أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
فما زلنا مع سورة الإسراء، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء:9-12].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الأخبار الإلهية الصادقة، أولها إخباره تعالى بأن القرآن العظيم يهدي للتي هي أقوم، ووالله العظيم إنه ليهدي للتي هي أقوم، أي: من الطرق والسبل والمراد منها الإسلام، يهدي إلى الإسلام وهو الطريق المسعد، وفي كل ركعة من ركعات الصلاة نسأل الله الهداية إليه اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] فالقرآن بما يحمل من الآيات، من الشرائع، من الأحكام، من الأدلة، من القصص، من الأمثلة، من البراهين.. من وصفه أنه يهدي من آمن بالله ولقائه، وأخذ يعمل بما في هذا الكتاب، والله يهديه إلى أسلم طريق وأقومها ألا وهو الإسلام، والواقع شاهد.
ولا ننس أن العمل الصالح ذو بركة، فالمؤمنون المقيمون للصلاة العاملون الصالحات يظفرون بيمن أعمالهم الصالحة؛ فتطيب نفوسهم وتطمئن قلوبهم، ويسعدون في هذه الدنيا ببركة العمل الصالح، أما الجزاء ففي الدار الآخرة. أصحاب العمل الفاسد الشرك والمعاصي والفسق والفجور، جزاؤهم ليس في الدنيا، فقد يكفر العبد ويبالغ في الكفر، ويبقى سعيداً في طعامه وشرابه إلى أن يموت، ولكن ما ننسى أن للسيئات شؤماً قد ينال فاعليها، كما أن للصالحات بركة ويمناً فإن للسيئات شؤماً والعياذ بالله تعالى؛ فينالهم سوء أعمالهم في الدنيا، أما الجزاء ففي الدار الآخرة، وهذه الحقيقة التي تقررت عندنا، وهي: أن الدنيا دار عمل، وأن الآخرة دار جزاء، واحلف بالله ولا تحنث، هذه الدار دار العمل، سواء كان العمل صالحاً أو فاسداً، والدار الآخرة دار الجزاء سواء كان بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم.
فقط لفت النظر إلى أن الإيمان والعمل الصالح صاحبهما يناله من يمن وبركة ذلك الإيمان والصالح، فيسعدون في الدنيا، لا حزن ولا كرب ولا هم ولا غم، وأما الفاسقين الكافرين وإن كان جزاء فسقهم الدار الآخرة، لكن قد ينالون من شؤم ونحس سوء الأعمال وفاسدها.
هذه الحقيقة تقررت مرات عندنا، فالله جل جلاله يقول في القرآن الكريم: وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الإسراء:9] بماذا يبشرهم؟ بـ: أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9] كم من مليون، كم من مليار؟ ما هو هذا المقصود، ألا وهو الجنة ورضا الرب تبارك وتعالى قبلها، هذا هو الأجر العظيم الكبير، لا دينار ولا درهم.
والخبر الثالث يقول فيه: وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [الإسراء:10] أي: بالدار الآخرة وما يتم فيها من جزاء وحساب، الذين لا يؤمنون بالبعث الآخر، بالدار الآخرة، بيوم القيامة، بالساعة.. هؤلاء يبشرهم بماذا؟ بأن لهم عذاباً أليماً موجعاً، ألا وهو عذاب النار وما يتم فيها من أنواع العذاب على اختلافها وتنوعها.
وقد بين تعالى أنواع العذاب في النار مفصلة في كتابه عز وجل، ويكفي فيه: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] إذاً: هذا الخبر الثالث.
الخالق للإنسان هو الذي عرف وضعه وطبعه وحاله، والله هو واضع الطبع والصفة، يقول تعالى: وَيَدْعُ الإِنسَانُ [الإسراء:11] الإنسان هنا المريض لا الصحيح، الإنسان الذي ما آمن بالله ولقائه ولا استقام على منهج عبادته، هذا الإنسان الكافر المشرك الضال الفاسق، هذا الإنسان من وصفه أنه يدعو بالشر كما يدعو بالخير، أما المؤمن فوالله ما يدعو بالشر أبداً، وهذا الإنسان لضلاله وجهله وعدم نور قلبه وبصيرته يدعو بالشر كما يدعو بالخير؛ لأنه غير مستقيم.. منحرف ما عرف الطريق.
وهنا يصفه أيضاً بأنه عجول وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا [الإسراء:11] كثير العجلة، وسبب هذه العجلة هو الطبع الذي طبع عليه والفطرة؛ لأنه ما عامل نفسه بمعاملة الهداية والتربية حتى تصبح لا تعجز أبداً، والرسول الكريم يقول: ( تأنوا ففي التأني السلامة، ولا تعجلوا ففي العجلة الندامة ).
فالمؤمن الذي عرفتم إذا دخل المستشفى واستعمل الأرقام الثمانية يتغير وصفه وطبعه، ويصبح لا يستعجل ولا يندم، ولكن دائماً مع التأني والهدوء والطمأنينة والسكون، فلهذا ما يغضب غضباً يقول فيه الباطل والسوء، وهذه الأرقام الثمانية تذكرونها؟ وهل استعملتم بعضها أو كلها؟
مرة ثانية: وإن شئتم حلفت لكم بالله أن الإنسان هذا طبعه: الظلم، الكفر، الجهل، العجلة، الهلع.. إلا إذا عالج هذه الأسقام والأوجاع في مستشفى رباني وشفي منها.
وسبق أن لفت النظر إلى أن استعمال هذه الوصفة إن كانت تحت علماء ربانيين يكون أفضل من أن تستعملها وحدك، فلهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم مهمته أنه يزكي ويعلم الكتاب والحكمة، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129].
فالذي لا يجلس في حجور الصالحين، ولا يجالس العلماء الربانيين، ويتعلم منهم كيف يستعمل هذه الأرقام، قد لا ينجح.
إذاً: فالحال تستدعي ألا نفارق حلق العلم ومجالسة الربانيين الصالحين، حتى نتمكن من استعمال هذه الأرقام تمكناً حقيقياً ينتج لنا زكاة أرواحنا، وطهارة نفوسنا.
ولفت النظر إلى أن الصلاة ذكرت مرتين، المرة الأولى المداومة على الصلاة؛ لأن من انقطع عنها هلك، ومن تركها كفر، فلا بد من المداومة من سن العاشرة أو الثامنة إلى أن يموت، والوصف الأخير المحافظة عليها بأن تؤدى على الوجه الذي طلبه الله من عباده، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة، وصلى به جبريل، وبين له أوقاتها وكيفيتها، هذا المحافظ عليها هو الذي يغطي بأنواره ما سبق.
فتلك الأرقام الثمانية لا قيمة لها إذا ضيعت الصلاة وأهملت، فالأول الصلاة وفي الأخير الصلاة، الأول إدامة وعدم انقطاع، والثاني المحافظة والإتيان به على الوجه المطلوب، وأنتم تعرفون هذا من أنفسكم، الذين يستعملون هذه الأرقام الثمانية كما هي هم أصلح الناس وأبرهم وأتقاهم، وأقلهم كلفة، وأقلهم ظلماً، وأقلهم شراً، وأقلهم جزعاً وغضباً.. إلى غير ذلك.
هذا ما دل عليه قوله تعالى: وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا [الإسراء:11].
يا جماعة! ما يجوز هذا، حرام هذا، ما هكذا الطلاق؛ لأنهم ما عرفوا سرَّ الطلاق ولم شرع؟ وما هي حكمته؟ وما هي فائدته؟ ولو عرفوا ما يطلقونه لأدنى غضبة: أنت طالق، وبالطلاق.
افهموا: الطلاق شرع لرفع الضرر عن الزوج الذكر أو الزوج الأنثى؛ لأنهما عبدان.. عبد لله وأمة لله؛ فالله الرحمن الرحيم لا يرضى أبداً بالأذى لأحدهما أو لهما معاً، فمن هنا إذا تضرر الرجل وصبر الشهر والشهرين والعام والعامين، وما أطاق، ما يرضى سيده أن يبقى في كرب وهم وحزن، يقول له: طلق، كيف يطلق؟ يأتي بشاهدين اثنين، ويجلسن في الغرفة أو في الحجرة، ويقول لهما: أشهدكما أني طلقت فلانة، يا فلانة ابقي في بيتك حتى تنتهي عدتك، ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض وبعد ذلك التحقي بأهلك، فتبقى في بيتها تطعم وتشرب وتعبد الله إلى أن تنتهي عدتها، فإذا ما رجع تحمل عفشها وتخرج إلى بيت أهلها.
كذلك المرأة لو تأذت، صبرت شهراً.. شهرين.. عاماً.. عامين.. ما أطاقت، يسلط عليها الأذى؟! أمة الله ما يرضى لها أن تعيش في كرب وهم، والله ما يرضى وهو وليها وربها، حينئذ تطالب بالطلاق ليرتفع هذا الأذى، فحينئذ يجب على الزوج أن يستجيب، أو يرفع الأذى الذي أصابها به، فإذا أراد الطلاق ما يقول: أنت طالق وطلقتك، وبالثلاث.. كما تفعل العامة الآن، وإنما بعد التأمل والتربص والانتظار وعسى الله أن يفعل، فإذا انسد الطريق وما بقي مجال إلا الطلاق يأتي بشاهدين صالحين عدلين وفي الغرفة أو الحجرة كما قلنا ما هو في الشارع وفي السوق، ويقول لهما: أشهدكما يا فلان ويا فلان أني طلقت أم أولادي، أو طلقت فلانة، يا فلانة قد تطلقتي الآن الزمي بيتك؛ حتى تنتهي عدتك، وأنت في خير وعافية، وإذا انتهت العدة التحقي بأهلك.
عرفتم الطلاق؟ أسألكم بالله هل يطلق الناس هكذا؟ بالثلاث وبالعشرة، حتى بالواحدة فقط ما تطلق فقط لمجرد غضبة.
هذا سببه وصف العجلة وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا [الإسراء:11] ينبغي ألا نكون على هذه الصفة.
يا شيخ ما استعملنا الأرقام الثمانية، ومن استعملها على غير بصيرة ما ينتفع بها أيضاً، ما استعملناها بالتربية في حجور الصالحين.
من باب الائتساء والاقتداء نحدثكم: عشت مع امرأتي خمساً وستين سنة والله ما قلت لها كلمة سوء، ولا مددت يدي لأصفعها أو أضربها، ولا قلت: أطلقها، كيف هذا؟ لأنا تربينا في حجور الصالحين، الحمد لله.
إذاً: لا بد من حلق العلم ومجالسة الصالحين، لا بد من اكتساب هذه المعارف والعلوم الإلهية، أما أن نعيش كما يعيش أهل الصحارى وسائقة الإبل ما نستطيع.
الذين سمعوا الآن الدرس إن شاء الله لا يقول أحدهم بعد اليوم: أنت طالق أبداً، ولو ضربته على خده ما يقول: أنت طالق؛ لأنه ما هو وقت طلاق هذا، الطلاق له وقته معين ويأتي بالرجلين ويطلق، ما هو بمجرد غضبة: أنت طالق وبالثلاث!
أما المراجعة المشروعة، فيشهد اثنين ويرجعها، يقول: أشهدكما أني راجعت امرأتي، وهي في بيته قبل أن تنقضي العدة، فإن انقضت العدة لا ترجع إلا بعقد جديد ومهر جديد.
إن طلقتها ثم ذهبت إلى بيتها فهي معتدة، لا بد من مدة العدة ولو في بيت أبيها، لكن قلنا: من الآداب الإسلامية أن تبقى في البيت، بقاؤها في بيتها قد يحمله على أن يراجعها، يبيت ليلتين ثلاثة، تحتاج نفسه.. يرغب فيها يراجعها، بخلاف ما إذا ذهبت إلى بيتها انقطع ذاك النور بينهما والصلة.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [الإسراء:12] من أوجد الليل؟ آباؤنا وأمهاتنا؟ من ساق هذا الظلام وغطى به الكون؟ من أوجد النهار وهذا الضياء والإشراق والنور؟ هل أحد غير الله؟ يمكن أن يكون صنماً؟ حجراً؟ كوكباً؟ رجلاً؟ مستحيل.
جعل الله الليل والنهار آيتين تدلان دلالة قطعية لمن تأمل وتذكر وتفكر على وجود الرب الخالق لليل والنهار، وعلى علمه الذي أحاط بكل شيء، وقدرته التي لا يعجزها شيء وإلا كيف يوجد الليل والنهار؟! وعلى حكمته التي لا يخلو منها شيء، هل يوجد شيء موجود بدون حكمة إلهية؟ مستحيل.
فقال تعالى: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء:12] محونا النور والضوء وأصبحت ظلاماً، وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] يبصر الناس بالضوء فيها كل ما أرادوا أن يبصروه، فهي تساعدهم على الإبصار والنظر، من فعل هذا يرحمكم الله؟ أمريكا؟ الصين؟ اليابان؟ لا بد من فاعل أو لا؟ هل يوجد طعام بدون طاهٍ؟ هل يوجد كأس ماء بدون من يصب الماء؟ مستحيل، لم يوجد الليل والنهار بلا موجد؟ ألا لعنة الله على الكافرين! ما أصمهم وما أعماهم! كان فقط يسأل في العرب.. في المسلمين.. في العالم: من خلق هذا الليل؟ كيف أوجده؟ من أوجد النهار؟ ما يسألون أبداً؛ حتى لا يعبدوا الله ويستمروا على عبادة الشياطين.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء:12] من الضوء وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] ما العلة في ذلك؟ لم فعل الله هذا؟ يلهو يلعب؟ تعالى الله عن اللهو واللعب! لم يفعل هذا؟
قال: من أجل أن تطلبوا رزقكم من ربكم، في النهار المسحاة في يدك.. المعول في يدك.. المطرقة في يدك.. تعمل وتصنع.. لتوجد قوتك وتهيئه لك ولأسرتك لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الإسراء:12]، لو كان الظلام قاتماً عاماً هل يستطيع إنسان أن يبني أو يفعل شيئاً؟ ما يستطيع.
فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] محونا آية الليل لننام في الليل ونستريح، ولهذا الآن لما جاءت الكهرباء أحدثت مشاكل، حرمنا الناس من النوم في الليل، ويظلون في النهار نائمين، عكسوا الفطرة، عكسوا الغريزة، ظلموا أنفسهم، والعياذ بالله تعالى!
لو كنا نملك لقلنا الساعة العاشرة تنطفئ المصابيح وما يمشي أحد، انتهت الكهرباء ناموا بالقوة كما تنوم المرأة بنتها أو ابنها تطفىء عليه النور، لكن ما نحن رشداء، الآن لولا المدارس لما ناموا أبداً في الليل، خالفوا الفطرة أو لا؟ عكسوها ما يستفيدون، ما يتلذذون برحمة الله عز وجل.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ [الإسراء:12] تدلان على وجودنا وعلمنا ورحمتنا وقدرتنا، ونحن الله الخالق الرازق لا إله إلا نحن فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ [الإسراء:12] جعلناها مظلمة وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] لماذا؟ لِتَبْتَغُوا [الإسراء:12] لتطلبوا رزقكم من ربكم فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الإسراء:12] لأن الرزق من خالقه؟ من موجده؟ من هيأ أسبابه؟ أليس الله؟
لتبتغوا فضلاً من ربكم أولاً، وثانياً: وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [الإسراء:12]، لو لم توجد الشمس والقمر كيف نعرف الليل من النهار؟ ما نعرف، كيف نعرف الأسبوع من الشهر؟ كيف نعرف الخمسة أيام من الستة؟ كيف نعرف السنة من السنين لولا الشمس والقمر؟
الأرقام الحسابية تجزئ؟ والله ما تنفع.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] لماذا؟ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الإسراء:12] أولاً، وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [الإسراء:12] نحن في حاجة إلى الحساب أو لا؟ دَين مضى عليه كذا، ووعدنا معه كذا، كيف نعرف؟ لا بد من الحساب، الصيام كيف نصوم، الحج كيف نحج لولا القمر والشمس؟
وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [الإسراء:12] قولوا: شكراً لله، الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله، ونوح كان من الشاكرين أو لا؟ عبداً شكوراً، ذكرت النعمة قل: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله على ما أفضل علينا وأنعم علينا وأعطانا نعمة الليل والنهار لنبتغي فضلاً من ربنا، ولنعلم عدد السنين والحساب في أمورنا وشئوننا في هذه الحياة، لمن الحمد؟ لله.. الحمد لله.
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء:12] كل شيء تحتاج إليه البشرية في هذه الدنيا والله لقد بينه الله في هذا الكتاب، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، ولكن حولوا القرآن إلى الموتى ألف سنة، من القرن الرابع والمسلمون يقرءون القرآن على الموتى فقط، فيكم من يرد علي؟
من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً لا يقرأ القرآن ولا يجتمع عليه هكذا دراسة وتعليماً إلا على أنه يقرأ على الموتى، إذاً كيف نعرف، والله فصل فيه كل حاجاتنا، ومتطلبات حياتنا في الدنيا والآخرة مبينة مفصلة في القرآن، يجب إذاً أن نجتمع عليه، وأن نتدارسه، وأن نقرأه، وأن نسأل عنه حتى نعلم، وإلا كيف نعرف؟
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء:12] مبيناً واضحاً الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، الديون، القضاء، الجيرة، السفر.. كل متطلبات الحياة، ومع هذا طوينا المصحف ووضعناه على الرفوف وحكمنا الهوى، والشياطين تسوقنا، فعطلنا شريعة الله، وقبل ذلك أعرضنا عن دراسة القرآن، ومضى على الناس وقت إذا قيل: قال الله يغلق أصبعيه، ما يجوز.. ما يجوز تقول قال الله، ماذا نصنع بالقرآن إذاً؟ قالوا: اقرءوه على الموتى، فلا تسمع جماعة تقرأ القرآن إلا ليلة الموت، والعياذ بالله تعالى!
قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].
[ ثانياً: الوعد والوعيد بشارة المؤمنين العاملين للصالحات، ونذارة الكافرين باليوم الآخر ].
الوعد والوعيد ما قيمتهما، ما الحكمة منهما؟ الوعد للمؤمنين المبشرين، والوعيد للكافرين الظالمين. من أين أخذنا هذا؟ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:9] وينذر الكافرين.
[الوعد والوعيد بشارة المؤمنين العاملين للصالحات، ونذارة الكافرين باليوم الآخر.
ثالثاً: بيان طبع الإنسان ] وفطرته وخلقته التي خلق عليها.
[ بيان طبع الإنسان قبل تهذيبه بالآداب القرآنية والأخلاق النبوية ].
الإنسان قبل تأديبه بالآداب القرآنية والأخلاق النبوية كيف وصفه؟ الهلع، إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، الظلم والجهل إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، الظلم والكفر فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء:99]، وكان عمر يقول: اللهم اغفر لي ظلمي وكفري، فيقال: كيف يا عمر ؟ قال: أما قال الله تعالى: إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72].
مرة ثانية: [ بيان طبع الإنسان قبل تهذيبه بالآداب القرآنية والأخلاق النبوية ] ما طبعه؟ الهلع، والظلم، والجهل، والكفر.. والله كلها.
[ رابعاً: كون الليل والنهار آيتين تدلان على الله تعالى، وتقرران علمه وقدرته وتدبيره ].
كيف نعرف أن الله مدبر؟ من آية الشمس الليل والنهار، كيف نعرف أن الله حكيم؟ إيجاده لليل والنهار، كيف نعرف أن الله قدير؟ خلقه لليل والنهار؛ إذ لو تجتمع البشرية كلها على تدبير ليل أو نهار ما استطاعت، ومع هذا يجهلون الله وما يعرفونه، ولا يسألون عنه حتى لا يصلوا ولا يصوموا، كون الليل والنهار آيتين تدلان على الله تعالى وتقرران علمه وقدرته وتدبيره سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه، من أين أخذنا هذا؟
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ [الإسراء:12].
[ خامساً: مشروعية علم الحساب وتعلمه ] من أين أخذنا هذا؟
وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [الإسراء:12] إذاً لا بد من تعلم الحساب ومعرفته.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر