السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وها نحن مع المعجزات النبوية، وقد تقدم لنا ست معجزات، وها نحن مع السابعة وما بعدها.
والمعجزات واحدتها معجزة، بمعنى أنها متعبة وقاهرة، وأعجزتنا وما نقدر عليها وما نستطيع.
ولو تجتمع البشرية كلها على أن تأتي بمعجزة ما تستطيع ولا تقدر على ذلك، ولكن الله يهبها من يشاء من عباده، فإن كان نبياً رسولاً وتحداه المشركون فهي المعجزة، وإن كانت دعوة من عبد صالح فاستجاب الله له فأحيا ميتاً فهي كرامة الله لوليه.
قال المؤلف غفر الله لنا وله ورحمنا وإياكم: [وسابعة المعجزات: امتلاء عكة سمن بعد فراغها] العكة جلد يدبغ ويوضع فيه السمن، والسمن معروف وهو ضد الزيت، والسمن يتولد من حليب البقر والغنم.
قال: [روى الحافظ أبو يعلى عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كانت لأمي أم سليم شاة] من المعز أو الضأن [فجمعت من سمنها في عكة، فملأت العكة] شهراً أو شهرين أو ثلاثة [ثم بعثت بها ربيبة] خادمة تسمى ربيبة [فقالت: يا ربيبة! أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها] من الإدام [فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم] أي: أم أنس [قال: ( أفرغوا لها عكتها )] أي: يا أهل البيت! أفرغوا العكة من السمن فقط [فأفرغت العكة ودفعت إليها] أي: خذي العكة واذهبي بها إلى أم سليم [قالت: فانطلقت بها وجئت وأم سليم ليست في البيت] هذه ربيبة هي التي تتكلم [فعلقت العكة على وتد] أي: خشبة في باب أو في الجدار [فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر] أي: من قطرات السمن [فقالت: يا ربيبة! أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، قد فعلت، فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فانطلقت ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله! إني بعثت معها إليك بعكة من سمن. قال: (قد فعلت قد جاءت). قالت: والذي بعثك بالحق] هذه يمين، فهي عالمة جامعية تخرجت من أعظم جامعة ليست كجامعياتكم [ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمناً] أي: كما تركتها [قال أنس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا
هذه معجزة! ومعنى معجزة أنها تعجز البشرية كلها وما تستطيع أن تفعلها، فصاحبها إذاً رسول الله؛ لأن المعجزة تقول: لقد أرسلت عبدي فلاناً محمداً أو إبراهيم أو صالحاً. فهذا لسانها.
قال: [قالت: فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا] أي: قسمت السمن في قعب لها [كذا أو كذا] أي: من إناء [وتركت فيها ما ائتدمنا به شهراً أو شهرين] أي: قسمته عن كذا إناء، وما بقي قالت: ائتدمنا به شهراً أو شهرين.
قال: [فهذه إحدى المعجزات المحمدية؛ إذ ليس مما جرت به سنة الله في الخلق أن يمتلئ الإناء سمناً بعد إفراغه منه، ويرى ذلك رأي العين وينتفع به] أي: ما هو مجرد خيال.
قال: [روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: قال أبو طلحة ] هذا أبو أنس [لـأم سليم : لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع] هذا أبو طلحة [فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير] جمع قرص [ثم أخرجت خماراً لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه] خمار طويل بعضه في هذا، وبعضه لفت عليه، فهذه امرأة حكيمة لأن الولد صغير.
قال: [ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فذهبت به] أي: بذلك الخبز أو تلك الأقراص [فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد] أي: في هذا المسجد [ومعه الناس، فقمت عليهم] أي: أن أنساً ظل واقفاً [فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة ؟] وهذه إلهامات، وهذا ناتج عن صفاء الروح، وهذه هي الفراسة [قلت: نعم. قال: بطعام؟ قلت: نعم] أي: بطعام [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا] أي: هيا، فكلهم جياع [فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ! قد جاء رسول الله صلى الله عليه والناس ليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلم يا أم سليم ما عندك؟] أي: هاتي ما عندك من الأقراص التي بعثت بها ورجعت إليها [فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتَّ] تفتيتاً [وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة] من الرجال [فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأكل القوم كلهم، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً].
فإذا عرفنا أنه رسول الله يجب علينا: أولاً: أن نحبه أكثر من أنفسنا، وثانياً: أن نمشي وراءه ولا نتقدمه بقول ولا عمل، وثالثاً: أن نطيعه إذا قال: طلق امرأتك طلقها، وإلا ما معنى: الإيمان به؟
وكذلك إذا قال: اترك التدخين، أو قال: أخرج هذا الدش من بيتك فإنه يطرد الملائكة.
قال المؤلف: [أليست هذه من أعظم المعجزات؟ بل وربي إنها لمن أعظم المعجزات، إن أقراصاً عدة حملها غلام تحت إبطه يطعم منها ثمانون رجلاً، ويشبع كل واحد منهم شبعاً لا مزيد عليه، إن لم تكن هذه معجزة فما هي المعجزات إذاً يا ترى؟] فلو اجتمعت أمريكا واليابان والصين على عشرة أقراص يطعمون ثمانين واحداً ليشبعوهم، والله ما يستطيعون.
قال: [( فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطعام )] أي: أصبحوا لاصقين بالرمل ما عندهم شيء، والأرملة هي الفقيرة من النساء [( فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم )] أي: طلبوا منه الإذن [( في نحر الإبل )] أي: الإبل التي جاءوا راكبين عليها ويعودون عليها، وهي عدتهم وسلاحهم، فقالوا: ننحر الإبل ولا نموت جوعاً [( فأذن لهم، فبلغ ذلك
قال: [( فدعا بغبَّرات الزاد، فجاء الناس بما بقي معهم، فجمعت ثم دعا الله عز وجل فيها بالبركة ودعاهم بأوعيتهم فملئوها وفضل كثير )] أي: هاتوا زنابيلكم وأكياسكم فملئوها وفضل كثير.
قال: [( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك )] ماذا ترون أنه يقول الآن لما شاهد المعجزة؟ على الأقل يحمد الله ويشكره [( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني عبد الله ورسوله، ومن لقي الله عز وجل بها غير شاك دخل الجنة )] وهذه خير من الدنيا وما فيها، فلما نظر إلى المعجزة قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) لولا الله الإله الحق الملك لكل شيء فمن أين يأتي الطعام هذا ويزود جيشاً بكامله؟ وقال: (وأشهد أني عبد الله ورسوله) وما قال: أنا كبير القوم وأعظمهم، بل عبد الله ورسوله، ثم زاد الأخرى: (ومن لقي الله عز وجل بها غير شاك دخل الجنة) أي: من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ويشهد أن محمداً رسول الله وغير شاك في هذا فالنتيجة دخل الجنة.
لكن يا أصحاب الأدشاش والتلفازات والمزامير والأغاني الذين أدت بهم إلى ارتكاب المناكر! إنا نخشى أن تموتوا على سوء الخاتمة نتيجة الاستمرار على المعصية، فيموت من يموت في حادث وهو لا يعرف الله ولا يقول: لا إله إلا الله، فاحذروا هذا، أما من مات وهو يقول: لا إله إلا الله غير شاك دخل الجنة والله العظيم؛ لأنها حسنة من أعظم الحسنات.
قال: [فهذه معجزات ظاهرة في تكثير الطعام القليل حتى أصبح كثيراً، وهي كما قدمنا واحدة من عشرات المعجزات في تكثير الطعام والشراب].
قال: [فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في دلائل النبوة المحمدية] أي: في دلائل علامة النبوة [قصة جابر الآتية: فقال: حدثنا أبو نعيم، وساق السند إلى جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما] عبد الله بن حرام استشهد في أحد، وبعد أربعين سنة وجدوه كما دفن دمه يسيل، وذلك عندما جاء السيل وجرف المنطقة فظهر جسمه فاستدعي ولده فرآه كأنما استشهد الآن.
قال: [حدثنا أبو نعيم وساق السند إلى جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما] الولد والوالد [فقال: إن أبي توفي وعليه دين] فوالد جابر مات شهيداً وعليه دين كثير [فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبي ترك ديناً وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه] ما هو عام واحد [فانطلق معي] أي: يا رسول الله [لكيلا يفحش عليَّ الغرماء] أي: امش معي نتكلم مع أصحاب الدين حتى لا يفحشوا عليَّ بالقول والنقد والطعن وكذا وكذا [فمشى حول بيدر] البيدر: مكان يوضع فيه التمر [من بيادر التمر، فدعا] أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم [ثم آخر] أي: دعا على بيدرين [ثم جلس عليه فقال: انزعوه] خذوا كل واحد يأخذ ما له من الدين [فأوفاهم الذي لهم] أي: من الدَين، فكمُل [وبقي مثل ما أعطاهم].
جابر جاء يبكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن والدي استشهد وعليه دين، وما ترك ما نسدد إلا هذه النخيلات، ولو نعطيهم سنين تمرها ما يسدهم، فهيا امش معي يا رسول لكي نحاول أن نقنعهم ونتلطف معهم حتى ما يفحشوا عليَّ بالقول، فقال: أين؟ فنظر إلى هذا البيدر فدعا، ثم إلى البيدر الآخر فدعا. ثم قال لهم: تعالوا خذوا، فاستوفوا دينهم كاملاً وبقي بيدره كما هو.
فكثر التمر وهذا لا يتم بدون معجزة نبوية.
قال: [وهكذا بعد أن كان الدين قد استغرق كل التمر ولسنين عدة أيضاً، وفَّى التمر الموجود كل الديون، وبقي التمر في البيادر مثل ما سددت به الديون الكثيرة، وذلك ببركة وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين البيادر ودعائه بالبركة فيها. فباركها الله عز وجل فوفت الديون وزادت. فكانت آية النبوة والمعجزة الظاهرة التي يبعث بها الأنبياء ويكرم الله تعالى بها الأولياء متى شاء وهو على كل شيء قدير].
قال: [روى مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم )] أي: مشينا معه [( حتى نزلنا وادياً أفيح )] أي: واسعاً رحباً [( فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته )] أي: يتبول، فهو بشر [( فأتبعته بإداوة فيها ماء )] نحن نسميها الدلاوة، إداوة فيها ماء حتى يستنجي ويتوضأ، وقد فاز جابر بخدمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
قال: [( فنظر )] أي: النبي صلى الله عليه وسلم [( فلم ير شيئاً يستتر به )] فهو واد أفيح ما فيه مكان يختبئ واسع [( وإذا شجرتان بشاطئ الوادي )] أي: طرفه [( فانطلق إلى إحداهما فأخذ ببعض من أغصانها وقال: انقادي عليَّ بإذن الله )] أي: تعالي بإذن الله [( فانقادت معه كالبعير المخشوش )] أي: كالذي في أنفه خشبه يجرونه [( الذي يُصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بعضاً من أغصانها وقال: انقادي عليَّ بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يُصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما )] أي: بين الشجرتين بينهما [( لاءم بينهما -أي: جمعهما- )] صلى الله عليه وسلم [( وقال: التئما عليَّ بإذن الله، فالتأمتا. قال
قال: [فهذه إحدى المعجزات الخارقة للعادة التي لا تكون إلا لنبي من الأنبياء عليهم السلام؛ إذ كون الشجرة تستجيب وتنقاد مطيعة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمر خارق للعادة لم تجر به سنن الله تعالى في الكون، وبذا كانت معجزة للحبيب صلى الله عليه وسلم]. فالشجرتان كانتا كل واحدة في جهة دعاهما جاءتا والتفتا حوله، لما قضى حاجته عادة كل واحدة إلى مكانها.
قال: [( فقالت امرأة من الأنصار وكان لها غلام نجار )] خادمها نجار [( يا رسول الله! إن لي غلاماً نجاراً، أفآمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه؟ قال: بلى )] افعلي [( فاتخذ له منبراً، فلما كان يوم الجمعة خطب صلى الله عليه وسلم على المنبر )] المنبر جاء في غير الجمعة، وبقي في مكانه لا يحتاج إليه الرسول إلا يوم الجمعة، قال: [( فأنَّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي )] تعرفون صوت الصبي، فالجذع يئن أنين الصبي لفراق الحبيب صلى الله عليه وسلم.
قال: [فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا بكى لما فقد من الذكر). وفي رواية البخاري : ( فصاحت النجلة -جذع النخلة- صياح الصبي، ثم نزل )] أي: من على المنبر [( فضمه إليه )] صلى الله عليه وسلم [( يئنُّ أنين الصبي الذي يسكَّن )] أي: ضمه إليه كالصبي إذا كان بكى يسكَّن [قال: كانت تبكي النخلة] أي: أن ذلك الجذع كان يبكي [على ما كانت تسمع من الذكر عندها] على شيء آخر، عرفتم قيمة الذكر؟ لماذا حنَّ الجذع وبكى؟ لأنه كان يسمع الذكر عليه ففقده فحنَّ وبكى. فأين الذين يحنون إلى سماع الذكر منا؟
وذكر الله وما والاه قوت الأرواح يشبع الجائع به، ويبرأ المريض به، ويأمن الخائف به، فإذا كنت عبد الله الذي تعيش مع الله بقلبك، حنين بكى خشبة بكت.
قال: [فحنين الجذع شوقاً إلى سماع الذكر وتألماً لفراق الحبيب الذي كان يخطب إليه واقفاً عليه وهو جماد لا روح له ولا عقل في ظاهر الأمر] لأننا نقول: كل الكائنات يسبح الله عز وجل، وليس شرطاً أن يكون الخشب والحجر في صورة إنسان حتى يسبح لا أبداً، كل له هيئته وهيكله ولسانه، فانتبهوا لهذه اللطيفة.
قال: [فحنين الجذع شوقاً إلى سماع الذكر وتألماً لفراق الحبيب] صلى الله عليه وسلم [الذي كان يخطب إليه واقفاً عليه وهو جماد لا روح له ولا عقل] أي: في ظاهرنا نحن نقول: ما عنده عقل [في ظاهر الأمر وحسب علم الناس بالجمادات] هذا الذكر هذا الأنين قال: [آية من أعظم الآيات الدالة على نبوة الحبيب صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته، وهي معجزة كبرى على مثلها آمن البشر لعجزهم على الإتيان بمثلها].
قال: [روى الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى عن سويد بن يزيد السلمي قال: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته] لأن عثمان رغب لـأبي ذر الغفاري أن يخرج من المدينة للفتنة [وبين ذلك الخير الذي رآه فقال: ( كنت رجلاً أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم )] أي: أمشي معه لما يخلو لنفسه أتابعه لأحميه أو أساعده على ما يريد يتصيده، وحباً فيه [( فرأيته يوماً جالساً وحده، فاغتنمت )] أي: هذه غنيمة لنفسه [( خلوته، فجئت حتى جلست إليه، فجاء
قال: [فهذه المعجزة ذات شطرين:
الأول: تسبيح الحصى في أيدي الراشدين.
والثاني: الخلافة فعلاً قد انحصرت في الصديق والفاروق وذي النورين ، ثم اضطربت] وكانت المحنة.
أولاً: أن يقوى إيماننا ويزيد، فإذا كان نسبة الدرجة سبعين يرتفع إلى مائة وسبعين، والذي لا يزيد إيمانه وهو يسمع مريض، والذي يسمع هذا وما يرتفع منسوب إيمانه ما هو بالمؤمن الحق.
ثانياً: يحملنا هذا على حبه صلى الله عليه وسلم، حتى نؤثره على أنفسنا وأولادنا وأهلينا، فإذا أحب منا شيئاً وعرفنا أنه يحبه منا يجب أن نقدمه له، فإن كان فعلاً فعلناه وإن كان نهيناه ومكروهاً تركناه، وهذا المعتقد في نبوته صلى الله عليه وسلم يقرر لنا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. كيف عرفناه رسولاً؟ ما الذي شهد له بالرسالة؟ هذه عشرات الآيات والمعجزات، وأعظمها هذا الكتاب الكريم القرآن العظيم، وهل يعقل هذا القرآن أن ينزل على غير نبي ورسول؟ مستحيل، إذ لا ينزِّل الله وحيه إلا على شخص أعزه وهيأه وهو في رحم أمه، وبخاصة النبي صلى الله عليه وسلم نطفته من عدنان ، والله يحميها من رحم إلى رحم حتى لا يقع فيها لبس ولا اختلاط، مع أنهم كانوا في جاهلية، إلى أن كانت في رحم آمنة بنت وهب وهو مصون محفوظ، ثم حفظه من ساعة أن خرج من بطن أمه مصوناً محفوظاً مكلوءاً أربعين سنة، واذكروا تلك السنة التي كان لقريش فيها أعراس وكانوا يحتفلون ويغنون ويزمرون في داخل مكة، وكان هو يرعى الغنم مع زميل له خارج ديار مكة فقال لزميله: تستطيع أن ترعى غنمي لأحضر حفلاً في هذه الليلة لقريش؟ قال: نعم رح يا محمد أنا أصون لك غنمك، قال: فجئت وجلست أنتظر قبل غروب الشمس وهم يعدون العدة ويتهيئون كما تعرفون إخوانكم للحفل، قال: فأخذتني نومة فلم أستيقظ إلا على حر الشمس من الغد، فلم ير بعينه راقصة، ولم يسمع صوت عاهرة ولا متكلم ولا مغنية، وهو صبي في السابعة أو الثامنة أو العاشرة يرعى غنماً، لأن من سنة الله أن الأنبياء يرعون الغنم؛ ليتربوا على ذلك اللين والعطف، هذه واحدة.
ولما كانوا يبنون الكعبة، وقد تزعزعت وتضعضعت بالسيول والأودية فأرادوا بناءها، فكان العباس رضي الله عنه عم سيد الناس يحمل الحجارة من جبل أبي قبيس مع الرجال، ومحمد الغلام الصبي معهم يحمل أيضاً الحجارة، ويضعها على كتفه، ما في لباس وكذا إلا الإزار والرداء، فقال له العباس : ارفع إزارك وضعه على كتفك؛ حتى ما يجرحك الحجر، فما إن استجاب لعمه وهو غلام صغير وانكشفت عورته حتى خر مغشياً عليه، فما انكشفت عورته طول حياته.
وهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا وقدوتنا، اعلموا رحمكم الله أنه كان يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )، أبعد أن سمعنا هذا نسمح أن يوجد في بيوتنا كلاب والصور على الجدران؟ إن فعلنا أصبحنا محبين مؤمنين صادقين؟! ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ).
يا من يستمعون من الرجال والنساء! أنتم مدعون الليلة أن تطهروا بيوتكم إن كنتم محبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتريدون أن تنزل الملائكة في بيوتكم.
هذه الأدشاش .. هذه الصحون الهوائية اعلموا أنها والله الذي لا إله غيره لا تحل لعبد أبداً أن يضعها على سطحه وينتظر ماذا تنقل إليه من أحداث ومن فضائع الأقوال والأعمال، واستثنيت مسئولاً سياسياً عن أمة ممكن إذا قيل له: إن الأحداث تجري كذا ويضطر إلى نظره إليها أو سماعها ممكن يعفى عنه، أما غير المسئول مثلي ومثلك يا عبد الله لم يدخل هذا بيوتنا؟ لقد أفسد عقول أبنائنا وبناتنا، لقد أفسد قلوبنا، ومظاهر الفساد ظاهرة كالشمس لا يشك فيها ذو عقل أبداً، فهيا بحبنا لرسول الله نطهر بيوتنا.
قلت: يكفِّر كفارة يمين ويجب ألا يدخن، فما دام عرف أن التدخين حرام وحلف ألا يدخن فيجب أن يقهر نفسه ويذلها ويخضعها لما يحب الله ورسوله، وإذا لم يدخن ماذا يصيبه؟ ما استطاع، يقول: أدخلوني السجن، أدخلوني في هذه الغرفة أربعين يوماً حتى أنسى هذا التدخين ولا حرج.
ولكن الله نسأل أن يتوب علينا وعليهم، وأن يغفر لنا ولهم، ويرحمنا وإياهم. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر