أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم، وحشرنا في زمرتهم، ورضي عنا كما رضي عنهم. اللهم آمين.
هذه النداءات احتوت على علوم ومعارف لا توجد إلا في كتاب الله، وما من مؤمن ولا مؤمنة يحفظها ويفهمها ويعمل بما فيها وفي حدود طاقته إلا أصبح من أهل العلم أولياء لله تعالى، وهي لا تكلف عناءً ولا مشقة، ففي ثلاثة أشهر تلم بها كاملة؛ إذ هي تسعون نداء، فلا تمضي ثلاثة أشهر إلا وقد ختمتها حفظهاً وفهماً وعملاً، وتصبح سيد أهل هذه الدنيا اليوم، وتطهر كامل الطهر، وتنجو مما وقع فيه إخوانك من المزالق والمهالك والفتن والمحن والأباطيل، التي نسأل الله السلامة والعافية منها.
وهناك مجلات وجرائد يشتكي طلاب العلم من بائعيها ومورديها، وهم يبيعونها في دكاكين المدينة، ومنها دكان تحت المسجد، وهم بهذا يتحدون رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان حياً، وقد كان رسول الله يغضب للصورة والخلاعة، ونحن نبيعها في مدينته، هذا لسان حالهم، وأما أن يقولوا هكذا فحاشا فهم لا يستطيعون، ولكن لسان الحال أبلغ من لسان القال. والرسول صلى الله عليه وسلم قال في مدينته: ( المدينة حرام من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً )، أي: نصره وأيده وحماه وهو محدث ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً )، أي: لا فرضاً ولا نفلاً. ولا أحد يقوى على أن يقدم على مثل هذا إلا عبداً لم يعرف هذا، ولا بلغه ولا سمع به، وأما إذا علم المؤمن هذا فإنه لا يحدث في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم حدثاً تقشعر له الجلود.
وإن نشر صور الخلاعة معناه: الدعوة إلى الدعارة وإلى الخبث، وإلى فساد الأمة وهبوطها؛ إذ ليس هناك أية فوائد يستفيدونها من هذا، وليس أكثر من أن يأكلوا ويشربوا، ويخروا ويبولوا، ولا يوجد أرباح تتعدى هذا. ولا شك أنهم ما سمعوا كلامنا هذا، ولا بلغهم ولا عرفوا، وإلا لرضي العبد أن يرحل من المدينة ويسكن في أي بلد آخر، ولا يدخل على مدينة الرسول شيئاً يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحزنه ويؤلمه.
وهذا نتيجة الجهل، فهيا بنا نتعلم، ولا سبيل إلى نجاة أمة الإسلام إلا بالكتاب والحكمة، وقد جربنا هذا ولمسناه وعرفناه، وعرفنا أن أعلمنا أتقانا، وأتقانا أبرنا وأصدقنا، وقل ما شئت فيه من الصفات؛ لأن النفس البشرية إذا زكت طابت وطهرت، وأصبحت جوارحها كلها مستنيرة، السمع كالبصر كاللسان كاليد كالرجل كالبطن كالفرج؛ إذ الكل يديرها القلب، ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب ). فهو محط التلقي والإرسال، فهذا الجهاز الدقيق إذا صفا وطاب وطهر فقل لصاحبه: أبشر، وقل لأمة الله: أسعدي.
ومما يذكر هنا: أن إحدى المؤمنات بعثت لنا بحوالي خمسة آلاف ريال، وقالت: إنها تريد أن تسهم في طبع هذا الكتاب، وأخرى اليوم بعثت أيضاً بثلاثة آلاف إلا خمسين، وقالت لي: أعلن حتى تفهم المؤمنات أن الأمانة وصلت، ولقد وصلت، وهي محفوظة، وستسهم في طباعة هذا الكتاب.
وبما أن الله مولاهم ووليهم لا يرضى لهم الخسران، ولا يريد لهم أبداً الضياع والشقاء الأبدي فها هو يناديهم ليعلمهم وليرشدهم؛ ليهذبهم وليأمرهم، ولينهاهم وليبشرهم، والحمد لله على أن كنا منهم، فاللهم لك الحمد على أن جعلتنا عبادك المؤمنين، تنادينا وتعلمنا وتبشرنا فتسعدنا، ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض.
هيا بنا نتغنى بهذا النداء.
[ الآيتان (90،91) من سورة المائدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90-91] ] انتهينا ربنا! ونحن ما شربنا ولا لعبنا، والحمد لله لك يا ربنا! والذين شربوا ولعبوا الليل لا يقولون: انتهينا ربنا! والحمد لله الذي حمانا، والحمد لله الذي وقانا، والحمد لله الذي حفظنا، والحمد لله الذي هدانا، فاحمدوه الليل والنهار على ما أولاكم، وأنعم به عليكم، وهو أهل الحمد والثناء.
ثم جاءت آية البقرة، وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]. وكثرت التساؤلات، واضطربت نفوس المؤمنين والمؤمنات.
ثم جاءت آية النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]. وكانت النفوس الطاهرة تتطلع حتى نزلت هذه الآية. وما إن سمعها عمر حتى رفع صوته: انتهينا يا ربنا! انتهينا يا ربنا!
ولا يعقل يا أبنائي! أن مؤمناً يحفظ هذا النداء على ظهر قلب ويفهم مراد الله منه ثم يقدم على أن يفعل واحدة من هذه الأربع، ووالله ما يستطيع، ولا يقدم على هذا إلا من لم يعرف هذا ولا سمعه ولا آمن به، أو من سمعه ولم يثق فيمن قاله له، أو من إيمانه إيمان صوري لا حقيقة له، أو من ورث كلمة مؤمن أو مسلم فقط، ولم يعرف الله بجلاله وجماله وكماله، ولا عرف ما عند الله، وما لديه الله، ولا عرف محبته، ولا عرف منازل أهل السماء في جنات عدن. هذا هو الذي يتخبط.
وأنتم جهلتم الأمة ولم تعلموها، ثم تريدون أن تعلو وتسمو وترتفع، وينتهي الخبث والتلصص والإجرام، ووالله لا ينتهي ولو أكثرتم من الشرط والبوليس وحتى السحر على كل فرد، فلو كانت القلوب مريضة والنفوس ميتة فوالله ما ينفع، وأقسم بالله. فهيا للعودة يا مسلمين! ومن الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة في قريتنا عن شهود صلاة المغرب والعشاء، وإذا تمرد واحد أو اثنان ولم يحضرا يؤدبونهما، أو يخرجونهما من قريتهم، ويقولون لهم: لستما منا، ولا تجلسا معنا، وارحلا من قريتنا. هذا إن فرضنا وقوع هذا. وحينئذٍ لا تسمع في القرية حتى صوت عالٍ، ولا تشاهد منكراً ولا باطلاً لا في سوق ولا في دكان ولا في شارع أبداً، وتصبح الأمة كأنها الملائكة في السماء. وهذا يتحقق؛ لأنها سنة الله عز وجل، فالطعام يشبع، والماء يروي، والحديد يقطع، والكتاب والسنة يطهران، فهذه السنة والله لا تتعطل، وسنن الله لا تتبدل ولا تتخلف، ولكننا نحن رضينا بالجهل والضلال، وبحثنا عنهما، ولم نجد إلا البلاء في الصور والخلاعة والمجلات، والإسراف والتكالب على الدنيا. وأعوذ بالله من حالنا.
ونحن نبكي هذا البكاء منذ سنة ونصف، ولم يبلغنا إلى الآن أن عالماً قام بهذا الواجب أبداً، ولا أن أهل الحي الفلاني اجتمعوا بنسائهم وأطفالهم ورجالهم كل ليلة. فهيا نمشي ندعوهم.
وقلت: لو كان هناك شيء خارج المملكة في اليابان فإننا نسافر إن شاء الله، ونزورهم ونهنئهم، وهذا حال الأموات، ووالله لا سبيل إلى النجاة بهذا، ويصفون الإسلاميين بالمتنطعين، وغير ذلك من الهراء، وليس هناك طريق إلا هذا الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نريده، إذاً: فلنهبط إلى الحضيض.
والآن تجلت لكم هذه الحقيقة، وهي: أن الإيمان روح ولا حياة بدونه، ومن فقد الإيمان فقد مات، ولهذا أهل الذمة الذين تحت راية المسلمين لا يأمرهم المسلمون بصلاة ولا بصيام، ولا بزكاة ولا بحج، ولا بجهاد، ولا يقبلون في الجيوش الإسلامية؛ لأنهم أموات، والميت لا ينفع، ومن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فقد حيي، وأصبح يسمع ويبصر، ويعي ويفهم، ويقدر على أن يفعل أو يترك. فليفهم المسلمون هذا الكلام، و(95%) منهم ما سمعوا هذا ولا بلغهم؛ لأنهم لا يجتمعون على كتاب الله، فهم لن يعلموا، بل يضحكون من هذا الكلام إذا سمعوه، وهؤلاء مساكين. فاذكر هذا ولا تنسه.
وقد اشتكت مؤمنة وقالت: بعلها يأتي سكران، فقلت لها: اهربي منه، ولا تمكنيه من نفسك وهو سكران، فقد يفعل الباطل والشر، وقد يخنقك، واطرديه حتى يصحو، وأدبيه وعلميه وذكريه ولا تنسيه أبداً؛ لعل الله أن يتوب عليه. اللهم تب عليه.
ثانياً: علمناهم في الفقه وأصوله: أن الذي يتناول كأس اللبن أو العسل على هيئة شرب المحرمات ويتلذذ بكيفية تناوله يكون في حقه حراماً، كأن يضع أمامه الطاولة ويشرب ولكن بهيئة خاصة، كأن يدخن السيجارة، ويضع يده على السيارة كأنها يد يهودي أو نصراني، كما حفظها وشاهدها في التلفاز أو في غيره.
يقول علماء الأصول: الذي يتناول الكأس على هيئة يتناول عليها أهل الشرب يصبح ذلك الشراب الحلال في حقه حراماً، وينقلب في حقه حراماً. وهذه ليست فتيا، وإنما هي أصول. وهنا شبيبة ضائعون في المدينة وفي غيرها، يتلذذون بكلمة بيرة، ولو تلذذوا بالعسل بلفظ البيرة فهو حرام كالخمر.
وهم يوردون البيرة مع الباخرة فقط. فهذه أربعة عيوب تجعل هذه البيرة محرمة، وإن كانت عسلاً، لكن الذين ما عرفوا الله ولا خافوه ولا رهبوه يقولون: هذا الكلام هراء، وليس هناك شيء في بيع البيرة، ويصدرونها ويبيعونها، وقد قاومتهم الهيئة، ولا أدري ما تفعل الآن.
وقد دخلت قبل يومين أو ثلاثة مكاناً، فوجدت بعض الأشياء، فقلت: انظر إلى الغفلة، فأهل هذه في أوروبا وفي أمريكا وفي بلاد الكفار يضعونها عندهم، ولا يفكرون في هذا ولا يذكرون، ويتمتعون بالنظر إلى هذه الصور وهذه الأشياء التافهة. وأما أهل لا إله إلا الله الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، والذين لا يفترون عن ذكر الله فليس في قلوبهم كرب ولا حزن حتى يشاهدوا صوراً تهدئ لهم أنفسهم، فهؤلاء يعيشون مع الله، فلا يوضع لهم هذا في بيوتهم ودكاكينهم للنظر إليها؛ لأن مشاهدتها تؤدي إلى الغفلة عن ذكر الله، ووالله إنها لصارفة عن ذكر الله، وليست داعية لذكر الله أبداً. وممكن أن تكتب آية فيها ذكر الله في الجدار، وتنظر إليها وتذكر، وأما هذه الصور والتماثيل الباطلة فإنها تلهي عن ذكر الله وتنسي. وأهل الكفر لا نلومهم؛ فقلوبهم ميتة، ولذلك يشاهدون هذه، وإنما نلوم الذين هم مع الله، كما قال الله: ( أنا عند عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ). وقال: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35].
ألا فلنعرف هذا أيها القارئ الكريم! ولنلعن الشيطان ونخيبه في دعوته باجتنابنا التام للخمر، فلا نشربها، ولا ننتجها، ولا نبيعها، ولا للميسر، فلا نلعبه وأياً كانت آلاته نرداً أو شطرنجاً، أو كعاباً أو غيرها كالكيرم والدمينو وغيرها؛ إذ الكل مما حرم الله جل جلاله وعظم سلطانه، وبذلك ننجو من فتنة الشيطان، فتدوم محبتنا لبعضنا وولاؤنا، ولا نفتر ذاكرين لله، مقيمين للصلاة التي هي عمود ديننا، ومركز قوتنا، ومنارة هدايتنا، وسلم رقينا ونجاتنا من الوقوع في الفحشاء والمنكر، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
ولنذكر ما ختم الله تعالى به هذا التوجيه الإلهي لنا، وهو قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، لنقول: انتهينا ربنا! كما قال عمر رضي الله عنه، لما كان يقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، حتى نزلت هذه الآية فقال: انتهينا ربنا! ونحن نقول: لا نقارف هذه الخبائث، ولا نرضى بها، فثبتنا ربنا! فإنك ولينا، ولا وليّ لنا سواك، ولك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أعطيت. وسلام على عبادك الصالحين، والحمد لله رب العالمين ].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر