إسلام ويب

شرح عمدة الفقه كتاب البيوع [7]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السبق جائز في الأشياء كلها ما لم يكن بجعل، فإن وجد الجعل فيكون بشروط، كأن يكون الجعل من غير المتسابقين أو يكون من أحدهما دون الآخر، وإن كان من كليهما دخل معهما ثالث يكون مكافئاً لهما.

    1.   

    ما جاء في السبق

    معنى السبق وحكمه من حيث الجملة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب السبق ].

    السبق بالسكون يعم المسابقة بعوض أو بغير عوض، والسبَق بالفتح يكون خاصاً بالمسابقة التي يكون فيها عوض، فيقال لها سَبَق.

    وتجوز المسابقة في كل شيء بدون عوض على الأقدام وعلى الخيل وعلى الإبل وفي غيرها مما يشرع المسابقة فيه، وعلى الزوارق، والحجة في ذلك ما ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة على الأقدام، فسابقها مرتين: وفي المرة الأولى سبقته لما كانت خفيفة اللحم، وفي المرة الثانية سبقها لما كانت ثقيلة اللحم فقال: هذه بتلك).

    وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار، وصارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه، فلا بأس بالمسابقة بالخيل أو على الإبل أو على الأقدام أو على الزوارق وما أشبه ذلك من الآلات الحربية التي لا محظور فيها، أما السيارات فلا ينبغي المسابقة بها؛ لأنها تفضي إلى الهلاك.

    وأما السَبَق بالفتح فهو العوض الذي يؤخذ على السباق، أما العوض فلا يؤخذ إلا في ثلاثة أشياء: الإبل، والخيل، والسهام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)، والنصل: هي السهام والرماية، والخف هو الإبل، والحافر: هو الخيل، فلا بأس أن يؤخذ العوض على المسابقة على الخيل، ولا بأس أن يؤخذ العوض على المسابقة على الإبل، ولا بأس أن يؤخذ العوض على الرماية بالسهام، مثل المسابقة على الرماية بالسهام والذي يصيب له كذا وكذا من العوض، والذي يسبق على بعيره له كذا وكذا، والذي يسبق على خيله له كذا وكذا، على تفصيل سيأتي في العوض.

    حكم المسابقة بغير عوض وأجرة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها ].

    يعني: المسابقة بغير عوض وبدون أجرة لا بأس بها، مثل المسابقة على الأقدام وعلى خيل، فحين يكون بدون مال يدفع فهو جائز في كل ما يجوز السباق فيه.

    مثلاً: لو خرجت في البر أنت وزميلك فلا بأس أن تتسابقا على الأقدام بغير عوض، أما أن تقول: نتسابق أنا وأنت على الأقدام ومن سبق فله مائة ريال، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز في ثلاثة أشياء: في الإبل، والخيل، والسهام، لكن المسابقة بدون مال في غير هذه الأشياء لا بأس به، كما لو قلت: نتصارع وننظر أينا يصرع الآخر، كذلك السباق على الدرجات إذا لم يكن فيها خطر وما أشبه ذلك لا بأس به.

    فإن قيل: إن كان الجعل من غير المتسابقين هل يجوز؟

    نقول: ولو كان من غيرهما لا يجوز إلا في هذه الأشياء الثلاثة خاصة، أما في غير الثلاثة فلا يجوز لا منهما ولا من غيرهما.

    إذاً: السباق على الأقدام لا يجوز بمال، ويجوز بدون مال، والمال لا يؤخذ إلا على ثلاثة: الإبل، والخيل، والسهام.

    أما المسابقات العلمية الشرعية فهذه فيها خلاف، فبعض أهل العلم له كلام فيها، لكن إن وضعت عليها جوائز فهذا يدخل في باب الجعل.

    1.   

    بيان الأمور التي تجوز المسابقة فيها بعوض وصورها

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا تجوز بجعل إلا في الخيل والإبل والسهام؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) ].

    كان الخليفة المهدي العباسي مولع باللعب بالطيور، فجاء بعض الكذابين الوضاعين يريد أن يؤيد الخليفة ويدخل السرور عليه، فروى له الحديث بهذه الصورة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح) فزاد: (أو جناح)، فلما خرج قال المهدي العباسي : والله إن القفا لقفا كذاب، وبعد ذلك ترك اللعب بالحمام لما رأى هذا الوضاع وضع هذه الزيادة في الحديث.

    ولا شك أن اللعب بالحمام منهي عنه؛ لأن فيه إيذاء لها وقد تموت، وكذلك الحيوانات كأن تجعل بعض التيوس تتناطح وتضرب بعضها بعضاً وتؤذي بعضها بعضاً فهذا ممنوع؛ لأن فيه إيذاء للحيوان.

    كذلك جاء النهي عن أن يتخذ الحيوان غرضاً كالطير وغيره، بأن يجعله إشارة فيرمونه، ولما رأى ابن عمر أناساً جعلوا طيراً غرضاً يرمونه قال: لعن الله من فعل هذا، سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله من اتخذ الروح غرضاً).

    أن يكون الجعل من غير المتسابقين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز، وهو للسابق منهما ].

    يعني: أن يكون الجعل من شخص ثالث، كأن يتسابق زيد وعمرو وكل واحد منهما على بعير أو خيل، فجاء بكر وقال: أنا أجعل للسابق منكما ألف ريال، فهذا لا بأس به؛ لأن العوض من شخص ثالث.

    كذلك لو تسابق اثنان في أيهما يصيب الهدف فجاء شخص ثالث وقال: أجعل لمن يصيب الهدف منكما ألف ريال فهذا لا بأس به.

    أن يكون الجعل من أحد المتسابقين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن كان من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معاً، أحرز سبقه ولا شيء له سواه ].

    يعني: لو أن زيداً تسابق مع غيره وقال: أنا أخرج ألف ريال للسابق، فسبق زيد، ففي هذه الحالة يكون الألف لنفسه، كذلك لو جاءا معاً ولم يسبق أحد منهما الآخر، فيكون الألف لزيد أيضاً، هذه الصورة الثانية.

    قال: [ وإن سبق الآخر أخذه ].

    يعني: هذه ثلاث صور: الصورة الأولى: سبق المخرج في هذه الحالة تكون له، الصورة الثانية: جاءا جميعاً ولم يسبق أحدهما الآخر فهي للمخرج أيضاً، الصورة الثالثة: سبق الثاني فتكون له، فهذه الصورة الثانية تحتها ثلاث صور.

    الصورة الثالثة من صور السباق أن يكون الجعل منهما مع وجود ثالث بينهما أو عدمه

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن أخرجا جميعاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رميهما؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) ].

    قال المحقق في تخريج هذا الحديث: ضعيف، أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي وأحمد كلهم من حديث أبي هريرة ، وفيه ضعف؛ بسبب سفيان بن حسين وهو الرواي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً.

    وتابعه سعيد بن بشير عن الزهري به، وأخرجه الحاكم وقال: إسناده صحيح.

    لكن سعيد بن بشير ضعيف، والحاكم متساهل في التصحيح.

    قال ابن حجر في التلخيص الحبير: وكذا صححه ابن حزم ، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري ، وقد رواه معمر وعقيل عن الزهري عن جماعة من أهل العلم، قال أبو داود : وهذا أصح عندنا، وقال أبو حاتم : أحسن أحواله أن يكون موقوفاً على ابن المسيب ، فقد رواه يحيى بن سعيد عنه من قوله، انتهى كلام أبي حاتم .

    وكذا هو في الموطأ عن الزهري عن ابن المسيب قوله، وقال ابن أبي خيثمة : سألت عنه ابن معين فقال: هذا باطل، وضرب على أبي هريرة . انتهى.

    ومتابعة سعيد بن بشير واهية؛ لكونه ضعيفاً، والثقات يروونه عن ابن المسيب قوله، كذا رواه مالك .

    الخلاصة: هذا حديث قال عنه يحيى : إنه باطل، وكذا أبطله أبو حاتم -أي: كونه مرفوعاً- وكذا رجح عدم وصله أبو داود فلا يلتفت إلى تصحيح الحاكم له، ولا إلى تصحيح ابن حزم ، وضعفه الألباني في الإرواء.

    فالحديث فيه ضعف، لكن العلة في هذا أنه يكون قماراً إذا أخرجا جميعاً؛ لأنه إما أن يَغلب وإما أن يُغلب، إما أن يسبق هو فيكون غانماً، وإما أن يُسبق فيكون غارماً، لكن إذا كان معهما ثالث صار هناك احتمال أن يسبق الثالث، وعلى هذا فلا يكون غانماً ولا غارماًً، يعني: يأمن أن يكون غانماً أو غارماً، بخلاف ما إذا كانا اثنين، فإنه لابد إما أن يكون غانماً أو غارماً، لكن إذا كان معهما ثالث، فإنه يحتمل وقد يغلب على الظن أنه لا يكون غانماً ولا غارماً.

    إذاً: إذا كان العوض من شخص ثالث فلا بأس، وإذا كان من أحدهما فلا بأس، وإذا كان منهما جميعاً فلا يصح إلا إذا كان معهما ثالث.

    والحديث لا يصح مرفوعاً، وإنما صح من قول ابن المسيب ، وقول الصحابي أو التابعي إذا لم يكن في الباب شيء، فإن بعض أهل العلم يحتج به؛ كالإمام أحمد وغيره، يعني: إذا لم يكن في المسألة إلا قول صحابي أو تابعي فيستأنس به.

    والمقصود: أن مسألة السباق على الإبل أو الخيل أو السهام لا بد أن يكون العوض فيها إما من شخص ثالث أو من أحدهما، أما إذا كان العوض منهما جميعاً فلا يصح إلا إذا أدخلا ثالثاً حتى يزول احتمال الغنم أو الغرم وتزول مسألة القمار.

    إذاً: هذه المسألة فيها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون العوض من شخص خارج.

    الحالة الثانية: أن يكون من أحدهما، وهاتان الصورتان جائزتان.

    الحالة الثالثة: أن يكون منهما جميعاً، وهذه لا تجوز إلا إذا أدخلا معهما ثالثاً، حتى تزول صورة القمار؛ لأنهما إذا كانا اثنين وأخرجا يكون قماراً؛ لأن أحدهما يصير غانماً أو غارماً على كل حال، أما إذا دخل ثالث فيزول هذا؛ لأنه قد يسبق الثالث فلا يكون غانماً ولا غارماً.

    قوله: (وإن أخرجا جميعاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما وبعيره بعيريهما ورميه رميهما)

    يعني: لا يكون ضعيفاً؛ لأنه إذا كان ضعيفاً، أو فرسه أضعف، أو بعيره أضعف صار يغلب على الظن أنه يُسبق فتأتي مسألة القمار، فيكون أحدهما غانماً أو غارماً، فلا بد أن يكافئ فرسه فرسيهما، وبعيره بعيريهما؛ حتى تزول صورة القمار.

    أما حديث: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) فالصواب أنه موقوف على ابن المسيب ، ورفعه ضعيف.

    1.   

    ضوابط وشروط تتعلق بالسبق الجائز

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن سبقهما أحرز سبقيهما، وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه، ولا بد من تحديد المسافة ].

    يعني: لا بد من تحديد المسافة، بأن تكون من كذا إلى كذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع.

    وتسابقت الخيل التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، فلا بد من تحديد المسافة من كذا إلى كذا، كمسافة كيلوين أو ثلاثة كيلو مترات.

    قال: [ وبيان الغاية ].

    كذلك بيان الغاية، يعني: يتسابقان إلى مسجد بني زريق مثلاً.

    قال: [ وقدر الإصابة ].

    يعني: قدر الإصابة إذا كان في الرماية بالسهام، يقول مثلاً: الإصابة تكون مقدارها كذا وكذا، عرضها كذا طولها كذا، بالسنتيمتر، أو تكون الإصابة في الوسط، ولا تكون في آخر الهدف، ولا تكون في طرفه، بل لا بد أن تكون في الوسط، فلا بد من تحديد المسافة وبيان الغاية وقدر الإصابة.

    قال: [ وصفتها ].

    يعني: صفة الإصابة، مثلاً: الإصابة لا بد أن يكون طولها كذا بالسنتيمتر، وعرضها كذا.

    قال: [ وعدد الرشق ] يعني: أن يكون عدد الرشق رميتين أو ثلاثاً أو أربعاً، فيبين عدد الرمي.

    قال: [ وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد ].

    يعني: لا يقول مثلاً: أنا سهمي قطع مائة متر، وأنت سهمك ما قطع إلا تسعين متراً، فليس المراد البعد، وإنما المراد إصابة الهدف؛ لأنهما لو تراميا على المسافة وقالا: أينا أبعد مسافة وأبعد سهماً فله كذا وكذا، ثم وجد أحدهما أن مسافة سهمه خمسين متراً، والثاني مسافة سهمه أربعين متراً، ثم قال صاحب الخمسين: أنا أستحق العوض، نقول: لا، إنما المسابقة في الرمي على إصابة الهدف لا على بعد المسافة.

    1.   

    ما جاء في الوديعة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الوديعة.

    وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى ].

    الوديعة: هي ما يودع عند الإنسان، فإذا أودع شخص أمانة عند آخر فإنها تسمى وديعة، فإذا أودعها أمانة يحفظها عنده فإنه يعتبر مؤتمناً في هذه الحالة، فإن لم يتعد ولم يفرط فلا يضمنها إذا تلفت، وإذا أودع شخص عند شخص أمانة كسيارة أو أمتعة أو أوانٍ أو أقمشة ثم تلفت فإنه لا يضمنها، إلا إذا تعدى وفرط، فإذا تعدى وفرط ضمنها لأنه فرط في حفظها.

    ولو كان الأمين يضمنها لانقطع المعروف، وصار كل واحد لا يقبل الأمانة، فالمودع أمين لا يضمنها إذا تلفت إلا إذا فرط وتعدى، أما إذا حفظها بما تحفظ به أمثالها ولكنها تلفت بدون تعد فلا يضمنها، أما إذا تسبب وتعدى وفرط كما في هذه الصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله فإنه يضمنها.

    قال: [ وإن لم يحفظها في حرز مثلها ].

    أي: إذا لم يحفظها في حرز مثلها فإنه يضمنها، مثلاً: أعطاك سيارة، وتركتها في الشارع، وفي عرف بعض البلدان أنه في الليل يتركها في الشارع ولا يضمن، لكن لو قال له: أدخلها البيت فأنا لا آمن عليها ثم تساهل وتركها في الشارع، فقد خالف قول المودع، فإنه يضمنها في هذه الحالة.

    كذلك الدراهم تكون محفوظة في الصناديق والأقفال.

    قال: [ أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازه فيه ].

    يعني: وضعها في حرز أقل حفظاً من الحرز الذي أمره، في هذه الحالة يضمنها؛ لأنه خالف ما أمره به.

    قال: [ أو تصرف فيها لنفسه ].

    يعني: لو تصرف فيها لنفسه، مثلما يفعل بعض الناس حيث يتكلف ويأخذ الوديعة قرضاً، ثم يردها بعد ذلك، ولكن في هذه المرة لم يستطع أن يردها، أو ضاعت ولم يستطع أن يردها فإنه يضمنها؛ لأنه متعد.

    قال: [ أو خلطها بما لا تتميز منه ].

    يعني: إذا خلطها بشيء لا يمكن فصلها منه، أو اختلطت مع غيرها في أشياء مشابهة لها، فإنه يضمنها في هذه الحالة؛ لأنه متعد.

    قال: [ أو أخرجها لينفقها ثم ردها ].

    يعني: أخرج الأمانة وأنفقها وردها ثم بعد ذلك تلفت، فيضمنها في هذه الحالة؛ لأنه متعد.

    يعني: لما أخرجها صار ضامناً لها ولو لم ينفقها، فلو أنه كانت عنده وديعة لفلان دراهم، وقال: أنا أقترضها وأردها عليه، ثم بعد أن أخرجها قال: لا، هذا لا يحل، فأرجعها مرة ثانية فتلفت، فإنه يضمنها في هذه الحالة بمجرد إخراجها أول الأمر.

    قال: [ أو كسر ختم كيسها ].

    يعني: إذا كان عليها ختم أو كيس، فهتك الحرز؛ فإنه يضمنها لو تلفت.

    قال: [ أو جحدها ثم أقر بها ].

    يعني: لو قال صاحب الأمانة: أعطني الأمانة، فقال: ليس عندي لك شيء، ثم قال: عندي فإنه يضمنها في هذه الحالة؛ لأنه بجحودها صار متعدياً.

    قال: [ أو امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها ].

    يعني: إذا امتنع من ردها حين طلبها منه صاحبها وهو مستطيع، ثم تلفت يضمنها؛ لأنه يعتبر متعدياً لامتناعه.

    قال: [ وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه ].

    يعني: لو قال: ما أودعتني ثم قال: أودعتني لكنها تلفت، أو رددتها عليك، لا يقبل منه في هذه الحالة إلا ببينة؛ لأنه أنكر ثم اعترف وأقر.

    قال: [ وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل ].

    هذه الصورة تختلف عن التي قبلها، فلو قال: ما لك عندي شيء، ثم قال بعد يوم: نعم، ما لك عندي شيء؛ لأني رددت عليك الأمانة، فهذا يقبل، يعني: كان لك عندي شيء، لكن الآن ما لك عندي شيء؛ لأنها تالفة وهو لم يفرط، أو لأنه ردها عليه، كل هذا يقبل.

    حكم العارية والفرق بينها وبين الوديعة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير ].

    والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها، (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ من صفوان بن أمية أدراعاً يوم حنين، قال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة).

    فالعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها، هكذا شأن العارية إذا استعار إناءً أو سكيناً أو كتاباً لا بد أن يرده، فإذا تلفت العارية فهي مؤداة، يعني: لا بد أن يردها، أو يضمن ثمنها.

    والعارية غير الأمانة؛ لأن العارية إنما استعارها ليستفيد منها، فلو استعرت كتاباً لتستفيد منه ثم تلف تضمن، ولو استعرت قدراً لتطبخ فيه ثم تلف تضمنه، أما في الأمانة لو أعطاك شخص القدر وقال: احفظه عندك ثم تلف لا تضمن، لكن العارية أنت تستفيد منها.

    إذاً: مسألة العارية فيها خلاف بين أهل العلم، والمذهب أنه يضمنها مطلقاً؛ لأنه قبضها للانتفاع بها.

    القول الثاني: وهو الصحيح أن العارية لا تضمن إلا بالتعدي، ووجه الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بل عارية مضمونة) هذا من باب الشرط، والمسلمون على شروطهم، فإن اشترط عليه فإنه يضمن.

    وقال المحقق في الحاشية:

    والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم).

    وروى صفوان بن أمية رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة)، رواه أبو داود .

    فعلى القول الثاني أن العارية لا تضمن إلا إذا اشترط، كأن يقول: أنا أعطيك الكتاب لكن أشترط عليك إن تلف أن تضمنه، أو تعدى وهذه رواية أخرى عن الإمام أحمد قال الشيخ تقي الدين : هذا القول له وجه، لكن ما مشى عليه المؤلف هو المذهب وهو المشهور، والثاني: رواية عن الإمام أحمد تحتاج إلى مراجعة المغني وغيره وينظر في الأدلة والترجيحات.

    فإذاً: المسألة فيها روايتان: المذهب أنها مضمونة على كل حال؛ لأنه قبضها لمصلحة فتخالف الوديعة، والوديعة إنما وضعها المودع من أجل مصلحته هو، وأما المستعير فهو الذي ينتفع من العارية.

    ولحديث صفوان الذي ذكره.

    والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يضمنها إلا إذا تعدى أو فرط أو اشترط عليه ضمانها، وهذه الرواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والغالب أن اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختيارات موفقة، ولا يلزم أن يكون هذا في كل اختياراته رحمه الله، إذ من اختياراته رحمه الله في الحج أن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد، وهذا ليس عليه العمل الآن، وهو مرجوح.

    وفي مسألة وجوب العارية فإن شيخ الإسلام يقول بوجوبها وقوله قوي، قال تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] فالله تعالى ذم المشركين؛ لأن من أوصاف المشركين منع الماعون، فإذا كانت العارية لا تتلف ولا يحصل عليها ضرر وهو ليس بحاجة إليها، فليس له أن يمنعها، والقول بوجوبها قول قوي تدل عليه الآية الكريمة، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ لأن الله ذم المشركين.

    فلو طلبه السكين أو دلواً في بئر أو صحناً فينبغي بذله.

    1.   

    الأسئلة

    بيان مدة نحر الهدي وحكم من أخره عن وقته مع القدرة

    السؤال: ما هي آخر مدة لنحر الهدي في الحج؟ ومن تأخر عن النحر عن شهر ذي الحجة علماً بأنه قادر فماذا عليه؟

    الجواب: هدي التمتع والقران مدته أربعة أيام: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، هذه أيام نحر الهدايا والضحايا، وبعد ذلك فليس له أن يؤخره، لكنه لو أخره بعد ذلك فإنه يقضيه مع التوبة إذا كان يستطيع أن يقضيه.

    حكم تحلية الخناجر والسيوف بالذهب

    السؤال: ما حكم الخناجر التي يكون في مقبضها جنيهات ذهب للرجال، وهل عليها زكاة؟

    الجواب: العلماء ذكروا أنه لا ينبغي تحلية السيوف والخناجر إلا الشيء اليسير فيعفى عنه، لكن ينبغي أن تؤخذ الجنيهات وتزال منها، وفيها الزكاة بلا شك إذا حال عليها الحول وبلغت نصاباً، أو ضمها إلى نصاب عنده.

    وذكر العلماء من الحنابلة وغيرهم أن تحلية السيف بالذهب جائز إذا كان شيئاً يسيراً.

    حكم شراء كلب الصيد

    السؤال: هل يجوز شراء كل الصيد؟

    الجواب: لا، الكلاب ما لها قيمة، لا كلب الصيد ولا غيره.

    حكم استخدام الهاتف في الدوائر الحكومية

    السؤال: هل استخدام الهاتف في الدوائر الحكومية من اللقطة الحقيرة مثل السوط أو العصا أو أنه لا يجوز استخدامه جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الظاهر أنه لا يجوز؛ لأن هذا مخصص للعمل.

    حكم شحن الهاتف الجوال في مكان العمل

    السؤال: هل يجوز شحن الهاتف الجوال في مكان العمل؟

    الجواب: قد يقال: إن هذا شيء يسير ويتسامح فيه إن لم يكن يشغله عن العمل ولم يكلف، أما إذا كان يشغله عن العمل أو أنه إذا شحنه يكلف فلا.

    حكم إقامة دروس قصيرة أثناء العمل

    السؤال: ما حكم إقامة دروس قصيرة أثناء العمل؟

    الجواب: لا بد من الإذن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756165316