إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب عشرة النساء [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحياة الزوجية قائمة على أساس الشراكة بين الرجل والمرأة في تكوين الأسرة، وقد أعطى الإسلام كلا الزوجين حقوقاً في هذا المجتمع الصغير، كما أوجب على كلٍ منهما القيام بحق صاحبه، وسن بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها في العشرة الزوجية حفاظاً على سعادة البيت والأسرة، وحرصاً على الوفاق بين الزوجين، إذ بدون أن تتميز الحقوق والواجبات لن يجد الفرد سعادته، وفيما يلي بيان لهذه المسائل في العشرة بين الزوجين.

    1.   

    الحقوق الزوجية

    أقسام الحقوق الزوجية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ باب عشرة النساء ] لما بيّن المسائل المتعلقة بالنكاح شرع فيما يترتب عليه من آثار، من وجوب عشرة كل من الزوجين للآخر، والأصل في هذا الباب قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وقوله سبحانه وتعالى في الحقوق: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] .

    وقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم السنن والأحاديث في بيان ما يجب على الزوج لزوجته، وفيما يجب على الزوجة لزوجها، فكل من الزوجين مطالب بحق للآخر، وهذا ما يسمى بالحقوق الزوجية، فمن العلماء من يقول: باب الحقوق الزوجية. ومنهم من يقول: باب عشرة النساء، وكلا البابين يذكر فيه الأحكام المتعلقة بالمعاشرة.

    وعشرة النساء الهدي فيها هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكمل ما تكون المعاشرة بالمعروف بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته القولية والفعلية والتقريرية في معاشرة أهله وزوجه صلوات الله وسلامه عليه.

    قال رحمه الله: [ يلزم الزوجين العشرة بالمعروف ]

    الحقوق الزوجية تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

    - حق للزوج على زوجته.

    - وعكسه حق الزوجة على زوجها.

    - والحقوق المشتركة.

    وبعض العلماء يقسمها إلى اثنين مقسمة إلى ثلاثة فيقول:

    - الحقوق المشتركة

    - والحقوق الخاصة.

    ثم الحقوق الخاصة إما للزوج على زوجته أو العكس.

    فأما الحقوق المشتركة فابتدأ المصنف رحمه الله بها في قوله: [ يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف ] والمعروف ضد المنكر، أي: بما أقره الشرع لا بما أنكره، وبما أذن به الشرع لا بما حرمه، ويشمل هذا: المعاشرة بالمعروف بالكلام الطيب، والمعاشرة بالمعروف بالفعل الطيب.

    والمعاشرة بالمعروف تكون في الأمور المادية والمعنوية، وتكون المعاشرة بالمعروف في القلوب وفي الأمور الخفية المغيبة، فيغيب في قلبه حسن النية لزوجته، وتغيب الزوجة في قلبها الخير ونية الخير لزوجها، فيشمل هذا الظاهر والباطن والقول والفعل.

    كل ذلك ينبغي أن يقوم على المعروف الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم على المنكر، أي: على المحرم الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    والمعروف أيضاً ما تعارف عليه أهل العقول السوية والفطر السليمة، فالأمور التي تعارف عليه العُقلاء والفُضلاء يعاشر كل من الزوجين الآخر بها، فهذا معنى قوله: [ العشرة بالمعروف ].

    والدليل على ذلك قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وقال تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231] .

    وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاشر أهله بالمعروف، وأحسن إلى أزواجه صلوات الله وسلامه عليه وأكرمهن.

    حرمة عدم القيام بالحقوق الزوجية من كلا الزوجين

    قال رحمه الله: [ ويحرم مطل كل واحد بما يلزمه للآخر والتكرّه لبذله ]

    ويحرم المطل، المطل: التأخير، ومنه: مطل الغني في السداد، وهو القادر على السداد.

    (يحرم مطل) وهو تأخير الحق، فإذا طلب الزوج زوجته إلى الفراش وهي قادرة ويمكنها ذلك فلا يجوز أن تؤخره، بل تبادر مباشرة بطاعته، كذلك إذا طلبت الزوجة من زوجها نفقة البيت ونفقتها، وعنده مال، ويمكنه أن يعطيها مباشرة، فلا يجوز أن يقول: أعطيك غداً أو بعد غد، ويؤخر عنها حقها، فكل لحظة وكل ساعة يتأخر فيها يحمل وزرها وإثمها والعياذ بالله.

    ولذلك الملائكة تلعن المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشها وهي قادرة وامتنعت، فتبيت والملائكة تلعنها والعياذ بالله.

    وكما يحرم المطل يحرم أن يؤدي الحق الواجب عليه وهو كاره، بطريقة تشعر أنه مكره، فإن العشير إذا عاشر عشيره، ووجد أنه يعطيه حقه بكره، وكأنه مغصوب على ذلك، كره عشرته ونفر منه ومل العيش معه، وهذا هو الذي تنهدم به البيوت وتتشتت به الأسر، ويدخل به الشيطان بين الزوجين.

    فلذلك لا ينبغي أن يؤدي الحق بكره، والكره يشمل التصريح بالقول، كأن تتكلم المرأة كلاماً يدل على أنها غير راضية، أو يتكلم الرجل كلاماً يدل على أنه غير راض، كأن يعطيها نفقتها ويقول كلمة نابية قاسية جارحة، كأن يقول: خذي نفقتك لا بارك الله لك فيها -والعياذ بالله- أو: خذي نفقتك مغصوبة، أي أني أعطيكِ إياها وأنا كاره لذلك، وخذيها بلا طيبة نفس مني، أو: خذيها ولا أريد أن تأخذيها، ونحو ذلك الكلام.

    ويكون بالفعل كتذمره بالتأفف؛ وكذلك أيضاً لون الوجه وظهور أمارات الكراهية كل ذلك من الكره، سواء وقع من الزوج أو الزوجة، فكل ذلك مما لا يجوز؛ لأنه خلاف المعروف الذي أمر الله به في كتابه المبين ووصى به عباده المؤمنين.

    موجبات عقد النكاح

    قال رحمه الله: [ وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت الزوج إن طلبه ولم تشترط دارها أو بلدها ].

    (إذا تم العقد لزم تسليم الحرة) في بيت الزوجية، فيلزم أولياءها أن يسلموها لزوجها، ما لم يكن هناك أمور جرى العرف أو اتفق الطرفان على التأخير من أجلها كتجهيزها، أو حدد يوم معين للإتيان بها، فيجوز التأخير إلى الأجل، أما غير ذلك فالأصل يقتضي أن الرجل من حقه أن يدخل على زوجته وأن تسلم زوجته إليه في بيت الزوجية.

    (إن طلبه) طلب التسليم، فعندنا مسألة العقد ثم مسألة الدخول، فإذا ثبت أن هناك حقاً للزوج على زوجته، فإنه يبدأ من العقد، فابتدأ المصنف بالعشرة الزوجية والحقوق من العقد، وهذا من دقته رحمه الله، أنه يسلسل الأفكار ويتابع بعضها بعضاً، فابتدأ أول ما ابتدأ بما يترتب على العقد فقال: [إذا تم العقد وجب التسليم].

    فعلى هذا حق الزوج على زوجته أن تسلمه وتمكنه من نفسها بمجرد العقد، هذا من حيث الأصل العام، وتبقى الأمور التي جرى عليها العرف والتراضي بين الطرفين، فهذه مختلفة بحسب اختلاف الأحوال.

    لكن لو قال: أريد أن أدخل على زوجتي، فقال أبوها: لا، حتى تنتهي من دراستها، وقد عقد عليها وتم العقد، فليس من حق أبيها أن يحول بينها وبين زوجها، ولو رفع أمره إلى القاضي لألزمه القاضي أن يُسلم الزوجة إلى زوجها في بيته بيت الزوجية.

    [ولم تشترط دارها أو بلدها]

    (ولم تشترط دارها) لو قالت: ما تدخل عليّ إلا في بيت أبي، فلا يجوز أن يخرجها، فلو طالب أهلها أن يأتوا بها إليه في بيت الزوجية لم يكن له ذلك؛ لأنهم اشترطوا عليه أن تكون عندهم، وقد تكلمنا على هذا الشرط: أن تشترط دارها أو بلدها.

    فلو كان بلده بلداً غير بلدها كأن يكون في جدة وهي في المدينة فقال: تأتوني بها إلى جدة، وقد اتفقوا معه في الشرط أن تكون ساكنةً في المدينة عند أهلها، فعلى ما اختاره المصنف رحمه الله أنه شرط يجب الوفاء به، فليس من حقه أن يطالبهم بنقلها إلى جدة، بل تبقى؛ لأن المصنف يميل -كما هو قول بعض الصحابة رضوان الله عليهم- إلى أن الزوجة تلزمه بهذا الشرط وتبقى عند أهلها وفي دارها.

    قال رحمه الله: [ وإذا استمهل أحدُهما أمهل العادةَ وجوباً لا لعمل جهاز ]

    وإن استمهلَ الرجلُ أولياءَ المرأةِ، أو أولياءُ المرأة استمهلوا الرجلَ وقالوا: أمهلنا، البنت مثلاً عندها ظرف، كما لو كانت مريضة وخافوا عليها أنها لو ذهبت إلى بيت الزوجية يشتد مرضها، قالوا: تمهلنا، فاستمهل عادةً؛ لأن العادة جارية أن مثل هذا النوع من النساء يُمْهَل، فيُمْهِلهم ويعطيهم المهلة بالمعروف، يعني: بما جرت به العادة والعرف.

    (لا لجهاز) لو فُتِح الإمهال للجهاز لاختلفت أنظار الناس في الجهاز، وبالغ النساء في هذا، والجهاز يُقْصَد منه حظوة المرأة عند زوجها، فإذا هو استعجل وقال: أريدها، فأسقط حقه في الجهاز، فحينئذٍ لا يكون الجهاز عذراً يمنع من إجابة حقه، هذا وجهه، أن الجهاز في الأصل يراد به حظوة المرأة عند زوجها، فلو الزوج استعجل وقال: يريدها بدون جهاز، وهذه امرأته، وربما خاف على نفسه الحرام أو عنده ظرف، مثلاً: أخذ إجازة ثلاثة أيام فقالوا: نريد أن نجهزها يومين أو يوم، فقال: ما أريدها مجهزة، أريد امرأتي الآن، فهذا من حقه، ويجب عليهم أن يعطوها إليه عند طلبه، فهذا معنى قوله: (لا لجهاز).

    قال رحمه الله: [ ويجب تسليم الأمة ليلاً فقط ].

    (ويجب تسليم الأمة ليلاً) لأنها نهاراً ملك لسيدها، تخدم سيدها وتقوم بحقه، وإذا زوجها سيدها فقد أسقط حقه في المبيت، فلا يملك الزوج إلا المبيت، فإذا تزوج أمةً فلا يملك طلبها إلا في الليل للفراش.

    قال رحمه الله: [ويباشرها ما لم يضر بها أو يشغلها عن فرض]

    فيجوز له أن يباشرها ما لم يضرها أو يشغلها عن فرض، فإذا استحق المرأة بنكاح حُقَّ له أن يباشرها وأن يجامعها وأن يدخل بها ويبني بها، فإذا خلا بها يباشرها؛ لأنها امرأته قال تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]... طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النور:58] والله أحل المرأة لزوجها والزوج أحله لزوجته، فليس هناك مانع من المباشرة وغيرها من أمور الاستمتاع، وذلك يكون حلالاً بمجرد العقد.

    لكن إذا عقد الرجل على المرأة وجرت العادة أنه ما يدخل بها إلا بعلم من أهلها، فمن القبيح أن يأتي إلى بيت أهلها زائراً ويطؤها ويدخل بها دون علم من أهلها؛ لأن هذا تترتب عليه مفاسد عظيمة، فلو أنه جاء إلى بيت الزوجية والمرأة بكر ودخل بها ووطئها، ثم خرج وحدث له حادث بمجرد خروجه، وصارت المرأة حاملاً، لقالوا: إنها زانية والعياذ بالله، واتُّهِمَت، ولا يمكن أن ينسب هذا الولد إليه؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أنه دخل بها، والمعروف والمتعارف به أنه يختلي بها من أجل الحديث، فإذا ادعت المرأة تكون حينئذٍ محلاً للتهمة، فمثل هذا تترتب عليه مفاسد عظيمة.

    فالرجل يتوقف، ويكون من حق ولي المرأة -أبوها وأمها- أي: الأولياء بالعرف وليس بالحكم الشرعي؛ لأن الولاية للعصبة كما ذكرنا؛ لكن مَن يلي أمرها مِن حقه إذا استراب أن هذا الزوج متهتك، أو أنه يتساهل في بعض الأمور أن لا يُمَكِّنه، وحتى لو يجتمع بها يجتمع بها على طريقة يأمن منها أن يقع شيء؛ لأن بعض الناس قد يكون نسأل الله السلامة والعافية رجلاً شريراً وعنده نية سوء، فقد يصيب المرأة ويستمتع بها، ثم بعد ذلك ينكر، ويطالبها بالحقوق ويدعي عليها ما لم يكن، وقد يتأخر في الدخول عليها ويظهر بها حمل، فيضغط على أهلها ويدعي والعياذ بالله زوراً وبهتاناً أنه لم يطأها ولم يصبها، فيتلاعب بهم وهو لا يريد ابنتهم إنما يريد الإضرار بهم.

    ونفوس الناس مختلفة -نسأل الله السلامة والعافية- ووقعت حوادث بسبب هذا، والأسر والجماعات التي تتساهل في مثل هذا تبوء بعواقب وخيمة، وسببها التساهل في مثل هذه الأمور.

    فلا ينبغي في مثل هذا أن يُمَكَّن إذا عُرِف منه التهتك والتساهل في مثل هذا.

    حقوق الزوج على زوجته

    شرع المصنف رحمه الله في هذه الجملة ببيان بعض المسائل والأحكام المتعلقة بالعشرة الزوجية، ومنها:

    أن الزوج إذا أراد أن يسافر فله الحق أن يصحب زوجته معه، والسبب في ذلك: أنه يخاف على نفسه الفتنة، كما أن المرأة تقوم على شأن زوجها في سفره، ولربما كان تركه لامرأته فيه ضررٌ على المرأة وفتنة لها، فيكون الأمر آكد.

    قال رحمه الله: [ وله ]: أي: للزوج.

    [ أن يسافر ] بها: أي: بالمرأة، ويسافر بها شريطة أن لا يكون ذلك معرضاً لها إلى الخطر، أو الوقوع في الضرر، فإن كان في السفر تعريض لها إلى مثل ذلك، فحينئذٍ يجوز لها أن تمتنع.

    قال رحمه الله: [ ويحرم وطؤها في الحيض والدبر ]:

    أي: ويحرم وطء المرأة في الحيض، والمراد به أن يطأها وهي حائض، وقد دل دليل الكتاب، ودليل السنة على تحريم وطء المرأة الحائض، فقال الله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ أمر بالاجتناب والاتقاء والابتعاد، وهذا الأمر محدود بالمكان في قوله: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، والمحيض اسم مكان، كالمَقِيل، أي: مكان الحيض، وبناءً على ذلك لا يجوز له أن يطأها ويجامعها وهي حائض؛ ولكن يجوز له أن يستمتع بما دون الفرج، فله أن يباشرها، وأن يفاخذها، وأن يستمتع بجميع ما يكون منها، إلا الوطء في الفرج، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح).

    وقد قدمنا في كتاب الحيض تفصيلات العلماء، وكلام العلماء عما يحل وما يحرم من المرأة الحائض، وبينا أن أصح قولي العلماء أنه يجوز له أن يستمتع فيما بين السرة والركبة من المرأة الحائض، إذا غلب على ظنه الأمن من الوقوع في المحظور، أما إذا غلب على ظنه أنه سيجامعها فيحرُم؛ لأن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، والنهي عن الشيء نهي عن وسائله المفضية إليه، كما أن الأمر بالشيء أمر بلازمه وبما يعين عليه ويُتَوَسَّل بطريقه إلى ذلك الشيء.

    فبيَّن رحمه الله أنه لا يجوز وطء المرأة الحائض، وهذا بإجماع، كما بين أنه لا يجوز الوطء في الدبر، وهذا أيضاً بإجماع العلماء -رحمهم الله- فلا يحل إلا في الأقوال الشاذة المحكية عن بعض المتقدمين، وهي تُحْكَى ولا يُعَوَّل عليها ولا يُعْمَل بها، فإن مكان الوطء هو موضع الحرث؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، فالحرث هو مكان الوطء، وهو القُبُل من المرأة، وأما الدبر فإنه ليس بحرث ولا بمكانٍ للوطء، ولا بمحل له.

    والطب يؤكد أن الوطء في الدبر ضرر على الرجل وضرر على المرأة، فلذلك لا يجوز وطء الدبر، ولا يُعْتَدُّ بمن خالف.

    قال رحمه الله: [وله إجبارها على غسل حيض ونجاسة]:

    [وله]: أي: للزوج إجبار زوجته على غسل حيض؛ لأنه في أصح قولي العلماء أن المرأة الحائض لا يجوز وطؤها إلا بشرطين:

    أولاً: أن تطهر من حيضها .

    والثاني: أن تغتسل من ذلك الحيض.

    وبناءً على ذلك فإنها لو طهرت ولم تغتسل، فالخلاف بين الجمهور والحنفية، وذكرنا هذه المسألة في الطهارة، والصحيح: أنه لا يجوز وطؤها إلا بعد أن تغتسل من الحيض؛ لقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يقول: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فنهى عن وطئهن إلى الطهر، ثم قال: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ، فجاء الطهر على مرحلتين:

    المرحلة الأولى: وصف الله عز وجل به المرأة فقال: حَتَّى يَطْهُرْنَ فوصفها بشيء ليس بيدها.

    المرحلة الثانية: وصفها بطهر في يدها، فقال: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ، فدل على أن انقطاع الدم وحده لا يكفي، وأنه لا بد من انقطاع الدم واغتسالها بعد انقطاع الدم عنها، فحينئذٍ يحل له وطؤها.

    فإذا ثبت أن المرأة الحائض لا يجوز وطؤها، إلا إذا انقطع عنها الدم، ثم اغتسلت، فإنها قد ينقطع عنها الدم، وتتأخر في الغسل، فإن انقطع عنها الدم، فإن الزوج لن يطأها في طيلة مدة أيام الحيض، وحينئذٍ يتضرر بانحباسه عن المرأة، فإذا تضرر بالانحباس وطهرت المرأة فله أن يجبرها ويلزمها أن تغتسل؛ لأن مصلحته متعلقة بذلك، وحينئذٍ يجبرها أن تغتسل، وتبادر بالغسل مباشرة، ما لم يكن في ذلك ضررٌ عليها.

    قوله رحمه الله: (على غسل حيض ونجاسة)

    أي: وله أن يجبر زوجته على غسل النجاسة، وذلك لأن النفوس تتأفف وتتألم بالنجاسة والقذر، والمرأة مطلوب منها أن تهيئ جميع الأسباب؛ لتحبيب زوجها؛ لكي تكون حظية عند زوجها، وذلك بالاغتسال والنظافة والنقاء، ولا يجوز لها أن تتعاطى الأسباب المنفرة بحيث ينفر منها زوجها، ولذلك ينبغي عليها أن تتعاطى أسباب إزالة النجاسة، وله الحق أن يجبرها على غسل النجاسة من دم أو بول أو نحو ذلك، فيقول لها: اغسلي هذا الدم، واغسلي هذه النجاسة، ويجبرها على ذلك.

    قوله رحمه الله: [ وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره ]

    إذا كان الواجب على المرأة أن تتعاطى الأسباب -كما ذكرنا- للقيام بحق الزوج؛ لتحبيبه بالمحبة والألفة، فإن هذا يستلزم منها أن تكون على أحسن الأحوال وأتمها، فتأخذ من الشعر ما تعافه النفوس، كشعر الإبطين، وكذلك شعر العانة، فإنه يلزمها إزالة هذا الشعر ونحوه، وله الحق أن يوبخها إذا قصرت في شيء من ذلك، ولا شك أن المرأة إذا قصرت في مثل هذه الأمور، فإنه نوع من الاستخفاف بحق الزوج، ونوع من التبذل الذي قد يصل إلى حد المكروه، إذا كان فيه نوع من النسيان لحق العشير، وإذا قصدت به الإضرار وصل إلى التحريم؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تضر زوجها، ولا أن تتعاطى الأسباب التي تنفره، فله الحق أن يأمرها بحلق شعر العانة، وهكذا بالنسبة لشعر الإبطين، وله الحق أن يأمرها بإزالة شعر اللحية، وهكذا الشارب، وكذلك لو ابتليت بشعر في وجها، على أصح قولي العلماء؛ لأن هذا تنفر منه النفوس وتعافه، فله الحق أن يطالبها بإزالته، والقاعدة الشرعية تقول: (الضرر يزال) وهي قاعدة مجمع عليها، فالزوج يتضرر بذلك، فحينئذٍ يجب على المرأة أن تزيل هذا الضرر، الذي يمنعه من كمال الاستمتاع بها.

    قوله رحمه الله: [ ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة ]

    وذلك لأنها ليست مكلفة به، فالذمية ليست مكلفة بغسل الجنابة، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة.

    حقوق الزوجة على زوجها

    قال رحمه الله تعالى: [ فصل: ويلزمه أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع، وينفرد إن أراد في الباقي ]

    حقوق الزوجية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: حق الزوج على زوجته.

    القسم الثاني: حق الزوجة على زوجها.

    القسم الثالث: الحقوق المشتركة التي لا تختص بواحد منهما.

    فأما حقوق الزوج على زوجته فمنها: حق القوامة، وطاعتها لزوجها وبعلها، وأن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وأن تطيعه في ذلك، وأن لا تأذن لأحد أن يدخل إلى بيته إلا بإذنه، وإذا دعاها إلى فراشه أن تجيب وأن تلبي، ومن حقه عليها أن لا تصوم نفلاً وهو شاهد إلا بإذنه، وأمّا قضاء رمضان فيفصل فيه بين الموسع والمضيق، فإن ضاق جاز لها أن تصوم بغير إذنه، وإن كان موسعاً فإن له الحق أن يؤخرها، لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هذا بالنسبة لحق الزوج على زوجته.

    وأما حق الزوجة على زوجها: فإن للمرأة على زوجها حقوقاً، وهذه الحقوق التي للمرأة على الزوج فرضها الله سبحانه وتعالى وبيَّنها، فمنها ما يكون مصاحباً للعقد كحق المهر والصداق، وقد سبق وتقدم الكلام عليه، ومنها: حق النفقة بالمعروف، وهذا سيأتي إن شاء الله بيانه في كتاب النفقات، وكذلك حق المبيت والقسم، وهذا ما سيبينه المصنف رحمه الله في هذه الجمل الآتية.

    وأمَّا الحقوق المشتركة، فهي التي تجب على الزوج، وتجب على الزوجة، فلا تختص بزوج ولا بزوجة، ومن هذه الحقوق المشتركة: حق العشرة بالمعروف، فإنه يعتبر من الحقوق المشتركة، فيجب على الرجل أن يعاشر امرأته بالمعروف، ويجب على المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف.

    قوله رحمه الله: (ويلزمه أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع)

    أي: يلزم الرجل أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع ليال؛ لأن الله أحل له نكاح الأربع، فدل على أن نصيب الواحدة ليلة من أربع ليال، هذا بالنسبة للحرة في مبيته معها، وسيأتي أن المبيت يكون بالليل، ويكون بالنهار، على اختلاف أحوال الناس، ويقصد من المبيت الجماع، إلا أنه في بعض الأحيان إذا كان به عذر، أو بها عذر، قصد من المبيت الأنس، والمباسطة، وكونه معها، كما سيأتي إن شاء الله التنبيه عليه.

    فيلزمه أن يبيت معها ليلة من كل أربع ليالٍ، ولذلك قال كعب بن سور للرجل الذي جاءت زوجته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تشكوه تعريضاً:

    إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل

    فألزمه بليلة من بين أربع ليال.

    قال رحمه الله تعالى: (وينفرد إن أراد في الباقي)

    هذا بالنسبة لإصابة الرجل المرأة، فقد قالوا: يصيبها في كل أربع ليالٍ مرة، وأما بالنسبة للرجل، فإن تضررت بوطئه، فقد أُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة اشتكت من بعلها أنه أضر بها، فأجاز له أن يصيبها ثلاث مرات، فجعلهن كالحد إذا تضررت المرأة بالزيادة، وذلك من قبل صلاة الفجر، وحين توضع الثياب من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، فهذه ثلاثة أوقات، قيل: إنها تنبيه من الشرع على الحد الذي يتفق لغالب الناس، هذا بالنسبة للرجل.

    وبالنسبة للمرأة فعلى الرجل في كل ليلة من أربع أن يصيب المرأة إن أمكنه ذلك، ولم يكن ثَمَّ عذر، وعلى المرأة أن تكون له منها ثلاث عورات، إذا كان شديد الشهوة، وتضررت المرأة بكثرة وطئه.

    قال رحمه الله تعالى: [ ويلزمه الوطء -إن قدر- كل ثلث سنة مرة ]

    ويلزمه -أي: يجب عليه- الوطء إن قدر عليه، بخلاف الذي لا يقدر ككبير السن والزمن، فالشخص الذي لا يقدر لا يكلف؛ لأن الله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فدلت هذه الآية الكريمة على أن تكاليف الشريعة كقولنا: (يجب عليه ويلزم به) لا تكون إلا حيث تكون الاستطاعة والقدرة، فإن كان رجل لا يقدر على الوطء، ولا يمكنه الوطء فهذا معذور ويعذر، لكن قال رحمه الله: (إن قدر عليه) أي: إن أمكنته القدرة فيلزمه أن يطأ في كل ثلث سنة مرة؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل حفصة بنت عمر رضي الله عنها: كم تصبر المرأة عن بعلها؟

    فقالت رضي الله عنها: ثلاثة أشهر والرابع على مضض، تعني: يخشى عليها الحرام، فأرسل إلى الأجناد ألا يمكنوا الرجل أن يغيب عن امرأته أكثر من ثلث السنة، وهو أربعة أشهر، وهي المدَّة التي جعلها الله عز وجل مدة للإيلاء، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى، فلا ينقطع عن امرأته هذه المدة؛ لأنه يخشى أن تقع المرأة في الحرام، وكذلك هو لا يؤمن عليه أن يقع في الحرام، فإن رضيت المرأة، وتنازلت عن حقوقها، وطاب خاطرها، وكانت واثقة من نفسها بمعونة الله عز وجل لها، فتساهلت مع زوجها، وأذنت له، وسمح خاطرها، وطاب خاطره أن يغيب عنها أكثر من هذه المدة، فهذا شيء بينهما لا بأس بذلك، ولا حرج، كأن يغيب عنها السنة والسنتين والثلاث لطلب علم، أو لتجارة، أو كسب رزق، أو نحو ذلك، مادامت أنها راضية وواثقة من نفسها.

    قال رحمه الله تعالى: [ وإن سافر فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه، فإن أبى أحدهما فرق بينهما بطلبها ]

    أي: إن سافر فوق نصف السنة، وهو معنى قوله: [ إن سافر فوق نصفها]، وطلبته وقدر، أي: قالت له: أريدك أن تأتي وقدر أن يأتي فيجب عليه أن يرجع من سفره؛ لأن الضرر يزال، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار)، وهو حديث أجمع العلماء على صحة متنه؛ لأن النصوص في الكتاب والسنة كلها تدل دلالة واضحة على صحته، فهذا أصل في أنه لا يجوز للرجل أن يضر بالمرأة، ولا أن يتسبب في الإضرار بها، فسفره مضر بها، والنهي عن الشيء نهي عن أسبابه، فالله نهى عن الضرر، وسفره هذا فيه ضرر، فيجب عليه أن يعود إلى زوجته، وأن يقوم بحقوقها.

    وقوله رحمه الله تعالى: [ فإن أبى احدهما فرق بينهما بطلبها ]

    فإن سافرت وطلبها أن تعود، أو سافر وطلبت منه أن يعود، فحينئذٍ إن رجع فلا إشكال، وإن لم يرجع واشتكى صاحب الحق إلى القاضي أو إلى الحاكم، فإن الحاكم يفرق بينهما؛ لأن هذا حد جاوز الضرر مثل فرقة الإيلاء.

    1.   

    آداب الجماع

    يقول رحمه الله: [وتسن التسمية عند الوطء وقول الوارد] وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قدر بينهما ولد فلن يضره الشيطان)، فهذا من الذكر الوارد المحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، فيقول: باسم الله؛ لأن اسم الله بركة، كما قال تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:78]، فالله جعل في اسمه البركة، والبركة زيادة الخير، فإذا سُمى الله تعالى على شيء وضع الله فيه البركة، فإن سَمَّى على جماعه اعتزل الشيطان لمكان ذكر الله عز وجل فيقول هذا الدعاء الوارد.

    يقول رحمه الله: [ويكره كثرة الكلام، والنزع قبل فراغها]

    هذه كلها آداب يذكرها العلماء في آداب الجماع، والشريعة الإسلامية شريعة كاملة، كما قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فهذا الدين الذي رضيه الله عز وجل تنزيل من حكيم حميد، أتمه وأكمله فأحسن إتمامه وإكماله، فالمسلم في ليله وفي نهاره، حتى في فراشه مع زوجته، يذكر الله سبحانه وتعالى ويتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي به، ويتأسى به فيما يقال من الوارد وفيما يُحفظ من الهدي.

    فكره العلماء كثرة الكلام أثناء الجماع، ولا يحفظ في ذلك نص، وإنما هو قياس بعض العلماء إذ قالوا: إن الجماع مثل قضاء الحاجة، ومن آداب قضاء الحاجة قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يذهب الرجلان يقضيان الغائط أو يقضيان الحاجة يكلم احدهما الآخر فإن الله يمقت ذلك)، فجعل المقت على الكلام عند قضاء الحاجة، قالوا: والجماع حاجة، فلا يستحب الكلام أثناء الجماع فالكلام أثناء الجماع ليس في النهي عنه نص صريح، لكن فيه قياس واجتهاد، وهذا القياس له وجهه عند من يصححه ويعتبره.

    إلا أن بعض العلماء رحمهم الله ضعف هذا، وقال: فرق بين كلام وكلام.

    فإن الكلام أثناء الجماع قد يكون من المعاشرة بالمعروف، وقد يكون من التحبب والتلطف مما يعين على مقصود الشرع من حصول الألفة بين الزوج والزوجة، فقالوا: إن في هذا سعة، والأمر واسع في هذا، وليس هناك نص كما ذكرنا؛ فمن يصحح القياس ويعمله يقول بما ذكرناه، وإلا فالأصل الجواز خاصة إذا انبنى عليه ما ذكرناه من المصالح الشرعية.

    قوله رحمه الله تعالى: [ والنزع قبل فراغها ]

    أي: يكره النزع قبل فراغ المرأة؛ لأن الرجل ربما أنزل قبل أن تنزل المرأة، فيكون قد أصاب شهوته ولم تصب المرأة شهوتها، ونبه العلماء على ذلك لما فيه من المفاسد، والعواقب الوخيمة، فإن المرأة تكره زوجها حينئذٍ، وتحس أنه يريد قضاء حاجته فقط، وأنه لا يلتفت إليها، ولا يريد أن يحسن إليها، ويكرمها في عشرته لها، فلربما حقدت عليه، ودخل الشيطان بينهما فأفسدها عليه، فيشرع بناءً على مقاصد الشرع العامة من حصول السكن والألفة، فعليه أن يعطي المرأة حقها، وأن يمكنها من الإنزال فلا ينزع قبل أن تنزل المرأة؛ لأن ذلك أبلغ في الحظوة، وأبلغ في المحبة، وأبلغ في المودة، ومقصود الشرع تحصيل ذلك، وتحصيل الأسباب المعينة عليه.

    قال رحمه الله: [ والوطء بمرأى أحد ]

    أي: ليتجنب والوطء بمرأى أحد؛ لأن الله أمر بستر العورات، فقال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الأعراف:31]، فأمر بستر العورة، وامتن على عباده باللباس والستر الذي يواري السوءات ويحفظها، وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين في قصة المعذبين في قبورهما، قال صلى الله عليه وسلم: (أما احدهما فكان لا يستتر من بوله)، قال بعض العلماء: (لا يستتر) أي: أنه يبول فتنكشف عورته، فيبول أمام الناس ولا يستر عورته، فجُعل الوعيد في القبر على كشف العورة -والعياذ بالله- والتساهل فيها، وهذا قول عند بعض العلماء، وإن كان الصحيح القول المشهور أنه عدم الاستنزاه وقطع البول، فقد كان يستعجل في ذلك ولا يستبرئ كما جاء صريحاً في الروايات الآخر.

    إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز للرجل أن يجامع زوجته، أو يقع الجماع في موضع لا يؤمن فيه نظر الغير، وكذلك لا يجوز للزوجين أن يتساهلا في كشف العورة، أو وقوع الجماع على مرأى، أو مسمع من الأبناء أو البنات، فإن ذلك من أعظم ما يضر بالأولاد ولربما أفسدهم، خاصة إذا كانوا في سن صغيرة، فإن له عواقب وخيمة، وأضراراً نفسية تضر بالولد ذكراً كان أم أنثى، فلا ينبغي أن يجامع المرأة بجوار أولادها، أو جوار أبنائها، وعليه أن يتعاطى أسباب حفظها، وحفظ عورته وعورتها.

    فأصول الشريعة وأدلة الشريعة كلها تدل من حيث العمومات على أنه لا يجوز للمسلم أن يتساهل في عورته، بل عليه أن يحفظ عورته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) فأجاز له كشف العورة للزوجة أو الأمة، ومفهوم ذلك أنها لا تحل لغيرهما.

    فلا يجوز أن يجامع ويواقع في مكان لا يأمن فيه النظر، كأماكن الطرقات، والسابلة، أو يكون في موضع لا يأمن فيه من دخول الغير، وهجوم الغير عليه، خاصة إذا كان مكاناً مختلطاً، أو لا يأمن من دخول الأبناء والبنات، ونحو ذلك، كل ذلك ينبغي تعاطي الأسباب فيه.

    قال رحمه الله: [ والتحدث به ]

    أي: وليتجنب التحدث بالجماع، كأن يتحدث الرجل بما يكون بينه وبين المرأة، أو تتحدث المرأة بما يكون بينها وبين زوجها، وهذا لا شك يدل دلالة واضحة على ذهاب المروءة وقلة الحياء وصفاقة الوجه -نسأل الله العافية- فإن من لا يستحيي لا يستغرب منه ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، فالذي لا حياء عنده -بل ولا عقل عنده- هو الذي يقول هذا، فإن أمور الزوجية أسرار، ولا يجوز أن تباح، والأسرار أمانة، فينبغي للزوج أن يحفظ أسرار زوجته، وللزوجة أن تحفظ أسرار زوجها، وكم من امرأة صالحة دينة اطلعت على خلل من زوجها في الفراش، وصبرت وصابرت واحتسبت، ولم تُطلع على ذلك أحداً حتى في حال أذية الزوج لها، تكتم ذلك ولا تفشي له سره، ترجو رحمة الله عز وجل، وتحس أن هذه أمانات، فتخاف من الله عز وجل إذا أفشتها، أو لمحت بها، أو اطلع الغير عليها، وكذلك بالنسبة للرجل مع المرأة لا يجوز له أن يفشي هذه الأسرار، ولا يتحدث بكيفية إتيانه لأهله، أو بالأمور الخاصة التي بينه وبين زوجه، كل ذلك من الأمانات التي ينبغي على الزوج أن يحفظها، وعلى الزوجة أن تحفظها.

    وجوب تخصيص مسكن مستقل لكل زوجة

    قال رحمه الله: [ ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما ]

    أي: ويحرم جمع زوجتين في مسكن واحد؛ والسبب في هذا أن الزوجة مع ضرتها تغار، وإذا كان المسكن قريباً أو مشتركاً بينهما، فإن الغيرة تكون أشد، ولربما وصلت إلى الحقد، وإلى الأذية، وإلى الإضرار.

    فمثل هذه الأشياء تحدث الأذية بين الزوجات والإضرار، والنهي عن الشيء نهي عن وسائله، والقاعدة: أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، فجمعهما في مسكن واحد وسيلة إلى شر، ووسيلة إلى فتنة، وإلى ضرر، فينهى عنه، ويمنع منه.

    وأجاز بعض العلماء أن يجمع بينهما في سكن واحد في حالات الضرورة، أو إذا رضيت الزوجتان وأمن الضرر بينهما، وإذا كان الرجل لا مال له، ولا يستطيع أن يجد سكناً، وقد يقع هذا في بعض الأحوال الخاصة، كالنزول في الأماكن التي لا بناء فيها، كأن لا يكون عنده إلا خباءين.

    فالشاهد: أنه إذا وجدت الحاجة والضرورة فإن العلماء يرخصون في هذا على قدر الحاجة والضرورة.

    1.   

    عدم خروج المرأة إلا بإذن زوجها

    قال رحمه الله تعالى: [وله منعها من الخروج من منزله]

    هذا حق من حقوق الرجل على امرأته أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، وقال كما في الصحيح: (إذا استأذنت أحدكم امرأتُه المسجد فليأذن لها) فقوله: (إذا استأذنت أحدكم امرأتُه المسجد) يدل على أنها لا تخرج إلا بإذن زوجها، فإذا كان الإذن للصلاة فمن بابٍ أولى غير الصلاة، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا إذا استأذنت بعلها وزوجها، فإن إذن لها خرجت، وإن لم يأذن لها فإنه يجب عليها أن تلزم بيتها بيت الزوجية، وأن لا تخرج منه، ونص على هذا جماهير العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز خروج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها، وأما إذا خرجت بدون إذنه فقد عصت، ويعتبر خروجها من بيتها بدون إذن زوجها استرجالاً وخروجاً عن حق الطاعة، فهي بهذا مسترجلة على زوجها، خاصة إذا قالت له: لا سمع ولا طاعة، أو قالت: أنا حرة أفعل في نفسي ما أشاء، فإن قالت هذا، فإنها مسترجلة عليها لعنة الله ورسوله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله المسترجلات).

    فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض النسوة أصلحهن الله ما يقع منهن من مشابهة الكفار، ونساء الكفار، واسترجال النساء، ومحاولة المرأة أن تكون كالرجل سواءً بسواء، دون أن تشعر بحق قوامته عليها، فإن هذا كله مما يوجب سخط الله وغضبه، فينبغي على المرأة أن تخاف من الله عز وجل وأن تتقي الله عز وجل، وأن تعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن تصلح الأمور إلا بفطرة الله التي فطر الناس عليها وجبلهم عليها، فالمرأة لا تستقيم حياتها إلا مع بعلها، إذا كانت تحته سامعة له ومطيعة، ولا يستقيم أمر المرأة مع الرجل إلا إذا اتقى أيضاً الرجل ربه، وأحس أنها أمانة في عنقه، ومسئولية يسأل عنها بين يدي الله ربه فليتقِ الله فيها، فإذا علم كل منهما حق الآخر وأداه استقامت الأمور.

    أما أن تخرج المرأة عن طورها، وتحاول أن تشابه الرجال، ولا تعترف لزوجها بحق، أو تقول: ليس لك عليَّ أمر، فأنا أفعل بنفسي ما أشاء، وأنا حرة في نفسي، وهكذا تفعل مع إخوانها وأوليائها إذا كان لها أخ أكبر منها، أو كان لها أب، فكل ذلك من العصيان والتمرد، ومن الاسترجال نسأل الله السلامة والعافية.

    فعلى المؤمنة أن تتقي الله عز وجل، وأن تحذر من مشابهة الكافرات والعاهرات والساقطات اللاتي لا حياء عندهن، وألا تجاريهن في الأخلاق الرديئة، فإن من أحب قوماً وصنع صنيعهم حشر معهم والعياذ بالله.

    فأمور النساء لا تستقيم إلا بالقوامة، فإذا أحست المرأة بحق بعلها حفظت هذا الحق، فلا تخرج من البيت إلا بإذنه، وإذا شعر الرجل أن امرأته تحته، وأحس بهذا الحق الذي له عليها، فإنه سرعان ما يستجيب لكثير من الأمور، ويحصل شيء من الود والمحبة والألفة بين الزوجين، والعكس بالعكس، فإن الرجل متى ما شعر من المرأة أنها مستعلية عليه، فإنه سيتخذ أموراً قد تكون سبباً في هدم بيت الزوجية، فالواجب على المرأة أن تطيع زوجها، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، ويجب عليه أن يتقي الله في هذا الحق، فكما أن النساء مطالبات بحفظ حق القوامة وعدم الخروج من البيت إلا بإذن الرجل، كذلك ينبغي على الرجل أن لا يستغل ذلك، وأن يتقي الله في امرأته وزوجه، فلا يأمرها بعقوق الوالدين، فيمنعها عن والديها إذا كان هناك مناسبة، أو أمر موجب لزيارة الوالد أو الوالدة لمرض، أو حاجة، أو تحتاج أمها أن تراها، أو يحتاج أبوها أن يراها، وهو مريض، أو نزل به شيء، أو كانت هناك مناسبة جرى العرف أن تكون شاهدة فيها، فعليه أن يساعدها على ذلك، وأن يعينها على ذلك، وأن يهيئ لها من الأسباب ما تصل به الرحم وتبلها ببلالها.

    فالمقصود: أنه لابد من التعاون من الطرفين، فالإسلام لم يعط الرجل حق القوامة بدون قيد، وإنما له حق القوامة مع تقوى الله عز وجل، ولذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: (إذا استأذنت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدَ فليأذن لها)، فنهى عن استغلال حق القوامة.

    فلا ينبغي استغلال مثل هذه الحقوق، بل ينبغي العدل الذي أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي وضع الأمور في نصابها، وأن يعلم كلٌّ منهما أن الله سائله عن حق الآخر ضيَّع أو حفظ.

    أحوال يستحب للرجل فيها الإذن لزوجته بالخروج

    قال رحمه الله تعالى: [ويستحب إذنه أن تمرض محرمها وتشهد جنازته]

    ويستحب له أن يأذن لزوجته أن تمرض قريبها المحرم، تكون معه في مرضه كمرض الموت، أو الأمراض الشديدة، كأن يمرض والدها وليس له مرافق في مرضه، فيأذن لها أن تكون مع والدها، ويذهب بها إليه، فالرجل الكامل الفاضل هو الذي زينه الله عز وجل بمكارم الأخلاق ليكون من خيار المؤمنين؛ كما شهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحسن المؤمنين وأكملهم خلقاً بذلك حين قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً).

    فينبغي على الرجل إذا علم بمرض والد زوجته، أو علم أن والدتها تحتاج إليها، فإن من مكارم الأخلاق، ومَحاسن العـادات، بل ومما يُحْمَد ويكون له أطيب الأثر أن يبادر المرأة بنفسه وألَّا ينتظر من المرأة أن تقول له: أريد أن أذهب؛ فهذا هو صنيع الأخيار والصفوة الأبرار، الذين هم موفقون ومسددون في أمورهم، لا ينتظر منها ذلك القول؛ بل هو الذي يقوم بأخذها والذهاب بها إلى والدها، فإن أخبرت أهلها أنه هو الذي جاء بها أو أنه هو الذي أمر، فكم سيكون له من صالح الدعوات! وكم سيكون له من المحبة والقبول عند أهلها! وهذه كلها أمور محمودة وعواقبها طيبة.

    فينبغي للمسلم أن يكون على أكمل الأحوال ولذلك قالوا: لا يكون المؤمن على أكمل الإيمان إلا إذا كان في صفاته وأحواله على أكمل الأحوال.

    فإذا كان صهراً لقوم كان خير صهر لصهره، وإذا كان زوجاً لامرأة كان خير زوج من خيار الأزواج لزوجاتهم، فهذه دائماً مراتب معالي الأمور.

    فإذا علم أن هناك قريباً لها يحتاج إليها، وتأمن الفتنة في وجودها معه، فحينئذٍ يذهب بها إليه، إلا أنه قد توجد بعض المعوقات كوجود بعض الفتن في بيت القريب، فإن أمكن الزوج أن يسيطر على ذلك، ووثق من زوجته، فليذهب بها، وليوصها بتقوى الله عز وجل، وإذا كانت لا تستطيع أن تأمن الفتنة، ولا يستطيع هو، وأمكن أن يذهب معها، فليساعدها على صلة الرحم، وليكن حافظاً لحق الله عز وجل في تلك الصلة.

    فهذه أمور يحتاج كلا الزوجين أن يتفاهما فيها، ولا يستطيع الإنسان أن يضع لها حداً معيناً، إنما المقصود وجماع الخير كله أن يتقي الله كلٌّ منهما في حق الآخر.

    قال رحمه الله تعالى: [وتشهد جنازته]

    أي: أن تراه بعد تكفينه، ففي بعض الأحوال إذا توفي الرجل، فإن البنت تحب أن ترى والدها بعد تكفينه وتغسيله فتشهد جنازته، بمعنى: تلقي عليه النظرة، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين كشف وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقبَّله، وقال: (طبت حياً وميتاً)، فإذا أرادت أن تسلم على والدها بمعنى أن تقبله وهو ميت، أو قريبها المحرم، فأخذها من أجل أن تلقي عليه النظرة، أو نحو ذلك فلا بأس، أما أن تخرج معه في الجنازة، فالمرأة لا تشيع الجنازات، ولا تشهد الجنازة.

    1.   

    مدى سلطة الرجل على زوجته

    قال رحمه الله تعالى: [وله منعها من إجارة نفسها ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته]

    قوله: (وله منعها من إجارة نفسها) أي: أن للزوج أن يمنع الزوجة من إجارتها لنفسها؛ أي: من عملها، فيأمرها أن تجلس في البيت ويقوم بالنفقة عليها، فإذا أمر الزوج زوجته أن تجلس في البيت وجب عليها أن تجلس، ولا يجوز لها أن تمتنع وتعصيه، فإن عصته فقد عصت الله ورسوله.

    ثم إذا أمرها أن تجلس في بيته وقام بحقوق النفقة، فلا يجوز لها أن تؤذيه، فتجلس في البيت وتظهر له التسخط والتمرد والتبرم والتأثر من منعه لها، فلا ينبغي لها أن تفعل هذا؛ لأن المرأة سكن للرجل، وجعل الله عز وجل خيرها في بيتها، فإذا لزمت بيتها وقرت في قرارها، وقامت على بيت الزوجية، وأصلحت أبناءها وبناتها، فهذه هي رسالتها الأولى، وهذا هو حقها الأوجب الآكد.

    فإذا لم يكن للمسلم أن يبر خالته ويعق أمه، فكيف تذهب للغرباء وتترك الأقارب وتترك أبناءها وفلذات كبدها لمرأة أجنبية تربي أولادها؟! فإذا أمرها زوجها أن تجلس في البيت وتربي الأولاد، فعليها السمع والطاعة بنفسٍ مطمئنة، وترضى بما أمرها به زوجها، فلعل الله أن يجعل لها في ذلك خيراً كثيراً.

    فكم من امرأة خرجت فرأت من الفتن ما تمنت أنها لم تخرج، وكم من امرأة مكثت في بيتها فبارك الله لها في مجلسها وبقائها في بيتها، وهذه الأمة يوم أن كانت في أوج عزها وكرامتها كانت المرأة ماكثة في بيتها، وكلنا يعلم أن خروج المرأة ليس بشرط في سعادة الأمة ولا في كمالها، بل إن سعادة الأمة في بعد المرأة عن الفتن وسلامتها عن فتنتها وفتن غيرها، فقد قالت فاطمة رضي الله عنها: (خير للمرأة أن لا ترى الرجال، ولا يراها الرجال) فإذا أخذت الرجل الغيرة وقال لها: يا أمة الله! اجلسي في بيتكِ، فقالت: سمعاً وطاعة، أثابها الله على سمعها وطاعتها، وبارك لها في مجلسها؛ لأن هذا من تقوى الله، ومن اتقى الله جعل له فرجاً ومخرجاً، فحينئذٍ قد يضع الله البركة لها في القليل الذي يكون من زوجها، فيكون خيراً لها من كثير لا تحمد عاقبته.

    ولا يعني هذا أنه لا يجوز لها أن تخرج، وإنما الكلام هنا عن الأصل الشرعي، فالأصل الشرعي قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، والأصل الشرعي أن تحفظ أبناءها وبناتها وتقوم على تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم، وهم أمانة في عنقها، ولا تستطيع المرأة أن تتصور عظيم الخسارة التي يُمنى بها أولادها وبناتها حينما تترك البيت وتذهب خارجة لغير رسالة البيت وتفرط في حق البيت.

    فلتتصور لو كانت أمها تتركها في البيت فكيف سيكون حالها؟ ولو أنها نشأت في بيت لا ترى أمها إلا حين رجوعها من العمل، وهي في حالة منهكة مجهدة لا تستطيع أن تتبسم لها، ولا أن تعطيها حناناً، ولا أن تقوم عليها بشأن، وقد تركتها إلى أجنبية فكيف يكون حالها؟

    فإذا طلب الزوج المرأة أن تبقى في بيتها فعليها أن تتقي الله، وأن لا تعارض وأن لا تمانع، وأن لا تقول لزوجها: دمرت مستقبلي، فإن مستقبل المرأة في تقوى الله عز وجل، وفي خوفها من الله ومراقبتها لله سبحانه وتعالى، وقيامها بحقوق بيتها وحقوق زوجها، وليس مستقبلها موقوفاً على خروجها من البيت، وإلا ما قال الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].

    فالأصول كلها دالة على أن من حق الزوج أن يحفظ زوجته في بيته، فإذا خرجت المرأة وأصرت، فقد عصت زوجها، وإذا عصته على هذا الوجه، وقد أمرها أن تقر في بيتها، فإنها آثمة في ذلك الخروج، وآثمة في تلك الإجارة، ولا يجوز للغير أن يعينها على إجارتها المحرمة على هذا الوجه، وعليها أن تسمع وأن تطيع، وكذلك توصي المؤمنة أختها إذا علمت أن زوجها لم يأذن لها بالعمل، ولم يأذن لها بالوظيفة، فإن عليها أن توصيها وتذكرها بالله عز وجل أن تبقى في بيتها، وأن لا تصر على معارضته، وتنهاها عن النشوز عنه بمعصيته في هذا الأمر.

    فإن الزوج إذا دعا امرأته أن تمكث في البيت، فلربما دعاها خوفاً عليها من الفتنة، وهذه غيرة شرعية، ومن حقه أن يغار، والرجل الكامل هو الذي يغار، وقد يأمرها بالبقاء في بيتها لمصلحة أولادها، فأولادها بدونها يضيعون، ولا يمكن لأي امرأة أن تحسن بحنان الأمومة ما لم تكن مع أولادها، ولا يمكن لأي ولد أن يجد حنان الأمومة من غير الأم، فضياع هذا الحق يضر بالأولاد وينشئون وقد تقطعت الأواصر بينهم وبين الوالدين، ولهذا كله نتائج عكسية لا تحمد عقباها، فإن نظر إلى أن خروج زوجته فيه نفع لبنات المسلمين، وعلم أنها حافظة لدينها، حافظة لمروءتها، بعيدة عن الفتن، وقام على ذلك على أتم الوجوه وأكملها، وأرادها أن تبقى في ذلك فلا بأس، وهو مأجور على ذلك إذا كان قصده أن تعلم بنات المسلمين الخير، فإن الله يأجره على هذه النية الصالحة، ويعتبر من الأعمال الطيبة، ولا بأس بذلك إنما المقصود حين يرى الزوج أن المصلحة بقاؤها فينهى الزوجة أو يمنعها، فما على الزوجة إلا أن تسمع وتطيع.

    قال رحمه الله: [ ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته]

    أي: لو أمرها أن ترضع ولده، ونهاها أن ترضعه من غيرها، فإنه يجب عليها أن تسمع له وتطيع، إلا من ضرورة وحاجة، فإذا كان عندها ضرورة وحاجة توجب لها أن تصرف الولد إلى غيرها فحينئذٍ لا بأس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756974011