أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود، على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة-، فهيا بنا نستمع إلى هذه الآيات الثلاث مرتلة مجودة، وبعد ذلك نتدارسها، والله نسأل أن يفتح علينا بالعلم والعمل.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:19-22].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ [التوبة:19]، وسقاية الحاج هي موضع في المسجد الحرام فيه أنواع مما يوضع فيه الماء العذب، ويمزج بالزبيب أحياناً وبالتمر أحياناً، ويصبح ماءً عذباً حلواً، ويسقي أصحابه منه الحجاج في سبيل الله، وهذه السقاية يتولاها العباس ، ولكن معه رجال يأتون بالماء، ويأتون بالتمر، ويأتون بالزبيب، وهذه من مكارم الجاهلية قبل الإسلام.
والسدانة هي حماية البيت وتنظيفه وتطهيره ورعايته، السادن الذي يخدم البيت.
والحجابة الحاجب الذي بيده المفتاح، يفتح لمن شاء أن يدخل البيت، ويغلق عمن شاء.
وتوارث هذا أبيات في مكة، من بني هاشم.
والمسجد الحرام معروف، المسجد الذي البيت العتيق في قلبه وفي داخله، وهو يحوط به، وسمي بالمسجد؛ للسجود فيه لله عز وجل، والحرام بمعنى المحرم لا يحل فيه باطل ولا منكر ولا شر ولا فساد.
قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:19]، فهذا الاستفهام تأنيب وتقريع وتأديب، وهذه الحادثة متكررة، فقد كان شيبة بن عبد شمس والعباس وعلي بن أبي طالب يتحدثون في مكة، واحد منهم فضل السقاية، وآخر فضل السدانة، وعلي فضل الجهاد، وكانت الآية ترد عليهم في دعاواهم.
فقد جاء من رواية مسلم والنسائي وأبي داود عن النعمان بن بشير : ( كان ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر يوم الجمعة، وارتفعت أصواتهم، أحدهم قال بعدما فتح الله على المسلمين: لا أفضل عندي من المسجد الحرام، وآخر قال: لا أفضل من سقاية الحجاج في المسجد، وآخر قال: الجهاد في سبيل الله، فلما ارتفعت أصواتهم جاء
فهل نزلت هذه الآية في هذه الحادثة، أو هي مما استشهد به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهذا شائع ومتكرر، فهم غفلوا عن الآية فذكرهم الرسول بها، وهذا الأقرب من أن نقول نزلت في تلك الساعة؛ لأن الله يقول: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:19]، فهذا يتناول المشركين الذين يفتخرون بالحجابة والسدانة والسقاية.
وقد ورد أنهم سألوا اليهود: أينا أفضل عند الله، نحن حماة الحرم والحمى، نسقي الحجاج ونطعمهم، أفضل أم محمد وأصحابه؟ قالوا: أنتم أفضل، وآية النساء تشهد بهذا، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51]، فهذه كلمة اليهود، قالوا لأهل مكة: أنتم أهدى سبيلاً من محمد وأصحابه؛ لأنكم تقومون بحماية بيت الله الحرام وحراستها، والوقوف عليها وسدانتها، وتسقون الحجاج وتطعمونهم، إذاً أنتم أفضل.
ولا يعجب هذا من اليهود إذ هذا شأنهم والعياذ بالله.
إذاً فقول ربنا جل ذكره: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ [التوبة:19] يتناول المشركين، الذين فاخروا وقالوا: أنهم أفضل من محمد وأصحابه؛ لأنهم يسقون الحجاج، فقال تعالى منكراً عليهم مؤنباً لهم: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [التوبة:19] رباً وإلهاً، وبمحمد نبياً ورسولاً، وبالإسلام ديناً، وآمن باليوم الآخر، يوم البعث والجزاء على الكسب في الدنيا، وأضاف إلى الإيمان بالله واليوم الآخر الجهاد، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:20] أي: في الطريق الموصل إلى رضا الله، جاهدوا بأموالهم وأنفسهم.
لا يَسْتَوُونَ [التوبة:19]، من يسوي بينهم؟ من يلحق أولئك الهابطين الكافرين بالسامين الأعلين؟! لا أحد، لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ [التوبة:19] أي: في حكمه وقضائه.
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:19]، فهذا رد لا على عمر ومن قالوا، بل على المشركين الذين فاخروا بالسقاية وطعام الحجاج. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:19]، والظالمين هم المشركون، لا يهديهم لظلمهم، وذلك بشركهم بالله، بعبادة الأصنام والأوثان والأحجار، ولهذا لم يوفقوا أبداً، فالموفق من قرع باب الله وطلبه وسأله الهداية والتوفيق، وآمن واستقام وجاهد في سبيل الله.
أولاً: تجمع الأموال ليشترى بها العتاد والسلاح، وبعدها الجهاد، على الأقل يجمع الطعام الذي يأكلونه، فالأموال أولاً.
قال تعالى: أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ [التوبة:20] أي: أعظم ممن آمنوا ولم يهاجروا، وآمنوا وهاجروا ولم يجاهدوا. توجد بعض الأفكار سادت: ليس هناك حاجة إلى الجهاد، انتصر الإسلام ومكة أصبحت دار إسلام، هذا قاله بعض المؤمنين، بنزغات ووليجة المشركين.
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً [التوبة:20] وأعلاها، عِنْدَ اللَّهِ [التوبة:20] أي: ممن آمنوا وهاجروا ولم يجاهدوا.
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20]، أي: أولئك هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة، والفائزون ببشريات ومقامات أسمى وأعلى، فالفوز الحقيقي في الآخرة هو النجاة من النار لا يدخلها أو يخرج منها، ودخول الجنة فوز، ألا ذلك هو الفوز المبين، ولكن هناك درجة أعلى من درجة دخول الجنة والنجاة من النار.
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ [التوبة:21] أي: خالقهم وسيدهم ومالكهم، ومعبودهم الذي عبدوه ولم يعبدوا غيره، الذي رباهم بأنواع الطعام والشراب، يبشرهم بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ [التوبة:21].
جائز أن تكون الرحمة أولاً: الجنة ونعيمها، والرضوان هو الله عز وجل، والرضوان أبلغ من الرضا، وفي الحديث الصحيح: ( أن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! أبشركم بأني أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً ) .
يا أهل الجنة! كيف أنتم؟ قالوا: في خير، في فضل عظيم، هناك ما هو خير، قالوا: ما هو أفضل من هذا؟ قال: ( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ).
ولهذا نعيم الجنة كله لا يعادل رضا الله عز وجل، وكثيراً ما نقول: إن كنت عند شخص يطعمك ويسقيك ويحميك ويحفظك وهو يكرهك وأنت تكرهه فهل تسعد؟ لا تسعد. فالجنة نعيمها الدائم الخالد فوقه رضوان الله عز وجل، ( أحل عليكم رضوني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ).
قال تعالى: وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة:21]، الجنات فوق الرحمة الخاصة وفوق الرضوان، شيء آخر، أو دون الرحمة ودون الرضوان، والجنات جمع جنة وهو البستان الذي تجنك أشجاره وتغطيك بظلالها، وهذه الجنة موجودة الآن -والله العظيم!- ارتادها رسول الله وهو سيد الرجال في العالم، ودخلها ووطأ أرضها بقدميه، وشاهد حورها -أي: نسائها- وقصورها وأنهارها، ووقف على نهر الجنة الذي أعطي للرسول صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] ألا وهو نهر في الجنة، وتم ذلك ليلة الإسراء والمعراج، إذ دخل الجنة بذاته وروحه يقظة لا مناماً، وأراه الله الجنة والنار في المنام عدة مرات، ورؤيا الأنبياء حق ووحي، وَجَنَّاتٍ [التوبة:21]، وعدد أبواب الجنة ثمانية أبواب، من بينهم باب الريان وهو خاص بالمكثرين للصيام، لا يدخله أحد معهم.
والنار أبوابها ثمانية أبواب، فقد جاء في قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73]، قالوا: (الواو) هنا واو ثمانية، فهي ثمانية أبواب، بحساب الجُمَّل.
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة:21]، أي: لا يزول ولا يرحل ولا يتبدل ولا يتغير، طعامهم وشرابهم وكل نعيمهم مقيم معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه.
ثم قال: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التوبة:22]، أكد الخلود الذي هو البقاء الدائم بكلمة (أبداً)؛ لأن الخلود معناه المكث الطويل، فكل من أطال المكث زماناً في بلد يقال: خلد فيها، لكن ليس الخلود الحقيقي إلا إذا أكد بكلمة (أبداً).
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:22]، فاطلبوا هذا الأجر يا عباد الله، آمنوا بالله ورسوله ولقائه، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، والجهاد بالنفس هو مجاهدتها لتعبد الله تعالى وحده ولتتقيه ولا تعصيه، وإذا أذن إمام المسلمين في الجهاد وارتفعت راية الجهاد فبسم الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [التوبة:41].
ومجاهدة النفس، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة الهوى، ومجاهدة الدنيا، فهذه الأعداء جهادها أشد وأقوى من جهاد الكفار، وقد ورد: ( رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )، وإن ضعف هذا الحديث لكن معناه صحيح، فجهاد الكفار ينتهي في أسبوع أو في شهر أو في سنة، وجهاد النفس ليل نهار طوال العام، وأنت حامل سلاحك على نفسك.
فاطلبوا هذا النعيم وهذا الرضوان بالإيمان بالله، ويستلزم هذا الإيمان بالإيمان بملائكته وبكتبه وبرسله، فالإيمان بالله يستلزم حب الله والخوف منه، ويستلزم معرفة الله عز وجل، فليس كل من قال: آمنت بالله عرف ما هو الإيمان.
ثم الإيمان باليوم الآخر، هذا الإيمان الذي يجعلك تستقيم رغم أنف نفسك وهواك، ما تستطيع أن تقول كلمة سوء، ولا تمد يدك لباطل؛ لأنك تنظر وقوفك بين يدي الله، وجزاءك على كسبك من قول أو عمل.
فالإيمان باليوم الآخر مقرون بالإيمان بالله عز وجل، هما أقوى أركان الإيمان، فمن فقد الإيمان بالله هبط، ومن فقد الإيمان بالبعث والدار الآخرة لا يستطيع أن يفعل خيراً ولا يستقيم أبداً.
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ [التوبة:20] أي: الجهاد بالنفس وبالمال فمن الجهاد ما ينفق في سبيل الله، بناء المساجد، والمدارس والأربطة، فإذا فاض عندك المال أعط لوزير الدفاع، فهذا جهاد، أقسم مالك بينك وبينه، وخاصة في ديارنا هذه ودولتنا هذه.
المهم باب الله مفتوح، من أراد أن يلج فليتفضل، هؤلاء أعظم درجة عند الله ممن آمنوا ولم يهاجروا، أو آمنوا وهاجروا ولم يجاهدوا في سبيل الله.
وأخرى يبشرهم ربهم الله ويتولى تبشيرهم في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد يبشرهم في المنام، والرؤيا الصالحة بشرى، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة:21].
كلمة (جنات): جمع جنة، فآخر من يدخل الجنة يعطى ما يساوي الدنيا عشر مرات، مثل هذا الكوكب، عالم لا حد له، أو تظنون أن السماء والأرض وما فوق السماء وما تحت الأرض، عقلك يقف، إلا إذا آمنت أن فوق الجنات عرش الرحمن، وفوق عرش الرحمن: الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه، وأسفل الجنات النيران.
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التوبة:22] أي: لا يخرجون منها أبداً، ليس طول مكث فقط إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:22]، فهل يعطي أجره للعاملين أو للكسالى؟ فأهل العمل هم الذين يأخذون الأجر، والبطالون والكسالى والجالسون في الظلال، هل يأخذون أجوراً؟!
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:22]، بمعنى: اطلبوه، اطلبوا هذا الأجر، سلوا كيف تطلبونه، اعبدوه وأطيعوه، إذا حرم الشيء حرموه، وإذا أحله أحلوه، وإذا أمر استجيبوا للأمر وافعلوا، وإذا نهى استجيبوا للنهي واتركوا، هذه هي الأعمال التي يعطى العبد عليها الأجر العظيم عند الله.
أولاً: أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة، وأقربهم من الله منزلة من جمع الصفات الثلاث المذكورة في الآية، وهي: الإيمان بالله واليوم الآخر، والهجرة، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.
ثانياً: فضل الهجرة والجهاد ]. فبعد الدخول في الإسلام والإيمان تأتي الأعمال الصالحة وأفضلها الهجرة والجهاد، وقد علمنا أننا نفوز بالهجرة وبفضلها في بلادنا، حتى ولو كنا آمنين سعداء نستطيع أن نفوز بالهجرة لكل معصية وكل كذب وباطل.
( المهاجر بحق من هاجر ما نهى الله ورسوله عنه )، كذلك من كان في قرية أو بلد ما يتمكن من عبادة الله يجب أن يهاجر، بل إذا كان في عمل لا يستطيع مع هذا العمل أن يعبد الله لا يحل له البقاء فيه، يهجره، يطلب عمل آخر.
[ ثالثاً: تفاوت أهل الجنة في علو درجاتهم ]. فهم متفاوتون، منازلهم -والله- كما نشاهد الكواكب في السماء، فالمجاهدون ينظرون إلى منازلهم في الجنة كما ننظر إلى الكوكب في السماء في بعده وعلوه وإشراقه ونوره، فتفاوت أهل الجنة في علو درجاتهم؛ لقوله تعالى: أَعْظَمُ دَرَجَةً [التوبة:20] معناه أن هناك درجة أقل وأخرى أعظم.
[ رابعاً: حرمان الظالمين المتوغلين في الظلم من هداية الله ]؛ لأن الله تعالى قال: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:19]، وقد بينا غير ما مرة، أن الشخص إذا تعود الكذب واستمر عليه وأبى أن يتوب، واستفاد منه في دنياه وشهوته ما يستطيع أن يترك الكذب، الذي تعود جريمة من الجرائم، وتوغل فيها، وواصل العمل بها.. عامين.. ثلاث.. عشر سنين، ما يستطيع أن يرجع، فتصبح غريزة في نفسه.
فلهذا يجب التوبة على الفور، لا تعطي مجال للشيطان أبداً، زلت قدمك، أعماك وأوقعك في معصية فعلى الفور البكاء والندم والصراخ وبذلك تنجو، أما الاستمرار في المعصية يوماً بعد يوم، عام بعد عام، يأتي وقت لو قيل لك تب تضحك.
وهكذا تجب التوبة فوراً، والله يقول: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17]، علم الله تعالى أن الغرائز والطباع البشرية، الشخص إذا اعتاد الكذب ما يستطيع يتركه أبداً، فلهذا التوبة الصادقة العاجلة.
إذاً: حرمان الظالمين المتوغلين في الظلم، وأعلى درجات الظلم أو أدناها الشرك -والعياذ بالله تعالى-، فلا ظلم أعظم من أن تعبد الله عز وجل وتعبد معه غيره.
والله تعالى نسأل أن يرزقنا الجنة ونعيمها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر