إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يرسل الله عز وجل الرسل وينزل معهم الكتب لتبليغ شرعه سبحانه للناس، لكن سنة الله التي لا تتبدل أنه لا يقبل هذه الدعوة كل أحد، ولا يذعن لها كل المدعوين، فمن كان قلبه حياً قبلها وانتفع بها، أما من كان أصم لا يسمع وأبكم لا ينطق فإنما يعيش في ظلمات الكفر وحاله كحال الميت الذي لا ينتفع بدعوة ولا ذكرى، وهؤلاء وأولئك داخلون تحت مشيئة الله، فمن أراد له الله الهداية اهتدى، ومن أراد له الضلالة هلك في مهاوي الردى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها نحن نستمع إلى تجويد الآيات الثلاث التي ندرسها إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:36-39].

    الاستجابة للحق لا يكون إلا ممن يسمعون

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36]، إي والله، إنما يستجيب لدعوة الحق ويقبلها ويأخذ بها الذين يسمعون، أما الذين لا يسمعون فأولئك الذين يدخلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا، أولئك الذين يستغشون ثيابهم حتى لا يسمعوا، أولئك الذين إذا سمعوا صوت الحق أو كلمته أدبروا وأعرضوا، ما يريدون أن يسمعوا، فهؤلاء لا يستجيبون، فلا تأسف يا رسولنا ولا تكرب ولا تحزن عليهم.

    إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36]، والسماع بواسطة هذه الحاسة أو الآلة: الأذنين، ولو شاء الله ما سمع أحد، ولكن وهبنا الله هذه الآلة التي نسمع بها، فإذا أراد المرء أن يسمع سمع، ولكن إذا أبى أن يسمع كره كلام المتكلم؛ لتعارضه مع مصالحه وفوائده، فهذا لا يستجيب أبداً، فادع أنت بأعلى صوتك: أيها الناس! توبوا إلى الله إلى ربكم. فالذين يسمعون النداء لأنهم متهيئون وليس هناك موانع ولا حجب تحجبهم سيستجيبون لك، والذين لا يسمعون لإعراضهم وكبرهم وعدم رغبتهم في الدعوة الإسلامية، هؤلاء لا يستجيبون، فلا تتألم ولا تحزن ولا تكرب.

    فحصر الله تعالى استجابة دعوة الداعي فيمن يسمعونه، أما الذين فقدوا حاسة السمع بمكرهم وكفرهم وخداعهم وباطلهم؛ فهؤلاء لا يستجيبون ولو ظللت يومك كاملاً تقول: أيها الناس! أنقذوا أنفسكم، زكوا أرواحكم، هذبوا عقولكم، لا يستجيبون.

    تشبيه حال المعرضين عن سماع الحق بالموتى

    فبهذا خفف الله تعالى عن رسوله ألم النفس الذي يلحقه من إعراض المتكبرين واستكبار المشركين: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:36]، فالذين لا يسمعون في الحقيقة هم الموتى، ضع ميتاً بين يديك وناده: يا فلان ثلاثاً أو سبع مرات فإنه لا يستجيب؛ لأنه ميت.

    والذين أعرضوا عن الحق وتعمدوا الإعراض؛ لأنه تنافى مع ما هم عليه من الباطل والشر شأنهم شأن الموتى، فهم موتى وسوف يبعثهم الله ويحاسبهم ويجازيهم.

    وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:36]، أي: يرجعهم الملائكة ويقودونهم إلى ساحة فصل القضاء، فالجملة -كما بينت لكم- فيها تخفيف عن رسول الله، وعن كل مؤمن يدعو إلى الله ويعارض، ولا يسمع له ولا يستجاب لدعوته، فليذكر هذا ليخف ألمه عن نفسه، إذ الذين يستجيبون هم أهل السمع المتهيئون لأن يسمعوا الحق والخير ويقبلوه، والموتى لا يستجيبون، ومصيرهم أن يحشرهم الله إليه ثم يجمعوا إلى ساحة فصل القضاء ليلقوا جزاءهم، فاتركهم لذلك.

    وقوله تعالى: وَالْمَوْتَى [الأنعام:36] فيه لطيفة: هي أن الذي لا يسمع الحق ويعرض عنه كالميت؛ لأن الميت -والله- لا يسمع أبداً، أما الحي فالمفروض أنه يسمع، فإذا كان لا يسمع وأنت تصرخ في وجهه وتدعوه إلى الحق والخير والفضيلة وهو مكب على الباطل والرذيلة فإنه ميت.

    وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام:36] من قبورهم، ثم يساقون ويجمعون في ساحة فصل القضاء ليجزيهم الله عز وجل على كفرهم وشركهم وعنادهم، هكذا يسلي الله تعالى رسوله، ويبين للمؤمنين هذه الحقيقة، فالذي لا يسمع نداء الحق والخير اعتبره من الأموات؛ إذ لو كان حياً لكان يسمع، واتركه إلى الله فسوف يحشره الله عز وجل في ساحة فصل القضاء ويرجع إليه ويجزيه بما هو أهل له، هذا معنى قوله تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:36].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه...)

    ثم قال تعالى: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام:37]، من القائل هنا؟ المشركون، أبو جهل وعقبة بن أبي معيط والأخنس بن شريق ، أولئك الطغاة العتاة، وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام:37]، وبذلك نؤمن ونتبعه ونمشي وراءه، أما إذا لم يعط الآية وما شاهدناها فلا نؤمن، والمراد من الآية كأن يحيي لهم ميتاً، أو أن يروا الملائكة ينزلون وهم يشاهدونهم، أو يأتيهم بخارقة من خوارق العادات التي تعجز الناس عادة، وبذلك يقولون: نؤمن، والله يعلم أنهم لا يؤمنون.

    وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام:37]، بمعنى: هلا أنزل عليه آية من ربه، كما كانت تنزل على أنبياء ورسل من قبله. ‏

    معنى قوله تعالى: (قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون)

    فعلم الله تعالى رسوله الجواب كيف يرد عليهم، فقال لهم: قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الأنعام:37]، ما هو بعاجز أبداً، إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الأنعام:37]، ولو كانت كوكباً من السماء ينزل إلى الأرض، أو الملائكة يشاهدونهم، أو ينادي أهل القبور فيأتون أحياء يمشون، وقد طالبوا بانشقاق القمر فانشق القمر.

    وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37]، وهذا هو السر والحكمة في عدم استجابة الله لهم، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37]، لو كانوا يعلمون لعلموا أولاً: أنهم إذا نزلت الآية ولم يؤمنوا يهلكون ويدمرون كما هي سنة الله، فلو كانوا يعلمون الحكمة في عدم إنزال الآية ما طالبوا بها، ولكن جهلهم هو الذي حملهم على أن يطالبوا بهذه المطالب.

    ثانياً: لو كانوا يعلمون الحكمة والسر في عدم إنزال الآية لعلموا أن الله عز وجل يبعث رسوله وينزل عليه كتابه ويأمره بالبيان والبلاغة والدعوة إليه، فمن استجاب فزكى نفسه وطيبها وطهرها بالإيمان والعمل الصالح فاز بولاية الله وكرامته، وأسكنه الله فسيح جناته، ومن استكبر وآثر الدنيا والشهوة وأعرض اسودت نفسه وخبثت روحه وكان من أهل الجحيم والعياذ بالله.

    لكن هم لا يعلمون هذا، ولهذا قال تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37]، كلهم لا يعلمون، ولكن من باب الاحتراز قال: (أكثرهم)، فقد يكون بينهم من يعلم شيئاً من هذا.

    عظيم جهل المشركين في طلب الآيات الكونية وإعراضهم عن الآيات القرآنية

    وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام:37]، هم يؤمنون بالله رب محمد والعالمين ورب البيت العتيق، وهذه المطالبة كانت ليصروا على كفرهم وشركهم وعنادهم، وحتى يصرفوا الجهلاء والعوام والأتباع عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هذا الكلام يقوله بعضهم لبعض؛ حتى لا يؤمن أحدهم ولا يستجيب، فقالوا: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام:37]، لو كان كما يدعي أنه رسول الله وأنه لا إله إلا الله؛ فهلا أنزل عليه آية تدل على ما يقول؟ وسبحان الله! إن الآيات القرآنية النازلة أعظم من الآيات المطلوبة؛ لأن الآية المطلوبة أن تنشق السماء أو ينزل مطر أو ينطق ميت ثم تنتهي بعد ساعة، لكن آيات القرآن خالدة، كيف يكون لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يتكلم بهذا الكلام، ويتلقى هذه العلوم والمعارف؟ إنها ليست من عنده، بل من الله.

    فكيف لا يكون نبياً ورسولاً؟ كيف يطلب الحجة على أنه رسول الله وهو يتكلم بكلام والله يأمره ويقول: قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ [الأنعام:109]، ولكن من كتب الله شقوتهم وضلالهم لا يستجيبون، بل يعاندون ويكابرون حتى يموتوا على كفرهم وعنادهم وشركهم.

    وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ [الأنعام:37] يا رسولنا، قل لهم: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الأنعام:37]، ما هو بعاجز أبداً، الذي رفع السموات فوق بعضها، الذي أوجدهم وأطعمهم وسقاهم وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً هل هو عاجز عن أن ينزل آية؟ وآياته في الكون كله ظاهرة، ليرفعوا رءوسهم إلى السماء فيشاهدوا الشمس والقمر والكواكب، ولكنه الجهل: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37]، فأكثر المعاندين والمجادلين والمخاصمين والمحافظين على الباطل وعلى الفساد والشر أكثرهم -والله- لا يعلمون العلم الحقيقي، العلم الذي هو أسرار وحكم الله عز وجل في خلقه وعباده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ...)

    ثم قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38]، هذا خبر من أخبار الله تعالى، يقول عز وجل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ [الأنعام:38]، والدابة كل ما دب دبيباً على الأرض، أسرع في مشيه أو تباطأ، يدخل في هذا الإنسان والحيوانات التي تمشي على الأرض.

    وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ [الأنعام:38] في الملكوت الأعلى في السموات، في الكون كله بِجَنَاحَيْهِ [الأنعام:38] احتراس؛ لأن العرب يقولون: طار فلان ويطير فلان مبالغة في سرعته، فأعلمهم أن الطائر الذي يطير بجناحيه، ويدخل فيه أنواع الطير على اختلافها، وهي أنواع وأمم، انظر إلى العصافير وانظر إلى الغربان والبازات، كل هذه الطائرة وكل هذه الدابة على الأرض أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38]، والأمم: جمع أمة، والأمة ما يجمعها وقت واحد، أو يجمعها لسان واحد، أو يجمعها إقليم وأرض ومكان واحد، يقال فيه: أمة.

    فارفعوا رءوسكم وانظروا إلى الكون، افتحوا أعينكم وأبصاركم في هذا الخلق العظيم، ومن ثم تستحون أن تقولوا: لو أنزل الله عليه آية وهذه الآيات كلها بين أيديكم.

    وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ [الأنعام:38] تدب وتمشي من إنسان أو حيوان، وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [الأنعام:38] في السماء إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38].

    من تكون لها الرسالة من أمم الأرض

    وهنا سؤال: هل يرسل الله تعالى إلى تلك الأمم رسلاً يدعونهم إليه ويعرفونهم به ليعبدوه وحده؟

    أما الإنس فهذا أمر مقطوع به، وهذا رسول الله وهذا كتاب الله، أما الجن فلم يرسل الله تعالى إليهم رسلاً بمعجزات، ولكن يرسل إليهم من ينذرونهم، وهم النذر، يفهمون عن عيسى وموسى أو نوح ويبلغون إخوانهم من الجن، ويعلمونهم ما يعمله الآدميون بواسطة نبيهم أو رسولهم، وهذا دل عليه القرآن الكريم في آخر سورة الأحقاف: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأحقاف:29-32].

    أقول: يجب أن نعلم أن عالم الإنس يرسل الله تعالى فيهم الرسل، وقد بلغت الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، والأنبياء عشرات الآلاف، والجن عالم وأمة من أمم خلق الله، هؤلاء يأتيهم الحديث والنبأ والخبر والعلم من طريق الرسول الذي يرسله الله في البشر، إخوانهم ينقلون عنه ويبلغونهم.

    وأما الدواب -الطير في السماء، والحيتان في الماء، وباقي الحيوانات على الأرض- فالذي نعلمه يقيناً أنها تسبح الله عز وجل: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، والتسبيح تنزيه الله وتقديسه عن كل النقائص وعن الإشراك به والعياذ بالله، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، فالحيوانات تسبح الله عز وجل.

    لكن كيف وصلها ذلك؟ هل هي غرائز غرزها الله فيها؟ هذا معقول، أن يكون فطرها على هذا، وإن شاء الله عَلََّم منها من شاء من جنسها وبلغها.

    جمع الله الحيوانات يوم القيامة وتصييره لها تراباً بعد القصاص بينها

    والذي يجب القطع به أن هذه الحيوانات أمة من أمم الخلق مثلنا، وسوف تجمع يوم القيامة ويقتص منها، ولهذا تحرم أذية الحيوان، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يؤذي حيواناً من الحيوانات إلا ما أذن فيه الشارع مما هو ضار مؤذ، فهذا يقتل ولكن قتله لا يكون بصورة بشعة كالتمثيل به مثلاً أو قطع بعض أجزائه، بل بالقتل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة )، وعلمنا أن الله تعالى: ( يقتص من الشاة القرناء للشاة الجماء ) التي ليس لها قرن، فكل هذه الدواب وهذه المخلوقات تحشر في ساحة فصل القضاء ويجزي الله تعالى المحسنين ويعاقب المسيئين.

    وهل تدخل الدواب الجنة دار النعيم أو النار دار العذاب؟ الجواب: بعدما يتم فصل القضاء ويقتص للضعيف من القوي يقول الله تعالى لتلك الأمم: كوني تراباً. فتتحول كلها إلى تراب، لا يبقى أسد ولا ثعلب ولا ذئب ولا طير ولا أحد، ودليل ذلك قول الله تعالى من آخر سورة النبأ: يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40]، حين يشاهد تحول تلك الحيوانات المخلوقات العظيمة إلى تراب يتمنى لو كان مثلها.

    أما الإنس والجن فهم يدخلون الجنة ويدخلون النار بأجسام عرفنا الرسول بها، أجسام خلقها الله لذلك العالم، عالم الخلد والبقاء.

    إذاً: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [الأنعام:38] في السماء، إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38]، في ماذا؟ في الأكل والشرب، في المرض في الصحة، في قبول الحق في الإعراض عنه أمثالكم.

    معنى قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)

    ثم قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، والتفريط: الإهمال والترك وعدم المبالاة بالشيء، ما فرطنا في الكتاب الذي هو كتاب المقادير، الذي هو اللوح المحفوظ، الذي هو الإمام المبين، كتب فيه الشقاوة والسعادة، وكتب فيه الأشقياء والسعداء، وكتب فيه عوامل السعادة وعوامل الشقاء، أسباب الشقاء وأسباب السعادة، كل هذا مكتوب مدون محصى قبل أن يخلق الله الإنس والجن، وسوف يتم الجزاء بحسب ذلك الكتاب اللوح المحفوظ والإمام المبين.

    ثم هنا لطيفة أخرى: قد يراد بالكتاب القرآن العظيم، نعم ما فرط الله عز وجل في القرآن من شيء تحتاج إليه العقول أو الأفكار أو الفهوم أو الأبدان إلا وبينه تعالى، إما بالتنصيص عليه أو بالإشارة إليه أو بالقياس عليه، لا يوجد شيء تفتقر إليه البشرية من أجل تزكية نفوسها أو إصلاح أعمالها أو دنياها ولم يشر إليه تعالى في القرآن، وبالتتبع ظهر هذا، لا توجد عبادة من شأنها تنقية النفس ولا عمل من شأنه إصلاح البدن إلا وفي القرآن ما يشير إليه ويذكره، فلهذا صارت هذه الجملة صالحة لكون المراد اللوح المحفوظ الكتاب المبين، وللقرآن العظيم.

    ولك أن تقول: ما فرط الله في كتابه القرآن من شيء، كل ما تحتاج إليه الأمة موجود مبيّن يعرفه من عرفه ويجهله من جهله، وهذا فضل الله تعالى وإنعامه علينا والحمد لله.

    معنى قوله تعالى: (ثم إلى ربهم يحشرون)

    ثم قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38]، ثم إلى خالقهم ومالك أمرهم ومدبر حالهم -وهو الله- يحشرون كلهم: الإنس، والجن، والحيوانات على اختلافها وتنوعها، الكل يحشر إلى الله، من يحشره ويجمعه؟ الملائكة المكلفون بالحشر والجمع، هم الذين يرجعون بالناس إلى ربهم، هذا الحشر، هذا الجمع في ساحة فصل القضاء ليتم القضاء والحكم العادل بين تلك الخلائق إنسها وجنها وحيواناتها.

    ولا تنسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذا في غير حديث، من ذلك: أن الله يقتص للشاة القرناء من الشاة الجماء التي لا قرن لها، ثم يقول بعد ذلك لتلك العوالم من الحيوانات: كوني تراباً فتكون تراباً.

    دلالة حمل الكتاب في الآية الكريمة على القرآن الكريم

    فلنتأمل قوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38].

    وهنا إذا قلنا: الكتاب هو القرآن فمعناه أنه لم تبق حجة لإنسان يحتج بها على الله يوم القيامة إذا هو قرأ القرآن وآمن به، ويقول: ربنا ما بينت لنا كذا، أو ما علمتنا كذا. فكل ما من شأنه تزكية النفس وتطهيرها موجود في القرآن، وكل ما من شأنه أن يحفظ الجسم الآدمي سليماً والعقل البشري كذلك في القرآن، فجميع محاب الله وما يأمر به هو لتزكية النفس والحفاظ على الجسم والعقل والبدن، وكل ما حرم الله من السحر، والغش، والخداع، والقتل.. كله من أجل الحفاظ على تزكية النفس وتطهيرها، فما فرط الرحمن في القرآن من شيء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ...)

    ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:39] يعني: بعد هذا البيان كله فالذين كذبوا بالآيات هم الصم الذين لا يسمعون، البكم الذين لا ينطقون، العمي الذين لا يبصرون؛ لأنهم يمشون في الظلام، والماشي في الظلام هل يهتدي إلى شيء؟ لا يهتدي.

    آية البقرة قالت: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18]، وهنا قال: صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:39] من باب تلوين العبارة، فالماشي في الظلام لا يشاهد شيئاً، وقد فقد سمعه فهو لا يسمع ونطقه فهو لا ينطق، ويضاف إلى ذلك أنه لا يرى شيئاً، وإلا فكيف يكفر الإنسان بربه؟ هو يعلم أنه مخلوق، يعلم أن الله عز وجل هو الذي أوجد له هذه الأقوات التي يأكل ويشرب، هو الذي أوجد له هذه الأرض عليها يسكن، هو الذي رفع السماء فوقه، فكيف يجحده وينكره؟ كيف يتأتى؟

    ولكن التكذيب الذي ينشأ أولاً عن الجهل، ثم عن الاغترار والتقليد الأعمى، واتباع أصحاب الهوى، فإذا كذب وعرف بين الناس بأنه ينكر هذا الدين أو هذه الملة أو هذا الخلق؛ فحينئذ يفقد سمعه، تتكلم معه طول الليل فلا يسمع صوتك، يفقد لسانه فلا ينطق بمعروف أبداً، أبكم لا يستطيع أن يقول: يا بني فلان، أو يا فلان! الحق كذا وكذا. ثم هو يمشي في الظلام لا يعرف الحق ولا يهدي إليه غيره؛ وذلك لتكذيبه.

    ماذا قال تعالى؟ قال: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنعام:39] القرآنية التنزيلية، وآيات الله الكونية العلوية والسفلية؛ إذ كل كائن آية على وجود الله، البعوضة دلالة على وجود خالقها، السمكة في بطن البحر وعمقه من خلقها؟ من أوجدها؟ من غذاها؟ لا بد أن تقول: الله، فالمحنة كما كانت أولاً في الجهل هي الآن في التكذيب، المكذب من هو؟ الذي يعرف الحق وينكره، هذا التكذيب، يعرف ما تقوله أنه حق، ويقول: هذا كذاب فلا تسمعوا له. فهذا المكذب هو بمثابة الأصم الذي لا يسمع كلمة، والأبكم الذي لا يقوى على النطق بحرف واحد، والأعمى الذي لا يبصر أو الماشي في الظلام الذي لا يشاهد شيئاً. ‏

    عاقبة الجهل والتكذيب بالحق

    معاشر المستمعين والمستمعات! عرفتم الجهل والتكذيب، البلاء والشقاء كله من هاتين الفتنتين: الجهل: وهو عدم معرفة الأسرار والحقائق والأحكام، هذا من شأنه أن يجعل العبد يتكبر ويعرض ولا يسمع، ولكن التكذيب أعظم من ذلك، إذا كذّب الإنسان بالشيء فإنه لا يستجيب، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:39] ظلمات الحياة، بمعنى إنهم عميان لا يبصرون.

    ومرة ثانية: لماذا يكذب الإنسان؟ أنا أخبركم أننا في المسجد النبوي، فهل هناك من يقول: لا؟ فالذي يكذب يقول: أنت تكذب، ما أنت في المسجد النبوي! لفائدة، لمصلحة، لغرض يتعلق به، هذا المكذب -والعياذ بالله تعالى- يفقد سمعه وبصره ولسانه، لا ينطق بالحق أبداً؛ لأنه كذب فكيف يعترف به؟ يفقد بصره فما يرى شيئاً كأنه في الظلام، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:39]، فالتكذيب: هو إنكار الحق الثابت من أجل صرف الناس عنه، أو تحقيق فائدة ومصلحة للمكذّب.

    فهذا الذي يصاب بهذا الداء -داء التكذيب- مثله مثل الأصم الأعمى الأبكم، لا يقول كلمة الخير أبداً، ما يعرف أن ينطق بها، فاقد حاسة النطق، لا يبصر ولو عرض عليه الكون كله، لا يشاهد والعياذ بالله تعالى، هكذا يقول تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ .

    معنى قوله تعالى: (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم)

    وأخيراً يقول تعالى: مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ [الأنعام:39] رد الأمر إليه عز وجل، من يشأ الله إضلاله أضله، بيده الهداية وبيده الإضلال، ثق في هذا واطمئن، من يشأ الله أن يضله أضله، فيصبح لا يسمع ولا يبصر ولا يرى، في متاهات لا يسمع كلمة الحق ولا ينطق بها، ولا يبصر آية من آيات الله الدالة عليه؛ لأن الله أراد إضلاله: مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39].

    معاشر المستمعين! أريد أن أقول: الهداية والإضلال بيد الله، فهو الخالق المدبر للكون والحياة، من شاء إضلاله أضله، ومن شاء هدايته هداه إلى الصراط الموصل إلى سعادته ونجاته.

    وهنا ما الذي ينبغي أن ننتقل إليه بعدما علمنا أنه لا يملك الهداية والإضلال إلا هو؟ والله العظيم إنه لهو الذي بيده الهداية وبيده الإضلال، كما بيده أن الموت وبيده الحياة على حد سواء.

    ثانياً: إذا آمنا بهذا واطمأنت إليه نفوسنا يجب أن نطلب الهداية منه ونستعيذ به من الضلال، نطرح بين يديه في كل صلاة وفي كل سجود، نسأله هدايتنا ونستعيذ به من إضلالنا؛ لأنه يملك الإضلال ويملك الهداية، هذه الثانية، وهي بعد اعترافنا بأن الهداية والإضلال بيد الله، يجب أن نعرف أن للهداية أسبابها وللإضلال أسبابه.

    ويجب أن نطلب الهداية من الذي يملكها، وأن نستعيذ به من الإضلال الذي يملكه، ومعنى هذا: أنه لا بد من الافتقار اللازم للعبد، فلا تستغن أبداً عن الله.

    الهداية لها أسباب، فما أسبابها؟ أن تصغي، أن تسمع، أن تستخدم حواسك وتنظر، أن تجرب فتظهر لك النتيجة فتحصل على هدايته، تسأل فقط: أنا أريد مكة فدلوني على الطريق، فيقال لك: خذ كذا وكذا ولا تلتفت إلى كذا وكذا؛ لأنك راغب في الهداية.

    والذي يطلب الضلال ويعرض عن الهداية يسلك سبل الضلال: الكذب، والجهل، والعناد.. هذه كلها عوامل إضلاله، فلا تفهم أن الله عز وجل يضل مهتدياً أبداً، أو طالب هداية يحرمه لأنه قادر على إضلاله! ما قرع باب الله أحد يريد الهداية إلا هداه، ما طلب إنسان الهداية إلى الصراط المستقيم إلا هداه الله إلى ذلك، ومن أعرض واستكبر وعاند وأعرض ضل بسبب إعراضه واستكباره وعناده وتكذيبه.

    هكذا يقول تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ كيف يهتدون؟ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39].

    تسلية الرسل والدعاة إلى الله تعالى في حزنهم لإعراض المدعوين عن الحق

    أخيراً: هذه تعزي المؤمنين والدعاة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكربوا ويحزنوا؛ لعلمهم أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، من كتب الله ضلاله فلن يهديه، ومن كتب هدايته فلن يضله، ولكن لا بد من أن تقرع باب الله وتسأله الهداية، ولا بد أن تستعيذ به من الضلال.

    هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا دائماً وإياكم بما ندرس من كتاب الله ونسمع.

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755972702