أحبتي وإخوتي الأكارم: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
هذا هو الدرس الرابع عشر في سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين الثامن من شهر الله المحرم، لعام(1411هـ).
موضوع الدرس في هذه الليلة، هو صلة الحديث عن موضوع (
ولا شك أن النكت والطرائف هي جزء من المزاح، فقد يتساءل البعض ولماذا نفردها بالحديث؟
فأقول: لا شك أنها جزء منه، وإن كانت جزءاً متميزاً؛ لأن النكت والطرائف هي -غالباً- عبارة عن روايات، وقصص صغيرة أو قصيرة يتناقلها الرواة، ويتداولونها على سبيل الإضحاك، فهي جزء من كل، وعلاقتها بموضوع المزاح علاقة الجزئية، فهي جزء من الموضوع العام، لكنها حظيت بمزيد من الاهتمام، وأصبحت في هذا العصر فناً خاصاً له أصوله، ومدارسه، وطرائقه، وأساليبه وكتبه وأهله، إضافة إلى أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة كثير من الناس، بل غلبت على كثير من الناس وأصبحت هي أهم جزء في حياتهم.
هذه دردشة خفيفة حول الأصل اللغوي، من خلال قراءتي لـكتاب لسان العرب وما ذكر فيه ابن منظور، وجدت أنه يمكن أن نقول: إن النكت مشتقة من أحد ثلاثة معان:
إما أن تكون مشتقة من (النَّكْت) وهو الضرب في الأرض بعود أو غيره بحيث يؤثر فيه، جاء في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم {كان ينكت الأرض بعود في يده} يعني يضرب به الأرض فيظهر أثره على الأرض، وإذا كان اشتقاقها من هذا المعنى فهو دليلٌ على أن الأصل في النكت أنها مذمومة، لأنها تؤثر في القلب وفي النفس، كما يؤثر هذا العود في الأرض، فيحدث فيه ندوباً وآثاراً، فكذلك بعض النكت أو كثيرٌ منها تحدث في النفس نكتاً وندوباً وآثاراً، فلذلك سميت بالنكت.
ويحتمل أن تكون مشتقة من (النَّكْت) وهو الطعن في الناس، يقال: هذا رجل نكات إذا كان طعاناً في الناس، وأيضاً إذا كان اشتقاقها من هذا المعنى؛ فذلك لأن كثيراً من النكت يكون المقصود بها الطعن في فلان أو فلان، أو العائلة الفلانية، أو القبيلة الفلانية، أو البلد الفلاني، أو ما أشبه ذلك، فتكون مذمومة على هذا الاشتقاق إجمالاً أيضاً.
أما الاحتمال الثالث: وهو الأقوى والأظهر والأرجح، فهو: أن تكون مأخوذة من (النَّكْت) وهو النقط، يُقال: نكت بمعنى نقط، ويُقال: نكتة أي نقطة، فهي النقطة في الشيء التي تكون مخالفة للونه، للون أرضه وعامته وغالبه، ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في حديث حذيفة: {تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً -وفي رواية- عَوْداً عَوْداً فأيما قلبٍ أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء} فقوله نكتت أي: نقطت ووضعت فيه نقطة سوداء أو نقطة بيضاء.
وعلى هذا الاشتقاق؛ فإن هذا يدل على أن النكت ينبغي أن تكون قليلة، كما سبق في موضوع المزاح تكون كالملح في الطعام، فتكون مثل النقط المنتشرة المغايرة للون الأصل، بمعنى أن الأصل فيك يجب أن يكون هو الجد، والكلام المفيد، وأما النكت فهذه استثناءات عارضة مخالفة للون الأصل الذي أنت عليه، فالأصل عندك الجد، ولكنك تمزح أحياناً بهذه النكت كما سبق.
الجد شيمته وفيه دعابة حيناً ولا جدٌ لمن لا يهزل |
أما الطرائف: فهي أخف شأناً، وأظهر من حيث الاشتقاق اللغوي، فإنها جمع طرفة، وهي تحتمل أيضاً معنيين أو أكثر، ومن مراجعتي أيضاً لكتاب تهذيب اللغة للأزهري، تبين لي أنه من الممكن أن تُرجع إلى أحد معنيين:
أولهما: أن ترجع إلى الطَّرف، والطرف هو النظر أو البصر، ولذلك يقول الناس: طرفه، يعني إذا أصيبت العين، إذا ضرب إنسان آخر بيده أو بثوبه أو بشيء، يقال طَرَفه أي: أصاب طرفه، ويقال طُرفة: أي: إصابة العين تسمى طرفة، ويقال: رجل مطروف، وهذا معروف، إذاً على هذا الاشتقاق أيضاً تكون الطرفة الأصل أنها مذمومة، لأنها قد تؤثر فيمن تقال له، كما تؤثر الإصابة في العين، فإما أن تصيبها بالعمى، أو قد تصيبها بالاحمرار وغير ذلك من العوارض.
الاحتمال الثاني: وهو الأرجح والأصح والأقوى؛ أن تكون الطرفة مشتقة من قولهم: فلان ما له شيء طارف ولا تليد، ويعنون بالطارف الجديد، وبالتليد القديم، تقول: هذا من طريف مالي أي: من جديده ومستحدثه، وهذا من تلاده أي: من قديمه وموروثه، فالطارف عند العرب أو الطريف: هو الجديد، ومنه قول الإمام الأزهري في تهذيب اللغة يقول: سمعت أعرابياً يقول لآخر وقد قدم من سفر: هل وراءك طريفة خبر تطرفنا؟ فقوله: طريفة خبر يعني خبراً جديداً تتحفنا به، ومن ذلك أيضاً قولهم في المثل: (هل عنده من مغربة خبر) أي: من خبر غريب جديد، لكن الطريف مثل قولهم: أطرف فلاناً بكذا إذا أعطاه شيئاً جديداً ليس عنده، مثل لو أتيت لإنسان -مثلاً- بحلوى لم يتعود أن يشتريها، تقول: هذه طرفة أهديتها له، ويقول الناس: فلان قد أطرف فلاناً، أي: أعطاه طرفة وشيئاً جديداً غريباً غير معتاد، وهو هذه الحلوى التي يأكلها أو ما أشبه ذلك.
وهذا معروف عند العامة -عندنا- فيوم كان اللحم قليلاً عند الناس لا يكاد يوجد، كانوا إذا أتى أحدهم باللحم يسميه طريفة، أي: شيئاً طريفاً قليلاً لا يكاد يوجد إلا في الشهر مرة أو في الشهرين مرة، فهو أمر نادر عندهم، وجديد وغريب، وهو محبوب لهم أيضاً ولذلك سمي طريفاً، ومن هذا تشتق الطرفة وذلك:
أولاً: لأنها خبر فيه غرابة وعجب، وكذلك هو جديد على الإنسان يطرق سمعه لأول مرة، فلهذا وذاك سميت طرفة.
هذا مرور سريع على الجانب اللغوي في الموضوع، وهو لا يخلو -إن شاء الله- من فائدة.
إضافة إلى هذين الاسمين، فإن لهما أسماء متداولة عند الناس منها: النوادر، فيقولون: نوادر فلان، أو يقولون: نوادر القضاة، نوادر العلماء، نوادر السلاطين، نوادر المجانين، نوادر المغفلين، وغير ذلك، فيسمونها (نوادر) وهي جمع نادرة وهو الأمر الغريب، يقال: هذا شيء نادر أي: قليل؛ لأنه ليس كل كلمة تقال تستثير الناس وتعجبهم، إنما يعجبهم الكلمة بعد الكلمة، والعادة في الناس أن يكون فيهم ثقل وعقل ووقار، فليس يضحكهم كل شيء، إنما يضحكهم الأمر الذي يستدعي الضحك، وإلا فإنه يلام الإنسان فيقال: يعجب من غير عجب، ويضحك من غير سبب، فإذا كان الإنسان مضحاكاً لا يكاد يسد فمه عن ضحك، فإن هذا يعتبر عيباً فيه، وقلة في عقله، ودليلاً على جهله، ولهذا سميت بالنوادر.
وقد يقال لها: المُلَح أيضاً، وهي جمع مُلحة بضم الميم وهي كسابقتها.
وقد تسمى اللطائف: جمع لطيفة وهو الشيء الغريب، الذي يتسلل إلى النفس وإلى القلب: والعرب تسمي النكت واستخدامها تسميه إحماضاً، وهذه التسمية لها دلالة قوية، كان ابن عباس رضي الله عنه يوماً جالساً في ملأٍ من أصحابه فقال لهم: [[أحمضوا أحمضوا]] معنى أحمضوا: أي اتركوا الجد وقتاً، وانتقلوا إلى شيء من الهزل.
وليس بالضرورة أن الهزل يعني النكت، قد يكون الهزل شعر العرب في الجاهلية، أو قصصاً، أو أخباراً، أو ما أشبه ذلك مما يذهب السآمة والملل عن النفس.
فقال لهم: (أحمضوا) والإحماض كما قالوا: بأنهم إذا أفاض الناس أو القوم فيما يؤنسهم من الكلام سمي هذا إحماضاً، وهو مشتق من إحماض الإبل، الحمض الذي ترعاه الإبل نوع من النبات، إذا رعت الإبل النباتات المعهودة التي تحبها تمل منها وتسأم، فتأخذ شيئاً يسيراً من الحَمض، فإذا أكلته رجعت إلى ما كانت تعهد من النبات، كان شيئاً يسيراً لا تكثر منه الإبل.
وهكذا الإحماض أن الإنسان ينتقل إلى التسلية وإلى المرح وإلى الدعابة أحياناً يسيرة، ثم يعود إلى ما هو عليه من الجد، لا يوهن ويسترسل في موضوع الطرائف والنكت حتى تكون هي الغالبة عليه، وإنما ينتقل إليها شيئاً يسيراً حتى يقوي عزيمته ويجددها، ثم يعود إلى ما كان عليه، هذه بعض أسمائها.
وقد روى العلماء من ذلك شيئاً كثيراً، لكن أحببت أن أقتصر منها على بعض ما اشتهر على ألسنة الناس، وكثيرٌ مما سأذكره صحيح، وما كان سوى ذلك سأتكلم عليه، وسأبين وجه ضعفه.
والحديث رواه أبو داود والترمذي في سننه، وقال حديث حسن صحيح غريب، ورواه أيضاً الترمذي في شمائله في الكتاب المخصص للشمائل، ورواه الإمام أحمد في مسنده، والبغوي والبخاري في كتاب الأدب المفرد، والحديث سنده صحيح على شرط البخاري. وفيه جانب من دعابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الطرفة أو النكتة التي قالها لهذا الرجل يمازحه ويباسطه فيها.
أولاً: لأنه مرسل عن الحسن البصري كما ذكرت.
وثانياً: لأن فيه مبارك بن فضالة وهو مدلس، وقد عنعن في هذا الحديث.
لكن للحديث شاهد آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ذكره ابن الجوزي وسنده أيضاً ضعيف، كما ذكر العراقي، وله شاهد ثالث عن عائشة رضي الله عنها عند الطبراني في الأوسط والبيهقي وغيرهما، وهو حديث حسن.
إذاًً فالحديث إجمالاً ثابت، أن الرسول عليه السلام قال لهذه للمرأة: {إن الجنة لا يدخلها عجوز} وهذه المرأة اختلف فيها، قيل هي صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جزم به غير واحد، وقد جاء في بعض روايات الحديث أنها امرأة من الأنصار، وعلى هذا لا تكون صفية، لأن صفية ليست من الأنصار، إلا إن كان المقصود الأنصار بالمعنى الأعم.
وإنما قال ذلك لأن القبة كانت صغيرة، والحديث في سنن أبي داود وأصله في الصحيحين بدون موضع الشاهد (قوله: كلي، قال: كلك) أصله في الصحيحين أنه قال: فدخلت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:{اعدد ستاً بين يدي الساعة} فهو في أشراط الساعة، لكن الشاهد ليس في صحيح البخاري ولا صحيح مسلم فيما أعلم، وإنما هو في سنن أبي داود فحسب، أنه قال: أأدخل كلي يا رسول الله؟ قال: كلك وهذه أيضاً نكتة.
من ذلك ما رواه زيد بن أسلم أيضاً، أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن زوجها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {زوجك الذي في عينه بياض، فقالت المرأة: عقرا -تدعو على نفسها- ومتى رأيته يا رسول الله؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما من إنسان إلا وفي عينه بياض} فهدأ روعها.
وفي رواية: أنها ذهبت لزوجها، فبدأت تنظر إليه وتحملق في عينيه، فقال: ما شأنك؟ قالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينك بياضاً. قال: أوما ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟ الرجل عرف الأمر فقال: أوما ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟
والحديث رواه الزبير بن بكار في كتاب المزاح، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن سهم الفهري، وفيه اختلاف كما يقول العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، وقد جاء من طريق آخر مرسلاً عن زيد بن أسلم رحمه الله، وهذه المرأة هي أم أيمن بركة الحبشية، وهي غير أم أيمن المعروفة المشهورة، فقد فرق بينهما جماعة من الذين كتبوا في السير، كـالحافظ ابن حجر وغيره.
أبو الشيخ
في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، والبغوي
في شرح السنة، أيضاً وفي سندهماجبارة بن المغلس
وهو من شيوخابن ماجة
وهو ضعيف، ولكن للقصة طريق أخرى أخرجهاابن مندة
وذكرها الحافظابن حجر
في الإصابة.قال الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه، فيما رواه عنه الخطيب البغدادي، في كتاب التطفيل، ورواه البغوي أيضاً في شرح السنة، أنه قال:[[إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة، أو طرف الحكمة]] بمعنى أن الإنسان إذا أطال الوقوف أو أطال الجلوس يمل، فإذا طال بالإنسان الجلوس وأراد أن يرتاح يقوم واقفاً، أو يتمشى يقول: أريد أن أرتاح من طول الجلوس، أو طول النوم هذا يحدث أحياناً، فكذلك القلوب تمل من كثرة الجد وإطباقه، فتحتاج أن يزال عنها هذا الملل وهذا السأم بشيء من الطرائف.
وكذلك قال قسامة بن زهير: [[روحوا القلوب تعِ الذكر]] أي: من أجل أن يعي القلب ويعقل ويستجم، يروح عنه ببعض الهزل وبعض النكت، ومما يشبه ذلك: ما رواه مسلم من حديث حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {ولكن يا
تشحذ الأذهان أي: تشحذ العقل لتلقي العلم، وفهمه وحفظه وضبطه، وتفتح الآذان: فبدلاً من أن الإنسان معرض تجعل أذنه مفتوحة للعلم، وربما نكتة أو طرفة قالها إنسان، فكانت سبباً في سماع الموعظة والإقبال عليها، ولذلك تجد الناس الآن -مثلاً- لو بدأ شخص ما حديثه بنكتة أو طرفة، أو كتب مقالاً أو كتاباً، فكان أول ما فيه عبارة عن قصة، تجد أن كل إنسان يقرأ هذا الكتاب كاملاً، لأنه بدأ بحكى، أو قال، أو روي، أو كنت، فإذا عرف أن البداية تتعلق بقصة أو خبر؛ تجده انشدَّ وقرأ، فإذا قرأ القصة انساق مع ما بعدها.
وهذه من الحيل اللطيفة التي يتحايل بها العالم، أو الداعية أو المرشد أو الواعظ؛ للوصول إلى قلوب الناس، حيث تشده إلى المقصود، أو تتحيل عليه بطريقة حسنة.
وهذا من الأمور التي هي موجودة الآن في المدارس الغربية في التربية، حدثني أحد الشباب الذين درسوا في تلك المدارس، يقول: كان الأستاذ إذا دخل لابد أن يبدأ درسه بنكته، فإذا كانت النكتة باردة، أو لم تنفتح لها نفوس الطلاب؛ أتاح لأحد الطلاب أن يقدم لزملائه نكتة، فإذا انبسطوا وابتسموا بعد ذلك بدأ درسه، فتكون القلوب مقبلة نشطة، وإذا شعر بالملل توقف ثم جدد وهكذا.
ومما يذكر في هذا الباب، ما ذكر ابن الجوزي في كتاب الأذكياء: [[أن اسقني شربة ألذ عليها، ظاهر القصة أنها شربة خمر، فغضب عمر رضي الله عنه وقال: هاتوه لي، فجاءوا به -كالعادة أمير المؤمنين ليس عنده أنصاف حلول، إنما هو رجل لا تأخذه في الحق لومة لائم- فلمَّا جئ بهذا العامل قال: أتدري لِمَ أشخصتك إليَّ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: سمعتك تقول: sh= 9901131>اسقني شربة ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام قال نعم يا أمير المؤمنين: فأتى على البديهة ببيت ثان في الحال، عسلاً بارداً، صارت الشربة عسلاً فالناس ظنوها خمراً وأنا أقصد العسل، يقول: قال: فعفى عنه عمر وردّه إلى عمله اسقني شربة ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام عسلاً بارداً بماء سحاب إنني لا أحب شرب المدام عسلاً بارداً بماء سحاب إنني لا أحب شرب المدام
وأذكر قصة مغايرة لهذه: [[ ولىَّ أي خمر وليس له حقيقة، إنما يتغنى به. فلما سمع عمر رضي الله عنه هذا الكلام قال: نعم والله إنه ليسوؤني، ثم دعا هذا الرجل فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وإنما هو كلام كنت أقوله، فقال: والله ما وليت لي عملاً قط ألا هل أتى سلمى بأن حليلها بنعمان يسقى في زجاج وحنتم إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
على كل حال هناك قصص أخرى كثيرة تدل على التخلص من الغضب بالمزاح، أذكر بدلاً عنها: قصة رجل في عهد عبد الملك بن مروان، رجل خرج على عبد الله بن مروان وقاتله فقبض عليه، وكان مع مجموعة قاتلوه، فلما قُبض عليه أتى به عبد الملك ليقص رأسه، فقال: أتفعل بي هذا يا أمير المؤمنين وقد فعلت لك ما فعلت؟ قال له أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان: وماذا فعلت لي؟ قال: والله ما خرجت مع هذا الأمير إلا من أجلك؛ لأنني رجل مشئوم لا أكون مع قوم إلا ويهزمون، فخرجت معهم حتى يهزموا!! فضحك عبد الملك بن مروان وعفا عنه.
وهذه القصة إن صحت مما يحمد للرجل؛ لأنها كانت سبباً في العفو عنه، وسبباً في سلامة عبد الملك بن مروان من دم هذا الرجل، الذي لو قتله لكان مسئولاً عنه لاشك يوم القيامة، فيم قتلت هذا؟! إن كان لا يستحق القتل، فقد يسلم الإنسان من موقف غضب بسبب نكتة كهذه.
وفي كتب السنة من ذلك ما يطول ذكره، فهي ناحية فطرية غريزية، لكن هذا لا يعني أن الإنسان يسترسل معها ويطيل بها، وإنما يقتصد منها على القدر المطلوب فحسب.
ومثله الأشياء المتعلقة بالدار الآخرة، هنالك نكت تتعلق بالآخرة، والجنة والنار والصراط والميزان والحوض، هذا لا يجوز أيضاً، أو بالرسل عليهم الصلاة والسلام، سخرية برسل الله، أو بالملائكة، أو بالقرآن الكريم وآيات الله جل وعلا، أو بالبرزخ وحياة الناس في قبورهم وما يتعلق بذلك، أو بالصالحين من الناس، كالصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء والقضاة والوعاظ والمحدثين، وإنما سميت هؤلاء؛ لأن هؤلاء مما يكثر الأدباء من ذكر النكت والطرائف حولهم.
فيقول: باب نوادر القضاة، ثم يأتي بالقضاة ويصورهم على أنهم كذا وكذا ويذكر أشياءً لا تليق، ثم يقول: ما يذكر عن المحدثين، ويذكر عن المحدِّثين نكتاً وطرائفَ يريد أن يرميهم فيها بالغفلة -كما ستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك- هذا كله لا يليق؛ لأن هؤلاء من الصلحاء الذين ينبغي أن تحفظ أعراضهم، ويثنى عليهم بخير، ولا يسمح بالنيل منهم بوجه من الوجوه، وإن التصق بهم من ليس منهم فحصل منه ما حصل؛ فلا ينبغي أن يطال بذكر ذلك، وتؤلف فيه الكتب، وتوضع فيه الأبواب والفصول، ويكثر من الحديث عنه.
وكذلك النكت المتعلقة بالأحكام الشرعية، كم من نكتة تتعلق بالصلاة مثلاً، أو بالزكاة، أو بالصوم، أو بالحج، أو ببعض الشعائر، أو بالطلاق، أو بالنكاح، أو بغير ذلك من الأحكام الشرعية، فإن هذا كله لا يجوز، وإذ أقول: إن هذا لا يجوز؛ فلا أرى إلا أنه يسعني أن أذكر لكم أمثله، ولكنني سوف أذكر لكم بعد قليل بعض الكتب، فلو راجعها إنسان لرأى مما ذكرته حمل بعير من النكت التي يرويها بعض الناس ويترخصون، وقد يكونون من العلماء أحياناً، أو من طلاب العلم، ولكن هذا لا يعني أن ما يفعلونه جائز، فإن الإنسان بشر يخطئ ويصيب، فالنكت المتعلقة بهذه الأمور مما لا يجوز روايته بحال، وينبغي أن نكون مدافعين عن الإسلام والدين، فإذا تبودلت مثل هذه النكت التي يكون الحط فيها صريحاً، ينبغي أن يكون لنا موقف وألا نسمح بذكرها، وأن ننبه على أن مثل هذا مما لا يسوغ.
بل إن من أعظم مفاسد هذه النكت والطرائف، أنها تجرئ الفتيات والشباب من الجنسين على الكلام في مثل هذه الأمور المذمومة، فإن الرجل قد يخجل أن يبدأ الكلام في مثل هذه القضايا، وكذلك المرأة إذا كانوا أجانب عن بعض، لكن إذا ساق نكتة فإنها تفتح له الباب على مصراعيه، أن يلج في الكلام القذر الوقح البذيء، الذي لا يسوغ ولا يليق، يقوله من خلال نكتة.
ولذلك أهل الفساد والريب الذين يعاكسون ويؤذون المؤمنين والمؤمنات، يستخدمون بعض هذه النكت كمدخل، ثم يصلون من ورائها إلى ما يريدون، ويقحمون في كلامهم البذيء القذر، قال ابن عباس، وقال ابن سيرين، وقال الحسن البصري، وهم يقصدون من وراء ذلك مقاصد ومعاني ذميمة.
وكذلك الفحش مما يدخل في الوضيعة في الخلق، الفحش بألوانه، والسب، والشتم، واللعن، وما أشبه ذلك، فإن هذا كثير في النكت والطرائف المسطرة في الكتب، والمنقولة على الأفواه.
قرأت مرة في جريدة تصدر في هذه البلاد، قصة مختلقة: أن قاضياً اسمه فلان بن فلان، جاءه إنسان يشهد في قضية، فقال: هاتوا واحداً مترجماً، ثم جاء الشاهد، أراد أن يُزكَّى الشاهد ثم يزكَّى المترجم، ثم مزكياً يزكي المزكي، ونسج قصة يقصد من ورائها الحط من قدر هذا القاضي، وأنه معقد، وأنه يطول الأمور، طبعاً ليس المقصود قاضياً بعينه، إنما هم يريدون أن يسقطوا ثقة الناس بالقضاة مثلاً.
وقد يقولون مثل هذا الكلام عن عالم، عن داعية، عن مصلح، فيلصقون مثل هذه النكت ويجعلونها تتداول بين الناس لأنها سهلة التداول، من أجل النيل من هؤلاء العلماء، أو القضاة، أو المحدثين، أو المفتين، أو الوعاظ، أو المرشدين، أو طلاب الدراسات الشرعية، أو ما أشبه ذلك.
وقل مثل ذلك أيضاً في أي طبقة أخرى من طبقات المجتمع، أحياناً قبيلة معينة، يلصق الناس بها مجموعة من النكت، أو بلد معين، أو منطقة معينة، وهذا أمر مشهور.
مثلاً: من الأشياء المتداولة في مصر، كثيراً ما يلقون بالنكت على أهل الصعيد، وذلك أنهم يتصورون أن أهل الصعيد يتميزون بشيء من السذاجة والغباء، فتجد أن نكتهم تدور حول: (هناك صعيدي قال كذا وفعل كذا) ونصف نكتهم في أهل الصعيد، نصف النكت تبدأ بكلمة هناك صعيدي.
وهذا الشيء موجود في كل بلد، عندنا في السعودية مثلاً هناك مناطق معينة -لا أريد أن أسمي- الناس يديرون النكت حولها.
ومرة من المرات جاءني واحد منهم على سبيل المزاح، هو رجل أريحي ليس منـزعجاً من هذا لكنه يمزح، وقال لي: أنا من بلد كذا عرفني بنفسه، ثم قال أنا من بلد كذا، والناس يلصقون بنا تهماً كثيرة ونكتاً وطرائفاً ويزعمون أن فينا وفينا وفينا، فذكرت له بعض ما يقول فيهم الناس، فضحك، وقال: حتى أنت وصلت إليك هذه الأشياء، قلت: نعم وصل إلي منها شيء كثير، لكننا نمررها كما جاءت ولا نصدقها.
وهذه الأشياء لها أثر سيئ جداً أيها الإخوة- تُفَرِّق المؤمنين، وإن كانت مزاحاً فحتى الجاهلية فيها مزاح جاهلي؛ لأنك إذا سمعت مائة نكتة مثلاً عن أهل البلد الفلاني بأنهم جفاة، وقال لك واحد حصل لي معهم قصة كذا، وقصة كذا، وقصة كذا مع كثرة تداول هذه القصص وتناقلها، استقر في ذهن جمهور الناس إن ما يقال له أصل وأنه صحيح.
فإذا جاء الواحد إلى هذا البلد، بدأ ينتظر أين يجد الجفاء، فإذا وجد أي بادرة جفاء قال هذا مصداق ما سمعته، فأخذ الانطباع، وقرره وأكده.
وإذا سمعت عن بلد آخر أن أهله أغبياء، سذج بله، وفيهم وفيهم وفيهم، وقيل عنهم، بعد ذلك استقر هذا الأمر في ذهنك، فإذا ذهبت إلى هذا البلد بدأت تتلمس أين الغباء؟ فإذا صادفت أن وجدت رجلاً غبياً، وتصرف تصرفاً فيه رعونة وغفلة، قلت هذا مصداق ما يقوله الناس! فاستقر الأمر في نفسك، وأصبحت أنت تقول: نعم، الأمر له أصل، الشيء له أصل، أنا بنفسي رأيت كذا وكذا.
وإذا سمعت عن بلد ثالث أن أهله بخلاء، ذهبت إلى هذا البلد فأي بادرة بخل نسبتها وقلت هذا مصداق ما يقال، أو استضافك إنسان فلم يقم لك بحق الضيف، فسألت ممن؟ فقيل من بلد كذا، قلت: إذاً لا غرابة، هذا مصداق ما كنا نسمعه عن أهل هذا البلد.
وهكذا أصبحت هذه النكت مدعاة للتفرقة بين المسلمين، وكون أهل كل منطقة يتكلمون عن منطقة أخرى بخصلة ذميمة، وينسجون حولها القصص والأساطير، وعلى فرض وجود أصل يسير في هذا الأمر، فقد ضخمناه ونسجنا حوله أشياء كثيرة، وأقمنا هالة من القصص والحكايات والمرويات، حتى أصبح هذا الأمر عندنا أكبر من حجمه الطبيعي -على فرض أن له حجماً- أضعافاً مضاعفة، فينبغي أن نكون متفطنين لهذا، لأنه من كيد الشيطان الخفي الذي يتدسس به إلى القلوب ليفرقها.
أمر ثالث: أنه قد يؤثر فيمن يقال فيهم، أن يصدقوا هذا الأمر عن أنفسهم أيضاً، فيخلد بهم إلى نوع من تصديق ما يقال، وأعني بتصديق ما يقال أنه إذا نقل عن أهل بلد أنهم بخلاء، واستفاض هذا الأمر عنهم واشتهر؛ أصبحوا لا يأنفون من أن يوصفوا بالبخل، فلذلك أصبحوا راضين بالبخل فصدقوا ما يقال عنهم فصاروا بخلاء، وهذا يجعل الناس يقولون: إذاً ما يقال عنهم صحيح، فصارت القضية تلازماً وتناسباً، وذلك كما سبق في مبحث الأسماء، أن الاسم -أحياناً- له تأثير على المسمى، للإنسان من اسمه نصيب.
وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلا ومعناه في اسم منه أو لقب |
فإذا قيل عن أهل بلد: إنهم بخلاء، وشاع هذا الكلام حتى وصل إليهم، إن الناس يقولون عنكم: إنكم بخلاء، قالوا: إذاً ماذا يمكن أن يقول لنا الناس أكثر من هذا، دعهم وما وصفونا به، فاستقر الأمر فيهم، وصار عندهم نوع من البخل، ليس موجوداً أصلاً، وإنما بسبب ما أشاعه الناس، وكذلك الشأن في المواصفات الأخرى، إذا أُشيع عن أهل بلد ما أنهم أغبياء وفيهم غفلة، تغابوا:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى قيل أني جاهل |
وقعدوا عن إدراك المعالي، والوصول إلى المراقي أو بعضهم، بسبب هذه الإشاعات الباطلة، فهذه من مفاسد ومثالب التركيز على طبقة أو قبيلة أو بلد معين.
فالمحمود من هذه النكت والطرائف: هو ما سلم من المحاذير، والمآخذ الشرعية التي أسلفت سابقاً، وما كان وسيلة وليست غاية، وهذا ضابط جيد؛ أن تكون النكتة وسيلة، فأنت -مثلاً- تريد أن توصل علماً إلى الناس، أو توصل دعوة، أو تأمر بخير، أو أن توجه، لكنك تستخدم النكتة -أحياناً- لإزالة السأم والملل، أو لشيء من الترفيه، ثم تعود إلى ما أنت فيه.
أما أن تكون النكتة مقصودة لذاتها فهي مذمومة، فمثلاً مجموعة من الشباب يجتمعون، ثم يبدأ كل واحد يأتي بنكتة، ويتنافسون أيهم يأتي بنكتة أحسن، فيأتي بهذا وهذا حتى يضحك الجميع، وتتقطع أكبادهم من شدة الضحك، ويستلقون على ظهورهم، ويجلسون ساعات على هذا النمط، ثم يقومون ويأوي كل واحد منهم إلى فراشه صفر اليدين، إلا من الإثم وضياع العمر فيما لا يفيد، وهذا مذموم لاشك فيه؛ لأن الإنسان لا ينبغي له أن يعبث بحياته بهذه الصورة.
وسأتحدث عن جانب منها، أو عن شيء منها.
الطفيليون أتعرفون من هم؟ ما معنى طفيلي؟ معروف كما هي مستخدمة عند العوام، فلان طفيلي أي: هو يأتي للمناسبات بدون دعو، يبحث عند المطابع عن الأعراس، أو في قصور الأفراح مثلاً، ثم يأتي بحجة أو بأخرى، وأحياناً يأتي ويتدخل ويتظاهر بأنه من أهل الزواج، ويقول للطباخ: افعل وارفع وانـزل وكذا وكذا.
يقول -هذه من وصاياهم- يقول: اجزم ولا تنظر إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، أهل الزوج يظنون أنك تبع أهل الزوجة، وأهل الزوجة يظنون أنك تبع أهل الزوج، ادخل في المجموعة ويكتب لك الله عز وجل عشاء تلك الليلة أو غداءها.
هذا معنى الطفيليين، وهؤلاء الذين قصدهم الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه هذا، يقول النويري، صاحب كتاب بلوغ الأرب، يقول: إن بناناً هذا كان نقش خاتمه: مالكم لا تأكلون؟ هذه من النكت التي نقلها، كل واحد ينقش في خاتمه ما يناسبه، وهذا نقش ما يناسبه.
أولاً: كتاب مسند يروي بالأسانيد، ولذلك يمكن تمييز صحيح الروايات من ضعيفها من موضوعها.
ثانياً: إنه سرد بعض الأحاديث النبوية المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعللها، بين صحيحها من معلولها.
ثالثاً: إنه ذكر بعض آداب الطعام، وإن لم يكن ذلك كثيراً فيه.
رابعاً: إنه ذكر بعض الحكايات المعتدلة، التي لا بأس من إيرادها، يعرفها الإنسان ويوردها في وقتها المناسب، من هذه الحكايات المعتدلة التي لا بأس من إيرادها: أنه يقول: جاء رجل طفيلي إلى أهل وليمة فقالوا له: يا فلان لماذا جئت ولم ندعك؟ قال: إذا أنتم لم تدعوني وأنا لم آتِ يحصل بيننا وحشة. فهذه لا بأس بها، وليس فيها ضير.
وهكذا بدأ يأتي بآيات فيها رقم ثم يعطيه بقدر ذلك، لاشك أن هذا فيه استخدام للآيات القرآنية لغير ما أنـزلها الله فيه.
وأقل ما يقال: إن مثل هذا لا يليق ذكره ولا حكاياته، حتى على سبيل الاستطراف ولو بالإسناد أيضاً؛ لأن القرآن ما أنـزل لمثل هذا، وينبغي صيانة كلام الله عز وجل عن مثل ذلك؛ لأن في آخره أيضاً بذاءة أكثر، يقول: فلما وصل إلى إحدى عشرة بعد ذلك قال: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، يقول: فألقاها في يده، وقال: ما بقي شيء، قال والله لو لم تؤتني لأتيتك بقوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:147].
لاشك أن هذا ليس لائقاً، ولا أنـزل القرآن من أجل أن نضحك من مثل هذه المواقف، فهذا مما يؤخذ على هذا الكتاب، ونسأل الله -جل وعلا- بمنه، وكرمه أن يغفر لنا، وللإمام الشيخ أبي بكر الخطيب البغدادي، ويتجاوز عنا وعنه إنه جواد كريم، فليس المقصود النيل منه، فإن هذا الرجل كما قال بعض الصالحين، لما ذكر له عيوب بعض الفضلاء، قال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث. فهذا الرجل إن -شاء الله- قد جاوز القنطرة، وإن شاء الله هذا يضيع في بحر حسناته، وإنما المقصود تنبيه القارئ حتى يتفطن لها إن وقع عليها.
ومما يؤخذ على الكتاب: أن فيه -أحياناً- استخفافاً ببعض الصالحين لا يليق، وسآتي بأخف ما هناك، أما الثقيل فلا أستطيع أن أذكره، فمن أخف ما ذكر في هذا، أو مما ذكر في هذا، إن شئت قل مما ذكر في هذا أنه قال: قيل لطفيلي أتحب أبا بكر وعمر؟ قال: ما ترك حب الطعام مكاناً في قلبي لأحد.
هذا أيضاً ليس بلائق؛ لأن محبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما دين، يجب أن يدين به كل إنسان، ولا ينبغي أن تكون مجالاً لنكتة أو طرفة، يتناقلها اللاحق عن السابق.
المأخذ الثالث: أن فيه بعض ما أشرت له سابقاً، من ذكر اللعب والسب والشتم، وما يخالف الأدب المطلوب.
ولـ ابن الجوزي -غفر الله لنا وله ورحمنا الله وإياه- مقام طويل في هذا الباب، له كتابان:
الأول: كتاب الأذكياء.
والثاني: كتاب الحمقى والمغفلين.
وعجبي من الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى وغفر الله تعالى لنا وله -يطول، وهو أعظم بمراحل من العجب من الإمام الخطيب البغدادي؛ لأن ابن الجوزي استرسل في ذلك استرسالاً عظيماً، وكم كنت أود ألا تثبت صحة الكتاب لـابن الجوزي.
لكن الظاهر من خلال التحقيق العلمي والأدلة العلمية، أن كلا الكتابين ثابت له رحمه الله تعالى لكن يمكن أن نقول لعل تصنيف الكتابين كان في مطلع عمره، وقبل أن يبلغ ما بلغ، وهذا احتمال لا أستطيع الجزم به.
ومن طريف ما ذكر في ذلك، أن أبا الحسن بن السماك، كان واعظاً في المدينة في الجامع، ولكنه كان من المتصوفة، وكان واعظاً على طريقة المتصوفة، ليس عنده من العلم والفقه شيء، قال: فيوم من الأيام كان على المنبر فدفعت إليه رقعة -سؤال من الأسئلة دفع إليه من أجل أن يقرأه- فتعجل وقرأ فإذا فيها: فضيلة الشيخ الإمام العالم؛ رجل توفي وترك وراءه.. فنظر فإذا المسألة مسألة فرضية، والرجل ما عنده في هذا باع، ولا يستطيع أن يقسم مسألة من المسائل، فما أسرع ما تخلص من ذلك! وقال: أيها الناس، أنا أتكلم على مذاهب قوم إذا مات الميت منهم لا يترك وراءه شيئاً.
يقصد الصوفية، الصوفية يتظاهرون بالزهد في الدنيا، ولا يجمعون الأموال، فإذا هلك الهالك منهم خلف وراءه بنتاً، وبنت ابن، وزوجة، وأماً، وعشرين ولداً ذكراً، لكن لم يخلف وراءه مالاً يقسم، وبالتالي لا يسأل عن مسائلهم؛ لأنه لم يخلف وراءه شيئاً يقسم، فقال: أنا أحدثكم على مذاهب أقوام إذا مات الميت منهم لم يخلف وراءه شيئاً.
وأقول: مذاهب هؤلاء الأقوام الذين ذكرهم مذاهب مذمومة غير محمودة، وكفى بهدي الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين هدياً، فإننا نجد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أغنياء أكابر، بل منهم من العشرة المبشرين بالجنة، كـعثمان، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم، كانوا من كبار الأثرياء والأغنياء، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم خلف وراءه شيئاً بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وحتى فقراء الصحابة خلفوا وراءهم شيئاً، لكن المقصود ظاهر من مثل هذه الطرفة.
ومن ذلك ما فعله المهدي الخليفة، فقد كان في مجلسه القاضي شريك، وفي مجلسه وزيره عيسى بن موسى، فأراد المهدي أن يوجد بينهما خصومة، فقال للقاضي: لو شهد عندك وزيري عيسى بن موسى بشهادة، هل تقبلها؟ وأراد أن يوقع بينهما، فما أسرع ما تخلص القاضي، وقال للخليفة: مثل هذا الوزير لا يزكيه إلا الخليفة، فإن زكاه الخليفة قبلت شهادته.
فنجح القاضي في التخلص من الموقف، ونجح في جعل القضية تقع بين الخليفة ووزيره؛ لأنه إن زكاه أو ما زكاه صارت القضية بينهما، فرمى الكرة في ملعب الخليفة، فهذا من التخلص المحمود أيضاً، وليس فيه حرج إن شاء الله ولا ذم ولا عيب.
وفي كتاب ابن الجوزي من الفوائد:
أنه قد يُعلم بعض الآداب -أحياناً- ونحن مأمورون بالإنصاف، فإذا كان في الكتاب فوائد ولو قليلة نذكرها، بل نبدأ بها، ومن ذلك أنه ذكر القصة المشهورة عن العباس لما قيل له: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا أسن منه، وهو أكبر مني. هذا من حسن الأدب، تلطف في العبارة، ما أَحبَّ أن يقول أنا أكبر من رسول الله، لأن هذا من الممكن قد يحمل على كبر الشأن والمنـزلة، والقدر، فقال: أنا أسن منه، وهو أكبر مني، أي: أعظم شأناً مني.
وفي ابن الجوزي من الأشياء مالا غاية فيه إلا الإضحاك، أشياء المقصود فيها الضحك فقط، منها مثلاً يقول: إن رجلاً قال لصاحب له يهدده: لئن لطمتك لطمة لأبلغن بك المدينة المنورة: فقال لعلك تثني بأخرى عسى الله أن يكتب لي الحج على يديك. هذه من أجل الضحك، لكن هل فيها فائدة تعليم؟ ليس فيها شيء.
وفي نهاية الكتاب أخبار ونكت عن الأطباء، والمتطفلين، واللصوص، والصبيان، والنساء، ومن يسميهم بعقلاء المجانين.
وفي الكتاب في الواقع تساهل كثير، وقصص وطرائف ونكت، أستطيع أن أقول: إنها سخيفة، وسمجة، وباردة، وقل ما شئت، وليست لائقة بهذا الكتاب، وينبغي الحذر منها، وبعض الإخوة قد يتساهل، ويقول: قد أوردها ابن الجوزي وهو إمام. نعم إمام لكن لا يتابع فيما زل فيه، نحن نلتمس له العذر، فإن لم نجد له عذراً قلنا: غفر الله لنا وله، ولكن لا يتابع فيما زلت به قدمه، فالإنسان بشر.
أولاً: قصص سخيفة المعنى ممجوجة، ليس فيها شيء حتى الضحك غير موجود فيها، يقول جحا: إذا مت فادفنوني قائماً قال الناس: لماذا؟ قال: من أجل إذا قام الناس أكون قائماً دون مشقة يوم القيامة، فهي باردة، لا دين ولا دنيا ليس لها أي معنى.
النوع الثاني: فيه قصص كثيرة فيها سخرية بالملائكة، مثل منكر ونكير إذا جاءوا للميت في قبره -سخرية بهم- يقول مثلاً: وقال: ادفنوني في مقبرة ميتة من أجل ماذا؟ من أجل أن يلبس على الملائكة يقول أنا ميت من زمان، وسبق أن اختبرت.
فهل يجوز أن يتصور الناس، أو الأطفال أو غيرهم بأن الملائكة بهذه الصورة؟ طبعاً لا شك أنه لا يحسب حساب لمثل هذه الأمور، أقصد الذي أخرج الكتاب، ونشره على الناس وروج له.
القسم الثالث: وهو سخرية بجناب الله جل وعلا، لا يليق أن أذكرها ولا شيئاً منها.
القسم الرابع: وهو سخرية مقصودة بالوعظ والوعاظ، حتى إنني وجدت أو ظننت؛ أن الرجل يختلق -هو المؤلف- بعض هذه النكت، وينسبها إلى هذا الرجل المشهور بهذا القصد؛ لأن فيها أشياءً غير مقبولة، أذكر مثلاً من ذلك: يقول: إن الرجل جحا مرض ولده وصار يبكي في الليل، فقالت زوجته: اذهب وهات رقية نعلقها على الولد، أي: حرز أو تميمة نعلقها عليه، فذهب وأتى بالكتاب الذي كان يقرأ فيه في المسجد، هكذا يقول، فقالت له: ما هذا؟! قال لها: اسكتي، هذا الكتاب الذي أقرأ فيه على الناس الأصحاء الكبار في المسجد فينامون، فعلى هذا الطفل لابد أن ينام.
أنا ألمس في هذه القصة أثر الصنعة وأنها مكذوبة، للنيل من الدعاة والعلماء الذين يحدثون الناس في المساجد ويعظونهم، وأن وعظهم يجلب النوم والسأم والملل للناس، وهذا أمر نعرفه عند المعاصرين أكثر من غيرهم.
إضافةً إلى أن في الكتاب تهاويل، وأكاذيب مزورة، تساق دون تعليق، من ذلك:
أنه ساق قصة يقول: الواقع أن جحا موجود له قبور في أكثر من بلد، في مصر، وله قبر في تركيا، وفي بعض البلاد يزار قبره ويطاف حوله، وتعقد عنده عقود الزواج، من باب التبرك به، ولله في خلقه شئون!!
بلغ بالمسلمين الحال من الضعف إلى أنهم صاروا يزورون جحا، ومعلوم أن الزيارة مشروعة للقبور، لكن الطواف بالقبور، والصلاة عندها، وقصدها بالدعاء هذا لا يجوز، بل هو مدعاة إلى الوقوع في الشرك، لكن المسلمين ما اقتصروا على هذا فقط، بل تعدوا حتى قبر جحا أصبح يزار.
يقول: إن حارس القبر بعد ما مات الرجل بمائتي سنة، رآه على حماره وعليه ثيابه المعتادة، وهو يقول للناس إذا لم يأتوني الآن يعني الذين يقيمون في المسجد، فسوف أصنع بهم وأصنع ويهددهم، قال: فجاء الحارس إلى جماعة المسجد، وقال لهم: بسرعة الحاج نصر الدين خواجه يستنجد بكم ويدعوكم، قال: فخرجوا كلهم وجاءوا إليه، فلما خرجوا لم يجدوا شيئاً فرجعوا، فوجدوا المسجد قد انهدم، قال: فهذه كرامة له.
كذب وتلفيق، وكلام ليس له رصيد من الواقع، وفيه تأثير على قلوب قرائه، ومن يسمعون مثل هذا الكلام كثير منهم مغفلون، سذج، جهلة، أطفال، ناس ليس لديهم معرفة بالشرع ولا بالدين، فتنطلي عليهم مثل هذه الأشياء.
هناك بعض الكتب خصصت أجزاءً منها لذكر بعض النكت والطرائف، وهي كثيرة جداً، ككتب الجاحظ مثلاً، أو بلوغ الأرب للنويري، أو المستطرف للأبشيهي، فيه باب خاص بهذا، أو نثر الدر للآبي، وهو شيعي فيتفطن له، وهذه الأشياء ينبغي للإنسان ألا يحرص عليها، لكن من كان عنده شيء من ذلك فليتفطن إلى ما فيها من المثالب والمعايب.
أما فيما يتعلق بالأسئلة فسأختار منها ما يتعلق بالموضوع، وأترك الباقي إلى الأسبوع القادم، مع بعض ما مضى من الأسئلة الموجودة عندي -إن شاء الله تعالى- سوف أبحث لها عن حل.
الجواب: في الواقع أنني ذكرت أكثر ما وجدت من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوع النكت والطرائف، لكن أكثر ما ذكرته صحيح، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الجد أغلب عليه، كيف يقارن جده صلى الله عليه وسلم بهزله؟ وقد كان يقوم في الليل أحياناً بسورة البقرة، وآل عمران والنساء، في ركعة واحدة، وكان يصوم حتى يقال لا يفطر، وكان عليه الصلاة والسلام كثير الأسفار؛ للجهاد والقتال وغير ذلك من المقاصد الشرعية، إضافة إلى تعليمه، ووعظه، وخطابته عليه الصلاة والسلام فلاشك في هذا.
الجواب: أحسنت هذه من مفاسد قراءة الإنسان لبعض هذه الكتب دون وعي؛ لأنهم يفردون فعلاً نوادر المعلمين، ويسخرون بهم، ويستهزئون بهم، فيخاف الإنسان من هذه النوادر، ويخشى أن يقع في بعض ما وقعوا فيه.
الجواب: إذا احتاج إلى ذلك فلا بأس به.
الجواب: ينبغي للإنسان أن يأخذ نفسه بالجد ما استطاع، أما إن كان حوله أحد يحتاج إلى مراعاة بقصد استصلاحه وتأليف قلبه، فيراعيه في حدود ما أباح الشرع.
الجواب: أقول: إذا كان في ذلك سخرية، أو تعريض الآية للضحك منها، فأرى أن هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنها إذا تداولت عند الناس ربما إذا سمع الإنسان الآية تذكر النكتة فضحك، بدلاً من أن يتذكر معنى الآية فيبكي، وهذا بلا شك تغيير لما أنـزل القرآن من أجله، أما إن كان استخداماً للفظ القرآني في معنى صحيح، ليس على سبيل الهزل مثل (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) فهذه ليس فيها هزل فلا بأس بذلك.
الجواب: لا، ليس دليلاً واضحاً ولا غير واضح، في الواقع ليس دليلاً أصلاً، لأن ابن الجوزي رحمه الله، كتابه هذا فيه سماعات، وفيه أدلة ثابتة كثيرة، بل هو ذكره في كتبه الأخرى أو في بعض كتبه.
الجواب: نصيحتي ما سبق، والله تعالى يحب العدل، والعدل وضعُ كل شيء في موضعه، ويكره الظلم، والظلم وضعُ الشيء في غير موضعه، فمن الظلم أن تجعل الهزل يغلب على حياتك، وأن تكون النكتة والطرفة مقصودة لذاتها، وهدفاً بذاته عندك، هذا لا يليق بعاقل فإنك لم تخلق لهذا.
الجواب: في الواقع أنني لا أرى أنها تدخل صراحة في باب الكذب؛ لأنه ليس يقصد من ورائها الخبر الصريح، بقدر ما يقصد من ورائها ذكر رواية، أو سرد قصة قرأها الإنسان أو سمعها، دون أن يكون ملزماً بتوثيق هذه الرواية، أو تضعيفها، ودون أن يكون يقصد الإخبار بقدر ما يقصد الإضحاك، أو إنقاذ موقف، أو ما أشبه ذلك من المقاصد، فليس مما يصح فيما يظهر لي أنه كذب صراح.
الجواب: إن لم يكن هذا الشخص معروفاً للسامعين؛ فلا حرج في ذلك.
الجواب: بل ينبغي أن تدافع عنه، لكن بحق، ودون أن تنال من غيره، ولا ينبغي للآخرين أن ينالوا من إنسان بما يؤذيه ويسوؤه ويخجله، لا ينبغي أن يكون هذا.
الجواب: رغبته في التخلص هذه بداية حسنة؛ لأن بداية الخير الهم به، فأنت الآن ترغب في التخلص فعليك أن تسلك الطريق، ومن ذلك أن تغير سمعة الناس عنك، فإن الناس -كما سبق أثناء المحاضرة- إذا سمعوا بشيء عظموه، وضخموه، وتناقلوه، حتى يصبح وإن كان خيالاً كأنه حقيقة، فتحاول أن تغير تصور الناس عنك بالإقبال على الأمور الجادة والمفيدة، وحضور مجالس الذكر والعلم، والبعد عن المجالس التي تجرك إلى الهزل والنكتة، وإن كان لك أصدقاء يجرونك جراً إلى النكتة والهزل، فتجنبهم بقدر ما تستطيع.
الجواب: الهزل هزل، وينبغي أن تسمى الأشياء بأسمائها، لكن إن كان لغرض صحيح فلا حرج كما سبق، وفي حدود الاعتدال، وهذا هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: أولاً: يجب أن يعلم أن تصوير ذوات الأرواح باليد، مما لا يجوز، ولا أعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم، فتصوير صورة إنسان كامل، أو حيوان كامل باليد لا يجوز، ولا أعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم، وهذا مما يقع فيه أصحاب الرسوم الكاريكاتورية، بعض الرسوم يكون فيها المحاذير السابقة، كالسخرية بالعلماء أو الصالحين، أو حتى بالأنبياء كما سبق أن أشرت إلى شيء من ذلك، فهذا يجب الحذر منه ومحاربته، وبعضها إذا سلم من التصوير، وسلم من المحاذير السابقة، قد يكون فيها إرشاد إلى أمر محمود، أو تحذير من أمر مذموم.
الجواب: في الواقع إنه ليس في المسجد الجامع الآن مكان مخصص ومناسب للنساء، وهذا هو السبب فيما ذكرت، وإلا فهناك موضوعات كثيرة فيما ذكره الأخ، وقد بلغني أن هناك جهوداً من قبل بعض المسئولين -جزاهم الله خيراً- وبعض الناس المحتسبين لإقامة مكان مخصص للنساء، يكون منعزلاً عن الرجال، وبعيداً ومجهزاً ومناسباً، ولذلك إذا وجد هذا فيحصل ما أشار إليه بإذن الله تعالى.
الجواب: في الواقع أن المشاكل كثيرة، مشاكل الشباب، وهناك موضوعات كثيرة مهمة أيضاً، لكن كل طبقة من الشباب لهم أمور معينة تهمهم ويبحثون عنها، وهذا الموضوع يهم، وأستطيع أن أقول: إن لم يهم كل إنسان فهو يهم الشباب خاصة، وهم فيه ما بين مُفْرِط ومُفَرِّط، فضلاً عن أنني لا أذكر أنني سمعت أو اطلعت على أن هناك محاضرة في هذا الموضوع، يمكن أن يتداولها الناس ليعرفوا فيها الحسن من القبيح، والجيد من غيره، فلذلك أفردتها بالحديث.
الجواب: لاشك أن هذا صحيح، وهي ملاحظة في مكانها والله تعالى يحب العدل.
الجواب: أنصح بقراءتها لغرض واحد فقط، من أجل إذا كان في هذه النكتة أمر مذموم، فإنك تحتسب على أهل هذه الصحيفة أو الجريدة، وتتصل بهم أو تراسلهم، وتنكر عليهم ما فعلوا.
الجواب: هذه الكلمة ليست مناسبة؛ لأن العبد ينبغي أن يكون قلبه خالصاً لله عز وجل، بمحبة الله، وخوفه، ورجائه، وأن تكون حياته كلها لله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] فالعابد حتى حين يكون في بعض الأمور التي فيها أنس أو تسلية أو ترويح، فإنه لا يحس بأنه بعيد عن الله عز وجل، ولا بأنه يخالف ما أمر به الله تعالى، فإن هذا ما أمر الدين بتنظيمه ورعايته.
الجواب: أقول: يجب أن يغضب، وإن كان واضحاً فيها؛ لأن بعض الأشياء ليس فيها هذا واضحاً، إنما يحتاج إلى ضرب من التأويل، فينبغي على الإنسان إذا سمع من القصص أو النكت أمر يتعلق بالدين، أن يغضب وينكر ويحتسب على صاحبها، ولا يجامله في ذلك بحال من الأحوال، ينبغي أن تغضب لله.
الجواب: في الواقع أن بعض ما يروى لا يكون صحيحاً هنا وهناك، وأحياناً يكون صحيحاً لكن الإنسان تكون له أحوال مختلفة، فقد يمر الحسن البصري -مثلاً- على أناس يضحكون في غير أوان الضحك، فيلومهم ويعاتبهم؛ لأن هذا ليس وقت الضحك، وقد يمر بقوم يعلم أن من شأنهم أنهم يكثرون من الضحك ويسترسلون فيه، فيعيبهم وهذا مطلوب.
أنت لو أتيت إلى مجموعة من الشباب جالسين في مكان، وهم يتبادلون النكت والطرف، ثم يضحكون، ثم يتبادلونها، ثم يضحكون، وضحكاتهم تتعالى في الهواء لحظة بعد أخرى، هنا ينبغي أن تتحدث معهم، وأن هذا لا يليق بكم، ولا يتناسب مع مثل المهمات المنوطة بكم، وأنتم فيكم وفيكم، والله عز وجل أمركم بعبادته وقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وتورد عليهم من المعاني ما يحفز هممهم إلى الاشتغال بمعالي الأمور، والإقبال على الجد، وألا تكون حياتهم كلها هزلاً، ولكن لو أتيت إلى إنسان هو جاد بطبعه، ربما لا مانع أن تسوق له أنت بنفسك -وقد كنت تعاتب قبل
قليل هؤلاء- تسوق له ما يمكن أن يجعله أن يبتسم، أو تسري هماً في نفسه، فالإنسان يكون موقفه بحسب الأحوال.
الجواب: نعم لا حرج في هذا، إذا كانت في حدود ما سبق من الضوابط، فقد يشيع عند الناس أن شخصاً معيناً شديد الذكاء، وجد في مجتمع وصار يضحك بهم، ذكي أكثر منهم له مواقف معينة، فإذا كانت في حدود معقولة ومعينة، وفي الضوابط الشرعية التي أسلفتها، فلا يعتبر هذا ذماً للشخص أو غيبة له.
الجواب: نعم كل شيء في وقته حسن، لها وقتها المناسب، فالجد في موضع الهزل مذموم، كالهزل في موضع الجد.
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى< |
الجواب: هذه ذكر ابن الجوزي طُرَفاً كثيرة، منها في كتاب الأذكياء، ولها كتب مخصصة، ككتاب ابن المقفع كليلة ودمنة وغيرها، وهي أنواع، فيها أشياء تذكر لا تخلو من فوائد معينة تجري مجرى الأمثال للإفادة، وبعضها لمجرد التسلية ولا فائدة من ورائها.
الجواب: هذا أيضاً من الكتب، التي سرد فيها مؤلفها مجموعة من القصص التي تتعلق بمجانين لهم مواقف يكونون أشبه فيها بالعقلاء، وبعضهم أصيبوا بالجنون بسبب الوله والعشق، الذي ابتلوا به أو غير ذلك، والكتاب الذي ذكره الأخ فيه قصص وطرائف أكثرها مما لا فائدة فيه.
الجواب: نرجو الله تعالى أن يكون كذلك، أما موضوع التقليد: فإن كان على سبيل التقليد للسخرية والإضحاك، فلا أرى أنه يسعك ذلك، أما إن كان سيتدرب على الخطابة، فهذا أمر آخر، ولكن لا يلزم لذلك أن يقلد صوت الخطيب، بقدر ما يقلد نبراته وطريقة الإلقاء وقوة العبارة، والأسلوب وما أشبه ذلك.
السؤال: أولاً: تتوب، وتكثر من الاستغفار لهذا الإنسان الذي نلت منه، ثم إن كان هذا الإنسان ممن يتحملون، وفي نفوسهم قوة، فإنك تخبره بذلك حتى يصفح عنك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري: {من كانت عنده لأخيه مظلمة من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاتهم ثم طرحت عليه}.
فعلى الإنسان أن يتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، أما إن خشيت أن هذا يؤثر في نفسه، وقد يورثه حقداً عليك أو بغضاً لك، فلا تخبره لكن أكثر من الاستغفار له.
الجواب: فأنا أيضاً أحبكم في الله، وأرجو الله تعالى أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يكتب لنا الثبات على ذلك حتى نلقاه، وأن يجمعنا في رضوانه وجنته، إنه على كل شيء قدير. وأشكر للأخ وللإخوة الآخرين هذا الشعور الطيب الحفي.
الجواب: فعلاً هناك كثير من القصص والأخبار، تذكر عن بعض المترجمين، ليس لها فائدة ولا لها معنى، وإنما ينقلها إنسان ثم يتداولها من جاء بعده، ويتناقلونها كابراً عن كابر، وهي غير لائقة أحياناً، فيها وضيعة للمترجم، وقد يكون إماماً جليلاً، وفي نفس الوقت ليس لها فائدة.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر