الشرح: قوله: (عهد إلي) يعني: أوصى إلي, فسعد يقول: إن أخاه عتبة أوصى إليه في هذا الغلام وأن هذا الغلام ابنه, وقول عبد بن زمعة: (ولد على فراش أبي من وليدته), الوليدة: الجارية التي وطئها سيدها فأنجبت ولداً, فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرأى شبهاً بيناً بـعتبة ، فقال: ( هو لك يا
المهم نأخذ من هذا الحديث أن الفراش جهة من جهات إثبات النسب, وأنه أقوى جهة في إثبات النسب, وأنه مع وجود الزنا لو تعارض صاحب فراش ومن وطئ من غير فراش إما بزنا أو بشبهة.. ونحو ذلك, فيقدم صاحب الفراش, مع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شبهاً بيناً بـعتبة , ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما نظر للشبه البين ما دام عندنا أصل, فيقدم هذا الأصل على الأمر المظنون, عندنا أمر معلوم وهو الفراش نقدمه على الأمر المظنون, فيؤخذ من هذا أن الولد للفراش, لكن متى تكون المرأة فراشاً، وهل يفرق بين الحرة والأمة.. إلخ؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله, والصواب ما اختاره شيخ الإسلام أننا لا نفرق بين الأمة والحرة, بل كل منهما تكون فراشاً بالوطء, والمشهور من مذهب الإمام أحمد أن الأمة تكون فراشاً بالوطء، وأما الحرة فتكون فراشاً بالعقد, فإذا عقد عليها ومضى ستة أشهر وأنجبت ولداً وهو يمكن أن يطأ ولم تحصل حقيقة الوطء, لكن يقولون: يمكن أن يقع, هنا الولد يكون له, وتكون فراشاً إذا حصل العقد, ومضى ستة أشهر من إمكان الوطء.
وأشد من ذلك رأي أبي حنيفة رحمه الله, حتى وإن لم يمكن الوطء فإنها تكون فراشاً, فلو أنه في المشرق وهي في المغرب وعقد عليها ومضى ستة أشهر وأنجبت ولداً يكون له؛ لأنها فراشه.
والصواب أنه لابد من حقيقة الوطء ولا فرق بين الأمة والحرة.
فهذا الحديث اشتمل على دليلين على إثبات جهتين من جهات إثبات النسب هما: الفراش والاستلحاق, وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فنظر صلى الله عليه وسلم فرأى شبهاً بيناً بـ
وأيضاً حكم القاضي لا يغير الباطن, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: واحتجبي منه يا سودة لما رأى شبهاً بيناً بـعتبة ؛ لأن هذا يحتمل أنه من عتبة وليس من زمعة ، فيكون أخاً لـسودة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب منه، مع أنه جعله ابناً لـزمعة ، وسودة بنت زمعة على هذا يكون أخاً لـسودة، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر سودة أن تحتجب منه؛ لأنه في الباطن قد يكون ابناً لـعتبة وليس ابناً لـزمعة , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب منه, فنقول: القاعدة أن القاضي يحكم على الظاهر, وأن الحكم الظاهر لا يغير الباطن, النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع ) يعني: قد يحكم القاضي على الظاهر وعلى الشهود.. إلخ, لكن الباطن على خلاف ذلك, وأن هذا المال ليس لمن قضى عليه القاضي، فهل هذا الباطل يغير حكم القاضي؟ نقول: لا يغير الباطن, وأنه إذا كان يعرف أن هذا المال فلا يحل له أن يأخذ مال أخيه.
وفي هذا: العمل بالاحتياط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( واحتجبي منه يا
( فقال: ألم تري أن
( فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض ) أسامة وزيد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما, فنظر إليها مجزز فعرف أن هذه الأقدام بعضها من بعض؛ لأن زيداً لونه يختلف عن لون أسامة , كان أسامة أسود, وزيد رضي الله تعالى عنه كان أبيض, ومع ذلك قال مجزز : (إن هذه الأقدام بعضها من بعض), ففي هذا دليل لإثبات جهة من جهات إثبات النسب وهي القافة, ونحن ذكرنا أن جهات إثبات النسب أربع خلاف الحمض النووي الآن إن وجد: الفراش والاستلحاق والبينة والقافة, فالقافة دل لها هذا الحديث.
وفيه أيضاً: دليل لما تقدم أن اختلاف اللون لا يضر, لكون الإنسان يكون لونه مخالفاً للون ابنه أو الشكل أو الهيئة, والأصل أن الولد للفراش، وأنه لا يجوز للشخص أن ينتفي من ولده, لكن قال العلماء رحمهم الله ينتفي من الولد في حالتين:
الحالة الأولى: إذا استبرأ زوجته, يعني: حاضت المرأة ولم يطأ وزنت وأنجبت، فقالوا: هنا ينتفي منه الولد؛ لأن كونه استبرأها الآن وزنت: جاءت بالولد بعد أن استبرأها، فهذا دليل على أنه ليس منه.
الحالة الثانية: إذا لم يستبرِئها وعلم أنها زنت, قال العلماء: رآها تزني ونحو ذلك, المهم أنه علم بالزنا ولم يستبرئها, وأتت بولد يشبه الزاني, فهذا موضع خلاف بين أهل العلم, فبعض العلماء يقول: يجب أن ينفي الولد ما دام أنها زنت وعلم الزنا.
وقال بعض العلماء: بأن الولد للفراش ولا يجب عليه أن ينفيه, ويدل له هذا الحديث.. حديث عائشة في قصة مخاصمة عتبة وعبد في هذا الغلام, وهذا أقرب أن الولد للفراش. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر