أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية عقيدة وأدباً وخلقاً وعبادات وأحكاماً، وقد انتهى بنا الدرس إلى المادة الثالثة وهي في شروط الصلاة.
أولاً: عرفنا أن الصلاة فريضة الله عز وجل على كل مؤمن ومؤمنة، وأن من تركها يكفر والعياذ بالله، إذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ).
وصلاة الفرائض المعروفة، وهي خمس: الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهناك سنن مؤكدة، وسنن هي نوافل، وقد درسنا هذا في الدرس السابق.
والآن نتكلم في شروط الصلاة، للصلاة شروط صحة لا تصح إلا إذا توفرت.
فمن نقص منها أو زاد فيها لا تنفعه، فمن قدم أو أخر وعبث فيها لا تنفعه، ومن أداها غير مستوفاة الأركان والشروط لا تنفعه، ولا ننس قول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ العنكبوت:45]. ومن ثم فانظر إلى أهل القرية أو الحي فمن وجدته منتهياً عن الفحشاء والمنكر فاعلم أنه يقيم الصلاة، وأن صلاته صحيحة، ومن وجدته يقارف الذنوب ويرتكب المعاصي فاعلم يقيناً أن صلاته ليست صحيحة، بل باطلة، لم تثمر؛ لقول الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].
ومن هنا ينبغي أن نعرف شروطها وأركانها وواجباتها وسننها؛ من أجل أن نؤديها أداءً صحيحاً، ننتفع به في تزكية أنفسنا وتطهير أرواحنا.
مصيرنا يوم القيامة متوقف على تزكية النفس وطهارتها، فمن بعث ونفسه زكية طاهرة أدخله الله الجنان، ومن بعث ونفسه خبيثة منتنة أدخله النيران، ولا ننس حكم الله في سورة وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1] إذ قال تعالى بعد أيمان أقسم بها قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:10 ] أي: نفسه.
والنفس تزكو وتطيب وتطهر بهذه العبادات التي تعبدنا الله بها إذا أديناها لوجه الله خالصة، وعلى الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النفس البشرية تخبث وتنتن وتتعفن باقتراف هذه الذنوب والآثام من الكذب إلى الزنا إلى السرقة إلى الشرك والباطل.
فهيا نجاهد أنفسنا حتى نعبد الله عبادة تزكي أنفسنا، ونحافظ على تلك التزكية، فلا نلوثها ولا نخبثها بالكلمة المحرمة أو بالنظرة المحرمة.
( وفرقوا بينهم في المضاجع ). وقبل العشر السنوات يكون الأولاد بنين أو بنات تحت غطاء واحد في فراش واحد ولا حرج، ولكن إذا بلغوا عشراً فحينئذ يفرق بين البنين والبنات بستارة .. بحجاب .. بأي شيء، ولا يغطيهم عراة مع بعضهم البعض بغطاء واحد، بل يفرق بينهم في الفراش. فالأطفال أبناء السبع سنين أو الثمان أو الست أو التسع ينامون على فراش واحد، وتحت غطاء واحد ذكوراً وإناثاً لا بأس، ولكن إذا بلغوا عشر سنين يفرق بينهم في المضاجع، فهذا فراش زينب، وهذا فراش علي.
والشاهد عندنا: لا تجب على مؤمن الصلاة ما لم يدخل وقتها، فإن دخل وقتها وجبت؛ [ لقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، أي: ذات وقت محدد ] فريضة مفروضة بوقتها، وأما قبل وقتها فلا، إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، أي: موقتاً، فالعشاء لا تجب إلا إذا غابت الحمرة ودخل العشاء، ولا تجب الصبح إلا إذا طلع الفجر، فهي موقتة هكذا، وهذا أمر الله عز وجل إذ يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]. والمؤمنات مع المؤمنين [ ولأن جبريل ] عليه السلام [ نزل فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة ] والصلاة فرضها الله في السماء في الملكوت الأعلى عند سدرة المنتهى .. عند جنة المأوى، ونزل جبريل مباشرة فصلى بالرسول صلى الله عليه وسلم يوماً وليلة عند الكعبة، كلما يدخل الوقت يصلي به، فعلمه أول الوقت وآخره في يومين؛ فلهذا يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أوقات الصلاة أولها وآخرها، وجبريل نزل من السماء لهذه المهمة، فصلى برسول الله صلى الله عليه وسلم يومين متتالين، اليوم الأول يبدأه بأول الوقت، والثاني بآخر الوقت حتى علمه الوقتين الأول والآخر، والرسول علم أمته، وصلى بها عشر سنوات هنا.
قال: [ ولأن جبريل نزل فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، فقد قال له: ( قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس ) ] أي: غابت وسقطت [ ( ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق ) ] الأحمر [ ( ثم جاءه الفجر فقال: قم فصله، فصلى حين بزق الفجر، ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتاً واحداً لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل أو قال: ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جداً، فقال: قم فصله، فصلى الفجر ) ] عند الاصفرار [ ( ثم قال: ما بين هذين وقت ) ] ففي اليوم الأول علمه أول الوقت، وفي اليوم الثاني علمه آخر الوقت، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذا، والصلاة في أول وقتها أفضل، ولكن للضرورة يصلي آخر الوقت ولا إثم عليه.
والحيض قد يكون استحاضة، وقد يكون حيضاً، فإذا كانت مستحاضة فيها عرق يسيل دائماً فلا تبالي به، فتتوضأ لكل صلاة وتصلي وهو يسيل، وأما الحيض فله وقت محدد أربعة أيام أو خمسة أو ثلاثة أو أسبوع أو عشرة أيام، ولا يزيد على ثلاثة عشر يوماً، ويكون دماً أسود ثم يصبح أحمر، وأما دم الاستحاضة فغير أسود، وهذا قد لا ينقطع من بعض النساء، فهو عرق يوجد في رحمها يسيل دائماً، فإذا دخل الوقت تتوضأ وتصلي فقط.
فالصلاة تجب على المسلم العاقل البالغ إذا دخل وقتها، ومع الطهارة من الحيض والنفاس، هذا بالنسبة للمؤمنات. هذه خمسة شروط لوجوب الصلاة، فإذا سقط شرط منها لا تجب.
قال: [وشروط الصحة هي:]
والمرأة كلها عورة ما عدا الوجه والكفين، فتصلي وجهها وكفيها مكشوفان، وما عدا ذلك يجب أن يكون مستوراً من الصدر .. العنق .. الساقين .. الذراعين، ما عدا الوجه والكفين.
وحكم ستر العورة الوجوب، فسترها شرط في صحة الصلاة، وإلا بطلت الصلاة؛ [ لقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] ]. وهذه آية من كتاب الله من سورة الأعراف، وزينتنا لباسنا، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] تصلون فيه، أي: عند كل مكان تصلون فيه، فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يصلي مكشوف العورة، ومن صلى عليه أن يعيد صلاته؛ فإنها باطلة.
وقوله: ( عند كل مسجد) عند كل صلاة، إذ المراد من المسجد مكان الصلاة، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].
وإذا صلت المرأة وساقها مكشوف فصلاتها باطلة، وإن بقيت على ذلك حتى ماتت فقد ماتت على سوء الخاتمة والعياذ بالله، وهي في جهنم [ فلا تصح صلاة مكشوف العورة؛ إذ الزينة من الثياب ما يستر العورة ] فالزينة من الثياب المذكورة في الآية هي ما يستر العورة، فالزينة هي الثياب التي تستر العورة، وأما مكشوف العورة المتزين فهو أقبح ما يكون منظراً، وأسوأ ما يكون، وقد فرقنا بين عورة الرجل والمرأة، ورسول الله هو الذي بين هذا [ وعورة الرجل ما بين سرته وركبتيه ] فلو صلى مكشوفاً ما بين السرة والركبة فصلاته باطلة، ومع هذا يحسن به أن يستر كتفيه وجسمه، فهذا أفضل، لكن الصلاة تصح إذا ستر ما بين سرته وركبته، وكلما كان لباسه نظيفاً وجميلاً فهو أفضل؛ لأنه بين يدي الله يناجيه.
والزينة من الثياب في الشرع: الذي يستر العورة، سواء كان أبيض أو أسود، وسواء كان فيه الذهب والفضة أو لا، فما ستر العورة هو الزينة، فيتزيا به، وأما أن يكشف عورته ويتزيا في رأسه أو كتفيه فلا ينفعه ذلك [ وعورة المرأة فيما عدا وجهها وكفيها ] فينبغي ألا تستر وجهها وكفيها وهي تصلي؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) ]، والمقصود بالحائض هنا يعني: كبيرة تحيض، وليس معناها: الحائض، فالحائض لا تصلي، فالمقصود بالحائض أي: امرأة بلغت سن التكليف وأصبحت تحيض، ( إلا بخمار) والخمار ما تخمر به جسمها وتغطيه. وقد سمي الخمر خمراً لأنه يغطي العقل، فيصبح شاربه مجنوناً لا يعي شيئاً.
فالخمار ما يخمر ويغطي جسمها ما عدا وجهها وكفيها، سواء في المسجد أو في بيتها، أو في غرفتها ولا أحد يراها إلا الله كذلك.
ولا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها للأجانب إلا مع الضرورة، كالمرض وغيره، أو الهرب والجهاد وما إلى ذلك، أو كانت عجوزاً تجاوزت الستين أو السبعين، فهذه لا بأس أن تكشف وجهها، وأما وهي تحيض وتلد فلا يجوز أن تكشف وجهها للفحول؛ لأن الله قال: وَقُلْ [النور:31] يا رسولنا! لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]. فالرجل حرام عليه أن ينظر إلى امرأة لا تحل له، والمرأة حرام عليها أن تنظر إلى رجل لا يحل لها إلا من ضرورات خاصة [ وقوله لما سئل عن صلاة المرأة في الدرع والخمار بغير إزار فقال: (إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)] أي: فلا بأس إذا كان درعاً طويلاً يغطي ظهور قدميها.
والقبلة - يرحمكم الله-: الكعبة المكرمة المشرفة بيت الله، وأنت إذا أردت عملاً أو حاجة من شخص فإنك تأتيه إلى بيته وتذهب إليه في بيته، فإذا أردت من الله عز وجل حاجة فاذهب إلى بيته، وقد أذن لنا أن نستقبلها سواء كنا في الشرق أو الغرب أو في أي مكان، فاستقبل بيت ربك واسأل حاجتك [ كما أن المسافر له أن يتنفل على ظهر دابته حيثما توجهت للقبلة ولغيرها؛ إذ رئي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على دابته بعيراً كان أو فرساً ما بين مكة والمدينة، والآن نصلي على السيارة، فالسيارة مركوب، فصل عليها ولا تستقبل القبلة، سواء كنت متجهاً إلى الشرق أو الغرب، فكبر وصل عليها النافلة وصلاتك صحيحة. وإذا كانت سيارته فيوقفها ويستقبل القبلة ويكبر، ولكن السيارة ليست دابته.
إذاً: شروط وجوب الصلاة خمسة، وشروط الصحة ثلاثة، وشروط الصحة:
أولاً: الطهارة، فلا تصح صلاة بغير طهور.
ثانياً: ستر العورة، فلا تصح الصلاة وهو مكشوف العورة، وحد العورة للرجل ما بين السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة ما عدا الوجه والكفين.
ثالثاً: استقبال القبلة، وهناك من يعذر في استقبال القبلة، مثل الخائف، يصلي إلى الجهة التي يخاف منها، والمريض يصلي كما يستطيع، فإذا لم يقدر أن يستقبل القبلة يصلي حيثما استطاع. ويشترط استقبال القبلة للتنفل، إلا إذا كان على دابته أو سيارته أو طيارته، فلا يوقف راحلته ويصلي إلى القبلة، بل يصلي كيفما هو متجه، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عائد من مكة متجهاً إلى المدينة إلى المدينة، والمدينة في الشمال وترك القبلة وراءه.
وخلاصة القول: أن لوجوب الصلاة على العبد والأمة شروطاً خمسة، إن توفرت وجبت عليه، وإن سقط شرط سقط وجوبها، وكذلك شروط صحتها إذا توفرت صحت الصلاة، وإن لم تتوفر فالصلاة باطلة.
والمرأة إذا كانت مع الرجال وصلت تستر وجهها ولا حرج.
معاشر المستمعين! أحد علماء المسجد النبوي مريض، فضيلة العلامة الشيخ عمر محمد في الرياض، نرفع أكفنا إلى ربنا سائلين أن يشفيه، عسى الله أن يشفيه ويشفي كل مؤمن ومؤمنة.
اللهم يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! يا بديع السموات والأرض! يا مالك الملك! يا ذا الجلال والإكرام! هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين؛ لتكشف ضر عبدك ووليك عمر محمد ، اللهم اكشف ضره، اللهم اكشف ضره، واشفه بشفائك العاجل يا رب العالمين! ورده سالماً معافى، واشف يا رب! كل مريض فينا وبيننا، وفي بيوتنا ومشافينا يا رب العالمين! واشفنا ظاهراً وباطناً، وطهر أوراحنا، وزك نفوسنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وانصر اللهم دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، وانصر اللهم دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، وأدخلنا جميعاً في رحمتك يا أرحم الراحمين! وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وألحقنا بالصالحين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر