أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا * لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:51-52].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أنه تقدم في الآيات المباركة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعثن بـعائشة تطلب لهن التوسعة في النفقة، لما رأين نساء المهاجرين والأنصار بعد الفتوحات وكثرة الأموال، ورأين أنفسهن ما زلن يعشن في الضيق، فبعثن عائشة لتقول هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتألم رسول الله لذلك وكرب، واعتزلهن شهراً كاملاً في حجرة أو مشربة، وبعد ذلك أخبره الله تعالى بل أنزل عليه أن يخيرهن بين أن يخترن الله ورسوله والدار الآخرة، أو يخترن الدنيا وما فيها، فإن اخترن الدنيا طلقهن، وليفعلن ما شئن، وإن اخترن الله والدار الآخرة وذلك خير لهن ورضين بذلك الفقر وتلك الحاجة بقين. فهنا فتح الله تعالى لرسوله المجال؛ لأنه يعاني، ولا نستطيع أن نبين ذلك، أو نضرب له مثلاً. وهو رسول الله إلى البشرية كافة، يتلقى معالمه ومعارفه من السماء، وكان ينزل عليه جبريل بالوحي، وكان قيام الليل واجب عليه، والجهاد فريضة عليه.
وهنا أراد الله أن يخفف عنه، فقال له: تُرْجِي [الأحزاب:51]، أي: تؤجل وتؤخر من تشاء من نسائك، والذي كان عليه وهو الفرض أن كل ليلة لزوجة، وكن تسع زوجات، فكان يوزع عليهن تسع ليالٍ، ليلة لـعائشة ، وليلة لـحفصة ، وليلة لفلانة، وهكذا. وكان ملجأ لهذا ومضطراً. وهذا مع ما يعانيه ويقاسيه من شدائد وأهوال، وجهاد وحياة، وغير ذلك. وهذا فيه مشقة عليه، ولا يطيقه ولا يقدر عليه، فخفف الله تعالى عنه رحمة به وإكراماً له ولأمته، فقال له: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] من نسائك التسع. وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]. فإن شئت ليلة عند عائشة ، وبعد ثلاث ليالي تعود إليها لا حرج. و تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] من نسائك التسع المؤمنات الصالحات، اللائي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الدنيا وشهواتها وما فيها من لذائذ. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ [الأحزاب:51]. وكذلك إذا عزلتها هذه الليلة وابتغيتها الليلة الآتية فلا بأس، فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51]، ولا إثم ولا تضييق، ولا معاناة ولا قسوة أبداً؛ رحمة من الله بك. فهذه رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال له: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51].
ثم قال تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51]. وهذا التنظيم الجديد والإذن الإلهي الجديد فيه ما فيه من الخير لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ذَلِكَ أَدْنَى [الأحزاب:51]، أي: أقرب أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51]. فأذن له بجواز ألا يلتزم كل ليلة بأخرى، كما هو واجب كل النساء والرجال، وهذا تخفيفاً عليه ورحمة به، فقال له: أنت مخير في هذه التي تريدها لتبيت عندها. ويكون هذا لهن أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ [الأحزاب:51]. وتفرح ولا تحزن ولا تكرب، وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51]، أي: التسع. وهذا حكم الله وقضاؤه وتدبيره، وكان كذلك. فما تألمت واحدة أبداً، ومع هذا واصل ذلك العدل مع كل امرأة في ليلتها، إلا ليالي أيام المرض استأذن من نسائه أن يمرض في بيت عائشة فقط، ودون هذا بقي على ما كان عليه؛ لكمال خلقه وآدابه ورحمته.
ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [الأحزاب:51] أيها المؤمنين! من حب النساء والشهوة، وما إلى ذلك، وحب المرأة لزوجها، وما تريده منه. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [الأحزاب:51] بنا حَلِيمًا [الأحزاب:51] علينا. وهو سبحانه وتعالى تشريعه كله هدى وخير ورحمة؛ لعلمه ورحمته وحلمه.
وهذه كرامة الله لأولئك المؤمنات الطاهرات، اللائي رضين بهذه القسمة الإلهية. فبعد أن أذن الله لرسوله أن يبيت مع من شاء ويترك من يشاء في بيتها أكرمهن بألا يتزوج بعدهن، ولا يستبدل بهن غيرهن، فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [الأحزاب:52] اللهم إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب:52] من الإماء.
ثم قال تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52]، أي: حفيظاً عليماً مطلعاً على كل شيء، فطبق يا رسولنا! هذا التطبيق.
وهنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: ما مات رسول الله حتى رفع الله عنه هذا الحرج، وأذن له أن يتزوج من شاء. واختلف أهل العلم من أين أخذت هذا؟ فبعضهم قال: من قوله: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]. وقالوا: هذا كآية البقرة التي نسخت، فالمتقدمة نسختها المتأخرة. والذي عليه أهل العلم هو أن هذا الخبر أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة ، وأوحاه الله إليه، ولكنه ما تزوج بعد ذلك ولا بدل ولا غير، وقد رفع الله عنه الحرج وقال له: لا بأس أن تتزوج، وقد أذنا لك؛ رحمة به وكرامة به؛ حتى ما يبقى مضيق عليه كسائر المؤمنين.
وأما المؤمنون فكما علمتم لا يحل للمؤمن أن يتزوج أكثر من أربع نسوة، بل هذا محرم تحريم أبدي. وإذا كان الرسول ملزماً بتسع فأنت ملزم بأربع، والفرق بينك وبين الرسول كما بين السماء والأرض، فالرسول عدله ورحمته وطاقته وقدرته لا يعادلها شيء مما عندنا، ومع ذلك حصره في التسع، فكيف نحن في الأربع؟
وهنا مسألة أخرى في هذا الباب، وهي: أنه يجوز للرجل الفحل إذا كانت زوجته مريضة أو كبرت سنها ولم تعد تصلح لأن يقضي حاجته فيها أن يقول لها: اسمحي لي أن أتزوج، ولك ليلة أو ليلتين في الأسبوع، فإن وافقت وقالت: ما عندي مانع، فتزوج وأعطيني تلك الليلة أو الليلتين، وأسامح في باقي الأسبوع فله ذلك، ولها ذلك، وإن قالت: لا أستطيع، طلقني طلقها.
إذاً: عرفنا أن أزواج الرسول التسع منع الله رسوله أن يطلقهن، أو يتزوج عليهن؛ إكراماً لهن، ثم أذن له في ألا يشدد على نفسه، بل إن شاء بات عند حفصة ، أو بات عند فلان أو فلانة؛ تخفيفاً عليه وهن راضيات وفرحات بذلك. والمؤمن غير الرسول حكمه ألا يزيد على الأربع أبداً.
وبينا بالأمس أنه لو ماتت الرابعة أو طلقها لا يتزوج الخامسة حتى تنتهي العدة، ولابد من هذا؛ حتى ما يجمع بين خمس.
ثم إذا كان أحدنا له زوجة وكانت مريضة أو كبيرة السن، وليس لها رغبة في اللذة والشهوة، وهو مضطر إلى ذلك فله أن يخيرها بين أن ترضى بأن تبقى عنده في البيت، ويأتيها يوماً أو يومين في الأسبوع، ويتزوج أخرى، وإن لم توافق على هذا وطالبت بالطلاق يطلقها. فلو كان الرجل فحلاً مثلك وعنده امرأة مريضة ما سدت حاجته أو كانت عجوزاً كبيرة ما ترغب في الجماع فيخيرها، ويقول لها: فلانة! إن شئت سمحت لي أتزوج، ولك ليلة أو ليلتين في الأسبوع وأنت في بيتك، فإن قالت: نعم فلا حرج؛ لأنها رضيت بهذا، سواء كان عندها أولاد أو لم يكن عندها أولاد، فيتزوج وتبقى هي في بيتها، وإن قالت: ما أستطيع أن تحرمني منك طول الأسبوع فحينئذٍ يطلقها. والطلاق هنا متعين؛ لأنه يخاف على نفسه أن يقع في المنكر والباطل. فافهموا هذه القضية.
قال: [ معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في شأن التيسير على رسول الله صلى الله عليه وسلم ] والتخفيف [ فقد تقدم أنه أحل له النساء، يتزوج من شاء مما ذكر له، وخصه بالواهبة نفسها ] أيضاً [ يتزوجها بدون مهر ولا ولي. وفي هذه الآية الكريمة (51): تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب:51]، الآية، وسع الله تعالى عليه بأن أذن له في أن يعتزل وطء من يشاء، وأن يرجئ من يشاء، وأن يؤوي إليه ويضم من يشاء وأن يطلب من اعتزلها إن شاء، فلا حرج عليه في كل ذلك، ومع هذا فكان يقسم بين نسائه، ويقول: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) ] وهذا في الجماع [ إلا ما كان من سودة رضي الله عنها، فإنها وهبت ليلتها لـعائشة رضي الله عنها ] تبرعاً منها [ هذا ما دل عليه قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51].
وقوله: ذَلِكَ أَدْنَى [الأحزاب:51]، أي: ذلك التخيير لك في شأن نسائك أقرب أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ [الأحزاب:51]، أي: يفرحن بك، وَلا يَحْزَنَّ [الأحزاب:51] عليك، وَيَرْضَينَ [الأحزاب:51] بما تتفضل به عليهن من إيواء ومباشرة.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [الأحزاب:51]، أي: أيها الناس! من الرغبة في المخالطة، وميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض ] فالله يعلم هذا [ وإنما خير الله تعالى رسوله هذا التخيير تيسيراً عليه، وتخفيفاً لما له من مهام لا يطمع فيها عظماء الرجال، ولو كان في القوة والتحمل كالجبال أو الجمال.
وقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [الأحزاب:51]، أي: بخلقه وحاجاتهم، حَلِيمًا [الأحزاب:51] عليهم، لا يعاجل بالعقوبة، ويقبل التوبة ممن تاب.
وقوله تعالى في الآية (52): لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب:52]، أي: لا يحل لك يا رسولنا! النساء بعد هؤلاء التسع اللائي خيرتهن فاخترن الله واخترنك وأنت رسوله واخترن الدار الآخرة، فاعترافاً بمقامهن قصرك الله عليهن بعد الآن، فلا تطلب امرأة أخرى ببدل أو بغير بدل. ومعنى ببدل: أن يطلق منهن واحدة أو أكثر ويتزوج بدلها ] كما بيناه [ وهو معنى قوله تعالى: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [الأحزاب:52].
وقوله: إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب:52]، أي: فلا بأس بأن تتسرى بالجارية تملكها، وقد تسرى بـمارية القبطية التي أهداها له المقوقس ملك مصر مع بغلة بيضاء، تسمى الدلدل، وهي أول بغلة تدخل الحجاز. وقد أنجبت مارية إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي في أيام رضاعه، عليه وعلى والده ] صلى الله عليه وعلى آله [ ألف ألف سلام.
وقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52]، أي: حفيظاً عليماً، فخافوه وراقبوه، ولا تطلبوا رضا غيره برضاه؛ فإنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه، به حياتكم، وإليه مرجعكم بعد مماتكم ].
[ من هداية ] هذه [ الآيات:
أولاً: بيان إكرام الله تعالى لرسوله بالتيسير والتسهيل عليه؛ لكثرة مهامه ] وعظم مهامه التي ينهض بها ويقوم بها ليل نهاراً، فخفف الله عنه، وأذن له أن يدخل على من شاء من نسائه، ويعتزل من شاء من نسائه.
[ ثانياً: ما خير الله فيه رسوله لا يصح لأحد من المسلمين، اللهم إلا أن يقول الرجل للمرأة كبيرة السن أو المريضة: أي فلانة! إني أريد أن أتزوج، أحصن نفسي، وأنت كما تعلمين عاجزة، فإن شئت طلقتك، وإن شئت تنازلت عن ليلتك، فإن اختارت البقاء مع التنازل عن حقها في الفراش فلا بأس بذلك ] فقد خير الله تعالى رسوله من أنه إن شاء بات عند حفصة أو فلانة أو فلانة، ولا يقسم. وهذا لا يحل لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان تحته ثلاث نسوة .. أربع .. امرأتان فلابد أن يجعل لكل واحدة ليلة، ولا يحل أن يفعل كما أذن الله لرسوله، إن شاء عند فلانة، وإن شاء عند فلانة. ونحن دون الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يأذن لنا أن نتزوج اثنين أو ثلاثة أو أربعة ثم نختار واحدة نبيت عندها ثلاثة ليالٍ، وأخرى ما نبيت عندها إلا ليلة واحدة. فهذا القسم حرام، بل يجب كل ليلة عند واحدة. فإن كان عندك امرأتان فالخميس عند خديجة والجمعة عند عائشة، وإن كان عندك ثلاث فالسبت عند فلانة، وهكذا طول العام. فاعرفوا هذا. فنحن لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما خيرنا الله، اللهم إلا إذا كانت الزوجة الواحدة مريضة أو كبيرة السن ما ترغب في الجماع، ففي هذه الحالة أنت مضطر، فتقول لها: إن شئت جعلت لك ليلة، وتنازلت عن الليالي الباقية لامرأتي الجديدة، وإن شئت طلقتك؛ لأني أريد أن أحصن نفسي من الوقوع في الفاحشة. فهذا مأذون فيه.
[ ثالثاً: في تدبير الله لرسوله وزوجاته من الفوائد والمصالح ما لا يقادر قدره.
رابعاً: تقرير مبدأ ما ترك أحد شيئا لله إلا عوضه الله خيراً منه. تجلى هذا في اختيار نساء رسوله الله صلى الله عليه وسلم لله ورسوله والدار الآخرة ] وهذه قاعدة تكررت، فاسمعوا عباد الله!: ما ترك عبد أو أمة إنسان ذكر أو أثنى لله شيئاً -أي: من أجل الله شيء- إلا عوضه الله خيراً منه والله العظيم. وجرب وسترى.
[ خامساً: وجوب مراقبة الله تعالى، وعدم التفكير في الخروج عن طاعته بحال من الأحول ].
وهناك [ تنبيه هام: إذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالزواج بأكثر من أربع كان لحكمٍ عالية، وكيف والمشرع هو الله العليم الحكيم؟ من تلك الحكم العالية ما يلي:
أولاً: اقتضاء التشريع الخاص بالنساء ومنه ما لا يطلع عليه إلا الزوجان. تعدد الزوجات ليروين الأحكام الخاصة بالنساء، ولصحة الرواية وقبولها في الأمة تعدد الطرق، وكثرة الرواة والروايات ] فهذا من حكم تعدد الزوجات.
[ ثانياً: تطلب الدعوة الإسلامية في أيامها الأولى مناصرين لها أقوياء، ولا أفضل من أصهار الرجل الداعي ] فكان الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى أصهار وأقرباء، وإلى من يقف إلى جنبه [ فإنهم بحكم العرف يقفون إلى جنب صهرهم محقاً أو مبطلاً كان ] فلما أذن الله له في أن يتزوج التسع فمعنى هذا: أن كل واحدة لها أقرباء ولها أولياء، وكلهم أصبحوا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه من الحكمة. وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى أن يكون له أمة، فتزوج التسع حتى يصبح له جيشاً كاملاً من أصهاره.
[ ثالثاً: أن المؤمنين لا أحب إليهم من مصاهرة نبي الله ] وهذا صحيح، فأي مؤمن يحب أن يكون صهراً للرسول صلى الله عليه وسلم، ووالله لو كنا وأزواجنا وأولادنا خدماً لرسول الله لكان خيراً لنا. ولو أن الله ما حدد للرسول التسع لكان كل واحد يقول له: يا رسول الله! هذه بنتي أو هذه أختي تزوجها؛ ذلك [ ليظفروا بالدخول عليه في بيته والخلوة به. وما أعزها! فأي المؤمنين من لا يرغب أن تكون أمه أو أخته أو بنته أماً لكل المؤمنين؟ إني والله لا أحب إلي من أن أكون أنا وزوجتي وسائر أولادي خدماً في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ] والله [ فلذا وسع الله على رسوله؛ ليتسع على الأقل للأرامل وربات الشرف؛ حتى لا يدنس شرفهن ] والله أكبر!
[ رابعاً: قد يحتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكافأة بعض من أحسن إليه، ولم يجد ما يكافئه به، ويراه راغباً في مصاهرته ] بأن يتزوج بنته [ فيجيبه لذلك، ومن هذا زواجه بكل من عائشة بنت الصديق ] فهو ما تزوج عائشة إلا إكراماً لـأبي بكر ، فقد أراد أن يرد إليه بعض الخير [ وحفصة بنت الفاروق رضي الله عنهم أجمعين ] فما تزوج حفصة من عمر إلا بعد أن أراد أن يكرم عمر ، ويرد عليه خيره.
[ خامساً ] وأخيراً: [ قد زوجه ربه بـزينب ، وهو كاره لذلك، يتهرب منه؛ خشية قالة الناس، وما كانوا يعدونه منكراً، وهو التزوج بامرأة الدعي المتبنى بعد طلاقها أو موت زوجها.
هذه بعض الحكم التي اقتضت الإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التزوج أكثر من أربع، مع عامل آخر مهم، وهو قدرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على العدل والكفاية، الأمر الذي لن يكون لغيره أبداً ] ولم يكن لأحد القدرة على الجماع كما للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا أحد له تلك القدرة، ولا يقوى عليها، فلهذا أذن له في أن يتزوج تسعاً وما شاء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر