وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأعراف المكية، وها نحن مع قصة موسى وفرعون، هذا القصص العجيب أسألكم بالله: كيف يعلمه محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي لو لم يكن وحياً يوحيه الله إليه؟! قصص بكل جزئياته يقصه، ولن يستطيع اليهود ولا النصارى أن يردوا عليه حادثة واحدة، إذاً: آمنا بالله .. آمنا بالله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والآن لنستمع إلى الآيات مرتلة مجودة، ثم نأخذ في بيانها وشرحها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:109-122].
قالوا: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف:115] تبدأ أو نبدأ نحن، قال القرطبي في تفسيره: تأدبوا مع رسول الله ونبيه موسى، فنالتهم بركة تأدبهم فأسلموا عن آخرهم، وكانوا من أهل الجنة! فموسى فرد وهم أمة، فقالوا: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف:115]، وموسى يريد أن تكون له الضربة الأخيرة، فقال: ألقوا أنتم، لأن الضربة الأخيرة هي التي يتم بها الأمر وتنتهي بها المعركة: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80]، فلما ألقوا فماذا ألقوا؟ عصيهم وحبالهم التي تحولت في الظاهر في النظر إلى ثعابين وحيات تملأ الساحة كاملة، وهذا هو سحر العيون، أما الواقع فوالله! ما هي إلا حبال وعصي فيها نوع من العقاقير جعلها تهتز، أو هو سحر حقيقي لأعين الناس، فالذين ينظرون يظنون أنها حيات وثعابين تهتز في الوادي، حتى إن موسى خاف، لما شاهد تلك المناظر والمظاهر العجيبة خاف، ولكن الله عز وجل نهاه عن الخوف، جاء هذا في سورة طه: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى [طه:67-68].
قال: وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] استرهبوا من؟ استرهبوا المشاهدين، النظار والمتفرجين، وجاءوا بسحر عظيم، والله وصفه بهذا.
إذاً: ألق عصاك، فألقاها فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الأعراف:117]، تلقف: تتلقف، وقرئ: تلقم، وإن كانت القراءة ضعيفة، تلقف: تزدرد وتبتلع ما كان، فتحت فاها فدخل فيها كل تلك الحبال وتلك الأباطيل.
هذه العصا ألقاها باسم الله، أَلْقِ عَصَاكَ [الأعراف:117] فألقاها طاعة لأمر الله، فإذا هي قد تحولت إلى أعظم حية تلقف بفيها وتبتلع كل ما ملأ الوادي أو الساحة التي فيها السحرة، فقولوا: آمنا بالله.
فالآن نطق بتلك الكلمات التي علمه الساسة، وقال: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف:123] إذاً: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:123]، توعدهم ونفذ وقطعهم وقتلهم، ولكن العاقبة للمتقين.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ [الأعراف:123-124] على الأخشاب أَجْمَعِينَ [الأعراف:124]
هذا قول فرعون لا غرابة فيه، ذاك الذي كان يقول: أنا رب العالمين لا إله إلا أنا.
وقد قلت: نحن الآن محجوبون عن الله بهذه الحياة، يوم تنتهي نلقى الله عز وجل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة ) وحافظ عليها فما يصلي فريضة إلا ويقرأ آية الكرسي ( لم يمنعه من الجنة إلا الموت )، الذي يحافظ على تلاوة قراءة آية الكرسي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] إلى قوله: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ما إن يموت حتى يدخل الجنة.
وقد علمنا أن أحدنا إذا قبضت روحه وهي طاهرة نقية يعرج بها الملائكة إلى السماء فيستأذنون لها فيؤذن لهم بها سماء بعد سماء إلى أن ينتهوا إلى السماء السابعة إلى الجنة دار السلام، وتخر ساجدة بين يدي الله، ويأمر الله تبارك وتعالى بكتابة اسمها في عليين، في ديوان يسمى عليين، ثم بعد ذلك تبقى سارحة في الجنة إلى أن تنتهي هذه الدورة ويخلق الله الأجساد من جديد، وتدخل كل روح في جسدها.
إذاً: ما خاف السحرة بعد أن آمنوا برب العالمين رب موسى وهارون، بعد أن خروا سجداً لله، قَالُوا [الأعراف:125] ماذا؟ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ [الأعراف:125] وهذا يسعدنا. فإذا انقلبنا إلى ربنا فذلك خير أم بقاؤنا في دنيانا الوسخة؟
والله! لانقلابنا إلى ربنا خير مليون مرة من هذه الحياة، وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن )، الحياة الدنيا سجن المؤمن، والله! إنه لمسجون كأنه في زنزانة بالنسبة إلى دار السلام، وذلك للاتساع في الجنة وذلك البهاء والجمال، فهو في سجن، أما الكافر الآن فلو كان يملك ما يملك ويعيش كما شاء أن يعيش فهو -والله- لفي جنة بالنسبة إلى مآله ومصيره في دار البوار في النار، ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )، حديث مسلم في الصحيح: ( الدنيا سجن المؤمن وجنة والكافر )، المؤمن مهما أكل، شرب، لبس، استراح؛ فذلك بالنسبة إلى دار السلام كسجن.
فلهذا قال صلى الله عليه وسلم في قراءة آية الكرسي: ( لا يمنعه من دخول الجنة إلا الموت )، الموت هو المانع هو الحاجز، لو مات المؤمن لكان في دار السلام، فلهذا قال السحرة: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ [الأعراف:125] ما نحن منقلبون إلى بلاء وشقاء وعذاب، منقلبون إلى سعادة وطهارة وكمال.
وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا [الأعراف:126]، هذه الآيات من جاء بها؟ موسى وهارون، ومنها تلك العصا التي تحولت إلى ثعبان وابتلعت كل سحرنا من أنحاء البلاد.
هذه الخاتمة الحسنى: وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126] فادعوا الله تعالى بها لكم ولإخوانكم، وهذا يوسف الصديق ابن الصديق لما جلس على أريكة الملك وحكم الديار المصرية وأصبح ملكها الفرد، وجمع الله تعالى له شمله، فجاء إخوته من الديار الفلسطينية، واجتمع مع أبويه أيضاً وجلسوا حول عرشه وكرسيه، ونظر فرأى أنه اكتملت الدنيا، فماذا بعدها؟ جلس على أريكة الملك وأسرته كلها بين يديه، البلاد تحت قدميه، هو الملك الحاكم، وفوق ذلك أنه رسول الله بلغ دعوة الله ورسالته، فماذا يبغي من هذه الحياة؟ قال كلمات لو تبحث عنها وقيل لك: إنها توجد في الصين لسافرت من أجلها، وها نحن الآن نقرؤها عليكم ولا تبالون، وسامحوني، فحاولوا أن تحفظوها وتدعوا الله بها.
ماذا قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ [يوسف:101] ملك مصر، أصبحت مصر تحت قدميه، آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:101] العلم الشرعي، الفقه في دين الله، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [يوسف:101] أي: يا فاطر السماوات والأرض! أَنْتَ وَلِيِّي [يوسف:101] لا ولي لي سواك، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [يوسف:101] تتولاني وأتولاك، ليس لي وليُّ سواك.
أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [يوسف:101]، إذاً: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].
أما أهل الغفلة أهل الجهل والعمى فإذا سادوا إذا ملكوا إذا حكموا يتكبرون ويتجبرون ويقتلون وينتقمون ويشفون صدورهم من أعدائهم، وأولياء الله إذا حكموا لانوا وتطامنوا، وخشعوا، وذلوا، وكرهوا أوساخ الدنيا ولو كانت سيادة وملكاً ومالاً وجاهاً وسلطاناً، رغبوا عنها وتاقت نفوسهم إلى الملكوت الأعلى.
أعيد هذه الكلمات اليوسفية: من أنزلها على رسولنا؟ ربنا تعالى، أين توجد؟ توجد في القرآن الكريم، في آخر سورة يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].
قال تعالى لرسوله: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102] لا إله إلا الله!
ذَلِكَ [يوسف:102] الذي قص الله عليه من قصة يوسف وأحداث أربعين سنة مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ [يوسف:102] من أين لمحمد أن يعرفها أو قريش أو العرب بأجمعهم؟ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102]، هل كنت مع إخوة يوسف في ذلك الظلام وهم يتآمرون كيف يقتلون يوسف أو كيف يسجنونه أو كيف أو كيف؟ من علمك هذا؟ الله. إذاً: قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم ارزقنا حبه واتباعه يا رب العالمين.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: مشروعية طلب الأجرة على العمل الذي يقوم به الإنسان خارجاً عن نطاق العبادة ].
من أين استفدنا هذا؟ من قوله تعالى: قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [الأعراف:113]، وفي قراءة: (إن لنا أجراً)؟ قل لنا لنعمل أو لا نعمل. استفيد من هذه الكلمة الربانية أنه يجوز للعبد أن يطلب الأجرة على عمله الذي يقوم به، على شرط ألا يكون من أعمال العبادة، تقول: غداً أصوم وتعطينا عشرين ريالاً! لا يجوز، أصلي بكم وتجمعون لنا ألف ريال في الشهر! لا يجوز، أعلمكم الفاتحة لكن ادفعوا ريالاً ريالاً! ما يجوز أبداً، لا يجوز أخذ الأجرة إلا في العمل الدنيوي، أما العبادة تأخذ عليها أجراً فما يصلح هذا أبداً.
قد يتألم بعض الإخوان من الأئمة الذين يأخذون أجرة من الأوقاف، فهذا ما أخذوه من الناس، هذا كأجرة تجعلها الحكومة فهم كالعمال، ولا حرج في هذا، وكذلك المؤذن، ولهذا المؤذنون أطولنا أعناقاً، المؤذنون لو كانوا جالسين معنا ونحن في يوم القيامة فهم أطول فوق رءوسنا، المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، حتى قال عمر : لولا الخلافة لكنت مؤذناً. فلهذا من استطاع أن يكون مؤذناً فليفعل.
[ ثانياً: مشروعية الترقيات الحكومية لذي الخدمة الجُلَّى للدولة ]، أخذنا هداية من الآية، وهي: مشروعية الترقيات الحكومية لدى الخدمة الجلى للدولة، من أين أخذنا هذا؟ من قوله: قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف:114]، رقاهم، فهل يجوز ذلك أو لا يجوز؟ يجوز، قالوا: نقوم بعمل على شرط أنك ترقينا، تكثر رواتبنا. فقال: نعم.
[ ثالثاً: تأثير السحر على أعين الناس حقيقة بحيث يرون الشيء على خلاف ما هو عليه؛ إذ العصا والحبال استحالت في أعين الناس إلى حيات وثعابين ].
لا تشك في هذا، فالساحر يسحر العيون فقط، يرمي أمامك حجرة تظهر وكأنها قبة بين يديك، أو يلوح لك بعصا تراها أنها ثعبان، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116].
ثم قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم في تكملة هداية آيات القصة:
[ أولاً: بيان سنة الله تعالى في أن الحق والباطل إذا التقيا في أي ميدان فالغلبة للحق دائماً ] وأبداً، سنة الله الماضية الماشية طول الحياة أن الحق إذا التقى مع الباطل في مباراة في مواجهة ينهزم الباطل وينتصر الحق.
[ ثانياً: بطلان السحر وعدم فلاح أهله ]، السحر باطل وأهله -والله- لا يفلحون لا في الدنيا ولا في الآخرة، السحر باطل وأهله لا يفلحون، حتى الذين يذهبون إلى السحرة يستعينون بهم والله! ما أفلحوا، ومع هذا أكرر القول: إياكم أن تسمعوا بساحر في بلد أو قرية وتسكتون؛ لأنه يفسد عقول أبنائكم ونسائكم، فلا يحل بقاؤه.
قال: [ بطلان السحر وعدم فلاح أهله، ولقوله تعالى من سورة طه: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69] ]، ولا يفلح الساحر حيث جاء من الشرق، من الغرب، من النساء، من الرجال.. من أي باب لا يفلح الساحر: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69].
[ ثالثاً: فضل العلم وأنه سبب الهداية ]، إي والله، هذا لا نجادل فيه، سبب هداية الإنسان العلم، إذا علم أنه لا إله إلا الله وعبده وعلم كيف يعبده إذاً فاز بسبب العلم.
قال: [ فضل العلم وأنه سبب الهداية، فإيمان السحرة كان ثمرة العلم، إذ عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو آية له من الله فآمنوا ].
غير السحرة ما فهموا، قالوا: هذه العصا سحر، لكن السحرة يعرفون السحر وحقيقته، فوجدوا أن هذه العصا ليست من السحر أبداً، إذاً: هي آية من آيات الله، فآمنوا وخروا ساجدين قائلين: آمنا برب موسى وهارون رب العالمين.
فللعلم ثمرة ولا نشك في هذا أبداً، ودائماً نقول في البرهنة: ادخل قرية من قرى مصر، الشام، المملكة، المغرب، المشرق.. واسألهم عن خير رجل بينهم لا يسرق، لا يكذب، لا يزني، لا يقول الباطل؛ فوالله! لتجدنه أعلمهم، إذ كل الفجور والباطل والشر والفساد من ظلمة الجهل، فلهذا كان طلب العلم فريضة، ولما احتال العدو علينا وأبقانا في جهلنا تشفى فينا وهو يضحك ونحن يأكل بعضنا بعضاً.
قال: [ مظهر من مظاهر القضاء والقدر فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين ].
هذا مظهر من مظاهر القضاء والقدر أو لا؟ لأن الله قضى قبل أن يخلق الكون وهم ما خلقوا، قضى بأنهم من أهل الجنة، وقضى أن فرعون وآله من أهل النار، وتم ذلك في الوقت المحدد، فالسحرة عاشوا على الباطل، على الشرك، على الكفر، على السحر، على التدجيل.. عشرات السنين، فلما قضى الله بنجاتهم ودخولهم الجنة ما إن شاهدوا أنوار العلم تلوح حتى قالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون، وماتوا شهداء فلاحظ كيف كانوا في الصبح كافرين وأمسوا مسلمين.
[ رابعاً: مظهر من مظاهر القضاء والقدر: فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين ].
ومن هداية الآيات:
قال: [ أولاً: القلوب المظلمة بالكفر والجرائم أصحابها لا يتورعون عن الكذب واتهام الأبرياء ].
خذوا هذه: القلوب المظلمة بالكفر والجرائم أصحابها لا يتورعون عن الكذب واتهام الأبرياء، يكذبون ويتهمون الأبرياء، من أين أخذنا هذا؟ من قوله: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف:123]، هذا كذب وباطل واتهامات، لماذا؟ لأن قلوبهم مظلمة ما لاحت أنوار الإيمان والهداية فيها.
وهل الجرائم تظلم القلب؟ كل من يقول كلمة باطل، ينظر نظرة محرمة، يأكل درهماً باطلاً ينكت نكتة سوداء في قلبه، وإذا زادت ولا توبة ولا رجوع فإنه يصبح مظلماً أبداً، بهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم.
[ ثانياً: فضيلة الاسترجاع، أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ حيث فزع إليها السحرة لما هددهم فرعون؛ إذ قالوا: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ [الأعراف:125] ] وهي معنى: إنا لله وإنا إليه راجعون.
هم قالوا: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ [الأعراف:125] فرحون بالانقلاب إلى الله؛ لأنها الجنة ودار النعيم ومواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ونحن ماذا نقول؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله حقاً وصدقاً، مالكنا هو، خالقنا هو، وهو إلهنا ومعبودنا حقاً وإليه راجعون، فمن هنا لو كانت المصيبة أعظم مصيبة تصيب المؤمن وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون لهانت تلك المصيبة، أولاً: يقول: أنا لله، فإذا أخذ أبنائي أخذ مالي أو أخذ جسمي فأنا له. وهل إذا طلبك من له شيء عندك تغضب؟ أودع فلان عندك وديعة ثم قال: أعطنيها، فهل تقول: لا وتغضب؟
ثانياً: أنك راجع إليه، لتلقى جزاءك.
فهذه الكلمة: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ما ينساها المؤمنون والمؤمنات، تخفف آلام والمصائب وأحجامها الثقيلة.
فالسحرة قالوا: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ [الأعراف:125] [ أي: راجعون. فهان عليهم ما تهددوا به ]، هان عليهم ما تهددهم به فرعون من العذاب والقتل، هان بالفعل.
[ ثالثاً: مشروعية سؤال الصبر على البلاء للثبات على الإيمان ]، رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا [الأعراف:126] صب علينا الصبر، كل مؤمن ومؤمنة يدعو الله أن يفرغ عليه الصبر حتى يتحمل أتعاب الدنيا وآلامها، ولا يزيغ ولا يقول غير ما يرضي الله عز وجل.
[ رابعاً: فضل الوفاة على الإسلام ]، فضل الموت على الإسلام: وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126]، وفي دعوة يوسف: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].
[ فضل الوفاة على الإسلام وأنه مطلب عال ] سام [ لأهل الإيمان ]، أما الكفرة والمشركون والمجرمون فماذا يستفيدون من الموت؟ إلى جهنم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر