أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، واستذكاراً لما سبق أن درسناه وعلمناه - نذكر معاشر المستمعين والمستمعات!- بعدما أمرنا الله بالإنفاق وذلك لصالحنا في دنيانا وفي أخرانا، إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. أمرنا في النداء الذي بعده بأن نتحرز من مبطلات نفقاتنا؛ إذ ليس كل من أنفق فاز، فقد ينفق ويكون إنفاقه وبالاً عليه، ولذلك حذرنا في هذا النداء الثامن، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264]. فحذرنا من المن، فالذي يتصدق ويمن على من تصدق عليهم والله إن صدقته باطلة، ومعنى باطلة أي: لا تزكي نفسه ولا تطهرها، بل يبقى الخبث كما هو.
ثانياً: الأذى، فالذي يتصدق على مؤمن ثم يؤذيه بنظرة شزرة .. بكلمة سيئة .. بدفعة .. بعنف، فهذا كذلك يمسح أجره مسحاً.
ثالثاً: المرائي، فهذا ما من على من تصدق عليه ولا آذاه ولكن لا ينفق ابتغاء مرضاة الله وطلباً لرضاه، ولكن من أجل أن يحمد بين المواطنين؛ ليثنى عليه بالخير والشرف، هذا قصده من النفقة، فهذا صدقته باطلة، وقد ينفق لا ليحمد، ولكن ليدفع عن نفسه المذمة واللوم والعتاب، حتى لا يقال: فلان لا يتصدق، ولم نره ينفق، فهو من أجل هذا يتصدق؛ ليدفع عن نفسه المذمة.
وقد عرفتم المثل الذي ضرب الله تعالى، فقد ضرب المثل بصخور من شأنها ألا يعلوها تراب ولا ينبت فيها زرع، ولكن صخرة عظيمة أو صخور ساقت الرياح إليها الأتربة وحملتها إليها، وظن الغافلون أنها الآن صالحة للزرع، وإذا بوابل من المطر - أي: غزير منه- يأتي على ذلك التراب فيترك تلك الصخور صلدا ملساء، ليس فوقها شيء.
فهذا الذي ينفق ويمن، أو ينفق ويؤذي، أو ينفق ويرائي هذه حاله، لا ينتفع بصدقته، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264]. وأخيراً وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264].
وقد علم المستمعون والمستمعات أن الكفر نوعان:
كفر مخرج من الملة، مخلد صاحبه في النار، وكفر نعمة منقوص صاحبه مبغوض، ذاك الذي يرائي بعمله، ويريد مدح الناس والثناء منهم عليه.
فالنداء الأول كان للإنفاق، والثاني في متطلبات التحرز مما يبطل الإنفاق.
وإليكم النداء الكريم الذي أكرمنا الله به وشرفنا، ففزنا به نحن أيها المؤمنون! دون سائر الناس أبيضهم وأصفرهم.
[ الآية (267) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267] ] لا تقولوا: الله يطلب منا، فهو غني عنكم وعن إنفاقكم، وهو محمود في السموات والأرض بدونكم، وبعض الغافلين يقول: الله في حاجة إلى أن يمدح فلهذا يأمر بالصدقة، فأبطل الله هذه الظنون، فهو غني غناً مطلقاً عن سائر خلقه، حميد في الأرض والسماء بدون ما تحمدونه أيها المنفقون!
اعلم أيها القارئ الكريم! ] الذي في بيته هذا الكتاب ووضعه عند رأسه فإذا جاء إلى النوم يسمع نداء الله، ويستعد لأن يمتثل أمره أو يجتنب نهيه، ويستعد لأن يقبل البشرى إذا بشره، ويستعد لأن يفزع للإنذار إذا أنذره، وهو مستعد لأن يتعلم ما أراد أن يعلمه، إذ ما ناداك ربك يا عبده! إلا لهذه الأغراض: إما ليأمرك بما فيه سعادتك أو ينهاك عما فيه شقاؤك، أو يبشرك بما يشرح صدرك، أو ينبئك ويحذرك من الشر ويحملك على البعد عنه، أو يعلمك علماً تفوز به وتأمن، فهنيئاً لك أيها المؤمن الحق والصدق! وهو الذي قال: آمنت بالله.
أولاً: وجوب إخراج الصدقة من طيب المال ] والطيب ضده الخبيث والرديء والفاسد، وهذا يوجد في التمر، فالتمر ليس نوعاً واحداً، بل فيه الطيب الجيد، وفيه الرديء الفاسد السيئ، وكذلك في الكلام طيب وخبيث، وفي الأجسام طيب وخبيث، ولكن في باب الإنفاق أولاً وجوب إخراج الصدقة من طيب المال، وقد عرفنا الوجوب لأن النداء يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا [البقرة:267]. فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ونحن عبيد وهو الآمر الرب الإلهي، فأنفق فهذا واجب، مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]. وما أكثرها، لا من خبيثها ورديئها.
[ ثانياً: حرمة إخراجها من خبيثه ] وقد عرفنا الحرمة والمنع من قوله: وَلا تَيَمَّمُوا [البقرة:267]. ولا ناهية، فإذا قلت لولدك: لا تفعل فقد نهيته، وما معنى تيمموا يعني: تمسحوا وجوهكم وأيديكم بالتراب، وهذا التيمم للصلاة، وسمي التيمم تيمماً لأنك تقصد التراب أو الحجر وتمسح وجهك وكفيك، فيقال: فلان تيمم. وتيمم دار فلان قصدها، وتيمم المال الخبيث قصده؛ لأنه موجود في زنبيل أو في مكان خاص، وليس هو دائماً في جيبه، فلا تقصد ذاك الخبيث وتنفق منه، بل اقصد المال الطيب ومنه أنفق، وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267].
[ ثالثاً: بيان وجوب الزكاة مما كسبه المؤمن ] والمؤمنة، سواء كسبه بعرق جبينه كما يقولون أو بالوراثة أو شيء آخر، وإنما لم نذكر المؤمنة لأننا فحول ما نريد أن تذكر نساؤنا بين الرجال، وقد نسينا هذا الآن؛ لأننا تحضرنا وتمدنا وترقينا، وقد بقي بقايا من الفحول يتلاءم معهم كتاب الله إلى يوم القيامة، فلهذا لا يذكر النساء لأنهن كالحور العين مقصورات في الخيام، فلا يبتذلن ويهن حتى يصبحن في المجتمعات غاديات رائحات كالصعاليك من الرجال [ من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ] وقد فهمنا وجوب الزكاة في هذا النداء الكريم من قوله تعالى: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]. والإنفاق يكون واجباً كما قدمنا، أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254]. فيكون الإنفاق واجباً في الجهاد، وكالإنفاق على الأسرة، وكالإنفاق على فقير لم يجد من ينفق عليه، فيكون واجباً.
فهذه الآية الكريمة تضمنت وجوب الزكاة في المال بنوعيه، ما يكسبه المرء بعرقه كأن يكسب مالاً [ من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ] والذئاب والأسود والأرانب والضباع ليست من الأنعام، قال تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [الأنعام:143]، وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [الأنعام:144]. فالأنعام هي الإبل والبقر والغنم، فتزكى، إذ أعطاك إياها مالكها ثم فرض عليك قدراً منها فلا تقل: لا، فقد يسلبك إياها بالمرة، بشرط [ إن بلغت النصاب ] فإن ملكت إبلاً أو بقراً أو غنماً فلا تجب الزكاة عليك فيها إن كانت قليلة، فإن كثرت وبلغت حداً عينه الرسول صلى الله عليه وسلم بإذن الله وجبت الزكاة؛ إذ النصاب هو علامة منصوبة إذا وصل العدد إليها وجبت الزكاة، وهو مأخوذ من نصب الشيء حتى يتنبه له ويعرف، فإذا بلغت الإبل خمساً وجبت الزكاة، وإن بلغت أربعاً فلا زكاة، وإن بلغت الغنم أربعين وجبت الزكاة، وإن بلغت ثلاثين فلا زكاة عليها [ وحال عليها الحول ] أي: العام، فإن طلعت الشمس في الشتاء وعادت إلى مكانها التي طلعت منه فقد حال الحول، وحالت الأحوال تبدلت وتغيرت، ودارت السنة. فلا تجب الزكاة إلا إن بلغت النصاب أولاً وحال عليها الحول ثانياً، وسيأتي هذا مبيناً بإذن الله [ ومما كسبه من الدنانير والدراهم أو ما يقوم مقامها من العمل المتداولة اليوم بين الناس ] سواء بعرق الجبين أو بعطاء أو بإرث، المهم أنه أصبح مالكاً له [ إن بلغت النصاب وحال عليها الحول ] فقد وجبت الزكاة.
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]. والذي أخرجه الله تعالى لنا من الأرض البر والشعير والذرة والزيتون، وغير ذلك، والله هو الذي أخرج ذلك وليس الفلاح؛ لأن الفلاح الله، فهو الذي من خلقه وأقدره على ذلك، والأرض الذي شقها هو الله، والماء الذي أنزله هو الله، وتفاعل الماء مع التربة الذي فعله هو الله.
[ رابعاً: بيان وجوب الزكاة من الخارج من الأرض، وهو الحبوب كالبر والشعير والذرة والزيتون والزبيب والتمر إن بلغ نصاباً ] فهنا لا حول في الخارج من الأرض، ولا ينتظر به سنة؛ لأنه يفسد ويأكله السوس، وإنما إذا حصد وتهيأ للحصاد أخرجت الزكاة؛ لقوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]. فهذا الخارج من الأرض أخرجه الله.
وعندنا حكاية قديمة في الدرس أسلي بها على الأبناء: قدمنا طبق من الرطب لصقلبي جاء من شمال الكرة الأرضية من بلاد الروس، فأكل وأعجبه ذلك، وقال: إن مصانعكم عظيمة التي تنتج هذا، فقلنا له: هذا صنعه وخلقه الله. قال: آمنت به، هذا رب عظيم، ثم خرجنا في تمشية مسائية إلى البستان فرأى التمر في العراجين والأقنية يتدلى، والفلاح بمسحاته. فقال: ماذا يفعل هذا الفلاح؟ فقلنا: هو الذي غرس الفسيلة وسقاها ونماها حتى أنتجت هذا التمر. قال: إذاً غششتموني، من أول وأنا أقول: خلقها الفلاح، هذا هو السطحي المعرفة والقليل البصيرة. فقلنا له: تعال ندرس معك هذا الفلاح، هل هذا الفلاح مصنوع أو صانع؟ مخلوق أو خالق؟ إنه مخلوق، والذي خلقه هو الذي أعطاه القوة البدنية، وهو الذي أعطاه سمعه وبصره، وهو الذي وهبه عقله وفهمه، فقال: الله، فقلنا له: هذا الفلاح لما جاء بالبذرة ودفنها في التربة هذه التربة لم يخلقها الفلاح ولا أمه، وإنما خلقها الله، والماء الذي لابد منه ليسقي التربة لم ينزله الفلاح ولا أبوه، وإنما أنزله الله.
وتفاعل التربة مع البذرة حتى ظهرت وبرزت فسيلاً فعل هذا الله.
إذاً: كل يا صقلبي! وقل: الحمد لله، ولا تغتر بالمظاهر، فالله هو الذي خلق كل شيء. والغافلون والمعمى على قلوبهم لا يعرفون الله ولا يسألون عنه، وهم مخلوقون له، ولا يسألون عنه.
وعندما قلنا: قواتنا الضاربة ودستورنا ورجالنا وفحولنا، وأن الله لا يوجد أذاقهم الله مر العذاب من الخزي إلى أسوئه، فلا فاعل إلا الله، فالله خالق كل شيء، لا إله إلا غيره ولا رب سواه.
وما قال رسول الله في شيء أفعل كذا إلا قال: إن شاء الله، وهؤلاء المرضى إذا قلت له: إن شاء الله يقول: لا تقل إن شاء الله قل: آتي أو أفعل، ويشعرون بأنهم كمل، وهم والله لشر الخليقة، واسمعوا الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]. والبرية هي الخليقة، من برأ النسمة يبرؤها فهو بارئ، ومن أسماء الله تعالى البارئ. فشر الخلق الكفار بالعزيز الجبار [ وكان مقتاتاً مدخراً ] وهذه لابد وأن نحفظها، فقد عرفنا النصاب والحول في الإبل والبقر والغنم، وعرفنا نصاب الدراهم والدنانير والحول، وأما الخارج من الأرض فشرطه: أولاً: أن يبلغ نصاباً، والثاني: أن يكون مأكولاً ومدخراً مقتاتاً، أي: يقتات، أي: يتم به قوت الإنسان، ومدخراً يدخر لا يفسد، فلهذا لا تزكون البطيخ، مع أن البطيخ مقتات، فلو وجد الإنسان بطيخاً فإنه يتغدى ويتعشى به، ولكنه ليس مدخراً، وكذلك الرمان والبرتقال والخربز؛ لأنها ليست مدخرة، والبصل والثوم ليسا مقتاتين ولا مدخرين؛ إذ لا أحد يأكل البصل أو الثوم، فلابد من هذا الشرط يا عباد الله! ويا إماء الله! وهو الاقتيات والادخار في الخارج من الأرض، فلا بد وأن يكون مقتاتاً صالحاً لأن يكون قوتاً يقتاته الآدمي ويعيش عليه.
ثانياً: أن يصلح للادخار السنة والسنتين، وأما الذي يفسد في أيامه الأولى فلا تجب فيه زكاة رسمية.
[ أما ما لم يكن مقتاتاً كالفلفل والبصل والثوم فلا زكاة فيه، وكذلك ما لا يدخر وإن كان مقتاتاً كالبطيخ والقثاء والرمان والتين والتفاح والبرتقال؛ إلا أنه يستحب التصدق من كل خارج من الأرض مما لا تجب فيه الزكاة؛ لعدم توفر شرطي الزكاة فيه، وهو الاقتيات والادخار ] منه، وهذا يفعله العوام عندنا بدون سؤال، فلا يمكن أن يجني التين كل يوم .. شهر .. شهرين لأهله ولا يعطي جيرانه، ولا يمكن أن يقتلع البصل والثوم من بستانه والفقراء حوله لا يعطيهم، بل كانوا يقولون لهم: انزعوا بأيديكم.
فالذي يملك بصلاً أو ثوماً أو بطيخاً أو خربر أو غير ذلك مما لا تجب فيه الزكاة لأنه غير مقتات ولا مدخر أو مقتات غير مدخر فيستحسن ويستحب ومن الكرم ومن شكر الله ومن المروءة أن يعطي شيئاً مما أعطاه الله، ولا يليق به أن جيرانه وأقاربه وأهل الحي ليس عندهم وهو يدخل كل يوم إلى بيته من بستانه ولا يعطيهم شيئا، فهذا ليس من المروءة، ولا من الكرم، ولا من الإخوة الإسلامية.
وإن لم يوجب الله تعالى هذا رأفة ورحمة بعباده ولكن فتح لهم باب الفضل والإحسان، فقال: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
وصاحب التين والرمان والخربز والتفاح الذي لا زكاة عليه فيه إذا تجمع عنده مال، كأن يبيع حصيلة التفاح بخمسين ألف ريال، فهذه الخمسين ألف ريال إذا وافقت إخراج زكاته من صندوقه فيجب أن يعدها معها ويزكيها، وإن تأخر الحول شهرين ثلاثة فهذا المال يبقى عنده ويزكيه وهكذا.
وهذا مثل شخص عنده عمارة أجرها للسكان، فلا نقول: كلما تستلم أجرة من ساكن زكها، فهذا تشريع لا يقول به أهل المعرفة إلا من لا يدري، لكن هذا المال لما يجمعه من السكان لا يشرب به الحشيشة والخمر، وإنما ينفقه على نفسه أولاً، فإذا فاض أو زاد وحال عليه الحول يزكيه فيجب أن يزكيه.
وصاحب البر والشعير يزكيه ثم يبقى عنده ويبيعه ويتحول إلى مال فيزكيه مع ماله.
إذاً: نصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، فمن ملك من بستانه أو من أرضه خمسة أوسق وجبت عليه الزكاة، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، فالوسق مائتان وأربعون حفنة، والخمسة الأوسق ألف ومائتان، والحفنة تزن كيلو أحياناً، وخاصة من التمر؛ لأنه ثقيل.
وشيء آخر لو نزكي بحسب الفضة لكان النصاب أقل من خمسين جراماً، ويجوز أن نزكي بحسب الذهب أو الفضة سواء بسواء، وأربعمائة وستين جراماً من الفضة لا تساوي ألف وخمسمائة ريال أو ألف ومائتين، ونظراً لهذا المرتفع وهذا المنخفض وفقنا الرحمن الرحيم وهو ولينا وولي المؤمنين إلى أن قلنا: النصاب سبعين جراماً، فصاحب العملة سواء كانت ليرة .. جنيه .. درهم أو أي عملة في العالم يذهب إلى بائع الذهب ويسأله كم يساوي سبعين جراماً من الذهب بالدينار الجزائري أو الدرهم المغربي أو الريال اليمني أو الجنيه المصري أو الروبية، فالقيمة التي يقول لك: هي النصاب، فإذا قال لك بائع الذهب: ألفاً فالنصاب ألف، وإذا قال: عشرة آلاف النصاب عشرة آلاف، ولا تتردد. فالسوري الذي يتعامل بالليرة يذهب إلى بائع الذهب ويسأله: سبعين جراماً من الذهب كم تساوي من الليرة؟ فإذا قال: خمسة آلاف ليرة فهذا النصاب، وكذلك السعودي صاحب الريال في المدينة النبوية يذهب إلى بائع الذهب ويسأله: سبعين جراماً من الذهب كم تساوي؟ فإذا قال له: ألفين وثمانمائة أو ألفين وتسعمائة فالذي يقوله والله لهو النصاب، فزكي مالك إن بلغ هذا المقدار، وإن كان ما عنده أقل من هذا فلا زكاة. ووالله لأن تذهب من المدينة إلى باكستان لتتعلم هذه المسألة بالذات لم يكن هذا كثيراً أبداً، والأمة تتخبط الآن تخبطاً عجباً، وكل واحد يدلي برأيه في الزكاة.
فالنصاب في العمل سبعون جراماً من الذهب، فإذا كان عندك ريالات فاذهب إلى بائع الذهب واسأله كم يساوي سبعين جراماً من الذهب، فالمبلغ الذي يقول هو النصاب، فإن ملكته زكيت، وإن كان ما عندك دونه فلا زكاة عليه، فإن كان مالك أكثر من سبعين فقد وجبت الزكاة.
العدد الإبل العدد البقر العدد الغنم
25 فيها بنت مخاض 30 فيها عجل 40 فيها شاة
36 بنت لبون 40 فيها مسنة 121 فيها شاتان
46 حقة أوفت 3 سنوات فوق 40 في كل 40 مسنة وفي كل 30 عجل إذا بلغت 201 ففيها 3 شياه
61 جذعة أوفت 4 سنوات وفوق ذلك في كل مائة شاة واحدة
76 بنتا لبون
91 حقتان
120 ففي كل 40 بنت لبون وفي كل 50 حقة
] فالإبل في خمسة وعشرون بنت مخاض، وستة وثلاثون فيها بنت لبون أكبر سناً من بنت مخاض، وستة وأربعون فيها حقة أوفت ثلاث سنوات، وواحد وستون بعيراً فيها جذعة أوفت أربع سنوات، وستة وسبعون من الإبل فيها بنتا لبون، واحد وتسعون حقتان، ومائة وعشرون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
وأما البقر: ففي الثلاثين عجل، وفي الأربعين مسنة، أكبر من العجل سناً، وفوق الأربعين في كل أربعين مسنة، وفي كل ثلاثين عجل، وهكذا دائماً ولو بلغت الآلاف، في كل أربعين وفي كل ثلاثين.
وأما الغنم: ففي أربعين شاة، وفي مائة وواحد وعشرون شاتان، ولو ملك مائة وعشرين فقط ففيها شاة واحدة.
وقد رخص الله في الغنم وهين؛ لأن الغنم يملكها أكثر الناس، ولكن البقر والغنم شيء قليل، فلهذا المائة فيها شاة واحدة، والمائة والعشرون فيها شاة، والمائة وواحد وعشرون فيها شاتان، وإذا بلغت مائتين وواحد ففيها ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة ولو بلغت عشر مائة ففيها عشر شياه.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر