أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.
ما زلنا مع النداء التاسع والثمانين، وهو كما علمتم في وجوب وقاية النفس والأهل من النار، وذلك يتم بشيئين، وهما: الإيمان وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النداء أيضاً في بيان وصف النار، وقانا الله وإياكم حرها، وأبعدنا من ساحتها. آمين.
وأما الطاعة فهي: أن يمتثل العبد أو الأمة أمر الله باعتقاد شيء أو قوله أو فعله.
وأما المعصية فهي: ضد الطاعة، وهي: أن ينهى الله عز وجل عبده عن قول أو اعتقاد أو فعل فيعصيه ويفعله. فإذا أمره بأن يفعل أو يعتقد فلم يستجب ولم يمتثل فقد عصى.
والطاعة والمعصية ضدان، فمن أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يعصهما تأهل لدخول الجنة دار السلام بعد النجاة الكاملة من النار؛ لأن هذه هي الوقاية المطلوبة الله عز وجل في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]. فقد أمر الله في هذا النداء بأن نتقي النار، وبأن نقي أهلينا من النار.
وهذه الوقاية تكون بطاعة الله وطاعة الرسول بعد الإيمان الصادق بالله؛ لأن طاعة الله ورسوله تزكي الأنفس وتطهرها، وتجعلها كأرواح الملائكة أهل الملكوت الأعلى، ولذلك تقبل منا في دار السلام.
وقد صدر حكم الله في هذه القضية، فقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، أي: أفلح عبد زكى نفسه.
وإنما التزكية المطلوبة: تصفية النفس وتطهيرها من أوضار الذنوب والآثام، وذلك بالإيمان وصالح الأعمال، مع اجتناب الشرك والمعاصي، حتى تصبح النفس البشرية كأنفس أهل السماء والملكوت الأعلى، وحينئذ فلن ترد أو تصرف عن دار السلام.
وهنا يجب على العبد ] أو الأمة - كأمي وأمهاتكم- فذكراننا عبيد، وإناثنا إماء، والمالك واحد، وهو الله. ومهما كان الرجل قد سما فينا فإنه لا يزل عبداً لله، ومهما ارتفعت المرأة وسمت وأصبحت تحمل ألف شهادة عالية فهي ما زالت أمة الله، وليس أحد منا إلا عبد أو أمة. فعلى هذا العبد أو الأمة [ أن يعرف أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلمهما أهله ] ويعرف ما نهى الله عنه ورسوله، ويعلم ذلك أهله؛ حتى يقي نفسه وأهله من النار؛ لأن الوقاية لا تكون إلا بفعل المأمور وترك المنهي، والذي لا يعرف أوامر الله ولا نواهيه لا يمكنه أن يطيعه [ إذ من غير المعقول أن نطيع ونحن لا نعرف فيما نطيع، أو نعصي ونحن لا نعرف فيما نعصي ] ومن هنا فيجب على المسلمين أن يتعلموا الكتاب والحكمة، ويجب على المسلمين كي يزكوا أنفسهم أن يعرفوا ما يزكون به أنفسهم. وطريق هذا معروف، فقد سنه رسول الله، وسلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلى أهل القرية سواء كانوا ألفاً أو ألفين أن يفيقوا من سكرتهم، وأن يعاهدوا لله تعالى ألا يفارقوا بيته كل ليلة وطول العمر من المغرب إلى العشاء. فتجلس النساء وراء الستارة، والأطفال دونهن، والفحول أمامهم، وبين أيديهم من يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى أهل الأحياء في المدن أن يتعهدوا لله ألا يراهم بعد أذان المغرب في غير بيته بنسائهم وأطفالهم، ولا تفزعوا ولا تخافوا ولا تقولوا: ستتعطل الحياة بهذا، فكل هذا والله كذب وهراء، والحياة لن تتعطل من أجل ساعة ونصف نرتقي فيها إلى الملكوت الأعلى.
ونتعلم في هذه الساعة والنصف ليلة آية وأخرى حديثاً، وهكذا طول العمر. ووالله لن يبقى بين المسلمين جاهل أو جاهلة. وإذا لم يبق جاهل ولا جاهلة لم يبق الخبث ولا الظلم، ولا الشر ولا الفساد أبداً، بل يصبحون كأهل السماء في طهرهم وصفائهم.
ووالله ما وجدت مانعاً يمنعنا من هذا. إلا لو كنا تحت الحكم السوفيتي الشيوعي أيام كان حاكماً؛ لأنه قد يحرق علينا المسجد الذي نجتمع فيه، وليس هناك مانع غير هذا. بل إن الجاليات في أوروبا أو في الصين أو في اليابان أو في أمريكا أو في أي بلد أحرار، يمكنهم أن يجتمعوا في بيت ربهم، فضلاً عن بلاد المسلمين، فيمكنهم أن يجتمعوا اجتماعنا هذا، ولن يفقدوا أو يخسروا شيئاً، ولن يصيبنا شيء ونحن في بيت ربنا؟
وخلاصة القول: أن على من يطلب الجنة أن يطلب المفتاح الموصل إليها والذي يفتحها له، وذلك بأن يزكي نفسه ويطهرها، فقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. ولا يرد على الله أحد في هذا، ولن يعقب على هذا الحكم أحد بأي استثناء. وقد أقسم الله على هذا الحكم عدة أقسام لم نرها في القرآن إلا هنا.
وبعد هذا تجد من يعيش أربعين سنة في قرية ولا يسأل عالماً كيف يتوضأ، أو من يعيش ستين سنة تاجراً في مقهى أو في دكان ولا يسأل عن أحكام البيع. وهذا حال أغلب هذه الأمة، فـ (75%) لا يعرفون الله، ولا يسألون عنه. ونحن نصرخ ونبكي. فقد صدر الأمر قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]. والوقاية تكون بإيمان صحيح، بحيث إذا عرضته على القرآن صدق عليه، وقال: أنت مؤمن، وتكون بعمل صالح يلازمك وتلازمه، حتى لا يبقى في النفس درن ولا إثم ولا وسخ حتى الموت.
ولا بد لهذا العمل من أن يعرف العبد أوامر الله، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلمها أهله؛ حتى يقيهم من عذاب النار.
قال: [ إذاً: فالعلم العلم! فإنه ضروري ] ولا بد [ وإلا فلا وقاية من النار ] أبداً [ فاذكر هذا أيها القارئ! ] والمستمع! واعلم أن وقاية النفس تكون بفعل الأمر وترك المنهي بعد الإيمان.
[ و] ثانياً [ الصيام ] ويأمرهم بصيام رمضان، ولا يسمح لزوجة ولا لابن ولا لبنت ولا لأخ ولا لمن معه في البيت ألا يصوم ما فرض الله عليه من الصيام. ولم نذكر الزكاة ولا الحج ولا الجهاد؛ لأنهم أطفال صغار ونساء. فالمهم هو أن يتعلموا الصلاة والصيام؛ إذ يوجد الآن بين أفراد بعض العائلات شباناً لا يصومون، بل يتمردون ويأكلون في رمضان في أماكن خفية، وأما الصلاة لا تسأل.
[ و] ثالثاً [ ترك المحرمات ] من قول أو عمل أو اعتقاد، ويراقب أهله في ذلك، ولا يسمح لهم أن يرتكبوا المحرمات [ من الكذب ] فلا تسمع من ابنك أو ابنتك كذبة، أو ترضاها منهما، أو تسكت عنها، بل علمهما الصدق، وتحدث معهما بالصدق، وورث فيهما الصدق؛ حتى لا يخرجان عن دائرة الصدق في أقولهما وأعمالهما [ و] كذلك علمهما ترك [ قول الباطل ] وهو كل كلمة أو حكاية باطلة. فالكلام الباطل هو الذي ليس بحق. فينبغي ألا تسمح لأهل بيتك أن ينطقوا به.
ومن الباطل المجلات التي تنشر الدعارة على علم، كمجلة سيدتي، وما إلى ذلك، أو التي تنشر الصور الخليعة. فلا يشتري الفحل لابنته وامرأته الكلام الباطل، ولا يشتريه حتى له ثم يتركه بين أيديهم. هذا هو المطلوب.
قال: [ وسماعه ] أي: وسماع الباطل سواء بواسطة التلفاز أو الفيديو أو الشريط. وأيام أن هبطنا بسرعة كانت هناك والله جهات وقد انهدت وكانت بجوار باب المجيدي وكنت تشاهد فيها دكاناً والله كله أشرطة أغانٍ من السقف إلى الأرض، فتعجب وتحترق من هذا المشهد، في حين أن الأغاني لا يشتريها مسلم، بل لا يشتريها إلا كافر. وقد صرخنا، والحمد لله فقد نفع صراخنا هذا، ولله الحمد.
ولهذا لا حيلة لإنقاذ هذه الأمة إلا أن ننطق كلنا بكلمة الحق في أي مكان كنا.
ومن المحرمات كذلك: شهادة الزور والخيانة، والغش والباطل، والنميمة والغيبة، والسب والشتم، والسرقة، فضلاً عن الزنا والربا وأكل لحوم الناس. فقول الباطل حرام، وسماعه والتلذذ به حرام أيضاً.
[ و] كذلك يأمرهم [ بذكر الله بالقلب واللسان ] أي: يأمر أولاده وأمهم معهم بذكر الله، ويعلمهم الأوراد الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات، وعند النوم وعند الاستيقاظ من النوم، ويعلمهم أن يذكروا الله بقلوبهم، وألا ينسوا ربهم، فهم عبيده إماؤه، ومخلوقون له، ولا سعادة لهم إلا بذكره، والعيش على عبادته. وينميهم على حب الله وطاعته.
قال: [ والبعد عن اللهو الحرام، كسماع الأغاني، والنظر إلى صور الفيديو والتلفاز ] وأما الدخان فقد رأيناهم والله يستوردون سجائر حلوى في باب المجيدي، ورأسها مذهب كالسيجاة الأمريكية، وهي حلوى تباع بربع ريال أو بقرش. وكان الأولاد يخرجون من المدرسة ساعة الفسحة فتجد في أيديهم سيجارة الحلوى.
والذي يورد هذه في مدينة الرسول عبارة عن كلب. وهو يورد هذه لأبناء المسلمين ليربيهم ويعلمهم التدخين؛ من أجل ريال أو عشرة، ويبيع دينه وملته وأمته، ويحرق بلاده. ولا تلوموهم؛ لأنهم والله ما عرفوا. وقد قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]. وقد كان أحدهم يمر بالحلقة في المسجد النبوي أربعين سنة ولا يجلس فيها، ولذلك لم يتعلم، ولهذا لم يعرف الله حتى يحبه ويخافه.
قال: [ ولعب الورق، ومجالس اللغو ] واللهو. ومجالس اللغو لا تنتج حسنة للدار الآخرة، ولا درهماً للدار الدنيا. وقد ذكر تعالى أن من صفات المؤمنين الناجين: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]. وقال: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55]. ومعنى أعرضوا عنه أي: أعطوه عرضهم، ولم يلتفتوا إليه.
وحد اللغو أنه: كل قول أو عمل أو تفكير لا ينتج لك حسنة لمعادك يوم القيامة، ولا درهماً لمعاشك اليوم. هذا هو اللغو.
ولو عرفنا هذه وضبطناها وطبقناها غداً ولله لتغير نظام حياتنا. فقد وصف الله تعالى أهل الجنة بقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:1-3]. وقال في عباد الرحمن: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55].
واللغو هو: كل قول أو عمل أو تفكير لا ينتج لك حسنة لمعادك. والمراد بالمعاد: يوم القيامة، حيث نعود كما كنا أحياء. وكذلك لا ينتج لك درهماً لمعاشك. فذلكم والله هو اللغو. فلا تتحدث حديثاً لا ينتج لك حسنة ولا ينتج لك درهماً. فإن كان ينتج لك حسنة تكلم وأطل، وإن كان لا ينتج لك درهماً لمعاشك تكلم، وإن لم ينتج هذا ولا هذا فهو اللغو الذي يجب أن نعرض عنه. فلا نضيع وقتنا ولا فكرنا ولا همنا في شيء لا ينفعنا.
ولو تعلم أهل المدينة وأهل القرية هذا المبدأ فقط والله لتغير نظام حياتنا، وانتهى الباطل كله. ولكنهم شاردون هاربون، ولذلك فلن يتعلموا.
قال: [ والكلام السيء، وما إلى ذلك ] وهذه ضخمة وكبيرة وعظيمة. والكلام السيئ هو الذي يسيء إلى غيرك، فأي كلمة تحدث سوءاً فيك أو في غيرك فينبغي ألا تقال، بل يجب أن نربي الولد ألا ينطق بها.
ولو كان الآباء يشهدون هذه المجالس طول حياتهم لما عانوا ولا تعبوا والله أبداً، ولكان أهلوهم مثلهم يقيمون الصلاة ويعبدون الله، لا يسمعون باطلاً، ولا يشاهدون المنكر، ولا ينطقون ببذاءة ولا بسوء، وأسوتهم في ذلك والدهم. ولكن إذا كان الأب هو الذي يسمع الباطل ويشاهده فإذا قال لأولاده: غضوا أبصاركم، ولا تنظروا، وهو ينظر ببصره فإنهم يضحكون منه، ويسخرون منه.
وهناك من يجري في خاطره قول: هذا تشدد وتزمت وتعنت. والجواب: والله الذي لا إله غيره إنه لا يحل لمؤمنة أن تشاهد رجلاً يغني من غير محارمها، ولا يحل لمؤمن تحت السماء أن يستمع إلى صوت امرأة تغني من غير أن تكون امرأته أو جاريته. فهذا نظام حياتنا، وبهذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولن تقي نفسك وذريتك وأهلك من عذاب النار إلا باتباعه. وأنت قد طلب إليك بل أمرت أن تفي نفسك وأهلك من النار، فلا تبح لهم ولا لنفسك أن تشاهد عواهر يرقصن في بيتكم، ولا تشاهد رجال الفسق والكفر يلوحون بأيديهم ويتكلمون أمامك في بيتك وهم كفرة. فهذا لا يجوز. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح لـعائشة أن تعلق خرقة فيها صورة منسوجة نسيجاً، بل غضب واشتد غضبه، حتى قالت: أتوب إلى الله ورسوله، وسألت: ماذا فعلت؟ فقال: ( يا
وإذا أصبح بيت المؤمن وبيت المسلم مأوى للشياطين وأخباث الجن رحلت الملائكة من ذلك البيت، وإذا رحلت الملائكة من هذا البيت فلن ينتج غير الخبث الفساد والباطل، والآثام والمنكرات.
ونحن في مجلسنا هذا أعلمنا بالله أتقانا له، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
وإذا أخرجنا هذا العبث في بيوتنا فلن نصاب بالفقر، ولن يحل بنا الوباء والمرض، بل نطهر ونكمل، ونصبح حقاً أولياء الله، ولكن علتنا هي الجهل. فهيا نعلم ونتعلم. والمدارس الآن في العالم الإسلامي بالملايين، وحتى القرى فيها مدارس والله، وحتى البنات يتعلمن، ولكن لا يوجد طهر ولا صفاء؛ لأن هذا العلم لم يطلب لله، وإنما طلب لغير الله. وهذه العلة. فالذي يطلب العلم لله، ويرحل من بلد إلى بلد يطلبه من أجل أن يعبد الله، ويتملقه ويتزلف إليه بمحابه فعلاً، وبمكارهه تركاً يثمر له علمه الطهر والصفاء. وأما الذي يطلب العلم للوظيفة أو للشهرة أو للسمعة أو ليقال: كذا فلن يعود عليه علمه بخير أبداً.
والبرهان والدليل على هذا: هذا العالم الإسلامي كله العربي والعجمي، فكله الآن مدارس، ولكنه لا يوجد العمل الصالح، ولا الجماعة المسلمة المتحابة، ولا التعاون على البر والتقوى، ولا توجد مظاهر لهذا العلم. والعلة هي: أن هذا العلم قد طلب لغير الله، إلا من ندر، فتجد الرجل يبعث ولده ويقول له: تعلم لتكون كذا وكذا. وزادوا المحنة أيضاً للبنت، فقالوا لها: تعلمي لتصبحي كذا وكذا.
ولهذا إن لم يتدارك الله هذه الأمة فإن عاقبتها ستكون عاقبة سوء. وقد صاح فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( النجاة النجاة! ). فاطلب النجاة لنفسك يا عبد الله!
والعوامل والأسباب والأدوات والآلات التي تقي بها نفسك وأهلك من النار: طاعة الله ورسوله بفعل الأوامر وترك النواهي.
وهذه الرؤيا [ رآها عبد صالح ] إن شاء الله، فقد رأيناه يقيم الصلاة ويذكر الله ويوحده، ولذلك قلنا: عبد صالح [ وهو الشيخ محمد السالك ، فقد بعث بها إلي ] في خطاب بهذه الرؤيا قبل أن أكتب هذه النداءان أو أثناء الكتابة [ فذكر فيها أنه دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه ] وهو في بيته، وقد صدقنا الرؤيا؛ لأنه سبقت له رؤى رآها، وكانت والله لحق، ومن هذه: الرؤيا التي رآها لخادم الحرمين وإخوانه في هذا المسجد. فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالمؤمنين في البناية الجديدة، وذلك لما أشاع المبطلون أن هذا الزيادة لا تصح فيها الصلاة؛ لأنها اغتصبت وأخذ لها بيوت المؤمنين، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالمؤمنين في هذه الزيادة!
ومنها: أنها رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في الروضة، وسأله سائل فقال له: هذا الشيخ الجزائري يقولون فيه: عميل .. ذنب .. حذاء الحكام، كما يقول الشيعة، فقال: اسمع الشيخ الجزائري رجل حكيم. وهذه والله لكلمة حق، فالحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه، ولا يتكلم بالعاطفة ولا بالنزغات والنزعات البشرية، وإنما يدور مع الحق حيث دار. وكانت له رؤى عظيمة. وقد بشرنا بهذه الرؤيا، فكتبناها في الكتاب، فمن رضيها فبها ونعمت، ومن سخطها فبها ونعمت مرتين، ولا يضرنا ولا ينفعنا.
قال: [ وقرأ هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم:6] ... إلى قوله: يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] ] ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم اليوم موجوداً بيننا والله لما تجاوز هذه الكلمة؛ لأن الأمة قد هبطت، وأصبحت تقترب من الهاوية؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ينصح لها بهذه الجملة الإلهية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]. فعجلوا واتركوا الربا والزنا، واتركوا الغش والخداع، وأقيموا الصلاة، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتحابوا وتوالوا، وتجمعوا ولا تختلفوا. وهذه هي الموجبات للنجاة من النار، ولكن هبطنا تماماً.
قال: [ ثم قال: ( ويتوب الله على من تاب ) ] وهذه من جملة الرؤيا. فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية، ثم قال: ( ويتوب الله على من تاب ). وهذا حق. وحاشا لله أن يتوب عبده ويرفضه، بل ما من عبد يتوب إلا تاب الله عليه، أي: إلا قبل توبته ورضيها. وإياك أن تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذا، فقد أخبرنا أن من رآه في المنام فقد رآه حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل به، فقال: ( من رآني منكم فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي )، أي: لا يستطيع الشيطان أن يظهر في صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، ولا يقدر على هذا. وقد كان عمر إذا مشى في الطريق لا يمشي معه الشيطان والله، ولا يستطيع ذلك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم من باب أولى.
قال: [هل تدري ما الملائكة؟] جمع ملك [إنهم خلق يكفي في معرفة حقيقتهم وصف الله تعالى لهم بقوله: غِلاظٌ [التحريم:6]] جمع غليظ [شِدَادٌ [التحريم:6]] جمع شديد. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ما بين كتفي أحدهم كما بين المشرق والمغرب، وقد روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوماً: (أذن لي أن أحدث عن ملك رأسه ملوي تحت العرش، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة). ومع ذلك لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم:6]. فإذا أصدر أمره إليهم لا يمكن أن يعصوه، ولا يعرفون المعصية.
قال: [وإذا كان عرض الكافر في النار] كما بين مكة وقديد، أي: [مائة وخمسة وثلاثين كيلو متراً] هذا فقط ما بين كتفيه [وضرسه كجبل أحد] والله، وهذا يتناسب مع هذا العرض [فكيف يكون الملك الموكل بعذابه؟!] فإذا كان أهل النار هكذا، وهم بليارات فلا يتصور الملك [إنه فوق الوصف]. والملائكة الذين يديرون ذلك العالم الأبدي تسعة عشر ملكاً بِعَدِّ الله تعالى لهم، فقد قال: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30]. فقولوا: آمنا بالله. وقد أعلمتكم أنه ورد: (أن بين كتفيه كما بين المشرق والمغرب). وورد أيضاً: (كما بين السماء والأرض). ولا تضاد بين الخبرين.
قال: [فاذكر هذا وق نفسك وأهلك إن كان لك أهل] وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ). وقوله: (اتقوا النار) أي: اجعلوا بينكم وبينها وقاية ولو بمثل تمرة تتصدق بها.
فآمن إيماناً يحملك على أن تتقي هذا العذاب، واعمل صالح الأعمال. واعرف ما هو الإيمان وحققه، واعرف صالح الأعمال وأدها على الوجه المطلوب، وابتعد عما يسيء إلى نفسك، ويلوثها من الباطل والسوء، عقيدة كان أو عملاً، وبذلك تنجو، وتكسب المعركة، وتنجح بإذن الله. اللهم اجعلنا وإياكم من الناجحين.
[ وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر