إسلام ويب

الجواب ما تراه لا ما تسمعهللشيخ : عبد الرحمن صالح المحمود

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تواجه الأمة الإسلامية محناً كثيرة على كافة المستويات، ففي بقاع كثيرة سلبت أرضها، وقتل رجالها، ويتم أطفالها، وانتهكت أعراضها، ومن جهة أخرى هناك تسلط فكري من قبل الأعداء على هذه الأمة، وما نرى من فتن ومغريات ما هو إلا صورة من صور هذا الغزو الفكري الماكر.. وأمام هذا كله ليس هناك حل أنجع من الحل العملي والجواب الفعلي، فلن تنفع الكلمات ولا المقالات إلا إذا تبعها العمل بشتى صوره وأساليبه.

    1.   

    الحرب الموجهة على الإسلام والمسلمين

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فهذا الدرس هو بعنوان: (الجواب ما تراه لا ما تسمعه)، وهذا العنوان له قصة، ولكن قبل أن أسوقها أقول: إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد أمرين: أحدهما: أن الإسلام الذي أكرمنا الله تبارك وتعالى به وأنعم به علينا أعظم نعمة هو دين الله الحق الباقي الذي لا يقبل من أحد ديناً سواه بعد بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ترتفع رايته اليوم في مشارق الأرض ومغاربها على رغم أنف أعداء الدين كلهم. ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا وبشرنا بأن هذا الدين سيبقى إلى آخر الزمان، وسينتشر في الأرض حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار، فلا يبقى بيت وبر -شعر- ولا مدر -طين- إلا دخله هذا الدين العظيم بعز عزيز أو بذل ذليل. وهذه حقيقة كبرى نلمسها ونعلمها ونوقن بها، ونحمد الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، نحمده -وهو للحمد أهل- ونشكره تبارك وتعالى على أن مَنَّ علينا بنعمة الإسلام فأصبحنا مسلمين، لسنا يهوداً ولا نصارى ولا وثنيين، بل حنفاء مسلمون لله تبارك وتعالى، وتلك نعمة لا يمكن لأحد أن يعرف قدرها وعظمتها. أما الأمر الثاني فهو أنه في مقابل ذلك -أعني في مقابل ما عرفناه من أن دين الله الإسلام هو الدين الحق- أننا نرى حرباً موجهة إلينا نحن -المسلمين- وموجهة إلى ديننا العظيم بشتى أنواع الوسائل، فقد استخدم فيها أعداء الله وأذنابهم كل ما يملكون من قوى ووسائل إعلامية وغير إعلامية لحرب المسلمين وصدهم عن دين الله تبارك وتعالى، وهذا أمر لا أظن أحداً منا يشك فيه. فهي حرب عقدية بمختلف وسائل الإعلام، وأخص منها تلك الوسائل التي تأتي من فوق من خلال الذبذبات والأطباق لتدخل قعر بيوت المسلمين المؤمنين لتشككهم في دينهم وعقيدتهم. وهي أيضاً حرب أخلاقية مركزة على شباب المسلمين وعلى المرأة المسلمة وعلى الأسرة المسلمة وعلى الطفل المسلم، حرب تريد أن تغير في نفوسنا معالم ما أكرمنا الله به من الإيمان والغيرة على دين الله والغيرة على محارم الله تبارك وتعالى، حرب تريد أن تنزع من نفوسنا وقلوبنا هذه الغيرة، فنرى المنكر وربما يقع فيه بعضنا ولا تتحرك فيه هذه الغيرة؛ لأن تلك الوسائل صارت تدق كل ليلة على وتر الفساد الأخلاقي والعري والرقص والغناء ومختلف وسائل الإفساد، ليخرج في النهاية شباب أو مجتمع نزعت منه الغيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يغار)، وهو أيضاً صلى الله عليه وسلم يغار، والمؤمن أيضاً يغار على محارم الله حين تنتهك. وهي أيضاً فوق كونها عقدية وأخلاقية هي حرب فكرية متنوعة موجهة إلى مختلف أصناف المجتمع، يريدون منا أن نتخلى عن ديننا وننحرف عنه ولو شيئاً فشيئاً، وأعداء الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يكلوا ولا أن يتركوا ما هم فيه من كيد لدين الله تبارك وتعالى؛ لأن الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية، بل ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا [الأنعام:112]، فالنبي الموحى إليه من عند الله جعل الله له عدواً؛ لأن الصراع بين الحق والباطل لا بد منه، ومن هنا فنحن لا ننتظر ولن ننتظر من أعدائنا في الشرق والغرب ومن أذنابهم من العلمانيين والحداثيين وغيرهم، لن ننتظر منهم إلا أن يسلكوا هذا المسلك الذي سلكوه، وهو أن يستغلوا ما أوتوا من قوى وقدر لحرب الإسلام وصرف المسلمين عن دينهم، ونحن لا ننتظر غير ذلك. لكن يبقى السؤال الكبير: كيف نقف أمام هذه الحرب المتنوعة مع علمنا بالحقيقة الأولى، وهي أن دين الإسلام حق وباق ومنصور ومن تمسك به فهو الغالب؟ كيف نواجه هذه الحرب المتنوعة؟

    1.   

    مواجهة الحرب على الإسلام

    لا يشترط في مواجهة أعدائنا أن نكون على مثل قوتهم

    إن مواجهة هذه الحرب المتنوعة تحتاج منا إلى أمور، وحتى لا يتشعب بنا الكلام فأحب أن نركز على أمرين: أما الأول منهما فهو أن نعلم أنه ليس من شرط انتصارنا على أعدائنا وعلى حربهم الفكرية والعقدية وغيرها ليس من شرط ذلك أن نكون مثلهم في القوة، فلا ينبغي لقائل من المسلمين أو الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن يقول: إننا لن ننتصر على أعداء الله في الشرق والغرب حتى نكون مخترعين للأطباق والصواريخ والكمبيوتر وغيرها، لنكون مثل العدو، حتى نحاربهم بمثل ما هم يفعلون. نحن لا ننتظر هذا، ولم نكلف بهذا، وهذا من رحمة الله بنا. أتدري ما الذي كلفنا به؟! لم نكلف بأن نكون مثل عدونا في القوة، يقول تبارك وتعالى للمؤمنين: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]. فالمطلوب من المسلمين أن يعدوا ما استطاعوا، ولو كانت مقدرتهم العَددية والعُديَّة محدودة، فالواجب عليهم مع الإيمان والإخلاص أن يعدوا ويأخذوا بالأسباب المادية بما استطاعوا فقط، ونحن نعلم أنه في تاريخ المسلمين منذ عهد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما رأينا مواجهة بين المسلمين وأعدائهم كان المسلمون فيها مثل عدوهم أو أكثر، بل كل معاركهم -تقريباً- كان المشركون فيها أكثر من المسلمين أضعافاً مضاعفة، وكانت نتائج ذلك كله -تقريباً- أن الله ينصر عباده المؤمنين . إذاً ونحن نشاهد هذه الوسائل ينبغي أن لا نيأس، ينبغي أن لا يصيبنا رعب من هذه الوسائل لنعلن أن العدو مسيطر، ولم يبق لنا إلا أن نستسلم له. نقول: لا وألف لا! نحن مسلمون أكرمنا الله بالإسلام، فإذا توكلنا عليه واعتصمنا به وأخذنا بالأسباب ولو كانت قليلة؛ فإن الله تبارك وتعالى ناصرنا وراد عنا كيد الكائدين، والله تبارك وتعالى يقول -ومن أصدق منه قيلاً وحديثاً-: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، ويقول سبحانه وتعال موجباًعلى نفسه شيئاً لا يجب عليه لكنه أوجبه على نفسه: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]. فنحن إذا تمسكنا بديننا وأخذنا بما استطعنا من وسائل في الدعوة إلى الله، في رد كيد الكائدين، وفي تبصير الناس بدينهم، وفي مقاومة هذا الغزو الفكري والأخلاقي، وفي مقاومة العدو بمختلف الوسائل، متى ما أخذنا نحن -المسلمين- بهذه الوسائل مع اعتمادنا وإخلاصنا وتوكلنا على ربنا سبحانه وتعالى فلنعلم أن سنة أن الله ينصر عباده المؤمنين ولو كانوا أقل عدداً وعدة.

    الجواب العملي على أعداء الإسلام

    الأمر الثاني: ينبغي أن يكون جوابناً عملياً لا نظرياً. وقد عنونت للموضوع بعنوان: (الجواب ما تراه لا ما تسمعه)؛ لأن هذا هو الذي عرفناه من تاريخ الإسلام، وهذه العبارة قالها أحد خلفاء بني العباس، وهو هارون الرشيد . وقد شوه المستشرقون والمبشرون وأذنابهم كـجورجي زيدان وغيره تاريخ هذا الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً. هذا الخليفة أرسل إليه أحد ملوك الروم -واسمه نقفور - أرسل إليه خطاباً يتوعده فيه، ويقول له: إنك فعلت وفعلت، وكان قبلي من هو ضعيف، أما وقد أتيت فسأفعل وأفعل وأفعل. يهدد المسلمين ويهدد الخليفة العباسي هارون الرشيد ويتوعده. فماذا فعل هارون الرشيد ؟ هل قابل هذا الهجوم بما نسمعه اليوم من صراخ وهجوم إعلامي كما نسمعه في قضية فلسطين؟ اليهود يخططون ويفعلون، ونحن إذا تكلمنا تكلمنا بصراخ ليس وراءه شيء. أخذ هارون الرشيد الخطاب، ومن باب الاستهتار بصاحبه كتب على ظهره -لأنه لو كان مكرماً لحفظ الخطاب عنده وكتب له خطاباً جديداً- كتب على ظهره عبارة مختصرة يقول له فيها: من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما تراه لا ما تسمعه. وكان الجواب تطبيقاً عملياً لهذه الرسالة؛ بأن سير في يومه ذاك جيشاً لجباً انطلق من موطن الخلافة العباسية إلى بلاد الروم، فأدب نقفور ومن وراءه. إذاً جواب هارون الرشيد هو الجواب العملي. وأمام هذه الحرب الموجهة إلينا نحن -المسلمين- والمركزة في كثير من فنونها علينا نحن -الشباب- وعلى المرأة المسلمة نقول: ما الذي ينبغي أن يكون عليه جوابنا؟ إن الذي يجب أن يكون عليه جواب الشباب المسلم -بل وكل المسلمين- هو الجواب العملي، أن يقول المسلم فيه بلسان الحال لا بلسان المقال: يا أعداء الله! أنتم تحاربونني بكل الوسائل، فجوابي جواب عملي سأزداد فيه التزاماً، جوابي جواب عملي سأزداد فيه ثقة بديني وعقيدتي، جوابي فيه جواب عملي سأحرص على الصلاة ولن أتخلف عنها أبداً، جوابي فيه جواب عملي أتعلم فيه أمور ديني لأنه أعظم دين، جوابي فيه جواب عملي ألتقي فيه بإخواني من الشباب الطيب لنتآخى ونتآزر على الاستقامة والسير على المنهج الصحيح، جوابي جواب عملي أبتعد فيه عما حرم الله علي، تحاربونني بهذه الوسائل والأطباق! جوابي أنني أقاطعها عملياً، لا أكتفي فيها بالقيل والقال، وإن كنت أقول وأتكلم وأعظ الناس وأبين لهم، لكن واقع حالي هو أن جوابي هو الجواب العملي، أقاطع هذه الوسائل، أقاطع هذه الحرب الشعواء لألتف على نفسي وديني وعقيدتي وصلاتي وأخلاقي وإخواني المسلمين من الشباب الطيب. فليكن الجواب جواباً عملياً، ليقل الواحد منا وهو يرى هذه الحرب الشعواء المتنوعة علينا نحن -المسلمين- ليقل فيها: جوابي لكم هو ما ترونه لا ما تسمعونه، انظروا إلى تجدوني شاباً ملتزماً، انظروا إلي تجدوني في المساجد أحافظ على الصلاة، انظروا إلي تجدوني معرضاً عن تلك المجتمعات والأسواق التي تعج بالمفسدين، انظروا إلي أحارب هذه الأطباق وهذه الوسائل الإعلامية المفسدة، جوابي عملي بأنني واثق بديني، واثق بربي، واثق بمنهاجي، أرجو فيه ثواب الله، أرجو بذلك السعادة والطمأنينة في الدنيا والفوز بجنات عرضها السماوات والأرض عند رب العالمين، وليس بيني وبين ذلك إلا أن تنتهي هذه الدنيا الدنية القصيرة لأرجع إلى ربي سبحانه وتعالى وما أعد لعباده المؤمنين مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. أرأيت كيف ينبغي أن يكون جوابنا نحن -المسلمين وأخص منهم الشباب- جواباً عملياً، يقول فيه لكل داعية إلى الفساد: الجواب ما تراه لا ما تسمعه، لن أقول كلاماً كثيراً، وإنما سأعمل كثيراً، سترى من حالي وشكلي، سترى من عباداتي وأعمالي، سترى من تصرفاتي وأخلاقي ما يدل على جوابي العملي. ليكن الشاب المسلم وهو يسير في هذه الحياة شاباً يجيب أعداء الله وهم في أقصى مشرق الدنيا ومغربها، ويقول لهم: حاربوني بكل ما شئتم، حاربوني بكل الوسائل التي أعطيتم إياها، فوالله لن تجدوا مني إلا جواباً واحداً حقاً، هو أنني كلما حاربتموني ازددت تمسكاً وثباتاًعلى ديني. وهذا الجواب نفسه ينبغي أن تقوله المرأة المسلمة، حين يوجه الهجوم على حجابها وعلى عفافها، وتتنوع الوسائل التي تريد أن تنزع المرأة من عفتها وحشمتها وبيتها، لتخرج مقلدةً أهل الشرق والغرب من الكفار، ليكن جواب المرأة المسلمة وهي أم وزوجة وأخت هو: يا أيها المحاربون للمرأة المسلمة! يا أيها المدعون لتحريرها وهم كاذبون! يا أيها المنوعون لوسائل حربهم! الجواب ما ترونه لا ما تسمعونه، حاربوني في كل وسائل الإعلام، سيكون جوابي عملياً، زيادة في حجابي، زيادة في استقراري ببيتي، زيادة في توكلي على ربي وعبادتي لربي، زيادة في دعوتي إلى الله لأخوات مسلمات أدعوهن للتمسك بدين الله تبارك وتعالى، زيادة في بعدي عن كل بهرج وكل وسيلة تريد أن تفسدني، زيادة في كل عمل صالح يقربني إلى ربي تبارك وتعالى. وليكن عنوان جوابها هو: (الجواب ما ترونه لا ما تسمعونه).

    1.   

    حاجتنا إلى الجواب العملي

    نحن بحاجة ماسة إلى هذا الجواب العملي، فهذا الجواب العملي هو الذي يضفي على القلب وعلى الجسم نور الإيمان ونور العمل الصالح والتقوى والاستقامة ونور البصيرة وانشراح الصدر. فإن كل من سلك مسلكاً من مسالك الباطل فلا بد أن تغيم عليه وتخيم على قلبه قسوة القلب وظلمته ووحشته، وهذا لا شك فيه أبداً؛ لأن المعاصي لها ظلمة على القلب، حتى لو رأيت صاحبها يضحك ويقهقه وكأنه مسرور، فلا والله، إنه يضحك ويريد أن يضحك لشدة ما يجده في داخل قلبه من ظلمة ووحشة. وفي مقابل ذلك تجد الشاب المؤمن وهو يجاهد نفسه ويجاهد شهواته ويجتهد في طاعة ربه قوي الإيمان منشرح الصدر؛ لأن الله تبارك وتعال قد وعد من التجأ إليه وتوكل عليه وعمل بطاعته أنه لا يشقى في الدنيا ولا في الآخرة. وتصور وعداً ربانياً لإنسان لا يشقى في الدنيا والآخرة. من هو؟ إنه الشاب الملتزم، إنه الرجل الملتزم. وإذا تركت ليلة دعاك إليها صديق السوء لتسمر وذهبت إلى الطيبين، أو نمت على خير وصليت صلاة الفجر فاعلم -أيها الشاب المسلم- أنك -والله- قد نلت فوزاً عظيماً، وأن رحلة أولئك إلى موطن الفساد لن يزيدهم إلا فساداً ووحشة وضلالاً وانحرافاً وتعقيداً في حياتهم. وهذه سنة الله تبارك وتعالى، أن من أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكاً، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124] -يعني في الدنيا- وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]. السعادة هي أن نكون مؤمنين وأن نكون شجعاناً في الثبات على الحق. ولتكن هذه الكلمة عنواناً لحياة الشاب المسلم، بأن يقول: يا أعداء الله! يا من تحاربوننا بكل الوسائل! الجواب هو ما ترونه لا ما تسمعونه ستجدون مني التزاماً وطاعة؛ لأن هذا هو الذي يريحني، وهو الذي يسعدني، وهو الذي يرضيني، وهو الذي يرضي ربي في الدنيا والآخرة، ونعمت التجارة الرابحة بين العبد وبين ربه.

    1.   

    نماذج يتبين بها بعد ما بين ظلمة العصيان ونور الإيمان

    أبو سفيان بن الحارث

    دعني أضرب لك مثلين فيما يتعلق بظلمة البعد عن الله ونور الإيمان، أحدهما قديم، والآخر حديث صاحبه معاصر وموجود في مدينتنا، أما المثال القديم فهو في زمن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما بدأ دعوته استجاب له القلة وحاربه الكثرة، وكان ممن حاربه بعض أقاربه، وعلى رأسهم الهالك الممقوت الموصوف بالقرآن أبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5]. وكان أيضاً ممن حارب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قرابته ابن عمه أبو سفيان بن الحارث ، وهو غير أبي سفيان بن حرب والد معاوية بن أبي سفيان، بل هو شخص آخر اسمه أبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الرجل أبو سفيان بن الحارث كان رجلاً له مكانة في قومه شريفاً نسيباً، وكان شاعراً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاداه، وصار يقول الشعر في عداوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وامتدت عداوته طول العهد المكي، حتى بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعد غزوة بدر وأحد والخندق، واستمر على ذلك حتى جاء صلح الحديبية، ثم نقضت قريش الصلح في قصة معروفة، فجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى مكة فاتحاً، فكان مما أعلنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مقبل على مكة أن فلاناً وفلاناً لا عهد لهم، اقتلوا فلاناً ولو وجدتموه متعلقاً بأستار الكعبة؛ لأنه رجل حرب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يقبل منه شرط ولا عهد، فقال في حق بعضهم: (إذا وجدتموه فاقتلوه ولو وجدتموه متعلقاً بأستار الكعبة)، فكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دمه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث ، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مكة ضاقت بـأبي سفيان هذا الدنيا من أولها إلى آخرها، فماذا يصنع؟ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقبل على مكة بجيش عرمرم، وقريش مستسلمة ترى أنها لا تستطيع لذلك مقاومة، فماذا يصنع؟ أظلمت عليه الدنيا، وصار ما كان يفعله في السابق من تبجح ومفخرة في قريش وقيادة لحرب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه من المسلمين صارت هذه أحلاماً مزعجة؛ لأنه ينتظر العقوبة، فقيل له: يا أبا سفيان لو أنك أتيت إلى محمد بن عبد الله؛ فإنه رجل يقبل من أتاه تائباً! ففكر في الأمر هل يهرب؟ هل يذهب يميناً أو شمالاً؟ فلم يجد له مجالاً إلا أن يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن كيف يأتيه والرسول قد أهدر دمه؟ كل من يراه من المسلمين سيقتله. فلما قرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة ذهب وأخذ معه ولداً له صغيراً عمره قرابة سبع سنوات، لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرق له إذا رأى الطفل الصغير، فأخذ معه ولده الصغير، وذهب ليلقى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان مخفياً نفسه حتى لا يرى، فأتى إلى العباس ، فأخذه العباس حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مع أصحابه، فقيل له: يا رسول الله! هذا ابن عمك أبو سفيان فاقبله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من شدة الغضب. ويا له من موقف! ووالله إن موقف العاصي حين يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى لهو أشد ذلاً من هذا الموقف. ذلك الذي سرح ومرح في معاصي الله يضحك ويلهو لا بد له من الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [القلم:43]، كل واحد منهم قد رفع بصره إلى السماء في موقف الحساب لا يدري ماذا يؤمر به، حتى إن كثيراً من أهل المحشر -بل كل أهل المحشر- يصابون بالفزع الشديد حين تزفر جهنم، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه خوفاً. أقول: انظر إلى ذل أبي سفيان بن الحارث وهو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم! فلما أعرض عنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أظلمت عليه الدنيا من أولها إلى آخرها، وقال: والله لئن لم يقبلني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأخرجن أنا وولدي هذا إلى البرية حتى نهلك ونموت عطشاً. ضاقت عليه الدنيا من أولها إلى آخرها، لكن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي وصفه الله بقوله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، ففيه رحمة من رحمة ربه سبحانه وتعالى. رحمه لما قال هذا الكلام وقبله، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وصار من كبار المسلمين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم في سائر المعارك كلها، ومنها معركة حنين، فرضي الله عنه وأرضاه. ولأنه شاعر فقد سطر تجربته في أبيات من الشعر كان ينشدها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتأمل قوله رضي الله عنه وأرضاه وهو يحكي تاريخه الجاهل وما أكرمه الله به من الإيمان ونور الإسلام، يقول أبو سفيان بن الحارث رضي الله عنه: لعمرك إني يوم أحمل رايةً لتغلب خيلُ اللات خيلَ محمد لكالمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدى فأهتدي تصور إنساناً مدلجاً مسافراً في الليل لا أحد حوله ولا عن يمينه ولا عن شماله ثم أظلم عليه الليل! يقول: لكالمدلج الحيران أظلم ليلة فهذا أواني حين أهدى فأهتدي أتاني هادٍ غير نفسي فدلني إلى الله من طردت كل مطرد من هو الذي طرده كل مطرد؟ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي طرده كل مطرد هو الذي هداه الله بسببه، تقول بعض الروايات: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا سمع البيت الأخير الذي يقول فيه: أتاني هادٍ غير نفسي فدلني إلى الله من طردت كل مطرد يضرب على كتف أبي سفيان بن الحارث ويقول له: (أنت الذي طردتني كل مطرد) يعني: قد أبدلك الله تبارك وتعالى بذلك هداية وإسلاماً. هذه صورة لإنسان ظن أنه في يوم من الأيام في القمة، وإذا به يجد الظلمة وليس له نور إلا نور الإسلام والاستقامة على منهاج الله تبارك وتعالى، ومن ثم شارك بعد ذلك في الجهاد حتى مات في سبيل الله رضي الله عنه وأرضاه. فهذا مثال.

    المغني الصومالي الذي تاب إلى الله

    أما المثال الآخر فهو لشخص معاصر لنا يعيش الآن في مدينة الرياض، وهو من بلد الصومال، كان هذا الرجل مطرباً مغنياً في بلد الصومال، وبلغ في الطرب والغناء شأواً بعيداً، حتى إنه كان يقيم حفلات لرئيس الصومال السابق زياد بري وأولاده ووزرائه، وصار مطرباً مشهوراً على مستوى الصومال من أوله إلى آخره، وكان يقيم الاحتفالات بأغلى الأثمان، فأصبح من الشباب الذين اجتمع لهم الجاه والشهرة والمال والعلاقات مع كبار القوم، واستمر على ذلك ردحاً من الزمان، لكن هل وجد في هذه الأشياء الراحة والسعادة؟ كان بداية أمره أن تزوج، وكان نساء الصومال من أولهن إلى آخرهن يتمنين هذا الشاب للصوت الجميل، والمطرب المؤثر على مستوى الدولة تتمنى كل واحدة أن يكون زوجها، لكنه تزوج من إحدى قريباته، يقول: فلما تزوجت كنت أظن أن هذه الفتاة التي تزوجت بها ستكون أسعد الناس. يقول: وتم الزواج، ثم بعد ذلك كنت أذهب لأحيي بعض الحفلات، ثم بعد أن أكون نلت الشهرة والمال والتصفيق أرجع إلى عروسي وإلى بيتي لأنعم معها بذلك الرضا وتلك الشهرة، يقول: فكنت إذا أقبلت عليها أنتظر منها أن تستقبلني بما أنا أهله وبفرح؛ لأنني أوقن أن كل فتاة تتمنى أن يكون هذا الشاب زوجاً لها، نعم هي تستقبلني استقبالاً طيباً، ولكنني لا أجد فيها الفرح الذي أظن أنني أعطيتها إياه بهذه الشهرة والمكانة والمال ونحو ذلك، يقول: وشيئاً فشيئاً إذا بي أحس أنها غير مرتاحة، وليست غير مرتاحة لسبب سوى سبب واحد، وهي أنها غير مرتاحة لهذا الأمر، فلم تزل به شيئاً فشيئاً حتى تاب إلى الله تبارك وتعالى، وترك الشهرة والمال والجاه والطرب. فقد يكون الواحد منا ليس عنده جاه ولا عنده مال، فيقول: من أنا؟! سيان التزمت أو لم ألتزم! نقول: أنت الرابح على كل حال. ولكن قد يوجد نموذج مثل هذا، اجتمعت له القمة التي يسعى إليها بعض الناس فيبيع لأجلها دينه ليرقى إلى الشهرة، أو يرقى إلى المال، أو يرقى إلى الجاه، ولكن هذا النموذج يبيع هذه كلها في سبيل الله تبارك وتعالى. إذاً هو نموذج يقصر عليك الطريق يا أيها الشاب، يا من لك طموحات، قد تنظر إلى لاعب بلغت شهرته الآفاق، أو مغن يحضر حفله الألوف، أو رجل مشهور تتحدث عنه الصحف ووسائل الإعلام، فتقول: ما أحسن هذه الشهرة! نقول لك: يا أيها الشاب المتبصر! تمعن في الأمر، هل هذا الذي اشتهر به يقربه إلى الله؟ هذا هو المقياس الحقيقي، فاختصر الطريق، وخذ العبر والدروس من هذه الحياة، وانظر إلى غيرك، واعرف ما هي الأشياء التي تجلب السعادة الحقيقية، وما هي الأشياء التي تجلب الشقاء وغضب الجبار جل جلاله، ولتكن صاحب عين وبصيرة. هذا الشاب تاب إلى الله وترك الجهل، حاولوا معه حتى قبل أن يجري على الصومال ما جرى، ولكنه ترك ذلك، ثم قدم إلى هذه البلاد المباركة ليعيش فيها عيشة هنية، وهو في الرياض اليوم، ومعه خمسة أولاد أربع بنات وابن واحد، ويسكن في بيت صغير. والرجل فقير كما أعلم من حاله، لكنه يقول لي بالحرف الواحد: والله إني -والحمد لله- في سعادة ليس فيها أحد، اثنان من أولادي حفظا القرآن الكريم كاملاً، وثلاثة منهم الآن في طريقهم إلى حفظه. ومع ذلك فإن عليه ضغوطاً نفسيةً، يقول: أحياناً يأتيني الشيطان فيذكرني بما كان لي من جاه. الشيطان حريص على كل إنسان، وخاصة مثل هذا؛ لأن الشيطان يجد لديه تاريخاً يحييه، فالشيطان يحاول أن يحيي لأصحاب المعاصي تاريخهم، فهو يوسوس للشاب الذي تاب إلى الله، ويقول له: تذكر السهرة الفلانية، تذكر كذا، تذكر كذا. فلابد أن يتغلب الشاب على هذه الوسوسة ويصرفها بسرعة ويتقي الله سبحانه وتعالى ويعود إلى ربه ويبادر إلى العمل الصالح، لا أن ينساق مع الوسوسة من شياطين الإنس وشياطين الجن. يقول لي هذا الرجل: فأحياناً تأتيني الوسوسة تذكرني بالمال وأنني الآن فقير، تذكرني بالجاه حين كان رئيس الجمهورية وأولاده يتصلون بي. مَنْ مِنَ الناس يتصل به؟ رئيس الجمهورية وأولاده والوزراء وغيرهم! يقول: فكلما كثرت الوساوس أذهب لأقرأ قصة مصعب بن عمير . ونحن نعرف قصة مصعب بن عمير ، ذلك الشاب الذي كان أنعم شباب مكة، فلما أسلم حرمته أمه وأهله المال، فصار فقيراً جداً، وكان أول داعية إلى الله في المدينة النبوية، واستشهد رضي الله عنه وأرضاه، فلما استشهد لم يجدوا له كفناً إلا بردة قصيرة إذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد وقف أمامه: (لقد رأيتك بمكة وما بها أحدٌ أرق حلةً ولا أحسن لمةً منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة)، ثم أمر به أن يقبر، وأمر بأن يغطى بها رأسه وأن يوضع على رجليه من الإذخر. يقول هذا الرجل -أسأل الله أن يثبتني وإياكم وإياه-: إذا جاءتني الوساوس ذهبت إلى قصة مصعب بن عمير فتذهب عني الوساوس. مصعب بن عمير ترك الدنيا من أولها إلى آخرها، لكن بقي له أنه صحابي جليل، أنه الداعية الأول إلى المدينة، أنه الشهيد في سبيل الله الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن انظر إلى أهل الفساد في الأرض بعد أن انتهت الشهرة وانتهى المال وغيره، ماذا بقي لهم؟ لم يبق لهم إلا التاريخ الأسود والذنوب والأوزار؛ لأنه إذا عمل ذنباً انتشر هذا الذنب، فعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة؛ فإن المطرب أو المغني يأتي بكلمات مبتذلة فيها دعوة إلى الفحش والتفحش، ثم بعد ذلك تحفظ هذه الأغنية، فكل من تأثر به وضل فعليه وزره إلى يوم القيامة. إذاً ينبغي أن يكون جوابناً ونحن نواجه هذه التحديات المتنوعة -وعلى رأسها التحديات الفكرية والعقدية والأخلاقية الموجهة إلينا نحن الشباب- ينبغي أن يكون جوابنا هو أن نقول لهم: (الجواب ما تراه لا ما تسمعه)، وقد عرفت تفاصيل هذه الكلمة وأنها الجواب العملي الذي يجيب به الملتزم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم إدخال الدش من أجل وجود قنوات دينية أو برامج نافعة

    السؤال: هناك بعض القنوات الدينية التي تعرض في الدش، وهي لا تخرج عن البث، فهل يخرج الدش بالكامل أم يستفاد من بعض القنوات؟ الجواب: أولاً ينبغي أن نعلم أن هناك قاعدة شرعية معروفة عند العلماء ومعروفة أيضاً لدى كثير من الناس، وهي أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فالآلة التي فيها مفاسد متنوعة ولو كان فيها مصلحة واحدة فدفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فإذا كان الدش فيه عدد من القنوات المفسدة، ثم فيه برنامج أو قناة قد يكون فيها خير، نقول: ينبغي دفع المفسدة. وكثير من الناس قد يدخل من خلال هذا الكلام الذي ورد في السؤال مدخلاً شيطانياً، فيقول: أدخل هذه الآلة من أجل أن تسمع أو ترى هذا الشيء الجيد. ثم بعد ذلك ينظر إليه مرة وينظر إلى ما بجانبه ثانية وثالثة، كما قال بعضهم: البصر يخطف مرة من هنا ومرة من هنا. حتى يجد نفسه منساقاً إلى الأمور الأخرى، وهذه قالها من جربها، أليس كذلك؟! هذه قضية. القضية الأخرى: هذه الدشوش والوسائل المفسدة إذا جاء أحد ليخفف من إفسادها بشيء ليس فيه انحراف ولا بدعة فنقول: جزاك الله خيراً، لكن أنا وأنت والثاني والثالث ليس لنا ذلك، قال تعالى: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، فما نأتي ونقعد عند الدش أمام الأولاد والبنات والأسرة، ثم نقول: لأننا سمعنا في يوم من الأيام أو في محطة من المحطات كلاماً جميلاً. هذا لا يمكن، ولذلك أنا أقول: ينبغي أن تكون هناك بدائل، لكن بشرط أن تكون هذه البدائل منضبطة شرعية.

    دفع الله عن عباده المؤمنين

    السؤال: ذكر ابن القيم في الجواب الكافي ما نصه: وتولى سبحانه الدفع والدفاع عنه بنفسه، وقال: أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] ما المقصود بالنفس؟ الجواب: ابن القيم يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى يدافع عن العبد المؤمن بنفسه هو سبحانه وتعالى، فالله هو الذي يدافع، كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، لكن دفاع الله عن المؤمنين إنما يكون بما يهيئه الله سبحانه وتعالى من الأسباب، وأولها قوة القلب وطمأنينته وبغضه للمعاصي، وهذا من أعظم الدفاع، فإذا وفقك الله تبارك وتعالى لأن يكون قلبك قلباً حياً مستيقظاً مراقباً لله سبحانه وتعالى فهذا من أعظم ما من الله به عليك من الدفاع، ومنها أن يهيئ الله لك الناس الصالحين ليعينوك على طاعة الله، ومنها أن الله يرد كيد العدو، فكم من عدو يأتي إليك -يا عبد الله- ليكيدك، فالله سبحانه وتعالى يوقفه ويرد كيده عنك، فالله سبحانه وتعالى يرد كيد الكائدين لمن اتقى الله سبحانه وتعالى وعمل بالطاعات وابتعد عن المعاصي، كما بين ذلك ابن القيم في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).

    تأثير الذنوب على التوبة

    السؤال: هل الذنب يؤثر على التوبة أم لا؟ الجواب: الذنب لا شك أنه يبعد عن الله ويقرب إلى الشيطان، لكن بالنسبة للتوبة فالتوبة لا تنقطع، والإنسان مهما كان مادام في هذه الحياة فتوبته مقبولة، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]. حتى الشرك بالله إذا تاب منه العبد قبل الموت فالله يتوب عليه، لكن إذا مات على الشرك لم يقبل منه عمل، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فالتوبة مفتوحة ما لم تأت الغرغرة أو تطلع الشمس من مغربها إذا أتى بها العبد بشروطها، لذلك فنحن نقول: إذا أذنب الإنسان ذنباً فينبغي له أن يحذر الشيطان الذي يغويه؛ لأن الشيطان يقول للمذنب: أنت ليس لك توبة. بل قد يقول له: أنت لا تصلح للتوبة. وهذه من إغواءات الشيطان، فيجب عليك أن تبادر إلى التوبة، والله سبحانه وتعالى يفرح بتوبتك فرحاً عظيماً، كما ثبت في ذلك الحديث الصحيح عن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

    تكرار الذنب بعد التوبة

    السؤال: هل الذي يكرر الذنب يكون قد خلط عملاً سيئاً وآخر صالحاً؟ الجواب: لا شك أن تكرار الذنب ليس بطيب، لكن عليه أن يبادر بالتوبة، لكن الذي نوصيه به هو أن الإنسان إذا تاب إلى الله فعليه أن يعمل بدواعي التوبة، فلا بد -حتى يحقق شرط الإقلاع من الذنب- من أن يقلع عن وسائل ومجالس الذنوب، أليس من شروط التوبة الإقلاع؟! الإقلاع ليس كلاماً تقوله، لا يكفي أن تقول: أقلعت. وإنما يجب أن يكون عملياً، والإقلاع العملي يكون بترك الذنب نفسه وبترك وسائله، ولهذا قال تعالى: لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21]؛ لأن خطوات الشيطان تدعو إلى المعاصي، كذلك أيضاً ينبغي للتائب أن يبتعد عن المجالس، فالإنسان إذا تاب من ذنب من الذنوب كان قد اجتمع عليه مع غيره فليعتزل هذا الاجتماع، وهذه العصبة أشد عليه من عدو معه رمح يريد أن يطعنه به، فلا بد من الإقلاع والبعد، كذلك أيضاً من شروط التوبة العزم على أن لا يعود، ومن وسائل العزم على أن لا يعود أن يجدد طاعة، وأن يحرص على لقاء الطيبين بأن يستبدل بتلك المجالس السيئة مجالس طيبة، فلابد من المجاهدة. والتوبة إلى الله لو كانت كلمة يقولها الإنسان لكانت أسهل شيء، ولكنا نذنب في اليوم مئة ذنب ونتوب وينتهي الموضوع، لكنها ليست كذلك، التوبة تحتاج إلى مجاهدة، لكن فيها مسرة وراحة نفس وطمأنينة قلب؛ لأن الله يفرح بعبده، وتصور أن الله فوق سبع سماوات يفرح بك. إذا تبت إلى الله فعليك أن تعمل بالوسائل التي تعينك على هذه التوبة، نسأل الله أن يرزقني وإياكم التوبة النصوح .

    حكم النوم داخل القبور بقصد تليين القلوب

    السؤال: هناك من الشباب الملتزم من يذهبون إلى المقابر ويقومون بالنوم داخل القبور ليلاً بهدف تليين القلوب، فما حكم فعلهم هذا؟ الجواب: هذا لم يرد عن السلف، وليس هناك داع لمثل هذا، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يذهب ليزور القبور ويرى المقابر، أما نومه هذا فغير مشروع.

    حكم من ألزم نفسه بأداء ركعتين يومياً بنية التوبة

    السؤال: رجل كلف نفسه ركعتين يومياً بنية التوبة من الذنوب، فما الحكم؟ الجواب: إن كان عزم في قلبه فنقول: استمر على العمل الصالح، وإن كان نذراً فأوف بنذرك ما استطعت.

    حكم اشتمال المحاضرة الدعوية على الطرائف والأشعار

    السؤال: يوجد بعض ممن ينتسبون للدعوة ينتهجون نهجاً غريباً، وهو إدخال القصائد والطرائف والمزاح والحكايات بدل الأحاديث والآيات والآثار؟ الجواب: هذا الكلام فيه تفصيل، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يمزح، وكان لا يقول إلا حقاً، وكذلك أيضاً الطرائف منها ما هو مفيد أحياناً، ومنها ما هو مسلٍّ بشرط أن لا يكون فيه ضرر، إنما الممنوع أن يتحول المجلس إلى نكت وطرائف، أما أن يتخلل الحديث أو الكلام أو البرنامج شيء من هذا مما فيه حق وليس فيه باطل فأقول: لا بأس بذلك إذا لم يكثر .

    علاج قسوة القلب

    السؤال: ما هو علاج قسوة القلب؟ الجواب: كلنا نشكو من قسوة القلب، أسأل الله أن يلين قلوبنا بالإيمان والقرآن، والعلاج يحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة؛ فالدنيا سجن المؤمن كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلابد من المجاهدة، لذلك لا تنتظر من واحد أن يعطيك كلمتين ثم إذا بقلبك يصبح قلباً منشرحاً مباشرة، لا، وقد يكون في الموعظة ما يشرح قلبك، لكن الأمر يحتاج إلى مجاهدة: فالشيطان الرجيم حريص على إغوائك والوسوسة لك بشتى أنواع الوساوس، نفسك الأمارة بالسوء بكل قواها وشهواتها، وشياطين الإنس من الأصدقاء والزملاء والجيران وغيرهم. فأنت -والله- كأنك في معركة، فلذلك عليك بالمجاهدة، وهذه المجاهدة هي التي بها تزول قسوة القلب. وأعظم ما يعينك على راحة النفس وطمأنينة القلب والبعد عن قسوته عشرة أمور ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين، وعلى رأسها الإيمان والتوحيد والعقيدة الصحيحة والمحافظة على الصلاة ومجالسة الصالحين، فلا بد من أن تبحث لنفسك عن هذه الوسائل التي ترقق قلبك وتقوي إيمانك، مع البعد تماماً عن كل ما يقسي القلب. فالذي أقوله: اصبر وصابر وأبشر يا أيها الشاب، ولا تحزن إذا رأيت الشباب المنفلت يميناًوشمالاً، فلا يغرنك ضحكهم وانخلاعهم، اصبر وصابر على طاعة الله وعبادة الله، أنت -والله- القوي، وأنت المنتصر، وأنت العزيز، وأنت الرابح، وهؤلاء الذين سلكوا تلك المسالك إن لم يتوبوا إلى الله فهم -والله- خاسرون، لذلك ينبغي لك أن تكون عندك عزيمة قوية وصبر ومصابرة على طاعة الله، واحرص كل الحرص على الأخوة الصادقة وعلى الإخوة الملتزمين؛ فإنهم يعينونك، وأصحاب الرسول -ومن هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في علمهم وإيمانهم وجهادهم- كانوا يشعرون بهذه الحاجة، كان الواحد منهم يلتقي بأخيه ويمسك به ويقول: تعال -يا أخي- اجلس بنا نؤمن ساعة. مع أن هذا الصحابي لا يعرف لهواً ولا عبثاً، لا يعرف إلا الإيمان والقرآن والصلاة والجهاد، ومع ذلك يشعر بالحاجة إلى أخيه، ويقول: اجلس بنا نؤمن ساعة. فكيف بنا نحن في هذا الزمان حيث كثرت الفتن وتنوعت؟! نحن أحوج ما نكون إلى الجلساء الطيبين الذين يعينوننا على طاعة الله، نعينهم ويعينوننا، واعلم -يا أيها الشاب- أنك إذا جلست مع أخيك وإخوانك الطيبين أنك تعينهم وهم يعينونك، فأنت بحاجة إليهم وهم أيضاً بحاجة إليك، فتكون مأجوراً على تلك المجالس والأخوة الطيبة. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756016599