أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.
والنداء السالف الذي درسناه بالأمس أذكر المستمعين والمستمعات بنصه أولاً، وهو قول ربنا جل ذكر بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279].
عرفنا أن الله تعالى شرفنا وله الحمد بأن نادانا، وإلا من نحن حتى ينادينا رب السموات والأرض وما بينهما، ونادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي، يسمع ويعقل، ويقدر على أن ينهض فيفعل أو يترك، وأما غير المؤمن فهو في عداد الأموات، ومن شك فليذكر أن الذمي من أهل الكتاب في ديارنا لا يؤمر بصلاة ولا بزكاة، ولا يؤمر بالصيام ولا بالجهاد؛ لأنه ميت، فإذا نفخ الله تعالى فيه روح الإيمان وآمن تمت حياته، ويصبح متهيئاً لأن يتكلف بكل ما يكلفه الله به، هذا هو سر الإيمان.
ثم أمرنا بتقواه، وقد عرفتم زادكم الله علماً أن تقوى الله عز وجل هي أن نطيعه ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم في أي شيء يأمران به وينهيان عنه.
واعرفوا أوامر الله ونواهيه كما تعرفون لحياتكم الطعام والشراب والهواء، واسألوا العلماء، وائتوا بهم إلى حيكم .. إلى قريتكم، ولازموهم حتى تعلموا، وأما عدم معرفتنا فمن أخطائنا.
ولا يمكن تحقيق ولاية الله إذا لم نطعه ونطع رسوله، فولاية الله شرطها بعد الإيمان التقوى، وقد حفظتم هذا وتكرر، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وهم الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فلا يمكن أن تتحقق ولاية الله لأي عبد أو أمة بدون هذين الشرطين، فهذا والله ما كان، ومن لم يحققهما فهو عدو لله، وليس أبداً بولي لله، فلا بد من الإيمان والتقوى.
وقد علم السامعون والدارسون سر هذه القضية، وهو: أن المؤمن المتقي يعمل بتلك الطاعات؛ فتزكو نفسه، أي: تطيب وتطهر، فيصبح من الطاهرين، والله يحب الطاهرين، وأما أهل خبث الأرواح، فهم بعداء عن الله بعداً لا حد له، والرسول يقول: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ). والله يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]. فهو يحب التوابين لأنهم تنجسوا وتخبثوا وتلوثوا، فكرههم ولم يحبهم، ولما عملوا على تطهير أرواحهم برجوعهم إلى التكاليف المزكية للنفس فحينئذ أحبهم.
بعد الأمر بالتقوى قال لنا تعالى في هذا النداء: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]. فمن عنده شيء من الربا معاشر المستمعين فليخرجه من صندوقه ومن جيبه، ومن كان عنده شيء من الربا في بنك من البنوك فليتنازل عنه ولا يأخذه أبداً.
وقد صدرت فتيا من كبار العلماء أو من مجلس الفقه بأن هذه الأموال إذا كانت في بنوك بلاد كافرة كأوروبا وأمريكا واليابان والصين فهذه الأموال الربوية تعطى للجمعيات المجاهدة هناك التي تبني المساجد وتعلم الناس الإسلام، وهي فتيا سليمة وصحيحة؛ لأن الجاليات الموجودة في العالم الكافر لو نظم أمرها وعلمت طريق ربها والله لكانوا مرابطين في سبيل الله، ولفتح الله البلاد على أيديهم، ولكن مع الأسف لا تنظيم ولا توجيه ،ولا تعليم ولا عون، وهم يكافحون بأنفسهم.
ومن هنا بلغوهم: أن الذي يقيم بين ظهراني الكافرين تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليعودوا إلى بلادهم وإن جاعوا وعروا، وإن ضربوا وسجنوا، فلا تحل إقامتهم في دار الكفر وترك دار الإسلام، اللهم إلا أن يفعلوا ما يلي:
أولاً: يطهروا قلوبهم؛ وذلك بأن يعتقدوا المعتقد السليم الصحيح الذي يقوم بنشره من يسمون بالسلفيين، فلا بد من سلامة المعتقد، وأما مع الاعتقاد الفاسد فالعبد ليس ضامناً رضا الله حتى يكون مجاهداً في سبيله.
ثانياً: أن يهذبوا أخلاقهم حتى تشبه أخلاق نبيهم صلى الله عليه وسلم في الصدق والوفاء، والعفة والطهر والصفاء، والمروءة والكمال والرحمة.
ثالثاً: أن ينووا بإقامتهم في تلك البلاد الرباط في سبيل الله؛ لأن بقاءهم بين الكفار يشاهدون أنوار إيمانهم وصلاحهم يجعل الكفار يسألونهم: من أنتم؟ وما أنتم؟ وما دينكم؟ فيكونون بالفعل في سبيل الله، فإذا تمت هذه فهم مرابطون أفضل منننا مليون مرة.
فليصححوا عقيدتهم، ويهذبوا أخلاقهم، ويعبدوا ربهم عبادة شرعية لا بالخرافات أو الضلالات، وينووا الرباط في سبيل الله، ويدعو بلسان الحال ولسان المقال إن أمكن، وليس كل أحد يستطيع أن يقول للفرنسي: يا مسيو! أعرض عليك الإسلام فاقبله، فمن استطاع أن يدعو بلسانه فذاك، ومن لم يستطع باللسان فبسلوكه الحسن المتفوق.
هذا بالنسبة إليهم، وأما بالنسبة إلى العالم الإسلامي فقد سبق أن بكينا، وليس هناك من يسمع بكاءنا، فضلاً عن أن يمسح دموعنا، وقلنا: يا أمة الإسلام! إنكم خلفاء محمد صلى الله عليه وسلم في إبلاغ رسالته، ونشر رحمة الله في العالمين، فأنتم خلفاء محمد صلى الله عليه وسلم، فبلغوا هذه الدعوة ليسعد بها الإنس والجن، ولا تتركوا البشرية يئول أمرها إلى مصير مظلم، وتخلد في عالم الشقاء، لا تخرج منه أبداً، فإنكم مسئولون، ولا تقولون: نحن ضعفاء عجزة، والغرب الكافر قوي ويملك ما لا نملك، فهذا ليس بعذر، فالشرق والغرب لا يمنعون وجودكم بينهم، ولا يمنعون أبداً دعوة الله في بلادهم، فنحن لسنا بحاجة إلى بواخر حربية ولا سلاح ولا قوة حتى نرسو بسفننا على ميناء إيطاليا أو بريطانيا ونحارب حتى ندخل، فهذا الأمر قد كفاكم الله، فالآن فرنسا فيها ألف مسجد، وبريطانيا مثل ذلك، وألمانيا كذلك، والعالم بكامله، وكذلك أمريكا، فلستم بحاجة إلى أن تغزو أبداً، فالبلاد مفتوحة، والغزو يكون عندما تكون البلاد مغلقة، ولا يقبلون دين الله ولا من يقول به، فحينئذ يضطر المسلمون إلى الغزو؛ من أجل نشر رحمة الله وهداية بني عباده، وهذا الموضوع قد كفاكم الله إياه، فلم يبق عذر، فبلغوا، ولا تقولوا: لسنا أهلاً للبلاغ، وكونوا لجنة عليا على غرار رابطة العالم الإسلامي، والمفروض أن الرابطة هي التي تقوم بهذا، وهذه اللجنة أولاً تبعث لجنة من ثلاثة أنفار يطوفون في العالم الغربي والشرقي، ويحصون الجمعيات في تلك البلاد الإسلامية، ويعرفون أعدادها وطاقاتها وما عندها وما تقوم به، وتوضع خارطة بذلك من اليابان إلى أمريكا، وحينئذ يجب على كل مسلم أن يساهم بدينار أو درهم في العام في فريضة الجهاد، فتوضع ميزانية ضخمة عظيمة لا نظير لها، تتكون من ألف مليون مشترك، ويتم هذا في سرية كاملة، بلا تبجح ولا صياح ولا ضجيج؛ حتى ما نهول الدنيا ونرهب العالم بلا شيء، وحينئذ تتولى هذه اللجنة إدارة تلك الجمعيات في الجاليات كلها، وتكون هي التي تبعث الإمام والمربي والمعلم، وتدفع الإيجار، وتبني المسجد، وتعلم الأطفال على حسابها، وأهل البلاد فقط يجتمعون في بيت ربهم، ويمتثلون أوامر الله ورسوله، التي يسمعونها من هؤلاء الموجهين المربين المرشدين، ووالله لو يتم هذا بهذا النظام فلن تمر خمسة وعشرين سنة حتى ترون تلك الديار تدخل في الإسلام، ولا يكلف هذا إلا النية الصادقة، والرغبة فيما عند الله والدار الآخرة، هذا هو الطريق، وكتبنا في هذا كتابات، ولكنها كأنما توزع على الأموات، فأحدهم يقول: هذا الشيخ خيالي، وآخر يقول كذا، وآخر يقول: هذا عميل .. هذا ذنب، ما شاء الله! ضاعت أمة القرآن، وعلى كل حال هذا البكاء ينفعنا الله به إن شاء الله.
قال تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:278-279] ولويتم رءوسكم، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]. والرسول قد مات، وسيفه انتهى، ولكن الله حي لا يموت. وحرب الله أنواع، ومنها فتنة فقط تقع في البلد، فيقتل الأب ابنه، وما أعظم الفتن التي تقع في العالم! وهاهم يخوضون فيها، وهي تنتقل من بلد إلى بلد.
إذاً: فمن كان عنده شيء من الربا فليتركه لأصحاب البنوك إذا كان مسلماً يخاف الله، ولا يستلمه، ومن كان لا يخاف على فلوسه ونقوده في بيته أو في جيبه فيتركها في جيبه أو في بيته ولا يضعها عندهم، ومن قال: أخاف فيجوز إيداعها عند اليهودي، فالرسول أودع عند يهودي. ومن أراد أن يسلم فلا يراه الله أمام بنك ربوي أبداً، ولو جاع أو عطش أو ظمأ أو مات أو التصق بالأرض، ولا يستلف من بنك أبداً، والله يغنيه أيضاً ولا يتركه، ولكن أهل الغفلة يفتحون التجارات بالمال الربوي، ويشترون السيارات بالمال الربوي؛ لأنهم ما عرفوا، ووالله أنهم لم يعرفوا.
فلنحفظ هذا النداء ونعمل به إن شاء الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278].
وسبحان الله! فنحن في المسجد وإذا بنا في البنك والآن في التجارة، وهذا دين الله، فنعود إلى البنك، وبعض الغافلين الآن يقولون: لم الحكومة تفتح البنوك؟ لم كذا ولم كذا؟ والجواب: إن الله يمتحنكم ويختبركم؛ ليميز الخبيث من الطيب، وليمحصنا، وإذا الحكومة رفضت ومنعت خبيثنا وطيبنا مع بعضنا البعض فهنا المحنة. وقد قلت لكم مرات: لن تغلق البنوك، ولو أغلقت فسوف تفتحون في بيوتكم، وقبل وجودها كانوا يتعاطون بالربا والله في القرى وليس في المدن.
إذاً: الطريق السليم أن نؤمن الإيمان الحق الذي يكوِّن من أهل القرية ومن أهل الحي في المدينة جسماً وقلباً واحداً، وهذا ليس صعباً ولا مستحيلاً؛ لأن طاقة الإيمان تفعل أعجب من هذا. فأهل القرية في قريتهم سواء كانوا ألفين وخمسمائة أو ألفاً وأربعمائة أو ثلاثمائة شخص يوسعون جامعهم إن كان صغيراً؛ لأنهم ما يصلون إلا نادراً، فإن قالوا: ليس عندنا ما نوسعه به قلنا: وسعوه بالخشب أو بالحجارة فقط، أو بأكياس الرمل، كما قال عمر : تقيهم من الحر والبرد، ولا أقل ولا أكثر، حتى يتسع المسجد لأهل القرية أو لأهل الحي، وإذا كان بينكم يهود أو نصارى فدعوهم، فهم أموات، ولا تلتفتوا إليهم، واجتمعوا أنتم ونساؤكم وأطفالكم في بيت ربكم من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء في بيت الله، وابكوا بين يديه واستمطروا رحماته، وتعلموا الكتاب والحكمة كما تعلم أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي أربعين يوماً تتغير نفسياتكم، وتتعلمون الكتاب والحكمة، ووالله لتتغيرن الكثير من طباعكم، ولن تمضي سنة إلا وهم كأسرة واحدة، وحينئذ يضعون في المحراب صندوقاً من حديد ويقول الإمام أو الواعظ أو المؤذن أو لجنة المسجد: معشر الإخوان المؤمنين والمؤمنات! من زاد عن قوته درهماً أو ديناراً فليضعه في هذا الصندوق، ولا يستغرب وضع الفلوس في المسجد فالبنوك لا يحرسها إلا عسكري في يده عصا أو رشاش، لا أكثر، ثم هذا المسجد يصبح بعد سنة عبارة عن خلية نحل، لا يفرغ ساعة من راكع وساجد، فقد عرفوا ربهم، وأصبح عزابهم وشبيبتهم في بيت مولاهم، كما كان ابن عمر وابن عباس وأصحاب رسول الله.
وفي سنة يمتلئ الصندوق، فيقول المسئول عنه: معاشر المؤمنين من أراد أن يبقي على ماله فهو محفوظ، ونحن الضامنون ولكن سنستخدمه، وعائدته تعود على فقرائكم وإخوانكم في هذا الحي، ومن قال: أريد أن نستفيد فباسم الله، فإن شاءوا فتحوا مصنعاً على قدر حالهم ينتجون ولو الإبر، أو يفتحون متجراً، أو ينشئون مزرعة، وقلوبهم كلها طيبة؛ لأنهم في غنى بربهم، وقلوبهم ما هي مع تلك الدنيا؛ لأن هذا المال هو الفاضل والزائد عن قوتهم، وتدور رحا المال، ويصبحون كأنهم أسرة واحدة، ووالله ما يبقى من يزني بنسائهم، ولا من يسلب أموالهم، ولا من يغتابهم ويأكل لحومهم، ولا من يتكبر أو يترفع عنهم، ولا من يسب أو يشتم، ولا من يسرف ويبذخ، ولا غير ذلك، فيصبحون ككتلة من نور، ويتحقق كل هذا، ومن شك فيه شك في كلام الله، وكلام الله نور به الحياة، فإذا استعملت هذه المادة حيي أصحابها، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]. ووعد الله لا يتخلف.
ومن أراد أن يستلف يسلف؛ لأنه وفي مؤمن صادق، لو قال: شهر كذا آتيكم بالمبلغ فوالله ليأتين به، وإن عجز يأتي ويقول: أنا بين أيديكم، لم آت بالمال بسبب كذا، فيرحم ويعفى عنه. وأحلف بالله أنه لن يستقيم أمرنا ولن نكون كما نود أن نكون إلا على هذا المنهج، وإلا عندنا كلمة أخيرة: النجاة النجاة! فلا تعول على أمة هبطت، فالنجاة! أي: اطلب نجاة نفسك وبيتك، فما دمت لا تملك نجاة أمة فاطلب نجاة نفسك، فكف لسانك، ولا تقل كلمة يا عبد الله! حتى تعلم أنها من رضا الله، فكف عنك هذا، وغض بصرك، واقتنع بما أعطاك الله، واصبر على الابتلاء، فما هي إلا ساعات في قضاء الله وأنت في الملكوت الأعلى، وهذا ليس صعباً، بل شيء سهل، وأهل القرية يستطيعون أن يجتمعوا في بيت الله، يدرسون كتاب الله وسنة رسوله ساعة ونصف كل يوم ينفسون عن أرواحهم الضيق، فنحن نستطيع النجاة، ولا نظن أننا هكذا بلا حساب ولا رقابة، والله إننا لتحت النظارة، ومحصي علينا كل شيء، فحتى خطرات قلوبنا معروفة لله.
وهذا النداء الحادي العشر نداء جليل يتعلق بالمال، فالمال قوام الأعمال، وهذه يحفظها أهل الدنيا كلهم.
وهذا النداء في مشروعية كتابة الديون والإشهاد عليها، فمن دان أو استدان فليكتب دينه وليشهد على الكتابة، والله هو الذي أمر بهذا؛ لأنه لا يريد أن يؤذي أولياءه بعضهم بعضاً، ولا يحب أن يرى وليه مضطهداً معذباً، ولا مهاناً مزدرى به.
[ الآية: (282) من سورة البقرة ] وهو آخر نداء في سورة البقرة، وهو نداء طويل لا أطول منه، وسوف ندرسه ونفهمه، واحفظوه من المصحف، والذين يحفظونه في المصحف هم الذين التزموا بحفظ نداءات الرحمن لأهل الإيمان:
[ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282] ] هذا كلام الله، ووالله لن تستطيع البشرية أن تضع نظيره أبداً، ولا تقوى عليه، فهو فوق مستويات العقول البشرية، فهذا كلام الله الذي كفره الناس وجحدوه، وتنكروا له ولم يعرفوه؛ انهزاماً للشيطان، وجرياً وراء الأهواء والشهوات، ولا تستطيع أية جامعة أو كلية في الدنيا أن تقنن هذا التقنين، وتضع هذه الكمالات بين أيدي المؤمنين، ومع هذا فهذا النور القرآن منذ خمسمائة سنة من القرن التاسع وهو يقرأ على الموتى فقط، ولا يقرأ على الأحياء، فليس هناك من إذا جلس في المسجد يقول لمن يقرأ القرآن: تعال اقرأ عليّ شيئاً من القرآن، ويضم ركبتيه ويصغي بأذنيه يسمع، ولا من العمال الذين يجتمعون يستريحون ساعة يشربون الشاي من يقول لصاحبه: اقرأ عليّ شيئاً من القرآن، ويعطي أذنه ويسمع، بل في بيوتكم لا أحد يقول: تعال يا أبي! اسمعنا شيئاً من القرآن، أو اقرأ علينا يا فلان! أو يا فلانة!، بل يسألون: من يقرأ القرآن على الميت ليلة الموت فقط؟ وبهذا لن نكمل ونسعد، ولن نسمو ونرتقي وقد فقدنا الطاقة الدافعة الموجهة الكتاب والحكمة المحمدية، ولو أتينا بحديث صحيح في البخاري أو الموطأ وأجمع علماء الدنيا أن ينقضوه فوالله لن ينقضوه، ولن يخطئ أبداً ما أراد رسول الله؛ لأنها الحكمة، والله معلمه إياها، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]. وأما نظريات العلماء والقانون والفلاسفة والدجالين فلا يمضي خمسون عاماً حتى تنقض النظرية .. أو مائة سنة إلا وقد بطلت، ولم تعد تنفع، والحكمة المحمدية لا تنسى، ولا ننسى إن نسينا أن الخليل عليه السلام وهو يبني البيت مع إسماعيل وهما يتقاولان قال: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]. ونحن لم نجلس بين يدي مرب يربينا على الكتاب والسنة ويزكينا، ولهذا لا ننهض بالتكاليف، ولا نقوى على حرب الشيطان وأعوانه، وقد قال إبراهيم: َيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] في أخلاقهم وآدابهم ونفوسهم. فالذي يعيش كما يعيش الآن العالم في الغابات والحدائق والبساتين والمقاهي والملاهي والمراقص وملاعب الكرة وغير ذلك لن يعي ويفهم كلام الله، ولن ينهض بالتكاليف، بل لو تزل قدمه أو يجوع فمن الممكن أن يكفر، ولو من أجل خبز. ولا تقولوا: الشيخ يسبنا ويشتمنا، فأنا منكم ومثلكم، ولكننا نبكي فقط.
فالمرأة المؤمنة تنتج البنين والبنات، وتسعد زوجها بإصلاح فراشه وطعامه، وليس لها مجال أن تخرج إلى السينماء ودور اللهو والباطل، ولا أن تشتغل في الفندق والمصنع، ولا أن تذهب إلى الأسواق تتجول فتفتن المؤمنين وتفتن هي بهم، فهذا مسلك الذين لا يؤمنون بالله أبداً ولا بلقائه.
والمساواة هذه كلمة الماسونية يضحكون بها على عيون وقلوب البشرية، وقد نجحوا.
[ فإذا عرفت هذا ] أيها السامع! [ فهيا بنا نشرح آية الدين، ونُبين ما احتوت عليه من أحكام تتعلق بالديون، الأخذ بها بعد معرفتها يحفظ على المسلم ماله ويصون كرامته ] وهذا هو المطلوب أن تحفظ أموالنا، وأن تصان كراماتنا أيها الفحول!
فقد علم الله أن طاقة المرأة العقلية أضعف وأقل من طاقة الرجل، وإن وضعتموها ملكة ووزيرة. ومع الأسف ليس عندنا من يواجه هؤلاء المجانين، ونحن نعتبرهم كالبهائم، فالكافر كالبهيمة، لا يعي عن الله ولا يفهم، وكذلك لا تنظر إلى هؤلاء المؤمنين؛ فهم هابطون؛ لأنهم لم يحققوا الإيمان، والإيمان إذا حل في قلب آدمي أبيض أو أسود كمل أو شرف، كما أصبح أهلاً لأن يعي ويفهم، وإذا سلب أو داخله شيء أو غش فيه واختلط عليه فهو ميت أيضاً، ما ينفع.
والشهداء الذين نرضاهم أهل العدل. والعدل هو الذي يجتنب الكبائر مرة واحدة، والصغائر يجتنب أكثرها، هذا العدل، وأما المعروف بالكبيرة فلا يشهد، ولا تقبل شهادته، وليس أهلاً لأن ينوب عن الله؛ لأن الشاهد نائب عن الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر