فها نحن مع النداء الثالث من تلك النداءات، وقبل الشروع في دراسة هذا النداء والتعرف إلى ما حواه لنا مما أمرنا به أو نهينا عنه، أو بشرنا به أو حذرنا منه أعيد الإخوان عموماً إلى النداءين السابقين:
النداء الأول - معاشر المستمعين!-: الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب وفريضة متحتمة وعينية على كل مؤمن ومؤمنة. وحكم إساءة الأدب مع رسولنا صلى الله عليه وسلم نقول كلنا: إنها حرام، ومن تعمدها فقد كفر، وهذا الحكم جاء به النداء الأول، وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104]. فالذين يسيئون الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمداً والله لكافرون، ويكفي قوله تعالى: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:151].
وعلمنا أنه لا يحل لنا أن نسيء الأدب مع أي مؤمن أو مؤمنة، ولم يأذن لنا ربنا أبداً في أن نسيء الأدب مع بعضنا بعضاً، فلا تعيير ولا تقبيح ولا هزء ولا سخرية ولا تكبر ولا ترفع عن المؤمنين والمؤمنات، هذا نظام حياتنا أيها المؤمنون!
وأحد الصالحين قال لي: يا شيخ! أنا أبيع وأشتري، فأقول لمن يبيعني: راعني، فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ فقلت له: ما دام يبيع ويشتري وأنت تبيع وتشتري فهو ليس معلماً ولا مربياً، فإن قلت: راعنا وفهم منها أنها بمعنى: خفض لنا في السعر أو القيمة، فلا تستطيع أن تقول: انظرنا؛ لأن ذلك بمعنى: أمهلنا، حتى نعي ونفهم، ولا تعجل علينا، وأما هذه فمراعاة خاصة، وهي أن يخفض لك في ثمن البضاعة فلا حرج، والحمد لله أن فهم هذا المؤمن وطبق، وجاء يسأل، وهذا شأن المؤمنين الصادقين.
واستعن بالصلاة، فإذا خطر ببالك خاطر سوء فقم واطرح بين يدي الله وكبر الله أكبر، وابكِ بين يديه؛ فإنه يعنيك العون الكافي على أن تخرج من فتنتك أو محنتك.
فلازم الصلوات في بيوت الرب تعالى في أوقاتها مع جماعات المؤمنين في بيوت الله، فإن هذا أكبر عون لك في هذه الحياة، واعلم إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]. ومن كان الله معه فلن يستطيع أحد أن يخذله أو يتغلب عليه أو ينتصر عليه، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]. وأما الجزعون القلقون خفاف العقول فإنهم يفشلون في أدنى محنة، ويتمزقون ويتركون الصلاة أيضاً وينطقون بالسوء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]. وإذا كان الله معهم فلا يقوى عليهم أحد.
ويكون الله معنا إن صبرنا، ولم نفشل ولم نتأخر ولم نهرب، بل نثبت في وجه أعدائنا من الإنس والجن، لا من الجن فقط، ومن صبر فالله تعالى معه، ومن كان الله معه فلن يخذل.
[ الآية (172) من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] ] ولنتغنى بهذا النداء الإلهي؛ علنا نحفظه ونفهمه ونعمل بما فيه، فندعى في السماء من عظماء الرجال إذا بلغناه.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! إليكم شرح هذا النداء وبيان ما فيه من الخير والهدى، فهنيئاً لمن حفظه، وهنيئاً لمن فهم معناه، وهنيئاً أكثر لمن عمل به وبلغه سواه، وقد عرفتم أن عظماء الرجال في الملكوت الأعلى هم الذين يتعلمون ويعملون ويعلمون ما علموا وعملوا به، فمن تعلم وعمل بما علم وعلمه غيره دعي في السماء عظيماً، وراجع موطأ مالك.
وليس معنى علم أنه أحاط بالعلم، وإنما علم حكماً من أحكام الله، فعمل به وعلمه سواه، فتأهل لهذا الشرف الذي ما فوقه شرف، وهو أن يدعى في السماء في الملكوت الأعلى بين ملائكة الله بالعظيم.
وأولياء الله ليس سيدي عبد القادر ! ولا سيدي البدوي ، ولا الشيخ العيدروس، ولا فلان، ووارحماه! فأمة القرآن أصبحت لا ترى الأولياء إلا الذين ماتوا ودفنوا، وضربت عليهم القباب، ووضعت على أضرحتهم التوابيت، فهؤلاء هم الأولياء عندنا، وهذا فعل الثالوث الأسود المتعاون من المجوس واليهود والنصارى، ومنذ قرابة خمسمائة أو ستمائة سنة والمسلمون لا يعرفون لله ولياً إلا من مات وبنيت عليه القبة، ووضع له التابوت والشموع، وذبحت له الذبائح، وحلف به، ونذر له، وعكف حول قبره، وزاروه من المدينة إلى بغداد أيضاً مسافة ألفين كيلو، هؤلاء هم الأولياء، وهذا الأمر واضح وضوح الشمس.
وسر هذا الانتكاس في نفي ولاية الله عن الأحياء وحصرها في الموتى حتى يستبيح المسلمون الزنا والسرقة والسب والشتم، وسفك الدماء، وقل ما شئت من الفظائع والفضايح فيما بينهم، فأصبح المؤمن ولي الله يزني بامرأة أخيه المؤمن، وأصبح المؤمنون يزنون بنساء بعضهم البعض، ويسرقون بعضهم بعضاً، ويخلفون وعود بعضهم البعض، ويغشون بعضهم البعض، يقتلون بعضهم البعض، ويكذبون على بعضهم البعض، ويضربون بعضهم البعض، ويفعلون العجائب، وهذا والله كما سمعتم، وبقوا على هذا قروناً؛ لأنهم قالوا: هؤلاء ليسوا أولياء الله أبداً، ولو كانوا يعتقدون أن أحدهم ولي لله كـعبد القادر لما لمسوه بأيديهم.
والبرهان على هذا: لو تنزل بمطار القاهرة أو دمشق أو بغداد أو مراكش أو كراشي أو اسطنبول فقل لأول من تلتقي به من أهل البلاد: السلام عليكم، أخي أنا غريب الدار، جئت لهذه الديار، فمن فضلك دلني على ولي من أولياء الله فيها، فوالله لن يأخذ بيدك إلا إلى ضريح سيدي فلان، ولا يفهم أبداً أن دمشق أو القاهرة فيها ولي حي، وأما أهل البلاد الأحياء الملايين فكلهم أعداء الله، وليس فيهم ولي أبداً.
وعندي قضية من شواهد الحياة: كنا جالسين في مجلس في قرية فقالوا: فلان إذا زنى وأصبح عليه جنابة من الزنا لم يمر بالطريق الفلاني؛ لأن فيه سيدي فلان الولي. واضحكوا، فهو يفجر بامرأة أخيه المؤمن في قريته ولا يخاف الله ولا يخشاه، ويخاف أن يمر وهو جنب بضريح سيدي فلان! ونحن نعيش على تلك الحال كما هي إلا من رحم الله.
وهذا الحطاب في حاشيته على خليل يقول: من ادعى الولاية وقال: أنا ولي الله يخشى أن يموت على سوء الخاتمة. إذاً: فلنقل: كلنا أعداء الله، حتى يأكل بعضنا بعضاً، وهذا ليس علماً.
ولو قال قائل: سم لنا يا شيخ! أولياء الله، وبينهم لنا، وهل نحن منهم؟ فإننا نقرأ عليه فقط كلام ربي، إذ قال تعالى: [ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64] ] وهذه آية من سورة يونس عليه السلام. فأولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، أي: يتقون غضب الله وسخطه، فلم يرتكبوا كبائر من كبائر الإثم والذنوب، بل هم أولياء الله [ لذا يجب على المؤمنين ] والمؤمنات [ إذا سمعوا نداء الله لهم أن يصغوا ويسمعوا؛ لأنه ناداهم ليأمرهم أو ينهاهم، فإذا فعلوا المأمور وتركوا المنهي إيماناً واحتساباً تحققت لهم ولاية الله، وفازوا بذهاب الخوف والحزن في الدنيا والآخرة، وهم في الغرفات آمنون ] ومنغصات الحياة هي الخوف والحزن، فلا سعادة مع الخوف ولا مع الحزن، فالخائف لا يسعد، بل يأكل اللقمة ويرتعد متى تنزل الصاعقة أو يضرب بالرشاش، والحزين المحطم القلب إذا مات أولاده وأهله وبقي في حزن وكرب لا يسعد، ووالله لو تسقيه العسل وتكسوه الحلل لا يسعد إذا كان الحزن يمزقه. فالله جل جلاله وعظم سلطانه نفى عن أوليائه الخوف والحزن في الحياة الدنيا، وفي الثانية في البرزخ، وفي الأخيرة وهي يوم القيامة، ولا نشك في هذا والعياذ بالله، فهو خبر الله تعالى، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. فاجهر بها، وأعلِ صوتك ليسمعها الإنس والجن، فهؤلاء هم أولياء الله، ولو لم نعرف قبورهم، ولا بنينا عليها قباباً ولا أضرحة، فأولياء الله مؤمنون متقون.
وقد أصبحوا أولياء لله ويواليهم الله لأنهم طهروا طابوا، وقد زال الخبث عن نفوسهم، وذهب الدرن والرائحة الكريهة من قلوبهم، فطابوا فأحبهم الله لطيبهم، و( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ). فقد زكوا أنفسهم بالتقوى، أي: لم يتركوا واجباً يزكي النفس، ولم يرتكبوا محرماً يخبث النفس، وعاشوا هكذا حتى الموت، وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فلما زكت نفوسهم وطابت أرواحهم بهذا الإيمان وصالح الأعمال مع البعد عما يلوثها ويخبثها من الشرك والمعاصي أحبهم الله ووالاهم، فهم لذلك أولياء، سواء كانوا بيضاً أو سوداً، كباراً أو صغاراً، ذكوراً أو إناثاً، فقراء أو أغنياء، في عهد نوح وآدم أو في عهد عيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم.
هذا هو سر شرط وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] لولاية الله عز وجل، فهم طول حياتهم يتقون ما يسخط الله تعالى ويغضبه عليهم، أي: لا يتركون فرائض فرضها، ولا يغشون محرمات حرمها؛ لأن الفرائض تزكي نفوسهم، والمحرمات تخبثها، فاعتزلوا ما يخبث النفس، وبقوا على ما يطهرها، فطابت وطهرت وزكت، فأصبحوا بذلك أهلاً لأن يواليهم الله. فافهموا هذا معاشر المستمعين والمتسمعات!
فالسر في أمر الله بقوله: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57] أي: أن الذي لم نرزقكم إياه لا تسرقوه ولا تأكلوه، وكلوا من الطيبات لا من الخبائث وما حرم الله [ فالأمر هنا على هذا دال على الوجوب ] فلو قال: أنا لا آكل فإنه يموت، وهو بهذا لم يعبد الله، فهذا دال على الوجوب إذاً [ إلا أن قوله: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57] يشير إلى أنه لما حرم المشركون على أنفسهم أنواعاً من اللحوم كلحم السائبة و] لحم [ الوصيلة ] من الإبل [ و] لحم [ الحام ] من الجمال [ والبحيرة وأنكر الله تعالى عليهم ذلك ] لأنهم شرعوا لأنفسهم، وحرموا ما لم يحرمه الله من الطعام، فاعتدوا بذلك على منصب الربوبية والإلوهية [ وأمر ] الله تعالى [ المؤمنين بالأكل من الطيبات، وهي كل ما أحله الله تعالى من اللحوم وغيرها ] فكل ما أحله الله من سائر أنواع الأطعمة فهو طيب، وليس بخبيث [ وأمرهم عز وجل بشكره على نعمه التي أنعم بها عليهم من أنواع الطيبات من الرزق الحلال ] فقد أمرنا بالأكل وجوباً حتى لا نموت؛ لأننا إذا متنا لم نعبد الله، وقد خلقنا الله لعبادته، فحرام على أي عبد مؤمن أن يعطل الأكل والشرب أو الهواء حتى يموت؛ لأنه بذلك تتعطل الحياة كلها، وسر الحياة بكاملها أن يعبد الله فيها، فإذا قتل الإنسان نفسه لم يعبد الله.
فاذكر النعمة في قلبك لله، وقل: هذا من نعمة الله .. هذا من فضل الله .. هذا رزق الله في قلبك [ وحمد المنعم ] وهو الله [ عليها ] فاحمده بلسانك قائلاً: الحمد لله [ وصرفها فيما أذن ] الله [ أن تصرف فيه ] فشكر الله على النعمة - معشر المستمعين!- له ثلاث خطوات:
الأولى: أن تعترف بأن الله ولي هذه النعمة، فهو الذي أعطاك هذا الطعام أو هذا الثوب أو هذا الشراب أو هذا المركوب، وهو والله كذلك.
الثانية: ثم ترجم ذلك الاعتراف بلسانك وقل: الحمد لله.
ثالثاً - الخطوة الأخيرة-: الذي أنعم الله به عليك سواء كان دراهم أو دنانير أو كان ما كان فإياك أن تصرفه ضده، وتغضب المنعم بما أنعم به عليك.
وعلى سبيل المثال: الذين يشترون المخدرات والمسكرات بنقود دراهم ودنانير، فهذه الدراهم والدنانير من الله، ولا يجوز لعاقل أن يعطيه كريم مالاً ويشتري به ما يغضبه ويتحداه به، فهذا عقلاً والله لا يجوز، وإن قال: يا شيخ! أنا مبتلى فنقول له: اربط نفسك في المسجد، أو في سارية المسجد حتى تتوب من هذا الألم النفسي، وصاحب جماعة من الصالحين والزمهم ولا تفارقهم، فلا يمر أربعون يوماً إلا وقد نسيت ذلك البلاء، وترفعت عن تلك الدناءة، فاستعن بالصبر والصلاة ولا تنسى، فلهذا لا عذر أبداً لمؤمن أن ينفق مال الله فيما يغضب الله، والذي يغضب الله كل ما حرمه على العبد، فإن فعله غضب عليه، فإذا حرم الله عليك شيئاً أو منعك من هذا الداء أو هذا الخطر أو هذا البلاء فتعمدت وأتيته فإنك لم تؤمن به، وشككت في وجوده.
معاشر المستمعين! احفظوا هذه ولا تنسوها: الشكر لله على النعمة يكون بالآتي:
أولاً: الاعتراف بها لله في القلب.
ثانياً: ترجمتها باللسان بكلمة الحمد لله، فمن أكل أو شرب أو لبس أو ركب أو شفي من مرض وقال: الحمد لله فقد شكر الله. فليفهم السامعون والسامعات هذا.
ثالثاً: صرف النعمة فيما يحب المنعم، وأما أن تصرفها فيما يكره فهذا والله إعلان حرب على المنعم وتحد فضيع له، ومن قال: أنا لا استطيع أن أترك هذه المعصية فنقول له: لقد أرشدك مولاك إلى الصبر والصلاة، فاستعن بالصبر والصلاة تعن، فتقدر على ترك هذه الرذيلة، وتنجو من هذه المشكلة العويصة في نظرك، وأما وأنت لا تستعمل وسائل العون فلن يعينك أحد [ وذلك كنعمة العلم والمال والبدن ] هذه ثلاث نعم [ فشكر نعمة العلم العمل به، وتعليمه للناس، وشكر نعمة المال أن يصرف في طاعة الله لا في معصيته ] تعالى [ وشكر نعمة البدن أن يسخر في عبادة الله، وفعل الصالحات والمسابقة في الخيرات ] فالبدن السليم نعمة، ووالله ما فوقها نعمة في الحقيقة، فهذا البدن وهذه الطاقة البدنية اشكر الله عليها، وسخرها فيما يحبه، وإياك أن تسخرها ضده فيما يكره ويبغض، وإلا فإنك لم تشكره.
ولما أخذنا نهبط من القرن الرابع بقينا نهبط حتى لصقنا بالأرض، فحكمتنا بريطانيا وإيطاليا، وسامونا الخسف، وتركونا منهارين، ليس عندنا إلا الجدل والخصومة والكلام فقط. وفي هذا أقص عليكم قصة الجني:
كان أحد المؤمنين يرقي أخاه في جدة وأخذ الجني يتكلم معه ويجادله، فقال الجني: أنتم هابطون كما قال الشيخ الفلاني في المدينة، والحق ما شهدت به الأعداء.
فلا نبكي، والحمد لله أن جمعنا الله في هذا النور ولله الحمد، ولكن هذا البكاء نستفيد منه، ونثاب عليه.
قال: [ أرأيت - أيها القاري والمستمع!- كيف يحرم أكل الحرام استجابة الدعاء ] فأكل الحرام يمنع من استجابة الدعاء [ ومن لم يستجب الله دعاءه هلك ورب الكعبة، فالحذر الحذر أيها المؤمن! من أكل الحرام وشربه ولباسه والاستمتاع به ] فالزنا استمتاع بالحرام، ولبس خاتم الذهب والثوب الحرير معصية أيضاً ولبس للحرام، وكذلك أكل الميتة أو المسروق وما إلى ذلك [ واكتف بما أحل الله تعالى لك عما حرم عليك، فإنك عبده وتعبده، فكيف يصح إذاً أن تأكل ما حرم عليك، وأنت عبده وعابده، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]. أما من لا يعبد الله تعالى فأكله الحرام وتركه سواء؛ إذ ما بعد الكفر ذنب كما قيل، وهو كذلك ] فالذي ننهاه عن أكل الحرام المؤمن الصادق في إيمانه؛ خشية أن يتلوث قلبه، وتمنع نفسه من الطهر والصفاء، وأما الكافر عابد الشيطان والصنم والهوى فإنه يأكل الحلال والحرام، ولا ينتفع بالحلال ولا بالحرام [ وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر