ما يشرح معناها ويوضح معناها، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم في سورة طه: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123-124].

    قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الآية: تكفل الله لمن اتبع هدى الله أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، والمعنى: أن من اتبع الهدى واستقام على الحق الذي بعث الله به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يضل في الدنيا بل يكون مهتدياً مستقيماً ولا يشقى في الآخرة بل له الجنة والكرامة، وهدى الله هو ما دل عليه كتابه العظيم القرآن وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام من فعل الأوامر وترك النواهي، وتصديق الأخبار التي أخبر الله بها ورسوله، والإقامة عند حدود الله وعدم تجاوزها، هذا هو الهدى، فاتباع الهدى هو تصديق الأخبار وطاعة الأوامر وترك النواهي والوقوف عند حدود الله، فلا يتعدى ما حد الله له ولا يقع في محارم الله عز وجل. من استقام على هذا طاعة لله وإخلاصاً له ومحبة له وتعظيماً له، وإيماناً به وبرسله، فإنه لا يضل في الدنيا بل هو على الهدى، ولا يشقى في الآخرة بل هو سعيد في الدنيا والآخرة.

    ومن أعرض عن ذكر الله يعني: عن كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولم يتبع الهدى فإن له معيشة ضنكاً، والله جل وعلا يبتليه بالمعيشة الضنك، وهي ما يقع في قلبه من القلق والضيق والحرج ولو أعطي الدنيا كلها، فإنما يقع في قلبه من الضيق والحرج والشك والريب هو العيشة الضنك، وهذا من العقاب المعجل، وله يوم القيامة العذاب الأليم في دار الهوان في دار الجحيم، ومع هذا يحشره الله أعمى يوم القيامة، فعلى العبد أن يحذر معصية الله وأن ينقاد لشرع الله وأن يستقيم على هداه، الذي جاء به كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين، وأن يستقيم على الحق أينما كان، فهذا هو اتباع الهدى، والله سبحانه هو الموفق لعباده فعلى المسلم والمسلمة الضراعة إلى الله، كل مؤمن ومؤمنة يضرع إلى الله، يسأله سبحانه التوفيق والهداية ويجتهد في التفقه في الدين والتعلم والتبصر، فيتدبر كتاب الله ويكثر من تلاوته حتى يستقيم على الأوامر وينتهي عن النواهي، وحتى يصدق أخبار الله عما كان وما يكون، وهكذا يعتني بالسنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حفظاً ودراسة ومذاكرة مع العلماء وطلبة العلم حتى يستقيم على الحق، ويسأل عما أشكل عليه، الذي لا يعلم يسأل أهل العلم ويتبصر ويتفقه حتى يستقيم على هدى، وحتى يكون سيره إلى الله عن علم بما قاله الله ورسوله، إما بطلبه للعلم واجتهاده في الخير، وإما بسؤاله أهل العلم، كما قال الله سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

    ومن صدق في الطلب والضراعة إلى الله، واجتهد في ذلك وأخلص لله قصده وابتعد عن مساخط الله، وجالس العلماء وسألهم عما يجهله من دينه فالله سبحانه يعينه ويوفقه، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] .. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29] والفرقان: هو الهدى والنور، فمن اتقى الله واجتهد في طلب العلم، وسأل عما أشكل عليه وأخلص لله في ذلك فالله سبحانه يجعل له فرقاناً ويعطيه العلم، ويوفقه ويهديه سبحانه فضلاً منه وإحساناً جل وعلا، هذا شأنه جل وعلا مع أوليائه وأهل طاعته والصادقين في محبته، واتباع ما يرضيه سبحانه هو أهل الجود والفضل يهديهم ويعينهم ويوفقهم.

    1.   

    حكم الزواج بامرأة لا تصلي

    السؤال: من السودان أحد الإخوة المستمعين رمز إلى اسمه بالحروف: (ب. ش. ب) يقول: تزوجت ابنة عمي بالرغم عني واكتشفت أنها لا تصلي، وأمرتها بالصلاة لكنها لم تستمع، ولم تسمع إذا طلقتها فسيغضب والدي مني، كيف يكون التصرف مع مثل هذه جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا تزوج المسلم امرأة لا تصلي فإن النكاح غير صحيح في أصح قولي العلماء؛ لأن ترك الصلاة كفر، وإن لم يجحد وجوبها التارك هذا هو الصواب.

    وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تارك الصلاة لا يكفر إذا كان لم يجحد وجوبها، ولكنه أتى منكراً عظيماً ومعصية عظيمة وكبيرة شنعاء أعظم من الزنا، وأعظم من العقوق، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، لكنه لا يكفر عند جمع من أهل العلم إذا كان لم يجحد وجوبها.

    لكن الصواب والراجح هو أنه يكفر بذلك وإن لم يجحد وجوبها، ويكون النكاح غير صحيح إذا كان الزوج يصلي وهو لا تصلي يكون النكاح غير صحيح، وهكذا العكس لو كانت تصلي هي وهو لا يصلي كذلك ما يصح عقدة النكاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة)، إذا ترك العمود سقط الفسطاط، والمعنى: سقط الإسلام.

    ويقول صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، ولم يقل: إذا جحد وجوبها أطلق عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث صحيح رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه.

    وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وهذا الحكم يعم الرجال والنساء؛ لأن القاعدة الشرعية: أن ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء، وهكذا العكس إلا بدليل يخص أحدهما، وليس هنا دليل يخص الكفر بالرجل، بل من كفر فمطلقاً من الرجال والنساء، فعليك أيها السائل أن تفارقها وأن تردها إلى أهلها ولو لم يرض أبوك؛ لأن المعاصي ليس للإنسان فيها طاعة الطاعة لله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فعليك أن تردها إلى أهلها، وأن تعطيها صكاً بطلقة خروجاً من الخلاف، وحتى يعتمد على الصك في تزويجها لغيرك، ومتى هداها الله وأردت الرجوع إليها بعد ذلك بعقد جديد فلا بأس، نسأل الله للجميع الهداية.

    1.   

    شروط التوبة وطريق العودة إلى الله تعالى

    السؤال: سماحة الشيخ كما عرض على سماحتكم أكثر من مرة أن كثيراً من المسلمين يقع في المعاصي ومنها ترك الصلاة مثلاً كهذا السؤال الذي عرض آنفاً، وكثير من المسلمين ينشد التوبة ويتلمس طريقها، لكنه لا يدري من أين يبدأ، حبذا لو تفضلتم في هذا المقام سماحة الشيخ برسم طريق صحيح لأولئك الذين يتوقون إلى التوبة ويتمنونها، ولكن لا زالت أقدامهم تتعثر بعض الشيء، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: التوبة من أهم المهمات ومن أعظم الفروض على كل مسلم، يجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة التوبة إلى الله سبحانه من جميع الذنوب، وأن يحاسب المؤمن والمؤمنة نفسه في جميع الأوقات حتى يبادر بالتوبة من جميع الذنوب وحتى يحذر إدمانها والإصرار عليها، ومن رحمة الله سبحانه ومن إحسانه إلى عباده أن شرع لهم التوبة وفتح لهم بابها حتى لا يضرهم الذنب؛ فإن من تاب تاب الله عليه: (ومن تاب من الذنب فكمن لا ذنب له) كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، ولو أن العبد لا توبة له لكانت مصيبة عظيمة، فمن ذا الذي يسلم من الذنوب، ولكن من رحمة الله أن من تاب صادقاً مخلصاً لله تاب الله عليه، كما قال الله سبحانه في كتابه العظيم: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، هذه الآية في سورة النور، وقال عز وجل في سورة التحريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .. [التحريم:8] الآية، وعسى من الله واجبة، والمعنى: أن من تاب كفر الله سيئاته وأدخله الجنة وأفلح كما في الآية السابقة، فالتائب مفلح وله الجنة والكرامة إذا تاب توبة صادقة، والواجب على كل مسلم ومسلمة أن يصدق في التوبة وأن يحرص عليها، وشروطها ثلاثة:

    الندم على الماضي، كونه يندم على معصيته التي سلفت منه يحزن عليها.

    الثاني: الإقلاع منها وتركها والحذر منها.

    الثالث: العزم الصادق أن لا يعود فيها خوفاً من الله وتعظيماً له، وإخلاصاً له سبحانه وتعالى، هكذا التوبة بهذه الشروط الثلاثة، يقال لها: شروط ويقال لها: أركان التوبة، هي تنبني على هذه الأمور الثلاثة، ولا تحصل إلا بهذه الأمور الثلاثة: الندم على الماضي من السيئات من زنا أو سرقة أو عقوق أو ترك صلاة أو ترك زكاة أو غير ذلك.

    الثاني: الإقلاع من المعصية وتركها والحذر منها، بأن يؤدي الزكاة التي ترك يحاسب نفسه ويؤدي الزكاة التي تركها عن جميع السنوات الماضية، ويؤدي الحقوق إلى أهلها إن كان عنده حقوق للناس ومظالم ردها إلى أهلها وهذا شرط رابع، إذا كان عنده مظالم لابد من ردها إلى أهلها أو تحلله منها، ومعنى الإقلاع منها: تركها بحيث لا يفعلها.

    والأمر الثالث: أنه يعزم عزماً صادقاً أن لا يعود إليها، فلو عاد بعد ذلك أخذ بالذنب الأخير، والذنب الأول راح بالتوبة سقط بالتوبة، لكن إذا عاد بعد التوبة الصادقة للذنب أخذ بالأخير، ثم إذا تاب من الأخير غفره الله له، فإن عاد مرة ثالثة أخذ بالذنب الأخير، وهكذا إذا كان ذلك بعد توبة صادقة.

    أما إذا كان ما عزم على الترك، ندم وترك ولكن ما عزم على الترك، بل في نيته متى وجدها فعلها، ومتى قدر عليها فعلها فهذا ما تاب، ولا يسمى تائباً، ولا يكون تائباً حتى يعزم عزماً صادقاً أن لا يعود إليها.

    ومن أسباب التوبة كون المؤمن يكثر من القرآن، يتدبر القرآن ويعرف ما وعد الله به العصاة من العقاب الأليم، وما وعد به الأتقياء من الخير العظيم، ودار الكرامة والنعيم المقيم، يقرأ السنة، يسمع الأحاديث، يحضر حلقات العلم، يحضر مجالس العلم، يصحب العلماء والأخيار كلها من أسباب التوبة.

    ومن أسباب التوبة: أن يسأل الله ويضرع إليه دائماً يقول: يا رب ارزقني التوبة النصوح، يا رب من علي بالتوبة، يا رب اهدني صراطك المستقيم، يسأل ربه في سجوده، في آخر التحيات قبل السلام، في آخر الليل، في وسط الليل، بين الأذان والإقامة، هذه أوقات عظيمة ترجى فيها الإجابة يسأل ربه يضرع إليه، يقول: اللهم ارزقني التوبة النصوح، اللهم اهدني صراطك المستقيم، اللهم أعذني من الشيطان الرجيم، اللهم أجرني من جلساء السوء واكفني شرهم، ويسأل ربه ويجتهد في التوبة والعمل الصالح، ويبتعد عن قرناء السوء ومجالستهم حتى لا يجروه إلى أعمالهم الرديئة، حتى لا يدعوه إلى ذلك، حتى لا يتأسى بهم؛ لأن المرء على دين خليله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله -يعني: حبيبه وصديقه- فلينظر أحدكم من يخالل): ويقول الشاعر:

    عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

    يعني: هذا هو الأغلب، وأصدق من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير -الجليس الصالح مثل حامل المسك- إما أن يحذيك -يعني: يعطيك- وإما أن تبتاع منه -يعني: تشتري منه- وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، أما نافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة).

    هذا المثل العظيم الذي مثل به النبي صلى الله عليه وسلم للجليس الصالح والجليس السوء، وحري بالمؤمن والمؤمنة الأخذ بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بنصيحته وإرشاده عليه الصلاة والسلام، وذلك باتخاذ الجليس الصالح والصديق الصالح والحذر من جلساء السوء، وهكذا المرأة تحرص على الجليسات الطيبات والقرينات الطيبات مع الحذر عن القرينات الخبيثات والصديقات اللاتي يدعينها إلى الباطل، وهكذا الطالبات، الطلبة في المدارس وغير المدارس، تحرص الطالبة على صحبة الزميلة الطيبة والتأسي بها والتشاور معها، وتبتعد عن الزميلة الرديئة، وهكذا الطالب في المدارس، وهكذا المدرسون، وهكذا جميع الناس، فالواجب على كل واحد أن يحرص على الصاحب الصالح والجليس الصالح، وأن يحذر جليس السوء وقرين السوء أينما كان، فهذا من أسباب السعادة ومن أسباب التوفيق.

    إذاً: بداية الطريق أن يضرع إلى الله جل وعلا، وأن يسأله أن يمن عليه بالتوبة.

    ثانيا: يحرص على تدبر القرآن الكريم، والإكثار من تلاوته، أو سماعه إذا كان لا يقرأ، سماعه من إذاعة القرآن أو من أولاده إن كان عنده من يقرأ أو بناته حتى يستفيد ويخشع لكلام الله، ويعرف ما في الطاعة من الخير وما في المعصية من الشر، وما وعد الله به أهل التقوى، وما وعد به أهل المعاصي والشرور.

    ثالثاً: جهاد نفسه، يجاهدها حتى يستقيم على الحق، وحتى يدع المعصية، لابد من جهاد، الله يقول جل وعلا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، والمجاهدة هو الذي يلزمها بالحق، كونه يجتهد في الضغط عليها حتى تلتزم بالحق وحتى تدع الباطل، ويقول سبحانه: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6]، ويقول سبحانه: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ [الإسراء:7].

    رابعاً: الحرص على الجليس الصالح والجليسة الصالحة والزميل الصالح والزميلة الصالحة، هكذا المؤمن يحرص على الجلساء الصالحين والرفقاء الطيبين والمؤمنة كذلك.

    1.   

    حكم المسح على الجورب والخف

    السؤال: ننتقل إلى رسالة أخرى ومواضيع أخر، الرسالة من المستمع (ع. ك. م) سوداني أيضاً ومقيم في شمال المملكة يسأل جمعاً من الأسئلة، من بينها سؤال عن حكم المسح على الجوارب أو المسح على الحذاء أجلكم الله، وإذا كان يعلق بها بعض الأوساخ فهل تجوز الصلاة بها؟

    الجواب: المسح على الخفين والجوربين هو الصحيح، وهو سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما)، وقال فيما رواه مسلم في الصحيح عن علي رضي الله عنه عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثاً بلياليها).

    وهكذا روى صفوان بن عسال : (أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمرهم إذا لبسوا الخفاف على طهارة أن يمسحوا يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر بلياليها)، وهو صلى الله عليه وسلم فعل ذلك: (كان يمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن) وفي بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم: (توضأ ومعه المغيرة يصب عليه، فلما مسح رأسه، أراد المغيرة أن ينزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما عليه الصلاة والسلام).

    والجورب من جنس الخف، الجورب يكون من الصوف أو من القطن أو من الشعر أو غير ذلك، هو من جنس الخف، الخف من الجلد والجورب من غير الجلد، والصواب أنه يجوز المسح على الجورب إذا ستر القدمين مع الكعبين يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.

    وإذا كان الجورب في النعل ومسح عليهما جميعاً فلا بأس، لكن إذا خلع النعل يخلع الجورب، أما إذا مسح الجورب وحدها فإنه يخلع النعل متى شاء، ويكون الحكم معلقاً بالجورب، يمسح يوماً وليلة في الإقامة، وثلاثة أيام بلياليها في السفر، أما النعل وحدها فلا يمسح عليها؛ لأنها لا تستر، وإنما يمسح على الجورب بالنعل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين والنعلين عليه الصلاة والسلام، فإذا مسح عليهما جميعاً صار الحكم لهما، يخلعهما جميعاً ويبقيهما جميعاً.

    أما إذا مسح على الجورب وحده فإنه يكون الحكم للجورب والنعل متى شاء خلعها ومتى شاء لبسها، فإذا مضى على الجورب في رجله يوم وليلة بعد الحدث وبعد المسح خلعه، وهكذا الخف يبدأ من المسح بعد الحدث فإذا مضى يوم وليلة، يعني مضى أربع وعشرون ساعة بعد المسح، المسح الأول عليه بعد الحدث تمت المدة، وهكذا المسافر ثلاثة أيام بلياليها يعني: اثنتين وسبعين ساعة في حق المسافر، لكن لابد أن يكون على طهارة لبسهما على طهارة، ولابد أن يكون اللبس في الحدث الأصغر، أما في الجنابة لا، لا يمسح، وهكذا الحائض والنفساء لا تمسح، المسح في الحدث الأصغر، أما الجنب فيخلع، والحائض تخلع والنفساء تخلع، لا يتصور في حق الحائض والنفساء؛ لأنها لا طهارة لهما إلا بعد الغسل، فالحاصل أن الجورب إنما يمسح عليه للوضوء أما في الجنب في الجنابة فلا، بل يخلع.

    1.   

    حكم قضاء الحائض والنفساء للصلاة والصوم

    السؤال: يسأل ويقول: هل تقضي الحائض والنفساء الصوم والصلاة؟

    الجواب: الحائض والنفساء تقضيان الصوم فقط عند جميع العلماء، أما الصلاة فلا تقضى عند جميع أهل العلم، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم -يعني: الحيض- كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

    وهذا من رحمة الله وتيسيره جل وعلا وإحسانه، أنه أحسن إليهن بوضع الصلاة عنهن؛ لأن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والحيض قد يبقى معها أسبوعاً أو أكثر أو أقل فيشق عليها القضاء، وهكذا النفساء قد تبقى في النفاس أربعين يوماً فيشق عليها القضاء، فمن رحمة الله أن أسقط عن الحيض والنفساء الصلاة، فلا تقضي ولا تفعلها، لا تفعلها في حال الحيض والنفاس ولا تقضي، أما الصوم فإنها لا تفعله في حال الحيض والنفاس؛ لكنها تقضي، لا يجوز لها الصوم وهي حائض أو نفساء، ولكن عليهما القضاء، إذا طهرت صامت في رمضان وتقضي ما عليها بعد رمضان، تقضي ما أفطرت بسبب الحيض أو النفاس بعد رمضان، ما بين رمضان ورمضان الثاني، تقضي بينهما، لها أن تؤخر إلى رجب وشعبان لا بأس، وإذا بادرت فهو أفضل حذراً من العوائق.

    1.   

    حكم من شرب الخمر بحجة أنها لا تسكره وحكم صلاته

    السؤال: أخيراً يسأل ويقول: رجل يشرب الخمر بحجة أنها غذاء للدم كما يزعم، وهي لا تسكره، وهو يصلي فما حكم صلاته؟ وما حكم ما يفعل جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كانت تسكر غيره فيها مادة السكر، فإنه يحرم عليه شربها ولو كانت لا تسكره؛ لأن بعض الناس إذا اعتادها قد لا يسكر، فهي محرمة عليه سكر أو لم يسكر، إذا كانت من شأنها الإسكار لغيره؛ لأنها خمر، فالواجب عليه تركها والحذر منها.

    وليست غذاء للدم ولا غيره، سئل النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: (يا رسول الله! إني أصنع الخمر للدواء، قال عليه الصلاة والسلام: إنها ليست بدواء ولكنها داء) خرجه مسلم في صحيحه، ولكن هذه أوهام يتوهمون أنها تنفعهم، وهذا من تزيين الشيطان، حتى ولو فرضنا أنه قاله طبيب، قول النبي عليه الصلاة والسلام مقدم، فلا يجوز شربها لا للدواء ولا لغير الدواء، ولو قال ألف طبيب: إنها تنفع، لا يجوز شربها لا للتداوي ولا غيره، هي داء عضال ومنكر عظيم ومن كبائر الذنوب وليس لأحد أن يشربها لا للتداوي ولا لغير التداوي، أسكرته أو لم تسكره، إذا كانت من شأنها أن تسكر بغيره، ولكنه بسبب اعتياده لها قد لا تسكره بعض الأحيان هذا لا يحلها له، هي حرام عليه مطلقاً ولو لم تسكره، نسأل الله السلامة.

    أما صلاته فصحيحة إذا كان صلى وهو عاقل قد ذهب عنه السكر، أما في حال السكر فصلاته غير صحيحة؛ لأنه غير عاقل.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: اللهم آمين! مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام، شكراً لحسن متابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755905760