أما بعد:
فإن أمر الدعوة إلى الله، ومنهجها أمر مهم, والحاجة إليه ملحة، لأن المسلمين اليوم بعد أن انتبهوا وأفاقوا ووجدوا حالهم بعيداً عما شرع الله, وعما كان عليه الجيل الأول المبارك, ووجدوا أن الكفار سيطروا عليهم وغزوهم ودخلوا عليهم من كل منفذ, فعندما أفاقت هذه الأمة وجدت أنه لا حياة لها ولا قيام ولا خير فيها إلا بإحياء الدعوة إلى الله.
ولكن كيف تكون الدعوة إليه تبارك وتعالى؟
وما السبيل القويم الذي تتحقق به الدعوة التي يرضاها الله, ويرضى عنها, ويقبلها ويبارك فيها, وتعيد لهذه الأمة مكانتها في العالمين, واستخلافها في الأرض؟
إن المسلمين قد دب بينهم داء الأمم التي من قبلنا, بل هي أدواء وعلل, منها:
أنهم ابتعدوا عن المنهج الصحيح في عبادة الله تعالى, ومِنْ ثم انحرفوا في منهج الدعوة إلى الله تبارك وتعالى, إلا من وفقه الله في الدعوة إليه عز وجل, كما أمر تبارك وتعالى نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال له: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].
فهذه الآية العظيمة الجامعة, فيها منهج الدعوة إلى الله تبارك وتعالى كاملاً لمن تدبره وفطن إليه .
فهذه الكلمة ليست كلمة عابرة، وليست جملة عادية، كما نتحدث ونقول في بعض العبارات والجمل التي لا مكان لها، بل إنها هي الأساس, وهي: نقطة البداية في هذا الأمر العظيم, وهي أن تكون الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهاهنا مفترق الطرق بين من يدعو إلى الله, وبين من يدعو إلى غير الله, وإن ظن أو زعم أنه يدعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
والدعوة إلى الله معناها: الدعوة إلى توحيد الله تبارك وتعالى الذي أرسل الله عز وجل به جميع الرسل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وإذا قرأنا في كتاب الله نجد أن كل نبي بعث إلى قومه، قال لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، فهذه هي القضية التي تتكرر دائماً, وبعدها تأتي كل قضية أخرى، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] هذه هي القضية الأساس .
فإذاً أول ما ندعو إليه, وأول ما نعبد الله تعالى به: هو توحيد الله عز وجل .
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعث معاذاً إلى اليمن, ماذا قال له؟ قال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله)، وفي رواية (عبادة الله) وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله) وكلها روايات صحيحة, ومعناها حق وصحيح, فعبادة الله هي: شهادة أن لا إله إلا الله, وهي توحيد الله.
فهذه قضية عظيمة, ولو أن الأمر أمر نطق فقط لما كان هذا الجهد العظيم, ولما كانت هذه التضحيات الكبيرة, النهايات العظيمة المفزعة المروعة، ولكنه لتحقيق أن يوحدوا الله, وأن يعبدوا الله, وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله.
ومعنى ذلك: أن يُطيعوه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وأن يقفوا عند حدوده, ويتبعوا أوامره, ويجتنبوا نواهيه, ويتقربوا له عز وجل بكل عمل من أعمال القلوب, بالصدق والإنابة والرغبة والرهبة والرجاء والاستعانة والاستعاذة, ولا يتبعون غير نبيه، ولا يتحاكمون إلى غير شرعه, ولا يتبعون عادات ولا تقاليد, ولا ما كان عليه الآباء والأجداد, ولا قوانين, ولا بدع, ولا مناهج, إلا ما شرع الله, وما أنزله الله تبارك وتعالى.
ففي كل أمر مما يقربهم من الله يسألون: ماذا قال الله فيه؟ وما أنزل الله فيه من الوحي.. قرآناً أو سنة .
إذاً أعظم شيء هو التوحيد, وهو أول شيء وآخره.
نجاهد من أجل التوحيد: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39], إذاً الغرض من الجهاد ألَّا يكون هناك فتنة, وما هي الفتنة؟
الفتنة كما ذكرت في الحديث الصحيح: (الفتنة الشرك) فنقاتل الكفار حتى لا يكون هناك شرك, وحتى يكون الدين كله لله, فلا يعبد إلا الله, ولا يتبع إلا شرع الله, ولا يطاع إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو من أمر الله تعالى بطاعته تبعاً لطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كالأنبياء وولاة الأمر من علماء وأمراء, الذين يُعلمون الناس ويحكمون بينهم بما أنزل الله .
ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصف حاله ووضعه ونفسه بناءً على ما ذكر ربه عز وجل, عندما قال له ربه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] فكأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يترجم ذلك الأمر فيقول: { بعثت بالسيف بين يدي الساعة } فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بالسيف وبالجهاد, ولا يقوم ديننا هذا إلا على الجهاد, ولا يمكن أبداً أن يقوم إلا على الجهاد بجميع أنواع ودرجات الجهاد .
فالمؤمن في جهاد مع نفسه وهواه, ومع شيطانه ومع أعدائه, وجاءت لفظة [السيف] في الحديث ليدل على المرتبة العليا للجهاد, التي لا يقوم ولا يتحقق الدين إلا بها.
ولكن الجهاد والسيف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من أجل ماذا؟
يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له} فهذا هو الغرض الوحيد، وهو أن يُعبد الله وحده لا شريك له { وجعل رزقي تحت ظل رمحي } فكل الأنبياء لهم مكاسب يكسبون منها, فمنهم من كان نجاراً, ومنهم من كان حداداً, ومنهم من رعى الغنم وكلهم رعوا الغنم, وكل نبي له مهنة.
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من فضله وحكمته البالغة بعث هؤلاء الأنبياء من البشر: قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً [الإسراء:95] لكن نحن بشر, فبعث منا بشراً يعمل ويكدح, ويحتاج أن يأكل ويشرب وينام, ويمشي في الأسواق كما نفعل, والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أين يأتي بدخله؟
يأتي بدخله من خلال أشرف وأعظم وأعلى أنواع المكاسب, وهو: { وجعل رزقي تحت ظل رمحي }، فلو أن الأمة الإسلامية آمنت بالله ووحدت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حق توحيده, لأكلت من تحت ظل رمحها.
فالكفار يبنون الحضارة ثم تكون للمسلمين, والفرس والروم بنوا حضارتهم في ألفين سنة، وأجروا فيها الأنهار, وسقوا الأشجار, وبنوا القصور, وفتحوا القنوات العظيمة, وبنوا الطرق الرومانية التي تمتد من شمال أوروبا إلى مصر وجزيرة العرب, كل ذلك فعلوه, فكان ماذا؟
كان غنيمة للمسلمين, غنيمة لمن وحد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فخرجوا من هذه الجزيرة حفاة عراة جائعين, إلا ما كان منهم ميسور الحال وما أقلهم, فأورثهم الله تبارك وتعالى تلك الحضارات, وتلك القصور، وتلك المباني .
ونحن الآن -مثلاً- نقول: العالم الغربي لديهم الحضارة والعلم والتطور والتقدم والتكنولوجيا, ولو وحدنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حق توحيده, وذهبنا في سبيله، ودعونا إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكان هذا هو همنا, وكان ذلك شغلنا الشاغل، كما قال في الآية سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي [يوسف:108] أي: هذا هو فعلي, وهذه هي طريقتي, وهذا هو عملي, أدعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
ولو فعلنا ذلك لكنا بفقرنا هذا وعلى تأخرنا هذا -ونحن لا نريد التأخر في التكنولوجيا أو التقنية, ولا نريد الفقر, ولا نريد الجوع- لكنا منتصرين عليهم ولأورثنا الله تبارك وتعالى هذه الحضارات جميعها, فمنهم من يؤمن, فيسلم هو وما لديه من حضارة, ومنهم من نجاهده فيعطينا الله ملكه وحضارته غنيمة للمسلمين, بماذا؟
بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فلو وحَّدناه سبحانه لغزوناهم في عقر دارهم, ولما كانت لهم أي فرصة ليغزونا في دارنا, كما هو حال بلاد المسلمين اليوم إلا ما رحم الله .
إذاً: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالف أمري} وهذا هو حال المسلمين اليوم، إلا من كان في عز الطاعة وفي عز الدعوة إلى الله, أما البقية فهم في ذل, وإن جمعوا من المال ما جمعوا, وإن حازوا من المناصب ما حازوا, فهم بالنسبة للكفار في ذل, لماذا؟
لأنهم خالفوا أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام, فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله, فإذا تمسكنا بهذا الدين, وأخذنا بأسباب الدنيا وهي من الدين ومطلوبة، فإن الله تعالى يوفقنا وينصرنا على كل عدو .
أما إذا تركنا ديننا وأردنا العزة والقوة في آلات نشتريها, ومعدات نستوردها, وصناعات نظن أنها تحقق لنا ما نريد, فلن يكون ذلك أبداً , إلا بدين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
{ومن تشبه بقوم فهو منهم} فمن تشبه بالكرام وبالمقربين: من أنبياء أبرار ودعاة ومجاهدين وصالحين, كان منهم, وإن تشبه بالكفار كان منهم, وإن تشبه بالمنافقين أو المبتدعين أو الضالين أو الفاجرين كان كذلك منهم: { من تشبه بقوم فهو منهم } وكأننا نلمس داخل الحديث أملاً, وهو أنكم إن كنتم تريدون العزة, وإن كنتم تريدون النجاح فهو في دعوتكم وفي جهادكم وفي عملكم أيها المسلمون: { من تشبه بقوم فهو منهم } فتشبهوا به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بأن تكونوا مجاهدين داعين إلى أن يُعبد الله وحده لا شريك له, وليكن رزقكم تحت ظل رماحكم, فتكونوا مثله, وتنالوا ما نال الصحابة الكرام من الفوز والغنيمة في الدنيا والآخرة.
فإذاً الجهاد والأمر بالمعروف من أجل ماذا؟ من أجل توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] وهذا توحيد الأسماء والصفات.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وهذا من الأسماء والصفات ولكنه يتعلق بأمر عظيم, ولا يمكن أن يُوحد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلا به, وهو الإيمان باليوم الآخر وبالوقوف بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين [الفاتحة:5] فهذه الآية هي معنى لا إله إلا الله, ففي الشهادة: الحصر، جاء بـ(لا وإلا), وهنا جاء الحصر بالضمير المفعول المتقدم, أي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] وكأنك قلت: وحدك لا غيرك يا رب نعبدك.
إذاً: هذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله, فهو الغاية سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وهو المقصود والمعبود وحده. ومن يعيننا على ذلك؟ وما الوسيلة التي نحقق بها ذلك؟
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين [الفاتحة:5] فأيضاً نستعين به وحده على تحقيق توحيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحده لا شريك له، فله العبادة ومنه العون.
إن أمرنا نأمر بما يرضي الله, ونستعين على ذلك به, وإن دعونا ندعو إلى الله, ونستعين على ذلك به, وإن جاهدنا نجاهد من أجل إعلاء كلمة الله, ومن أجل توحيد الله, ونستعين على ذلك بالله.
إذاً لا بد منهما: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وأيضاً وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين وهذا هو توحيد الألوهية .
ثم ندعو الله تبارك وتعالى في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7] فعندما ندعو الله بذلك, فنحن نأتي بنوع آخر من أنواع التوحيد -وإن كان هو جزءً من توحيد الألوهية- وهو أننا نوحد ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باتباع شرعه, وباتباع رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاء به من الدين, فلا نعبد الله إلا كما عبد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولا ندعو إلا الله إلا كما دعى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الأول: ألَّا يُعبد إلا الله.
والآخر: أن يعبد الله بما شرع ولا يعبد بالأهواء والبدع.
ولا يكون حالنا في دعوتنا أو عبادتنا أحد الحالين اللتين خرج بهما أصحابهما عن الصراط المستقيم:
الحالة الأولى: حالة من علم الحق وعرفه, ولكنه أعرض عنه واجتنبه، وهؤلاء هم اليهود المغضوب عليهم, وكل من سلك طريقهم, كما ورد عن ابن عباس وعن سفيان بن عيينة رضي الله عنهما: [[من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود]] ولا نعني بالعالم -فقط- ذلك الذي هو عضو في هيئة كبار العلماء بل المغضوب عليه في هذه الحالة هو: كل من علم شيئاً من دين الله ولم يعمل به ففيه شبه من اليهود, يعلم أن الزنا حرام فيزني, أو أن الخمر حرام فيشربها, أو أن النظر إلى المرأة الأجنبية حرام وكل ليلة ينظر إليها, أو أن الربا حرام ويرابي ويتعامل مع المرابين كل يوم, هذا هو المتعرض لكونه من المغضوب عليهم، سأل الله العفو والعافية .
إذاً ما فائدة العلم إذا لم نعمل به؟
الحالة الثانية: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] والضالون هم الطرف الآخر: وهم الذين عبدوا الله على ضلالة, وعبدوا الله على بدعة وعلى هوى وجهل, فلم يعبدوه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على علم وعلى بصيرة, وانظروا ماذا في الآية نفسها -آية الدعوة-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] .
إذاً: أول شيء الدعوة إلى الله، لا إلى غيره أبداً, لا إلى النفس, ولا إلى الشيخ, أو الإمام أو من أحب أو من كره! لا أدعو إلا إلى الله وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على بصيرة, فلا ندعو على ضلالة, ولا ندعو على بدعة, ولا ندعو على رأي يخالف ما أنزل الله, بل على بصيرة وعلى علم من الله, وعلى برهان وحجة ونور وكتاب أو سنة .
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] أي: ليس هذا الأمر خاصاً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل أنا ومن اتبعني, فهذا هو شأن كل أتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أنهم يدعون أولاً وقبل كل شيء إلى توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلى أن يُعبد الله وحده لا شريك له, فلا يشرك به أبداً بأي شيء, وهذا هو شأنهم.
لو تدبرت أحوالهم لوجدت أنهم لا يسبحون الله, ولا نقصد أنهم لا يقولون: سبحان الله؟ لا, بل هذه يقولها أكثر الناس وأكثر المصلين من أهل البدع والضلالة والشرك, بل نقصد أنهم لا ينزهون الله عما لا يليق به, وهي لا تعني كلمة أو لفظاً باللسان, بل تنزيه الله عما لا يليق به.
والنصارى عندما قالوا: إن لله تعالى ولداً, هل هم مسبحون لله؟
لا أبداً: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)[ المؤمنون:91] عباد الله المخلصين فقط، أما غيرهم فإنهم لا يسبحون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بل ينسبون له الولد والصاحبة، ويزعمون أن معه شريكاً .
والذين يقولون: إن الشريعة أو الدين لا يصلح للتطبيق في القرن العشرين, قرن الحضارة والعلم والتكنولوجيا, هؤلاء لا يسبحون الله ولا ينزهون الله عما لا يليق به, بل هم ينسبون إليه ما لا يليق به, وهو أنه -تعالى عن ذلك- جاهل لا يدري أن الحضارة ستأتي, أو هو يعلم أن القرن العشرين سيأتي بحضارته, لكنه لا يستطيع أن يجعل له من الشرع ما يلائمه وما يناسبه, تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
إذاً لا يسبحون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وكل من دعا إلى اشتراكية أو ديمقراطية أو بعثية أو أي اسم مهما كان: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً* لَعَنَهُ اللَّه)[ النساء:117].
فكل من دعى إلى غير الله فنهايته أن يصل إلى الشيطان، لأن هؤلاء لم يسبحوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:مثل الذي يقول: الإسلام كله يعجبني بل وأدعو إليه, وأرجو وأحب أن تدعوني إليه -أيها الدعاة- إلا مسألة المرأة, فلا بد أن تعمل ولا بد أن تخرج وأن تتبرج وأن تشارك في وسائل الإعلام وفي كل مجال, فهل نزّه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا؟!
لا، لم ينزه الله أبداً، لأنه اعترض على حكم من أحكام الله, ورأى أن رأيه أفضل منه.
إذاً ندعوه إلى أن يؤمن بالله, وأن يسبح الله, ويوحد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فغرض الدعوة هو تسبيح الله وأن ينزّه الله, فتنزيه الله ركن أساس في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد ضربنا الأمثلة على ذلك .
إنه الشرك: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:79] .
الله أكبر! إمام الموحدين الذي حطَّم الأصنام يدعو بهذا الدعاء, والذي جاهد لكي لا يعبد إلا الله, والذي ذبح ابنه امتثالاً لأمر الله, وإن لم يقع الذبح لكن قد فعله وصدق الرؤيا, وامتثل أمر الله, من أجل توحيده لله، وامتثاله لأمر الله, المر الذي هو فامتثله رؤيا رآها فتله للجبين .
وهذا إبراهيم عليه السلام الذي هاجر في الله، وفي ذات الله، ودعا إلى الله, وجعله الله إماماً للناس, وأوحى إلى داعية التوحيد العظيم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:123] هذا نفسه يدعو الله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35] يدعو الله أن يجنبه الشرك, سبحان الله! إذاً الشرك خطير, يقول ابن تيمية رحمه الله: ''ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم'' من يأمن؟
لا تقل: إن الكلام قد كثر كل يوم عن الشرك, والناس موحدون والحمد لله وهم مسلمون, سبحان الله!
هل أنت أكثر توحيداً من إبراهيم الخليل؟!
لا، والله, لما أمره الله تعالى أن يبني هذا البيت العظيم, الذي هو قبلة الموحدين في جميع أنحاء العالم إلى يوم الدين, ماذا قال تبارك وتعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26] يا إبراهيم! ابن البيت، ولا تشرك بي شيئاً, فهذا أول أمر يؤمر به إمام الموحدين: ألَّا يشرك بالله, فلم يقل: يا رب! أنا إمام الموحدين, أنا الذي وحدتك تنهاني عن الشرك؟ وإذا نهيت أحداً أو تكلمت أو حذَّرت من الشرك, قيل: ليس عند هؤلاء الناس إلا الشرك؟ ولا يتكلمون بغير الشرك؟
سبحان الله! وماذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو إمام الدعاة إلى الله، الذي يجب على كل داعية أن يقتدي به إذا كان من أتباعه: وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66].
فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول له ربه: قد أوحي إليك يا رسول الله, وإلى الذين من قبلك من الرسل -ومنهم إبراهيم إمام الموحدين- لئن وقع منك ذلك الشرك ليحبطن عملك.
سبحان الله! العمل كله؟ نعم, الجهاد, والدعوة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والهجرة, والصلاة, والزكاة, كل ذلك يحبط منك يا رسول الله ومن قبلك لو أشركتم بالله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] فهو خاسر, مع أنه يأتي بتجارة كبيرة جداً ولكنه خاسر في الحقيقة .
فبعض الناس كالنصارى -مثلاً- ترك الزواج، وترك الدنيا، ولكنه يذكر الله ليل نهار، انقطع عن كل شيء إلا عن العبادة -كما يزعمون- لكن يوم القيامة: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:103-104].
يقول: يا أخي! أنا أحمد الله، وأنا دائماً أذكر الله, وأصلي, وكل يوم أقرأ القرآن, ودائماً في جهاد, ودائماً آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر, فيقول: ما الذي تريده منا؟
نقول: هذه الثروة العظيمة من الحسنات لا تقبل ولا تتحقق إلا بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, اجتنب الشرك, ولا تأنف ولا تستكبر عمن يقول لك: لا تشرك بالله, لأنه قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] فتذهب كل هذه الأعمال: وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] الذين يرون هذه الأعمال العظيمة تذهب هباءً منثوراً, ولا يستفيدون منها بشيء: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وهنا إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5].
هنا قدّم الضمير، وهناك قدم الاسم العلم: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:66] هكذا أمرنا ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فأول الأمر وآخره هو توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
ومن أعمال القلوب التي تحقق لنا التوحيد: الخوف من الله وحده لا شريك له, ولو فطن الدعاة إلى هذا لرأيت العجب العجاب في الدعوة إلى الله, ولو أن كل مؤمن لم يخف إلا الله, ولم يخف أحداً من البشر كائناً من كان في أمر يغضب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لرأيت العجب العجاب من التمكين والعز والنصر.
لكن الإنسان يقول: لو اتقيت الله, ولو اتبعت ما أمر الله، لفعل بي فلان الذي هو أعلى مني في الوظيفة كذا! فهو يخاف من فلان لأنه أقوى منه, ويخاف من كذا..، فأخافنا الشيطان: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران:175].
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل ذلك الخوف منه وحده, ولو خفنا من أعداء الله ولم نخف من الله فلن ينصرنا الله تبارك وتعالى عليهم أبداً, بل جعل الله تعالى طريق النصر كما بين: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] فالأعداء يكيدون لنا، ولا توجد وسيلة مما في علمنا أو عقولنا أو خيالنا إلا وقد حاربونا بها, وهذا حق كما ترون الآن في هذا الزمن, وفي كل لحظة، وفي كل دقيقة, فنحن مستهدفون ومحاربون, بالذات في هذا البلد الآمن المطمئن, القائم على دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, ففي كل لحظة تجد الحرب الشرسة علينا، لكن إذا خفنا منهم إذاً أشركنا, فما الطريق؟ وما الحل لمواجهتهم؟ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:120].
إذا صبرنا واتقينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] لا يضرك كيدهم أبداً .
أقول: الأعداء يُخططون لنا ولكل المسلمين، وكثير من المسلمين لا يعرفون ذلك، انظروا إلى ما في التلفاز، وإلى ما فيه من المسلسلات، وإلى الفيديو...، فإن هذا من تخطيط الأعداء لإفساد الأخلاق, وكثير من الناس يقولون: لا أستطيع أن أصبر على مشاهدة هذه الأشياء, ثم يسأل: لماذا الأعداء ينتصرون علينا؟
أنا أقول: إذا كنت لا تستطيع أن تصبر على هذا، فكيف ينصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن بغير تقوى؟!
نحن المسلمين لم ننتصر على أنفسنا وعلى شهواتنا، فكيف ينصرنا الله على الكافرين؟!
نحن المسلمين إذا تمكن بعضنا من بعض, تجد أن تقوى الله لا تمنعه ولا تردعه من أن ينتقم منه أو أن يظلمه إلا من رحمه الله, لكن هذا هو العموم، فكيف يولي الله الظالمين؟
كيف يورث الله الأرض للظالمين؟ وانظروا كم في المحاكم، والشرط، والإمارات، والإدارات من شكاوى لا بد فيها من ظالم ومظلوم, فنحن نظلم بعضناً بعضاً بهذه الكمية الهائلة, ونريد أن يورثنا الله الأرض, ونقول: لماذا لا يُمكِّن الله لنا نحن المسلمين في الأرض؟ وكل جمعة ندعو: اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ومجد ووحد واجمع! دعاء لا عمل معه, فكيف يولي الله الظالمين؟
لو جمع كلمتنا ونحن بغير تقوى ولا صبر لدمرنا الدين -والعياذ بالله- لكن تفرقنا في هذه الحالة أفضل وأحسن, فهذه حكمة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إذاً لا ينفع إلا أن نصبر وأن نتقي الله, والشاهد أن الخوف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, هو أحد أهم أعمال القلب التي يجب أن يوحد الله بها.
والصبر من أعمال القلب أيضاً, التي يجب أن تُفرد وأن تتحقق، فإذا كنا ندعو إلى توحيد الله وإلى العقيدة الصحيحة, فمعنى هذا أن ندعو أيضاً إلى الصبر؟
حيث نصبر على طاعة الله, ونصبر عن معصية الله, ونصبر على أحكام الله الشرعية, ونصبر على أحكام الله القدرية, وعلى المصائب التي تقع ويكون موقفنا منها الصبر, لأن الله تعالى هو الذي قدَّر ذلك وكتبه قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وأيضاً: الرغبة, والإنابة, وكثير مما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم من أعمال القلوب يجب أن نحققها وأن نوحد الله فيها.
فإذاً أكون كما يريد الله, وأدعو إلى هذا الذي يريده الله مني, وأمتثله بنفسي وأدعو إليه, وإذا قرأنا ذلك فإن علينا بعد ذلك أن ننظر كيف يدعو الناس؟ كيف تدعو المناهج البدعية إلى الله؟
فنعرف أنها تبتعد عن منهج الدعوة الصحيح بمقدار بعدها عن هذه الحقيقة التي نقرؤها في سورة الفاتحة, وفي الإخلاص، وفي الكافرون، وفي العصر، وفي التكاثر، وفي الفجر، وفي عمّ, ففي أي سورة هناك قضايا محددة مهمة, يتنوع الحديث عنها, ولكنها قضية واحدة, هي توحيد الله, وطاعة الله, وامتثال أمر الله, والعمل من أجل الجنة والفوز برضى الله, وترك كل ما يُؤدي إلى غضب الله وإلى عقوبته, وإلى الدخول في النار التي أعدها الله للكافرين, عافانا الله وإياكم منها.
فأعظم شيء في منهج الدعوة إلى الله, هو أن تكون الدعوة إلى الله على توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فإن قيل: هذا يحتاج إلى عمل طويل, وجهد كثير؟
نقول: نعم, هذا حق, لكن لا طريق غيره, فإن كنت تريد طريقاً آخر فلن يوصلك إلى ما تريد, واذهب إلى ما شئت من الطرق التي تراها معبدة أو سهلة, لكن لن تصل إلى الهدف, فالطريق إلى تحقيق توحيد الله والدعوة إلى الله حقاً هي هكذا, وهذا هو حالها وشأنها, ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استمر عشر سنوات في مكة وهو يربي الناس على معنى (لا إله إلا الله) ثم نزلت الصلاة فزادت معنى (لا إله إلا الله) رسوخاً وثباتاً، ثم ذهب إلى المدينة وشرع الجهاد من أجل (لا إله إلا الله) ثم جاءت الزكاة من أجل إقامة دين الله, ومن أجل الإنفاق على المجاهدين في سبيل الله, ولإعلاء كلمة الله, ثم جاء الصوم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لماذا؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فهذه الشريعة من أجل تحقيق التقوى التي جاءت بها (لا إله إلا الله) ثم شرع الحج وهو إلى البيت الذي بناه إبراهيم: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26] فتحج وأنت تقول: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, كل مرة وأنت تكرر معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
إذاً: أعظم شيءٍ يجب أن نحققه هو توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن تكون كل عباداتنا خالصة لوجه الله, موافقة لشرع الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأعظم مادة يجب أن نهتم بها في المدارس هي مادة التوحيد, وهي القرآن؛ لأن القرآن هو مصدر العقيدة الأول، والحديث -وهو المصدر الثاني للدين وللعقيدة، فلا نعطي هذه المواد إلا للمدرس الكفء، الذي يستطيع أن يُبين للطلبة هذا الدين، ويحبب إليهم هذا الدينز
ويجب أن نعلم أن علوم الطبيعة والأحياء وكل ما يتعلق بالعلوم المسماة اليوم: المواد العلمية, كلها تخدم التوحيد -والحمد لله- لأنها من النظر في ملكوت السماوات والأرض, ومن التفكر في آيات الله, ومن السير في الأرض: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت:20].
وعلم التاريخ -أيضاً- مما يخدم العقيدة ويجليها ويوضحها, إذا كان المنهج والمدرس صالحين، لأن الله قص علينا في القرآن الكثير منه, وانظروا إلى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر:6-13] فكيف ندرس هذا الكلام في حصة القرآن, ثم إذا جئنا بمادة التاريخ، يقول: الفراعنة كانوا وبنوا وعملوا وشيدوا, ومع الزمن ومع الغزوات وكذا.. ذهبت حضارتهم, هذا غير ما قرأنا في الآيات قبل قليل، يجب أن تربط الآيات مع التاريخ.
والحمد لله أننا ما زلنا على مستوى جيد -والحق يقال- ولو وجد المدرس الذي يحسن ويزيد شرحها وعرضها لكان الخير بإذن الله.
والمقصود: أن كل المواد تخدم العقيدة الصحيحة, وكل ما يمكن للإنسان أن يستغله للخير يجب أن يُسخره من أجل هذه العقيدة، ومن أجل التوحيد، ومن أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له، جعلنا الله وإياكم من الموحدين المؤمنين, إنه سميع مجيب.
الجواب: إن الدعوة إلى الله كما في هذه الآية -التي كانت موضوع المحاضرة-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108], فيجب على أتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعوا إلى الله, ومن درس وطلب العلم الشرعي الذي ينفع ويفيد, فأولى به وأحرى أن ينذر عشيرته الأقربين, والطفيل بن عمرو الدوسي عندما عرف توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جاء إلى قومه وهدى الله تعالى به دوساً, كما دعا لها نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وكذلك كان حال الصحابة الكرام رضوان الله تبارك وتعالى عليهم, ونحن لا نقول إن الإنسان لا يدعو إلى الله إلا في بلده, بل يدعو إلى الله في المدن وفي القرى وفي الأرياف, ولكن من أتيح له أن يأتي إلى بلده وإلى قبيلته وإلى عشيرته وأن يدعو إلى الله فيها, فأنا أرى أن ذلك في الحقيقة أولى.
ويعرف بعض الإخوان أن في الجامعة عندنا, أننا نقول له: اذهب إلى المنطقة, وتعين فيها, وننصحهم بذلك لما رأينا من الحاجة هنا, لأننا كنا نظن أن الدعوة إلى الله في المدن أحوج، نظراً لما تتميز به هذه المناطق الريفية -والحمد لله- من التمسك بالفضائل والأخلاق الطيبة, والعادات الحسنة, لكن لما رأينا أنها قد ابتليت كما ابتلي فيها غيرها, وأن الأمر والحاجة عامة هنا وهناك .
فإذاً ينبغي أن يتوجه أهل هذه المنطقة إليها، وكذلك كل من بقي هناك ورأى أن من المصلحة والخير للدعوة أن يبقى هناك, فالواجب هو الدعوة إلى الله على الجميع وفي كل مكان .
الجواب: الأسباب كثيرة, ونحن قلنا: إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, والإنسان إذا دعا إلى الله فإنما يعبد الله, والعبادة جميعاً هي كذلك.
وكما تلاحظ أنك أحياناً تصلي لله صلاة خاشعة وتقرأ القرآن في خشوع, وأحياناً لا تجد ذلك الخشوع في صلاتك ولا قراءتك, والدعوة هي جزء من العبادة, والشيطان الذي يأتيك في قراءتك وصلاتك, يأتيك -أيضاً- في دعوتك, لكن ربما كان المثبط في الدعوة والداعي إلى الكسل فيها أقوى، لأن فيها ما نسميه: الاحتكاك بالناس, فالأرحام حزنوا، والأقارب تأثروا, والأبناء رفضوا, والجماعة وفلان.., وهذا لا بد فيه هكذا, وتجده يقول لنفسه: إذا اهتديت أنا في نفسي واستقمت وتركت الدعوة, فربما هذا أفضل من هذه المشاكل كلها.
وفي الحقيقة أنه لا يهتدي إلا من دعا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا من تزيين الشيطان ليضلك، وأنت تظن أن الإنسان إذا بدأ يضعف عن دعوة الغير إلى الله ويتنازل، فإنه يضعف عن التمسك بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا شيء مشاهد.
فيا إخوان! الحث الحث! والعزيمة العزيمة! وهذا ديننا دين العزيمة, ودين أخذ الإيمان بقوة, ولا نعني الغلو في الدين, ولكن نقول: يؤخذ الدين بصدق وبإخلاص, حتى ما كان فيه من الرخص, تؤخذ أيضاً عن الإيمان, وعن الصدق, وهي رخصة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فبذلك نكون صادقين مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, ولا مجال للداعية إلى الله أن يتثاقل أبداً, وكل إنسان يعمل في أي مجال يمكن أن يقول: قد بلغت الغاية, إلا من كان على سبيل طلب العلم الشرعي, أو على سبيل الدعوة إلى الله, فإنه مهما دعا إلى الله فهو ما زال مقصراً, ومهما تعلم من العلم الشرعي يجد أنه في حاجة إلى أن يتعلم، لأن هذا الطريق لم يتفاوت الناس إلا فيه, ولماذا الدرجات العلى في الجنة؛ وبين الدرجة والدرجة مثل ما بين السماء والأرض؟ لأن هذا التفاوت هو ما بين العزيمة وبين الكسل, وما بين الإقدام وبين التواني والتراخي.
ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم جميعاً العزيمة على الرشد، والإقدام على الخير, وأن نأخذ ديننا بقوة في كل ما أمر به الله .
الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله, أنا قلت: إنه لم يتح لنا أن نتحدث عن الجانب الآخر, وهو كيفية الدعوة أو وسيلتها, ولعل بعض الناس يحتاج شيئاً من ذلك, فإن الدعوة إلى الله لا بد فيها من الحكمة ثم الموعظة الحسنة, ثم المجادلة بالتي هي أحسن, وأخيراً بعد ذلك كله المجالدة والجهاد بالقوة, ولابد للإنسان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من ذلك كله, لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعوة, والدعوة هي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, ولكن أكبر ما نحذر منه هو الشرك, وأعظم ما ندعو إليه هو التوحيد, وكل ديننا قائم على ذلك.
وحظ النفس إذا دخل في أي شيء هلك صاحبه وحبط عمله -والعياذ بالله- إلا أن يتوب ويستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
فلا بد من الأسلوب الحسن، وإنكار المنكر، ولا يعني الأسلوب المباشر, أو الطريقة المباشرة في الإنكار, بأن تقول لمن يفعل شيئاً: لم تفعل كذا؟
لا. يا أخي! التغيير والإنكار لا بد له من أسلوب, ولذلك عندما ننظر إلى الأمة في مجموعها, نقول: لا بد من دعاة إلى الله يدعون إلى توحيد الله وإلى عبادة الله, هذا من أجل أن تتحول إلى ما يرضي الله, وإلى طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن طريق هؤلاء.
أيضاً: البصيرة والعلم والحكمة والأسلوب المناسب أمور لا بد منها في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يعني ذلك أن الإنسان يقول: إذاً لا أدعو إلى الله, وبعض الناس يرى المنكر أمامه، فتقول له: لماذا لا تنكر؟
يقول: لا بد من الحكمة, والحكمة لا تعني عدم العمل, ولكن المقصود بها العمل بالأسلوب الأمثل والأسلوب الصحيح.
فالمنكر الذي في بيته يغيره باليد إن كان في ولايته, أو كان يستطيع أن يغيره بيده, فإن كان المنكر لا يدخل في نطاق ولايته الشرعية ولكن يتعلق بالآخرين, فلا بد أن أواجه الناس بالنصيحة وبالموعظة وبالأسلوب الأمثل, ثم بعد ذلك أدعو من له ولاية شرعية لتغيير هذا المنكر, وأنصحه وأعظه إن كان راضياً بالمنكر أن لا يرضى به, وإن كان لا يرضى به, فأبين له أن ينكره وهكذا.
فالكلام في هذا يطول, ونقول: لا بد في الدعوة إلى الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الحكمة والأسلوب الحسن, وترك حظ النفس دائماً بعيداً، عافانا الله وإياكم من النفس وشهواتها وحظها.
الجواب: الحمد لله، الحقيقة أنه يجب أن تكون النصيحة للطرفين للآباء وللأبناء:
أما الآباء كما هو موضوع السؤال، فلأنك أيها الأب أعظم وأحب من لديك في هذه الدنيا هم أبناؤك، تفتديهم بمالك بل وبنفسك، ولا شيء عندك أغلى من أبنائك، ولا شيء عندك أحب ولا أفضل مما يسعدهم ومما يبلغهم الفوز أو النجاح أو المستقبل الباهر، وأي فوز ونجاح ومستقبل أعظم من تقوى الله، ومن عبادة الله، ومن اتباع أمر الله ودينه، والفوز بالجنة! لا شيء أبداً.
فكيف تمنع ابنك من التزود بالإيمان، وتمنعه من التقوى والتقرب إلى الله والاجتهاد في الطريق الذي يُؤدي به إلى الجنة ويبعده عن النار، وهو حضور حلقات الذكر والعلم ومجالسة الأخيار، وإن كانت العادات، أو التقاليد، وإن كان ما كان .
لما فتحت علينا الدنيا في السنوات الأخيرة، تركنا عاداتنا كلها من أجل أن نحقق شيئاً من هذه الدنيا، بعض الحرف كنا ننظر لها على أنها غير طيبة، ثم وجدنا فيها الأرباح والمكاسب فتنافسنا فيها، بعض الأشياء التي كانت في الحفلات، وفي الولائم وفي أمورنا الخاصة، فلما وجدنا أن المادة تتحقق بخلاف العادات رمينا بالعادات جانباً من أجل أن نحقق الربح المادي، فكيف لا نرمي بالعادات جانباً في مقابل تحقيق الربح الأكبر؟! فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز [آل عمران:185] فالفوز الأكبر أن يكون الإنسان مطيعاً لله ومتقياً له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأي قرة عين لك إذا كنت تدعو الله كما أمر عباد الرحمن: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] فأي قرة عين لك خير من أن يكون لك ابنٌ نشأ في طاعة الله، ونشأ في عبادة الله فيكون ممن يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله يوم القيامة؟!
فربما شفع لك وأنت على ذنوب عظيمة، وربما ألحقك الله في درجته في الجنة وأنت على تقصير عظيم، لأن هذا الابن الصالح البار إنما هو منك.
فإذاً يجب على الآباء والمقصرين منهم -وكلنا مقصرون- أن نحمد الله بأن رزقنا أبناء صالحين يجبرون ما فينا من تقصير، ولعلهم ينفعوننا عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأننا نحتسب تربيتهم ونحتسب تقويمهم وتوجيههم على الحق عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وأما النصيحة التي ينبغي أن تكون مزدوجة فهي إلى الشباب وإلى الأبناء، فلا ينبغي أيها الشباب المؤمنون الطاهرون أبداً أن يكون حالك مع أبيك قبل الهداية أفضل من حالك معه بعد أن اهتديت، كيف تكون هذه الهداية؟
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] فإذا كان هذا الحال معهم وهما يجاهدانك على الشرك والحمد لله ليس في آبائنا من يجاهدنا على الشرك، لكن بعضهم يجاهدنا على البدع أو المعاصي أو العادات الجماعية وهي أقل من الشرك فلا تطعهما، لكن: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15] اتبع سبيلهم، واحضر حلقاتهم ودروسهم، واستفد منهم وشاركهم، لكن مع ذلك صاحب هذين الأبوين في الدنيا معروفاً، وكن باراً بهما وإن كانا كافرين، فلا بد من مصاحبتهم بالمعروف وإن كانا كافرين مجاهدين لك على الكفر.
فحقهما عظيم، ولهذا قرنه الله بحقه -كما تعلمون- ولا يخفى على أحد منكم حق الوالدين، لكن لا يأتيكم الشيطان من باب أنني اهتديت، وأبي يكرهني لأنني اهتديت، فما يأمرني أبي به فهو خطأ! لا يا أخي، قد لا يكون الكره لأنك اهتديت، لكن قد يكون الكره لأنك أخطأت في أمر من أمور الدنيا، فقد يكون لأنك لم تتوظف كما أراد، أو لم تبن كما أراد، أو خالفت بعض العادات وهو يرغب أن تتمسك بها، وهكذا لا نجعل الشيطان يأتي ويقول: كل هذه المعاملة لأنك اهتديت، فإذاً اجعل هدايتك سبباً لعقوق الوالدين. لا، فإن من الهداية بر الوالدين، ولو أننا أحسنا إلى والدينا، وإلى جيراننا، وإلى أرحامنا، وإلى زملائنا وعاملناهم بالخلق الحسن الفاضل، لكان هذا أكبر مكسب في الدعوة .
وأنا أقول: أحب دائماً أن أسمع الآباء إذا مدحوا أبناءهم أن لا يأتوا بكلمة: لكنه، فتجده يقول: ولدي مستقيم وطيب والحمد لله يحفظ القرآن، ثم إذا سكت حمدت الله، ثم يقول: لكن فيه وفيه فأتألم والله، حتى ولو كان الأب على غير الصواب، لكن يجب أن يكون لديك حكمة لكي تقضي على (لكن هذه) وعلى ما بعدها، وأن تجعل محبة أبيك لك محبة حقيقية كاملة من جميع الوجوه، فإذا لم تكن حكمتي أنا كداعية تنفعني مع أبي وأمي وزوجتي وأبنائي، فأين أستخدمها، وأين يظهر أثر هذه الحكمة؟!
فالحقيقة أن الموضوع مهم لأنه يتعلق بالعلاقات الأسرية، وفي كتاب الله عز وجل إذا كان الموضوع يتعلق بالعلاقات الأسرية تجدون أن الله يفصله تفصيلاً، ويربطه بالتقوى، ويكثر فيه الوعد أو الوعيد، وهذا شيء عجيب لماذا؟
لأن هذا عمل يومي، فمهما كان سبب نجاحك في الدعوة، ولو كان بيتك يضايقك فإنك لا تستطيع أن تدعو إلى الله، ولا أن تعبد الله أبداً؛ لأنه سوف يشوش عليك في صلاتك، وفي قراءتك، وفي عملك؛ وفي كل شيء.
فهذه من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلا نهضم هذا الجانب، ولعل النصيحة تكون ثلاثية لا ثنائية.
فأنصح المدرسين والموجهين أن يكملوا مهمة الآباء في البيوت ويبينوا للأبناء ضرورة بر الوالدين والإحسان إليهما مع عدم المجاملة في الحق أو المداهنة فيه، أو أن يعصى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إرضاءً لهما.
فالواجب هو على الأبناء وعلى الأباء وعلى المربين والموجهين وعلى المدرسين وعلينا أجمعين.
الجواب: الكلام في هذا يطول، ونحن كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) والفن إذا كان المقصود به ما يراد أو ما نظنه الآن نحن من الفن وهو: إظهار صور معينة من خلق الله، أو مما يعتلج في نفس الفنان أو الشاعر كأن يقول قصيدة جميلة، أو يرسم منظراً جميلاً لا حرج في كل ذلك، وهذا إن لم يكن فيه تأثير على جوانب الدين وصميم التوحيد فهي مما تباح.
والحمد لله أن في ديننا فسحة وهو الحنيفية السمحة، لكن إذا ارتبط أدبنا وفننا وشعرنا ونثرنا بمناهج مستوردة لا ندري ما حقيقتها، فأنا أنظر إلى لوحة وأقول هذه تشكيلة، لكن إذا سألت الفنان عنها قال: أنا سريالي، والآخر يقول: أنا واقعي، والآخر رومانتيكي. والآخر يقول: تكعيـبي، والخامس يقول: أنا مستقبلي، فما هي هذه التكعيبية والمستقبلية والرومانتيكية، سبحان الله!!
هذه ليست مناظر بل هذه عقائد وأديان، فهي تعبير عن أديان واعتقادات معينة نشأت في بيئة لا تؤمن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والغرب يربطون نهضتهم في القرن الثالث عشر والرابع عشر بنشأة الأدب والفن، فأول ما بدأت وانطلقت النهضة الأوروبية والحضارة الغربية، من إحياء الآداب الإغريقية، وهذا شيء معروف لا ينكره أي إنسان مُطلِّع على الفكر الغربي والحضارة الغربية.
فبدأت الحضارة الغربية تشق طريقها بعيداً عن الدين، وعن عصر الظلمات المرتبط عندهم بالدين بشعر دانتي وبـمايكل أنجلو وبيكاسوا وأمثالهم من الرسامين ومن الشعراء والأدباء.
ثم بعد ذلك ظهرت العلوم التجريبية، وأول ما ظهرت في القرن السابع عشر تقريباً، وأول ما بدأت بالآداب، وهذه آداب جاهلية وثنية ثم تطورت على شكل مدارس واتجاهات لا داعي لذكرها، وقد لا تفهم إذا أطلنا في ذكرها، حتى وصلنا إلى ما يُسمى في هذا الزمان بهذه الفنون، أو المدارس في الفن، وهي في الحقيقة عقائد.
مثلاً: إذا نظرنا إلى المدرسة الرومانسية أو الرومانتيكية نجد أنها تقوم على الطبيعة في الأساس وعلى المناظر الطبيعية ومناجاة الطبيعة إلى غير ذلك.
والسريالية تقوم على الأحلام، لأن سريالي معناها: فوق الواقع، وما فوق الواقع لا يرسم لك شجرة أو نهر، فهذا يعتبر فن كلاسيكي وتقليدي لا يرضى به، لكن يرسم لك منظراً، عبارة عن ألوان متداخلة متشابكة لا تستطيع أن تفهم منها ما يريد الفنان، وإذا سألته يقول: يمكن أي شخص منا أن يرى اللوحة ويفهم منها أي شيء.
وأنا أنقل لكم قصتين واقعيتين، والقصص تروح على النفوس أحياناً.
القصة الأولى: كان معرض الفن التشكيلي في باريس قبل سنوات، فجاء الزوار من جميع أنحاء العالم، وعرضت اللوحات، وقبل الافتتاح عملوا مسحاً عاماً وقاموا بتنظيف المعرض، فأحد عمال النظافة -عمال أُميين ونحن أيضاً أميين بالنسبة للفن لا ندري كيف شكل اللوحة ولا نعلم ما فيها- نظف إحدى اللوحات ثم قلبها ونكسها -وهذا الكلام موجود في المجلات، وربما منكم من قرأه- وجاء الناس وتزاحموا عند هذه اللوحة، وأخذوا يتعجبون منها، كيف هذا المنظر؟ وماذا يريد الشاعر؟ وكيف هذه الألوان؟ وكيف وكيف؟ فبلغ الأمر إلى صاحب المعرض أن هناك أناس متجمعين، وصاحب المعرض ليس فناناً، إنما هو أمي لا يدري، وقال: لا تؤاخذونا، فإن اللوحة منكوسة، ثم أعاد اللوحة كما هي، ولم يعلم أن الإعجاب إنما أتى من كونها منكوسة.
والقصة الثانية: وهي واقعية: إذا قرأتم عن حياة الرسام الرومانسي المشهور بيكاسوا يقولون في حياته: إنه أراد أن يأتي بلوحة لم يسبقه إليها أحد، فماذا فعل؟
أخذ إناءً كبيراً وجعل فيه ألواناً وخلطها مع بعضها، ووضع لوحةً عند ذيل حمار، وأخذ الحمار يصبغ الألوان بذيله، فأصبحت بزعمهم لوحة، ثم بيعت بآلاف الدولارات، وحدَّث بهذا تلاميذه ونشروا ذلك عند الحديث عن حياته.
قد يتعجب أحد ويقول: هؤلاء ضد الفن، فنقول: نحن لسنا ضد الفن، ولا ضد الأصالة، ولا ضد أي شيء جميل أبداً، فديننا دين الجمال، ودين الفسحة، وديننا دين النظافة، وديننا دين التفكر، لكن نحن ضد التبعية العمياء، أناس مرضى، لا يدري أحدهم لماذا جاء لهذه الحياة؟ وهو يعاني من الألم النفسي ومن التمزق الداخلي، وأكثرهم ينتحر لأنه لا يعرف لهذه الحياة قيمة ولا معنى، لكن وجد الناس يشهرون به ويمدحونه لأنه سريالي، أو فرويدي، وهو إنما يأتي بهذه الأحلام من الفراغ .
فنقول: إن كان هذا الفن عن الأصالة، وتعبير عن أمور حقيقية أو جيدة أو يخدم هدفاً أدبياً فنياً سامياً فمرحباً به، وأنا ما رأيته، ولكن أقول: إن كان كذلك فالحمد لله، وإن كان كما نقرأ عادةً، فيقولون: فنان سعودي سريالي، وفنان سعودي رومانسي وهكذا... إلى آخره فلا يا أخي.
الفنان المسلم يجب أن يكون مسلماً حقاً لا ينتمي إلى أي مدرسة من هذه المدارس، وعليه أن يتقيد في رسمه بالأصالة، وبما جاء عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويرسم الشيء الذي فيه العظة، وما أكثر وما أوسع المجال في ذلك والحمد لله.
الجواب: أنصح نفسي وإخواني بالتوازن في أمورنا جميعا،ً وليس هناك تعارض بين العلم وبين الدعوة، ولا تعارض بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج البيت، وداخل البيت، ولا بين العمل بأمر الله في النفس وبين دعوة الناس إلى العمل به، والحقيقة من أين يأتي التعارض، ومن أين يأتي الخلل؟
يأتي الخلل مني أنا، من تصرف الداعية نفسه، فلو أنني غلبت جانباً على آخر ولم أكن متوازناً في هذه الأمور فإنه سوف يحدث هذا الذي ذكر.
وانظروا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أعبد الناس لربه عز وجل، وأكثر الناس جهاداً، وأكثرهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر خارج البيت، وأعظم الناس قياماً بحق الزوجة هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعظم الناس قياماً في حق أمر المسلمين والرعية التي كان يرعاها هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيجب أن نسعى إلى التوازن وإن كان التوازن صعباً، لكن علينا أن نسعى إليه، وأن نجاهد أنفسنا فيه، لعل الله أن يحقق لنا ذلك.
ونقول: إن الإنسان يجب أن يقدم الأفضل على الفاضل، والفاضل على المفضول، لأن الإنسان قد يقرأ القرآن لوحده، لكن إذا ذهب إلى حلقة في المركز فيها تجويد وتفسير، فأيهما أفضل: قرآتي وحدي -وقد أغفل- بغير تجويد وبغير تفسير أم تلك التي في الحلقة؟
لا، تلك التي في المركز أفضل... وهكذا.
وأيهما أفضل: أن أجلس وأسبح الله وأذكر الله -وهذا شيء عظيم ولا شك فيه- أم أن أنكر منكراً أمامي؟
في الحقيقة إنكار المنكر أفضل لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيراً لك من حمر النعم) أي: من أعظم ما في هذه الدنيا من المتاع.
أحياناً يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أفضل عمل، وأفضل حتى من الذكر وهكذا، فيجب أن يكون عندك من الفقه ما توازن به بين هذه الأمور وتقدم الأفضل ثم الفاضل ثم المفضول.
الجواب: تقليد الغرب هو عرض وليس هو أصل المرض، ولكن هو عرض من أعراض المرض، وأصل المرض هو أننا لم نعبد الله ولم نؤمن به ونوحده كما أمر، ولهذا تحقق ما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه } وكما في الرواية الأخرى: (لو أن أحدهم أتى امرأته على قارعة الطريق لفعلتم) حتى عندما صنعوا أفلاماً جنسية صنع المسلمون أفلاماً جنسية -نسأل الله العفو والعافية- وهذه مصيبة عظيمة إذا وقعت في المسلمين، ولذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي أشرنا إليه من قبل: { من تشبه بقوم فهو منهم } فمن تشبه بالكفار بعقائدهم وأحوالهم أصبح منهم، ومن تشبه بالأخيار فهو أيضاً منهم، فهذه المصيبة الكبرى التي هي عرض من أعراض المرض الأساسي.
أما بالنسبة لقول الأخ: هل نحن مؤاخذون؟
نعم؛ نحن مؤاخذون إن لم ندعُ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا الغزو الفكري وهذا الانبهار بحضارة الغرب وعاداته لا يمكن أن يقاوم إلا بعمل وبجهد إيماني قوي ومتواصل، وعلى جميع الجبهات، وعلى جميع المستويات، لأنه مُكثف ومُركَّز، ويستخدم كل الوسائل والطرق، ولا يمكن أن يقاوم بجهود محدودة أو معدودة أبداً، بل المدرسة تنظر إلى الطلاب وإلى حالهم، ونحارب هذا التقليد في البيت، وكذلك الدعاة أئمة المساجد، وكل إنسان كما قال الأخ: يحزن عندما يرى هذا، وهذا الحزن يجب أن يتحول إلى دعوة، بل إلى دعاء أيضاً.
ومن الدعوة: الدعاء وهو أن ندعو الله أن يهديهم، وهذه قضية قد ننساها.
أقول: قد دعوت ونصحت وما استجاب لي، لكن هل دعوت الله بيني وبين ربي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا الإنسان لا يعلم، اللهم اهدي فلاناً، لماذا لا ندعو الله؟ وخاصة بعض الناس لو هداهم الله لاهتدى على أيديهم كثير، ولسد باب من أبواب الشر على الدعوة، وعلى الإيمان، فندعو الله أن يهديهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونبذل الجهود لهدايتهم، وهذا التقليد وغيره هو مما يجب أن نعالجه، وهذا هو شأننا، وهذا هو طريقنا وسبيلنا كما أمر الله، أن ندعو إليه على بصيرة، وأن نحارب هذه الظواهر السيئة الشاذة بجميع أنواعها.
الجواب: أولاً: الصحوة الإسلامية ليست نشازاً ولا شذوذاً، بل الصحوة الإسلامية هي توبة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أمة كانت ضالة شاردة بعيدة عن أمر الله، ثم اهتدت إلى طريق الله وإلى كتابه وإلى سنة رسوله، فما الشذوذ وما الغرابة من هذه الصحوة؟ والصحوة الإسلامية في بلادنا هذه بالذات، لماذا هي أكبر صحوة، ولماذا شبابها -والحمد لله- أكثر الشباب استقامة؟
لأن الصحوة عواملها عندنا ذاتية والحمد لله؛ فمناهجنا مستقيمة.
انظر إلى التوحيد والفقه والحديث في الابتدائي والمتوسط والثانوي، وهناك ثقافة إسلامية في الجامعة، أيضاً توجد الكليات الشرعية، فهذه المناهج -والحمد لله- سليمة، ونقول: إن هذا الكلام هو بحكم الغالب، ولا نعني أنه ليس فيه ملاحظات، لكن المقصود أنها إذا كانت مناهجنا من كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا نستغرب أن يكون الطلاب على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولكن نستغرب من الشاب الذي يقرأ التوحيد والحديث والفقه بجميع مراحله الدراسية، ثم يكون منحرفاً فاسقاً في المقاهي ودور المخدرات، فمن أين جاء الشذوذ؟!
جاء الشذوذ ممن شذ عن المنهج الذي درسه، وأيضاً شذ عن تعليم الآباء والأجداد، كل الأباء يدعون الله أن يصلح أبناءهم.
إذاً لماذا عندما صلح ابنك تقول: فيه وفيه، فأنت فيما مضى دعوت الله أن يصلحه، وقد أصلحه الله، فهل يصلحه على ما في خاطرك أنت، أنه يصلي فقط ويعمر الدنيا للدنيا؟
لا يا أخي! أصلحه الله كما يريده الله، وتوجيهاتك ونصائحك ودعاءك له من أسباب صلاحه، فأين الشذوذ في صلاحه واهتدائه؟ لا شذوذ أبداً، وعلماؤنا -والحمد لله- هم الذين يقودون الصحوة الإسلامية ويرشدونها، وترون دائماً أن الناس أحب شيء إليهم لو جاء الشيخ عبد العزيز بن باز وأعظم فرحة تزف إليهم لو قيل: إن الشيخ عبد العزيز بن باز سيأتي يوم كذا ليحاضر في مكان كذا، فيأتي الناس من كل المناطق، لماذا؟
لأن الصحوة الإسلامية يقودها ويوجهها العلماء، فهل علماؤنا فيهم شذوذ، لا شذوذ -والحمد لله- بل هم على الكتاب والسنة. إذاً من أين يأتي الشذوذ؟
من الذين يتهمون الشباب، ويتهمون الصحوة الإسلامية .
فنحن توحدنا على توحيد الله، وما قامت هذه البلاد ولا تأسست هذه المملكة إلا نتيجة ثمرة من ثمرات التوحيد للإمام المجدد الداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- فدولة قامت على التوحيد، ودعوة قامت على التوحيد، وبلاد توحدت على التوحيد وعلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أين الشذوذ فيها؟!
بل الشاذ هو في من يخالف سبيل الصحوة الإسلامية، في من يقلد الغرب أو الشرق، أو يستورد ملاهيهم، وما يبعدنا عن ديننا وعن توحيد ربنا عز وجل، هذا هو الشاذ وإن كثر، وذاك هو الأصل وإن قل .
إذاً لماذا الاستنكار والاستغراب على هذه الصحوة؟
أما قولهم: إنه لا أحد يدخل الجنة بعمله بل برحمته سبحانه؟ فنعم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته} وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] وقوله: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] ويقول: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، وفي الحديث: {لن يدخل أحد بعمله} والجاهل قد يتصور أن هناك تعارضاً، لكن من يعرف كلام الله ولغة العرب فلا تعارض لديه، فقوله: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] الباء هنا سببية، فبسبب العمل الصالح تدخل الجنة أو قد تدخل النار -عافنا الله وإياكم من النار- وبسبب العمل الصالح وبتوحيدهم وبإيمانهم، أي: بسبب إيمانهم وبتوحيدهم أدخلوا الجنة، وما يقوله بعض الناس حق إن كانت الباء هنا للعوض، أي: لا يدخل الجنة أحد بعمله، أي: عوضاً عن عمله وهذا صحيح، فلن يدخل أحد الجنة عوضاً عن عمله، لأن ما أنعم الله به علينا من النعم لا يوازي ما نعبد الله تعالى به من العبادة، ولا يوازي نعمة بسيطة من الله، فهو الذي أعطانا العلم، وأعطانا الهداية، وأعطانا الجسم، وأعطانا القوة، وأعطانا الغذاء والعافية، فنعبده بأمر بسيط مما أعطانا، ونريد عوضاً عن ذلك الجنة، لا يا أخي! هو الذي أعطاك أصلاً، وهو الذي هداك، فإذا قلنا: إن الباء للعوض لا، لا أحد يدخل الجنة بعمله، أي: عوضاً عن عمله، ولكن رحمة من الله أنه جعل العمل سبباً لدخول الجنة.
إذاً هناك فرق بين هذه الباء وتلك الباء، والعوام لا يفهمون الفرق بين باء العوض وباء السببية، لكن نحاول نحن أن نفهمهم ونوضحها لهم بطريقتنا إن شاء الله، وكل واحد منا يعلمها لهم بأسلوبه الذي يمكن أن يفهموا به المقصود.
الجواب: الحقيقة أن الواجب على الجميع أن يهتموا بديننا، ونحن -والحمد لله- من الناحية الرسمية أهم شيء عندنا هي مواد التربية الإسلامية، فهي أول ما يكتب في الشهادة وأول ما يذكر، وهي المواد التي تُسمى مواد أساسية، بحيث إن الرسوب فيها والنجاح لا بد أن يتجاوز الـ(50%) أو أكثر، فمن الناحية الرسمية الأمر لا اعتراض عليه، لكن من الناحية التطبيقية بعض الإخوة مديري المدارس قد يخطئ فننصحهم، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرشدنا وإياهم إلى أن يلتزموا أولاً بأمر الله في تعظيم ما عظم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وهو أمر هذا الدين.
ثم أيضاً: الالتزام بالمنهج العام للتعليم لبلادنا في جميع مستوياته، وهو أن الأساس والاهتمام والتركيز هو لمواد التربية الإسلامية، ثم ما يكملها ويعين عليها وهو اللغة العربية، ثم تأتي بعد ذلك جميع المواد، فيجب علينا أن نعرف هذا وليس هذا نظرياً على ورق بل حقيقةً وتطبيقاً وعملاً، ويجب على المسئولين أن يتابعوهم بذلك، وأن ينبهوهم إليه؛ لأن هذا من باب: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
الجواب: ذكر العلماء -رحمهم الله- في أنواع وألفاظ الكفر -وهذا في القديم قبل عصر الحضارة الغربية- أن يقول رجل: اليهود أفضل من المسلمين؛ لأنهم يعطون أجرة المعلمين قبل المسلمين، حيث كانت رواتب المدرسين ليست مثلما الآن من الوزارات، فكانوا في حلقات مجانية، واليهود دائماً تجار وكانوا يحرصون على تعليم أبنائهم، لأنهم أقلية والمسلمين أكثرية، والأقلية دائماً تحرص وتجتهد أنها تنافس الأكثرية، واليهود يدفعون قبل المسلمين، وكان المسلمون كما هم الآن لا يهمهم تعليم أبنائهم، فكان يقول بعض المعلمين وبعض المؤدبين: اليهود أفضل من المسلمين، ويبين سبب الأفضلية؛ لأنهم يدفعون أجرتهم قبل المسلمين، وقد ذكر العلماء ذلك في كتب الفقه، وأن هذا من الكلمات المكفرة، عافنا الله وإياكم.
فمن أجل دينار أو درهم تجعل اليهود أفضل من المسلمين!
إذاً العقيدة عندك بعد الدينار والدرهم، وأهم شيء عندك الدينار والدرهم، وبعد ذلك الدين أو العقيدة أو الإيمان، وكذلك اليوم إذا قلنا عبارة مشابهة: الكفار أفضل من المسلمين، لماذا؟ قال: لأنهم لا يغشون ولا يكذبون.
أولاً: الكفار يكذبون ويغشون ويسرقون وينهبون لكن على غير طريقتنا، فالكافر لا يأكل مثلنا مائة ألف أو عشرة آلف رشوة، لكن الكافر يأخذ المشروع الذي يمكن تنفيذه بمليون ريال وينفذه بمائة مليون أو بخمسين مليون، فهذا ليس غشاً في ظاهر الحال، فهو عقد وقَّعناه معه، لكنه في الحقيقة غش مدروس، غش الأذكياء والمتحضرين لا غش المتأخرين والرجعيين، فمن قال: إن الكفار لا يغشون فقد أخطأ.
وأضرب لكم مثلاً: المياه الإقليمية، جميع دول العالم اثني عشرة كيلو متر والولايات المتحدة مائتين كيلو متر لماذا؟ أليس في هذا غش؟
إذا سقطت طائرة فيها خمسمائة راكب، قالوا: أنقذوا منهم الأمريكيين وإن اختطفوهم وسلموا أجروا المقابلة مع الأمريكي فقط، وهذه الشعوب أليست بشراً؟ فهم يغشون بل أكبر غش، وعندهم أكبر عنصرية في كل أمورهم.
وقد تقع مشكلة في أبعد بلدان العالم، وتكون فتنة داخلية قامت، وإذا بالكفار يتدخلون فيها ويعطون هذا السلاح، وهذا يدعمونه لهدم هذا البلد، ولتأجيج الفتنة ولينفذوا مخطاطتهم.
فالكفار لا يأكلون فرداً ولكن يأكلون شعباً بأكمله، فالكفار يتسببون في أن شعباً من الشعوب ينكب نكبة عظيمة في كل موارده وخيراته، فإذا نكب أرسلت عندهم الجمعيات الخيرية لجنة للإغاثة والإنقاذ، لكن من الذي نكبه في الأصل؟ هم، فيأتي ويقول: يا أخي، هم يبعثون فرق إغاثة وإسعاف مجانية، وهؤلاء الكفار أمرهم عجيب، هذا إذا لم تستخدم هذه الفرق في التبشير وإخراج أولئك عن دينهم.
فنحن نغفل عن أشياء كبيرة، الواحد منا الآن إذا كان في صندوق فإنه يحسب نفسه محبوساً، لكن إذا كبرنا الصندوق -مثلاً- أصبح مائة متر مربع فإنه يرى نفسه لم يحبس، فالكفار عرفوا كيف يمددون صندوقهم فيستوعب العالم كله في أيديهم، والعالم يقول: إنه حر، وأنه يتنفس كما يشاء، وهو لا يخرج أبداً عما يخططون ويريدون.
إذاً: لا يجوز أبداً تزكية الكفار، لأن الواقع يكذب ذلك، ولأن ما أخبر الله به عنهم هو كذلك، إلا كأفراد إن وجد منهم فرد لم يغشك، فتقول: هذا الكافر تعاملت معه ولم يغشنِ في كذا، لكن أن تقول: إنه أفضل من المسلمين فلا يجوز هذا، وتفضيل الكافر على المسلم هو من ألفاظ الكفر -والعياذ بالله- ولو أنك قلت لمسلم: أنت مسلم والغش لا يجوز، وكيف تغشني وهذا الكافر لم يغشني؟ تريد أن تزجره وتبين له لكان أفضل، ولكان كلامك صحيحاً؛ لأنك تقول: أنت يا مسلم! كيف تغشني، والكافر الذي لا خير فيه لم يغشني؟ أما أن تقول: إنه خير من المسلم فلا، فإنه لا خير فيهم أبداً، فإن الكفار يريدون ألَّا يبقى لنا مال ولا جاه ولا أخلاق ولا حتى صحة، ولا شيء إلا نهبوه، لكن بطرقهم وبأساليبهم.
فيجب علينا أن نجعل ولاءنا لله ولرسوله وللمؤمنين، ونخلص في عداوتنا ونمحضها للكافرين أياً كان دينهم.
الجواب: الحمد لله أنك تصلي في المسجد، وحريص على الصلاة في المسجد، لكن يجب عليك أن تستكمل الإيمان، ولا صعوبة في الاستيقاظ لصلاة الفجر عن طريق الساعة المنبهة، وهي موجودة في كل مكان.
وأضرب لكم مثالاً: إذا كان شخص منا على موعد مهم في دنياه أقل ما فيه إذا كانت الرحلة -مثلاً- ستقلع الساعة أربع ونصف ليلاً تجدنا نسهر طول الليل ولا ننام، وإذا قلت له: يا أخي! لماذا لا تنام وأنا أوقظك؟ قال: لا أطمئن، وأخاف أن تفوت الرحلة .
وهذه صلاتك أعظم من كل رحلة، هذه الصلاة غالية، اذهب إلى أي شاب مسلم مستقيم، ولا أقول الكبار لأنهم أحرص على الدنيا لكن الصغار، وقل له: لا تصلي الظهر اليوم وأعطيك عشرة ملايين؟ أو عشرين مليون واترك صلاة الظهر، فماذا سيكون الرد؟ والله لا يقبل أحد منكم هذا.
إذاً الصلاة غالية جداً، لكن إذا اجتهدت ونمت مبكراً وأخذت بالأسباب ولم تستيقظ فإن الله يعفو عنك، وهذه نعمة من الله ورحمة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لا يؤاخذنا إلا بما فرطنا، والتفريط يكون إذا لم نأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى أداء حق الله وعبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وأوصي نفسي وإخواني جميعاً بأن نجتهد في هذا الأمر الذي يبدو أنه قد يكون عسيراً وعظيماً، ولكنه يسير على من يسره الله: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
الجواب: الحقيقة أن صلاة الجماعة من أعظم شعائر الإسلام التي إذا تركناها تركنا سنة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ولم يعهد ولم يعرف في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد ترك صلاة الجماعة إلا المنافقين كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله: [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق] ولهذا جاء في الحديث الشريف الوعيد الشديد، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لولا ما في البيوت من الذرية لهممت بأن آمر بالصلاة فتقام، وآمر رجلاً فيؤم الناس، فأخالف إلى أقوام فأحرق عليهم بيوتهم).
وهل تظنون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرق البيت ويحرق من فيه، ويستحق من فيه الحرق، وإتلاف أو تعريض منزله للإتلاف على أمر هين؟ لا، وليس هو إلا على أمر عظيم، ويظن بعض الناس -مع الأسف الشديد- أن العلماء كما يقولون: إن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبعة وعشرين درجة، يظن أن العلماء كلامهم متعلق بالتفضيل، فإذا كان لا يريد إلا درجة فإنه يصلي الفرض في البيت، وهذا غير صحيح، ولا بد أن نعلم أن العلماء -رحمهم الله- اختلفوا هل تصح الصلاة في البيت؟ أي: هل تصح الصلاة في البيت مع إمكان أن تصلى جماعة أو لا تصح، لماذا؟ لأنه لم يرد ولم يثبت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً أن مؤمناً غير معذور صلى في بيته، بل لا يصلي غير معذور في بيته إلا المنافق الذي حبط عمله -والعياذ بالله- فبعض العلماء يرى أنها لا تصح، وأن الجماعة شرط في صحتها، والبعض يرى أن الجماعة سنة مؤكدة، وأنها ليست شرطاً في صحة الصلاة، إذاً الأمر عظيم.
ونجيب على القول الآخر الذي يقول: إنها سنة مؤكدة بأنه هل أحد من الناس في دنيانا الحقيرة التافهة يرضى أن يعمل عند شخص بريال، وهو يستطيع أن يعمل عند جاره بسبعة وعشرين ريالاً؟ ولو كانت ستة وعشرين، ولو كانت خمسة وعشرين، أو أربعة وعشرين، فإنه يقول: أنا مظلوم، وإذا قال له صاحب المحل: علاوتك ناقصة عشرة ريال، فإنه يقول: لماذا وأنا أستحقها؟ وكيف تنقص علي حتى ريالاً أو ريالين؟
فنجعل هذا ميزاناً للتفاضل، فلماذا في دنيانا نضبط المعايير والمقاييس والموازين ونتفحص؟ وكما يقول بعض الإخوة: إنك لا تعطي صاحب دكان خسمائة ريال إلا ويضعها على السراج ويفركها، ويتأكد منها قبل أن يصرفها لك، فهو يتأكد من الدنيا، ولا يقبل الغش فيها، لكن ديننا أعظم وأهم، فكيف لا نهتم بالغش الذي في قلوبنا.
فعلينا أن ننصح هذه القلوب لله ولطاعة الله ولعبادته، ولا بد أن تنصح للمسلمين فتحبهم وتحب لهم الخير كائناً من كانوا، وتنصح لنفسك أولاً بأن تنجوا من عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتكون نفسك صادقة في إيمانها ناصحة فيه.
فأذكر نفسي وإخواني جميعاً بأهمية هذه الشعيرة العظمى، وتعلمون أن الاجتماع أمر عظيم من أمور هذا الدين، وتعلمون أن صلاة الجمعة يجب أن تقام في جميع بلاد المسلمين، في مسجد واحد من مدينة المسلمين، وكان هذا هو الحال مهما كبرت المدينة إلى قرب نهاية القرن الثالث، وبغداد على كبرها وقد كانت أكبر مدن العالم وفيها ملايين السكان، ومع ذلك تقام جمعة واحدة، ومكة جمعة واحدة، والقاهرة جمعة واحدة، وهذا هو الأصل أن يكون لأهل البلد جمعة واحدة لا جمعتين؛ لأن ديننا يقوم على الاجتماع وعلى تكثير المسلمين، وعلى إرهاب عدوهم وعلى إغاظته والفاجر والمنافق إذا رأى الأمة كلها ملئت هذا البر كله وكلهم يصلون الجمعة، وهو متخلف فإنه يأتيه الوازع من نفسه وقد يدفعه ذلك إلأى أن يهتدي -بإذن الله- فالاجتماع وتكثير المسلمين في أمور الخير وفي شعائر الله يجب أن نحرص عليه في أنفسنا، وأن ندعو أيضاً المسلمين إليه.
الجواب: مما أوصى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرض موته، ولا شك أن هذا دليل على أهميته، أنه قال: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لا يجتمع فيها دينان} فهذه الجزيرة -جزيرة العرب- لا يجتمع فيها دينان، وقد صدرت الفتاوى والتوجيهات، وتتوالى من اللجنة الدائمة للإفتاء ومن علمائنا -والحمد لله- مما يوجب تطبيق هذا الحديث، وتنفيذه على الجميع، وهو أنه لا يجوز للمسلم أن يستقدم العمال الكفرة من أي بلد، وأن لا يوليهم، ولا يأمنهم، وكيف نؤمنهم وقد خونهم الله؟! وكيف نعزهم وقد أذلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
وكيف نأتي بالكافر ونعطيه من الأموال، وربما كان سائقاً أو خادماً أو خادمة فيطلع على الأعراض، وأخذ الأموال، وربما نهب العرض، وقتل النفس؟ وكم فُعل ذلك، لكن لا نعتبر من تلك الأحداث، بل نعصِ الله تعالى، ولا أحد يعصي الله إلا ويذوق جزاء معصيته لله تعالى.
فإن كانوا كفاراً لا يجوز أن يُستقدموا، بل يجب أن يرحلوا فوراً إلا في الأمور الاختصاصية الدقيقة، ولاسيما ما كان من الشئون العامة من أمر يتعلق بالحكومة، أو بولي الأمر ويرون أن هذا اختصاص لا بد منه، أما مشاريعنا وأعمالنا العادية فما الاختصاص الذي لا يجيده إلا كافر؟ ليس عندنا أبداً شيء من هذا.
ثم إن الخادمات والسائقين لهم مصيبة أخرى: وهي ما يحدث من الاختلاط، وما يحدث من انتهاك الأعراض، ومن الدمار الخلقي والاجتماعي وما أكثر ما وقع من ذلك، ولكن من الذي يعتبر، وأقل ما فيه أن الخلوة موجودة، حتى لو كانت مسلمة كبيرة في السن ومتمسكة بالدين، لكن الخلوة موجودة ولا محرم لها، ولا نعني أننا نأتي لهما بمحرم ونفرد لهما مكاناً مستقلاً، لكن نقول للذي يستقدم خادمة أو سائقاً -ولو كان كبيراً-: الخلوة حرام.
يقول سعيد بن المسيب رحمة الله عليه إمام التابعين وهو من الإيمان والتقوى يقول: [[لو استأمنت على خزائن الدنيا جميعاً لأمنت نفسي عليها، ولا آمنها على جارية أو على عجوز شوهاء بنت ثمانين سنة]] لا أستأمن نفسي على المرأة، لأن هذه رغبة جنسية، وهذا الدافع لا يمكن للإنسان -أحياناً- أن يحول وأن يقف دونه أبداً، فقد يأمن الإنسان نفسه أن لا يغش ولا يكذب ولا يخون أو كذا، لكن لا أحد يأمن نفسه أن يقع في الزنا، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما خلا رجل بامرأة -رجل مطلق، لأن (رجل) نكرة- إلا كان الشيطان ثالثهما} ولا يقول أحد: أنا قلبي نظيف، فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك في صيغة العموم، وقال للصحابة: {على رسلكما إنها
والحمد لله، نحن لا نحتاج إلى الخادمات، حتى لو أن الأسرة تساعدت فيما بينها فلا يوجد حرج، فعندما يكون الناس في الدوام أو في المدارس، تنفع أهلك ثم تذهب.
وأيضاً: أين البنات وأين القريبات؟ فإذا قال شخص: إن زوجته أو أمه مريضة أو عنده ولادة، فهل لا بد من خادمة؟ ونحن نجد أنه إذا ولدت امرأة فإنهم يأتون لها من أطراف القرية، وهذا معروف، فهذه تأتي بالثيران والبقر، وهذه تأتي بالأكل، وهذه تطبخ، وهذه تكنس البيت.
سبحان الله!! كل يوم يمرون عليها ويتعاونون فيما بينهم، وهذه عادات طيبة وصلة رحم، أما الآن فإنها تريد أن تجلس أمام التلفاز ولا تعلم شيئاً عن عمتها أو خالتها، ويقولون: احضر خادمة، سبحان الله!! تركنا صلة الرحم وتركنا العادات الطيبة ونريد أن نعصي الله.
الجواب: هذه بدعة منكرة ولا يجوز أن تقر من أهل العلم والدعوة والصلاح، فحسبنا أن نعلم أن: {كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار} وأن: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} ويترتب على ذلك من محظورات شرعية منها:
1- تكليف أهل الميت مالا يطيقون مع أنه يجب أن نواسيهم وأن نعزيهم .
2- ومنها أن ينفق على هذه الولائم من تركة الميت وهذا حرام، وقد نهانا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن ذلك: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل [البقرة:188]، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه} فهذا المال من التركة هو من حق الورثة، وقد يكونون أيتاماً أو عجائز ضعفاء، والبعض يأخذ من التركة وينفق على الذين يأتون من أطراف الدنيا، لا يجوز ذلك، بل يكتفى -كما كان الحال أولاً- بشيء من القهوة أو الشاي من الأمور العادية التي لا مشقة فيها بالنسبة للمستقبلين، بل ينبغي أن يعلم أن السنة أن يصنع طعام لأهل الميت كما في الحديث: {اصنعوا لآل
الجواب: نعم؛ كل شيء بقدر الله، فإن أصيب العبد بمصيبة، وقال: هذا بقدر الله، أي: يجب عليّ أن أصبر وأن أحتسب وألَّا أقنط فهذا حق، وهذا الذي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به عباده الصالحين حتى يؤمنوا بالله، وهو أن يؤمنوا بالقدر خيره وشره من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23] لأن كل ذلك في كتاب عند الله.
أما إذا كان الإنسان يفعل المعصية ويُصر عليها، ويقول: كل هذا بقدر الله، فهذا لا يقولها من باب الإيمان بالقدر، بل يقولها من باب الاحتجاج بالقدر، وهناك فرق بين الإيمان بالقدر وبين الاحتجاج بالقدر، فهذا لا يقول: آمنا بالله بل كما قال المشركون: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:148] وهذا صحيح، فلو شاء الله ما أشركوا، والله قال في نفس الآيات بعد ذلك: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] لكن: فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149] لماذا؟ لأن كل شيء بمشيئة الله، لكن ما قالها الكفار بناءً على حزن وعلى ندم، فلو أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه عندما تأخر عن الإسلام، قال: لو شاء الله لآمنت أول ما يأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، فإننا نقول: هذا صحيح، لماذا؟ لأنه يعزي نفسه على تأخر إسلامه رضي الله عنه.
أما من يقول: لو شاء الله أسلمت، وهو مشرك ومصر على الشرك، ويحتج بالقدر ويعبد الصنم، ويقول: لو شاء الله ما أشركت، فهذا كإبليس: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39] الإنسان المسلم لا يقول: ما دام الله أغواني فسوف أستمر، وما دام الله لم يرد أن أصلي فسوف أستمر ولا أصلي! فإنه يكون بهذا من القدرية الإبليسية أو القدرية المشركية الذين يحتجون بالقدر، إما على الاستمرار في المعصية، كما فعل إبليس وكما قال قائلهم: ما دام أن الله لم يهدني فسوف أستمر في ترك الصلاة، وهذه هي القدرية الإبليسية .
وأما القدرية المشركية فهم الذين يحتجون بقدر الله على أمر الله، ويعارضون قدر الله بأمره، ولهذا قال عز وجل بعد هذه الآيتين في سورة النحل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36].
إذاً من هدى الله هداه توفيقاً منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن ضل وحقت عليه الضلالة فهذا جزاء كفره، ولو أنه تعالى يُقر الشرك ما بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى التوحيد، ولو أنه يقر ترك الصلاة ما أمرنا وشرع لنا أن نصلي وهكذا.
فلا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعايب والذنوب، وإنما يحتج بالقدر على النكبات والمصائب: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].
فإذا قيل لشخص : لماذا مات ولدك؟ قال: الحمد لله، هذا قدر الله، وهذا أمر الله، فإن هذا حق، أما إذا قيل لشخص: لماذا لا تصلي؟
قال: هذا قدر الله، وهذا أمر الله، نقول: كذبت، إن الله تعالى أمرك أن تصلي، وصحيح أن هذا بقدر، لكن لو صليت لكان هذا -أيضاً- بقدر الله.
فنسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين بالله وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر