أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).
وبشرى ثانية قال فيها صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).
تعجبون من هذا؟ من نحن؟! وما نحن حتى تصلي علينا الملائكة الأنوار؟!
لو أردنا أن نفرض على أحدهم أن يصلينا علينا مرة واحدة
هل نملك ذلك؟ هل نقدر عليه؟ هل نستطيعه؟ الجواب: لا. ولكنه فضل الله علينا ورحمته!
الملائكة تصلي علينا بقولها: اللهم اغفر لهم! اللهم ارحمهم! حتى نصلي المغرب أو العشاء وننصرف، ومع هذا نسبة الذين يحضرون بيوت الله ويطلبون فيها الذكر والعلم واحد إلى ألف، وتسعمائة وتسعة وتسعون في غفلتهم نائمون! أليس كذلك؟ بلى. ولا عجب إذ يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام في عرصات القيامة: ( يا آدم خذ بعث النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين )، إلى جهنم وواحد إلى الجنة، فلا عجب إذاً ولا غرابة في كفر الكافرين وضلال الضالين وإجرام المجرمين.
ولقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات النورانية وهي أربع آيات، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:10-13]. هذه الآيات من سورة آل عمران عليهم السلام.
والمحكم ما معناه؟
المحكم ظاهر بيّن واضح نعمل به ونعيش عليه ونطبقه.
والمتشابه: ما خفي معناه وستره الله عنا؛ لعجزنا وليبتلينا فنؤمن بالمحكم ونفوض أمر المتشابه إليه سبحانه.
أيضاً: تذكرون ما قالت الصدّيقة عائشة وقد رأت وسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: ( لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماًً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ، هذا عزمنا على حفظه وعلى أن نقوله كلما استيقظنا.
الجواب: الراسخ في العلم من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه، ذلكم الراسخ في العلم.
من هم الراسخون في العلم؟ بشرنا رسول الله وقال: ( من برت يمينه )، ما معنى برت يمينه؟ أي: لا يحلف إلا على حق، ( وصدق لسانه ) فلا ينطق بكلمة كذب قط، فما يقوله دائماً الصدق والحق، ( واستقام قلبه ) فلم يزغ يميناً ولا شمالاً، هؤلاء هم الراسخون في العلم.
إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9]، الوعد والميعاد لا يخلفهم الله عز وجل، فلا بد وأن يجمعنا مع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ونتلقى الجزاء حسب عدل الله عز وجل ورحمته.
الجواب: الصيغة صيغة خبر، يقول الله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10] .
النار في الدنيا توقد بالفحم وبالحطب وبالغاز، ويوم القيامة مادة اتقادها: لحوم البشر وعظامهم، والله العظيم تتقد النار يوم القيامة بلحوم الكافرين والمشركين، قال تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، أي: من الحجارة والأصنام التي كانوا يعبدونها.
هذا الخبر يشمل:
أولاً: وفد نجران الذي جاء يتبجح ويجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريد أن يقنع رسول الله بأن عيسى عليه السلام ابن الله!
أعوذ بالله! الأعمى لا يقول هذا، والجن تعجبت كيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة؟! مجانين هؤلاء؟ أيوجد ولد بدون زوجة؟ مستحيل، كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟!
ثم هذا الولد أيها النصارى كبرتموه وعظمتموه وعبدتموه وجعلتموه إلهاً يعبد مع الله، وعلقتم الصلبان في أعناقكم وحتى على سيارتكم، فأنتم تعتقدون أن اليهود قتلوه وصلبوه!
وقبل أن يسحرهم اليهود كان الصليبي لا يفتح عينيه في يهودي من بغضه له، فهو لا يريد أن ينظر إليه؛ لأنه قاتل إلهه، فكيف ينظر إلى من قتل ربه؟! فهل الإله الذي يعطي ويمنع ويبسط ويقبض ويحيي ويميت يقتل ويصلّب؟! كيف يعقل هذا الكلام؟!
ملايين النصارى من أمريكا إلى اليابان يعتقدون هذا الباطل وهذه الخرافة والضلالة ويموتون عليها!
قبل أن يوجد عيسى من كان يدير الكون؟
وأمه العذراء من أوجدها؟ من نفخ فيها من روحه حتى كان عيسى؟!
لا توجد خرافة أعظم من خرافة النصارى في تأليه عيسى، والآن لما ارتقوا بعض الشيء في الماديات قالوا: نحن ما عبدنا عيسى لذاته؛ بل عبدناه من أجل الله؛ لأن الله يحبه، وهذا كذب.
إذاً: نقول لهم: اسألوا عن الله وتعالوا نعرفكم به! ما دمتم تؤمنون بأن عيسى ابن الله فتعالوا نتعرف إلى الله!
هل الذي كان ولم يكن شيء قبله يكون له ولد يا خرافيين؟!
هل الذي يقول للشيء كن فيكون يحتاج إلى ولد؟
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!
ثانياً: يدخل في حبر الوعيد: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10] المشركون عامة، ويدخل رأساً اليهود المتبجحون في المدينة، فهذه الآية اشتملت على وعيد الله للنصارى واليهود والكافرين.
لماذا ذكر الله الأموال والأولاد؟
لأنهم ما أصروا على الكفر وثبتوا عليه ونفوا التوحيد وهربوا منه إلا من أجل أموالهم وأولادهم، والحفاظ على المركز والوظيفة!
إذاً: ذكر تعالى المال والولد هنا؛ لأن سبب بقاءهم على الكفر والإصرار عليه بعدما لاحت شموس الهداية ونزل القرآن وبعث الله الرسول هو الحفاظ على أموالهم وأولادهم ومراكزهم.
والآن اليهود كالنصارى لم يدخلوا في الإسلام بعد علمهم به -بالنسبة إلى كثير منهم- إلا للحفاظ على حياتهم المادية، وصدق الله العظيم إذ قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:10]، أي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [البقرة:161] لا بد من هذا القيد، فهو لازم وضروري.
ما معنى كفروا؟ أي: سبوا الله، سبوا رسوله، وصفوا الله بما لم يصف به نفسه، نسبوا إليه العجز والنسيان والغلط والخطأ كاليهود، جعلوا له آلهة تشفع لهم عنده خرافة وضلالة!
كفروا: جحدوا رسوله وخاتم أنبيائه محمداً صلى الله عليه وسلم! جحدوا القرآن وأنكروه وقالوا: ليس بكلام الله، وهكذا..
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، لن تغني عنهم أدنى غنى أبداً.
الخبر هذا عظيم! ولهذا والله لو تأتي بمؤمن صادق الإيمان فتصلبه وتقطعه على أن يكفر بالله ما كفر بالله!
إليكم موقف غريب وما هو بغريب إلا أننا تركنا سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم!
أتعرفون خبيباً ؟ من هو خبيب هذا؟
هذا ولي الله في مكة، عذبه أهل الشرك بمكة؛ لأنه قال: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، سجنوه في بيت، فكانت امرأة الرجل تأتيه بالطعام -ليس كطعامنا ولكن كسرة من خبز- فتجد عنده العنب يأكله، فتسأله: من أين لك هذا يا خبيب ؟ فيقول: من الله.
كان هذا في بني إسرائيل ، وكان أيضاً في المسلمين.
وأما في بني إسرائيل فـمريم البتول العذراء نذرتها أمها لله، لا لإبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب نذرت لله ما في بطنها -ونساءنا ينذرن لسيدي عبد القادر - فقالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا أي: خالصاً، فلما ولدته وجدته بنتاً فقالت: إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ .
فخرج بها من خرج بين علماء بني إسرائيل وصلحائهم يقول: من يكفل هذه النذيرة؟
فالكل رغب أن يكون هو الكافل والكفيل فاضطروا إلى القرعة واقترعوا وفاز بها زكريا؛ لأن امرأته أخت حنا ، وكان زكريا وضعها في غرفة مرافقة للمسجد كالمقصورة؛ لتعبد الله، إذ ما خلقت إلا لذلك، وما أرادت أمها إلا أن تعبد الله، فكان إذا دخل عليها يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف فيعجب ويقول: أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].
استفاد زكريا من هذا أم لا؟
الجوب: ما إن رأى هذا المنظر وهذه المرأة العجب حتى قال: لم لا أدعو الله أن يرزقني ولداً، رغم كوني كبير السن وامرأتي عاقراً، فالله يفعل ما يشاء، قال تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].
لما شاهد العبرة وهو من أهل العبرة اجتاز عليها بعبارة إلى أن يسأل الله الولد وهو في شوق وحاجة إليه، وكان يمنعه من الدعاء كونه كبير السن ولم تجر العادة بابن الثمانين والتسعين والمرأة العاقر العقيم، لكن لما رأى آيات الله وعجائبه في الخلق قال: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا [آل عمران:38].
واستجاب الله لدعائه: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39].
فرعون تبجح تبجحاً ما تبجحته أحد، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال لرجاله: اصنعوا لنا آلات نطلع إلى السماء نبحث عن إله موسى هذا وإني لأظنه من الكاذبين!
وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [القصص:38]. قال العلماء: والله ما قال هذا إلا ليخادع البلهاء والبسطاء وإلا فهو موقن أنه ليس بإله ولا بالله ولا يستطيع أن يصل إلى السماء، لكنه استغفل قومه!
وظهرت آيات الله في أخذه وعقابه فألقاه في أعماق البحر هو ورجاله!
أين عاد ذات العماد الشداد، الذين قالوا: من أشد منا قوة، سلط الله عليهم ريحاً لسبع ليالي وثمانية أيام فقط فما أبقت منهم أحداً، أصبحوا كالنخيل المحطمة الهابطة في الأرض.
وأين ثمود؟ وأين.. وأين؟ أهلكهم الله!
إذاً: حال هؤلاء النصارى واليهود والمشركين كحال الأولين: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
ما هي آيات الله؟ هي العلامات التي أعطاها لرسله؛ ليبينوا بها للناس من هو خالقهم، من الرحيم بهم، من مولاهم وسيدهم سواء كانت التوراة أو الإنجيل، أو كانت المعجزات على أيدي الرسل.
أما كذب فرعون وقومه بالآيات؟ بلى تسع آيات عجب، أولها العصا وآخرها انفلاق البحر وما آمنوا، العصا تتحول إلى جان تهتز!
وأعظم من هذا: أنهم أقاموا مهرجاناً حضره أهل البلاد من شرقها إلى غربها وهي مباراة وجاء السحرة بحبالهم ونفخوا فيها بالسحر فأصبحت كلها حيات وثعابين، فخاف موسى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:67-69]، فألقها وقال بسم الله ففتحت فاها فدخل ذلك الباطل كله في جوف تلك الحية، إذا بتلك الثعابين المرهوبة كلها تدخل في جوف عصا موسى، وما إن رأى السحرة تلك الحال حتى خروا ساجدين على الأرض، آمنا برب موسى وهارون، ما وسعهم إلا أن يقعوا على الأرض يرتعدون! وهددهم فرعون وأراد وقتلهم وصلّبهم فلم يردهم ذلك عن دينهم!
كنا نقول: خبيب العبرة لما صدر حكم أبي سفيان عليه السلام رضي الله عنه في إعدام خبيب أيام كان رئيس الدولة الكافرة، أخرجوه من الحرم؛ لأنه لا يجوز القتل في الحرم -كفار ويؤمنون بهذه النعم- خرجوا به إلى الحل إلى التنعيم، وجاءت الأمة وراءه تتفرج، وخبيب على أعواد المشنقة، فبعثوا خبيراً سياسياً يساومه، فقال له: هل ترضى أن محمداً في مكانك هذا وأنت تطلق الآن وتعود إلى أهلك؟ مساومة، لو قال: نعم أرضى لأطلقوه. ولكنه قال لهم: اسمعوا، والله لا أرضى أن يشاك بشوكة وهو في مكانه الذي هو فيه وأن أعود أنا إلى أهلي، فصلبوه! لكن قبل أن يصدر حكم التنفيذ، قال: اسمحوا لي أن أصلي ركعتين، فسمحوا له بذلك! والآن في سجونكم أيها العرب لو يطلب هذا والله ما يعطوه، لم؟ لأن أولئك كانوا من قديم وبقايا الفطرة السليمة موجودة فيهم، الصدق والوفاء والرحمة والولاء موجود فيهم، تناقلوه، ونحن شاخت الدنيا بنا نحن في آخر عمرنا! فلا تعجب.
قال :اتركوني أصلي ركعتين، فتركوه يصلي فقام فتوضأ وصلى وخفف وما أبطأ؛ خاف أن يقولوا: انظروا الخوف من الموت كيف يفعل به! طول الصلاة خوفاً من ساعة الموت! قال: لولا أني خشيت أن تقولوا خاف من الموت فأخذ يطيل الصلاة لأطلتها كما كنت أطيلها وأصلي، لكن دفعاً لهذا الخاطر الباطل استعجلت. فرضي الله عن خبيب وأرضاه!
ما سر هذا الصبر والشجاعة؟ يا معشر العقلاء إنه اليقين، ارتفع إيمانه إلى مستوى اليقين.
وعندنا مظاهر أخرى: أصحاب الأخدود في نجران، تسرب إليهم الإيمان فآمنوا، وكان الحاكم يهودياً، فحكم عليهم بإحراقهم في النار، واقرءوا: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:1-7]، فكان يؤتى بالرجل فيقال له: تعود إلى دينك وإلا تلقى في النار؟ فيقول: لا إله إلا الله، فيدفعونه إلى النار، ويؤتى بالمرأة فتسأل: تعودين إلى دين آبائك وأجدادك؟ فتقول: لا، آمنت بالله، فيدفعونها إلى النار!
وجاء دور امرأة وفي يديها رضيعها ضمته إلى صدرها وفاه معلق بثديها، فلما وقفت ورأت النار ملتهبة خافت، كيف يحترق هذا الطفل؟ فتأخرت وأحجمت فأنطق الله الطفل الرضيع، وقال: أماه أدخلي من النار إلى الجنة دار السلام.
تعرفون الطريق أم لا؟
الطريق ما قررناه من سنتين أو ثلاث سنين! الطريق هو -اسمعوا! بلغوا! علموا- أن أهل القرية من قرى المسلمين سواء كانت في بلاد العجم أو العرب، القرية ذات العدد المحدود كذا مائة أو ألف نسمة يتعاهدون على أن لا يؤذن المغرب وفي القرية رجل أو امرأة خارج المسجد بأطفالهم ونسائهم!
يشتغلون في الفلاحة.. في التجارة إلى الساعة السادسة مساءً، فإذا دقت الساعة السادسة أوقف العمل، وتوضأ، حمل زوجه وأطفاله ونسائه إلى بيت ربه العظيم الجليل، إلى بيت الرب، فيصلون المغرب وكأنهم نسمة واحدة، ولما يفرغون من صلاة المغرب وأداء السنة النافلة ركعتين يجتمعون حول مربٍ عليم يعلمهم الكتاب والحكمة من صلاة المغرب إلى العشاء وهم ساكنون سكوننا هذا يتعلمون الكتاب والحكمة، ويوماً بعد يوم والعام كله وأهل القرية بنسائهم ورجالهم لا يتأخر منهم أحد إلا مريض أو ممرض!
أسألكم بالله كيف سيصبح إيمانهم؟ كل يوم يسقونه بماء النور الإلهي فينمو ويزيد فيبلغ درجة اليقين!
وفي نفس الوقت لا يبقي كذب ولا خيانة ولا غش ولا خداع ولا سرقة ولا حسد ولا كبر ولا باطل ولا ترف ولا سرف ولا شره ولا طمع أبداً، تنمحي بهذا النور الإلهي وتصبح قرية كأنها كوكب في السماء تنير هذه الأرض!
والقرية الأخرى والمدينة، أحياؤها الخمسة أو العشرة أهل كل حي يتعهدون ألا يتخلف رجلاً ولا امرأة من السادسة حتى يصلوا العشاء، ويحضرون كلهم وتغلق أبواب الدكاكين والمقاهي والمعامل، وترمى المساحي وآلات الحرافة، ويجتمعون كلهم في بيت ربهم، فيتعلمون ليلة آية وليلة حديثاً، يتعلمون الكتاب والحكمة، وتزكو أنفسهم وتطيب وتطهر فتتجلى حقائق الإيمان، وتظهر آيات اليقين فينتهي الباطل ويختفي الشر والخبث والظلم والفساد، ويصبحون أولياء الله لو رفعوا أكفهم إلى الله على أن يزيل الجبال والله لأزلاها، ولن يستطيع من على الأرض أن يكيدهم أو يمكر بهم وينجو؛ لأنهم في حماية الله؛ ولأنهم أولياء الله.
هل هناك طريق غير هذا؟ والله لا وجود له أبداً، جربوا ما جربتم! الاشتراكية! الديمقراطية! الرأسمالية! العربية! الوطنية! جربوا الخرافات كلها.. المنظمات.. الأحزاب.. الجمعيات.. الطعن.. السب.. الشتم، وبعد دلونا على خير نراه!
وسؤالي الآن: هل هذا أمر صعب مستحيل؟ هل هذا أمر تمنعه الحكومات الموجودة الآن في العالم الإسلامي؟ والله ما تمنعه، أقسم بالله، والله سيأتون ويجلسون معكم، ما إن تتجلى تلك الأنوار والحقائق وإذا بهم معنا، فينتهي الظلم، حتى الشرطة تنتهي، ما بقي لها مجال، فكلهم في المسجد!
فهيا نطبق هذا؟ ستقولون: لا نستطيع. إذاً: لماذا تتعنترون وتكفرون الحكام وتخرجون عليهم وتقاتلونهم؟ من أجل ماذا؟ من أجل إيجاد الدولة الإسلامية؟ كم سنة وأنتم تقاتلون؟ أين هي؟ لن تكون هذه الدولة إلا إذا كان أفرادها من المؤمنين والمؤمنات.
إياكم أن يقول لكم أبو مرة: اسمعوا هذا العميل هذا الذنب ماذا يقول ، والله ليسمعونها ويقولونها، وقالوها وهم أغبياء جهلة لا بصيرة لهم ولا نور ولا هداية.
عرفنا أن اليقين هو السبب، أما إيماننا هذا فلا، ما يستطيع أن يترك معصية ألفها، تورط في ربا فلا يستطيع أن يتخلص منه، تورط في حشيشه ما يستطيع أن يتركها، تورط في عقوق أبويه وسبهما فيألف ذلك، ما استفاد، ليس هناك إيمان حقيقي ولا طاقة دافعة.
نحن مع إخواننا وأبنائنا العوام طول العام نقرب لهم المعاني ويفهمونه وتستنير قلوبهم، لما يجري أمامك حيوان هارب من أين تمسكه؟ من ذنبه. فلا تأتي من أمامه وتأخذه من رأسه، بل تمسكه من موخره، فالله عز وجل يؤاخذ عباده بذنوبهم! ولكن هل يكون هذا قبل أن يذنبوا؟ لا لا، لما يذنبوا يأخذهم بذنوبهم، قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ .
والذنوب جمع ذنب وهي المعصية، وترك الطاعة لله عز وجل.
وقد يسأل سائل: ما معنى المعصية وترك الطاعة يا شيخ؟ إذا قال لك الله: قف ووقفت أطعت، وإذا قال: اجلس وجلست أطعت، وإذا قال: لا تأكل البرتقال وأكلت عصيت، ما أكلت أطعت، فطاعة الله هي فعل المأمور به، وترك المنهي عنه.
لم يؤاخذنا على هذا؟ لأن فعل المأمور يزكي أنفسنا ويطهرها ويسمو بها إلى السماء ودخول الجنة، ومعصيته بترك ما أمر بفعله أو اجتناب ما نهى عنه يخبث نفوسنا ويلطخها فتهبط إلى الدركات السفلى في عالم الشقاء، فهو يأمرنا وينهانا لصالحنا، فوالله ما أمر ولا نهى إلا من أجلنا!
وهذا الأب يأمر ولده وينهاه لصالحه أم أنه يريد أن يعذبه؟ لصالحه!
إذا نهاه عن مجالسة الضائعين وعن استعمال الدخان أليس من صالحه؟
بلى. والله أرحم من الأب بابنه فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ، وإن شئت فقل بسبب ذنوبهم
قم أنت الآن وبلغ أمريكا والهند والصين والعالم الكفري، قل لهم: والله لتغلبن ولتدخلن جهنم، وتمضي سنة الله فيكم، بلغ عن رسول الله.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، بماذا كفروا؟ بالإسلام وأبو أن يعترفوا به دين الله، وما كفروا إلا للحفاظ على أموالهم وأولادهم ومناصبهم، وما كفروا إلا أنه يكلفهم بأن يصلوا ويصوموا ويتصدقوا!
أذكركم! لما شاعت وراجت البلشفية الحمراء الشيوعية ووضعوا ذلك المبدأ العجيب الغريب، والذي استساغه البشر من غير أهل القرآن والسنة وهو: (لا إله والحياة مادة).
من وضع هذا المبدأ؟ وضعه بنو عمنا اليهود، لا عامة اليهود والدراويش والبهاليل، بل رؤساء ورجالات المأسونية التي تدير دفة العالم في هذه الأيام!
قالوا: كيف نهبط بالبشرية وخاصة الصليبين -أعداء اليهودية- والمسلمين؟
قالوا: نوجد لهم مبدأ ننسيهم الله، بالأدلة والبراهين (لا إله والحياة مادة فقط)، وراجت الفكرة ودرست حتى في مدارس بعض العرب، وأظن في الثانوية درسوا نظرية داروين ، وهي تقول: أن الإنسان أصله قرد!
أعوذ بالله، أولاد حواء يتناسلون جيلاً بعد جيل خلال هذه القرون، يعرفون أمهم وأباهم فيأتي هذا بخرافة ويقول: أصلك قرد، ويصفق له الهابطون!!
لا إله إلا الله! ما انقطعت البشرية قروناً وجاءت من جديد، والله ما انقطعت، من حواء إلى اليوم والبشر يلد بعضهم بعضاً، فكيف يسوغ بيننا أن أصل الإنسان قرد؟! ودفنوا القرد في الأرض وأخرجوا رأسه قالوا هو هذا!!
فحاصرهم علماء أوروبا الصليبيون وأخذوا في جلسات خاصة يضغطون عليهم وقالوا وأخيراً: لو نقول: الله لقلتم صلوا، فلهذا لا نقول الله أبداً، فضاغطوهم وحاصروهم: من خلق الكوكب؟ الماء؟ من أنزل كذا؟ أين.. أين.. فشلوا. قالوا: تريدون أن نقول الله، إذا قلنا الله تقولون صلوا، ولذا لا نقول الله، فانكشفت سوءتهم وظهرت عورتهم، وإلى الآن في كل مكان لا ينكر الإسلام إلا المصر على الفسق والباطل والفجور ولا يريد أن يستقيم ولا يطهر، أما منطقياً وعقلياً فلا وجود لمانع أبداً يمنع الإنسان من أن يعترف بأنه مخلوق وأن له خالق وأنه أنزل كتبه وبعث رسله ليتربى ويكمل ويسمو!
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا قل يا رسولنا للذين كفروا سَتُغْلَبُونَ إي والله العظيم وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، وهذا تناول أولاً اليهود من بني النضير فقد انهزموا وتحطموا، وكذا من بني قينقاع وقريظة دفنوا هنا، وآخر المسجد كانت مقبرة لهم، سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، بئس المهاد مهدوه لأنفسهم، مهدوا وأوجدوا لهم عذاباً في عالم الشقاء.
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ، أي: علامة كالشمس في رابعة النهار فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ، الفئة: الجماعة يفيء بعضها إلى بعض التقتا تلاقيا في ساحة المعركة. أين كان هذا اللقاء؟ والله في بدر. أي بدر؟ هذا ماء في طريق مكة، بئر الذي حفره يقال له: بدر، فسميت القرية به في بدر، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهي فئة محمد صلى الله عليه وسلم ورجاله أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وَأُخْرَى فئة ثانية كَافِرَةٌ جاحدة منكرة للخير والكمالات البشرية يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ من تدبير الله عز وجل لما بدأ السيف والرمح في بدر أن المشركين لما نظروا إلى أصحاب الرسول وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فقط نظروا إليهم وأنهم أضعاف منهم ، وقللهم في أعين المؤمنين، فالمؤمنون لما شاهدوهم وهم قرابة الألف قللهم الله فنظروا إليهم فكأنهم أقل منهم، حتى تحتدم المعركة وتسيل الدماء!
إذاً: قد كان لكم آية على صدق دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، على صدق هذا الكتاب ورسوله من أن المشركين الكافرين سينهزمون وسيتحطمون وسيئول أمرهم إلى جهنم وبئس المهاد، ها هي آية انظروا إليها يا معشر اليهود في المدينة!
لما انهزم المشركون في بدر، بنو قينقاع بدءوا يتبجحون وقالوا: اسمع يا محمد! لا تظن أننا كمن لقيتهم لا يعلمون ولا يعرفون القتال، لو قاتلتنا لعرفت من نحن، تبجحوا، فقال تعالى لهم: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [آل عمران:13] .
دائماً أنبه السامعين والسامعات إلى أن مشيئة الله قائمة على الحكمة، من يشاء نصرهم؟ أولئك الذين قدموا لله قلوبهم ووجوههم وانتهت آمالهم في دنياهم وأصبحوا لا هم لهم إلا رضا ربهم، هؤلاء الذين أقبلوا على الله هم الذين ينصرهم ويؤيدهم، أما الذين قلوبهم ممزقة هذا ينظر للمرأة وهذا للمال وهذا للوظيفة وهذا للحياة وهذا كذا فهذا التشتت وأهله لا ينصرون، وليسوا أهلاً لنصرة الله.
إذاً: تأييد الله يكون للمؤمنين الصادقين الذين أسلموا قلوبهم لله ووجوههم لله.
كيف أسلم قلبي لله؟ أنزعه وأعطيه لله؟ ما معنى أسلموا قلوبهم لله؟
قال تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان:22]، وإسلام القلب لله: أن لا يتقلب قلبك طول العام ولا يدور إلا في طلب رضا الله، حركة القلب ودورانها من أجل الله، لا هم لي إلا أن يرضى الله عني، فهذا هو إسلام القلب لله، وإسلام الوجه فلا تبقى له وجهة يتجه إليها إلا رضا الله وطلب طاعته، فهؤلاء يهديهم الله وينصرهم.
في هذه الأحداث الجليلة عبرة لأولي الأبصار والبصائر، فمن الآن عرفوا أن لا نصر إلا من الله، فلا يطلبون النصر من الشرق والغرب ولكن يطلبونه من الله، برفع أكفهم إليه بعد استقامت القلوب والوجوه، وبانطراحهم بين يديه، لا هم لهم إلا أن يرضى عنهم، ثم يتحقق النصر!
ومن أراد أن يمتحننا يقول لنا: هيا نعود إلى بيت الله من جديد حتى ننمو ونسمو ونكمل أربع سنين فقط إذا دقت الساعة السادسة مساءً لا يبقى رجل ولا امرأة خارج المسجد، الكل يتعلمون الكتاب والحكمة أربع سنين والأمة كلها أولياء لله عز وجل، ومن ثم لو رفعنا أكفنا إلى الله ما ردها صفراً ولا خائبة.
وسرني أمس أن خطاباً وردني من بهلولة من الصالحات في ديارنا افتتحت الخطاب وتقول: الحمد لله الذي جعل القرآن روحاً لا حياة بدونه، وجعله نوراً لا هداية بدونه! فقلت: كيف وصل هذا الخبر واجتاز عشرات الآلاف؟ آمنا بالله، فحمدنا الله أن هذا الدرس مبارك، ونفع الله به في الشرق والغرب؛ لأنه كلام الله.
نعم. لا حياة بدون القرآن ولا هداية بدونه، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فهل تطلب أمة حياة بدون القرآن؟ هل تحيا؟
تحيا كالقردة والخنازير ينزل بعضها على بعض، أما حياة الطهر والصفاء والمودة والإخاء والحب والتلاقي والتعاون فوالله لن تتم إلا على القرآن إيماناً به وحفظاً له ودراسة وتعلماً، وتطبيقاً وتنفيذاً لأحكامه!
هل تريد أن تهتدي بأمتك أو بشعبك أو بإخوانك أو ببيتك إلى حب الله ورضوانه بدون القرآن؟ والله ما وصلته ولا ظفرت به، فالقرآن هو النور: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، سماه الله نوراً؛ فإن انعدم النور تتخبط في الظلام!
والبرهنة على ذلك قاطعة! كيف سلط الله علينا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وهولندا؟ أين ممالك الهند الإسلامية التي حكمت المجموعات من التجار البريطانيين؛ لأنهم هبطوا؟ كيف يسلط الله على أوليائه أعداءه؟ هذا من شأن الله العزيز الحكيم! متنا سلبونا الروح وأبعدونا عن النور فهبطنا فركبوا على أجسادنا وإلى الآن نساق هذا المساق وننتظر يوماً لا تنزل فيه الكوارث والمصائب والويلات، ولا يكون إلا إذا استيقظنا وعدنا إلى الله!
وقد يقول قائل: يا شيخ! كيف نعود؟ أمر صعب، مستحيل هذا؟
فأقول له: والله ما هو بصعب والله هو بمستحيل أبداً، فقط ساعتين من كل أربع وعشرين ساعة نبكي بين يدي الرب في بيته، نبكي يوماً بعد يوم فيرفع الله شأننا ويعلي قدرنا ويذهب آلامنا وأحزاننا.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر