وهناك من أساء فهم العبادة فأحدث ما أحدث -والعياذ بالله- وأخرجها عن شروطها التي وردت عن محمد صلى الله عليه وسلم، وعن مقتضاها الشرعي في الشريعة الإسلامية.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سداً، وإنما خلقتم لمهمة عظيمة، وغاية جسيمة شريفة، ألا وهي تحقيق العبودية الحقة لله وحده، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وبعبادة الله وحده لا شريك له أمر الناس كلهم، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وقال عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23].
إخوة العقيدة: إن عبادة الله هي أوجب الواجبات، وآكد الحقوق، فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، كما صح في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كما إنها وسام العز والشرف في الدنيا والآخرة، وقد وصف الله بها أكرم خلقه وصفوتهم من الملائكة والرسل عليهم الصلاة والسلام، كما وصف بها خاتمهم وأشرفهم محمداً صلى الله عليه وسلم في أكمل أحواله وأشرف مقاماته، فهنيئاً لمن اتصف بها حقاً، مشاركة خير خلق الله في هذه المنزلة العظيمة والمكانة السامية.
وهل عبده حق عبادته من زاد في دين الله، وأحدث في شريعته ما لم يأذن به؟
وهل عبده من دنس معاملاته وأخلاقه بالمعاملات المحرمة، فبيعه وشراؤه وسائر معاملاته لا تسلم من الطرق المحرمة، فأكل الربا والتحايل على أكله، وغش المسلمين وظلمهم وخديعتهم ديدنه وطريقته.
أين العبادة في أفعال هؤلاء الذين آثروا الحياة الدنيا وخدعوا بحطامها وشهواتها وهي وبال عليهم وحسرة وندامة يوم القيامة، يوم يقفون أمام جبار السماوات والأرض، ويسألهم عن أموالهم من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها؟ وهل عبد الله حق عبادته من ضيع وقته وأفنى عمره في معصية الله، باللهو واللغو القولي والعملي؟ أين نصيب العبادة في أوقات هؤلاء؟!
أنسوا أن الله سائلهم عن أعمارهم فيما أفنوها؟ وأوقاتهم فيما شغلوها؟ إن هؤلاء وأمثالهم قد تركوا عبادة الله، وأصبحوا عبيداً لأهوائهم وعبيداً لشياطينهم؟ وقد حذرنا الله من عبادة الشيطان والهوى فقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61] وقال: أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23].
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وقوموا بواجب الله عليكم في عبادته، فأنتم تعاهدونه في كل ركعة من ركعاتكم على ذلك حينما تقرءون قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ولكن قل من يتنبه لها ويفهمها ويعمل بمقتضاها، والله المستعان!
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين وحزبك المفلحين، وارزقنا العمل لوجهك الكريم، واجعلنا ممن عبدك حق عبادتك يا كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن العبادة لا تسمى عبادة ولا تنفع صاحبها عند الله إلا إذا توفر فيها شرطان:
أولهما: أن تكون خالصة لله وحده، ليس فيها شرك ولا رياء ولا سمعة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
ثانيهما: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن تكون الأعمال على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، سليمة من شوائب البدع والمحدثات، وقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية مسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
فاتقوا الله عباد الله واعبدوه حق عبادته، وابتغوا بأعمالكم كلها وجه الله، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على من عبد الله حق عبادته، الذي قام في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه، نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل كيدهم في نحورهم يا رب العالمين.
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، وأعداء المسلمين، اللهم عليك بهم عاجلاً غير آجل، اللهم اكفِ المسلمين شرورهم يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق إمامنا لهداك، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم منّ على المسلمين جميعاً في كل مكان، بصلاح قادتهم وعلمائهم ونسائهم وشبابهم يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر