وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وأحسنَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالة في النار.
روى الإمام الترمذي وأحمد بسندٍ قوي عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاث أُقْسِم عليهن: ما نَقَصَ مالٌ من صدقة، ولا صَبَرَ عبدٌ على مظلمةٍ إلا زاده الله بها عزاً، ولا فَتَحَ عبدٌ باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب ذل، إنما الدنيا لأربعة نفر: رجلٍ آتاه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي الله فيه، يصل به رَحِمَهُ، ويؤدي لله فيه حقَّه، فهذا بأفضل المنازل، ورجلٍ آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فيقول: لو أن لي كَفُلان لفعلت فِعْله، فهو ونيته، فهما في الأجر سواء، ورجلٍ آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله لا يتقي الله فيه، ولا يصل به رَحِمَهُ، ولا يؤدي حق الله فيه، فهذا بأخبث المنازل، ورجلٍ لم يؤته الله مالاً ولا علماً، يقول: لو أن لي كَفُلان، لفعلتُ فِعْلَه، فهو ونيته، فهما في الوزر سواء).
هذا حديث صحيح جميل! ما أحوجنا إلى معرفة فقهه! إذ ليس هناك أحد في الدنيا إلا وهو واحدٌ من هؤلاء الأربعة. فانظر أين أنت منهم؟
- عالم غني.
- عالم فقير.
- غني جاهل.
- جاهل فقير.
لا يخرج الناس عن هؤلاء الأربعة.
فالسعيد العاقل: هو الذي يختار لنفسه أفضل المنازل، أو التي تليها.
فلأن العباد لا يصدقون هذه المسألة، أقسم الله تبارك وتعالى أن هذا حق مع أننا نصدقه بغير قَسَم، وكان بعض سلفنا إذا قرأ هذه الآية بكى لها، ويقول: مَن أغضبَ الجليلَ حتى حَلَف؟! أي: نحن نصدقه بغير حَلِف، فحَلَف أن هذا حق، ثم ضرب لك مثلاً بدَهياً لا تشك أنت فيه قال: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23] إذا كنت تشك في أنك تتكلم فشُكَّ في هذه القضية، فإذا كان الشك لا يرقى أصلاً إلى مسألة الكلام هذه فكيف يرقى إلى مسألة الرزق، وأنه في السماء؟!
فإذا رأيت الآية أو الحديث فيهما حَلِف فاعلم أن الأمر جليل.
والصدقة إذا أخرجتها يتلقاها الله بيمينه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليأخذ الصدقة بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يُرَبِّي أحدكم فلوه) (الفلو) هو الفرس المولود، تربيه على عينك حتى يصير مُهراً كبيراً، فالله تبارك وتعالى يأخذ منك الصدقة قرشاً أو جنيهاً، فإذا بك عندما توافي ربك يوم القيامة تراها كأمثال الجبال، وهذا مما يُسْعِد العبد.
ألم تر أنك وقد وضعتَ في جيبك مبلغاً كبيراً من المال، ثم نسيتَه، وليكن في قميص شتوي، فإذا انتهى الشتاء خلعت القميص ووضعته في الدولاب، وأنت تسأل نفسك: أين ذهب هذا المال؛ لكن لا تعرف، حتى يأتي الشتاء القادم، فتلبس القميص، فتضع يدك في جيبك، فإذا بك تجد المال، فتكون فرحتك به كبيرة، بالرغم أنه مالك، وما أحدٌ أعطاك إياه، لكنك تسعد به؛ لأنه جاءك عن غير حساب.
ولذلك المصيبة عندما تأتي غير متوقعة يكون ألمها شديداً جداً؛ كذلك النعمة إذا جاءت غير متوقعة يكون فرحها شديداً جداً أيضاً.
فإذا تصدقت فلا تحسبها كما يحسب بقية الخلق؛ لأن المال لا ينقُص من صدقة أبداً، إنما الله تبارك وتعالى يربيها لك.
إذا أعطيت الدينار أو الدرهم فوقع في يد الكريم الملك الغني، فإنه يضاعفها لك، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وليست المسألة ستقف عند هذا الحد، بل الله يضاعف لمن يشاء.
فلأن العباد يحسبونها خطأً أقسم علي أنه لا ينقص أبداً (ما نقص مال من صدقة).
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعدما حصل الخلاف الذي حصل واستتب له الأمر، قام يخطب في المسلمين، وكان المسلمون يريدون عبد الله بن عمر أميراً للمؤمنين، وعبد الله بن عمر رجلٌ من رجالات الآخرة، حتى قال ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وغير واحدٍ من الصحابة: (ما منا من واحدٍ إلا تقلبَت به الدنيا وتقلب بها إلا ابن عمر ؛ إنه على العهد الأول) أيام كان الرسول موجوداً.
فهذا رجل من رجالات الآخرة أتته الخلافة تحت قدمه فأباها ورفضها، ولو أن عبد الله بن عمر رشَّح نفسه للخلافة لأخذها بإجماع، ليس لأن أباه عمر ، بل لأنه عبد الله بن عمر نفسه، وبسبب عمله.
فـمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لما استتبت له الخلافة، قال: (إننا أحق بهذا الأمر من فلان وأبيه)، يعرض بـابن عمر، فالكلمة أغاظت ابن عمر ، وكان جالساً في الناس، قال: (فحملت قبوتي، وأردت أن أقوم، فأقول له: بل مَن جالَدَك وأباك على الإسلام أحق بها) قال: (ثم خشيتُ أن تكون فتنة، فذكرتُ ما عند الله، فجلستُ). أي: ذكر الجنة، وذكر الصبر.
وهناك ناسٌ يستفيضون في أعراض الخلق، ولا يردعهم رادع من تقوى ولا سلطان، فمثل هذا إن أردت أن تحفظ عزتك وكرامتك لا ترد عليه، وقديماً قيل: (لا تجاري السفيه بسفهٍ مثله) فهذا يدل على أنك رضيت سلوكه فحذَوت مثالَه إذ لو كنت تنكر عليه سفاهته فلم تسافهتَ عليه؟!
يقابلني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلماً كعودٍِ زاده الإحراق طيبا
وهل تحس بحلاوة البخور إلا إذا أشعلت النار فيه؟!
فما تشعر بقيمة الرجال إلا في الغضب، فالرجل نقي المعدن الذي لا يجتاله الغضب عن الحق ولو قليلاً، ولذلك يعرف الناس في هذه المواقف، فإذا رأيت رجلاً متحولاً متقلباً، إذا أغضبتَه انقلب عليك، فإذا أرضيتَه كان كالنعل في قدمك، اغسل يديك منه، لأنه لا خير فيه.
ولذلك مدح الله تبارك وتعالى هذا الصنف قال: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134] كلمة (الغيظ) فيها حرف الظاء وهو من حروف الاستعلاء والتفخيم، وشكل الحرف نفسُه يوحي لك بالمعنى، فتحس أنه قربة ملأى، أي: ممتلئ غيظاً؛ لأن الغيظ يملأ الإنسان، ودائماً حروف الاستعلاء تحس فيها بفخامة وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ليس هذا فقط.
بل أيضاً: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134] لأنك لا بد أن تصرف الغيظ، ولا يكفي أن تكظم فقط؛ لأنك إن كظمت مرة بعد مرة ستنفجر، لذلك سن بعد الكظم العفو؛ لأنه لا بد من تصريف للغيظ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134].
وهذا التصريف ليس سهلاً، وقليل من الناس هو الذي يصرِّف غيظ، ولهذا رغَّبك في التصرف فقال: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] كأن كظْمَك ثم صَرْفَك لهذا الغيظ بالعفو إحسان، والإحسان هو أعظم الدرجات كلِّها، فإن المراتب ثلاث:
- إسلام.
- إيمان.
- إحسان.
وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وقليل من الخلق هم أصحاب هذه المرتبة؛ بل هم أندر من الكبريت الأحمر.
إذاً: الصبر على المظلمة عز بما يجعل الله لك من الهيبة في قلوب الخلق، ولذلك أُثِر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: (إن الرجل ليكبُر في نظري حتى يتكلم) طالما أنه ساكت فهو كبير؛ لأنك لا تدري أهذا عاقل أم مجنون؟ كلامُه در أم بعر؟ فإذا تكلم الإنسان وَزَنَ نفسَه؛ لكن كلما كان الإنسان ساكتاً ظَلَّ كبيراً.
فلذلك الرسول عليه الصلاة والسلام تثبيتاً لأصحاب هذه المرتبة أقسم عليها، أي: ليس ردُّك وانتقامك من صاحبك دليل العز والغلبة، بل بما يضعه الله لك من الهيبة في قلوب الخلق. (وما صبر عبدٌ على مظلمة إلا زاده الله بها عزاً).
ففَتَح هذا على نفسه باب مسألةٍ فأراق ماء وجهه على كل الأعتاب، حتى على عتبة اللئيم الذي لا يستحق التكريم، لذلك يجب أن يتعفف الإنسان.
الإمام الشافعي رحمه الله له أبيات رائعة في العفة، وفي صَوْن النفس عن المهانة، قال رحمه الله:
لقَلْعُ ضِرْسٍ وضَرْبُ حبسٍ ونزْعُ نفسٍ ورَدُّ أمْسِ
وقَرُّ بَرْدٍ وقَوْدُ فـردٍ ودَبْغُ جلدٍ بغير شمْسِ
ونفْخُ نارٍ وحَمْلُ عارٍ وَبيْعُ دارٍ برُبعِ فلْسِ
كل هذا ...
أهونُ مِن وقفةِ الحـرِّ يرجو نوالاً ببابِ نحْسِ
مع أن الأشياء التي ذكرها منها ما هو مستحيل، كأن ترجع الأمس! وأن تحمل عاراً، بأن يحمل الإنسان العار على أكتافه، ويبيع داره بربع فلس، فيبيعها بخسارة واضحة جداً، ودبغ جلدٍ بغير شمس، مع أن الجلد لا يدبغ بغير الشمس؛ لأنه يتعفن مباشرة، بل لا بد من الشمس، وإلا فلن تنتفع بالدباغ ويذهب عليك الجلد، فكل هذه الخسائر أهون من أن يقف الحر على باب لئيم، يطلب نوالاً، أي: يطلب عطاءً.
ألم ترَ إلى موسى عليه السلام لما كان يناجي ربه في الطور، فأبلغه الله تعالى أن قومه عبدوا العجل، فعلم موسى عليه السلام أنهم عبدوا العجل، أخذ الألواح في يده وفيها هدىً ونور، لكنه أول ما ذهب ورأى العجل ألقى الألواح من الغضب، بينما لم يلقِ الألواح لما أخبره الله عز وجل أنهم عبدوا العجل لأنه لم يرَ بعينيه.
وبهذا البحث تفهم النكتة في قوله تبارك وتعالى: وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:50]، فإن المظلوم لا يشفى إلا إذا رأى مصرع ظالمه، فإذا رأى ظالمَه وقد هلك فيشعر ويحس أن الغيظ ذهب، بخلاف ما لو كان يسمع أنه هلك ولا يراه.
لذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنما الدنيا)، أي: إن مَن فَعَل هذه الأشياء سيكون له في الدنيا شأن، لكن شأن يختلف على حسب الصفات الموجودة في الإنسان.
هناك أشخاص حتى الآن يذكرون باللعنات: كفرعون، وقارون، وهامان، وأبي جهل ، وأبي لهب؛ حتى دفع حب الذكر ذاك الرجل أن يبول في ماء زمزم أيام الحج، فلما قيل له: لِمَ؟ قال: أردتُ أن أُذْكَر ولو باللعنات!!
فهناك كثير من الخلق يُذْكَرون؛ لكن إذا ذُكِروا لُعِِنوا.
لذلك المسلم لا يبحث عن الشهرة؛ فإن هناك مشهورين؛ لكن باللعنات، ولكن يبحث عما يشتهر به.
ومن عاقبة الإخلاص أن الله تبارك وتعالى يجعل لك لسان صدقٍ في الآخِرين، وهذا نوع من العز الذي أشار إليه الحديث: (إنما الدنيا)، فالأنبياء والأولياء الذين كانوا أخلص الناس لله، نحن الآن نذكرهم، بل إن بعض العباد كان يعبد الله بين أربعة جدر، وصل إلينا خبره، وكان يستتر بعبادته، فكيف وصل؟!
هذه هي عاقبة الإخلاص.
فالله تبارك وتعالى يصير ذكرك حسناً، برغم أنك لم تسعَ إلى هذا الذكر؛ لكنه يصيره لك.
فالدنيا لهؤلاء الأربعة.
انظر إلى هذا الرجل، وإلى الرجل الثالث، الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: (ورجل آتاهُ الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط).
الفرق بين الرجل الثالث والرجل الأول هو العلم.
وإذا أردت أن تنذر فانذر نذراً مطلقاً، قل: لله علي كذا، سواءٌ جاءت أو لم تجيء، هذا هو الأدب.
لكن مع ذلك النذر المشروط مع سوء الأدب يلغي هذا النذر.
ويلزم الناذر أن يوفِّي بنذره؛ ولكن شتان بين رجلٍ يوفي بنذره وقد أساء الأدب مع ربه، وبين رجلٍ آخر يوفِّي بنذره وهو متأدب مع الله تبارك وتعالى، فلذلك يجب أن ننتبه لمسألة النذر.
فهذا الرجل عندما هبت ريح عاصف على السفينة، وكل واحد قال: (لئن أنجانا الله لنصدقن)، وأنجاهم الله تبارك وتعالى، وكل واحد أخرج ما تيسر، إلا رجلٌ واحدٌ جاهلٌ، قال: رب! ليس عندي ما أتصدق به، ولكن امرأتي طالقٌ لوجهك ثلاثاً، ولا يجوز أن يُتَقَرَّب إلى الله بمثل ذلك؛ لكنه جاهل، والجاهل عدوٌ نفسه، والجهل معرَّة؛ لذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الرجل الأول: الذي آتاه الله علماً ومالاً، والرجل الثالث الذي آتاه الله مالاً، استحضِرْ موقف هذين الرجلين مع الخصلة الأولى والثالثة التي شرحناها الآن: (ما نقص مالٌ من صدقة): لا يعرف هذه الحقيقة إلا العالِم؛ لأن الجاهل كيف يعرف؟! (وما صبر عبدٌ على مظلمةٌ إلا زادهُ الله بها عزاً): لا يعرفها إلا العالِم. (ولا فتح عبدٌ باب مسألةٌ إلا فتح الله عليه باب ذل): هذا أيضاً لا يعرفه إلا العالِم.
ونقيض هذه الأشياء تراها في الجهلة الذين ليس عندهم علم.
لذلك كان شرف الأول والثاني: العلم، وكانا بأفضل المنازل: (رجل آتاه الله علماً ومالاً).
والرجل الثاني: (آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً).
فهذان بأفضل المنازل.
وإفراد العلم بالرجل الثاني هو الذي جعلنا نقطع أن العلم هو الذي شرف الأول.
والرجل الثالث: (آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً) قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (فهو يخبط) خبط عشواء، خالٍ من العلم.
الرجل الرابع: لا هذا ولا ذاك، لكن أسوته كانت الرجل الثالث، الشرير، الخُلْوُّ من العلم، قال عليه الصلاة والسلام في الرجل الغني الجاهل: (فهذا بأسوأ المنازل، أو بأخبث المنازل) وقال في الثاني: (فهما في الوزر سواء).
فحتى لا يقول رجل: أنا أريد الدنيا، والعاجلة ولا تكون إلا بالمال، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا ..) وبدأ بالعلم، ليكون لأهل العلم الدنيا أيضاً؛ لكن شتان بين دنيا أهل العلم، ودنيا أهل المال، أهل العلم يموتون على الحمد والثناء الحسن، ولذلك كان الرسل يقولون للناس: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، ما نريد أجراً، فالذي يقدم لك الإحسان ولا يأخذ نظيره محمود بخلاف الرجل الذي يقدم الإحسان وينتظر، مثل مسألة النقطة في يوم الزفاف، بأن يذهب من أجل أن يعطي العريس مالاً لغرض أن يأخذه فيما بعد، لذلك الرجل العريس مباشرة يدون هذا المال في دفتر؛ لأنه عارف أنه ليس هبة بل هو دين، وأنا أعرف بعض الناس اشتكى بعضَ الناس الآخرين بأنه لم يرد له النقطة.
فمثل هذا الرجل ليس محموداً ؛ لأنه كما أعطى يُعْطَي.
وبهذا الكلام اللطيف نفهم تفسير قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا انقطع رحمه وصلها)، أي: ليس الجميل أنك ترد الزيارة بزيارة؛ لكن الجميل أن من قطعك تصله، وإذا كانت هذه الزيارة في مقابل زيارة! فأين فضلك إذاً؟! فليس الواصل الذي يكافئك بزيارةٍ كما زرته واصلاً، بل الواصل من إذا انقطعت رحمه وصلها، هذا هو الإحسان.
تجد الذين يلتصقون بأهل العلم، عندهم من الخير والشرف والترفع عن الدنايا ما ليس عند الملتصقين بأهل المال، فأهل المال أذلاء؛ لأنهم على استعداد أن يفعلوا أي شيء في سبيل زيادة رأس المال، لكن أهل العلم يراقبون الله تبارك وتعالى ويتحرون مواضع أقدامهم قبل أن ينقلوها، فمن أين يأتيهم الشر؟ ولهم الشرف أيضاً، كما قال القائل لولده وهو يعظه، قال: (يا بني! من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم).
كذلك الإمام البخاري رحمه الله كان أبوه من كبار التجار، ترك لابنه يوم مات ألف ألف درهم -أي: مليون- فلما حضرته الوفاة قال لابنه: (يا بني! أنا لا أعلم درهماً فيه شبهة في هذا المال) فماله ليس حراماً، بل بينه وبين الحرام مفاوز.
فاستطاع مثل هذا الرجل الصالح أن يتجنب الحرام، والأصل أنك لا تستطيع أن تتجنب الحرام، إلا إذا عرفت الحرام، كما قال القائل:
عرفتُ الشر لا للشر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
فكيف عرف الحرام؟
لأنه كان مخالطاً لأهل العلم.
ولهذا ابنه الإمام البخاري لما أراد أن يذكر له منقبة، وكل واحد عندما يذكر أباه يأتي له بأفضل شيء، فيقول مثلاً: كان رجلاً صواماً قواماً، أو كان يمشي على الماء، أو كان يطير في الهواء، أو أي شيء من هذا مما يراه مدحاً، فالإمام البخاري لما أراد أن يذكر منقبة لوالده ذكر أفضل شيءٍ يعلمه عن والده، فقال: (وسلم على فلان بكلتا يديه) هذه هي المنقبة الجميلة، أنه صافح أحد العلماء بكلتا يديه، ووجه الفخر في هذا أن يده مست يد هذا العالم الجليل ولعله عبد الله بن المبارك .
فهذا الرجل الصالح لما خالط أهل العلم كان دائم السؤال: أأفعل هذا؟ أهذا فيه شبهة؟ أهذا فيه حرام؟ فيفتوه، فاستقامت له دنياه بمصاحبة أهل العلم، بخلاف الآخر الذي ليس عنده شيء من العلم إنما يريد أن يزيد رصيده، وسنضرب الأمثال على سوء هذا النمط الثاني، وأن صورته مظلمة، وأنه لا يخرج أبداً بحمد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- أنه قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله علماً، فهو يعلِّمه الناس).
لهذا الكلام تفسيران معروفان عند العلماء:
التفسير الأول: راجح وهو التفسير الأول، أي: لا غبطة، فالحسد هنا: ليس الحسد المذموم، إنما هو الغبطة، والفرق بين الحسد والغبطة: أن الحسد: هو تمني زوال النعمة عن المحسود، أن تتمنى أن يكون عندك ما عند فلان، بشرط ألا يكون عند فلان شيءٌ من هذا، فتتفرد أنت بهذا النعيم.
إنما الغبطة: أن يكون عندك مثل ما عند فلان بدون أن يزول النعيم عن فلان، يعني: أن تكون أنت مشاركاً له أو مساوياً له فقط، كرجل غني أتمنى أن يكون عندي مثل ما عنده، فنصبح نحن الاثنان أقراناً في هذه المسألة.
فالمقصود بالحسد هنا: الغبطة، أي: ليس هناك أحدٌ يستحق أن يُغْبَط، وأن نقول: ليت لنا مثله، إلا أحد رجلين: رجل عالم يعلِّم الناس، ورجل غني؛ لكن مالَه مقيدٌ بالعلم.
التفسير الثاني: (لا حسد) أي: ما حَسَدَ، نفيٌ لوجود الحسد، فإن كان حسدٌ فهو في اثنتين، فكأن هذا الكلام فيه حذف.
ولكن التفسير الأول هو التفسير الصحيح، لثبوت الحسد، كما قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]. فالحسد موجود.
إذاً: يتعين التفسير الأول.
وانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام في الرجل صاحب المال: (سلطه على هلكته في الحق) (الهاء) في (هلكته) تعود على الرجل أم تعود على المال؟
تعود على الرجل؛ لأنه عمل فكسب، ومن فسد مِن عُبَّادنا ففيه شبه من النصارى؛ لأن العابد عندما يكون ليس على علمٍ فإنه يبتدع، ولذلك قال ربنا سبحانه وتعالى في النصارى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27].
وتجد دائماً العابدَ الذي ليس عنده علم من أكثر الناس وقوعاً في البدع، فنفسه تسول له أنه بعد كل صلاة يسجد سجدة شكر طويلة، ويرى أن هذه قربة، وأنها ليس فيها شيء، وإذا أنكر عليه يقول: وهل أنا شربتُ خمراً، أو زنيتُ أو قتلتُ؟! كذلك أي مبتدع يقول هكذا.
أخبرني بعض الإخوة أن ثَمَّ واحداً من بعض الطرق الصوفية يصلي على النبي بعد التراويح، وفي نصفها يقرأ قرآناً، ويريد أن ينقل مثل هذه البدع في المسجد، وأهل هذا المسجد يريدون أن يقيموه على السنة، فهمس في أذني بعد صلاة الفجر بأنه حصل كذا وكذا، ويجب أن أنبه على هذا الكلام. فقلت: سأنبه، فتكلمت كلمة مختصرة لطيفة من أجل أن أدخل بها إلى الموضوع، أول ما بدأت الدخول في الموضوع قام فالتقط المكبر، فقال لي: مع احترامي لك -وطبعاً عندما تسمع أحداً يقول: مع احترامي لك، اعلم أن الكلام الذي سيأتي ليس فيه احترام، وأنه سيقل أدبه مباشرة، وهكذا- أنا أقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ما المشكلة فيها؟ هذا قرآن يا أخي، وقراءة القرآن واجبة، وأصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ماذا بكم؟ ألا تريدون أن تصلوا عليه؟! ثم ما هو الذنب الذي أنا ارتكبته؟ أقرأ قرآناً ويكون عليَّ وزر، أصلي على النبي ويكون عليَّ وزر، ما هذا الكلام الذي أنتم تقولونه؟!
فأول ما تكلم الرجل بهذا الكلام عرفت أنه لا يستطيع تعريف معنى البدعة، ولم يخطر بباله شيء اسمه: بدعة؛ لأن أي شخص يقول هاتين الكلمتين اعرف أنه ليس لديه خلفية عن البدعة.
فالبدعة: هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، طريقةٌ يفعلها الإنسان ليتقرب بها إلى الله، نزَّلها هذا الرجل منزلة الشرع فصارت تضاهي الطريقة الشرعية.
وهذه البدعة يفعلها للتقرب إلى الله عز وجل، وليس عليها دليل، هذه هي البدعة.
فقلتُ له: إذا عطس رجل وقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ما رأيك في الصلاة على النبي بعد العطاس؟
فقال لي: قل أنت.
قلت له: أنا أسألك لأتحقق هل تعرف معنى البدعة أم لا! فالصلاة على النبي ماذا فيها؟ أنت لِتَوِّك تقول: إن الصلاة على النبي ليس فيها شيء.
قال: نعم.
قلت: إذاً ما رأيك في شخص عطس، وبعد كل عطاس يصلي على النبي؟
فسكت.
وأنا إنما أستدرجه لأننا عندنا في هذا أثر، فلو تكلم أصكه به مباشرة، وهو ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً عطس عنده، فقال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر : (وأنا أقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ ولكن ما هكذا علَّمنا رسول الله). فلكي لا يقول الرجل: هؤلاء ينكرون الصلاة على النبي. قال له: أنا أيضاً أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثلك؛ لكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرن الصلاة عليه مع العطاس.
فقال لي: صحيح، لا يصلي بعد العطاس.
قلت له: إذاً: فأين الدليل على أنه يصلي بعد التراويح؟! وأين الدليل على أنه يقرأ قرآناً بين الأربع ركعات؟!
فالمبتدعة خُلُوٌّ من العلم، فالذي يفسد مِن عُبَّادنا يكون فيه شبه بالنصارى الذين ابتدعوا، إذ ليس عندهم علم؛ ولذلك تجد أكثر الناس وقوعاً في الوسوسة والشبهات العُبَّاد؛ أما العلماء فلا.
لأن العالم عارفٌ بالحدود، يعرف كيف يفرق بين الحرام والحلال والشبهة، وليس عنده مشكلة؛ لكن العابد يحصل عنده إشكالات؛ لكثرة عبادته، وليس عنده علمٌ يقع في هذه الشبهات.
فالمال صاحبه هو الذي يحرسه، إن كان مضطجعاً تجده يَعُدّ، أو قائماً تجده يَعُدّ، يَعُدُّ النقود ألف مرة؛ ويريد أن يضع العشرة على العشرة، والعشرين على العشرين، ويرص الأرقام على الأرقام، ويحسب، حتى يتأكد أنها متسلسلة أم لا! ولا ينام من كثرة الحسابات.
يخشى أن تصرف أمواله، أو أنه سيُقْدِم على مشروع ويخاف أن يأخذه آخر، أو يخاف أن يخسر، فقلبه يتفطر من الحسرات، ولذلك تجد الإنسان من هؤلاء إذا أصيب في دنياه خسر الدنيا والآخرة، فتجد الواحد مثلاً إذا قيل له: المصنع احترق، تأتيه سكتة قلبية!
وماذا لو أنه اشتعل؟! فأنت خرجت من بطن أمك لا تملك شيئاً ولا عندك دينار ولا درهم، فما مُتَّ حتى اغتنيتَ وصرتَ من أصحاب الملايين، فكما أعطاك الله المال يمكنه أن يعطيك ثانية، فما نفدت خزائنه.
فهذا يخسر دنياه وآخرته.
والآخر صاحب أزمة الكويت لما نزل الدينار من تسعة جنيهات إلى سبعة وتسعين قرشاً، مشى في الشارع وهو يكلم نفسه!
لأنه عبدٌ لهذا المال.
فهؤلاء هم أهل العلم، لذلك العلم يزين صاحبه.
فالرجل الذي عنده مال يُغْبَط على المال ليس لأجل المال وحده، بل لأنه سلطه على هلكته في الحق، فهو يُغْبَط من أجل هذا؛ أما المال في ذاته فلا يُغْبَط الإنسان عليه، لا في الدنيا ولا في الآخرة -وهذا عند العقلاء- لأن المال رزية، فالأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بنصف يوم، أي: بخمسمائة سنة، مع أن هناك أغنياء -أغنياء ممن تأخروا عن دخول الجنة- أفضل من فقراء سبقوهم، والغني هذا عندما يدخل الجنة بعد الحساب يكون في درجة أعلى من درجة الفقير الذي سبقه بالدخول.
لكن ما الذي أخره ماله.
والحساب في يوم القيامة حساب بالذرة وبمثقال الذرة، كما قال الله تبارك وتعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]؛ فالذي يرتكب المعصية ينسى تفاصيل كثيرة من المعاصي؛ لكن كلٌ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12] كله محصور.
قرأت أن بعض الصالحين وكان له أخٌ في الله يحبه، فمات أحدهما قبل صاحبه، فرأى الحيُّ الميتَ في المنام، فقال: ماذا فعل الله بك؟
قال: سألني عن مسألةٍ ما خَطَرَت لي على بال.
قال: وما هي؟
فقال: إنه كان يمشي في الحقول، فوجد سنبلة على الأرض فأخذها ورماها يميناً أو شمالاً، حتى لا يدوس عليها أحد، فسُئل: لم حذفتَها يميناً؟
وما أدراه فربما تكون للحقل الذي على اليسار، مع أنه فعلها بعفوية، أي: أنه ما قصد شيئاً، وما أخذ سنبلة وقطعها ورماها في الحقل الآخر، بل وجدها على الأرض.
فالعبد يُسأل عن كل شيء، ولهذا الملَكان اللذان يدونان كلام بني آدم، يسجلان عليه الضحكة والعطسة والكحة، وما هناك شيء يترك أبداً.
فإذا كانت هذه الأشياء المباحة تُدَوَّن على العبد، فكيف يمكن للعبد العاقل الذي سيلقى الله تبارك وتعالى غداً أن يمشي في الدنيا كما لو لم يأته رسول؟
فلذلك العلم يعصمك، والعلم يحرسك.
فإذاً: العلم حرسك، وحرس قلبك.
والآخر اجتالته الشبهات.
كنت مرةً في محطة الحافلات فجاءني رجلٌ، كأنه توسم فيّ أن يجد عندي حلاً، قال: كنت أخرج في سبيل الله، وفي يوم من الأيام هجم على قلبي خاطر سيئ في ذات الله، حاشا لله العلي الكبير، فجعل يدخل قلبي ويطرق بابه بشدة: مَن خَلَق الله؟! مَن كان قبل الله؟! هل الله يرى كل هؤلاء؟! يستطيع أن يعرف كل هذا؟! هل هذا كذا هل هذا كذا؟! إلخ.
فهذه الوساوس ما استطاع أن يتخلص منها ولم يجد لها حلاًّ، فقال في نفسه: هذا من كثرة العبادة، سأروِّح عن نفسي ساعة، (ساعةٌ وساعة)، أدخل في الدنيا أتاجر، ربما أنسى هذا الخاطر، قال: فخرجت، فما هي إلا أيام استرحتُ فيها ثم عاد علي أشد مما كان، فقلت له: أنت كالمستجير من الرمضاء بالنار، شخصٌ وجد الدنيا حارة فدخل فرناً، كما يقول أهل الشام: كنا تحت المطر صرنا تحت المضراب.
وهذا يذكرني بشخص كانت لحيتُه سابغة، قابلته ذات مرة وقد حلقها، فلم أعرفه، ولذلك لم أُلْقِ عليه السلام فناداني، فلما رأيته استعجبت، وقلت:
ما هذا يا فلان؟ ما الذي جرى لك.
قال لي: أنا حلقت لحيتي.
فقلت له: لماذا؟ ما الذي حصل؟ احْكِ لي.
قال: دخلتُ مسجداً يوم جمعة، وكان الإمام قد غاب عن صلاة الجمعة، فأول ما دخلتُ قالوا: مولانا وصل، رجل ملتحٍ واللحية سابغة، فأول ما دخلتُ قالوا: الحمد لله، وجدنا الإمام، وسارعوا إلي: قم يا مولانا اخطب.
فقلت: أنا لست مستعداً.
فقالوا: لا بد أن تخطب، قل أي شيء، أو أي موعظة، أنصليها ظهراً؟!
فحاول أن يعتذر ولكنهم غلبوه.
فصعد على المنبر ولم يستطع قول شيء، فقال كلمات مما عنده، ثم صلى وهو لا يحسن التجويد، وبعد هذا الموقف خرج، فهل قرر أن يتعلم ويسد النقص والفضيحة التي وقع فيها، وقال: أنا دوائي العلم، لابد أن أحفظ لي خطبة أو شيئاً من هذا؟ لا. بل قرر أن يحلق لحيته! وهذا كحال الذين ذكرهم الله في كتابه: قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال:32] ما قالوا: اهدنا إليه، بل قالوا: فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً [الأنفال:32]، مع أن كلام العقلاء أنه: إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال:32] فاهدنا إليه، هذا الكلام الذي يجب أن يقال، وليس فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً [الأنفال:32].
فهذا بدل أن يتعلم ويقول: إن العلاج في العلم، قال: أحلقها، حتى أكون من غبراء الناس.
فعجباً لهذا الحل!!
وهذا عندما رأى الوساوس تهجم على قلبه، قال: أنا استكثرت من العبادة، وهنا كان الواجب عليه أن يتجه إلى العلم؛ ولكنه اتجه إلى الدنيا، مع أن أهل الدنيا في حيرة، يعني: الذي في الدنيا تائه، فكان بإمكانه أن يتجه إلى العلم قليلاً، من أجل أن يخفف عن نفسه قليلاً من العبادة؛ لأنها سترهقه.
فهذا لأنه عابد، ما عنده علم، أول ما تصرف تصرف تصرفات ليس عليها نور.
فلو كان هذا الرجل يصاحب العلماء لعرف الحل مباشرة؛ لأن مثل هذا الذي وقع فيه هذا الإنسان حدث لأصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: (يا رسول الله! إن الشيء ليخطر ببالنا في ذات الله لَأَن يخر أحدنا من السماء أحب إليه من أن يتكلم به، فقال عليه الصلاة والسلام: أوَقَد وجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان). هذا هو الإيمان المحض (والصريح) هو الخالص، يقال: صريح اللبن، أي: اللبن الخالص (ذاك صريح الإيمان) أي: هذا هو أس الإيمان وحقيقته، وليست حقيقة الإيمان هي الشك في ذات الله، بل المقصود من الحديث، (ذاك صريح الإيمان) أنه لولا الإيمان الذي حجزك لتكلمتَ.
فإذا خطر ببال الإنسان شيء من هذا فكتمه واستغفر الله منه فهذا هو الإيمان؛ لأنه لو لم يكن عنده إيمان لتكلم به، إنما الذي حجزه وربط لسانه هو الإيمان، فذاك صريح الإيمان، وفي لفظ آخر لهذا الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، ما استطاع أن يأخذ أكثر من الوسوسة، والوسوسة معفوٌ عنها، فكأن الشيطان ما أخذ شيئاً.
إذاً: العلم نور.
فتجد الرجل عارفاً لدقائق كل شيء، كالطبيب مثلاً من كثرة الممارسة أول ما يرى مريضاً يقول: هذا عنده كذا وهذا من خبرته، ولكن إذا سألته سؤالاً في الوضوء: إذا كنت متوضئاً وجاء كلب وتمسح بك، فلن تجد عنده حلاً، مع أن هذه المسألة تعلمها أيسر من تعلم الطب، لأن تعلم الشرع أيسر من تعلم أي صنعة؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:17]، ولم يذكر صنعة ولا معاشاً؛ لأن الكل محجوج بالقرآن والسنة، والناس يتفاوتون في الفهم والعلم، فجاء القرآن في الوضوح على منزلة أقل واحد بحيث أن الكل يفهم، وقد قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، ولم يقل: (وما جعل عليكم في الدين حرجاً). بل قال: (مِنْ)؛ لينفي أقل الحرج؛ لأنه إذا قال: (وما جعل عليكم في الدين حرجاً)، فهذا بدلالة المفهوم قد يثبت بعض أنواع الحرج، لكن لما قال: (مِن حرج)، نفى كل أنواع الحرج وإن دقت.
إذاً: الدين الذي هو العلم في متناول الكل.
فكيف تلقى الله تبارك وتعالى ولم تعرف شيئاً عن أسمائه وصفاته، وقد كنتَ تقف تتوجه لوجهه خمس مرات في اليوم؟
ونحن نعرف أن الإنسان إذا أحب آخر يعرف عنه كل شيء.. يعرف دقائق حياته وتفاصيلها، ويعرف أموره كلها من شدة الحب، فالذين آمنوا يعرفون عن الله تبارك وتعالى أسماءه الحسنى وصفاته العلى، قال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، ومن شدة حبه أن يأنف أن يراه الله تبارك وتعالى حيث نهاه، وأن يفتقده حيث أمره، لا يمكن أن تحقق هذا أبداً إلا بالعلم.
وقوله: (فهو ونيته) يفهم منه أن هذا العبد عاجز عن تحقيق الفعل، فلم يملك إلا النية، كقوله عليه الصلاة والسلام: (من لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو)، وهذه هي النية هنا.
قال عليه الصلاة والسلام: (فهما في الأجر سواء)، كلمة (سواء) هي بدلالة أحاديث أخر لا تقتضي التسوية من كل وجه؛ بل من بعض الوجوه.
فإنك لو قلت مثلاً: محمد والأسد سواء، لا تقصد التسوية بينهما في كل شيء بل تقصد التسوية في خصلة واحدة إما الشجاعة وإما عدم الرحمة ...إلخ، فكلمة (سواء) ليس المقصود بها أن يُشبه بهذا الحيوان في كل شيء، وهكذا في الحديث؛ لأن مَن تعدى خيره بخصلتين، أفضل ممن تعدى خيره بخصلة واحدة، فرجل آتاه الله علماً ومالاً؛ لا شك أنه أفضل ممن آتاه الله المال فقط؛ لأن هذا الرجل مع تعليمه الناس يفرج الكربات، فهذا أفضل من الذي يعلم الناس فقط.
فالرجل الأول: خيره تعدى بخصلتين.
والثاني: خيره تعدى بخصلةٍ واحدة وهي العلم.
أضف إلى ذلك: أن العلم قد ينتفع المرء به وحده، أما المال فينتفع المرء به وينفع غيره.
هذا وجه.
الوجه الثاني: أن يكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (هما في الأجر سواء) أي: وإن لم يكن الثاني كالأول؛ لكن يكمل الله له الأجر بنيته، فصار الثاني مساوياً للأول تكرماً من الله عليه، فيكونان في الأجر سواء من هذه الحيثية.
ولأنه (جاهل غني) رد عليهم، وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] أي: إني أنا كنت عارفاً أنني سأكون غنياً؛ لأنني حسبتها حساباً صحيحاً، القرش عندي يأتي بعشرة، أو قَالَإِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أي: لولا أني أستحق الخير ما أعطاني الله، ولو كنت رجلاً سيئاً لحرمني، فأنا لا أستحق هذا إلا لأنني مقربٌ عند الله، وهذا الجواب ينمُّ عن جهلٍ فاضح.
فقارون خرج على قومه في زينته، قال تبارك وتعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79] فهؤلاء ليس معهم شيء؛ لكنهم قعدوا يتمنون، هذا هو الصنف الرابع، لا معه مال ولا علم، ويقول هؤلاء الذين حالهم كحال الذي يخبط خبط عشواء ويركب الظلماء يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79]، هذا الرجل الذي يقولون: إنه لذو حظ عظيم، لما خسف ربنا سبحانه وتعالى بقارون وداره الأرض قالوا: لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا [القصص:82]، مع أنهم كانوا يتمنون أن يكونوا كقارون.
إني وإن كنتُ الأخير زمانـه لآت بما لم تستطعه الأوائل
فقيل له: فهاتِ لنا حرفاً زائداً عن حروف الهجاء، هي ثمانية وعشرون حرفاً.
فعجز؛ لأنه مجرد كلام، وأسهل شيء الكلام.
فهذا المتنبي لما جاء مصر ودخل على كافور الإخشيدي حاكم مصر أخذ يمدح فيه وكاد أن يوصله إلى درجة الألوهية.
فلما انصرف عنه وذهب إلى أمير آخر وصفه بأوصاف قذرة جداً جداً، حتى وصفه بأنه لا يستطيع مباضعة النساء.
فهذا الكلام بحسب المصلحة، إذا كانت مصلحته يميناً ذهب يميناً أو يساراً ذهب يساراً، بل ربما يقتل نفسه إذا كانت مصلحته في ذلك، كما فعل أبو دلامة الشاعر: كان المهدي وعلي بن سليمان رئيس وزراء المهدي ، يصطادان، وأبو دلامة كان شكله قبيحاً، وكان كل شعرٍ يقوله يأخذ عليه نقوداً، ومرةً خرج أبو دلامة مع المهدي وعلي بن سليمان في رحلة صيد، فرمى المهدي ظبياً، ومرَّ كلب فأصابه سهم علي بن سليمان . فقال المهدي لـأبي دلامة : قل لنا شعراً في هذ! الموضوع.
فقال:
قد رمى المهدي ضبياً شك بالسهم فؤادَه
وعلي بن سليمان رمى كلباً فصاده
فهنيئاً لهما كلُّ امرئ يأكل زاده
فأعطى له المهدي ثلاثين ألف درهم، كل بيت بعشرة آلاف درهم.
فعندما كانوا جميعاً -هؤلاء الثلاثة- قال له المهدي : يا أبا دلامة اهجُ أحدَنا.
فهل عنده جرأة ليهجو المهدي ، أو يهجو رئيس الوزراء ؟!
إذا فعل سيقع في مصيبة.
فوجد أن أخف الضررين أن يهجو نفسه، فقد قال له: لا بد أن تهجو أحدنا، أحد الثلاثة.
فقال:
ألا أبلـغ لديـك أبا دلامة فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا وضع العمامة
فأعطاه عشرة آلاف درهم.
ومرةً مرَّ جماعةٌ من الشعراء، وكان لهم لبس معين عندما يكونون ذاهبين إلى الخليفة في عيد لأجل أن يمدحوه.
فرآهم واحد من الذين يحبون الأكل، فقال: هؤلاء ذاهبون إلى وليمة، فتبعهم ودخل، فلما دخل، جاء فدخل أمير المؤمنين، وبدءوا من اليمين، فأخرج الأول عريضة وأخذ يقول شعراً، والطفيلي هذا في الأخير، فأحس بالورطة التي وقع فيها؛ لأنه جاء ليأكل، وكان يظنها وليمة، وإذا بها ورطة أمام الخليفة، فكل منهم قال شعراً حتى وصل الدور إلى الطفيلي.
فقال الخليفة: ماذا يا فلان؟ أنشدنا من أبياتك.
فقال: ليس عندي شيء.
فقال: إذاً: ما الذي أدخلك؟ وكيف جئت؟ النقع والسيف! -النقع هو الجلد-.
فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين! ألم يقل الله تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]؟ فأنا غاوٍ! كنتُ ماشياً وراءهم.
قالوا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79]، ولما خسف الله بقارون الأرض قالوا: الحمد لله أننا لم نكن كقارون: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [القصص:82] وكأن المسألة عندهم شك فيها، أي: ليس أكيد أن الله ربنا سبحانه وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لا. بل كأن الله، والذي يقول: (كأن) يكون غير متأكد من الموضوع، مثل بلقيس قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا [النمل:41] فلما دخلت: قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42]، أي: أنه يشبهه؛ لكنها ليست متأكدة، أهذا هو العرش حقاً أم لا؟ بل قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42].
وهم طبعاً لأنهم عوام -والعامي مشتق من العماء، ليس عنده تصور عن أي شيء- قالوا: كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، كأنه لا يفلح الكافرون، أي: أنه ليس متأكداً أن الظالم نهايته سيئة؛ لأنه من العوام.
فإما أن يكون رجلاً غنياً فيجتهد في أن يكون دائماً من الصنف الأول بأن يتعلم، ولا يرضى لنفسه بأن يكون بأخبث المنازل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
وإما أن يكون رجلاً عنده علم لكنه فقير، فلا يتحسر على نفسه لأنه الثاني مباشرة في الترتيب، ثم هو وصاحب الدرجة الأولى سواء، بل هو في ذات نفسه أفضل من الأول، فالأول أنفع للناس، والثاني أنفع لنفسه.
فالغني يتأخر؛ لأن هناك حسابات، فلو كان هناك عالم غني وعالِِم فقير، الذي يدخل الجنة أولاً هو الفقير.
فإذاً: الفقير نفع نفسه وأما الغني فنفع غيره؛ لذلك كان الأول أفضل بالنسبة لله، والثاني كان أفضل بالنسبة لنفسه.
ولذلك قال الله تبارك وتعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]، وهناك فرق بين من يتصدق علانيةً ومن يتصدق في السر.
الذي يتصدق في السر، الخير عائد عليه هو؛ لأنه حفظ نفسه من الرياء، لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] وليس لهم؛ لأن (لهم) فالأول أحسن.
وفي المقابل قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271]، أي: نعم ما فعلتم؛ لأنه قد يغار شخص فيقول: وهل فلان أحسن مني؟ لماذا يتصدق وأنا لا أتصدق؟ فيتصدق.
فيكون هذا أصلح للفقراء؟
لذلك كان الذي يظهر الصدقة خيره يتعدى؛ لذلك قال الله: نعم ما فعل.
لكن الثاني الذي تصدق في السر، ضمن إخلاصه وحصَّن نفسه من الرياء، فكان خيراً له مثل الفقير.
وإذا لم تكن متعلماً، فلا أقل من أن تصحب أهل العلم، كما ذكرنا عن والد الإمام البخاري رحمه الله، عندما قال لابنه: (ما أعلم درهماً من هذا المال فيه شبهة)، فهو ما استطاع أن يتجنب الشبهات فضلاً عن المحرمات، إلا لأنه صاحب أهل العلم، فكان كلما يأتي له نوع من أنواع المبايعات يسأل أهل العلم: أهذا حرام أم لا؟ فيقال له: لا؛ ليس حراماً؛ لكن فيه شبهة، فيترك الصفقة كلها، وإذا كان حراماً يتركها قولاً واحداً.
فأنت تسعد بصحبة أهل العلم.
ولذلك قال بعض طلاب العلم بعد أن سأله رجل: أوصني. قال له: حيثما كنت فكن بقرب فقيه. ثم قال له: أفلا أدلك لِمَ أنا أوصيك هذه الوصية؟ قال له: كنتُ رجلاً مجوسياً، فأسلمت، فأتيت الأوزاعي وهو من طبقة الإمام مالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ، وكان إمام أهل الشام، كان مالك رحمه الله يقول: أهل الشام بخيرٍ ما بقي فيهم الأوزاعي وسفيان الثوري ، كان إماماً فحلاً جبلاً، لما ذهب الأوزاعي ليحج أمسك سفيان الثوري بلجام ناقة الأوزاعي يقودها في الازدحام، ويقول: أفسحوا لناقة الشيخ، فكان جليلاً، جاء رجل إلى سفيان الثوري وقال: إني رأيت في منامي أن ريحانةً قلعت من ديار الشام، فقال: ويحك إن صَدَقَت رؤياك فقد مات الأوزاعي ، فجاء نعيٌ الأوزاعي في مساء نفس اليوم. هذه شذرات عن الأوزاعي ، ومن سوء حظنا أننا لا نعرف هؤلاء، ونعرف من لا يساوون قلامة ظفر الأوزاعي -
قال هذا: كنت رجلاً مجوسياً فأسلمت فلازمتُ الأوزاعي رحمه الله، فقال لي:
من أي البلاد أنت؟
قلت: من بلد كذا.
قال: ألك والد؟
قلت: نعم تركتُه مجوسياً.
قال: ارجع إليه فلعل الله أن يهديه بك.
قال: فرجعتُ فوجدتُه في النزع الأخير.
فجعل يرغبه في الجنة ويرغبه في الإسلام.
قال: يا بني اعرض علي دينك.
فعرض دينه، فاستحسنه، فأسلم، ومات.
فلولا أن الأوزاعي أمره أن يرجع إلى والده لمات والده على المجوسية والله أعلم.
فانظر إلى وصية العلماء، خيرٌ مُتَعَدٍّ مباشرة، لا سيما أنه لا يسألك أجراً، والإنسان دائماً عندما يُسأل -وبالذات المال- يحس بثقل.
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيَّ آدمَ حين يسألُ يغضبُ
وعندما يقول لك شخص دائماً: هات، هات، هات، أول ما تراه يكلح وجهك؛ لأنك عارف أنه سيقول: هات.
فأنت آمن (100 %) من هذه الجهة وأنت بقرب العلماء؛ لأن العالم يكون له الفضل عليك دائماً؛ لأنه لا يسألك شيئاً وأنت تسأله، فالفضل دائماً لليد العليا.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر