أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها يوم أمس سورة البروج، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها؛ إنه قريب مجيب، سميع الدعاء.
قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:11-22].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تعلمون -زادكم الله علماً- أن الله تعالى خلق من كل شيء زوجين، وقد قال: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا [يس:36]. وقال: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49].
وشاهدوا واقعكم: هذا صحيح وهذا مريض، وهذا كبير وهذا صغير، وهذا غني وهذا فقير، وهذا ذكي وهذا بليد، وهذا شريف وهذا وضيع، والسماء عالية والأرض هابطة، الحياة ضد الموت، الجنة دار السعادة ومقابل لها النار دار الشقاء.
إذاً: اعلموا أن الله عز وجل قضى في خلقه بما علمتم، يقسمهم يوم القيامة قسمين، ويفرقهم فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير ولا ثالث لهما؛ إذ الأشياء كلها زوج، حتى أهل الجنة فرقهم فرقتين: مقربين، وأصحاب يمين، ولكل سعادتهم.
من هنا بالأمس جاء هذا البيان: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] هذا قسم.
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [البروج:10] في دينهم، لبسوا عليهم، دفعوهم إلى فعل السوء، هددوهم بالضرب والقتل على أن يخرجوا من دين الله، هؤلاء يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] أما إذا تابوا وأنابوا ورجعوا؛ فالله عز وجل غفور رحيم، من صفاته: أنه غفور رحيم، يغفر لهم ويرحمهم؛ إن صحت توبتهم، وإن قتلوا المؤمنين والمؤمنات، باب الله مفتوح.
فإن لم يتوبوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] وبالأمس عرفتم: أن الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات في نجران من أجل إيمانهم: أن النار التي أججوها لإحراق المؤمنين والمؤمنات وفعلاً أحرقوهم قد ارتفعت عن مستواها ووقعت عليهم فذاقوا عذاب الحريق في الدنيا، ولهم في الآخرة مثل ذلك.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البروج:11] الفريق الثاني، مقابل الذين كفروا وعملوا السيئات، آمنوا وعملوا الصالحات. ما جزاؤهم؟ ما أعد لهم؟
قال تعالى: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البروج:11] ملك لهم، استحقوها واستوجبوها؛ فأصبحت ملكهم. و(جنات): جمع جنة وهو البستان العظيم الذي أشجاره تستر من يدخله.
الجواب: العلة واضحة: أن دار السلام الجنة وهي فوق السماء السابعة تلك التي ارتادها النبي محمد صلى الله عليه وسلم حياً ويقظة، وشاهد قصورها وحورها وما فيها، تلك الجنة دار المتقين ودار السلام ودار الأبرار، حكم الله تعالى ألا يدخلها إلا من كانت نفسه طاهرة زكية، رائحتها زكية، ليس عليها درن ولا دخن ولا وسخ ولا رائحة كريهة.. هذا شأنه عز وجل، بنى هذه الدار وقال: لا أدخلها ولا أنزل بها ولا أسكنها إلا الطيبين الطاهرين، وهذا شأنه وما ظلم.
وأوجد داراً أخرى للشقاء وللبوار والخسران والهلاك، وحكم ألا يدخلها ولا يسكنها ولا ينزل بها إلا من كانت روحه خبيثة منتنة مظلمة عفنة. وهذا هو العدل.
أما أن يأتي بمتسخ وملطخ وعفن ويدخله مع الأبرار والصالحين فهذا ظلم، أو يأتي بعبد طاهر الروح وزكي النفس كأنه ملك ويحشره في زمرة الخبث والعفن فهذا ليس بعدل ولا بحق.
هذه الحقيقة أيها المؤمنون عليها مدار الشريعة بكاملها فانتبهوا! الذين كفروا وفتنوا المؤمنين والمؤمنات لهم عذاب جهنم، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير.
على أي شيء بني هذا الحكم؟ لم هؤلاء في الجنة وهؤلاء في السعير؟
الجواب: الكفر والشرك والسيئات من شأنها حسب سنة الله فيها أنها تحيل الروح البشرية إلى روح شيطانية، عفنة منتنة لا تعرف الخير.
والإيمان والصالحات والحسنات من شأنها أن تحيل الروح إلى روح طاهرة زكية كأرواح الملائكة.
ومن هنا يدخل أهل الأرواح الزكية الجنة، وأهل الأرواح الخبيثة النار، وهذا هو العدل.
هل ظلم الله الناس؟ والله ما ظلم.
الطعام والغذاء والماء ينفع، أما السم والزقوم فيهلك، و(لا إله إلا الله) كلمة إذا قالها عبد من عباد الله إنسي أو جني موقناً بمعناها، أي: يعلن أنه لا إله إلا الله لو كانت ذنوبه كالجبال لرجحت هذه الكلمة لقوة تأثيرها ومفعولها.
وهناك كلمة أخرى ضدها: عيسى هو الله، أو ابن الله، هذه الكلمة لو عمل من الصالحات مثل جبال الألب والتبت، لتحللت وتبخرت وما بقي منها شيء؛ لقوة مفعول كلمة التوحيد وقوة مفعول كلمة الشرك والكفر.
وهذا لا يشك فيه من عرف أن من مات على كلمة التوحيد وقالها موقناً أنه يدخل الجنة، ولا يتلاءم مع بقائه في النار؛ لمفعول هذه الكلمة، وأن من قال كلمة الكفر ولو سب النبي سبة ومات على ذلك لم يرح رائحة الجنة.
أين الصيام وأين الصلاة؟ تبخرت، تحللت كلها، فمن هنا قررنا هذه الحقيقة: وهي أن الجنة يا عشاقها! الطريق إليها: تزكية نفوسنا وتطهيرها بم نزكي ونطهر أنفسنا؟ بالماء والصابون؟ بالطيب؟
بأي مادة نطهر أرواحنا ونزكيها؟
الجواب: بالإيمان وصالح الأعمال.
الجواب: الإيمان أن تذكر حديث جبريل عليه السلام إذ دخل هذا المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الكتاب والحكمة ويزكيهم -إذ هي وظيفته- ويدخل جبريل في صورة دحية بن خليفة فيجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسأله عن الإيمان: ( ما الإيمان يا رسول الله؟ فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ).
يضع أمامه بناية مركبة من ست قواعد: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. هذا هو الإيمان، أن تؤمن إيمان عبد لو حرق أو صلب أو قطع على أن ينكر هذا لا ينكره.
هذا الإيمان متى وجد في القلب والنفس صاحبها مستعد ومتهيئ لأن يعمل الصالحات وهو فرحان أيضاً ليس متألم ولا متحرق، هذا الإيمان القائم على ستة أركان متى ملأ القلب فصاحب هذا الإيمان أصبح مستعداً لأن ينهض بالتكاليف، لو قيل له: اخرج من مالك خرج على شرط أن يأمر الله أو رسوله. لو قيل له: صم ولا تأكل دهراً صام. لو قيل له: اذبح أباك ذبحه. لا يعجزه شيء.
هذا الإيمان متى وجد ورزق الله عبده صاحبه متهيئ للتكليف!
كلف يا رسولنا فإنهم قادرون على الحمل والقيام بالواجب.
أولاً: في وقعة بدر.. في غزوة بدر.. في المعركة الفاصلة.. في يوم الفرقان، تصدى الآباء للأبناء ليقتلوهم، وتصدى الأبناء لآبائهم ليقتلوهم، وقتل الأب الابن والابن الأب، ولا حرج.
أمروا قبل ذلك أن يخرجوا من ديارهم فوالله لقد خرجوا وتركوا أموالهم وذراريهم ونساءهم.. إنه الإيمان!
كانوا مولعين بالخمر كباراً وصغاراً إلا ما ندر، فما إن قال الله لهم: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] حتى صرخ عمر وقال: انتهينا يا ربنا، وأراقوها وأهرقوها من دلالها ومن براميلها، من قربها حتى جرت أزقة المدينة بها .. كميات كبيرة، يحتفظون بها طول العام ويعتقونها، ولما طلب الله ذلك كان أحدهم يأخذ البرميل ويسكبها عند العتبة والبيوت متلاصقة والأزقة ضيقة كعهدها القديم، فمشت الأرض بالخمر.
هل هناك من قال: لا. لا أفسد مالي؟ لا. بل استجابوا.
لما فرضت الصلاة في مكة في السنة العاشرة تمت مع تلك الرحلة السماوية ما بقي مؤمن ولا مؤمنة لا يصلي، يضربونهم بالعصا، ويرجمونهم بالحجارة، ويمنعونهم من الطعام والشراب ويصومون ويصلون.
والشاهد عندنا يا معشر الأبناء! فيمن آمن، هذا الإيمان الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يجيب جبريل على سؤاله، صاحب هذا الإيمان حيي بعدما كان ميتاً، قوي بعدما كان عاجزاً، فمن وجد نفسه قادراً على تحمل هذه التكاليف فليعلم أنه مؤمن.
أولاً: الحب في الله من الإيمان! إذا وجدت نفسك تحب مؤمناً صادقاً في إيمانه، تحب عبداً صالحاً في سلوكه لا لجمال ولا لمال ولا لحسب ولا لنسب، ولكن فقط أحببته لأنه يعبد ربه؛ لأنه ولي مولاي. هذا الحب من الإيمان، ولولاه ما أحببته ولا تستطيع أن تحبه؛ إذ الكافرون يبغضون أهل الإيمان ويكرهونهم ويتقززون منهم، فكيف يحبونهم؟
وإليكم مظهرين من مظاهر الإيمان الواقعي:
انظروا شاشة القرآن البيضاء تعرض لكم صورة عجيبة للإيمان وأهله، فمن وجد نفسه في هذه الشاشة فليحمد الله الآن وليخر ساجداً فهو مؤمن، ومن شاهد العرض كله ومواكبه وما هو موجود فليبك وليعلن عن إيمانه الجديد وإسلامه الحديث، ومن وجد نفسه في مكان ومفقوداً في آخر فليعزم على أن يوجد في المكان المفقود أيضاً، لو عرضنا هذا بعد أسبوع نجده فيه.
وأعلمكم أن شاشات تلفازاتكم قد سبق وجودها قبل ألف وأربعمائة سنة!
علموا أوروبا المتحضرة التي وجدت شاشة التلفاز قبل مائتين سنة، ولكن هذه الشاشة موجودة من ألف وأربعمائة سنة.
والله العظيم! لقد عرضت النار والجنة على جدار محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول يشاهد .. عرض كامل، قال صلى الله عليه وسلم: ( لقد عرضت علي الجنة وهممت أن آخذ قطفاً من عنب، ولو أخذته لأكلتم منه الدهر كله ) لا يفنى. أي: غير قابل للفناء. والله لقد شوهد يمد يديه هكذا.. في الركعة الثانية عرضت عليه النار فشوهد وهو يشيح بوجهه من حرها!
ليست كتلفازكم صورة كاذبة، وإنما هي واقع، حتى رجع القهقهرى من حرارتها.
قولوا: لا إله إلا الله! تم هذا العرض.
إذاً: وإليكم عرض القرآن من سورة التوبة، آخر ما نزل، وأحداثها أكثرها في غزوة تبوك، يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] ما لهم؟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].
انظر! هل أنت توالي المؤمنين والمؤمنات أو تعاديهم؟!
من الليلة لا تبت وأنت معادٍ لمؤمن!
يا عبد الله! انظر! يا أمة الله! اسمعي، يخبر الله جل جلاله فيقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] إذا كان بعضهم أعداء بعض فلا إيمان، الذي يعادي المؤمنين والله ما هو بمؤمن.
والآن لا تستعجل يا عبد الله! لا تطلب، اسمع فقط! لو درسنا هذه الدراسة للقرآن من مائتين.. ثلاثمائة سنة لسسنا العالم، والله لنسوسه.
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] لا أعداء لبعض، هذه الولاية بين المؤمنين والمؤمنات، ويعبر عنها بالولاء وضده البراء، وأريدكم أن تعوها وتفهموها وتحفظوها ولا تلتبس عليكم ولا تغالطون أو تغلطون.
الحب: بأن تحب المؤمن وإن كان أعمش، وإن كان أسود، وإن كان وسخاً، وإن كان بليداً وإن كان فقيراً، فما دام مؤمناً فأكره نفسك على أن تحبه، أما أن تكرهه فلا ولاية.
والنصرة: ألا تهزمه، وألا تخذله، وألا تهمله، وألا تتركه لعدو يفعل به ما يفعل؛ فإن خذلته وهزمته وتركته للعدو فما أنت بالولي، وشأنك هذا ليس شأن ولي.
والعدو قد يكون من الإنس وقد يكون من الجن، فالذي يترك ابنه أو عمه أو أخاه تعبث به الشياطين وتغمسه في أودية الباطل والضلال وهو يضحك معه فقد خذله وهزمه وما نصره ولا والاه حق الولاية، كالذي يرى أخاه المؤمن يعذب ويضطهد وينكل به ويقتل ويخذله ولا يقف إلى جنبه ينصره، أما إذا كان هو الذي يجهز عليه فأمره هذا.
هيا نكون أنفسنا من جديد ونربي أنفسنا على مبدأ الولاء بأن نحب المؤمنين وننصرهم ولا نخذلهم، قطعاً في حدود طاقتنا وبالقدر الذي نستطيع، أما الحب فجاهد نفسك حتى تحب، وتبقى النصرة فيمكن يستغيثون بنا ولا نقدر، والله غالب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمعذبين صهيب وعمار وسمية وفلان وفلان فيقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) ويمشي.
وكان صلى الله عليه وسلم يمر بثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة فيشيح بوجهه ولا ينظر إليها، لكنه ما استطاع أن يمسها بحصى أو بعود؛ لا يقدر .. عاجز، ولما انتصر ودخل مكة فاتحاً: ( دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصباً فجعل يطعنها بعود كان بيده -وهي تتناثر أمامه وتسقط- ويقول: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ [الإسراء:81].. ).
إذاً: هذه القضية بالذات لو تسافرون إلى المدينة من الهند أو من الأندلس أو من أوروبا من أجل فهم هذه وحدها فوالله ما أنفقتموه في ذلك لقليل.
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] هذا قضاء الله وحكمه .. هذا خبر الله يخبر به عن واقع.
بم تتم الولاية؟ نريد أن نفهم فهماً صحيحاً! ليست الولاية بالوطنية وبالتراب والطين، ولا بالقبلية بنو فلان وبنو فلان، ولا بالجنسية، ولا هذا أسود وهذا أبيض، فلا قيمة لهذا أبداً!
لو كان أقرب قريب لا يوحد الله ولا يعبده لن يكون لك ولياً، وآية واحدة من سورة المجادلة تضيء هذا الكون كله، إذ يقول تعالى: لا تَجِدُ [المجادلة:22] يا رسولنا لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، فقد عادى أبو بكر ولده عبد الرحمن قبل أن يسلم، وخرج ليبارز عبد الله في بدر.
فما معنى الولاء وبما يتحقق ؟ بشيئين فقط هما: الحب والنصرة.
فهل تحبني وترى العدو يعبث بي وتسكت؟ ما واليتني، بل خنتني وغششتني.
هل تنصرني وتموت دوني وأنت تكرهني ولا تحبني؟ ليس هناك ولاء، فلا بد من الحب والنصرة.
النصرة على عدو الإنس وعلى عدو الجن، أخوك يحتسي الشراب القاتل وأنت تضحك معه، أهذه هي الولاية؟ عليك أن تبك أمامه حتى يترك هذا الباطل، فإن أنت رضيت بشربه أو بقوله السوء أو بفعله الشر وأنت راض فمعناه: إيمانك مدخول ومهزوز وما تحققت الولاية.
ونواصل العرض، وأنتم إن شاء الله حاضرون في الجلسة وإلا في المنظر كلنا يحب بعضنا بعضاً وينصر بعضنا بعضاً، وإن غلطنا أمس أو الصباح الآن رجعنا.
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71] ما المعروف؟ ما المنكر؟
الجواب: تعلموا! لا يحل لمؤمن لا يعرف المعروف ولا المنكر.
أين كنت تعيش يا عبد الله؟
أين أنت يا أمة الله؟
اسألي كل يوم زوجك عن مسألة من المعروف حتى تعرفي المعروف!
اسأليه كل يوم -يوماً بعد يوم- عن المنكر ما هو حتى تعرفي المنكر!
لا نحتاج إلى قلم ولا دواة ولا مدرسة، دعونا فلاحين ولكن نتعلم بسؤال أهل العلم!
اقرع باب العالم يا عبد الله وقل له: ما هو المعروف هذا نريد أن نأمر به؟ فيعلمك ويعطيك جزءاً منه.
وارجع في الأسبوع الثاني وهكذا..
أقول: لا حجة لمن يزعم أنه غير مستعد أن يتعلم؛ لأنه مشغول في تجارته أو في مصنعه أو في زراعته، لا.. لا، فقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلاحين وزراعاً وكانوا تجاراً في الأسواق، فتعلموا بالسؤال لا بالقراءة والكتابة فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتابة، بل يعلمهم القرآن والسنة ويزكيهم.
ولست أنكر وجوب التعليم في المدارس وفي المعاهد، لا. أقول فقط: لا يحتج رجل ولا امرأة ويقول: أنا مشغول فكيف أعرف؟ لأن الله تعالى قال لنا تربية: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
بقي شخص يقول: لا. أنا لا أسألهم؟ إذاً رد على الله. فاسأل، يجب أن تسأل إن كنت لا تعلم، فلهذا المجتمع الإسلامي على حقيقته لا يوجد فيه رجل ولا امرأة جاهل!
يسمع هذه الكلمة بعض الإخوان ويدوخون .. حرام علينا، نظامنا يقتضي أن نكون علماء عالمين؛ لأن الله قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
تريد أن تغتسل يا عبد الله تعال أعلمك، تعلم الغسل تعرف الغسل، ما سأله أحد إلا علمه الغسل.
أردت أن تبيع وتشتري يعلمك، من الغد وأنت عالم بالبيع والشراء .. لا نحتاج إلى دراسة.
وأعود فأقول: المعروف: كل ما أمر الله تعالى بفعله وأمر الرسول به تأكيداً وتبييناً فهو معروف.
والمنكر: كل ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله.
أمر سهل، المعروف: ما عرفه الله خيراً نافعاً ومصلحاً ومسوداً ومكملاً، عقيدة أو أدباً أو خلقاً أو كذا.. هذا هو المعروف، وأما المنكر فما أنكره الشرع فنهى عنه، متى نهى الله عن شيء والله لمنكر، متى حرمه منكر.
إذاً: معرفة المعروف والمنكر لا بد منها، فإذا عرفناهما نعيش طول حياتنا نأمر بالمعروف إذا أهمل .. إذا ترك .. إذا ضيع!
ابنك ما صلى الصبح مره أن يصلي الصبح فهذا معروف!
ابنك يغني قل له: اقرأ القرآن ولا تغني، انه عن المنكر.
يتململ عبد الله أو زينب، يا بنيتي! يا عبد الله! ابدأ بالمعروف في بيتك، تمرن بين أولادك وبناتك، ابدأ بزوجتك!
وأنت يا أيتها الزوجة ابدئي بزوجك، أيقضيه لصلاة الصبح، علميه ما يجهل!
نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في البيت أولاً: ابنك طائش جاء بتلفاز ووضعه وجلس عاكفاً ينظر المسلسلات قل له: يا بني! هذا لا يجوز لنا نحن، هذا حرام علينا، لا تسمع أقوال المفتين الباطلة، نحن جماعة اسمنا المسلمون، وأرواحنا طاهرة، ونفوسنا زكية، نحن نعيش مع الله، كل شيء يشغلنا عن الله ويصرفنا عن ذكر الله باطل ومنكر، علة وجودنا أن نذكر الله، أطفئ هذا يا بني. فتكون بهذا قد أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر.
أو خفتم من موضوع التلفاز؟ ما الذي أشاع الزنا والقبح والفساد أكثر من هذه الآلات؟ محا الحياء.
ستقولون: يا شيخ! كيف تقول: محا الحياء؟
أقول لك: تعال معي أريك، هيا نخرج الآن نمشي في الشارع العام، نسمع أصوات النساء أكثر من أصوات الرجال.
قال أبو عبد العزيز : صحيح. والله لصحيح. كيف هذا؟ الغافلون والهابطون لا يدرون. يقولون: ماذا هناك إذا رفعت صوتها؟!
إذاً: كيف نستطيع نوصل للسماء؟
نحن يا جماعة على فقرنا وعلى ضعفنا نتهيأ للعروج إلى الملكوت الأعلى، لسنا بخالدين على الأرض ولا فيها، لا تقيسوننا باليهود والنصارى والمجوس فنحن نريد أن نرحل إلى الملكوت الأعلى!
كيف نستطيع أن نصل إلى ذلك الملكوت الأقدس؟
كيف نستطيع أن نجتاز مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام في دقائق؟ ليس لنا حيلة إلا تزكية هذه النفس وتطهيرها، فالأغاني والأباطيل والتراهات هذه كلها معوقات .. ملطخات للروح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء من الإيمان ) عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في أزقة المدينة يعظ أخاه في الحياء، ما هذا الحياء؟ ضاعت حقوقك، انتبه! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( دعه فإن الحياء من الإيمان ) اتركه وإن ضاع ماله بالحياء فالحياء من الإيمان.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ( الحياء كله خير ) ليس في الحياء شر.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( والإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة، من الإيمان ).
ويقول الحكماء: أجمل ما في المرأة: الحياء. وأجمل ما في الرجل: الشجاعة. لا عيناه ولا أنفه، الشجاع هو الذي يعجبك.
اسمعوا! إذا عمنا الخبث أزال الله دولتنا.
ستقولون: يا شيخ! كيف تقول هذا؟ والله العظيم! زعماء اليهود والصليبيين يعرفون هذا ويدعون إلى الخبث لتحطيم المسلمين، ونحن لا نعرف؛ لأننا لا نقرأ القرآن.
واسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من نابه شيء في صلاته ) أي: من حدث له وهو يصلي ما جعله يحاول أن يتكلم، قرع عليه أحد الباب، دق الجرس، ناداه وهو في الصلاة، كيف يصنع؟ قال: ( فليسبح ) فليقل: سبحان الله، فإذا ما فهم فقل: سبحان الله ثلاث مرات فيفهم أنك في الصلاة. أي: متصل بذي العرش فلا تقطع صلتك من أجله .. يقف عند الباب.
هل تفعلون هذا أم إذا قرع الباب تقول: من؟ ماذا تريد؟
الله أكبر! هذا عبث، هذا قد يمسخ العبد من أجله، تترك الله وقد أقبل عليك بوجهه يحدثك وتلتفت إلى غيره، قد يصاب الإنسان بالمسخ.
والمرأة المؤمنة أم إبراهيم وعثمان، أم سعيدة، هذه المرأة إذا نابها شيء في صلاتها هل تقول: سبحان الله؟ لا والله، لا تقل: سبحان الله، ماذا تقول إذاً؟ لا تقل؛ لأن كلامها حلو، كل من فيه فحولة يقول: نعم، والمعاند والمتبلد يقول: لا. كلامها عذب، من عذبه؟ من أحلاه؟ نظام الله في الكون حتى توجد البشرية وتملأ هذه الأرض من أجل أن يذكر الله ويشكر فيها.
غرائزنا من غرزها؟ الله. لحكم عالية صوت المرأة يفتن إلا إذا أصبحت كالرجل لا حياء ولا دين تصفع زوجها وتخنقه قد انمسخت فلم تكن امرأة.
إذاً قال صلى الله عليه وسلم: ( التصفيق أو التصفيح للنساء ) تصفق بكفيها. يعرف من يسأل أو يطلب أو يريد أنها في الصلاة حتى ولو كان زوجها أو أبوها يسكت حتى تصلي.
هذه أحاديث يا أبنائي تواترت من الحضرة النبوية إلى اليوم، ليس في هذا كلام، اطرد الوسواس.
إذاً: الآن تخرج من الشارع تسمع أصوات النساء كأنهن في بيوتهن! أين الحياء؟
عدم الحياء؛ لأنهن تعلمن في مدارس مختلطة، وخاصة في الجامعات والمعاهد والكليات، ويقولون: ليس عندنا إمكانيات حتى نفصل النساء أو البنات عن الرجال، مضطرون يا شيخ!
فأقول: أخلطوهم الغنم، الكباش والنعاج والنتيجة معلومة حاصلة.
إذاً: ( الحياء شعبة من الإيمان ) وأجمل ما في المرأة: الحياء.
ومن هنا نقول: المعروف: ما عرفه الله والرسول. والمنكر: ما أنكره الله والرسول، فيجب أن نعرف المعروف والمنكر ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
وكيفية الأمر والنهي تحتاج إلى تربية، فلا بد وأن نجلس في حجور المربين كما جلس أبو بكر والصحابة في حجر رسول الله!
ليس كل من يعرف معروفاً يستطيع أن يأمر به فقد يسبب منكراً، فلا بد من التربية عند الصالحين.
من آتاه الحكمة؟ الله. لازم الصمت فأعطي الحكمة، واسمه لقمان الحبشي، عرض الله تعالى لنا صورة له في سورة سماها سورة لقمان، وسورة لقمان موجودة في القرآن ولكنكم لا تقرءونها على الموتى؛ لأنها ليست مثل يس والواقعة.
يقول تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ [لقمان:12] هذا خبر مؤكد وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ [لقمان:12] ما هي الحكمة أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ [لقمان:12] الحكمة: شكر الله، قول: سبحان الله. إي والله العظيم الحكمة أم الحكمة: شكر الله على آلائه وإنعامه، فمن شكر الله عبده، ومن شكر الله أطاعه، ومن شكر الله أحبه.
إذاً: أعطاه الحكمة وهي شكر الله: وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12] إذا لم تشكر الله فلا تظن أن الله يتأذى، لا. شكرك عائد على نفسك؛ لأن شكر النعمة يثبتها، ويزيد في طاقاتها.
يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13] لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ما وجه عظمته يا أبتاه؟ أينعم عليك الله بوجودك وبكل ما تملك وتعرف غيره وتتنكر له! تحب غيره وتكرهه! تطيع سواه وتعصيه!
أهذا الشكر؟ هذا هو الشرك وإن الشرك لظلم عظيم.
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ [لقمان:15] أي: سبيل الذي أناب إلي!
امش وراء المتقي، اتبع سبيل الأوابين الصالحين المنيبين، أما صعلوك تارك صلاة، خمار، كافر، فاسق فلا تقتد به لأنه رئيس حزبك، فهذا هو الموت.
لا يجوز أبداً اتباع سبيل إلا سبيل عبد أناب إلى الله.
وإذا قال لك أحد: أنا متبع، أنا مؤمن وهو لا يعرف فإياك أن تمشي وراء الجاهل فإنه يضلك، واقرءوا لذلك آية من سورة يونس تزن الدنيا وما عليها، ولا تختلف مع هذه، اسمع الله تعالى يقول لموسى وهارون، يقول لهما: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89]. إياك أن تتخذ شيخاً جاهلاً!
إياك أن تتخذ رئيس حزب جاهل!
إياك أن تبايع جاهلاً يحكمك بالهوى! حرام.
هذا كلام الله عرفه المؤمنون فسادوا، وتم لهم من الكمال والسعادة ما لم تحلم به الدنيا!
عاشت أمة الإسلام ثلاثمائة سنة وهي ككواكب السماء في ازدهارها وأنوارها وطهارتها وصفائها، فلما تركت هذه التعاليم بحيلة الثالوث الذين صرفوها عن الكتاب والسنة همجوها بربروها فضيعوها ثم سادوها.
اسمع: وَلا تَتَّبِعَانِّ [يونس:89] يا موسى ويا هارون سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89] فالذي لا يعرف الطريق كيف تمشي رواءه؟ إلى أين يوصلك؟
إذا قلت له: يا عم! أنا أريد أن أذهب إلى الشام فأعطني واحداً يدلني على الطريق، فأعطاني جاهل بالطريق يأخذني إلى اليمن، أموت في الطريق ولا أصل الشام؛ لأنه لا يعرف الطريق، فلا بد وأن يكون عارفاً بالطريق.
إذاً: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:15].
اسمع! لا تفهم أنك تعصيه في الغرفة أو تذهب بعيداً عن الناس وتذبح فلاناً، انتبه! إنها إن تك معصيتك كحبة من خردل فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لقمان:16] ويحاسبك بها ويجزيك عليها يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16].
جعل ابنه لا يفكر في معصية الله أبداً! أين يعصيه؟ في البحر؟ الله يراه. في الجبال؟ الله يراه. إذاً: لا معصية لله.
الجيوش يعلمونهم نظام أوروبا إذا وقف العسكري يقف ثابتاً بكبرياء، وهذا الشمم وهذا الكبرياء حرمه الله.
أتنازعون الله في صفته؟ الكبرياء لله ( الكبرياء ردائي ).
إذاً: نهاه عن هذا الخلق الشائن وهو ألا يقبل على أخيه المؤمن وهو مصعر لخده، فهذه الصورة حرام .. منكر، أقبل على أخيك وحدثه واسمع منه.
وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [لقمان:18] تختال وتتبختر في مشيتك، لا. بل تطامن وكن كعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18] علمه أن ربه لا يحب المختال والفخور، فلا تختال يا عبد الله في مشيتك، ولا تفخر بأحسابك وأنسابك ومالك ورجالك.
هذا لقمان وضع ابنه بين يديه وأخذ يزكيه ويربيه ويعلمه، تقول الروايات وقد تصح: ما زال يعظه حتى انفضت كبده ومات الولد.
(يقيمون الصلاة): يصلونها في أوقاتها المحددة لها بلا زيادة ولا نقصان إلا في حالات ضرورية!
يصلونها في جماعة المؤمنين في بيوت ربهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71] زكاة نفوسهم كزكاة أموالهم.
ثم ماذا؟ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] جاءني شاب وقال: يا شيخ من فضلك! أنا إذا قلت لأخي: أعف لحيتك لا تحلق وجهك، يقول: هذه سنة، يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.
يا شيخ! بين للجماعة! قلت: لا بأس أبين. إعفاء اللحية ليست سنة بل واجب. السنة: التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ركعات في الضحى، نافلة قبل الظهر، صيام ستة أيام من شوال، النوافل والسنن نعم، من فعلها أثيب، ومن تركها لا يعاقب، أما إعفاء اللحية فيها أوامر: ( أعفوا )، ( خالفوا ) أنتم عسكر محمد أو عسكر من؟ أسألكم أيها الفحول! أنتم جيش من؟ محمد؟ اليهود يعرفون هذا عنكم، ولهذا يحلقون وجوهنا.
نحن عسكر محمد؟ نعم. جيش محمد صلى الله عليه وسلم.
ما هي العلامة التي تدل عليه؟ إذا مشى بلحيته، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أعطي علامات فارقة أبداً، أعطي اللحية فقط، إذا وجدت الرجل ملتحياً فهذا من عسكرنا، أما إذا كان حالقاً فهذا ليس منا، أراد هذا هو.
أما قال: ( خالفوهم )؟ بلى. أنتم أئمة، أنتم قادة، أنتم سادة، واليهود والنصارى هابطون لاصقون بالأرض آيسون من دار السلام. إذاً: لا بد وأن تتميزوا عنهم، حتى إن عمر رضي الله عنه كان إذا تزيا رجل من أهل الذمة بزي المؤمنين يمنعه. لأنه أراد أن يخدعنا. فنقول له: ادخل في رحمة الله وكن مثلنا، أما أن تبقى على كفرك وتتزيا بزينا فهذه خديعة، وهذا ممنوع.
منذ حوالي خمسة وأربعين سنة كتب كاتب فرنسي فقال: انظر إلى الفرق بين استعمارنا للمسلمين واستعمار المسلمين لنا، قال: لما كان عمر وكان المسلمون يستعمروننا في الشام والعراق وفي مصر وفي كذا.. قال: يمنعون الذمي أن يتزيا بزي المسلم، ونحن الآن نشجع المستعمرين على زينا، البرنيطة، وحلق الوجه، والبنطلون، ونشجعه.
واندهش الناس وما عرفوا كيف يجيبون وقالوا: غلبنا بهذا.
فأجبنا بما يلي: عمر رضي الله عنه يرى أن كل مسلم هو جندي الله، لا بد وأن يتميز الجندي الذي يقاتل ويخوض المعارك عن الذمي الذي لا يسمح له أن يحمل السلاح أو يخوض معركة، فنحن لا نكلف أهل الذمة بالجهاد أبداً، والله ما نكلفهم، أموت أنا وأبنائي ولا يموت ذمي فذمتهم تمنعنا أن نعرضهم للموت.
وقلنا له: انظر المثال: أنتم عندكم القطان والكابتن والجنرال فهل تسمحون لمواطن فرنسي أن يلبس لبس جنرال ويخرج في الشوارع؟ لا. أربع سنوات سجن، ممنوع كيف يلبس لباس قائد وهو ما عرف القيادة وهو ليس في سلكها.
إذاً: كذلك عمر يرى المسلمين كلهم جند الله، وأهل الذمة لا حق لهم في الجهاد، لا يقاتلون، فلا بد وأن يكون لهم زي غير زي المسلمين، وانتهت المشكلة.
ولهذا أدعو الفحول أن يعفوا لحاهم، تشجعوا ولا تخافوا، لو يكثر عدد الملتحين ينهزم المعارضون، لكن ما دام الملتحون قليلين فليس لهم النصرة، ادعوا الله أن يصبحوا في يوم من الأيام كلهم ملتحين وحينئذٍ لا تخافوا. نعم. قد يعذبونهم؛ لأنهم يخافون من عودة الإسلام.
العواهر يقلن: إذا جاء المسلمون أبطلونا وصرفونا عن مصالحنا!
بائعو الخمور .. بائعو الحشيش هكذا يتعطلوا.
نعم. يدافعون عن أنفسهم فلا تلوموهم وأثبتوا لهم أنتم، أغيظوهم واصبروا.
على كل حال! عرفتم المؤمنين وإن شاء الله نحن منهم، اللهم آمين.. اللهم آمين.
وأحمد الله إليكم وأهنئكم بصيامكم وقيامكم، فقد انتهى رمضان في هذه الأمسية، وقد خرجتم إن شاء الله من ذنوبكم كيوم ولدتكم أمهاتكم، فعلى المنبر هذا يقف الرسول يخطب فجأة فيقول: ( آمين آمين آمين فسألوه: يا رسول الله! قد أمنت وأنت على المنبر تخطب؟ قال: قال لي جبريل: ربك يقرئك السلام ويقول لك: رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان وخرج ولم يغفر له، قل آمين فقلت: آمين ). فالذي يدخل عليه رمضان ويخرج ولا يغفر له أنفه في التراب؛ لأنه ما صام، أو صام صوماً غير شرعي، أو عبث في لياليه، أو سخر بأهله فلا يغفر له.
أما من صام رمضان إيماناً على علم واحتساباً للأجر على الله، فيغفر له ما تقدم من ذنبه، كل السجلات تمحى.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر