اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعــد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهذا هو الدرس (76) من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الاثنين الثامن من شهر جمادى الأولى من سنة (1413هـ).
وعنوان هذا الدرس هو "المراجعات الثانية" وقد كنت تحدثت قبل أشهر حديثاً عنوانه: (المراجعات) صححت فيه بعض الأمور، ورجعت إلى بعض المسائل، وتكلمت عنها بما فتح الله عز وجل.
أما اليوم فهذه هي الحلقة الثانية من المراجعات، أول عنوان: (أنت وليس أنا).
إن هذه الدروس والمحاضرات هي بعض مشاركاتكم، فأنا مدين لله عز وجل ثم لكم جميعاً، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً، من داخل البلاد وخارجها، سواء من كاتبوني، أو راسلوني بالفاكس، أو شافهوني بما لديهم.
أنتم يا هؤلاء الذين كتبتم إلي بالموضوعات المقترحة، وبعثتم إلي بالعناصر، وحشدتم لي النصوص، وأعنتموني على طرق هذه الموضوعات، إنه درس مهم في الاستفادة مما عند الآخرين، وفتح الأبواب لهم في المشاركة.
إن هذه الدروس والمحاضرات والندوات، بل هذه الأشرطة التي تشرق وتغرب إنها ليست لي، بل هي أفكاركم أنتم، وآراؤكم، وعلومكم. هي: أحاديثكم وإن كانت بصوتي، وبصماتكم وإن كانت بيدي، وإملاءاتكم وإن كانت بقلمي.
فأنا مدين لكل من بذل ولو شيئاً يسيراً، ولكنني على هذا وذاك أتحمل مسئوليتها ولا بد، في الدنيا وفي الآخرة، فلكم حارها وعلي قارها، فأما في الدنيا فهي من كلامي ولفظي وقولي، ولا شك أنني مسئول عنها، ومحاسب، ومسآءل، ومعاتب.
ومن حق أي أحد عليَّ أن يطلب التحقيق والتدقيق، وأن يسأل عن الإثبات والبينة.
إنني حريص إن شاء الله تعالى ألا أقول لكم شيئاً إلا بيقين عندي لا شك فيه، ولو تسامح الإنسان وقال كل ما يظن، أو ما يغلب على ظنه، لكان الأمر شيئاً آخر غير ما رأيتم وسمعتم، ولكنني آليت ألاَّ أقول إلا ما علمت أنه حق بيقين.
إن من احترام المستمع، أو القارئ، أن يوثق الإنسان له كل ما يقول، ويذكر له، فهذه المسئولية الدنيوية، أما المسئولية الأخروية فشيء عظيم قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
وروى البخاري في صحيحه في كتاب: الرقائق، باب: حفظ اللسان، ومسلم أيضاً في باب: الزهد، ومالك في الموطأ كتاب: الكلام، باب: ما يكره من الكلام، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم} وفي حديث بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه} والحديث رواه أبو داود، والترمذي، ومالك وغيرهم، وهو حديث صحيح.
قال بعض الصالحين: " كم من كلمة منعنيها حديث بلال ".
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: " الكلمة التي يهوي صاحبها بسببها في النار، هي التي يقولها عند السلطان الجائر بالبغي، أو بالسعي على المسلم، فتكون سبباً لهلاكه وإن لم يرد القائل ذلك، لكنها ربما أدت إليه فيكتب على القائل إثمها، والكلمة التي يرفع الله بها العبد الدرجات، ويكتب له بها الرضوان، هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة، أو يفرج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلوماً ".
وقال بعض أهل العلم: " الكلمة التي يسخط الله تعالى عليها، هي: الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها ويسخط الله تعالى ".
ولا شك أن الأمر أوسع من ذلك، فالكلمة التي ترضي الله تعالى قد تكون عند السلطان، وقد تكون في جريدة، وقد تكون في إذاعة، وقد تكون في الرأي، وقد تكون في مجلس، وقد تكون في غير ذلك، وقد تكون في كتاب، أما الكلمة التي يسخط الله عليها فقد تكون في ذلك كله.
ومع ذلك فإن باب التوبة مفتوح، وإمكانية التراجع عن ما يسخط الله تعالى قائمة، ولهذا شرعت النصيحة بين المسلمين، لعل مخطئاً أن يتوب وينـزع، أو غافلاً أن يصحو أو نائماً أن يفيق.
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، وللأئمة المسلمين وعامتهم}.
ولهذا فإن من حق بعضنا على بعض أن نتعاون على معرفة الخطأ وتصويبه والرجوع عنه، كما نتعاون في إعداد الموضوعات، واقتراح الدروس، وإلقاء المحاضرات.
وإنني كما أعربت عن شكري لأولئك الذين وافوني بأشياء تتعلق بدروس، أو محاضرات، أو مقترحات، فإنني أشكر أكثر وأكثر أولئك الإخوة الذين يعينوني على معرفة الأخطاء، وعلى اكتشاف العيوب، سواء كانوا من الأصدقاء، أم من غيرهم.
وإذا كان الشاعر يقول:
عداتي لهم فضل علي ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا |
هُمُ بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا |
إذا كان هذا كلامه عن عدوه، فكيف ترون وتظنون أن أقول عنكم أيها الأصدقاء! الذين تنطقون بالنصيحة بكل الحب، والوداد، والرغبة في تجنب الخطأ، وإدراك الصواب، والوصول إلى المعالي.
إن هذا لا شك يقال لكم من باب الأولى، فلكم أنتم فضل كبير، ومنة كبرى في عنق كل من ساهمتم في تصحيح خطأ وقع فيه، أو استدراك أمر فاته، ولكم مع ذلك كله الدعاء الخالص الحار، أن يرفع الله بهذه الكلمات درجاتكم، وأن يوفي بها يوم الحشر حسناتكم، وأن يجعلكم بها من الدرجات العلى في الجنة، وأن يوفقكم بها لكل خير، ويجنبكم كل شر.
ثم إن هناك سؤالاً يطرح نفسه حول موضوع التنصير، كيف تحل هذه المشكلة الكبيرة، إنها مشكلة تتفاقم وتزداد يوماً بعد يوم، وتأتينا الليالي الحبالى بالأخبار العجيبة عن تطور في موضوع النصرانية والتنصير وأعمالهم في بلاد المسلمين، وليس أمر هذه الأعمال بجديد، فكيف يمكن حل هذه المشكلة؟
هذا الكتاب لفت نظري عنوانه: أرامكو وامتياز النفط، وهو كتاب عجيب، لقد أدركت أن الناس منذ زمن بعيد يتكلمون عن مثل هذه الأمور، ويعلنونها بكل وضوح، وأن العالم كله يتحدث عن مجريات الأحوال، وربما يتكلم الإعلام الخارجي أحياناً بشيء من التضخيم والمبالغة عما يجري في هذه البلاد، فهل كتب علينا نحن فقط أن نظل لا ندري ماذا يدور حولنا، ولا نتحدث عنه، ولا نسمعه، ونستكثر حتى مجرد أن يكتب كتاب، أو يؤلف، أو تلقى كلمة، أو محاضرة، أو خطبة عن هذا الموضوع، أو ذاك!!
إننا لن نفرح بإصلاح واقعنا إذا لم نكتشف الداء بأنفسنا، ونشترك جميعاً في علاجه، ونمنح الحق كل الحق لمن يريد النصيحة، والتقويم، والنقد الهادف البناء المبني على الحقائق والوثائق، لا على المبالغة والتهويل.
إن النصيحة ليست حقاً للإنسان يجب تمكينه منها، لا. ولكنها واجب شرعي عليه، يأثم بتركه، وقد قام مروان بن الحكم يوماً يخطب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بخطبة العيد قبل الصلاة، فقام إليه رجل فأنكر عليه وبين له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تسبق الخطبة فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.
إن إنكار المنكر باليد وباللسان هو قرين الإيمان، ولا يلجأ على الاقتصار على القلب إلا أولئك العاجزون، الذين خرست أفواههم عن النطق بكلمة الحق، وشلت أيديهم عن أن يساهموا بتغيير المنكر بأنفسهم، فهؤلاء قد عذرهم الله تعالى إذا نصحوا لله ولرسوله، وبذلوا ما يستطيعون، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو النصيحة في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إنني أعجب وحق لي أن أعجب، أن بعث إلي أحد الإخوة في ذلك الكتاب المشار إليه أرامكو وامتياز النفط! هذا الكتاب كتبه الخبير أحمد طاشكندي، وهو موجود في المكتبات، وأعتقد أنه متداول أيضاً، ولو على النطاق الضيق، وهو عبارة عن تحقيقات حول شركة أرامكو، أتدري أين نشرت؟!
نشرت في جريدة الندوة، ونشرت في جريدة الخليج، ثم طبع هذا الكتاب عام (1380هـ) قبل ما يزيد على (32) سنة.
ومن الأشياء التي عمل الكتاب على توضيحها ما يلي:
أولاً: ذكر بعض النصوص المتعلقة بعقد الامتياز لهذه الشركة وما جرى عليها من تعديلات.
ثانياً: ذكر تصرفات المسئولين الكبار من الأمريكيين في هذه الشركة.
ثالثاً: ذكر طرق العمل، وحالة العمال، والموظفين العرب والمسلمين في تلك الشركة.
يقول ضمن ما يقول: إن الموظف الأمريكي يعتقد أنه صاحب الفضل الأول في كل هذا الخير الذي يتدفق من أرضنا الطيبة.
يقول أحد الموظفين الأمريكان: هل تعلمون أنكم مدينون لنا نحن الأمريكيين لما وصلتم إليه من تطور وتقدم في حياتكم الاقتصادية والاجتماعية! فلو لا وجودنا لما استطعتم إخراج الزيت من الأرض! وهذا الكلام الموجود في الكتاب وهو منشور أيضاً في جريدة الندوة في (6/4/1379هـ).
وكذلك ذكر نماذج من معاناة المسلمين، بل وأهل البلد الأصليين، من العاملين الكبار في الشركة، وإهدارهم لحقوق العمال والفنيين المسلمين، ونماذج أخرى من التلاعب المالي الذي تمارسه الشركة بحق الموظفين، وتتحكم بعلاواتهم، وترقياتهم وميزاتهم الوظيفية، ونماذج من استقلالية الشركة بأنظمتها، وعدم خضوعها لأحكام التشريع الإسلامي، وأنها قررت الاحتفاظ كما يعبر بجنسيتها الأمريكية، والعمل بموجب قوانينها الخاصة، دون أية مراعاة للصالح العام في البلاد، ونماذج من خططها لفصل الموظفين من أهل البلاد، وإبقاء من لا يفصل منهم دون خبرة ولا معرفة، إلى آخر ما ذكر.
وهذا الكتاب يؤكد الحق في الحديث عن مثل هذه الأمور، بل والإعلان عن ذلك من خلال وسائل الإعلام الممكنة كتباً كانت، أو محاضرات، أو مقالات في صحف، أو غير ذلك، إنه أقل ما يجب للمخلصين الغيورين، الحريصين على مصلحة دينهم وبلادهم.
وهذا الكتاب حين أتحدث عنه هو جواب على ذلك التساؤل الذي ربما أثاره بعض الإخوة، وتساءلوا لماذا يكون الحديث عن هذه الموضوعات بشكل علني؟
فأقول: إنها ليست أسراراً، إنها أمور يعرفها الكثيرون، ويعرفها الخاص والعام، وتتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية كما أسلفت بشيء من التهويل والمبالغة، فهي تنشرها أحياناً، وقد تتحدث عما تسميه بالفضائح والمسلسلات، والروائح العفنة، التي تفوح في مواقع عدة ولا تتستر عن شيء من ذلك، ويقرؤها الكثيرون، ويعرفها الكثيرون، فلماذا يظل الأخيار والصالحون والمتدينون، هم فقط الذين لا يدركون هذه الأشياء ولا يعرفونها؟!
مع أنني أعتقد أنهم أكثر من غيرهم قدرة على الإصلاح والتغيير بإذن الله تعالى، متى صحت النية، وصدقت العزيمة.
وما هو الضرر الذي يحدث لنا إذا عرفنا هذه الأشياء؟!
إن الضرر الوحيد في نظري يعود على النصارى أنفسهم، فقد يشعرون أنهم يتحركون في أرض غير آمنة بالنسبة لهم، وأن العيون تلاحقهم، وأن خططهم كثيراً ما تكشف بسبب تزايد الوعي وتناميه، وإدراك الناس لأهدافهم ومقاصدهم وهي: إخراج الناس عن دينهم وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] نعم قد حملوا السلاح في يوغسلافيا، وأعلن زعيمهم بقوله: لن نتوقف عن القتل حتى نرى الصليب يلمع على صدوركم. ولكنهم حملوا سلاحاً من نوع آخر في البلاد الإسلامية كلها ولا أستثني منها؛ حملوا سلاح الإغراء بالتطبيب، والإغراء بالخبرات، والإغراء بالأعمال وغيرها.
إنهم يكتبون التقارير المفصلة عن نشاطاتهم، وينشرونها في كل دول العالم، فأي ضير إذاً أن يلاحق المسلمون هذه النشاطات، ويكتشفوها، ويكشفوها!
والنصارى فقط ليسوا موظفين في مؤسسات حكومية، بل هم أطباء في مستشفيات؛ مستشفيات أهلية، وعاملون في شركات خاصة وعامة، بل وموجودون لدى أفراد كخدم وسائقين، أو غير ذلك! ولعل من الأخبار المفزعة المزعجة أن تعلم بما علمته أنا قبل أيام من مصادر موثوقة، أن رجلاً من أهل هذه البلاد الطيبة؛ بلاد الحرمين الشريفين، {التي يأرز الإيمان فيها كما تأرز الحية إلى جحرها} رجلاً وفير الثراء، يملك عدداً من مؤسسات المال، يقوم بتزويج بناته المسلمات إلى بعض النصارى! هل أدركت حجم هذا الخطر!!
لقد عرفت أيضاً أن فتاة دخلت في مذهب أهل السنة والجماعة، وكانت قبل على مذهب التشيع، فتزوجها واحد من شباب أهل السنة، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى تم الطلاق، وتدخلت في ذلك جهات عدة مع أن هؤلاء الشيعة يقولون عنا ظاهرياً وبألسنتهم، يقولون عنا: أنتم مسلمون مثلنا، ويقولون: لا فرق بيننا وبينكم، فهنا أتساءل فلماذا الغضب إذاً أن يتزوج مسلم مسلمة؟!
فهل ترى يظل أهل السنة وحدهم هم الصامتون على الهوان، الذين لا يدرون ماذا يدور حولهم؟!
فقد وصلتني رسالة أيضاً من بعض الإخوة في المنطقة الشرقية، وهي رسالة أقرؤها عليكم، لأنها تشكل الفقرة الثالثة وعنوانها "رسالة فريدة". إنني أقرأ عليكم أجزاءً من هذه الرسالة، وفيها كلام يكتب بماء الذهب، ويكفي في تقريره والدعوة إليه وتوكيده، أنني سأخصص له هذه الدقائق لأقرأه عليكم بحروفه.
يقول بعد كلام: وقبل أن استطرد -هذا كلامه- أرجو أن لا تسيء فهمي، فإنني والله موافق لك على ما قلت، ولكن قبل محاضرة (59 طريقة لمكافحة التنصير) نحتاج إلى علاج أنفسنا، ومع علمي بأنني على قدر يسير من المعرفة، إلا أنني وجدت نفسي لا إرادياً أسطر لكم هذه الملاحظة.
لقد فهم البعض من محاضراتك أن السبب هم النصارى، وأذنابهم، وأتباعهم، وأما نحن فحمل وديع لا ذنب لنا في ما يحدث، كل ما يصيبنا بقضاء الله وقدره، كل ما يحدث لنا هو من المؤامرات التي تحاك علينا، أما نحن فلسنا ملومين:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا |
نعم، إن العيب فينا، فنحن نعلم، بل نتعايش مع تلكُمُ المنكرات التي ذكرتم، والكثير غيرها، فماذا عسانا عملنا!؟
أين نحن من الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} الحديث.
الكثير منا لم ينكر حتى بقلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن الغالبية تستهويهم الشياطين، ويخدعهم سراب الحياة الاجتماعية الغربية، فتراهم هم الذين يشجعون أصحاب تلك المنكرات على نشرها، ولا يقتصر هذا التشجيع على المشاركة بل يتعداه إلى تأمين ما يحتاجه أولئك النصارى من الخارج!
فيا ترى من الذي يؤمن لهم أدوات الاحتفال بعيد الميلاد؟!
ومن الذي يحضر لهم بابا نويل؟!
ومن الذي يدافع عن المقبوض عليهم أحياناً من قبل الشرطة والمباحث؟!
من الذي يحجز لهم المنازل لإقامة حفلاتهم وطقوسهم الدينية؟!
ومن؟!
ومن؟!
ومن؟!
إنهم وللأسف سعوديون يعلمون بحرمة ما يصنعونه، ولكنهم قوم كما قال تعالى: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] إنهم عبدة الدينار والمنصب، والهوى والشيطان! إنهم منا، هم إخواننا وأبناؤنا، هم أقاربنا، هم جيراننا، إنهم من يعتقد بأنهم النخبة، وهم في الواقع نخبة معكوسة.
أولئك قوم كثير منهم لديهم علمنة، أو جهل، ولكن ماذا عنا نحن الملتزمين؟!
هل نحن معفون ولا مسئولية علينا؟!
أم نحن موقوفون، وعن تفريطنا مسئولون؟!
إن الكثير منا نحن الملتزمين جبناء، أو لا مبالون، بل منا من لا يحضر الصلاة إلا وقت الإقامة، وينصرف من المسجد قبل أن يصلي السنة، خوفاً من رئيسه، أو تهاوناً.
إن البعض منا لا يمانع عن التعامل مع النساء بالطريقة نفسها التي يتعامل بها سواه، حتى لا يقال عنه: إنه معقد!
البعض منا لا يمانع أن يكتب الربا، إن بعض الملتزمين لا يهمه أن يلمز المطاوعة، ويلصق بهم التعقيد والتزمت، دون أن يدافع عنهم.
أما في مجال الدعوة إلى الله تعالى، وإنكار المنكر، على قلة القائمين بذلك، إلا إنهم على طرفي نقيض، فهم إما متحفظ إلى درجة لا يحرك معها ساكناً، أو متحمس إلى درجة كبيرة بحيث يضر بنفسه وبالآخرين، فَتُوأَدُ الفكرة أحياناً قبل ولادتها. والله المستعان!
إن الحكمة في الدعوة إلى الله والإنكار -وهي ضالتنا- مفقودة، إن المنصرين يعملون بهدوء، وبشكل لا يلفت النظر، بشكل يبدو فردياً وهو منظم.
أما نحن فحتى الآن لم نستطع أن نضع أرجلنا على بداية الطريق، نحن لم نعمل شيئاً، كل الذي عملناه هو تجميع بعض المعلومات، وأرسلنا بها شكوى إليكم، أو إلى الوالد العالم العلامة الإمام عبد العزيز بن باز، أو إلى الشيخ سفر الحوالي، أو غيره.
إن إيماننا بالله تعالى قليل، ونفوسنا ضعيفة، إننا حتى الآن نعتقد أن البداية في هذا الطريق هي نهايتنا، فنحن نخاف على مناصبنا، على مستقبلنا، على أولادنا وعيالنا وبيتنا وسيارتنا، ولا زلنا نعتقد أن أرامكو أو الأمريكيين لا يمكن وقفهم عند حد، لازلنا نفكر بالطريقة القديمة القائمة على المجابهة، ولا زلنا نعتقد أن كلاً منا عليه من الرقيب والعتيد ما يكفيه!.
ولذلك تجدنا نتوقف قبل أن نبدأ، لا زلنا نعتقد أن تغيير المنكر يحتاج إلى مراسيم عليا، ونسينا أن المنكرات بدأت من طريق أفراد، وأن إنهاءها يحتاج إلى أفراد معدودين.
إنني أقول: إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، فلو خطا كل منا خطوة لقطعنا المشوار في زمن قياسي، لكننا ننتظر المشايخ أن يغيروا كل شيء، والله المستعان! إننا قوم لا ندري ما هو المطلوب منا، نسمع المحاضرة وكأن المعني بها قوم آخرون، أما نحن ففي مهب الريح!
خذ مثلاً: ردة الفعل التي حدثت بعد محاضراتك، البعض سمع الأشرطة مثلما يسمع أية محاضرة، والبعض يقول: نعرف هذا من زمان، والبعض أشاع أن الأشرطة لا تنتشر، أنها توقف، أو تحارب، والبعض يقول: إن مجلس أرامكو مجتمع لدراستها، والبعض يقول: إن الأمريكان الذين ذكرت أسماؤهم تقدموا بشكوى عن طريق القنصلية، ليس هذا فحسب، بل إننا نتحدث عنها عن هذه الأشرطة والخوف يملأ قلوبنا لئلا تسمعنا بعض الجهات!
إن لنا أجسام الجمال ولنا عقول ربات الجمال! يا ترى هل هذا ما كنت توده منا؟!
هل هذا ما كنت تود أن توصله لنا؟!
لا أظن ذلك، ولكنا لسنا بعد جاهزين، أو مهيئين لذلك الدور الطلائعي المطلوب منا، لن يغير الله تعالى ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا.
سنستوعب محاضراتك وغيرها عندما يصبح الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، سوف ندرك المرامي عندئذٍ، عند ما نكون عبيداً لله عز وجل، لا نشرك به شيئاً، ولا نشرك معه شيئاً، عندما تكون الدنيا في أيدينا نستطيع التفكير في ديننا، أما الآن فالدنيا في قلوبنا ولا نفكر في شيء سواها، رحم الله محاضرات التنصير، وشريط (
أرجو أن لا يكون كلامي هذا مثبطاً، فهذا واقعٌ لا أظنك تجهله، إن ما أريده هو أن نجلس مع أنفسنا جلسة هادئة، ونسأل أنفسنا ماذا نريد؟
إن الإجابة على هذا السؤال في نظري هو المعيار، فإما أن نختار الله والدار الآخرة، عندها فقط تستطيع أن تسمعنا ماذا نريد، أو أننا نريد الحياة الدنيا وزينتها، عندها لا بد من العودة إلى المربع رقم واحد، نتعلم معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نتعلم التوحيد وأصوله، نتعرف على سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه الغر الميامين.
لا بد أن نتعلم ليصبح فينا مثل ذلك الأعرابي الذي قال لـعمر: " والله لو قلت عن الطريق هكذا، لقلنا لك بسيوفنا هكذا "، لا بد من فهم حديث {احفظ الله يحفظك}.
إذا كان الخيار الثاني هو خيارنا، ولا أظنه والله إلا خيار الغالبية، فأمامنا وقت طويل، ومشوار بعيد، حتى نستيقظ من غفلتنا، عندها سوف يكون أمامنا مهمات عظيمة من نوع آخر.
ختاماً أسأل الله جلت قدرته أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
هذا ما قاله الأخ الكريم. وإنني أثني جيداً على ما قال، وأؤكد على قضيتين منهما:
فإن الذين كانوا يخوضون المعارك، وقد جعل الواحد منهم راحته على كفه، هم أولئك الناس الذين امتلأت قلوبهم بالخوف من الله تعالى ومحبته ورجائه، وآمنوا بالدار الآخرة، حتى كأن الواحد منهم يراها رأي عين؛ فهانت الدنيا في نفوسهم، وجعلوها تحت أقدامهم وصار الواحد منهم في المعركة يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] فلا بد من تعميق الإيمان في النفوس، وتحريكها في القلوب، وبعث ما اندثر منه، وإزالة الغبار منه، وإلا فلن نتحرك أبداً.
فالدعوة إلى الإيمان، وإلى تجديد الإيمان، وإلى تصحيح العقيدة، وإلى التوحيد، هذه لا تعارض أبداً كشف خطط المنصرين، ولا تعارض أبداً دعم المشاريع والأعمال الإسلامية، ولا تعارض أبداً الاهتمام بأحوال المسلمين في يوغسلافيا أو في الصومال، أو في فلسطين، أو في أفغانستان، أو في أي بلد من البلدان.
إننا يجب أن لا نلهو بشيء عما هو مثله، أو أهم منه، فهذه المشاكل التي نعانيها يجب أن لا تلهي الدعاة إلى الله تعالى، والخطباء، والمدرسين، وطلبة العلم، عن غرس العقيدة الصحيحة في النفوس، وإزالة كل ما يعارضها، أو يناقضها من ألوان الانحرافات، والمخالفات، والمنكرات، والبدع، بل ومن ألوان التعلق بالدنيا، وشهواتها، الخوف من غير الله تعالى، محبة غير الله تعالى، الرجاء في ما عند المخلوقين، والغفلة على أن الله تعالى هو الذي بيده كل شيء.
وقد جاءتني رسائل عديدة من بعض الأخوات، تعترض على جعل المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب في مسئولية الدعوة إلى الله تعالى، وذلك رغم المعرفة بظروف المرأة، والقيود الموجودة عليها.
تقول إحدى الأخوات: إنني أملك من النشاط والتفرغ ما لا تملكه كثيرات غيري، وأحمل في قلبي من الحرقة والهم لهذا الدين ما لا يعلمه إلا الله، ومع ذلك فلا أستطيع أن أقدم إلا الضئيل القليل، إلى آخر رسالتها.
فأقول تعليقاً على هذا الكلام الذي ذكرته لي غير واحدة من الأخوات: إن القيود التي يتحدثن عنها نوعان:
وبشكل عام فالرجل يأتي قبل المرأة، والله تعالى يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] ويقول سبحانه وتعالى في الآية الأخرى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] فالمرأة لا تتمنى منـزلة الرجل، وقد جعل الله تعالى لكل نصيباً وجعل لكل قدراً، ولكن أيضاً لدى المرأة عبوديات لا توجد مع الرجل، فقد أمرها الشرع بأشياء من تربية أولادها، ورعايتهم، وحسن سياستهم، ومن العناية بزوجها، وحسن استقباله، وتسهيل الأمور له، وإعانته على أمر الدعوة، وتسهيل المهمات في طريقه، إلى غير ذلك مما لا يستطيعه سواها، كما إنها تستطيع من وسائل الدعوة، ونشرها، والقيام بها في أوساط بنات جنسها، ما لا يقدر عليه الرجال، فهذا فيما يتعلق بالقيود الشرعية.
ولا شك أن المرأة حينئذٍ مطالبة بمراعاة الحكمة بقدر المستطاع، ومحاولة أن تقوم وتقدم أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر الدعوة إلى الله عز وجل، ولا شك أنه كما قال الله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269].
مثلاً: هذه فتاة في بيتها، تقوم بالدعوة إلى الله، وإلقاء الدروس عند النساء، وأمرهن بالمعروف، ونهيهن عن المنكر، وتبيين حدود ما أنـزل الله على الرسول، فتجد من والدها اعتراضاً على خروجها، وتجد من أمها أيضاً اعتراضاً، فالوالد يرى أن خروج البنت من المنـزل عيبٌ عليها، والأم ترى أن في بقائها في المنـزل مساعدة على أعمالها ومسئولياتها، فحينئذٍ تحتاج هذه الفتاة المؤمنة الداعية إلى التوفيق بين هذه الأشياء كلها.
فلا بد من السعي إلى نيل رضاها، ورضى والدها، وأن يكون خروجها تحت سمعه وبصره، وأن تكون معتدلة في الخروج، بشكل لا يدعو إلى القلق والانفعال.
كما عليها أن تسعى إلى إرضاء والدتها، بالقيام ببعض الأعمال التي تستطيعها وقت فراغها.
ثم إن عليها مع هذا وذاك أن تدرك أن مسئولية الدعوة مسئولية كبرى، وأن عليها أن تضحي في سبيلها بجزء من راحتها ووقتها.
وفي سنن الترمذي وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {النساء شقائق الرجال} ومعنى قوله: {شقائق الرجال } جمع شقيقة، والشقيق هو: المثيل، والنظير، كأن الشقيق وشقيقه شُقَّا وقُطِعَا من شيء واحد، فأحدهما صورة عن الآخر.
والأمر كذلك كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً [النساء:1] فقد خلق الله تعالى حواء من آدم وخلق منها زوجها كما جاء في بعض الآثار عن ابن عباس وغيره، وهناك أحاديث تدل على هذا المعنى في الصحيحين وغيرهما.
إذاً فالأصل أن مسئولية المرأة هي نفسها مسئولية الرجل، إلا أن يأتي دليل يدل على تخصيص الرجل بحكم شرعي فيعمل به، أو دليل يدل على تخصيص المرأة بحكم شرعي فيعمل به.
على سبيل المثال: صلاة الجماعة واجبة على الرجال بالنص، ولكنها ليست واجبة على النساء، فهذا حكم يخص الرجل ولا يلزم للمرأة، وهناك أحكام تتعلق بالنساء ولا تتعلق بالرجال وهي كثيرة معروفة جمعها الشيخ صديق حسن خان في كتابه: حسن الأسوة فيما ورد عن الله ورسوله في شأن النسوة.
هناك أخت أخرى تنفي ما سبق أن ذكرته في بعض المناسبات، أن بعض الأخوات الملتزمات قد تنشغل بدعوتها وعبادتها وصلاحها وقراءتها وعلمها، قد تنشغل بذلك عن نفسها، فتقصر في أمر ملابسها، أو أمر بيتها وتنظيمه، أو أمر زوجها، أو ما أشبه ذلك، أو لا تهتم بمظهرها.
وتنكر هذه الأخت وجود مثل ذلك، وجواباً على هذا أقول: إن هذه الحالة حالة موجودة، وإن كنت أعترف للأخت ولغيرها أنها قليلة فعلاً، وللأخت الكريمة أن تنفي هذا الأمر الذي ذكرته عن نفسها، ولها أن تنفيه عمن حولها، وعمن تعرفه، لكن من الصعب أن تنفي هذا عن جميع الأخوات الملتزمات.
أما أن يكون أهل الشر والفساد قد يستغلون مثل هذا الكلام، ويعممونه ويلصقونه بكل الملتزمات، وكل الداعيات، فإنني أقول: لا يجب أن نخاف من هؤلاء، أو نتستر على أخطائنا من أجلهن.
الخطأ لا مانع من معالجته ومناقشته، والحديث عنه دون تشهير، ودون تحديد، ودون تنقص، ودون تضخيم له، لكن لا مانع من الحديث عنه {فإن الدين النصيحة} كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
والحديث عن هذه الأخطاء هو بإذن الله تعالى السبيل لإزالته، فإن الأخطاء لا تكبر وتتضخم وتتسع وتتراكم إلا بالسكوت عنها، والتستر عليها.
ثم لماذا يكون لنا الحق في نقد جميع طبقات المجتمع؛ فننقد الأطباء والمستشفيات، وننقد التجار، وننقد الموظفين والمسئولين، وننقد الإعلام، وننقد جهات كثيرة ومتعددة، ثم لا يكون الحق مشابهاً في أن ننقد أنفسنا؟!
إن هذا ليس من العدل في شيء.
بل ينبغي لنا أن ننتقد أنفسنا، حين أتكلم أو يتكلم غيري عن أهل الخير والصلاح والدعوة فإن الله تعالى يعلم أن الواحد كأنما يتكلم عن نفسه، ولكن لا يرى مسوغاً أن يتستر، أو يسكت عن هذه الأشياء.
وأذكر مرة أخرى رأيي باختصار في هذا الموضوع، فأقول: هناك فرق بين فتاة تتابع الموضة أولاً بأول، وتتابع التسريحة، كلما صدرت مجلة في الأزياء، أو ما يسمى بالبردة، اقتنتها وأخذت منها الجديد، وتجد أنها يوماً تقلد الشرق ويوماً تقلد الغرب، وتتابع عروض الأزياء بكل دقة وعناية، حتى كأنه لا هم لها إلا خياطة الثياب، وتفصيلها، واقتنائها ومتابعة الموضة، فهذا لا يشك عاقل في أنه محرم لأسباب:
1- أهمهما وأعظمها أنه صورة واضحة من التشبه بالمشركين، وقد روى أبو داود وأحمد وغيرهما عن ابن عمر بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ومن تشبه بقوم فهو منهم} كما نهى الله تعالى عن التشبه بأهل الكتاب بقوله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] أخذ بعض المفسرين وبعض أهل العلم من الآية النهي عن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهذا من أصول الدين العظيمة التي تكلم عنها العلماء، ولعل أهم كتاب ألف في هذا الباب هو الكتاب العظيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم للإمام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فكون المسلم أو المسلمة لا هم له إلا معرفة الجديد في عالم الموضة، أو في عالم التسريحات، أو في غيرها، ومتابعة دور الأزياء الغربية، التي كثيراً ما يقف وراءها اليهود، ثم يلاحق ذلك أولاً بأول، لا شك أن هذا فيه تشبه بهم أولاً.
2- ثم إن فيه من شغل الوقت، والقلب، والعقل، وضياع العمر، ما يقطع معه المدرك بأنه من أول وأول ما يدخل في باب المحرمات، هذه مسألة.
لكن هناك مسألة أخرى تختلف عن ذلك اختلافاً كبيراً، هناك فتاة صالحة وجدت تفصيلاً لثوب بشكل معين، فأعجبها هذا التفصيل، ثم أجرت عليه التعديلات الشرعية، فإن كان قصيراً طولته، وإن كان ضيقاً وسعته، وإن كان فيه فتحة كبيرة صغرتها، وإن كان بلا أكمام وضعت له الأكمام، ثم خاطت على هذا النمط فهنا لا أستطيع أن أقول: إن مثل هذا العمل ممنوع، بل هو في رأيي مباح، شريطة أن لا يكون هذا ديدنها، وعادتها التي تركض وراءها كما أسلفت في النقطة الأولى.
ذكرت بأنها تراجع في مثل هذه الأمور أصحاب الفضيلة المشايخ؛ كسماحة الشيخ ابن باز وغيره، وتبلغ الفتيات بمثل هذه وسواها، وتود أن لا تسمع البنات إلا مثل هذه الأمور.
وإنني أشكر للأخت الكريمة، وزميلاتها، أشكر لها أولاً قيامها بالدعوة إلى الله تعالى، فإن هذا أمر عظيم، وهي الوظيفة التي كلف بها الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن قام بها فهو وريثهم الذي يرجى أن يحشر معهم يوم القيامة في الجنة، مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].
فهنيئاً لهؤلاء الأخوات الكريمات، هذه الوظيفة التي شغلن أنفسهن وأوقاتهن وأعمارهن بها، وظيفة الدعوة إلى الله، وإنكار المنكر، ونشر العلم الشرعي، ونشر الحق في أوساط الفتيات، في وقت قل من يقوم بذلك، وكثر فيه المغرضون، والمرجفون، والداعون إلى الانحراف، والداعون إلى محاكاة الأنماط الغربية والشرقية، في أوضاعنا الاجتماعية والعائلية وغيرها.
وأود أن أؤكد للأخت الكريمة أن هذا المسلك الذي سلكته في مراجعة العلماء والمشايخ هو عين الصواب، فإن الإنسان لا ينبغي أن يستبد برأي، أو اجتهاد، إلا بعد أن يراجع أهل الشأن والعلم فيه، ويحادثهم، ويناقشهم، ويعرض عليهم، حتى يطمئن على صواب ما توصل إليه.
وهذا هو الأمر الذي نسلكه بحمد لله، ويسلكه غيرنا من طلبة العلم في مثل هذه الأمور وغيرها، وشكر الله للأخوات كثيراً على ذلك.
ثم إن هذه المسائل تظل في جملتها مسائل اجتهادية، ليس فيها قطع، ومن وصل فيها إلى رأي، أو اجتهاد لم يسعه أن يترك رأيه أو اجتهاده لرأي غيره، ولا أن يلزم غيره بذلك، فإنه حينئذٍ ترك ما رأى أنه الحق لتقليد، وقد قال الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-:" أجمع أهل العلم أن المقلد لا يعد من العلماء ".
والله تعالى لا يسألنا يوم القيامة ماذا أجبتم فلاناً العالم! أو فلاناً المفتي! أو فلاناً الداعية! ولكن يقول كما أخبرنا جل وعز: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].
فهذا هو السؤال (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) فإذا كان الإنسان لديه دليل من قرآن، أو آية من كتاب الله تعالى، أو حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح، أو إجماع من أهل العلم قائم، فلا يسعه أن يترك ما ظهر له من ذلك لقول أحد كائن من كان.
وجوابي على ذلك: أولاً: أن هذا صحيح وأنا أسلم بما ذكر، وأن أموراً وموضوعات شغلتنا عن قضية النساء، وتجاوباً مع هذا فإنني أقول: سوف يكون درس الأسبوع القادم إن شاء الله بعنوان (أنصفوا النساء).
أما النقطة الثانية: فإنني أقول: إن بعض الأخوات يتحملن جزءاً من المسئولية، في عدم موافاتي كتابياً بالموضوعات، والمشكلات والاقتراحات، التي يكون من المناسب عرضها.
إنني أرى أن كثيراً مما يردني من الأخوات إنما هي عبارة عن مشكلات شخصية، أو أسئلة خاصة، تتطلب جواباً شخصياً، فهل يدل هذا على قلة من يتحملن الهم العام في الدعوة إلى الله بين النساء؟!
آمل أن لا يكون الأمر كذلك.
وبعض الإخوة أيضاً ينتقدون قراءة بعض الأسئلة بشكل مختصر، حتى إنهم قد لا يفهمون السؤال، ولا يعرفون ما المقصود به، وهذه أيضاً ملاحظة صحيحة، وأتمنى أن أتلافاها إن شاء الله تعالى.
وآخرون يقولون: إنك في إجابتك على الأسئلة تختصر اختصاراً شديداً، ويطلبون أن يكون هناك نوع من التطويل في إجابة الأسئلة، وذكر بعض الأقوال وبعض الأدلة وما شابه ذلك، وأقول لهم: نعم أفعل إن شاء الله تعالى.
وإخوة آخرون يطلبون ذكر المراجع في بعض الدروس وفي بعض الكتب، وهذا إن شاء الله تعالى سوف أراعيه مستقبلاً.
كما أن بعض الإخوة نبهوني، جزوا أفضل الجزاء، على نسيان خطبة الحاجة في بعض المحاضرات والدروس، وفي بعض الكتب أيضاً، فسوف أعدل ذلك فيما يتعلق بالكتب، وأراعيه فيما يتعلق بالإلقاء.
هذا ما يتعلق بتصحيحات، أستطيع أن أقول عنها إنها تصحيحات فنية.
فقد كتب إلي عدد من الإخوة عن بعض الآثار والأحاديث التي كنت سقتها في مناسبات متنوعة وتحتاج إلى تخريج، أو إلى استدراك.
وأذكر لكم شيئاً من ذلك:
1- ما أُثر عن عمر في الخمر:
فمنها: أنني في محاضرة وأعتقد أنها كانت بعنوان "التربية الوجدانية" ذكرت أثر عمر رضي الله عنه قوله: [[والخمر ما خامر العقل]] ونسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواقع أن هذا ليس بحديث مرفوع، ولكنه أثر موقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد رواه البخاري في كتاب: التفسير، من صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [[أما بعد أيها الناس: إنه نـزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. قال: والخمر ما خامر العقل]].
2- أثر علي (أحبب حبيبك هوناً ما...)
الملاحظة الثانية: أثر علي رضي الله عنه: [[أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيظك يوماً ما، وأبغض بغيظك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما]] فقد ذكرت هذا الحديث وعزوته إلى الترمذي وغيره مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والواقع أن هذا الحديث رواه الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الدارقطني في كتاب الأفراد، والبيهقي أيضاً في الشعب عن علي رضي الله عنه ورواه البخاري في الأدب المفرد، وابن عدي، والبيهقي في الشعب عن علي رضي الله عنه موقوفاً عليه، ورواه غيرهم عن عمر رضي الله عنه كما في كتاب الأدب المفرد للبخاري.
وقال الترمذي عن هذا الحديث: " هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه " ثم ضعف الحديث المرفوع ثم قال: " الصحيح عن علي موقوف من قوله " يعني: أن الحديث لا يصح مرفوعاً بل هو موقوف، وهذا الذي رجحه جماعة من أهل العلم، وكأنه هو المعتمد، وإن كان بعض أهل العلم الكبار رجحوا المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى كل حال فالمسألة مسألة اجتهادية تعتمد على البحث والنظر.
يبقى كلام في معنى الحديث: [[أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيظك يوماً ما، وأبغض بغيظك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما]].
إن الحديث يدعو إلى الاعتدال في المحبة، فهذا الذي تحبه ربما يتحول يوماً من الأيام إلى عدو مبغض، واعتدل أيضاً في البغضاء، فربما كان هذا العدو الذي تبغضه أشد البغض ربما تحول يوماً من الأيام إلى محب.
وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم قال الله عز وجل: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [الممتحنة:7] وعسى من الله واجبة كما قال المفسرون، كما قال ابن عباس وغيره: فتحول هؤلاء القوم الذين كانوا أعداء مبغضين، تحولوا إلى أصدقاء محبين موالين مناصرين، فينبغي على الإنسان أن يعتدل في حبه وبغضه.
ولهذا جاء في المثل (لا يكون حبك كلفاً) أي: تسرف في المحبة، وتعطي العواطف بلا قياس، حتى إنك تجد في بعض المجتمعات، وفي بعض مدارس البنات، ومدارس الأولاد، ما يسمى بالإعجاب.
أن البنت تتعلق بمدرسة، أو حتى بزميلة تعلقاً شديداً، فتصبح لا تصبر عنها ساعة من نهار، تكلمها، وتحادثها، فإذا غابت عنها اتصلت بها في الهاتف، وتقلدها بأصواتها، وحركاتها، ومشيتها، وملابسها، وتسريحتها، وكل شيء حتى تذوب شخصيتها في شخصية تلك الأخرى وكأنها ظل لها!
وهذا لا شك أنه مذموم، ومن تأله القلب، وتعلقه بغير الله تعالى، ويخشى أن يؤدي بالإنسان إلى لون من ألوان شرك المحبة قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].
فينبغي للعبد أن يحذر من ذلك، وأن لا يجعل قلبه مسرحاً ومرتعاً للتعلق بفلان وفلان، فيكون عنده محبة معتدلة للخير وأهله، وإذا أبغض فينبغي أن يكون بغضه معتدلاً (لا يكون حبك كلفاً ولا يكون بغضك تلفاً) فالاقتصاد في العواطف إذن مهم.
3- آثار عن عمر أسنادها منقطعة:
أيضاً من الملاحظات في هذا الجانب:
أولاً: قول عمر رضي الله عنه: [[حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]]].
هذا أخرجه الإمام أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتابه محاسبة النفس، وأبو نعيم في الحلية عن ثابت بن الحجاج عن عمر، ورجاله ثقات، وإن كان ثابتاً هذا لم يسمع من عمر رضي الله عنه.
ورواه مالك بن مغول أنه بلغه عن عمر، أخرجه ابن المبارك في الزهد، وكذلك رواه أبو عبيد في المواعظ، وعلقه الترمذي في سننه.
وأيضاً مثله قول عمر رضي الله عنه: [[رحم الله من أهدى إلي عيوبي]].
أخرجه الدارمي في سننه عن عباد بن عباد الخواص عن عمر في خبر طويل وسنده منقطع، ولكن معناه صحيح، وربما وجد بغير هذا الإسناد.
[[رحم الله من أهدى إلي عيوبي]] فإن العبد يدعو ويفرح وهذا الأثر مناسب جداً لهذا الدرس؛ لأن فيه دعوة الإخوة إلى أن يتهادوا عيوبهم، فانظر كيف اعتبر ذكر العيب هدية تقدمها له؛ لأن الإنسان قد لا يكتشف عيبه بنفسه، قال الشاعر:
شاور سواك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشوراتِ |
فالعين تبصر فيها ما دنا ونأى ولا ترى نفسها إلا بمرآة |
مثله أيضاً: قول أبي الدرداء -رضي الله عنه: [[إن نقدت الناس نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك]] هذا أخرجه الخطيب البغدادي في التاريخ، وابن عساكر أيضاً عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء موقوفاً وفي سنده فرج بن فضالة وهو ضعيف، ولقمان بن عامر روايته عن أبي الدرداء مرسلة كما قال أبو حاتم الرازي رحمه الله.
ورواه عون بن عبد الله أيضاً عن أبي الدرداء، أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث، وابن عساكر وهو مرسل.
ورواه يحيى بن سعيد عن أبي الدرداء كما عند ابن عساكر، والأثر ثابت عن أبي الدرداء في هذه الطرق وغيرها والله تعالى أعلم.
1- عدد السنن الرواتب:
فمن ذلك ما يتعلق بالسنن الرواتب، وكنت ذكرتها في درس (
فالسنن الرواتب جاءت في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عشر ركعات، والحديث متفق عليه. وفيه قوله: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح} فهذا يدل على أن الرواتب خمس يعني: عشر ركعات.
وجاء في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على أنها اثنتا عشر ركعة، فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة} فدل هذا على أنها اثنتا عشرة ركعة، منها: أربع قبل الظهر.
والجمع بين هذين الحديثين هو كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد: إما أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في بيته صلى أربعاً, وإذا صلى في المسجد صلى ركعتين. وهذا أظهر.
وإما أن يقال: كان يفعل هذا ويفعل هذا، يعني: يفعل هذا وهذا في وقت واحد. يعني: يصلي أربعاً في بيته وركعتين في المسجد فيكون المجموع يصلي ستاً، هذا احتمال، أو أربعاً في البيت وركعتين في المسجد، وقد روي هذا المعنى عن أبي السائب رضي الله عنه مرفوعاً، وعن ابن مسعود وأبي أيوب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.
أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا تارة ويفعل هذا تارة، فتارة يصلي أربعاً وتارة يصلي ركعتين.
2- فتوى بخصوص العمل في مؤسسة الراجحي:
المسألة الفقهية الثانية التي راجعني فيها بعض الإخوة، هو ما يتعلق بالفتوى التي ذكرتها قبل أسبوعين في العمل في مؤسسة الراجحي، وقد قال لي بعض الإخوة: إنه وجد عندهم بعض المعاملات، سواء في القسم النسائي في الذهب، أو في البيع بالتقسيط، أو في غير ذلك، فأقول جواباً على هذا:
أولاً: الذي أفتيت به هو كان جواباً عن سؤال العمل في بنك الراجحي، والذي أرى أن العمل في هذا البنك الأصل فيه أنه جائز ولا دليل على منعه، والأصل في أنظمة هذا البنك أنه لا يتعامل بالربا، ولو أتيت لتودع مالاً مقابل أخذ فائدة؛ لم يقبلوا منك ذلك، فهو لا يقبل مبدأ الإيداع الربوي الذي تقوم عليه البنوك الأخرى، وهذا أمر ظاهر.
ثانياً: قد يحدث من بعض العاملين، أو بعض المسئولين في مكاتب فرعية مثلاً، أو بعض المباشرين الذين يتولون الأمر مع الناس، قد يحصل منهم تساهل أو تفريط أو تقصير، وقد جاءني أشياء من ذلك، وسألت العاملين والمسئولين الكبار في الشركة، وفي مجلس الإدارة، فقالوا: إننا لا نقر شيئاً من ذلك قط، وإننا نطلب أن يوافينا كل إنسان بأي معاملة تكون مخالفة للشريعة، سواء عن طريق معاملات التقسيط أو غيرها.
وإن ذلك لا تقره الشركة، ولكنه قد يحصل من بعض الأفراد العاملين فيها، فأطلب من بعض الإخوة الذين يجدون أشياء من هذا القبيل أن يكتبوا للعاملين في الشركة، ويواصلوهم بذلك، وأعتقد إن شاء الله أن لديهم رغبة أكيدة في التصحيح، والوصول إلى المستوى المطلوب من الناحية الشرعية.
علماً أن هناك هيئة رقابة شرعية قائمة على هذه المؤسسة، وفيها جماعة من العلماء الفضلاء، كالشيخ عبد الله البسام، والشيخ صالح الحصيّن وغيرهم، وهم حريصون على هذه الأمور إن شاء الله بشكل كبير.
أو بعض الكلمات التي أنطقها أحياناً بطريقة غير صحيحة، وأنا أشكر للإخوة هذه الملاحظات وأطلب منهم المزيد.
إن الإنسان أحياناً يكون قد أخذ لسانه منذ الصغر على نطق الكلمة بشكل معين، ثم عرف الصواب، ولكنه لم يتعود لسانه عليه، فيحتاج إلى وقت حتى يتخلص من ذلك، وأعتقد أننا بالتنبيه نفلح في اختصار الوقت، فجزاكم الله خيراً.
من الكلمات التي لاحظها الإخوة كلمة: (وصِل)، والصواب أنها: (وصَل) بفتح الصاد، وأيضاً كلمة بتسكين الميم، وكنت أنطقها أحياناً بضم الميم، وأشكر هؤلاء الإخوة وأعدهم بمحاولة التغلب على ذلك كله.
أكتب لكم هذه الرسالة منطلقاً من قوله تعالى: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] ومن قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أحببت أخاك فأخبره أنك تحبه} وقوله: {الدين النصيحة}.
لقد حباكم الله محبة وقبولاً في قلوب المسلمين في شتى أصقاع الأرض، وما ذلك -والعلم عند الله تعالى- إلا لإخلاصكم وقوتكم في الحق وحرصكم عليه.
ومن هذا المنطلق أود أن أذكركم ببعض الأمور، وما أخالكم إلا تذكرونها وتعلمونها وتستحضرونها وتستشعرونها، ولكن لحاجةٍ في نفس يعقوب أحببت الكتابة إليكم مذكراً ومحباً.
فأول شيء أود أن أذكركم به: الاحتساب في كل عمل تقومون به، سواء كان ذلك عن طريق المحاضرات، أو الدروس، أو التأليف، أو المراسلة، أو جمع التبرعات، أو أعمال البر والإغاثة، وهذه الأعمال الجليلة قد نفع الله بها نفعاً عظيماً ونسأل الله تعالى أن ينطبق عليك قوله تعالى: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31] فاحتسبْ عند الله تعالى كل كلمة تقولها، أو تكتبها، واحتسبْ عند الله تعالى ما تقوم به من جهد لتحضير المحاضرات، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل من حضر إلى المسجد، أو رابط فيه لسماع درس، أو انتظر الصلاة إلى الصلاة، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل مسلم سَلَّم على أخ له في الله بعد الدرس أو المحاضرة، واحتسبْ عند الله أجر كل من أعانك على درس، أو استفاد، أو دعا إلى الله تعالى بسببك؛ احتسبْ ذلك لأنك تسببت لهؤلاء بتلك العبوديات المتنوعة، واحتسبْ عند الله تعالى أجر إحياء الأمة، وبث روح الدعوة والثقة والشجاعة فيها، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل واحد ترك معصية، أو فعل طاعة، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر بسببك، واحتسبْ عند الله تعالى أجر من نالك بسوء أو غيبة، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل ملهوف أغثته، أو مكروب نفست كربته، أو جائع سددت جوعته، أو عارٍ أعنته على كسوته، أو أيمٍ من سعيت في زواجه، وأحصنت فرجه، وأعنته على قيام أسرة مسلمة، فكثر بذلك سواد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، واحتسب عند الله تعالى أجر كل مدين أعنته على قضاء دينه، أو دعوة صرفت لك من المسلمين، واحتسبْ عند الله أجرها وأجر تسببك فيها، واحتسبْ عند الله تعالى كل سنة أحييت بسببك، وكل بدعة أميتت بسببك أو قمعت.
وبالجملة احتسب عند الله تعالى كل صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، ولا تنس نصيبك من الله، فالأعمال كما قال ابن القيم -رحمه الله-: (تتفاضل بحسب ما في القلوب من حقائق الإيمان).
أمام هذا الخير العظيم والنفع العميم هل يتصور منكم معشر الدعاة! أن تقفوا عند حد معين؟!
أو ينتهي طموحكم عند مكسب قل أو كثر!؟
هل يقف أمامكم، وأمام آمالكم تخذيل مخذل، أو عذل عاذل، أو إرجاف مرجف؟!
أترك الإجابة لكم، وأذكركم بقول القائل:
عذل العواذل حول قلب التائه وهوى الأحبة فيه من سودائهِ |
أأحبه وأحب فيه ملامة إن الملامة فيه من أعدائهِ |
إن هذه النعم التي تترى تحتاج إلى شكر عظيم، ومن ذلك الشكر مواصلة المسيرة، وألا يقف الناس في منتصف الطريق، ومن شكرها أن تتقبلوا كل نصيحة وتعملوا بها، ومن شكرها الإقبال على الله تعالى قلباً وقالبا، والزهد عن مُتَع الدنيا الفانية، ومن شكرها العفو عن من أساء إليكم، أو من نالكم بسوء: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] ولا نوصيك بالعفو عن من أساء، لا. بل نوصيك بالدعاء له بظهر الغيب لأن القلب الكبير لا يتسع إلا لذلك.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ أرحت نفسيَ من ظلم العداوات |
إني أُحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحياتِ |
ومن شكر تلك النعمة أن تفتح صدرك لجميع الناس وإن ضايقوك، فهذا جزء مهم في التربية العملية، لا يقل أهميةً عن الدروس والمحاضرات، وكل من أتاك ليراك، ويسلم عليك، ولم يَحْدُه لك إلا المحبة والشوق، فالله الله! بهذه الخلة العظيمة، التي فرط فيها وللأسف الكثيرون، حيث يقابلون الناس بالفضاضة والغلظة، وهذا لا يليق، فكل شخص أتى للسلام أو السؤال يشعر أن له حقاً، ولرب كلمة أو ابتسامة، أو انبساط، أو تصرف، أو اعتذار لطيف لبق، يُرى في الداعية، فيكون ذلك حافزاً له على الخير، والعكس بالعكس، فلو أن أحداً أُهين أو أغلظ عليه، فلربما كان ذلك سبباً لبغضه للدعاة.
فنأمل جميعاً أن تستمروا على ذلك الأمر، على فتح الصدر، وأن توصوا الدعاة بذلك، فلعل الله تعالى أن يبارك في الجهد والوقت، بسبب وقفة مع سائل، أو ملهوف، أو محتاج، أو حائر.
فإذا رُدَّ فإلى من يتجه بعد الله سبحانه وتعالى؟
سيتجه إلى الفسقة وأرباب الفكر الخبيث، من العلمانيين وغيرهم، من الذين يريدون أن يتخطفوا الشباب ويجروهم إليهم.
ولقد حدثني أحد الإخوان وكان يقطن بجوار رأس من رءوس العلمانية، أنه لا يدع أحداً من خدمه وأهل بيته يقوم بفتح الباب، بل إنه يبادر بنفسه ويقوم بفتح الباب، ويكرم الضيف، ويخرج معه، ويركبه في سيارته، أو يركب معه، ويستمع لجميع ما يقول، ثم يودعه وداعاً حاراً عندما يريد الذهاب من عنده، أفيغلب هؤلاء المبطلون الدعاة المصلحين والعلماء العاملين في هذا المجال؟!!
ومن شكر هذه النعمة أن تتذكروا إخوانكم وزملاء من الدعاة والمشايخ:
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنـزل الخشن |
وفي الختام: ذكر بعض الدعوات، فجزاه الله تعالى خيراً، وقد وصلتني هذه الصورة من هذا الموضوع، وهذه الرسالة الجميلة، التي أسأل الله تبارك وتعالى لكاتبها أن يجزيه خيراً، ويجعل له بكل حرف حسنة، إنه على كل شيء قدير، وأدعو الإخوة إلى مثل هذه المشاركات العظيمة، التي تقوي القلوب، وترفع الهمم، وتشد العزائم.
وهو يتعلق بالمأساة التي يعيشها المسلمون في أرض البوسنة والهرسك، فقد احتل الصرب مدينة يايدسا التي تعتبر من أجمل المدن في البوسنة والهرسك، والتي ظلت صامدة أمامهم أكثر من خمسة أشهر تحت نظام العدو، بطائراته ومدافعه وقنابله، مدافعة بكل عزة وكرامة، رغم قلة الزاد والعتاد، حتى احتار العدو من جَلد هؤلاء وشدتهم، مما دعاه إلى جمع حشود هائلة حول المدينة البريئة، مدججاً قوته بكل أنواع الأسلحة المدمرة، التي تتلقاها صدور المجاهدين المرابطين طيلة هذه الفترة، وتحول دون سقوط المدينة.
ولكن وجد المسلمون أخيراً أنه لا بد لهم أمام الحرب الضروس، وخوفاً من تكرار المذابح، وحفاظاً على أرواح المسلمين أن يقوموا بإخلاء المدينة من المدنيين، ثم انسحبوا منها، وانسحبت بعض فرق الجيش البوسنوي ما بين الساعة السادسة والسابعة من صباح اليوم -هذا قبل عدة أيام- متوجهة عبر الجبال إلى المدينة المجاورة إترافنك، وتردد في بعض الأخبار أن هناك أعداداً من السكان المسلمين، وبعض فرق الجيش، لا زالت تقاتل وهو ما يسمى بحرب الشوارع، هذا موجود إلى البارحة، كان هناك حرب شوارع داخل هذه المدينة، وهناك أنباء بسقوط ضحايا كثيرين من الطرفين.
هذه المدينة تعتبر من المدن التي يرتبط اسمها تاريخياً بـيوغسلافيا الاتحادية، ويمكن القول بأن السبب الرئيسي لسقوطها هو عدم وصول الأسلحة والذخائر إليها، بسبب الحصار الذي كانت تضربه قوات الصرب حول المدينة، وبسبب القتال الذي نشب مؤخراً بين المسلمين وبين والكروات في إترافنك وما حولها، مما حدا بقوات الصرب إلى استغلال الموقف، وحشد الأسلحة والعتاد، والآن يتكرر الأمر نفسه بحشد الجنود والعدة حول عدة مدن منها: مدينة برجكو، ماجلاي، جراداشاس.
ونسأل الله تعالى أن ينصر المسلمين في تلك المدن وفي غيرها، وقد ترددت أنباء بأن قوات المسلمين البوسنوية استطاعت أن تقتل ثلاثين من بعض العصابات الصربية، وقتل من المسلمين ثلاثة في مدينة كراداشاس، نسأل الله تعالى أن يجعلهم شهداء في سبيله.
وهذه المدينة تسمى مقبرة الصرب، كما بعث الرئيس البوسنوي خطاباً إلى رئيس جمهورية كرواتيا ينتقد فيها المواقف الكرواتية، وخاصة مواقف وسائل الإعلام في ترويج الإشاعات، وإبراز صور العداء ضد المسلمين.
وقد رددت الإذاعة الكرواتية والتلفاز أنباء كثيرة تقلل من شأن حكومة المسلمين في البوسنة، وتذكر بعض الأخبار المغرضة.
لقد ذكرت لكم في المجلس الماضي عن كوسوفو، هذا الإقليم الذي يحتله الصرب، ومعظم سكانه من المسلمين.
ألسنة الدخان تتصاعد الآن فوق ميدان القتال في ذلك الإقليم، فبعد (603) سنوات من سحق المسلمين العثمانيين للصرب في هذا السهل، في كوسوفو، يتخذ الصرب الآن مواقعه من جديد في نفس الساحة، وهؤلاء الجند الحقيرون يتواجدون عند معسكراتهم، دباباتهم متأهبة في صمت، ومدفعيتهم موجهة نحو برسينا عاصمة كوسوفو التي تسكنها غالبية ألبانية.
إن ذلك الجيش يمثل يوغسلافيا، وفي هذا المكان مُني الصرب بأكثر هزائمهم، وأدى ذلك إلى قيام حكومة عثمانية، ومن ذلك الوقت أصبح ميدان تلك المعركة مكاناً مقدساً للصرب، يعتبرونه أهم المواضع الاستراتيجية في كوسوفو رغم أنهم يكنون لرئيسهم فضلاً كبيراً في سيطرتهم على الألبان منذ ثلاث سنوات، إلا أنهم لم يحققوا نصراً بل وجدوا أنفسهم وحيدين، واضطروا إلى فرض جو من الحكم العسكري وهم يواجهون اليأس والخوف، وأصبح خيار الحرب الآن هو غايتهم.
تقول إحدى الممرضات: لقد اقشعر بدني، كيف يعتنق بعض هؤلاء رجلاً انفصالياً هذا شيء كبير! ويطالب الزعماء الألبان باستقلال كوسوفو، ويتحدثون عن اتحاد حتمي مع ألبانيا.
أما الصرب فهم يعتبرون هذا الاستقلال مستحيلاً، ويقولون: إنهم يفعلون كل شيء لمنع هذا الاستقلال للمسلمين، إن القليلين فقط يرون أن هناك بوادر حرب مع الألبان، ما لم يتلق الألبان أسلحة من الخارج.
يعني: من المستبعد أن تقوم حرب بين ألبانيا وبين الصرب، ولكن من المتوقع جداً أن يواجه المسلمون داخل هذا الإقليم حرباً ضروساً، حرب إبادة على يد الصرب، الذين تفرغوا لمثل هذه المهمة، بعد أن عقدوا حلفاً جديداً مع الكروات.
فمثلاً: يقول في عدد (5066) نشرت أن مادونا؛ وهذه مغنية أمريكية مشهورة بالفجور، وأنها تظهر عارية على الشاشة أو بملابسها الداخلية، أجلكم الله!
يقول: إن مادونا هذه مدينة بأكثر من مليوني دولار لمصلحة الضرائب الفرنسية، ثم يقول: ترى ماذا يستفيد القارئ من هذا الخبر، وما قيمة مادونا في دنيا العرب والمسلمين، حتى نتابع أخبارها وفسادها وتهربها من دفع الضرائب إلى غير ذلك؟!
وأقول: في الوقت الذي يتكلمون فيه عن ذلك، فإنهم لا يتكلمون عن المديونيات الضخمة المرتفعة، التي تثقل كواهل الدول الإسلامية الغنية والنفطية يوماً بعد يوم.
نعود إلى كلامه، يقول: وفي نفس العدد كتب الكاتب الهمام، الذي أصابنا الغثاء من كثرة ما يقذفنا به من تفاهات الغرب وسخافاته، عبد الله باجبير، كتب يعجب من قيام محكمة في الصين بالحكم بالإعدام على ناشر كتب، قام بطبع مليون نسخة من كتب إباحية.
ونسأل كاتبنا الفاضل: هل نشر كتب الإباحية يقل خطورة عن نشر المخدرات والترويج لها؟!
أو ليس نشر الكتب الإباحية التي تدمر أخلاق الشعب من الفساد في الأرض؟!
أوليس من العجب أن تحرص حكومة شيوعية على حماية شعبها من الفساد، وصونه من الانحلال والفسق، ويقوم كاتب إسلامي في صحيفة عربية بالعجب من ذلك؟!
وهل يعرف باجبير ما هو جزاء المفسدين في الأرض في الإسلام؟!!
وفي العدد (5067) نشرت الجريدة صور مارلين مورلو تطرح في مزاد علني، وأن الرواد تزاحموا على صالة عرض في العاصمة البريطانية، لشراء صور لممثلة الإغراء، وأن هذه الصور التي ظهرت فيها وهي ترقد تحت غطاء حريري حققت شهرة واسعة، طبعاً قال: ترقد عارية!
هل مثل هذا الخبر الفاضح الوقح يستحق أن ينشر، وهل بلغ من أهميته وقيمته أن ينشر في الصفحة الأولى، رقم (2) من هذه الجريدة.
وفي العدد (5068) كتب يطبل ويزمر، ويكاد يرقص، لأن جندي مرور ترك الإشارة حمراء مدة طويلة، ليعطي الفرصة لعروسين لتبادل قبلة طويلة!
ما شاء الله! إن قبلات العروسين في عرفنا وحكم ديننا لا تكون إلا في مخدع النوم، ليعجب الأوروبي والأمريكي في مجتمعهم الإباحي بمثل هذه الأمور، فمنهم من يمارس الفسق حتى على قارعة الطريق، أما نحن فسنستقذر مثل هذه التصرفات الشائنة، ونمقتها ولا نريد لها أن تغزونا.
وفي العدد (5071) نشرت الجريدة أن بريجيت باردو تزوجت سراً من عشيق لها، وأن هذا هو الزواج الرابع.
ما أهمية هذه المرأة عند القارئ المسلم! وماذا نستفيد من متابعة هذه الأخبار وملاحقة هذه النـزوات!
وفي العدد (5079) تحت عنوان " العزاب أطول صحة من المتزوجين "، ذكرت الجريدة أن الذين لم يتزوجوا قط أكثر صحة وسعادة من المتزوجين، وهذا لا شك أنه مخالف لسنة المرسلين!
وفي العدد (5081) نشرت الجريدة أن الموظفين الكبار يتعلمون الغناء في سنغافوره، ولست أدري لماذا نروج لمثل هذه الأخبار وما الفائدة منها؟!
إن هذه المقالة في جريدة المدينة مقالة جيدة، تكشف جانباً فقط من الدور التخريبي الذي تقوم به الجريدة.
وأنا أطالبكم مرة أخرى -وأستغفر الله من أنا- بمقاطعة هذه الجريدة، وأن تقوموا بحملة لكل من تعرفوه من أصحاب البقالات، والشركات، وعموم الناس، وزملائكم، وزملاء العمل، وغيرهم أن يقاطعوا هذه الجريدة، لأنها لا تستحق حتى من الناحية الأخبارية أن تُشْتَرى.
السؤال يقول: فضيلة الشيخ عبد الله السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
تمارس جريدة الشرق الأوسط دوراً سيئاً في تشويه أخبار المسلمين والتكتم على قضاياهم، وتشويه صورة الإسلام، والنيل من قضايا الإسلام، ومعالجتها بطريقة لا تخدم المصلحة الإسلامية بحال من الأحوال، كما أنها تتابع أخبار الفنانين والفنانات من الكفار وغيرهم، وتبرز صورهم، فما رأيكم في هذه الجريدة؟
وما حكم بيعها وشرائها، وتوزيعها، واقتنائها، وفقكم الله وسدد خطاكم.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إذا كان الأمر كما ذكر أعلاه؛ فإن التعامل معها طريق لتشجيعها، وترويجها، وتمكينها مع ما فيها، وما تحدثه من الأضرار في المعتقد، لذلك أرى النهي عن اقتنائها، وشرائها، وتوزيعها.
وأشير على كل ناصح للإسلام أن يتجنب المساهمة فيها، أو النشر فيها، فإن ذلك ذريعة إلى إماتتها، وإخماد ذكرها، حتى تتغير عن هذا الأسلوب، وتستبدل خيراً من هذه الطريقة.
قاله وكتبه: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. في (5/4/1413هـ) ثم بعد ذلك التوقيع.
يؤكد أنه أقيمت في الرياض حفلة مختلطة في أحد الفنادق، وكانت بعنوان (مهرجان الأطعمة الأمريكية والمكسيكية)، وقد قام التلفزيون السعودي، في القناة الثانية الإنجليزية، بنقل بعض وقائع هذا الحفلة المختلطة، والمقابلة مع بعض الضيوف من الرجال والنساء والأطفال.
عرضت في برنامج (إن فوكس) وذلك يوم الجمعة مساء الخامس من جمادى الأولى سنة (1413هـ) الجمعة الماضية في تمام الساعة التاسعة وعشر دقائق تقريباً.
المذيع يقوم بمقابلة الضيوف، وسؤالهم عن حضارة هذه البلاد، وإعجابهم بها.
وكذلك سأل أحد الضيوف وقال له: ما رأيك بمثل هذه الفكرة؟
أي: فكرة المهرجان، وأن تُكرر، ويتعرف الناس على هذه الأطعمة؟
فأجاب: بأنها فكرة جميلة وجديدة، وأرى أن تتكرر سنوياً ليتعرف السعوديون والجنسيات الأخرى على الأطعمة الأمريكية.
وكذلك قال مدير الفندق المنظم للحفلة: إن هدفها تعريف الناس في الرياض على الأطعمة، وكذلك التاريخ الأمريكي، وهناك عروض مسرحية قدم التلفزيون بعضاً منها.
وكان ضيوف المهرجان رجالاً ونساء يجلسون على طاولات متقاسمين للمقاعد، وكانت الطاولات عليها علم السعودية، إلى جوار علم الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول الأخ الكريم: ولقد رأيت والله ما يبكي ويحزن! فانظر كيف وصل بهم الأمر إلى أن يقوموا باستفزازنا وذلك من خلال إقامة هذه الحفلات، أولاً في بلادنا، ثم لم يكتفوا بذلك حتى قاموا بعرضها ضمن برنامج في القناة الثانية.
فهذه دعوة إلى الغيورين والمخلصين أن يحاربوا مثل هذه الظواهر الشاذة، قد يقول قائل: لماذا لا نكتب إلى المسئولين؟!
فأقول: يا أخي هذا برنامج عرض في التلفزيون، ويجب أن تتصور أن التلفزيون يجلس إليه في الساعة الواحدة ربما أقول بدون مبالغة ملايين، وليس الألوف أو عشرات الألوف، أو مئات الألوف، ملايين! وهذا ليس سراً، وكونك أنت إنسان طيب وصالح، وليس عندك تلفزيون، أو لا تسمع هذه الأخبار، لا يعني أنه لا يجب أن تقال، بل يجب أن تقال وأن تعلن، وأن تحارب، وأن نشترك جميعاً في مقاومتها.
ولا شك أننا تكلمنا أيضاً قبل أسبوعين بما يعتقد أنه هو الصواب في هذه المسألة، ولكن الذي أزعجني كثيراً أن يكتب كاتبٌ كـمحمود السعدني في أخبار اليوم في العدد (2503) مقالاً يقول فيه: أما بعد، تصورت خلال مشاهدتي لبرنامج تلفزيوني -هذا في مصر استغرق ساعتين يوم الثلاثاء الماضي- تصورت أن مبنى التلفزيون قد وقع في يد تنظيم الجهاد -طبعاً المقال كله سخرية بالمسلمين والشباب المتدين- يقول: تصورت أن التلفزيون قد وقع في يد تنظيم الجهاد، وأن البيان رقم واحد سيعقب هذا البرنامج المريب، يحمل نبأ تأليف الوزارة الجديدة برئاسة مولانا الإمام حجة الإسلام كحكوح بن سمعان، ولا شك أن المواطن شجاع، وإيمانه بالله قوي كما أنه نموذج للصبر، ورباطة الجأش، وقوة الاحتمال.
إلى أن يقول: ولكن ما جاء في البرنامج الذي استغرق وقتاً لا أستطيع تحديده، لا شيء سوى أن المواطن سعيد الحظ لا يريد الآن من الحياة إلا قضاء وقته داخل المسجد، والانقطاع للعبادة، وتأدية الصلاة، وهو لا يريد شقة، ولا زوجة، ولا شيئاً، ونصيحته للناس أن يتركوا كل شيء، ويتفرغوا لاستقبال الآخرة التي هي المأوى والمصير، أما الحياة فهي لا تساوي شيئاً، والأعمال، والأشغال، والمعايش، والأرزاق، فهي كلها مكروهة، لأنها تعطل الإنسان عن واجبه الرئيسي وهو العبادة وذكر الله تعالى! -هو ما قال (تعالى)، أنا أقول: (تعالى)، هو يقول: العبادة وذكر الله!- ولا أعرف كيف فات على معدي البرنامج العبقري الاستعانة بفرقة أبي الغيط، وكيف لم يقدم للمشاهدين مع البرنامج واعظاً مثل الشيخ حسن مات، لكي يحدثنا عن عذاب القبر، ويصف لنا خواص الماء المغلي الذي سيشربه الكافرون في الدرك الأسفل من النار!!
تصور إلى أي حد بلغت السخرية بهذا الرجل!
يقول: إن الزلزال كان فرصة لعرض صور الشهامة والبطولة والفداء، وتسليط الضوء على رجال الإنقاذ، والألوف الذين تقدموا عن طيب خاطر للتبرع بدمائهم، ومن بينهم أطفال.
ولكن التلفزيون، وللأسف الشديد ومنذ الزلزال وحتى الآن، تحول إلى فرع من فروع جماعة الناجين من النار.
نسأل الله أن يجعلنا من بركاتكم، وأن يجعل آخرنا في زاوية من زوايا التلفزيون، أو في برنامج على الهواء ننقطع فيه للعبادة وللصلاة!!
إنها كارثة أن يكتب مسلم، أو إنسان ينتسب إلى الإسلام، مثل هذا الكلام الذي يدل على أنه يسخر من عذاب القبر، ويسخر من الماء المغلي؛ الماء الذي ذكره الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية:1-5] يعني: حارة شديدة الحرارة.
وقال تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] وقال: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:43-44] يعني: حار شديد الحرارة.
ألا يخشى هذا الإنسان أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم ما قال: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ [الرحمن:43]!!
هل تعتقد أن إنساناً في قلبه الإيمان، بأن في قلبه الجنة، وهي مأوى المؤمنين، وأن النار موجودة وهي مأوى الكافرين يجرؤ على أن يكتب مثل هذا الكلام، ويسخر من المنتسبين إلى الإسلام.
إنه لا ينقضي عجبي! أنه في الوقت الذي نجد السخرية من الدين، والمتدين، وأحكام الإسلام، وعقيدة الإسلام، والقرآن، والسنة، أننا نجد من هؤلاء الصحفيين أنفسهم وأمثالهم، محاولة الإعجاب بالغرب، وتقديم الأمريكان لنا والنصارى واليهود على أنهم إخواننا وأشقاؤنا، وأنهم هم المنقذون لنا، وأنهم شركاؤنا في العمل، وفي الحياة، وفي الأرض، وفي الحضارة، وفي التصنيع، وفي غير ذلك!
فأي انحراف، وأي ردة أعظم من هذه الردة!! إنها انسلاخ من حقيقة دين الإسلام، انسلاخ من هذه العقيدة التي توارثتها الأمة واجتمعت عليها، إنها انسلاخ حتى من هذه الأمة، فهؤلاء لم يعد يسرهم أن يكونوا جزءاً من هذه الأمة، ولا أن ينسبوا إليها، هم يفرحون أن ينسبوا إلى الغرب أو الشرق، إلى النظام العالمي الجديد، أو النظام الشرق أوسطي الجديد، الذي يديره النصارى أو يدره اليهود!
أما أن ننتسب إلى هذه الأمة، إلى تاريخها، إلى قرآنها، إلى تراثها، فإن ذلك ما يزعجهم كثيراً!
لقد رأيت حملة ظالمة آثمة على أولئك الفنانات التائبات، العائدات إلى الله تعالى، المتحجبات، حتى إنني قرأت في بعض ما قالوا: إن هؤلاء تحجبن من أجل الشهرة والسمعة!!
وآخر قال: قبضن مرتبات ضخمة أعطيات مقابل إظهار الحجاب!
وثالث قال: حصلن على وعود كبيرة!
ورابع قال في صحيفة سيارة: إن هناك قوى خارجية ودولاً خارجية وراء ظاهرة الحجاب في أوساط البنات، ووراء ظاهرة إعفاء اللحية أوساط الشباب، ووراء ظاهرة اعتزال الفن وتركه.
سبحان الله! إلى هذا الحد، الله المستعان!
أسأل الله تعالى لهذا الجمع الكريم ألا ينصرفوا إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل مبرور، وأن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل، وأن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر