إسلام ويب

تفسير سورة طه (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من رسل الله الذين بعثهم الله برسالة التوحيد موسى عليه السلام، فما إن وصل عليه السلام إلى وادي طوى حتى أوحى إليه ربه عز وجل بما يجب عليه وعلى من أرسل إليهم من العبادات والطاعات، وما ينذرهم به من الجزاء والحساب يوم القيامة، إذ الساعة شيء لا مرد له، ولا يماري فيه إلا من طبع الله على قلبه، ولذلك فقد حذر الله عز وجل من اتباع هؤلاء الذين ينكرون القيامة ويصدون عباده عن الإيمان بها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .

    وها نحن مع سورة طه المكية، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

    قال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:9-16].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9] يحدث الله تعالى من بهذا الحديث؟ رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.

    فهذه الآية تقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كذب بها المكذبون، فلو لم يكن رسولاً فكيف يخاطبه ربه ويقوله له: هل جاءك كذا وكذا؟ والله إنه لرسول الله.

    وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9] وَهَلْ بمعنى: وقد أتاك التحقيق. والمراد من موسى: موسى بني إسرائيل، موسى بن عمران، أحد أنبياء ورسل بني إسرائيل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً ... )

    وقوله: إِذْ رَأَى نَارًا [طه:10]، من هنا بدأ الحديث عن موسى، من الوقت الذي رأى ناراً، شاهد ناراً فيما ظهر له، هو وفي الحقيقة نور إلهي ألقاه الله على شجرة بطوى فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [طه:10].

    اذكروا ما علمتم! بأن موسى عليه السلام لما هرب من الديار المصرية بالقتل الذي تم وحكموا بإعدامه، واتجه شرقاً وقاده الله عز وجل إلى أرض مدين، وتزوج إحدى ابنتي مدين شعيب عليه السلام، وأقام عنده عشر سنين يرعى غنمه ويعيش معه، ومن ثم تاقت نفسه إلى زيارة والدته، فطلب من صهره شعيب أن يأذن له في السفر إلى مصر؛ ليزور والدته فأذن له، فحمل زوجته وأولاده وقد ولد له ولد، وقد يكون معهم خادم؛ لأن قوله تعالى لِأَهْلِهِ [طه:10] الأهل الزوجة والولد ومن معهم، لما رأى ناراً؛ قال لهم: امْكُثُوا [طه:10] لأنه كان في ليلة مظلمة وباردة، وما عنده ما يوقد به النار.

    فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [طه:10] هنا إِنِّي آنَسْتُ [طه:10] أي: أبصرت ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10]، والقبس العود في رأسه نار، ومن ثم يشعلون الحطب ويستدفئون أو يطبخون ويأكلون.

    فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ [طه:10] من يدلني على الطريق ويرشدني؛ لأنهم ظلوا في متاهات وفي الليل، أو يرشده إلى نار وأصحابها. هذه كلمة موسى لأهله في صدق.

    قال لأهله: امكثوا هنا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [طه:10] أبصرتها أذهب إليها لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10] نشعل به ناراً نستدفئ بها أو نجد عندها من يدلنا على الطريق ويرشدنا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما أتاها نودي يا موسى ...)

    قال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا [طه:11] أي: أتى تلك النار التي رآها وما هي بنار، نور الله على شجرة العناب.

    فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى [طه:11]. من ناداه؟ ربه.

    قال تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12] من يقوى على أن يقول هذه الكلمة سوى الله؟!

    إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12] أي: خالقك ورازقك ومدبر أمرك وحافظك وكالئك، وإلي المصير.

    إذاً: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12]، والنعلان معروفان في الأرجل. ولا نقول: إنهما من بقرة ميتة أو من جيفة حمار.. وكذا، كل هذه تخبطات.

    لماذا؟ لأنه علل قال: إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ [طه:12]، لا تدخله بنعليك.

    وعندنا نحن البقيع مقدس، فلا يجوز للإنسان أن يمشي بالنعال في البقيع! نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

    وهل يستطيع أحد تحت السماء أن يدخل الكعبة بنعليه؟ والله ما كان، والله ما كان.

    وهذه المساجد مقدسة وخاصة الحرمين ينبغي أن نمشي فيهما بدون نعال، أرض مقدسة بمعنى طاهرة مطهرة.

    والقدس: الطهر.

    فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12] ويقرأ (طِوى) و(طُوى) بمعنى واحد، الوادي اسمه: (طوى)، ولعله ضيق، فسمي طوى من الطي والضيق، واد ضيق، اسمه (طُوى) ويقرأ: (طِوى) أيضاً بالضم والكسر.

    إِنَّكَ [طه:12] يا موسى بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ [طه:12] هذه علة خلعك نعليك.

    وهذا مالك رحمه الله كان لا يركب على دابة في المدينة أبداً. يعز عليه ذلك: كيف يركب على حمار؟ يمشي برجليه في المدينة.

    ثم قال له تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:13] يا موسى من دون الناس.. من بين البشر.

    من اختاره ؟ الله جل جلاله. لم؟ لينبئه ويرسله رسولاً بهذه الكلمة، فأصبح موسى رسول الله ونبيه.

    فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13] من الآن كلما يوحى إليك شيء احفظه واعمل به وعلمه، فإنك عبد الله ورسوله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري)

    ما الذي يوحى؟ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]. هذا تقرير للتوحيد، وهذه السورة مكية فهي تقرر لا إله إلا الله. أي: لا يوجد في الكون إله حق يستحق أن يعبد إلا الله.

    ابعث في الشرق والغرب وقلب الدنيا وقلب السماء والله لن تجد من يستحق أن يعبد من الكائنات إلا الله.

    لماذا؟ لأنهم مخلوقون، مربوبون، فقراء، يموتون، يحيون، يعذبون، يكرمون، وفاعل ذلك هو الله.

    إذاً: هو المعبود بحق.

    كيف يعبد غيره؟!

    لاحظ كيف تقرر السورة المكية التوحيد والنبوة والبعث الآخر: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:13-14]، دخل في العبادة الحقة.

    فَاعْبُدْنِي [طه:14]، ما معنى اعبدني؟ بالعامية أطعني فيما آمرك وأنهاك، ولكن فوق ذلك اعبدني خاضعاً ذليلاً لي بين يدي، راهباً وخائفاً مني، فاعبدني بفعل ما آمرك، وبترك ما أنهاك عنه، مع الخوف والرهبة والرغبة والرجاء في. هذا أولاً.

    ثانياً: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، ولعل موسى كان يصلي مع شعيب، فهو على علم بالصلاة، أمره الله أن يقيمها.

    وإقام الصلاة: أداؤها على الوجه المطلوب، حيث تؤدى في الأوقات التي أرادها الله أن تؤدى فيها، وعلى الكيفية التي بينها الله لعباده، فمن قدم أو أخر زاد أو نقص ما أقام الصلاة بل أفسدها وأبطلها.

    وَأَقِمِ الصَّلاةَ [طه:14] لماذا؟ للتعليل قال: لِذِكْرِي [طه:14]، فسبحان الله معنى الآية ظاهرة: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [طه:14] إن أردت أن تذكرني.

    ساعة ما تريد ذكري أقم الصلاة تذكرني فيها، فالذي دخل في الصلاة يذكر الله. كيف لا وهو ذكر لله.

    أقم الصلاة من أجل أن تذكرني وتتكلم معي وتحدثني.

    وفهم مالك استنباطاً: أن من نسي صلاة أو نام عنها ثم ذكرها فليصلها متى ذكرها مستشهداً؛ بقول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، وهذا استنباط خالف فيه أهل التفسير.

    أما الآية فموسى يقول له ربه: أقم الصلاة لتذكرني، ومن ثم من أراد أن يذكر الله ويتحدث معه يتوضأ ويستقبل بيت الله ويدخل في الصلاة فيكون مع الله وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها ... )

    ثم قال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ [طه:15] وهذا تقرير للبعث والجزاء، فالآيات فيها إثبات النبوة والتوحيد والبعث والجزاء.

    إِنَّ السَّاعَةَ [طه:15] التي تنتهي في هذه الحياة وتأتي الحياة الثانية، هذه الساعة آتية جائية لا محالة، وقد عرفنا هذا نحن والحمد لله.

    ما عرفنا سر هذه الحياة ما هو؟ العمل.

    والحياة الثانية لم يوجدها الله؟ للجزاء. إذاً: لابد من إتيانها لنتلقى الجزاء على أعمالنا خيراً كانت أو شراً.

    معنى قوله تعالى: (أكاد أخفيها)

    قال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15]. هنا اضطرب أهل التفسير اضطرابات كثيرة، منهم من قال: (أكاد) زائدة فقط، والأصل: (إن الساعة آتية أخفيها) والصحيح، أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15] لعلة وهي لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15].

    الصواب: أكاد أخفيها من نفسي فضلاً عن غيري، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187] وهذه الآية من سورة الأعراف المكية.

    يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [الأعراف:187] أين تقف هذه السفينة؟ في أي ميناء؟ يعني: في أي وقت؟

    ماذا قال تعالى: عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187]، واعلموا ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187]، فهنا أكاد أخفيها حتى من نفسي، فكيف أطلع عليها غيري؟

    فو الله ما أطلع عليها ملكاً من الملائكة المقربين، ولا من الملائكة غير المقربين، ولا نبياً ولا رسولاً أبداً؛ أخفاها لحكمة عظيمة، وهي أن تستمر الحياة والعمل إلى الساعة المعينة.

    لو أظهر الله تعالى الساعة لعبد الناس كلهم وأطاعوه، وحينئذ ما في حاجة إلى أن يخلق الدنيا ويخلق ملائكة يعبدونه، لكن أراد أن يبتلي ويختبر، وهو الحكيم العليم، فأوجد هذه الدار أو هذه الحياة وبدأها وتنتهي وننتقل منها إلى الدار الآخرة لنتلقى الجزاء على عملنا.

    والآية ظاهرة الدلالة: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15] من نفسي -كذا يقول ابن جرير- فكيف بغيره.

    إذا أخفاها عن نفسه يظهرها لغيره؟ مستحيل.

    أكاد أخفيها من نفسي. لماذا هذا الإخفاء؟ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15] فيه وتعمل ليلاً نهاراً.

    نحن ساعون أو لا؟ السعي العمل، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].. إلى الصلاة، هذه الآية كـ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] فاسعوا إلى أين؟ إلى ذكر الله. أي: إلى الصلاة يوم الجمعة.

    قال: لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ [طه:15] بيضاء أو حمراء أو صفراء، عرب أو عجم بِمَا تَسْعَى [طه:15] به في هذه الدنيا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى)

    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا [طه:16]، أي: لا يصرفك عن الإيمان بقيام الساعة والجزاء في الدار الآخرة، لا يصرفك عنها الملاحدة والكذبون والبلاشفة والذين لا يؤمنون بالدار الآخرة!

    احذر يا رسولنا أن يصدوك عنها، إذ كانوا يصدونه ويحاولون صده، وإلى الآن ما زال العلمانيون والملاحدة والبلاشفة يصرفون الناس عن الإيمان بالدار الآخرة، ويبذلون جهدهم حتى لا يبقى من يقول: أنا أؤمن بأن يوماً سأجزى فيه على عملي في الدنيا.

    هذه تقرر البعث الآخر وتحذر الرسول أن يصدوه عنها. من هم؟ الذين لا يؤمنون بها.

    أما الذين يؤمنون بالآخرة كاليهود والنصارى فلا يصرفون عن الإيمان بيوم القيامة، وإن كان إيمانهم ضعيفاً وفاسداً وما هو بصحيح، لكنهم يؤمنون بأصل البعث في الدار الآخرة، لكن البلاشفة والعلمانيون لا يؤمنون.

    صاحب يهودياً.. نصرانياً ما ألحد. لا يشكك في الدار الآخرة فهو يؤمن بها، لكن المشركون والشيوعيون لا يؤمنون بالبعث الآخر والدار الآخرة، كما كان العرب في الجاهلية، فيقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:16] والعياذ بالله فتهلك.

    يا رسولنا احذر أن يصدك عن الإيمان بيوم القيامة من لا يؤمن به فتتبع هواه فتردى وتهلك.

    وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:16] من الذي اتبع هواه؟ من لا يؤمن بيوم القيامة، فالذي صرفهم عن الإيمان بيوم القيامة والجزاء والله ما هو إلا الشهوة والهوى.

    وقد قررنا هذا: الذي يؤمن إيماناً يقينياً بأنه سيجزى على كسبه في الدنيا هذا مستعد بأن يطيع الله ورسوله، مستعد بأن يتخلى عن كل ذميم ومكروه وقبيح، مستعد أن يفعل كل خير، ولكن الذي لا يؤمن بالدار الآخرة بالمرة كيف يستجيب؟ لم يطيع؟ لم يعبد؟ لم يصوم؟ لم يقوم الليل؟ لماذا يتجنب شهواته وهي تدفعه ولا يأتيها؟

    فلهذا تقرر بيننا أن أعظم أركان الإيمان: التوحيد والنبوة والبعث الآخر، فإذا ضعف إيمان العبد في واحد من هذه فهو ميت لا يعول عليه، ولا يرجى منه خيراً. وهذه الآيات قررت هذه الحقيقة.

    يقول تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:9-16] والعياذ بالله. ما معنى (تردى)؟ تهلك. تَرْدى وترَدَّى هلك.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    اسمعوا شرح الآيات من الكتاب:

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيات: مازال السياق الكريم في تقرير التوحيد، ففي نهاية الآية السابقة ] التي درسناها بالأمس [ كان قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8]، كان هذا تقريراً للتوحيد وإثباتاً له ] كذلك [ وفي هذه الآية التاسعة يقرره تعالى عن طريق الإخبار عن موسى، وأن أول ما أوحاه إليه من كلامه كان إخباره بأنه لا إله إلا هو. أي: لا معبود غيره وأمره بعبادته فقال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ [طه:9] أي: يا نبينا حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا [طه:9-10]، وكان في ليلة مظلمة شاتية ] شاتية يعني: في الشتاء [ وزنده الذي معه لم يقدح له ناراً ] آلة يستعملها، الزند معروف وهو ما أقدح له النار [ فَقَالَ لِأَهْلِهِ [طه:10] أي: زوجته ومن معها وقد ضلوا طريقهم لظلمة الليل: امْكُثُوا [طه:10] أي: ابقوا هنا فقد آنَسْتُ نَارًا [طه:10] أي: أبصرتها، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10] فنوقد به ناراً تصطلون بها. أي: تستدفئون بها. أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:10] أي: أجد حولها ما يهدينا طريقنا الذي ضللناه.

    وقوله تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا [طه:11] أي: أتى النار ووصل إليها وكانت شجرة تتلألأ نوراً نُودِيَ يَا مُوسَى [طه:11] أي: ناداه ربه تعالى قائلاً يا موسى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12] أي: خالقك ورازقك ومدبر أمرك: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12] وذلك من أجل أن يتبرك بملامسة الوادي المقدس بقدميه ] وذلك من أجل أن يتبرك أي: تحصل له بركة بملامسة الوادي المقدس بقدميه.

    [ وقوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:13] أي: لحمل رسالتي إلى من أرسلك إليهم. فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13] أي: إليك، وهو: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا [طه:14]، أي: أنا الله المعبود بحق ولا معبود بحق غيري، وعليه فَاعْبُدْنِي [طه:14] وحدي. وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] أي: لأجل أن تذكرني فيها وبسببها. فلذا من لم يصل لم يذكر الله تعالى، وكان بذلك كافراً لربه تعالى ] جاحداً له غير معترف به.

    [ وقوله: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ [طه:15] أي: إن الساعة التي يقوم فيها الناس أحياء من قبورهم للحساب والجزاء آتية لا محالة ] من أجل ماذا؟ [ من أجل مجازاة العباد على أعمالهم وسعيهم طوال أعمارهم من خير وشر.

    وقوله تعالى: أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15] أي: أبالغ في إخفائها حتى أكاد أخفيها عن نفسي؛ وذلك لحكمة أن يعمل الناس ما يعملون وهم لا يدرون متى يموتون ولا متى يبعثون، فتكون أعمالهم بإراداتهم، لا إكراه عليهم فيها، فيكون الجزاء على أعمالهم عادلاً.

    وقوله تعالى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:16]، يعني: ينهى تعالى موسى أن يقبل .. ]. نعم. أنا قلت: ينهى الله محمداً صلى الله عليه وسلم، وهي الآية قابلة للاثنين؛ لأن المشركين في مكة ما كانوا يصدونه ويكذبون [ ينهى تعالى موسى أن يقبل صد صاد من المنكرين للبعث متبعي الهوى عن الإيمان بالبعث والجزاء والتزود بالأعمال الصالحة لذلك اليوم العظيم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون، فإن من لا يؤمن بها ولا يتزود لها يردى. أي: يهلك ] والعياذ بالله.

    هداية الآيات

    قال: [ مع هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: تقرير النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ]. تقرير النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ووالله إنه لنبي.

    كيف لا يكون نبياً والله يقول له: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9]؟

    [ ثانياً: تقرير التوحيد وإثباته، وأن الدعوة إلى لا إله إلا الله دعوة كافة الرسل ] كل الرسل كانوا يدعون إلى التوحيد: لا إله إلا الله.

    [ ثالثاً: إثبات صفة الكلام لله تعالى ] إثبات صفة الكلام لله تعالى، فالله كلم موسى، واشتاق إلى رؤيته لما كلمه وعجز عن ذلك، ونبينا صلى الله عليه وسلم كلمه في الملكوت الأعلى ليلة الإسراء والمعراج، لكن كلام الله ليس ككلام المخلوقات، فشتان بين ذاته وذوات الناس، فلن يكون كلامه ككلام الخلق، فكلامه يليق بجلاله وكماله.

    [ رابعاً: مشروعية التبرك بما جعله الله تعالى مباركاً ] كل ما فيه بركة يتبرك به المؤمن ولا حرج إذا ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ والتبرك: التماس البركة حسب بيان الرسول وتعليمه ] التبرك التماس البركة حيث بين الرسول ذلك.

    [ خامساً: وجوب إقام الصلاة وبيان علة ذلك وهو ذكر الله تعالى.

    سادساً: بيان الحكمة في إخفاء الساعة مع وجوب إتيانها وحتميتها ]. ما الحكمة في إخفاء يوم القيامة؟

    من أجل أن يواصل الناس العمل، ثم يجزون به في ذلك اليوم.

    والله نسأل أن يتوب علينا ويغفر لنا ويرحمنا ويتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755933826