أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.
وبما أننا مؤمنون والحمد لله على نعمة الإسلام فنحن منادون من قبل مولانا عز وجل، وقد كان نداء الأمس هو قول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130].
فعرفنا أنه نادانا بوصفنا مؤمنين، ونحن أولياؤه وهو ولينا، وقد نادانا لينهانا عن أكل الربا؛ لما فيه من المفاسد والمضار التي تعود على الفرد والجماعة على حدٍ سواء، وأمرنا بتقواه، أي: بالخوف منه، حتى نطيعه ولا نعصيه، فتتم ولايتنا لله عز وجل، وحينئذ نفلح في الفوز بالجنة بعد النجاة من النار، ومن باب التذكير لمن نسي أذكركم أن ربا الجاهلية أرحم وأخف من ربا البنوك اليهودية، فقد كان ربا الجاهلية إذا احتاج أحدهم إلى دراهم أو دنانير يأتي إلى أحد الأغنياء فيقول: أقرضني كذا إلى شهر أو إلى موسم كذا فيقرضه مجاناً بلا مقابل، فإذا حل الأجل وعجز المستدين عن السداد قال لصاحبه: أخر وزد زيادة معقولة. وأما ربا البنوك اليوم فسواء أتيته بالنقد في أجله أو لم تأت فالزيادة حتمية، وقد بلغنا أنك إذا استدنت ألفاً يعطيك تسعمائة وخمسين ويسجل عليك ألفاً، وهذا معناه: أنه استعجل الربح قبل السداد. ومعنى هذا: أننا من الآن نبغض ربا المعاصرين كربا الجاهلين.
واذكروا أن الذي وضع هذا الربا البنكي ليس المسلمون ولا المسيحيون ولا الصليبيون، وإنما هم اليهود عبدة العجل المغضوب عليهم، فهم الذين وضعوا هذه الشبكة؛ ليوقعوا البشرية في صيدهم؛ لأنهم يعملون بجد على إعادة مملكة بني إسرائيل، لا من النيل إلى الفرات فقط، بل على العالم كما كانت على عهد الملك سليمان عليه ألف سلام.
وهم لا يساوون واحد إلى ألف في العالم، بل إلى مليون، فالطريق إلى ذلك إذاً إفساد البشرية، وتحطيم أخلاقها، والقضاء على آدابها وعقائدها وسلوكها الصالح؛ لتبقى كالبهائم، وحينئذ الرجل منا يسوق ألف بقرة وألف بعير، هؤلاء هم بني عمكم اليهود.
إذاً: فلنتبرأ إلى الله من هذه البنوك، وذلك بأن نتعهد أن لا يرانا الله جل جلاله أمام بنك، فلا نودع ولا نستقرض ونثبت على ذلك، فلو أن أهل بلد أخذوا بهذه النظرية الإسلامية فأصحاب البنوك إخواننا يرحلون، وبعد أربعة أشهر لن تجد بنكاً مفتوحاً أبداً، ثم هم بالخيار إما أن يحولوها إلى مصارف ربانية إسلامية نورانية، فيبارك الله فيها الكثير والقليل، وينتشر الإخاء والمودة والحب بين المسلمين، وإن رفضوا هذا لأنهم لا يريدون الله والدار الآخرة فليذهبوا في الأرض حيث شاءوا، وأما نحن فلن ندخل النار من أجل إرضائهم، وليس في الإمكان أن يفعل عبد الله هذا، بل نترك هذا لله.
والمفروض أن كل السامعين أو السامعات أمس يكونون قد حفظوا هذا، مثل أمور الدنيا التي يحفظونا حفظاً جيداً، ومثل ما تحدث أحدهم عن السوق فيفصل لك ما رأى في السوق، وهذتان الكلمتان لا يريد أن يحفظهما، ويعجز عنها. سبحان الله!
وربا النسيئة: هو ربا التأخير، كأن أقول: أخر وزدني، أو يقول المقرض: أأخرك وأزيد في الربح. هذا ربا النسيئة.
وربا الفضل: هو أن يبيع ربوياً بآخر بالتفاضل، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الربويات في حديث وعدها ستة أنواع: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح.
وأمة الله تعجز عن حفظ هذه، ولو كانت أغنية فإنها تغني بها ولا تنساها.
فإذا بعت ربوياً بربوي وجب أن يكون الوزن والكيل متساويان، كأن يكون صاعاً بصاع .. حفنة بحفنة .. قنطاراً بقنطار .. كيلو بكيلو .. رطلاً برطل، ولا يصح الزيادة أبداً، فتبيع الذهب بالذهب بدون زيادة، والتمر بالتمر بدون زيادة، وإن كان هذا برنياً وذاك عجوة، فكلاهما يسد حاجة الإنسان، فلا يجوز التفاضل، وكذلك الملح بالملح، والشعير بالشعير، والبر بالبر. والشارع الحكيم يقول: مجتمعنا الرباني لا يوجد فيه التفاضل بين هذه الربويات لما في ذلك من الضرر، وهذا الضرر هو أنك إذا أعطته قنطار شعير وأعطاك ربع قنطار قمح فلن تبقى نفسك مطمئنة راضية عنه، ووالله لتنظرن إليه بنظرة شزرة، وكأنه احتقرك وأخذ مالك، مع أنك أنت المحتاج إلى هذا. هذه نفسيات البشر. وإذا اشتريت منه مائة جرام ذهب بمائة وخمسين فلن تحبه، وكذلك إذا زاد خمسة وعشرين جراماً فإنك لن ترضى عنه، والإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا على قلب رجل واحد. وأن يكون المسلم أخو المسلم، والمؤمن أخو المؤمن، وشأنهم واحد، وأن يكون المسلمون متساوين كأسنان المشط، فأيما عمل من شأنه أن يوغر الصدور بالعداء أو بالبغض والحسد فهو ممنوع.
إذاً: ربا الفضل في هذه الستة وما قيس عليها من كل مقتات مدخر. والمقتات: الذي يصلح قوتاً للإنسان لا للحيوان. والمدخر أي: أن يكون قابلاً لأن يدخر السنة والسنتين فلا يفسد. ومن هنا لو بعت بطيخاً ببصل جاز التفاضل، ولو بعت ثوماً ببصل لجاز التفاضل؛ لأنه ليس بمدخر ولا مقتات، ولو بعت مثلاً تفاحاً بتمر لجاز التفاضل فيه؛ لأن التفاح ليس بمدخر، وهو مقتات نعم، ولكن لا يدخر.
وقد عرفنا هذا أمس وأعدناه الآن، وسواء كنا عاميين أو كنا طلبة علم، فالربا نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة.
ربا النسيئة وهو: أخر وزد، كأن تقول: أعطني ألفاً إلى ست أشهر وأعيدها ألفاً ومائة. وهذا هو ربا الجاهلية.
وربا الفضل في هذه الأنواع الستة وما لحق بها من كل مقتات مدخر، فلا نبيعها متفاضلة أبداً، ونبيعها أيضاً يداً بيد، ها وها.
والذي أمر بهذا وشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليحافظ على الإخاء والمودة، وعلى التراحم والتعاون، وعلى القلوب الطاهرة التي تشرق بذكر الله، فمجتمعنا ليس مجتمعاً هابطاً مادياً لاصقاً بالأرض، بل هو مجتمع يتطلع إلى أن ينزل في يوم ما في الملكوت الأعلى، بخلاف مجتمعات الكفر فهي هابطة إلى أسفل الكون. وهذا هو الفرق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الربا: ( الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها أن يزني الرجل بأمه ). ولن يقدم أحد على هذا، ولن يقوى على فتح بنك في بلد إسلامي ويدخل النار في بيوت الناس، وإنما الجهل هو السبب، فهيا نعلم ونستريح، وبدون علم يقيني لن يستقيم أمر المجتمع الإسلامي.
وهناك تفاضل في الربا، فأعظم و( أربى الربا عرض المسلم ). فالذي يفسد على المسلم امرأته ويفجر بها في بلاد المسلمين، والذي يفسد على أخيه ابنته ويفسد عقلها ويعبث بها قد فعل أربى الربا، ولا أربى من هذا. والذي يمزق أعراض إخوانه ويتهمهم بأنواع الباطل والخبث والشر والفساد وهو يضحك قد أتى أعظم أنواع الربا؛ لأن الربا الأول ما حرم إلا من أجل هؤلاء المؤمنين. وهذا يذبح المؤمنين ويمزق أعراضهم، فهو أعظم شراً. فعلة تحريم الربا هي أذية المؤمنين، التي توجد بينهم العداوة والبغضاء والتقاطع والتدابر وعدم الرحمة، وتمزيق أعراهم وانتهاكها، هذا هو الذي حرم الربا من أجله، وهذا قد فعل أعظم منه، فلو عرف المسلمون هذا لما قدم أحدهم على أن يفجر بامرأة أخيه المؤمن وإفسادها عليه، أو إفساد ابنته عليه. وإنما وقعنا في هذا لأننا ما عرفنا، ولا جلسنا في حجر رسول الله وتعلمنا عليه، ولا جالسنا أولياء الله، ولا تربينا بين أيديهم، ولذلك انظر إلى العالم الإسلامي كيف يعيشون.
هذا النداء موجه إلى المؤمنين، والمؤمنون هم الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، هؤلاء هم المؤمنون، ومنهم الأبيض والأصفر والأحمر والأسود، وعرب وعجم في الأرض، والذي ناداهم هو الله، والحمد لله أن الله لم ينادنا بعنوان: يا أيها الآكلون! أو يا أيها المصطافون! أو يا أيها الأغنياء! أو يا معاشر السود! أو البيض! بل نادانا بقوله: يا أيها الذين آمنوا! فلنقل: لبيك اللهم لبيك! مر نطعك، ونقولها بالقلب واللسان.
قال: [ الشرح ] يقول المؤلف لهذه النداءات: [ اذكر أيها القارئ الكريم! ] وهذا القارئ الذي يصبح هذا الكتاب عند رأسه، وعندما يريد أن ينام في الليل يسمع نداء من نداءات ربه، ويقول: لبيك اللهم لبيك! فإن كان فيه أمر تهيأ لتنفيذه، وإن كان فيه نهي استعد لترك المنهي، وإذا كان فيه بشرى حمد الله وشكره عليها، وإن كان فيه تحذير أو نذارة حذر وخاف وانتبه؛ إذ لا ينادينا ربنا ليلعب بنا أو يعبث! حاشاه! وتنزه الله عن اللهو واللعب، فهو لا ينادي عباده وأولياءه المؤمنين إلا ليأمرهم بما فيه سعادتهم، أو ينهاهم عما فيه شقاؤهم، أو يبشرهم بما يزيد في إيمانهم وصالح أعمالهم، أو ينذرهم مما يخاف عليهم منه من الشرك والشر والبلاء، أو يعلمهم علماً يسمون به ويرتفعون. ولا يناديهم لغير هذا أبداً، وقد تتبعنا نداءاته التسعين في كتابه، فوجدنا أنه لا ينادينا إلا ليأمرنا بما يكملنا ويسعدنا، أو لينهانا عما يشقينا ويردينا، أو ليبشرنا أو ينذرنا أو يعلمنا. ولله الحمد والمنة.
فالمؤمن- وخاصة الآن وقد عمت الثقافة وتمت الصحوة كما قالوا، وأصبح الرجل كالمرأة يحسن القراءة والكتابة- يضع هذا الكتاب عند رأسه، فيضع له لوحة ويضعه عندها، كما وضع النصارى الإنجيل في الفنادق، فالمسيحيون دعاة النصرانية يتبرعون لأهل الفنادق العالية بنسخ من الإنجيل، وهذا الإنجيل والله إنه لمجموعة من الخرافات والضلالات، وكلام الله فيها أقل من (10%)، والباقي كله أضاليل، ويضعونه عند رأس النزيل - وجمعه نزلاء- ليقرأ آية من الإنجيل، وأما نحن فبأيدينا نور الله، وعندنا كلام الله، والله ما زاد فيه أحد حرفاً، ولا قدر على أن ينقص منه كلمة، ولو تجتمع البشرية كلها على زيادة أو نقص في كتاب الله فوالله لن يقدروا، ومن يستغرب هذا نقول له: لقد مضى على نزول القرآن ألف وأربعمائة وأربع عشرة سنة، لم يستطع المستعمرون الذين داسونا وحكمونا في الشرق والغرب أن يبدلوا منه كلمة واحدة؛ لأن الله تعالى تعهد بحفظه، فقال عز من قائل رب العزة: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والذكر هو القرآن، وقد سمي القرآن ذكراً لأنك لا تستطيع أن تقرأ القرآن دون أن تذكر الله في قلبك، ولا تستطيع أن تسمع من يقرأ القرآن ولا يخطر ببالك ربك، فهذا مستحيل، فالقرآن هو الذكر، قال تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]. فلهذا صرفونا عن القرآن حتى ننسى الله ولا نذكره، ووضعوا لنا الأغاني. إذاً: فعلى كل مؤمن أو مؤمنة يحسن القراءة أن يفهم هذا الكتاب الذهبي النوراني، ونداءاته تسعون نداء، منها تسعة وثمانون نداء بـ: يا أيها الذين آمنوا! وواحد بـ: يا أيها النبي! وقدم الله الرسول صلى الله عليه وسلم هنا تشريفاً، والمأمورون به نحن، يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الطلاق:1]. وهذا النداء وإن ابتدئ بالرسول صلى الله عليه وسلم فالمقصود به أمته، وما عدا ذلك فكل النداءات تبدأ بيا أيها الذين آمنوا! فيا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً! اصغوا واستمعوا، وأحد المؤمنين من التابعين إما خارج الحجاز أو داخله قال لـابن مسعود - وهو عبد الله بن مسعود الهذلي ، كان دائماً وراء الرسول صلى الله عليه وسلم كالظل-: اعهد إلي بشيء يا صاحب رسول الله! وأوصني بشيء، فقال له: إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا! فأعرها سمعك، أي: إذا سمعت قارئاً يقرأ: يا أيها الذين آمنوا! أعطها أذنك واسمع؛ فإنه خير تؤمر به، أو شر تحذر منه، وأنت لا تريد شيئاً غير أن تحذر الشر وتأخذ الخير، وليس هناك أكثر من هذا. وليعلم الجاهل وليذكر الناسي أن عبد الله بن مسعود هذا جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ( يا
وأكشف الغطاء عنا، فها أنتم أيها المستمعون من الشرق والغرب! ليس منكم من قال لأخيه يوماً: أي فلان! اقرأ علي شيئاً من القرآن، وأنتم صفوة المسلمين وخلاصتهم، فليس بيننا من قال لأخيه مرة: أي فلان! اقرأ علي شيئاً من القرآن، وقد حصل هذا، لنعرف مستوانا، ولن نستطيع أن نخترق السبع الطباق ونتجاوز مسافة سبعة آلاف وخمسمائة سنة حتى نصل إلى الفردوس الأعلى ونحن هكذا. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] أخبر الله عنهم أنهم فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]. وقد تقولون: يا شيخ! طاعة الله وطاعة الرسول ليست بهينة ولا بسهلة، بل أمامها العقبات. والجواب: أيها الأبناء! لا عقبة سوى الجهل فقط، فمتى علم عبد الله أو علمت أمة الله وأصبح العلم يقينياً في قلوبهم ذابوا في طاعة الله عز وجل، ولا يبقى شيء صعباً أبداً. والعلم الذي في المدارس التي عندنا والجامعات والكليات لا يكفي، فأقل بلد إسلامي أو دويلة صغيرة فيها الجامعة وفيها الكليات، وفيها المدارس والتعليم الرسمي، وهو واجب حتى للبنات أيضاً، ولكنه ليس له آثار، وليس هناك أنوار للعلم في سلوكنا؛ إذ لا يوجد بيننا من هو مطمئن النفس ساكن البال هادئ راض بحالنا، والسبب أننا ما طلبنا العلم لله، وهذه ليست مبالغة، ومن ثم ما زلنا جهلاء، وما عرفنا الله معرفة إذا ذكر بيننا وجلت قلوبنا، وذرفت العيون الدموع؛ لأننا ما عرفناه.
وإذا كنتم تريدون أن تعرفوه فهذا الكتاب المسمى بنداءات الرحمن لأهل الإيمان اطبعوه ولا تبيعوه، ووزعوه على المسلمين، وترجموه إلى لغات المسلمين المختلفة، فهذا يسد مسداً لا يسده غيره، فنداءات الرحمن تسعون نداء احتوت على كل المعارف في الحرب والسلم، وفي المال والاقتصاد، وفي الآداب والأخلاق، وفي العبادات والتاريخ، وفي الشرائع، ولا إله إلا الله! فهذه موجودة في القرآن، فقد جمعت وقدمت لنا في ورقات، فلنجب ربنا وهو ينادينا.
قال: [وما إن أخلوا مراكزهم الدفاعية حتى مال إليها العدو واحتلها، وسلط عليهم وابل السهام والنبال، فهزمهم، وفروا هاربين تاركين رسولهم تسيل دماؤه، وهو يدعوهم: (إلي عباد الله! إلي عباد الله!). كما قال تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153] ] ومعنى تصعدون أي: تصعدون الجبال، فأصعد في الأرض إذا سار فيها ومشى، والغم [ الأول ] هو: [ غم فوات النصر والغنيمة ] وهذا غم أصابهم بعدما ظنوا أنهم انتصروا ففات هذا، فأصابهم الله بهذا الغم [ و] الغم [ الثاني: القتل ] إذ استشهد منهم سبعون بطلاً، وعلى رأسهم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبه حمزة أسد الله في الأرض، وضاع كل شيء [ وجراحات نبيهم صلى الله عليه وسلم، إذ جرح في وجهه، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم ] وقد حدث هذا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نريد أن نسود ونعلو وترتفع راية لا إله إلا الله، ونحن لسنا بشيء مع أولئك المؤمنين في طاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ وثانياً: أن طاعة الكافر والأخذ برأيه أو توجيهه وإرشاده تؤدي بمن أطاعه إلى الكفر حتماً ] وليس في هذا شك، فوالله أن من أطاع الكافر فيما يقوله ويوجهه فقد كفر، فالكافر لا يأمرك بالإيمان والإسلام وطاعة الرحمن، ولا بالاستقامة على منهج الحق والخير والنور، بل لا يأمر إلا بالفجور والباطل والكفر، فطاعتهم قطعاً يكفر صاحبها، وقد تقدم النداء الخطير: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] [ ومن كفر بعد إيمانه فقد خسر خسراناً مبيناً، وليس هذا خاصاً بزمان دون زمان، أو مكان دون مكان، بل طاعة الكفر تؤدي المطيع حتماً إلى الكفر ] والله العظيم [ إذ الكافر لا يأمر ولا يدعو ولا يهدي إلا إلى ما هو فيه وعليه من الضلال والكفر والخبث والشر والفساد ] فالكافر لا يدعو إلى أن تقام الصلاة.
[ وثالثاً: أن الطاعة الواجبة - وهي المنجية من الخسران في الدنيا والآخرة- هي طاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المؤمنين، لا طاعة الكافرين والمنافقين؛ لأن من طلب النصر على العدو فليطلبه من الله مولاه القوي القدير العزيز الحكيم العليم الخبير، لا من عدوه وعدو مولاه، وهو الكافر الضال الحائر الهالك المتهالك، فهل مثل هذا يطلب منه النصر؟ ولنعد تلاوة الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ [آل عمران:149-150] ] فهو الذي يطاع [ أي: أطيعوه واطلبوا النصر منه؛ فإنه ينصركم وهو خير الناصرين. ألا فليعلم هذا عباد الله اليوم، وليؤمنوا بالله، وليتقوه؛ فيصبحوا حقاً عبيده، وهو مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه، ويومئذ إن أصابهم خوف، أو حلت بهم هزيمة لمخالفتهم هدي ربهم ونبيه صلى الله عليه وسلم فليطلبوا النصر منه سبحانه وتعالى؛ فإنه ينصرهم ولا يذلهم ولا يخزيهم، وكيف لا وهو مولاهم، وهم لا مولى لهم سواه؟
ألا فليعلم هذا كل مؤمن ومؤمنة، وليطيعوا ربهم ونبيهم وولي أمرهم منهم ] إذ أنه مؤمن مثلهم لا كافر، وهنا يقول إخواننا: أولو الأمر عندنا ليسوا بشيء، فلا نطيعهم، وانتبهوا! فلو أطعنا الله عز وجل ورسوله وأطعنا أولي الأمر منا فوالله ما هبطنا هذا الهبوط، ولا أكلتنا هذه الفتن، ولا شوهت قلوبنا وأبصارنا وعقولنا، ولكننا ما أطعنا، ونرجع باللائمة فقط على الحكام، ونحن في وضع يرثى له.
وما زلت أقول: إياكم أن تفهموا أن هذا الجهل والهبوط من الحكام، وانزعوا من أذهانكم هذا، بل هو والله لمنا نحن؛ إذ ما حدث في العالم العربي بالذات حاكم أجبر الناس على الكفر أو على الفسق والفجور قط، إلا ما كان فترة معينة من شيوعي عدن لما حكمت الشيوعية، فقد كفر الناس بالقوة، وما عدا ذلك المسلمون من أندونيسيا إلى موريتانيا هم الذين تحللوا، وذهبوا وأعرضوا عن الله وكتابه ورسوله، فلا عذر أبداً.
[ ولا يقبلوا طاعة غيرهم من أهل الكفر والنفاق والشرك والجهل من العرب أو العجم على حد سواء، وليطلبوا نصر الله على من عاداهم أو حاربهم أو سالمهم؛ فإن الله لا يخلف وعده في قوله: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:7-9]. ألا فلنقبل على الله في صدق، ولنثق في وعده؛ فإن الله لا يخلف وعده.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر