باب: زكاة بهيمة الأنعام.
تجب في إبل، وبقر، وغنم إذا كانت سائمة الحول، أو أكثره؛ يجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض, وفي فيما دونها في كل خمس شاة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، فإذا زادت عن مائة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون، ثم كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
فصل: في زكاة البقر.
ويجب في كل ثلاثين من البقر تبيع، أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، ويجزئ الذكر هنا، وابن لبون مكان بنت مخاض، وإذا كان النصاب كله ذكوراً.
فصل: في زكاة الغنم.
ويجب في أربعين من الغنم شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياة، ثم في كل مائة شاة شاة، والخلطة تصير المال كالواحدة].
فيما مضى بدأنا في كتاب الزكاة، وذكرنا تعريف الزكاة في اللغة والاصطلاح، وأن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وذكرنا دليلها، وشيئاً من حكمتها، وذكرنا شروط وجوب الزكاة:
الأول: الإسلام.
والشرط الثاني: الحول.
والشرط الثالث: تمام الملك.
والشرط الرابع: بلوغ النصاب.
وهل من شروط وجوب الزكاة التكليف أو لا؟ وذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، وأن الصواب أن الزكاة تجب في أموال القصر من المجانين والصغار؛ لقول عمر رضي الله تعالى عنه: ابتغوا في أموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة.
وتكلمنا عن زكاة الديون، ومتى تجب ومتى لا تجب الزكاة في الديون؟
وكذلك تكلمنا عن الزكاة في الأموال المسروقة، والضائعة، والمختلسة ونحو ذلك، وكذلك الأموال التي تكون عند الدولة، وأيضاً ما يتعلق بالأموال العامة كأموال بيت المال، والأموال الموقوفة، والأموال الموصى بها، هل تجب الزكاة في هذه الأشياء، أو لا تجب؟
كذلك أيضاً: ما يتعلق بالدين، وهل ينقص الدين الزكاة، أو يسقط الزكاة؟ وبينا كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى فيها.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا بقاء المال)، وهذه المسألة أيضاً تكلمنا عليها: هل يشترط بقاء المال لوجوب الزكاة بمعنى: أن المال لو تلف بعد الحول، هل تجب الزكاة على رب المال، أم أنه لا تجب عليه؟
وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة: أنه ينظر إن كان رب المال فرط في إخراج الزكاة حتى هلك المال، فإن الزكاة تجب عليه، وإن كان لم يفرط، ثم هلك المال، فإن الزكاة لا تجب عليه، فإذا لم يفرط، مثلاً: حبس الزكاة لكي يبحث عن الفقير ونحو ذلك، ثم بعد ذلك هلك المال، فنقول: بأنه لا زكاة عليه، أما لو فرط حيث وجد الفقير ولم يخرج الزكاة حتى هلك المال، فإن الزكاة تجب عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والزكاة كالدين في التركة).
يعني: إذا مات الشخص وعليه زكاة لم يخرجها فهي كالدين، كما أنه يجب إخراج الدين من التركة، فكذلك أيضاً ديون الله عز وجل من زكوات، وكفارات، ونذور يجب أن تخرج؛ ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فدين الله أحق بالوفاء ) أخرجه البخاري .
وهذا الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله خلافاً لـأبي حنيفة ، فإن أبا حنيفة رحمه الله يقول: ديون الله تسقط بالموت، فإذا كان على الشخص زكاة مثلاً، ثم بعد ذلك مات قبل أن يؤدها فإنها تسقط.
والقول الأول هو الصواب؛ لما ذكرنا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقضوا الله فدين الله أحق بالوفاء ) من رواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صحيح البخاري .
وإذا اجتمع دين الله، ودين الآدمي، فأيهما يقدم إذا ضاقت التركة؟ ولنفرض أن الميت خلف عشرة آلاف ريال، وعليه زكاةٌ قدرها ألف ريال، وعليه دين قدره خمسة عشر ألف ريال، فهل نقدم دين الله، أو نقدم دين الآدمي؟ أو يتحاصان؟
هذه المسألة موضع خلاف، فقال بعض العلماء: يقدم دين الله، فنخرج الألف أولاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما سلف: ( فدين الله أحق بالوفاء ).
وقال بعض العلماء: يخرج دين الآدمي؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة.
والقول الثالث وهو الصواب: أنهما يتحاصان، يعني: يتزاحمان في التركة، فتقسم التركة بين دين الله ودين الآدمي بالنسبة، ولنفرض أن التركة تساوي ثلاثة آلاف، والزكاة تساوي ثلاثة آلاف، والدين يساوي ثلاثة آلاف، فالزكاة ثلاثة آلاف لا تكفي لدين الله ولدين الآدمي، فكيف نفعل؟ نقول: بأنهما يتحاصان؛ فنجمع الديون وننسب الزكاة إليها، ونعطي كل دين بمقدار تلك النسبة، الديون ثلاثة وثلاثة تساوي ستة، والتركة ثلاثة، انسب الثلاثة إلى الستة كم تساوي؟ تساوي النصف، فدين الله يأخذ النصف ألفاً وخمسمائة، ودين الآدمي يأخذ النصف ألفاً وخمسمائة، وهذه هي التركة، وهذا القول هو الصواب.
الأموال الزكوية -كما تقدم لنا-: بهيمة الأنعام، والنقدان -الذهب والفضة- وما يقوم مقامهما -اليوم- من الأوراق النقدية، وعروض التجارة، والخارج من الأرض، وهذه الأربعة متفق عليها، وإن كان الظاهرية يخالفون في عروض التجارة.
وبقي من الأموال الزكوية المعدن، وكذلك العسل، وهذان موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى: هل تجب فيهما الزكاة، أو لا تجب؟ وسيتكلم المؤلف رحمه الله عن هذه المسائل.
ابتدأ المؤلف رحمه الله تعالى ببهيمة الأنعام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في كتاب أبي بكر رضي الله تعالى عنه، الذي كتبه لـأنس وفيه بين فريضة النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة، وهذا الكتاب طويل، وقد قطعه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في مواضع، فهذا الكتاب بدأ ببهيمة الأنعام، وبدأ من بهيمة الأنعام بالإبل.
والمقصود ببهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، فهذه هي بهيمة الأنعام التي تجب فيه الزكاة.
وسميت هذه الحيوانات ببهيمة الأنعام لانبهام أمرها؛ لأنها لا تتكلم، فأمرها منبهم لعدم كلامها.
والدليل على وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام إجماع العلماء رحمهم الله على ذلك، وكذلك أيضاً كتاب أبي بكر رضي الله تعالى عنه الذي كتبه لـأنس ، وفيه فريضة النبي صلى الله عليه وسلم للزكاة.
تجب الزكاة في الإبل بما تقدم من كتاب أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وأيضاً بإجماع العلماء رحمهم الله تعالى على ذلك، وسواء كانت هذه الإبل بخاتياً، أو كانت عراباً، فالزكاة تجب فيها.
قال المؤلف رحمه الله: ( وبقر ).
سواء كانت هذه البقر أهلية، أو كانت وحشية.
أما الأهلية فهي موضع اتفاق بين العلماء رحمهم الله، وبالنسبة للبقر الوحشية، فهي موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، ولهم في ذلك قولان:
القول الأول: أن البقر الوحشية تجب فيها الزكاة إذا توفرت فيها شروط الزكاة الخاصة ببهيمة الأنعام -كما سيأتينا إن شاء الله- وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمعاذ : ( خذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً )، وهذا يشمل البقر الوحشية والأهلية.
والقول الثاني: وهو رأي الأئمة الثلاثة: أن البقر الوحشية لا تجب فيها الزكاة، وهذا القول اختاره ابن قدامة -رحمه الله تعالى- صاحب المغني؛ لأن إطلاق البقر لا يشمل الوحشي، وإنما هو خاص بالأهلي، وهذا القول هو الأقرب؛ أن الزكاة لا تجب في البقر الوحشي، وإنما تجب في البقر الأهلي، ومن البقر الجواميس الأهلية، فهذه تجب فيها الزكاة.
قال رحمه الله: (وغنم).
يعني: والغنم يشمل الضأن والماعز، والمشهور من المذهب سواء كانت أهلية، أو كانت وحشية، والخلاف كما سلف.
هذه الشروط الخاصة، وتقدم لنا الشروط العامة لوجوب الزكاة: الإسلام، الحول، بلوغ النصاب، تمام الملك.
وشرع المؤلف رحمه الله في بيان الشروط الخاصة في كل مال من الأموال الزكوية، فبهيمة الأنعام مال زكوي؛ لكن اشترطوا لذلك شروطاً:
الشرط الأول: قال المؤلف رحمه الله: ( إذا كانت سائمة الحول، أو أكثره ).
هذا الشرط الأول: أن تكون سائمة، يعني: راعية للمباح كل الحول، أو أكثر الحول؛ لأن الأكثر له حكم الكل، ويدل لذلك: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون ) رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .
وكذلك أيضاً: في حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه: ( في الغنم في سائمتها ) فيشترط أن تكون سائمة، يعني: راعية للحول، أو أكثر الحول، وهذا ما عليه جمهور العلماء رحمهم الله، وهو المشهور من المذهب، وخالف الإمام مالك رحمه الله حيث يرى وجوب الزكاة في الإبل، أو في بهيمة الأنعام عموماً، حتى وإن لم تكن سائمة، حتى ولو كانت معلوفة، والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.
وعند الشافعي رحمه الله: أنه لا بد أن تكون سائمة جميع الحول، والذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله: من أنها إذا سامت الحول، أو أكثر الحول فإنه تجب فيها الزكاة؛ لما تقدم من التعليل أن الأكثر له حكم الكل، هذا هو الشرط الأول، وعلى هذا إذا كان يعلفها أو يشتري لها علفاً، فنقول: لا تجب فيها الزكاة، وإذا كان -مثلاً- نصف الحول يشتري لها علفاً، والنصف الآخر ترعى المباح.
وإذا كان بعض الحول يشتري لها علفاً، وأكثر الحول ترعى المباح، نقول: تجب فيها الزكاة.
الشرط الثاني: أن تكون معدة للدر والنسل، أي: معدة لأن يؤخذ منها الحليب، وكذلك التوالد، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله جميعاً.
وعلى هذا إذا كانت معدة للعمل مثل: الإبل المعدة للسواني؛ أي: لإخراج الماء، أو الإبل التي تؤجر للركوب، أو البقر للحرث، وليست معدة للدر ولا للنسل فإنه لا تجب فيها الزكاة، هذا كما ذكرنا هو قول جمهور العلماء رحمهم الله.
وخالف الإمام مالك رحمه الله، كما خالف في المسألة السابقة، وقال: تجب الزكاة في العوامل.
والصحيح: أن الزكاة لا تجب في العوامل، وأنه يشترط أن تكون معدة للدر والنسل، ويدل لما ذهب إليه الجمهور ما ورد عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: ليس في البقر العوامل صدقة، وكذلك أيضاً ورد عن جابر بن عبد الله ، وفيه حديثان؛ حديث علي ، وحديث عبد الله بن عمرو ؛ لكن هذين الحديثين فيهما ضعف؛ ولكن ما دام أنه وارد عن الصحابة عن علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يعمل به؛ ولأن البقر أو الإبل التي للعمل هي بمنزلة الرقيق الذي يستخدمه للخدمة، والسيارة التي يمتلكها للركوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس على مسلم في عبده، ولا فرسه صدقة ) فالعبد الذي يختص به، والفرس الذي يختص به للركوب لا صدقة فيهما.
فتلخص لنا: أن بهيمة الأنعام يشترط فيها شرطان:
الشرط الأول: أن تكون سائمة.
والشرط الثاني: أن تكون متخذةً للدر والنسل.
وعلى هذا إذا كانت متخذة للعمل، أو معلوفة فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت عروض تجارة، يعني: يبيع ويشتري فيها ففيها زكاة عروض التجارة.
وهنا مسألة يسألها بعض الناس: وهو أنه يشتري غنماً، وإذا أنتجت أولادها باع الأولاد، فهل تجب الزكاة، أو لا تجب فيها؟
نقول: لا تجب فيها الزكاة، وإنما الزكاة في المال الذي يحصله إذا حال عليه الحول، فإذا كان عنده مثلاً: بقر، وإذا أنتجت هذه البقر استفاد من أولادها وباعها، أو عنده أبقار باعها، أو عنده حليب ويبيع الحليب، نقول: إن الزكاة فيما يتعلق بثمن الحليب ونحو ذلك.
بدأ المؤلف في بيان مقادير زكاة الإبل, فيقول رحمه الله: يجب في خمس وعشرين بنت مخاض، وهذا بالإجماع: أنه إذا بلغت خمساً وعشرين فإنه يجب فيها بنت المخاض، وقد جاء في حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه: ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ) أخرجه البخاري في صحيحه.
وبنت المخاض: هي ما تم لها سنة، وسميت بهذا الاسم؛ لأن الغالب أن أمها ماخض، أي: حملت الآن، وليس بشرط هذا، لكن الغالب أن الأم حملت.
ثم قال رحمه الله: ( وفيما دونها في كل خمس شاة).
وعلى هذا أقل نصاب الإبل خمس، إذ أربع ليس فيها شيء، وخمس فيها شاة، ثم بعد ذلك ليس فيها شيء حتى تبلغ عشراً، فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ خمس عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه، ثم بعد ذلك ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه، وما بين الفريضتين فليس فيه زكاة، ويسمى عند العلماء رحمهم الله بالوقص, والوقص هذا من خصائص بهيمة الأنعام، كذلك أيضاً الخلطة -كما سيأتينا- من خصائص بهيمة الأنعام، والجبران من خصائص الإبل، وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذه المسائل.
المهم أن الوقص ليس فيه زكاة، وأكثر الوقص في الغنم -كما سيأتي-، يعني: مائة وثمان وتسعين شاة هذا ليس فيه زكاة, وهو أكبر وقص في سائمة بهيمة الأنعام، وسيأتينا إن شاء الله في الغنم، المهم أنه ليس فيها شيء.
وقول المؤلف رحمه الله: (في كل خمس شاة)، يعني: الخمس من الإبل فيها شاة، وعشر شاتان، وخمس عشرة ثلاث شياه، وعشرون أربع شياه، إلى أن تبلغ خمساً وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض.
ولو أخرج بعيراً عن الخمس هل يجزئ، أو لا يجزئ؟
المشهور من المذهب وبه قال الإمام مالك : لا يجزئ، ولا بد أن يخرج شاة حتى لو قال: أنا أريد أن أخرج بعيراً، يقول: لا يجزئ.
وعند أبي حنيفة والشافعي أنه يجزئ، وهذا القول هو الصواب، ويدل له حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه في قصة الرجل الذي أخرج أعلى مما وجب عليه.
ولو أراد أن يخرج بقرة، هل يجزئ أو لا يجزئ؟ نقول: لا يجزئ؛ لأنه خلاف الجنس، ولو أراد أن يخرج نصفي شاتين وهو يجب عليه شاة، فأراد أن يخرج نصفي شاتين، فهو يملك نصف هذه الشاة، ويملك نصف هذه الشاة، وأراد أن يعطيهما الفقير، هل يصح ذلك، أو لا يصح؟
المذهب أنه لا يجوز ولا يصح.
والرأي الثاني: قال به بعض الحنابلة بأن هذا جائز ولا بأس به.
والصواب: أنه في مثل هذه المسألة يرجع فيها إلى الحاجة، فإذا كان الفقير يتضرر بذلك -إذا أخرج نصفي شاتين- نقول: بأنه لا يجوز، أما إذا كان الفقير لا يتضرر، نقول: بأنه يجزئ.
ثم قال المؤلف رحمه الله: ( وفي ست وثلاثين بنت لبون ).
إذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وبنت اللبون: هي ما تم لها سنتان، وسميت بذلك لأن الغالب أن أمها وضعت، وهي ترضع الآن، يعني: بنت مرضعة ذات لبن، وهذا ليس شرطاً.
ثم قال رحمه الله: ( وفي ست وأربعين حقة ).
الحقة إذا بلغت ستاً وأربعين، يعني: ست وثلاثون فيها بنت لبون، وسبع وثلاثون بنت لبون، وأربعون بنت لبون، وخمس وأربعون بنت لبون، إلى أن تبلغ ستاً وأربعين، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة، والحقة: هي ما تم لها ثلاث سنوات، وسميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل، وقيل: لأنها استحقت أن تحمل عليها الأحمال والأثقال.
ثم قال رحمه الله: ( وفي إحدى وستين جذعة ).
أيضاً كما قلنا: خمسون فيها حقة، والخمس والخمسون فيها حقة، وما تتغير الفريضة، وستون فيها حقة، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة، والجذعة: هي ما تم لها أربع سنين، وسميت بذلك لأنها تجذع، أي: أسقطت ثنيتها.
ثم قال رحمه الله: ( وفي ست وسبعين بنتا لبون ).
وعلى هذا سبعون فيها جذعة، وخمس وسبعون فيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين تغيرت الفريضة، فيكون فيها بنتا لبون.
ثم قال رحمه الله: ( وفي إحدى وتسعين حقتان ).
بالإجماع، إحدى وتسعون فيها حقتان، وثمانون فيها بنتا لبون، وخمس وثمانون فيها بنتا لبون، وتسعون فيها بنتا لبون، وإحدى وتسعون فيها حقتان، وتستمر فيها حقتان إلى أن تبلغ مائة وعشرين، فإذا زادت عن مائة وعشرين، استوت الفريضة، فيكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
قال المؤلف رحمه الله: ( فإذا زادت عن مائة وعشرين واحدة، فثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة ).
مائة وعشرون فيها حقتان، وفي إحدى وتسعين حقتان حتى تصل إلى مائة وواحدة وعشرين، فإذا وصلت مائة وواحدة وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، يعني: إذا بلغت مائة وواحدة وعشرين فما فوق، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وعلى هذا مائة وثلاثون فيها بنتا لبون وحقة، بنتا لبون بثمانين، وحقة بخمسين فتساوي مائة وثلاثين.
والعلماء رحمهم الله يقولون: إذا قدرت وبقي معك عشر فأكثر فاعلم أن التقدير خطأ، وإذا بقي أقل من عشر فالتقدير صحيح, ومائة وأربعون فيها حقتان وبنت لبون، الحقتان بمائة، وبنت اللبون بأربعين، ومائة وخمسون فيها ثلاث حقاق، ومائة وستون فيها أربع بنات لبون، ومائة وسبعون فيها حقة وثلاث بنات لبون، ومائة وثمانون فيها حقتان وبنتا لبون، حقتان بمائة وبنتا لبون بثمانين، ومائة وتسعون فيها ثلاث حقاق بمائة وخمسين وبنت لبون بأربعين، ومائتان تستوي فيها الفريضة، أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة , حيث يقول: إذا زادت على مائة وعشرين فإنه ترجع الفريضة، فعندك: مائة وعشرون فيها حقتان، ثم ترجع الفريضة، في كل خمس من الإبل شاة، فمائة وخمس وعشرون فيها حقتان وشاة، ومائة وثلاثون فيها حقتان وشاتان، وهكذا.
والدليل الذي استدل به أبو حنيفة رحمه الله تعالى ضعيف مقارنة بالكلام الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وقد ورد في صحيح البخاري ، في كتاب أبي بكر الذي كتبه لـأنس ، وفيه فريضة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودليل الحنفية: كما ذكرنا حديث عمرو بن حزم رحمه الله تعالى، وما رواه أبو داود في مراسيله.
البقر تجب فيه الزكاة بالإجماع، ويدل لذلك: حديث جابر رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد له يوم القيامة بقاع قرقر، تطأه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها ).
وأقل نصاب البقر ثلاثون، وهذا بالإجماع، يعني: عشرون من البقر ليس فيها، وتسع وعشرون ليس فيها شيء، فإذا بلغت ثلاثين وجبت فيها الزكاة، فالثلاثون فيها تبيع، أو تبيعة، وهو ما تم له سنة.
ويدل لذلك: حديث معاذ رضي الله تعالى عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ( وأمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، أو تبيعة ) وهذا أخرجه أبو داود في سننه، وإسناده صحيح.
ثم قال المؤلف رحمه الله: ( وفي كل أربعين مسنة ).
ثم بعد ذلك لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، يعني: ثنية، وهي التي تم لها سنتان.
ثم قال: ( وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة ).
بعد ذلك تستقر الفريضة، فالبقر أقل النصاب ثلاثون فيه تبيع، أو تبيعة، ثم بعد ذلك لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة تم لها سنتان، ثم بعد ذلك تستقر الفريضة، في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، وعلى هذا: خمسون فيها مسنة، وستون فيها تبيعان، أو تبيعتان، أو تبيع وتبيعة، وسبعون فيها تبيع أو تبيعة مع مسنة، وثمانون مسنتان، وتسعون ثلاثة أتبعة، أو ثلاث تبيعات، أو تبيعان وتبيعة، والمائة فيها تبيعان ومسنة؛ المسنة في أربعين، وتبيعان، أو تبيعتان، أو تبيع وتبيعة في ستين، وعلى هذا فقس.
الأصل في البهيمة أن تخرج أنثى، يعني: لو اجتمع في النصاب ذكور وإناث تخرج أنثى على قدر المالين، وإذا اجتمع صغار وكبار تخرج كبيرة على قدر المالين، وإذا اجتمع صحاح ومعيبات تخرج صحيحة على قدر المالين، فلو كانت البهائم فيه صغار وكبار، وفيها صحيحات ومعيبات، وفيها ذكور وإناث، نقول: يجب أن تخرج أنثى كبيرة صحيحة على قدر المالين، يعني: بالنسبة.
وسنذكر الطريقة إن شاء الله في ذلك، والأصل المهم هو إخراج الأنثى؛ لكن يجوز إخراج الذكر في زكاة بهيمة الأنعام في أربعة مواضع:
الموضع الأول: في زكاة البقر، إذا كان عنده ثلاثون، فإنه يجزئه تبيع أو تبيعة، لورود النص في ذلك.
الموضع الثاني: إذا كان النصاب كله ذكوراً، فلو كان عنده أربعون تيساً، فإنه يخرج تيساً من هذه التيوس.
الموضع الثالث: إذا وجبت عليه بنت مخاض ولم يجد بنت مخاض، فإنه لا بأس أن يرقى ويعطي ذكراً ابن لبون، أو حقاً، أو جذعاً.
الموضع الرابع: إذا شاء المصدق، يعني: الساعي رأى المصلحة أن يأخذ ذكراً فله ذلك.
فهذه أربعة مواضع يجزئ فيها إخراج الذكر، وماعدا ذلك فالأصل إخراج الأنثى.
الغنم يجب فيها الزكاة بالإجماع، وقد دل على ذلك السنة والإجماع.
أما السنة: فحديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وفيه: ( وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة )، وهو في صحيح البخاري في صدقة الغنم.
وكما ذكر المؤلف رحمه الله: أنه يجب في أربعين من الغنم شاة، ثم بعد ذلك لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وعشرين وزادت ففيها شاتان، يعني: مائة وعشرون فيها شاة واحدة، فاذا زادت على مائة وعشرين وجبت فيها شاتان، وعلى هذا؛ ثمانون من الغنم فيها شاة واحدة، ومائة فيها شاة واحدة، ومائة وعشرون فيها شاة واحدة، وإذا زادت عن مائة وعشرين فيها شاتان كما جاء في حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
ثم قال رحمه الله: ( وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة ).
يعني: مائة وخمسون فيها شاتان، ومائتان فيها شاتان، ومائتان وواحدة فيها ثلاث شياه، ومائتان وخمسون فيها ثلاث شياه، وثلاثمائة فيها ثلاث شياه، وثلاثمائة وخمسون ثلاث شياه، وثلاثمائة وتسعون ثلاث شياه، وثلاثمائة وتسع وتسعون ثلاث شياه، وهذا أكبر وقص في السائمة من البهائم، يعني: من مائتين وواحدة إلى أربعمائة هذا كله ليس فيه شيء -أي: مائة وثمان وتسعون شاة ليس فيها زكاة- فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ثم بعد ذلك تستقر الفريضة في كل مائة شاة، أربعمائة فيها أربع شياه، وثلاثمائة كما تقدم فيها ثلاث شياه، وخمسمائة خمس شياه، وستمائة ست شياه، وهكذا.
الخلطة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، هل هي من خصائص بهيمة الأنعام، أو لا؟
وقبل ذلك نقول: الخلطة في بهيمة الأنعام تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: خلطة اشتراك وشيوع، وهذه لا إشكال فيها أن المال واحد.
مثال ذلك: زيد وعمرو اشتريا أربعين شاة، وجعلاها ترعى المباح، ففيها شاة، أو ورثا من أبيهما، أو وهب لهما أربعون شاة، أو خمس من الإبل، وجعلاها ترعى المباح، فهذه نسميها خلطة اشتراك وشيوع، بمعنى: أن نصيب كل واحد منهما ليس متميزاً عن الآخر، فكل منهما يشترك في هذه الشياه وفي هذه الإبل، فنصيب كل واحد منهما ليس مختلفاً عن الآخر، وليس منفصلاً متميزاً عن الآخر، فالمال فيها واحد، تجب فيها الزكاة.
القسم الثاني: خلطة أوصاف وجوار، بمعنى: أن نصيب كل واحد منهما متميز؛ لكن اشتركت هذه البهيمة في بعض الأوصاف، نقول: خلط نصيب كل واحد مميز؛ لكن اشتركت في بعض الأوصاف، فزيدٌ له هذه الغنم، وعمرو له هذه الغنم, ومعروف نصيب زيد من نصيب عمرو، ثم اختلطت واشتركت في بعض الأوصاف كما سيأتينا ما يتعلق بالمسرح، والمرعى، والمحلب، فهذه نسميها خلطة أوصاف، فهل تجب الزكاة في خلطة الأوصاف والجوار أو لا تجب فيها؟ يعني: هل الخلطة مؤثرة إسقاطاً وتخفيفاً، أو أنها ليست مؤثرة ولا أثر لها؟
للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:
الرأي الأول: أن الخلطة مؤثرة، وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله، فهي تؤثر في الإيجاب والإسقاط.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة أن الخلطة ليست مؤثرة.
مثال تأثيرها إيجاباً: زيدٌ له عشرون من الغنم، وعمرو له عشرون، ثم اختلطت حولاً كاملاً، نقول: بأن الزكاة تجب هنا، فأثرت الخلطة في الإيجاب، ولو كانت سائمة زيد منفصلة فما فيها زكاة، ولو كانت سائمة عمرو منفصلة ما تجب فيها الزكاة؛ لكن لما اختلطتا أصبحتا كالمال الواحد، فتقول: وجبت الزكاة.
وكما أنها تفيد الإيجاب، فإنها تفيد التخفيف، فزيد له أربعون، وعمرو له أربعون، وبكر له أربعون، واختلطت، فيجب عليهم شاة واحدة، كل واحد عليه ثلث شاة، ولو أنها لم تختلط فيجب عليهم ثلاث شياه، فهنا أفادت التخفيف والإسقاط.
فرأي جمهور أهل العلم رحمهم الله: أن الخلطة مؤثرة، وأنها تفيد التغليظ، والإيجاب، والتخفيف، والإسقاط، ودليلهم على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية )، وهذا يدل على أن الخلطة مؤثرة، وأن الاجتماع والتفريق مؤثر.
ومعنى (يتراجعان بينهما بالسوية) أي: أنا لي أربعون، وأنت لك أربعون، وهذا له أربعون، اجتمعنا وأصبحت الآن مائة وعشرين، وجبت شاة واحدة، جاء الساعي وأخذها من نصيبي، فإنني أرجع على صاحب الأربعين الثانية بالثلث، وأرجع على صاحب الأربعين الأولى بالثلث. فهذا هو المشهور من المذهب، وهو رأي جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.
والرأي الثاني: رأي الحنفية أن الخلطة ليست مؤثرة، فالحنفية هم أضيق في الخلطة، وأوسع الناس في الخلطة هم الشافعية؛ لأن الشافعية يرون أن الخلطة مؤثرة حتى في غير سائمة بهيمة الأنعام، فيرون أنها مؤثرة في النقدين، ولا يحصرونها في السائمة.
والحنفية: يحملون الحديث على خلطة القسم الأول؛ خلطة الشيوع، والأصل عندهم عدم التأثير.
والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله تعالى.
هذا موضع خلاف بين الأئمة الثلاثة الذين يرون أن الخلطة مؤثرة، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنها لا بد أن تشترك في خمسة أمور:
الأول: المراح وهو المبيت والمأوى.
الثاني: المسرح: وهو المكان الذي تجتمع فيه لتذهب إلى المرعى.
والثالث: المحلب.
والرابع: المرعى.
والخامس: الفحل، بحيث لا يختص الفحل بطرق هذه السائمة دون هذه السائمة، فلا بد أن تشترك في هذه الأمور الخمسة.
وعند الإمام مالك رحمه الله تعالى: أنها لا بد أن تشترك في ثلاثة من خمسة: المراح، والمسرح، والمشرب والفحل، والراعي.
والشافعية يقولون: لا بد أن تشترك في سبعة أشياء: المرعى، والمسرح، والمراح، والفحل، والمحلب، والراعي، والمشرب.
والصواب في ذلك: ما ذهب إليه صاحب الفروع، وأنه يعمل بالعرف، فما دل عليه العرف من هذه الصفات عمل به؛ لأن هذه الصفات ما ورد فيه دليل ونص، فإذا دل العرف على أن هذه السائمة مختلطة، فنقول: بأن الخلطة مؤثرة، فالصواب في ذلك أننا نعمل بالعرف.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر