إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (71) - النوع التاسع والستون فيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب

عرض كتاب الإتقان (71) - النوع التاسع والستون فيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقابللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • معرفة ما ورد في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب لا علاقة له بعلم التفسير؛ لأنه لا يؤثر في فهم المعنى. إلا أن معرفة الأسماء المبهمة لها علاقة بمبحث أسباب النزول، والأسماء الصريحة لها علاقة بمبحث المعرب.

    1.   

    ما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    فسنأخذ من كتاب "الإتقان" ما يتعلق بالنوع التاسع والستين فيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب.

    وهذا النوع مما ذكره البلقيني في كتابه "مواقع العلوم من مواقع النجوم" وقد ذكره بعد أن كمل الأصناف الخمسين فذكر جملة من الأنواع التي لا تدخل تحت حصره, ومنها هذا النوع التاسع والستين, وقد زاد عليه السيوطي في كتابه التحبير, ثم في هذا الكتاب زاد بعض الأسماء والكنى والألقاب.

    علاقة هذا المبحث بعلوم التفسير وعلوم القرآن

    لو تأملنا ما يتعلق بما وقع من الأسماء والكنى والألقاب, وتعلقه بعلم التفسير, فإنه ليس له تعلق, بمعنى: أن معرفة الأسماء أو دلالات الأسماء ليس لها تعلق بفهم المعنى, وله تعلق بعلوم القرآن قطعاً, لكن لو أدرنا أن نربطه ببعض أنواع علوم القرآن, أسباب النزول هذا لو كانت مبهمة مثلاً: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ [يس:20], هذا مبهم, فيمكن أن يرتبط أحياناً بأسباب النزول.

    علاقة الأسماء الصريحة الواردة في القرآن بمبحث المعرب

    لكن الاسم فيه صريح, يرتبط بموضوع مهم جداً سبق الحديث عنه, ومرتبط بالنوع العام الذي سميناه نزول القرآن وهو المعرب، فله علاقة بالمعرب؛ لأن الأسماء المذكورة الآن مرتبطة بالمعرب؛ فإذاً هو له تعلق بهذا النوع.

    الآن لو تأملنا بما أن هذا النوع ليس له علاقة بالتفسير, وهو من علوم القرآن ومرتبط في المعرب, وله ارتباط أيضاً بمسألة أخرى من مسائل علوم القرآن مرتبطة بالمعرب, وهي: هل يصح أن يقال إن في القرآن ما ليس عربياً؟

    هذه المسألة نوقشت في المعرب, ولا شك أن فيها تفصيلاً, فيصح من جهة ولا يصح من جهة.

    فمن جهة الأسماء يصح أسماء الأعلام هذه يصح، وإن كانت أسماء أشخاص، أو أسماء لمدن أو غيرها؛ فهذه الأسماء ليس فيها إشكال في كونها تكون ورادة بلغة العرب, مثال ذلك من باب التقريب: لو أن كاتباً عربياً عاش في أحد مدن الغرب, ثم كتب مذكراته باللغة العربية وذكر أسماء المدن التي مر عليها, وأسماء الأشخاص الذين قابلهم, وأسماء بعض الآلات وبعض الأشياء التي رآها, فلا يقال: إن هذه القصة ليست عربية خالصة.

    فإذاً إذا تأملنا هذا الكلام في هذه المسألة؛ فنقول: إن الكلام عن هذا الموضوع بالذات يجب أن ينتبه إلى أنه حينما يقال: إن في القرآن ما هو أعجمي, أنه لا يدخل في باب المعاني ولا في باب الأساليب. ولو قلنا بعجمته فإنه لا يؤثر على عربية القرآن, يؤثر على عربية القرآن لو كان من جهة مدلولات الألفاظ أو من جهة الأساليب, على سبيل المثال: إذا كنا مثلاً نقول بالمجاز، على من يقول بالمجاز, فهذا الأسلوب أسلوب عربي؛ فاستخدامه عربي, لكن لو كان هناك أسلوب خاص بقوم ليسوا من العرب واستخدمه القرآن, فهنا يقال: إن فيه إشكالاً.

    إذاً لم يرد استخدام أسلوب ليس بعربي، ولا دلالة لفظ ليست بعربية.

    أما الأسماء والكنى والألقاب فهذه لا تؤثر, فضلاً عن بعض الأسماء فإنها قد عربتها العرب بألسنتها, فحولتها من لغاتها التي قيلت بها إلى اللغة العربية.

    مثلاً ما ذكره السيوطي في أول اسم وهو آدم أبو البشر, ذكر أنه مشتق من الأدمة, قال: ولذ منع من الصرف؛ لأنه على وزن أفعل وأنه وصف مشتق من الأدمة.

    وذكر عن الجواليقي أنه قال: أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة: آدم وصالح وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم, مع أن عندنا هوداً أيضاً من الأسماء العربية.

    كذلك من أسماء الأقوام ثمود، لكن نمشي على ما ذكره, ثم بعد ذلك ذكر عن القوم فقالوا: هو اسم سرياني أصله آدام بوزن خاتام عرب بحذف الألف الثانية, والثعلبي قال: التراب بالعبرانية آدام؛ فسمي آدم به, وقال ابن أبي خيثمة عاش تسعمائة وستين سنة.

    وسنناقش هذه المسألة وبناءً على نقاشها يندرج على أشياء كثيرة مما ذكر, أنا أذكر هذه المسألة مع أنه قد يقال فيها ما يقال: من أنها طويلة الذيل قليلة النيل؛ لأنه مرتبطة بموضوع مرتبط بغيبيات؛ خاصة ما يتعلق بتاريخ اللغات وتاريخ المنطقة.

    1.   

    تعمد المستشرقين تغييب مصادر المسلمين فيما يتعلق بأخبار الأمم الماضية

    فأريد أن أقرب هذه الصورة؛ لأنه قد حصل فيها خلط عظيم, ولولا وجود الخلط واللبس الذي أحدثه المستشرقون والتوراتيون في المنطقة العربية حال دراسة تاريخ هذه المنطقة؛ لما احتجنا إلى هذا الكلام ولبقينا على ما يذكره علماؤنا: ليس لها أي أثر علمي تطبيقي إطلاقاً؛ لكن بسبب هذا الخلط نحتاج إلى أننا ننبه إلى هذه المسائل المهمة.

    ومع الأسف! يتفق جميع الباحثين بلا استثناء الذين صدروا عن البحث التوراتي، وهو: إثبات مقصود الباحث في التوراتي, ومن يريد أن يثبت أن ما في التوراة صحيح, يعني: الباحثون التوراتيون من المستشرقين وغيرهم, وكذلك من لا يرى التدين أو لا يرى أصل الدين التوحيد، هؤلاء مع الأسف! أجمعوا جميعاً على عدم اعتماد مصادر المسلمين في كتاباته؛ فليس القرآن عندهم مصدراً ولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم مصدر, وقد يأخذون أحياناً بشيء مما في يراه العرب المسلمون لتعزيز فكرة عندهم وليس لأنه مصدر موثوق.

    وأنا لم أجد إلى اليوم خلال قراءاتي في هذه الموضوعات من اعتمد على القرآن على الأقل على أنه مصدر من المصادر.. إذا تنزلنا مع الخصم يعني: من المصادر وهي تعتبر من مصادر الساميين مثلاً؛ تنزلاً مع الخصم؛ لا نجد هذا، مما يدل على أن هناك إرادة لتغييب كل ما يتعلق بالعرب أو بالإسلام في هذه المسألة.

    نأتي الآن إلى ما قاله علماؤنا السابقون كما قلت: ليس لها أي أثر علمي؛ ولهذا ما كانت تعنيهم, فيقولون: سرياني وعبراني ويقولون مثلاً: آرامي، ويقولون: كلداني حبشي.. ألفاظ هكذا, لم تؤثر عندهم، ولم يكن لها أي أثر, كان هناك نقاش ومنزع عقدي صغير تكلم به بعضهم, مثل ما تكلم أبو عبيدة لما قال: من يقول في القرآن بغير العربية فقد أعظم على الله الفرية، لكن هذه المسألة العلمية حسمت وانتهت فما نحتاج فيه إلى أن نعيد أو أن نناقش ما ذكره علماؤنا، والأقوال الثلاثة المذكورة عندهم في هذه المسألة.

    الذي أريد أن ننتبه له هنا المسألة الأولى التي ذكرتها وهي: عدم الالتفات إلى مصادرنا عند هؤلاء الباحثين.

    1.   

    اللغة الاشتقاقية وعلاقة لغات العالم الحالية بها

    المسألة الثانية: حينما نقول: إن أصل هذه الكلمة سرياني أو آرامي أو عبراني, كل من يقول بهذا لا يلزم من قوله حتى لو ادعى أن هذه اللفظة هي عند هؤلاء الأقوام دون غيرهم, ولا أنهم سبقوا إليها دون غيرهم, وهذه قاعدة مهمة, حتى نحن لا ندعي أن هذه الكلمة عربية وأنها متأصلة, وأن العربية متأصلة في القدم كاملة هذا غير صحيح؛ فمسألة اللغات كما هو معلوم مرتبطة بالتطور, يعني: التطور اللغوي هذا معروف, واللغات تحيا وتموت، لكن ننتبه إلى مسألة مهمة في هذه اللغة الأم التي نشأت من هذه اللغات؛ فابتعدت عنها لغات كثيرة ابتعاداً كلياً حتى كادت ألا تكون قريبة من اللغة الأم, وبقيت لغات مرتبطة بها يعني: جذور هذه اللغات مرتبط بهذه اللغة الأم.

    لنفترض هذه اللغة الأم أنها لغة اشتقاقية، وأنها اعتمدت على الحروف المشهورة المعروفة, التي هي الحروف الثمانية والعشرين حرفاً, وإذا قلنا الألف غير الهمزة تكون تسعة وعشرين.

    هذه الأحرف انبثقت منها لغات الناس منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه الصلاة والسلام, وهذه اللغة الأم قابلة للتوالد من خلال هذه المنظومة في الأحرف؛ ولهذا في جزء من أصلها توقيفي وجزء آخر وهو كثير توفيقي اجتهادي، بمعنى: أن الأقوام يصطلحون على شيء ما، ثم تتوارث الأجيال هذا الأمر جيلاً بعد جيل, قد يبقى فترة طويلة جداً, وقد تموت بعض الألفاظ ثم تنشأ بعدها ألفاظ أخرى؛ لكنها في الدائرة الاشتقاقية من هذه اللغة.

    وهذه اللغة الأم لا نزعم أنها العربية نفسها التي تلكم بها محمد صلى الله عليه وسلم, ولا نزعم أن السريانية وهي أحد اللغات القديمة المرتبطة بهذه اللغة الاشتقاقية, ولا نزعم أنها الآرامية, ولا نزعم أنها العبرية, ولا نزعم أنها المصرية القديمة, بل نقول: كل هذه اللغات التي كانت في هذه المنطقة نشأت من خلال هذه اللغة الأم, مثال ذلك, لو أردنا اليوم أن ننظر إلى اللهجات التي في جزيرة العرب فقط, لو نظرنا إلى التقسمات السياسية الموجودة الآن اليمن وعمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت والمملكة مثلاً, لو أخذنا هذا المحيط؛ كم تتوقعون سيكون عندنا من اللهجات؟ واحد, سؤال ثان: كم تتوقعون سيكون عندنا من المفردات؟ هل يستطيع أحد أن يحصي جميع المفردات بمدلولاتها؟

    هذه الآن المفردات بمدلولاتها, وهذه اللهجات كلها ألا يمكن أننا نسبكها في منظومة اشتقاقية متقاربة؟

    يمكن, لو تصورنا هذه الفكرة اللغات التي نشأت منذ عهد آدم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا اللغة الاشتقاقية فيها بهذه الصورة، تتوالد ألفاظ خلال المنظومة الاشتقاقية وتموت ألفاظ، ثم تتوالد ألفاظ غير الألفاظ الأولى وتموت ألفاظ.. وهكذا, لكن يبقى خيوط من هذه اللغة الأولى إلى اليوم موجودة, ومنها مثلاً: اسم آدم عليه الصلاة والسلام, وكما قال: إنه مشتق من أديم الأرض، أو من الأدمة التي هي السمرة.

    فأياً كانت من هذه ومن هذه؛ فهذا الاشتقاق هو الذي بقي في لغة العرب؛ ولهذا لغة العرب هي أوسع اللغات التي يمكن أن يستدل بها على مدلولات الألفاظ التي نشأت في جزيرة العرب وفي العراق وفي الشام وفي مصر, وكذلك في شمال القارة الإفريقية.

    فمنذ القدم هذه المنطقة ما وجد من أحافير وما وجد من مكتوبات لا يمكن تفسيرها تفسيراً تاماً واضحاً إلا من خلال هذه اللغة التي بقيت التي هي لغة العرب.

    وهنا فائدة مهمة جداً ننتبه لها: كيف بقيت لغة العرب؟ يعني: لو عملنا معجماً لأشعار العرب قبل نزول القرآن سنجد مجموعة من الألفاظ كبيرة جداً لا تكاد تستخدم حتى في عصر التنزيل, بل إنها صارت من الألفاظ البعيدة جداً, واستخدامها صار نادراً وقليلاً, وصار يتفيقه بها بعض من يريد أن يبين للناس قدرته في فهم اللغة، وفي سعة المفردات عنده.

    اللغة المعيارية

    هذه اللغة الآن كيف حفظت؟ لما نزل القرآن صارت عندنا لغة تسمى اللغة المعيارية, وهذه اللغة المعيارية اصطلح عليه مجموعة من اللغويين شيئاً فشيئاً وصارت هذه اللغة المعيارية هي التي يقاس عليها ما يسمى بالفصاحة, هل هذا اللفظ فصيح أو ليس بفصيح؟ وهذه قضية نسبية أصلاً فصاحتها مرتبطة بلغة القرآن, ما نزل بلغات من قرآن جعلوهم أصحاب اللغة المعيارية وما عداهم صارت لغاتهم التي تذكر لغاتاً إما شاذة أحياناً, وإما قليلة.

    بمعنى: أنه صار عندنا نوع من الثبات في اللغة, هذا الثبات الذي وجد لولا نزول القرآن لما وجد ولا استمرت اللغة في المدار الاشتقاقي الذي ذكرناه قبل قليل، ومع ذلك نلاحظ أن المدار الاشتقاقي بعد ثبوت هذه اللغة استمر وخرجت لهجات كثيرة جداً وصرنا نقيس هذه اللهجات بهذه اللغة المعيارية فمثلاً: يخرج لنا باحث الآن من حائل ويقول مثلاً: رد العامي إلى الفصيح من لغات حائل, فهو يقيس على اللغة المعيارية, ويخرج واحد مثلاً من أحد مناطق القصيم ويفعل هذا, وآخر من مناطق الجنوب ويفعل هذا, وكلهم يردون إلى اللغة المعيارية التي صارت هي المقياس.

    فإذاً: هذه اللغة المعيارية أوجدت بسبب القرآن.

    نحن نفس القضية نفعل مع الألفاظ التي كانت قبل اللغة المعيارية نقيسها بهذه اللغة المعيارية؛ لكي يقرب لنا فهم هذه المدلولات القديمة.

    فلما ننظر الآن إلى آدم فإننا رجعناه إلى اللغة المعيارية التي نعرفها، فقلنا: آدم مشتق إما من الأدمة، وإما من أديم الأرض, نحن لما نقول: من الأدمة ومن أديم الأرض لا ندعي أن اللغة المعيارية التي تكلم بها الرسول صلى الله عليه وسلم هي نفسها وبعينها تماماً التي كان يتكلم بها آدم عليه الصلاة والسلام, وإنما نقول: هي في نفس الدائرة تدور.

    نلاحظ مثلاً نوح عليه السلام على أصح الأقوال المذكور عن ابن عباس كان بينه وبين آدم عليه السلام عشرة قرون. إذا قلنا القرن على حسب الاختلاف في القرن مائة سنة, فكان بينهما قرابة ألف سنة.

    فنوح عليه الصلاة والسلام في سورة نوح يقول: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23], وهذه الأسماء عربية. إذاً نلاحظ هذه أسماء عربية بمعنى: أنها ما زالت تستخدم في هذه اللغة الاشتقاقية القديمة، وتستخدم أيضاً في لغة القرآن هي هي لم تتغير, فنفس الألفاظ يستخدمها العرب الذين نزل القرآن بلسانهم.

    فنقول: إن هذه من الألفاظ التي بقيت من تلك اللغة القديمة الاشتقاقية حتى وصلت إلى العربية ولم تتغير.

    مثال آخر: وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ [الفجر:9], فثمود اسم قبيلة, فلو حللنا هذا اللفظ فنقول: ثمود مأخوذ من مادة ثمد في اللغة, ومادة الثمد: هو الماء القليل, فإذاً ثمود نسبة إلى هذا المعنى, أما صالح فمادة واضحة في اللغة العربية, وكذلك شعيب مادة واضحة العربية, وهي أسماء أنبياء.

    فإذا المقصد من ذلك: أننا حينما نتكلم عن هذا يجب أن ننتبه فلا نقع في مزلق وقع فيه بعض السريانيين وبعض الآراميين وبعض الآشوريين, وفيهم معارك، فلو نرجع إلى بعض مواقعهم في الإنترنت فإننا نجد معارك بينهم كل واحد يدعي أن لغته هي اللغة الأم, وأن غيرها من اللغات قد اشتقت منها.

    فنقول: هذه الدعوى صعبة الحل, يعني: صعب أن نصل إلى نتيجة نهائية مقنعة ولهذا نحن نقول: الآرامية في الحقيقة لهجة من لهجات اللغة الاشتقاقية القديمة, والسريانية لهجة من لهجات اللغة الاشتقاقية القديمة, تتوافق مع اللغة العربية, ولا نقول: إن اللغة العربية أخذت من السريان, وإنما نقول: ما بقي من اللغة الأم الاشتقاقية عند السريان هو نفس ما بقي عند العرب في جزيرة العرب, وقد يختلف النطق فيما بينهم.

    والمسألة الثانية تطول، لكن أحببت أن أقرب الصورة, وأنا رأيي أن المسألة بهذا تحسم أشياء كثيرة جداً من الخلافات والنزاعات القائمة:

    أولاً: هل اللغة توقيفية أو توفيقية بمعنى: اجتهادية؟، أيضاً حينما نتكلم عن كيفية دراسة هذه الشعوب ولغاتها القديمة وكيف نتعامل معها, ولماذا نجعل لغة العرب هي اللغة المعيارية وهذه قضية نحتاج إلى أن ننبه لها؛ لأنه اليوم تقوم دراسات - مع الأسف - إما أن تبعد هذه المنطقة بتاريخها القديم عن العرب كلية, وإما أن تدعي أن العرب قد أخذوا من هذه اللغات، والتاريخ لا يخدمهم, لكن الذي يخدمهم هو جهلنا نحن بتاريخ هذه المنطقة.

    علاقة العبرانية بالعربية

    على سبيل المثال وأختم به الحديث عن هذا الموضوع, ولعلنا نختم هذا كله فائدة أخرى:

    الآن لو قلت: اللغة العبرانية على اعتبار أنها لغة, هل العبرانية لغة صافية مثل ما نقول مثلاً الإنجليزية مختلفة اختلافا ًكلياً عن العربية بطريقة نطقها وحتى أساليبها، فهل العبرانية لغة بعيدة جداً جداً عن لغات هذه المنقطة فنخصص لها مسمى خاص؟

    الجواب: فيها ألفاظ مشتركة؛ فالعبرانية ليست لغة مستقلة وبعيدة كما هي الحال مثلاً في اللغة الإنجليزية أمام العربية, وإنما العبرانية في حقيقتها هي أحد اللهجات المرتبطة بهذه اللغة الاشتقاقية, هذه هي اللغة العبرانية.

    ولهذا نلاحظ مثلاً لو تأملت هذه اللغة التي تسمى أنها لغة عبرانية ويقولون: إن موسى عليه السلام تكلم باللغة العبرانية, لما ننظر إلى اسم موسى نجد أن الذي سمى موسى بهذا الاسم هي أمه وهي: أميه سواء كانت أم التبني، أم الأصل والإرضاع فما دام يعيش في بيت فرعون التي ستسميه آسية بنت مزاحم . وهذه عربية آسية بنت مزاحم عربية؛ فأم التبني التي سمته عربية, يعني: الاسم عربي واضح جداً، وراجع إلى اشتقاقات لغة العرب, والمتصور أن تسمي هذه الأم العربية باسم عربي، وأنا لا أقول لا يوجد لغة عبرية، إنما هي لهجة في النهاية, لهجة ومخالفاتها لغيرها من اللهجات القائمة لا يعني أنها لغة مستقلة كما هو الفرق بين الإنجليزية واللغة العربية, هذا الذي أريد أن نفهمه.

    قضية ثانية يلبس فيها أحياناً: يدعون أن إبراهيم اسم عبراني، والغريب أن العبرانية إنما جاءت بعده، وهذا يذكره الآن مع الأسف بعض النصارى الذين يكتبون في توثيق أسماء العهد القديم والعهد الجديد، وهذا كله من باب التلبيس, وقد يكون أحياناً من باب الجهل, لا ندعي دائماً عليهم ظلماً فقد يكون من باب الجهل, لكن أحياناً قد يكون من باب التلبيس.

    وأيهم أسبق الآن إبراهيم أم صالح؟

    الجواب: صالح, وصالح عربي؛ فلماذا لا ينسب على الأقل إبراهيم إلى هذه الأمة العربية، والموضوع في هذا يطول ولا أريد أن نطيل فيه فقد سبق أن ناقشناه كثيراً فلعل هذا التخليص يفيد.

    في جانب آخر: بعض الأسماء التي ذكرت في القرآن نلاحظ فيها صراحة أنها عربية صريحة مثل: اسم ذي لكفل وكذلك تبع وكذلك ذي القرنين كما هي في القرآن, وأنا الذي يظهر لي أن هذه أسماء عربية وأنهم أقوام عرب, يعني: على الأقل أنها أسماء عربية؛ لأن هذه الأسماء لو كان لها منطوق مثل ما في إلياسين واليسع وهارون وموسى؛ لذكرت, فكونه يذكر هذا الاسم بهذه الطريقة فهذا دلالة على أن هذا الاسم نطق كما هو، ولم يتغير, وهنا نبحث من من الأقوام بقي عندهم استخدام "ذا" بهذه الأسلوب؟

    غالباً هذا الاستخدام في جنوب جزيرة العرب الذي هو في اليمن, فغالباً أنه من أهل اليمن مثل: سيف بن ذي يزن وذي يزن ، أو ذي كذا موجود كثير عندهم, ولا يمنع أن يكون هناك انتقال من جنوب الجزيرة إلى شمال الجزيرة بحيث يهاجر أهل اليمن إلى الشام، وهذا مكتوب في التاريخ أن لهم خمس هجرات كبيرة جداً فأهل الجنوب عموماً جنوب الجزيرة لهم خمس هجرات مشهورة, آخرها يعتبرها المؤرخون هجرة الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا الممالك.

    فإذا هاجر هؤلاء من الجنوب إلى الشمال واستولوا على مناطق الشمال.. طبعاً اللغة الواحدة هي لهجات, والذي سيغلب هي لهجة الغالب لا المغلوب.

    فليس هناك ما يمنع من أن تكون بعض المدلولات والمفردات والأساليب التي يستخدمها عرب الجنوب صارت هي الغالبة على لهجة عرب الشمال, وهذا واضح جداً.

    فليس هناك مانع من أن يكون هؤلاء الذين ذكروا في القرآن من أهل اليمن, ويكون بعضهم قد عاش في شمال الجزيرة, وليس عندنا ما يقطع بهذا, لكن ليس عندنا أيضاً ما يمنع، فالمسألة مرتبطة بذات اللفظ، ومن الذي ينطق هذا اللفظ, والموضوع في هذا كما قلت واسع.

    علاقة السريانية باللغة الاشتقاقية

    لكن نلاحظ مثلاً في كلامه في موسى عليه الصلاة والسلام يقول عنه: وهو اسم سرياني, طبعاً نحتاج أن نعرف السريانية، وهناك خلاف في السريانية هل هي منبثقة من الآرامية أو الآرامية منبثقة منها, وما علاقتها بهذه اللغات؟ وأياً كان، فالسريانية ليست لغة آدم؛ لأن السريان جاءوا متأخرين جداً جداً عن آدم بقرون كثيرة جداً, ولكن السريانية أحد اللهجات التي وجدت في شمال جزيرة العرب خصوصاً في منطقة سوريا, ولا زال بعض السريان خاصة النصارى إلى الآن موجودين ويحاولون إعادة تراثهم, فلو جمعت كل تراث السريان الموجود الآن فإنه لا يسوى واحد بالمائة مما يوجد من تراث اللغة العربية, ولا زالوا إلى الآن يتفاهمون ويتخاطبوا ويكتبون بلغة العرب, واليوم اطلعت على أحد مواقع السريان وأشغلني هذا كثيراً في عصر هذا اليوم وأنا أبحث عن آدم من الذي قال سرياني؟ وهل أجد فيه شيئاً, فاستغربت أن هناك مواقع أذكرها من قبل, لكن - وأنا أتأمل - ظهر في نفسي أن هؤلاء - الآن - السريان بعضهم ما شاء الله! دكاترة في جامعات، وبعضهم أصحاب بحوث, ومع ذلك حينما يريدون أن يتخاطبوا وأن يوصلوا رسالتهم لا يتخاطبون باللسان السرياني, بل يتخاطبون بالعربية.

    ولو تخاطبوا باللسان السرياني لم يفهمهم أحد, حتى أصحابهم لم يفهموهم, والمحاولات هذه التي يفعلونها جاهدين في أن يعيدوا السريانية محاولات بائسة، يستفاد منها لكن لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام هي لغة هذه المنطقة فضلا ًأن تكون لغة غيرها من المناطق, فتبقى أحد اللغات التي ماتت يمكن أن يستفاد منها من جهة التاريخ فقط, والموضوع في هذا يطول.

    1.   

    الأسئلة

    أقرب اللغات إلى اللغة الأم

    السؤال: يلزم أن نقول: اللغة العربية هي أقرب اللغات إلى اللغة الأم؟

    الجواب: أن نقول: اللغة القديمة هذه لا نستطيع أننا نأتي بمدلولاتها كلها وأساليبها؛ لذا فالقياس صعب.

    علاقة اللغات الحالية باللغة الأم

    السؤال: [ما هي علاقة اللغات الحالية باللغة الأم؟]

    الجواب: واللغة العبرية مشتقة من اللغة الأم, لكن أوسع هذه اللغات من جهة دلالات الألفاظ والأساليب هي اللغة العربية, أوسع من الآرامية التي تكلم بها عيسى عليه الصلاة والسلام, والآرامية ونقول وأنا مقتنع بهذا: لو قدر لنا أن نسمع عيسى عليه الصلاة والسلام وهو يقول لأتباعه: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6], سنسمعه ينطق بهذا الاسم أحمد, ونلاحظ أنه لم يأت في القرآن اسم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الاسم إلا في هذا الموطن.

    ومعروف عند اليهود والنصارى أن اسمه أحمد وأن اسمه محمد, وكونه معروفاً عندهم أن اسم مورده مكة وبكة وهذا يعرفونه تماماً, ولكن كما هو معروف يحرفون الكلمة عن مواضعها، لكننا نريد ألا يكون عندنا نوع من عاطفة في أننا نقول: اللغة العربية هي الأوسع، بل نقول: من أراد أن يدرس بتجرد ولا يكون عنده ميل أو هوى أصلاً؛ فأنا عندي يقين أنه سيصل إلى أن هذه اللغة العربية التي استقرت بسبب القرآن الكريم هي اللغة التي يمكن أن نقول عنها: إنها أوسع اللغات، وأنها هي أحفظ اللغات للغة الأم الاشتقاقية.

    القول بأن اللغة العربية هي أفضل اللغات

    السؤال: [هل صحيح القول: بأن أفضل اللغات هي العربية؟]

    الجواب: نزول القرآن مما يؤنس بفضيلة اللغة، لكن نزول القرآن هو الوحيد الذي جعلنا نقول: إن اللغة العربية هي أفضل اللغات على الإطلاق, وهذا أحب أن ننتبه له, محل مجال للأخذ والعطاء، لكن هذه قناعتي الشخصية. فكون الله سبحانه وتعالى اختار هذه اللغة العربية لتكون هي خاتمة الرسالات, وينزل فيها كتابه سبحانه وتعالى, ويقرأ بها آناء الليل وأطراف النهار فهذا نوع من التشريف لهذه اللغة، وهذا مما لا شك.

    لكن لا أريد أن يكون عندنا نوع من العاطفة, بل يكون عندنا نوع من البحث العلمي, وهذا نحن مقتنعون به كمسلمين عرب, لكن لكي يكون عندنا تحرير وبحث دقيق من يأتي من الأقوام سواء من المسلمين غير العرب أو غيرهم, وينتقد هذا نقول له: تعال! ابحث وانظر، ما هي الأشياء التي تميز بها اللغات أصلاً؟ وضع لنا نسبة في اللغة العربية وغيرها من اللغات؟ فهذا سيكون بحثاً علمياً مجرداً.

    كون لغة أهل الجنة هي العربية

    أما ما يقال: هل لغة أهل الجنة عربية أو غير عربية؟ فهذه مسألة في الغيب الله أعلم بها.

    وإن كان هناك إشارات مثل: وقالوا: يَا مَالِكُ [الزخرف:77], فـمالك اسم عربي وهو خازن النار.

    وكذلك إذا صح أن رضوان خازن الجنة ففيه إشارات، لكن هذه الإشارات لا تكفي أننا نثبت بها شيئا ًيقينياً؛ فنحب أن يكون عندنا نوع من الاعتدال في طرح هذا الموضوع, وهذه المسألة صار عليها أيضاً مشادات.

    ومن الإشارات أيضاً، قوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ [يونس:10], وهناك أمثلة كثيرة تشير إلى هذا, لكن المقصود ورود الاسم بالذات؛ لأن الاسم لا يتغير بالذات الذي هو مالك, وإن كان هناك أمثله كثيرة جداً.

    لكنا نقول: في هذه النقطة المهمة ينبغي ألا يكون عندنا نوع من تحيز عاطفي من دون أن يكون عندنا بحث علمي مجرد, وأنا على يقين إن البحث العلمي المجرد سيوصل كل إنسان إلى ما نحن مقتنعون به.

    وأنا أذكر أحد الروس مستشرق روسي، كذا يسمونه مع أنه هو من أهل الشرق, لكن هكذا صار اصطلاح الباحثين, وهو يترجم إلى لغته.. ما أدري كم لهجة عندهم من لهجات الروس، ما أدري كم تكلمها من مليون, أنا قابلته يقول: أنه ترجم العهد القديم وما وجد في صعوبات كثيرة, وترجم العهد الجديد وما وجد فيه صعوبات كثيرة, ولما جاء يترجم القرآن وجد فيه إشكالات كثيرة يحتاج فيها إلى أنه يتعرف من أهل اللغة على بعض المعاني الدقيقة؛ لأنه يقول: إن بعض المدلولات التي في اللغة ليست موجودة عندهم في لغتهم أصلاً, وذكر من أمثلتها: الْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ [آل عمران:14], حيث كان يتكلم عن الخيل المسومة, وكيف يمكن أن يترجمها لقومه، وذكر أمثلة أخرى ليست موجودة أصلاً في قاموسهم، وليست من أساليبهم, وهذا موجود كثير في اللغات الأخرى, وقد يكون موجوداً عندهم وليس عندنا، فتأتي إلى نفس القضية؛ لكن ما هي اللغة التي تسطيع أن تستوعب غيرها من اللغات، وغيرها لا يستطيع أن يستوعبها؟ هذا البحث الذي نحتاجه, وكما قلت: أنا على يقين أننا سنصل لهذه النتيجة وهي اللغة العربية.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756014143