إسلام ويب

كتاب التوحيد [5]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرك المحبة، وشرك الخوف، والتوكل على غير الله تعالى، وطاعة غير الله في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، والتحاكم إلى الطواغيت، وطلب السقيا من غير الله تعالى كالأنواء ونحو ذلك .. كل هذه الأمور أعمال شركية تقدح في توحيد الألوهية الذي هو الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وتجر صاحبها إلى مصاف المشركين بالله تعالى.

    1.   

    شرك المحبة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن من الأعمال الشركية المتعلقة بتوحيد الألوهية شرك المحبة، والمحبة: هي تعلق القلب بالمحبوب.

    أنواع المحبة

    والمحبة نوعان: النوع الأول: المحبة الطبيعية، والنوع الثاني: محبة العبادة.

    فأما المحبة الطبيعية فهي الغريزة الفطرية التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فتجد أن الرجل يحب ولده، ويحب أمه وأباه، ويحب كثيراً من الأمور المتعلقة بما يلائمه، ويحب -أيضاً- أن يدفع عن نفسه الشر، فهذه المحبة تسمى: المحبة الطبيعية، وهذه المحبة فطرة موجودة في نفس الإنسان لا يحاسب عليها، ولا ينبغي له أن يمنع نفسه منها؛ لأن هذا هو ما فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليه، ومخالفة الفطرة مخالفة للمنهج النبوي والمنهج الشرعي، فإن هذا الدين جاء موافقاً لفطرة الإنسان وطبيعته، ولن يأتي مخالفاً لها، ولا مضاداً لها.

    النوع الثاني: هو محبة العبادة، ومحبة العبادة هي التي يسميها بعض العلماء محبة التأله، ومحبة التأله: هي المحبة التي يتعلق العبد فيها بمحبوبه تعلقاً فيه ذل وخضوع وانكسار، وهذا النوع من المحبة ليس محبة طبيعية عادية، وإنما هو محبة فيها ذل وخضوع وانكسار.

    أنواع محبة العبادة

    وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: محبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة الله سبحانه وتعالى واجبة، وهي من أصل الدين، ومحبة الله عز وجل ليست على درجة واحدة، بل هي درجات يتفاوت العباد فيها تفاوتاً عظيماً كما سيأتي في مجموع الآيات التي سنوردها.

    ولمحبة الله سبحانه وتعالى لوازم، منها: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي لازمة لمحبة الله لزوماً أصلياً، فمن فقدت من قلبه محبة النبي صلى الله عليه وسلم فقداناً كلياً فليس بمسلم.

    ومن لوازم محبة الله سبحانه وتعالى محبة الصالحين، ومن لوازمها محبة الوالدين، ومن لوازمها الولاء للمؤمنين الصالحين بكل أصنافهم وأنواعهم.

    النوع الثاني: وهو محبة غير الله سبحانه وتعالى، ومحبة غير الله عز وجل معناها: التعلق التعبدي بغير الله سبحانه وتعالى، وبيان ذلك أن الإنسان إذا تعلق بغير الله عز وجل تعلقاً غير طبيعي كان ذلك بداية المحبة التعبدية، وإذا زاد هذا التعلق في قلب الإنسان إلى درجة أنه يذل له، ويخضع له، ويكون ديدنه التفكير فيه، والتعظيم له، وفعل الأفعال التي يأمر بها، وترك ما ينهى عنه، فهذه هي محبة التعبد لغير الله سبحانه وتعالى، وهذا من الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام، فإذا وصل الإنسان إلى درجة أنه يتعلق بغير الله عز وجل تعلق ذل وخضوع وانكسار وتعظيم، وكان من علامات ذلك الظاهرة اتباع الأوامر، واجتناب النواهي، كان ذلك نوعاً من أنواع العبادة التي إذا صرفت لغير الله عز وجل فهي شرك أكبر مخرج من دائرة الإسلام.

    وهناك نوع من أنواع المحبة لا يصل إلى الكفر الأكبر مع أن فيه نوع تعلق، ومثاله محبة المال محبة زائدة على القدر الطبيعي بدون أن يصل إلى مرحلة الذل والخضوع والانكسار، بحيث أن يترك الإنسان ما أمر الله عز وجل به من أجل الدنيا والمال، أو محبة الزوجة، أو محبة الزوج، أو محبة الولد، أو نحو ذلك من أنواع المحاب التي تجعل الإنسان يعصي الله عز وجل من أجلها، ولكن لا تصل به إلى درجة الخضوع والذل والانكسار والتعظيم الذي هو عبادة من العبادات.

    فهذا النوع لا يعتبر شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، بل هو من أنواع الشرك الأصغر، وهو داخل في كبائر الذنوب، وصاحبه مسلم، ويدخل في هذا بعض درجات عشق الصور في بدايتها إذا لم يستحكم العشق في قلب الإنسان، ويدخل في ذلك أيضاً حب الدنيا، وكراهية الموت، والتعلق بها، وترك الواجبات الشرعية من أجل الدنيا، ويدخل في ذلك حب الولد الذي يمنع الإنسان من الجهاد في سبيل الله إن كان واجباً، وكذلك المال، وكذلك سائر الأمور المحبوبة محبة طبيعية، فقد يبالغ بعض الناس في المحبة الطبيعية إلى درجة أكبر من المحبة الطبيعية.

    وبهذا نكون قد عرفنا هذا الباب العظيم من أبواب الدين، وهو باب المحبة، والأقسام المتعلقة به. وبعض العلماء يقسم المحبة تقسيماً آخر فيقول: محبة لله، ومحبة في الله، ومحبة مع الله.

    والأهم من هذا أن يفهم الإنسان الفكرة الأساسية، أما التقسيمات فإنه للإنسان أن يقسم بأكثر من تقسيم بحسب طريقة النظر في المسألة، فبعض الناس ينظر إليها من زاوية، وبعض الناس ينظر إليها من زاوية أخرى، فتختلف تقسيمات العلماء.

    المحبة الشركية

    أبرز أنواع المحبة الشركية المحبة التي تكون لمعظم، مثل محبة الصوفية لكبرائهم وسادتهم، ومثل محبة كثير من الناس لعلمائهم، أقصد المحبة التي تكون محبة تعظيم إلى درجة الطاعة المطلقة له، بحيث يحل له الحرام فيتبعه، ويحرم عليه الحلال فيتبعه، فهذا هو الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام.

    ولعلي أكتفي بذكر مثال واحد، وهو عبد الوهاب الشعراني من أئمة الصوفية المتأخرين، له كتاب اسمه: الأنوار القدسية في معرفة آداب العبودية، يتحدث فيه عن آداب المريد مع شيخه، فتشعر بأنك تقرأ عن آداب الصلاة، أو آداب الصيام، أو آداب المسلم مع ربه، فهو يقول: (يجب ألا يكتم عنه شيئاً، وأن يكون بين يديه كالميت بين يدي مغسله، وأن يسمع منه كل أمر، حتى لو ظهر له أنه مخالف للشريعة) ويصرح بهذا، فيقول: (يجب أن تسمع لشيخك حتى لو ظهر لك في بادئ الأمر أنه مخالف للدين؛ لأن الدين حسب تصورك أنت قد يكونا قاصراً، أما الشيخ ففهمه أوسع من ذلك وأكبر).

    ومن المحبة التي هي من جنس البدع والمعاصي محبة بعض المذهبيين لأئمتهم إلى درجة مخالفة النصوص الشرعية، فتجد بعض المتعصبين عندما تذكر له حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقول: قال الإمام فلان كذا وكذا، وهذا لا شك في أنه من الأمور الخطيرة، حتى إن من علماء الحنفية من يقول في كتابه: كل حديث أو آية خالفت قول إمامنا فهي إما مؤولة أو منسوخة. يعني أن القطعي هو قول الإمام، وإما الحديث فهو إما مؤول أو منسوخ.

    ولا شك في أن هذا محادة لكلام الله عز وجل وكلام رسوله والعياذ بالله، ومنشأ هذا الأمر هو المحبة.

    ومن ذلك أيضاً طاعة المحكومين لحكامهم في معصية الله عز وجل.

    صرف المحبة لغير الله شرك بالله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]].

    هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] المعنى الصحيح فيها هو أن هؤلاء يحبون الله عز وجل، لكن لهم أنداد يحبونهم مثل محبة الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الشرك الذي وقعوا فيه، فلهذا قال بعد ذلك: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، يعني: أشد حباً لله من هؤلاء لآلهتهم.

    وهذه الآية إنما ذكرها الشيخ هنا وجعلها عنوان الباب من أجل أن يبين أن من أعمال القلوب ما يقع فيه الشرك، وتوحيد الألوهية فيه أعمال الجوارح وأعمال القلوب، فأعمال القلوب مثل: المحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، ونحو ذلك من أنواع العبادات، وأعمال الجوارح مثل: السجود، والركوع، والصلاة، والمظاهر التعبدية التي تكون على جوارح الإنسان.

    فالمحبة نوع من أنواع توحيد الألوهية، إذا صرفت لغير الله صارت شركاً أكبر، ولهذا قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165].

    والأنداد: جمع ند، والند: هو النظير والمثيل والشبيه. وقوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، يعني: كحب الموحدين لله عز وجل، وهذا فيه إشارة إلى ضابط المحبة الشركية، فضابط المحبة الشركية هو: أن يحب الإنسان محبوبه مثل حب العابد ربه، فالعابد يحب ربه، بمعنى أن قلبه متعلق به ذلاً، وخضوعاً، وانكساراً، وتعظيماً، فهو ليس محبة عادية، فهذا هو المقصود من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]].

    هذا النوع درجة من درجات محبة غير الله سبحانه وتعالى وهي الدرجة التي سبق أن أشرنا إليها، وهي درجة فوق المحبة العادية، وقد لا تصل إلى المحبة الشركية.

    يقول تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ [التوبة:24] إلى آخر ذلك من الأمور الدنيوية أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا [التوبة:24]، فإذا كان هناك أوامر عند الأب أو الابن، أو كانت هناك متطلبات للتجارة، أو المساكن، أو نحو ذلك، فإنكم تطيعونها أكثر من طاعتكم لله عز وجل، فهذا هو الشرك الذي يقع الإنسان فيه، وهذه المحبة بحسب درجتها، فإذا كانت مثل محبة الله عز وجل أو أشد فهي الشرك المخرج، وإن كانت أقل من ذلك -كما هو المشهور عند الناس والغالب في المسلمين- فهي من الشرك الأصغر الذي لا يصل إلى الشرك الأكبر. ومن أنواع الشرك الأكبر فيما يتعلق بهذه الأمور الدنيوية إحجام بعض الناس عن الالتزام بالإسلام، كأن يكون كافراً وعنده رغبة في الالتزام بالإسلام، فيرده عن ذلك تعلقه ومحبته للوطن أو للأهل، أو للدولة، أو للأقارب، كمثل ما حصل لـهرقل عظيم الروم، حيث عرف الحق، وأن هذا الدين هو دين الله عز وجل، ولكن الطمع في الدنيا، والتعلق بالملك جعله يعرض عن هذا الدين، مع أنه يعرف أنه الحق، والعياذ بالله.

    ومثل بعض أصحاب وفد نجران حيث أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم بعض رهبان النصارى، فعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه على الحق، ولكن لأن لهم سلطاناً، ومكانة ومنزلة، وأثراً في الناس ما أحبوا أن يتخلوا عن هذه المكاسب الدنيوية من أجل الالتزام بالدين، فأعرضوا -والعياذ بالله- عن الالتزام بالدين لأجل هذه المكاسب الدنيوية، فهذا نوع أيضاً من أنواع الشرك.

    إذاً: شرك المحبة المخرج من الملة قد يقع فيه الإنسان الذي لم يسلم بعد، فيصده عن الإسلام، وقد يقع فيه من كان مسلماً، حيث تصل به محبة الدنيا إلى درجة أنه يحبها مثل محبة الله عز وجل أو أكثر.

    أنواع المحاب المطلوبة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين)، أخرجاه].

    هذا الحديث في محبة النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، نفي الإيمان فيه هو بحسب نوع المحبة التي صرفت لغير الله كما سبق أن بينا، وهذا يدل على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الإيمان مثل محبة الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، وفي رواية: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى) إلى آخره].

    وجه الدلالة من هذا الحديث هو من ناحية أن المحبة يتفاوت فيها الناس، فبعضهم يبلغ درجات عالية من المحبة، وبعضهم أقل من ذلك.

    ولهذا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن صنف معين من الناس وجد حلاوة الإيمان، وهو من أهل الإيمان، فالذي لم يجد حلاوة الإيمان لا يعني ذلك أنه ليس بمسلم، بل المراد درجة المحبة العالية، ولهذا سبق أن بينت أن توحيد الألوهية مثل الإيمان يزيد وينقص، وكل الأعمال المتعلقة بتوحيد الألوهية يزيد فيها الإيمان وينقص أيضاً، فالمحبة تزيد وتنقص، والرجاء يزيد وينقص، والخوف يزيد وينقص، والتوكل يزيد وينقص، والناس ليسوا على مرتبة واحدة، إلا أن هناك حداً أساسياً لازماً لكل هذه الأنواع جميعاً، فإيمان القلب له حد أساسي، وأعمال الجوارح لها حد أساسي، وعناصر أعمال القلب لا بد من أن يوجد فيها حد أدنى إذا لم يوجد في الإنسان يزول الإيمان بزواله، ولهذا جاء في حديث الجهنميين أن الله عز وجل يقول: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).

    يعني: من كان في قلبه مثقال الذرة مع وهو مخلوط من المحبة والخوف والرجاء، والأمور الأساسية من أعمال القلب، مثل: تصديق القلب، ويقين القلب، والإخلاص، والانقياد، ونحو ذلك.

    فإيمان هؤلاء نقص حتى صار مثقال ذرة، وليس مثقال الذرة من المحبة فقط، بل من المحبة والخوف والرجاء، ومثقال الذرة لا يكفي وحده في النجاة عند الله عز وجل، بل لا بد من أن يكون معه عمل صالح في الظاهر، وهو نطق الشهادة والصلاة، واجتناب الكفر الأكبر المخرج من الملة، واجتناب نواقض الإيمان، وهذا الاجتناب هو في حد ذاته عمل.

    وقد يقول بعض الناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يعلموا خيراً قط).

    فنقول: ليس المقصود أنه ليس عندهم عمل، وإنما المقصود أنهم من قلة عملهم يكادون أن يصلوا إلى درجة أنهم لم يعلموا خيراً قط، والذي دعانا إلى أن نفسر هذا التفسير هو أحاديث الجهنميين التي تبين أنهم قالوا: لا إله إلا الله) وهذا عمل خير زيادة على مثقال الذرة، وتبين كذلك وتدل أيضاً أنهم من أهل الصلاة، ولهذا يعرفون بمواطن السجود، وتبين أنهم امتنعوا عن نواقض الإيمان العملية، وهذا خير أيضاً، فلا بد من أن نجمع بين هذه الأحاديث لنفسر هذا التفسير، وهذا سائر في لغة العرب، فالرجل إذا غضب على ولده يقول له: أنت لست بولدي، ولا يقصد بذلك أنه لم يأت من صلبه، وأنه يتهم هذا الولد بأنه ولد بغي -مثلاً- والعياذ بالله، وإنما المقصود أنه ليس بالولد الطائع، فالولد من طبيعته أنه يطيع والده، فالمقصود: لست من ولدي الذي يطيع والده.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله؛ وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولم يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجزي على أهله شيئاً. رواه ابن جرير ].

    هذا الأثر عن ابن عباس يضعفه بعض العلماء، وعلى وهو متعلق بمسألة لوازم المحبة، فالمحبة في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، كلها من لوازم المحبة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس في قوله تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] قال: المودة].

    يعني: تقطعت الأسباب بالكافرين فلم تنفعهم محبتهم لآلهتهم التي كانوا يتخذونها سبباً للنجاة عند الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    الخوف وأقسامه

    الخوف عمل من الأعمال القلبية، وهو من أصول الإيمان الواجبة، وهو -أيضاً- من توحيد الألوهية.

    والخوف ينقسم إلى قسمين: خوف طبيعي، وخوف تأله أو تعبد.

    فالخوف الطبيعي: هو الخوف العادي الذي يحصل للإنسان عندما يداهمه عدو، أو حيوان مفترس، أو نحو ذلك مما يخاف الناس في العادة منه.

    والضابط في هذا الخوف الطبيعي هو: انعقاد أسباب الخوف، فالخوف الذي تنعقد أسبابه هو الخوف الطبيعي، وذلك كمن رأى أسداً حقيقياً فخاف، فهذا خوف طبيعي.

    أو جاءه عدو بسلاح ووضعه في رأسه، فخاف واضطرب قلبه، فهذا خوف طبيعي يحصل للإنسان، ويخاف الإنسان من الموت، فالإنسان لا يذم ولا يلام على الخوف الذي تنعقد أسبابه.

    وأما الخوف غير الطبيعي فيمكن أن نقسمه إلى أقسام:

    القسم الأول: الجبن، والضابط فيه هو أنه خوف وهمي لم تنعقد أسبابه، والجبن مذموم، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الجبن، فإنه خوف من غير مبرر، إذ يرى ما ليس بسبب سبباً، وهو ليس بسبب في الحقيقة، فهذا مذموم.

    القسم الثاني: خوف العبادة، وخوف العبادة ليس خوفاً طبيعياً عادياً، وإنما هو خوف تعلق بالمعبود.

    وخوف العبادة إما أن يكون خوفاً من الله، فهذا توحيد، ومعناه التعلق بالله عز وجل، والخوف من وعيده وعقابه.

    وإما أن يكون خوفاً من غير الله سبحانه وتعالى، وهو قسمان:

    القسم الأول: خوف شركي يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وهذا هو الخوف الذي يسميه بعض العلماء خوف السر، ومعنى خوف السر: أن يخاف من غير الله عز وجل خوف تعظيم؛ لأنه يشعر أن هذا المخوف معظم، ويملك أموراً غيبية جعلت هذا الخائف يخاف منه، وهذا نوع من أنواع خوف السر، ومن أنواع خوف السر ألا يخفي على من يخافه شيئاً في قلبه؛ لتصوره أن له تأثيراً عليه، بحيث يجعل باطنه كظاهره عند من يخاف منه.

    وهذا النوع من أنواع الخوف شرك أكبر، ويمكن أن يمثل له بخوف المشركين من آلهتهم، فقد كانوا يتصورون أن هذه الآلهة لديها قدرات، كما يقع عند بعض من يشركون في الربوبية، حيث يعتقدون أن هؤلاء لهم قدرات مستقلة يؤثرون في العالم بسببها، فهذا شرك في الربوبية، أو يتصورون أن آلهتهم عندها قدرات بإعطاء الله لها، ولهذا يخافون منها، كما هو شرك المشركين في العالم، فهم يتصورون أن هؤلاء الصالحين الذين يعبدون الله عز وجل مستجاب من الله كلامهم مباشرة، فإذا طلبوا منه أن ينفع فلاناً فسينفعه، وإذا طلبوا منه أن يضره فسيضره، مثل الوكيل أو صاحب المنزلة عند الملك العظيم،فصاحب المنزلة عند الملك العظيم يقول له الملك: اسجن هذا فيسجنه، وأعط هذا مكافأة فيعطيه المكافأة.

    ومثل خوف بعض الناس من الأولياء، إذ يقول: لا تتكلم، فالولي إذا تكلمت سيضرك، ومثل خوفهم من السحرة، والكهان، والجن، ونحو ذلك، لا سيما إذا كان الخوف من معظم يعتقد صاحبه أن له قدرات تأثيرية في الناس، فهذا لا شك في أنه من الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام والعياذ بالله.

    فهذا هو الضابط في الخوف الذي يكون خوفاً شركياً.

    القسم الثاني: الخوف من غير الله عز وجل الذي لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وهو الخوف الذي لا يكون من معظم، بحيث يكون خوفاً سرياً يظهر معه ما في باطنه على جوارحه، وإنما هو خوف من البطش أو الأذى، سواءٌ أكان حقيقياً أم وهمياً، وفي الغالب يكون وهمياً، فيمتنع الخائف بسببه من الواجبات الشرعية.

    ومثاله في إنسان قيل له: لماذا لا تشتغل بالدعوة؟ فقال: إذا اشتغلت بالدعوة فسيحصل لي ضرر، ثم يبدأ يعدد بعض الأضرار التي حصلت لبعض الدعاة في التاريخ الإسلامي، فيقول: فلان من الدعاة دعا فقتل، وفلان من الدعاة دعا فسجن، وفلان من الدعاة دعا وجلد ظهره، وفلان من الدعاة دعا فنفي من الأرض، ويبدأ يعدد الأذى والمتاعب التي حصلت لبعض الدعاة، فيمتنع عن الدعوة إلى الله عز وجل خوفاً من هذه الأمور التي يتصورها، فهذا من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وهو من الشرك الأصغر، ولكن لا يصل إلى الشرك الأكبر؛ لأنه لم يصرف عبادة محضة لغير الله، إذ ليس عنده خوف سر، وإنما عنده خوف وهمي ممن يخاف منه جعله يمتنع عن الصالحات، وهكذا الأمر فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو فيما يتعلق بالإصلاح بكل ألوانه، أو بالصلاة ونحو ذلك، وهو من الخوف الذي ليس له مسوغ، إلا أنه خوف الشيطان، وهو خوف ليس صاحبه مكرهاً، بل يستطيع أن يدعو إلى الله بكل سهولة، ومع هذا يمتنع؛ لأنه يخاف من أناس أن يؤذوه، فيكبر الموضوع تكبيراً غير طبيعي، وبهذه الطريقة يمتنع عن الصالحات، فيقع في ترك واجب من الواجبات الشرعية أياً كان هذا الواجب، سواء أكان هذا الواجب في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم في الصلاة والزكاة والصيام ونحو ذلك من العبادات المشروعة، أم في إطلاق اللحية، أم في غير ذلك.

    1.   

    تخويف الشيطان أولياءه وأثره على التوحيد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]].

    هذه الآية: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] فيها تقدير: (يخوفكم من أوليائه)، يعني أن: الشيطان يأتي ويخوفكم من أوليائه، فيقول لكم مثلاً: إن الأعداء أقوياء، وعندهم أسلحة كبيرة، ومكانة عظيمة، وقدرات هائلة، وهذا كالخوف الحاصل الآن من إسرائيل، إذ هناك خوف عظيم عند كثير من المسلمين مع الأسف الشديد، وما هذا إلا من تخويف الشيطان، كما قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175].

    يقول تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، ففي هذه الآية شرط، وهو قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

    فالخوف من الله شرط في الإيمان، والخوف من غير الله عز وجل قادح في الإيمان، سواء أكان القدح من جنس الشرك الأصغر أم من جنس الشرك الأكبر، فهو بحسب درجة الخوف.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18]].

    والشاهد هو قوله تعالى: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18]، فهنا نفي وإثبات، والنفي والإثبات يدلان على الحصر والقصر والاختصاص.

    فالنفي في قوله تعالى: لَمْ يَخْشَ [التوبة:18]، والإثبات في قوله تعالى: إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18]، وهذا يدل على أن الخشية يجب أن تكون لله خالصة.

    ويفرق بعض العلماء بين الخوف والخشية، فيقول: إن الخشية خوف عن علم، ويستدلون على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فاستخدم في هذه الآية الخشية؛ لأنها مضافة إلى العلماء.

    عظيم خطر الالتزام بالتوحيد وعدم الخوف من الناس

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10]].

    هذه الآية تدل على أن الالتزام بالتوحيد ليس أمراً هيناً، وأن الالتزام بالتوحيد لا يكون في السراء فقط، أو عند عدم الأذى، ولا يكون بحسب التشهي، بل الموحد هو الإنسان الصادق الذي يصبر في السراء والضراء، سواء أكانت فتنته بالدنيا من مال أو نساء أو نحو ذلك، أم كانت فتنته بالقوة والأذى، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بايع أصحابه في العقبة بايعهم بقوله -كما في لفظ أبي داود -: (وأن تعضكم السيوف)، والعض معروف، والمعنى أن السيوف تضربكم، فبايعوه على أن يصبروا على ذلك، ولهذا لما كانوا في البيعة قال سعد بن عبادة لأصحابه: هل تعلمون على ماذا تبايعون هذا الرجل؟! إنكم تبايعونه على مفارقة الأسود والأبيض، وتبايعونه على مفارقة الأهل والخلان وكل الناس فوفوا بهذه البيعة في مواطن كثيرة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: (إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره)].

    هذا الحديث معناه عظيم جداً، وإسناده فيه ضعف.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، رواه ابن حبان في صحيحه].

    هذا الحديث يدل على ثمرة الخوف من الله سبحانه وتعالى، وتعظيم الله عز وجل، وأن ثمرته تكون في الدنيا والآخرة أيضاً.

    1.   

    التوكل وأنواعه

    التوكل معناه: الاعتماد القلبي، وينقسم إلى قسمين:

    الأول: الاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه.

    والثاني: الاعتماد على المخلوق فيما لا يقدر عليه.

    فأما الاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه فإنه ينقسم إلى قسمين: اعتماد مباح، واعتماد محرم.

    فأما الاعتماد المباح فهو أن يعتمد الإنسان على شخص يوكله في أمر من الأمور يقدر عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم وكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أن ينحر بقية الإبل عندما كان في الحج، والوكالة باب من الأبواب الفقهية، والله عز وجل يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالاعتماد على الآخرين في الأمور التي يقدر عليها الإنسان في العادة هو من جنس التعاون، وإن كان الأولى تركه، لا سيما فيما يمكن للإنسان أن يقوم به، ولهذا كان السلف -رضوان الله عليهم- إذا سقط سوط أحدهم تناوله بيده ولم يقل لأحد: ناولنيه، أو: أعطني إياه.

    وأما الاعتماد المحرم على المخلوق فيما يقدر عليه فهو الاعتماد عليه فيما يقدر عليه وتعليق القلب به، فتعليق القلب بهذا المخلوق محرم، حتى لو كان يقدر عليه، ومثال ذلك كون الإنسان يتعلق بالوظيفة التي هو فيها، وقد يترك بعض ما أمر الله عز وجل به بسبب اعتماده على هذه الجهة أو تلك في عطائه أو رزقه، فهذا من المحرم، فإذا تعلق القلب بالمخلوق وصار فيه نوع افتقار وقع في الإثم، والعياذ بالله.

    أما التعلق بالمخلوق والاعتماد عليه فيما لا يقدر عليه -سواءً أكان ذلك مما يقدر عليه الإنسان في الأصل، ولكن طلب من ميت أو من غائب، أم كان لا يقدر عليه جنساً وأصلاً -فهو شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام، والتوكل على الله لا شك في أنه من أعظم أنواع العبادات.

    ويمكن أن نقسم الاعتماد القلبي بالطريقة السابقة إلى قسمين: الاعتماد على الله، والاعتماد على غير الله.

    فأما الاعتماد على الله فهو أصل عظيم من أصول التوحيد، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

    يعني: تخرج من أوكارها جائعة خمصته البطون، وترجع في آخر النهار وقد امتلأ بطونها، وكل ذلك من رزق الله عز وجل، وهذا يدل على أنها منذ خروجها كانت معتمدة على الله عز وجل؛ إذ هو المتكلف بأرزاق العباد سبحانه وتعالى.

    وأما الاعتماد على غير الله عز وجل فهو بحسب التفصيل السابق.

    دلائل منزلة التوكل على الله من الإيمان

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]].

    ووجه الدلالة من هذه الآية أنها تدل على التوكل، فقوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [المائدة:23] أمر بالتوكل على الله، وهذا يدل على أن التوكل والاعتماد يكون على الله سبحانه وتعالى.

    والدلالة الثانية هي في قوله تعالى: إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]، فهي تدل على أن التوكل شرط في الإيمان، وأن زوال التوكل يزيل الإيمان، فيزيل أصل الإيمان أو يزيل كماله الواجب.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]].

    هو قوله تعالى: وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، والآية كلها في موضوع الإيمان، وقد ذكرت أصنافاً متعددة من أنواع الإيمان، وآخرها يتعلق بالتوكل، وهو موطن الدلالة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64]].

    قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] المقصود هنا عطف قوله: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] على الضمير المتصل بالمصدر وهو: حَسْبُكَ اللَّهُ [الأنفال:64]، والمعنى: الله حسبك وحسب من اتبعك، والحسب هو الاعتماد والتوكل.

    وقد فهم القبوريون الضالون من هذه الآية فهماً فاسداً، فظنوا أن العطف في قوله: وَمَنِ اتَّبَعَكَ [الأنفال:64]، كائن على لفظ الجلالة، أي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ، ويا أيها النبي حسبك المؤمنون، وهذا شرك، وقالوا: فهذا يدل على أن التشريك في التوكل والاعتماد ليس من الشرك الأكبر، وهذا فهم فاسد، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في الرد على هذه القضية في بداية زاد المعاد.

    ثمرة التوكل على الله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]].

    هذه الآية دلالتها ظاهرة، وفيها بيان ثمرة التوكل، وهي أن الله عز وجل حسبه وكافيه من كل شيء، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، رواه البخاري والنسائي ].

    قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران:173]، هؤلاء ركب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: إن أبا سفيان ومن معه سيغزونكم بعد هزيمتكم في أحد، وسيستأصلون شأفتكم ويزيلونكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، يعني: كافينا الله عز وجل، و(نعم) من صيغ المدح، فقوله: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] يعني: نعم المعتمد عليه سبحانه وتعالى.

    ومن الفوائد في هذا الأمر ما ذكره ابن القيم في مقام التوكل على الله في كتابه مدارج السالكين، حيث يقول: (لو أن مؤمناً توكل على الله عز وجل في إزالة جبل لأزاله)، وهذا من الأشياء العجيبة التي ذكرها رحمه الله، فالتوكل على الله عز وجل يعطي قوة في الدنيا، كما أنه من مقامات الإيمان، ولهذا لما اجتمع العالم كله والتحالف الدولي على أفغانستان، وطلبوا منهم طلباً محرماً، فرفضوا وأبوا، وتوكلوا على الله عز وجل واعتمدوا عليه ووهبهم الله تعالى هيبة عدوهم لهم، ووقف موقفاً تاريخياً لا يمكن أن ينسى ضد دول الكفر، فالدولة المحاربة له ليست دولة واحدة، مع أنها لو كانت دولة واحدة لكانت كافية في إزالة نظام ضعيف من الناحية المادية كنظام طالبان، ومع ذلك لما اجتمع التحالف الدولي، والدول الصناعية ومن معها من المنافقين على هذه الجماعة المؤمنة، فتوكلوا على الله وصبروا أصبح أولئك وإلى الآن هم يخافونهم ويخشونهم، ويترددون في المواجهة معهم.

    فالتوكل على الله يرزق الإنسان من القوة والصمود ومواجهة الباطل الشيء الكثير.

    1.   

    الطاعة وأقسامها

    الالتزام بالطاعة المطلقة للأمر والنهي عبادة يجب أن تصرف لله سبحانه وتعالى، فمن صرفها لغير الله عز وجل فقد وقع في الشرك.

    والطاعة نوعان: طاعة الله عز وجل ورسوله، وطاعة غير الله.

    فأما طاعة الله عز وجل ورسوله فهي من التوحيد الخالص.

    وأما طاعة غير الله عز وجل فتنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: طاعته في طاعة الله عز وجل.

    والقسم الثاني: طاعته في غير طاعة الله.

    فأما إذا أطاعه في طاعة الله عز وجل فهذا لا إشكال فيه، مثل: طاعة العلماء، والصالحين، وولاة الأمر إذا أمروا بما فيه مرضاة الله عز وجل، ومنها طاعة الوالدين في طاعة الله عز وجل، فهذا لا إشكال فيه؛ لأن الأصل هو طاعة الله سبحانه وتعالى.

    وأما طاعة غير الله عز وجل في معصية فهي نوعان:

    النوع الأول: أن تكون هذه الطاعة مبنية على أساس اعتقاد حل الحرام، وتحريم الحلال، أي: يطيع غير الله عز وجل وهو يعتقد أنه يملك أن يحلل ويحرم، ويملك التشريع، فهذا شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام، وهذا هو معنى اتخاذ اليهود لأحبارهم والنصارى لرهبانهم أرباباً من دون الله، كما جاء في حديث عدي بن حاتم ، بمعنى أنهم يحلون لهم الحرام فيتبعونهم، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فتلك عبادتهم).

    النوع الثاني: أن تكون هذه الطاعة مبنية على أساس أن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله سبحانه وتعالى، لكن يطيعه لشهوة ورغبة، ويطيعه لدنيا، مع أنه يعتقد أن أصل تحليل الحلال وتحريم الحرام بيد الله لا بيد الخلق، وإنما أطاع هذا الإنسان في معصية الله عز وجل من أجل شهوة من الشهوات الدنيوية، فهذا النوع لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وإنما هو من الشرك الأصغر، فإذا أمر عالم من العلماء بأمر فيه معصية لله عز وجل -كما لو أمر عالم من العلماء بأكل الربا مثلاً- فإن الذي يطيعه في ذلك ويعتقد أنه يحل الحرام يقع في الشر الأكبر، وإذا كان يعتقد أن المحلل والمحرم هو الله عز وجل، وعقيدته في تحريم الربا ثابتة، ولكن استغل هذه الفرصة ليكثر أمواله، حتى إذا سأله أحد احتج بفتوى هذا العالم أو غيره، كان هذا من الشرك، ولكن لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وإنما هو من الأصغر.

    تقديم طاعة المتبوعين على طاعة الله ورسوله يجعلهم أرباباً من دون الله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أرباباً من دون الله.

    وقال ابن عباس رضي الله عنه: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر !].

    كان هذا في موضوع المتعة، حيث كان أبو بكر وعمر ينهيان عن المتعة، وكان ابن عباس يجيزها، وكان إذا ناقش بعض الناس يقول لهم: قال رسول الله، فيقولون: كرهها أبو بكر وعمر ، فيغضب غضباً شديداً -وحق له ذلك- ويقول: أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر ! يعني: كيف تعارضون قول رسول الله بقول أبي بكر وعمر ، فهذا إنكار ابن عباس على من يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول هاذين الفاضلين اللذين هما من خيار الناس وأفضل الناس، فكيف من يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول كاتب من الكتاب في الصحافة، أو يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول حاكم من الحكام، أو بقول شخص من الأشخاص، بل بعضهم وصل به الحال إلى أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول سفيه من السفهاء ليس له أي قيمة في علم ولا عمل، ولهذا فإن التدني في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الواقع الذي نعيش فيه وصل إلى مرحلة منحطة بشكل عجيب، وهو يحتاج منا جميعاً إلى التعاون على بيان طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم هذا الأمر، وطاعة الله عز وجل وتعظيم هذا الأمر، وعدم مخالفة أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها مهلكة للإنسان، ولهذا قال: يوشك أن تنزيل عليكم حجارة من السماء.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك].

    هذا في النوع الأول من أنواع الطاعة، وهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على أن الأمر يقتضي الوجوب؛ لأنه رتب الفتنة والعذاب الأليم على مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال رحمه الله: وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ [التوبة:31]، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم! قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ فقلت: بلى، قال:فتلك عبادتهم)، رواه أحمد والترمذي وحسنه].

    هذا الحديث إسناده حسن كما قال الترمذي رحمه الله، وقد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وهو يدل على تفسير الآية في كونهم اتخذوهم أرباباً؛ لأنهم أعطوهم حق التشريع، يحلون لهم الحرام فيتبعون، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونهم.

    كما هو حال أصحاب القوانين الوضعية، فإنهم أعطوا حق التشريع للجان معينة، أو لقانونيين يشرعون بخلاف ما أمر الله عز وجل به، وهذا لا شك في أنه من الشرك الأكبر كما بين ذلك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في تحكيم القوانين، فليراجع.

    والتحاكم والحكم من العبادة، ولهذا يقول الله عز وجل: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:40]، فحصر الحكم في الله عز وجل، فلا يجوز لأحد أن يطلب الحكم من غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعدها: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] وذلك يدل أن الحكم عبادة، فيجب أن تصرف لله، وكما أن المحبة والخضوع والذل والخوف ونحو ذلك من الأعمال عبادات، فكذلك التحاكم، فلا يجوز للإنسان أن يتحاكم إلى أي قانون من قوانين الجاهلية، وإنما يجب عليه أن يتحاكم إلى الله عز وجل ورسوله في كل شيء.

    1.   

    خطر التحاكم إلى الطواغيت وجره إلى الشرك

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60]].

    هذه الآية فيها بيان أن من يريد التحاكم إلى غير الشريعة فهو من المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، فهم يبطنون الكفر حيث لا يريدون التحاكم إلى الشريعة، ولهذا يظهر ذلك على فلتات ألسنتهم عندما يطلبون التحاكم إلى غير الشريعة.

    ومن الأدلة على أن التحاكم يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى قول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    ونحو ذلك من الآيات التي تدل على وجوب التحاكم إلى الله ورسوله، كقول الله عز وجل في المتحاكم إلى غير الشريعة: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] وقوله: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]].

    هذه الآيات عامة تشمل الإفساد بالعقائد الباطلة، والإفساد بالشرك، ومنه الإفساد بالتحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل بعد أن أصلحها الله بشريعته، فالذي خلق الإنسان هو الله، وهو أعلم بما يصلحه وما ينفعه، ولهذا أنزل عليه شريعة تصلحه وتنفعه، فإذا ابتغى الإنسان شريعة أخرى يخترعها ويضعها هو وهو إنسان محدود العلم، محدود الفكر، محدود التصورات، فسيضع لنفسه شريعة غير الشريعة التي وضعها الله عز وجل، وهذا إفساد في الأرض بعد أن أصلحها الله عز وجل بالشريعة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]].

    هذا استفهام إنكاري، وحكم الجاهلية هو كل حكم مخالف لحكم الله عز وجل، فإن الجاهلية اسم عام لكل أمر مخالف لدين الله عز وجل، حتى ولو كان من الذنوب والمعاصي، ولهذا لما عير أبو ذر بلال بن رباح رضي الله عنهما فقال له: يا ابن السوداء! قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، يعني: فيك خصلة من خصال الجاهلية.

    وبوب البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان (باب الذنوب من أمور الجاهلية) فكل شيء مخالف لشريعة الله فهو من الجاهلية، سواءٌ كان من الكبائر أم من الكفريات المخرجة عن الملة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).

    قال النووي : حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح].

    هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله في الأربعين، وهو من الأحاديث التي انتقدت على الإمام النووي في ذكره لها في الأربعين؛ لأنه حديث ضعيف، وممن فصل في بيان ضعفه شارح الأربعين النووية ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (جامع العلوم والحكم) فيمكن أن يراجع.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الشعبي : كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد؛ لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود؛ لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ [النساء:60]].

    هذا الأثر المروي عن الشعبي أثر مرسل، فـالشعبي من التابعين، ولم يكن من الصحابة الذين عايشوا التنزيل، فيعتبر أثراً ضعيفاً في سبب النزول، ودلالة الآية على موضوع التحاكم صريحة في لفظها.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقيل: نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف ، ثم ترافعا إلى عمر ، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟! قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله].

    هذا الأثر فيه ضعف، وقد يكون موضوعاً؛ لأن في إسناده محمد بن السائب الكلبي ، وهو كذاب، وأبو صالح الراوي عنه متروك.

    والخبر فيه إشكال عند بعض الناس؛ إذ كيف يقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الرجل دون أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أو يستأذن صاحب الشأن والقضاء، وهذا الإشكال بعد بيان وضع هذا الأثر لا فائدة في الجواب عنه.

    1.   

    الاستسقاء بالأنواء وأقسامه وأحكامه

    الاستسقاء معناه: طلب السقيا بالأنواء، والأنواء: جمع نوء، والنوء: هو النجم، فالاستسقاء بالأنواء معناه: طلب السقيا من النجوم، وطلب السقيا من النجوم ينقسم إلى قسمين:

    الأول: أن يطلب السقيا من النجوم على اعتبار أنها سبب.

    الثاني: أن يطلب السقيا منها على اعتبار أنها مؤثرة، وهذا يلحق بالكلام الذي سبق الحديث عنه في موضوع التنجيم، فالتنجيم ينقسم إلى قسمين: تنجيم يعتقد أصحابه أنه له تأثير في الأرض وفي الناس، وأن هذا التأثير ليس على أساس أنه سبب وإنما هو تأثير مستقل، فهذا شرك في الربوبية.

    والقسم الثاني: تنجيم يعتقد أنه سبب، فاعتقاد أنه سبب شرك أصغر؛ لأنه زعم في شيء من الأشياء أنه سبب وهو ليس بسبب، وفي حالة واحدة يعتبر شركاً أكبر، وهو إذا طلب السقيا من النجوم بقوله: يا نوء كذا! اسقنا، فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأن الاستسقاء وطلب السقيا من جنس الدعاء، وذلك لا يقدر عليه إلا الله، فإذا طلبه من غير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، أما إذا نسب هذا الأمر إلى الأنواء على أنها سبب فهو شرك أصغر؛ لأنه نسب السقيا إلى النجوم على أنها سبب، وهي -في الحقيقة- ليست بسبب.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.

    وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82].

    وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)، وقال: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب)، رواه مسلم ، ولهما عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب).

    ولهما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75]، إلى قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82]].

    هذا الباب فيه ذكر النوعين الذين سبق أن أشرنا إليهما، فطلب السقيا من النجوم شرك أكبر، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أمر الجاهلية.

    وأما نسبة السقيا إلى النجوم والأنواء فهي من الشرك الأصغر.

    وفيه مأخذ آخر، وهو نسبة النعمة إلى غير الله عز وجل، وهذا الأمر سيأتي الحديث عنه -بإذن الله تعالى- عند حديثنا عن الشرك في الربوبية والأسماء والصفات.

    1.   

    واجب المسلمين تجاه أحداث فلسطين وأفغانستان وغيرهما

    لا شك في أن أهل الإسلام يجب عليهم أن يتناصروا ويتعاونوا، وأن يتألم الإنسان عندما يسمع عن إخوانه في أي مكان في العالم حين يحصل لهم الأذى والقتل، ولا يخفى علينا ما يحصل لإخواننا في فلسطين من القتل والتدمير، وقتل الأطفال والنساء، وقتل الرجال بالجملة، حيث يقتل ثلاثون أو أربعون من خيرة شباب هذه الأمة في وقت واحد وهم عزل ليس معهم سلاح يدافعون به عن أنفسهم.

    فهذه المظاهر جعلت كل مسلم يشعر بالأسى، ويشعر بمدى الذلة التي وصلت إليها هذه الأمة.

    وإذا نظرنا إلى الحال الذي فيه هذه الأمة خلال هذا العام فسترى أن اليهود والنصارى وأمم الأرض جميعاً استذلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم استذلالاً عجيباً وغريباً، ففي أفغانستان يقتلون بالجملة، وتجرب فيهم جميع أنواع الأسلحة، ويجرب فيهم جميع أنواع الصواريخ المدمرة، وفي فلسطين يحصل للمسلمين هذا الاستذلال على مرأى ومسمع من كل المسلمين في العالم، ولا أحد يستطيع أن يقوم بإغاثتهم ونجدتهم، بل إن كثيراً من المسلمين -مع الأسف- ما زالوا في غيهم، وما زالوا في معاصيهم، فالذي يشتغل بالزنا ما زال يشتغل به، والذي يشتغل بالربا ما زال يشتغل به، والذي يشتغل بمعصية غير ذلك ما زال يشتغل بها.

    الحل العملي لمآسي المسلمين

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحل لهذا الأزمة ولغيرها من الأزمات، وهو الجهاد في سبيل الله، فهذا هو الحل الأساسي لكل مآسي المسلمين ومصائبهم، وهو الذي يرفع هامة الإنسان ويجعله عزيزاً شامخاً قوياً، بل يجعل الله الرزق منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي).

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف -يعني: بالجهاد- حتى يعبد الله وحده).

    فانظر إلى الوسيلة المستخدمة في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أعظم الوسائل التي هجرت في هذا الزمان، ألا وهي وسيلة الجهاد في سبيل الله، ثم انظر إلى الغاية التي من أجلها شرع الجهاد، إذ هي تعبيد الناس لرب العالمين حتى يعبد الله وحده.

    يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل الصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، فهذا الذل والصغار الذي يعيشه المسلمون في العالم اليوم سببه الأساسي هو نحن، ومن القواعد الأساسية في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى أننا لا نرد الأخطاء دائماً إلى عدونا، أو نقول: عدونا قوي، أو: عدونا يملك أسلحة الدمار الشامل، أو: عدونا لديه القدرات الهائلة والفائقة في التخطيط والقدرات العسكرية الكبيرة، فنسند ضعفنا وذلتنا ومهانتنا إلى العدو الخارجي، بل المشكلة الأساسية كائنة منا، يقول الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، فهذه آية واضحة تبين أن أي مصيبة تصيب الإنسان أساسها من الإنسان نفسه، وأساسها معصية الله سبحانه وتعالى التي نقع فيها.

    أسس رفع راية الجهاد

    ولا يمكن أن نرفع راية الجهاد ونجاهد في سبيل الله إلا إذا أصلحنا أنفسنا، والإصلاح ممكن، ونحن قادرون عليه، ولهذا ينبغي أن نستثمر هذه الأحداث في إصلاح أنفسنا، وفي العودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة) والعينة نوع من أنواع الربا، والربا اليوم يملأ البلاد الإسلامية مع الأسف، (وأخذتم بأذناب القبر، ورضيتم بالزرع) يعني: رجعتم إلى الدنيا، ورغبتم فيها، وأحببتموها (وتركتم الجهاد)، وهذا هو الواقع الموجود في حياة العالم الإسلامي اليوم (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).

    فالدين تركناه بكوننا أكلنا الربا، وهذا رمز للذنوب كلها، وبحب الدنيا وكراهية الموت، وبترك الجهاد.

    فهذه الأمور هي التي جعلت هذه الأمة في ذلة وصغار، ولهذا لا يمكن أن نخرج من هذه الضائقة إلا بالعودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى.

    وكثير من الإخوان والمسلمين في العالم الإسلامي نسمع عنهم أنهم يقولون: نريد أن نجاهد، فما هو الطريق إلى الجهاد في سبيل الله؟!

    إنني أعتقد أن من أعظم الطرق إلى الجهاد في سبيل الله أن نبدأ بإصلاح أنفسنا، ونبدأ بالدعوة إلى الله عز وجل لإخواننا الآخرين، فهناك إخوان لنا قد وقعوا في شيء من الذنوب والمعاصي، ومع هذا إذا نظر أحدهم إلى إخوانه يقتلون في كل مكان فإنه يشعر بالألم والأسى، وقد يكون ممن يترك الصلاة، أو ممن يقع في الزنا ويشتغل بالمعاكسات، أو يأكل الربا، ومع هذا يتحرق مما يرى من أحوال المسلمين الذين يستذلون في كل مكان، فهذه الحرقة عبادة له وأجر عند الله عز وجل، لكن ينبغي أن نفكر بعقل، وهو أن التصحيح يكون من أنفسنا، فينبغي أن نبدأ بنصيحة إخواننا هؤلاء بلطف، وبحسن خلق، وبأدب، ونقول: اتركوا هذه الحرقة وهذا الهم الذي تشعرون به، ومن حقكم أن تشعروا بهذا، وأنتم في عبادة عندما تحزنون إلى إخوانكم المسلمين، ولكن نبدأ فنصحح أوضاعنا الأخرى، فالذي يقع في شيء من الذنوب يبدأ يصحح حياته، ويكفي أن نوحد رأينا جميعاً في أنه لا خلاص لهذه الأمة إلا بالجهاد في سبيل الله، وقد سمعنا عن القومية العربية، وأن هذه القضية هي قضية العرب، وأن الأخوة العربية والدم العربي لا بد من أن نثأر له، وهذا كله كلام قد ذهب أدراج الرياح، فلا العالم العربي ولا غير العربي يستطيع أن يفك هذه الضائقة، بل لا يفكها إلا الجهاد في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجه الله عز وجل، ويقوم به الصالحون الذين يرجون وجه الله, ويرجون الدار الآخرة، وإذا قتل أحدهم قتل وهو يرجو الجنة عند الله سبحانه وتعالى، فهو يضحي بدمه في سبيل الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: هذا التوجه ينبغي أن يكون عندنا، وأنا لا أقول: إنه يخفف من حماسهم، بل الواجب أن نقوي حماسهم؛ لأن لهم حقاً في هذا، ولأن هذا عمل فاضل يقومون به، وخير كبير أن توجد مثل هذه المشاعر في نفوس إخواننا حتى ولو كان عندهم تقصير أو معاص أخرى، لكن ينبغي أن نستثمر هذا في إصلاح إخواننا، ونصيحة أخواتنا اللاتي يتبرجن، أو اللاتي يقبلن المعاكسة من الرجال، أو اللاتي يقعن في معصية من المعاصي، فهذه فرصة يمكن أن نشغلها في الدعوة إلى الله، وهناك أحداث في بعض الأحيان تهز الأمة فتجعلها تعود إلى الله عز وجل، فيجب أن نشارك في عودتها ما دام أن هذا الحدث قد وقع وهو مؤلم لنا جميعاً، ويجب أن نستفيد من هذا الحدث في نصيحة أكبر عدد من إخواننا، حتى نبدأ بالتصحيح الفعلي؛ لأن الحماسة المجردة يمكن أن تنتهي خلال أسبوع، أو شهر، أو شهرين، أو ثلاثة أشهر، ثم ينتهي.

    فهذه الحماسة إذا بقيت حماسة مجردة فإنها ستنتهي بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أو شهر أو شهرين، وربما تنتهي بعد سنة، ثم يعود المرء إلى معاصيه، ونحن لا نريد أن يكون عندنا حماسة مجردة، بل نريد أن تكون عندنا ثوابت، وهي أن يقتنع هؤلاء الإخوة المتحمسون والأخوات المتحمسات -وحق لهم ذلك- بأن الحماسة المجردة لا تكفي، بل لا بد من أن نعود في حياتنا إلى الله عز وجل، وإذا عدنا إلى الله عز وجل فإنه لن يستطيع أحد أن يقف في وجوه المجاهدين أبداً، فنحن نسمع في الأخبار أن الأمريكان في أفغانستان يشعرون بأنهم تورطوا مع أشرف قوة في العالم كما يسمونها، وأشرف قوة في العالم هي مجموعة لا تملك أسلحة الدمار الشامل، وليس عندهم طائرات، وليس عندهم دبابات، بل هم مجموعة يسيرة هنا وهناك، لا يقاتلون بحماسة مجردة؛ لأن الحماسة المجردة عند الجد تذهب ويرجع الإنسان إلى طبيعته وضعفه واستكانته، وربما تخونه قواه بسبب ذنوبه، فإن من خان (حي على الصلاة) يخون (حي على الكفاح)، ومن يخون حي على الصلاة ولا يكون مؤدياً لواجبه الشرعي سيخون الجهاد في سبيل الله.

    فوجدوا أن هؤلاء قوم يستلذون بالموت ويطلبونه، كما أنهم يستلذون بالحياة ويطلبونها؛ لأن هؤلاء الناس يعرفون أن حياتهم الحقيقية هي في الموت، ولذا فإنهم يطلبونها، وقد يتأثر بعضهم عندما يرى أخاه قد فارق هذه الدنيا إلى جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله تعالى، وهو لم يحصل له ذلك، وهذا المستوى لا نصل إليه إلا عن طريق الإصلاح والدعوة والتوجيه الصحيح، ولهذا فإن بعض الإخوان يسأل عن فكرة المظاهرات، وفكرة المظاهرات -في الحقيقة- فكرة غير مجدية، فماذا يستفيد الإنسان عندما يقلد الآخرين؟! فإن بعض الناس ينظر إلى التلفاز ويرى هناك أقواماً يتظاهرون، وهم يعبرون عما في نفوسهم، ولكن هذا في حد ذاته غير مفيد، وإنما المفيد هو الدعوة والإصلاح وبذل المال، فإذا كان الإنسان صادقاً ويريد الأجر عند الله عز وجل، ويريد نصر إخوانه فليبذل المال، وليدع إلى الله عز وجل، وليستغل هذه الفرصة في تعريف إخوانه ممن يقع في الأخطاء بأن السبب الذي جعلنا أذلاء هو ذنوبنا نحن، فهذه فرصة مناسبة لأن نجعل أكبر عدد ممكن من خلال الدعوة إلى الله عز وجل يرجع إلى الله عز وجل، ويترك منكراته، ويترك عبثه، ويترك كثيراً من الأخطاء الموجودة عنده، فهل سنعي دورنا؟ وهل سنعي كيف نستثمر هذه العواطف الجياشة بشكل صحيح؟ وكيف نوجهها التوجيه الصحيح؟ وهل ستعي الأخوات كيف يمكن أن تؤثر المدرسة في طالباتها، والطالبة في زميلاتها، والأخت في قريباتها؟! وكيف يمكن أن نستثمر هذا الحدث لنقول لكل الناس: إنه لا حل إلا في الجهاد، وطريق الجهاد الأول هو أن نبدأ بإصلاح أنفسنا؛ إذ ما الفائدة أن يموت الإنسان وهو تارك للصلاة.

    ولهذا لو سألت أحداً من الذين يتحمسون فقلت له: لو فتح باب الجهاد الآن فهل سنقاتل ونحن نقع في الزنا؟ أو هل سنقاتل ونحن نشرب الخمر؟ أو هل سنقاتل ونحن نأكل الربا؟ أو هل سنقاتل وعندنا كثير من الذنوب والمعاصي؟ فسترى الجواب: لا؛ لذا فأخبرهم بأنه لا شك في أن الفرصة الصحيحة هي في العودة إلى الله عز وجل، وأن نصلح أنفسنا، وإن غداً لناظره قريب، ولعل الله عز وجل أن يهيئ فرصة للجهاد في سبيل الله ضد هؤلاء المجرمين من اليهود والنصارى ومن كان معهم، فهذا هو التفكير الصحيح في التعامل مع هذه الأحداث.

    وأقول: ينبغي أن نقوي الحماسة في نفوس المسلمين، ولهم حق في أن يتأثروا، وللباكي حق في أن يبكي عندما يرى إخوانه يقتلون، وإن كان البكاء وحده لا يكفي؛ لأنه ليس صنعة الرجال، وإنما صنعة الرجال العمل، لكن العمل ينبغي أن يكون عملاً منضبطاً صحيحاً مثمراً في هذه الأزمات ومع المعطيات الموجودة الآن في الواقع الذي نعيش فيه.

    والدعاوى والمطالبات التي تكون أكبر من حجم الإنسان لا أظن أن لها ثمرة مفيدة في مرحلة كهذه، وإنما المفيد هو استثمار مثل هذا الحدث في الدعوة إلى الله والإصلاح، واستمرار هذا الشعور بحال إخواننا المسلمين في كل مكان في العالم، وأن نشعر بأنهم يحتاجون إلينا، ولو لم يكن من حاجتهم إلينا إلا الدعاء لكان هذا وحده عملاً كبيراً نستطيع أن نؤديه، فهذا ما أتصور وأرى أنه مفيد في مثل هذه المرحلة.

    أسأل الله عز وجل أن يرفع ما بإخواننا من الضر، وأساله سبحانه وتعالى أن ينصرهم، وأن يؤيدهم، وأن يخذل عدوهم، وأن يهزم عدوهم، وأن يشتت شمله، وأن يجعله فريسة للمسلمين وغنيمة لهم، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755954193