أما بعد:
ها نحن مع أحداث السنة التاسعة، ولم يبق على وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا بضعة أشهر.
قال: [وسادس أحداثها] أي: أحداث السنة التاسعة من هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؛ إذ أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله، ثم اضطر إلى الهجرة فهاجر بإذن الله، وأقام بالمدينة عشر سنوات، قضينا معه منها تسع سنوات إلا بضعة أشهر، وسوف يفارق بعدها الحبيب صلى الله عليه وسلم هذه الحياة ونبكي عليه وعلى أنفسنا لجفاف قلوبنا وقساوتها.
[قدوم الوفود على الحبيب صلى الله عليه وسلم:
إن الوفود التي بدأت في هذه السنة التاسعة تتوافد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار نبوته المدينة الطيبة الطاهرة تعلن عن ولائها لله ورسوله وعن رضاها بالإسلام ودخولها فيه وفود كثيرة] هؤلاء الوافدون ليسوا وفد أو خمسة أو عشرة بل [ذكر منها كل مؤرخ للإسلام طرفاً مما تهيأ له ولم يأت عليها أحد كلها؛ وذلك لكثرتها.
والسبب الظاهر لهذا الحدث الكبير] ما السبب في توافد الوفود في تلك السنة؟ [-الذي هو كثرة الوفود في هذه السنة بالذات- هو دخول قريش زعيمة العرب في الإسلام] وإذا أسلم الزعيم فأتباعه من باب أولى، فالسبب الظاهر لهذا الحدث الكبير الذي هو كثرة الوفود في هذه السنة بالذات هو دخول قريش زعيمة العرب في الإسلام أولاً.
[ففتح مكة ثم الطائف وغزو الروم في تبوك لم يبقِ لأحد التفكير في غلبة صاحب الرسالة والانتصار عليه بحال من الأحوال] يعني: كون الرسول صلى الله عليه وسلم يغزو الروم لا يبقي مجالاً للتفكير في هزيمته أو الانتصار عليه، فقد بلغ من القوة ما غزا به بلاد الروم؛ فتبوك على حدود بلاد الروم، ولما جبنوا وخافوا عدل وترك.
إذاً: دخول قريش في الإسلام، وفتح مكة والطائف، وهزيمة الروم؛ كل هذه لم تترك مجالاً للعرب أن يفكروا في مواصلة الكفر والعداء للرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: [فلهذا أخذت وفود القبائل العربية تتوافد من اليمين والشمال والشرق والغرب] من أطراف الجزيرة [وقد أخبر تعالى بهذا في قوله] أي: بهذا الإقبال على الإسلام وهؤلاء الوفود الذين يفدون من الشمال والجنوب والشرق والغرب [ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]] ولما نزلت هذه الآية بكى أبو بكر الصديق وقال: إنها تنعى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حياته.
وقوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] أي: نصر الله في بدر وفي الغزوات كلها والفتح هو فتح مكة، وَرَأَيْتَ النَّاسَ [النصر:2] أي: وافدين يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:2] ليسوا أفراداً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] يعني: فلم يبق شيء إلا أن تسبح ربك وتستغفره إنه كان تواباً.
تقول الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( ما ركع الرسول بعدها ركوعاً ولا سجد إلا قال: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ) يتمثل هذه الآية، ونحن والحمد لله لا نتركها في الركوع قط، أما السجود فأمره واسع، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فادعوا فيه بما شئتم، فقمن أن يستجاب لكم )، وقوله: (بما شئتم) ليس معناه أن تدعوا بالهلاك على المؤمنين ولا على من آذاك، ولكن ادع بالخير، لا بقطيعة رحم ولا بظلم. وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة ببضعة أشهر.
[فقوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ [النصر:1] هو الانتصارات التي تحققت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر وحمراء الأسد والأحزاب والحديبية وخيبر وغيرها، والفتح هو فتح مكة والطائف] العاصمتان العظيمتان [والطائف -وإن لم تفتح عنوة-] أي: بالقوة؛ إذ حاصرها شهرين وما قدر على فتحها [فقد جاء وفدها وسلم زمام قيادتها للقائد الأعظم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فهو فتح وأي فتح؟!
وقوله تعالى: يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:2] يعني: الوفود في هذه السنة] التاسعة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
[وها هي ذي أهم الوفود، مع ذكر بعض مميزاتها وأحداثها:] ذكرنا جملة منها فقط، فليس هناك من استوفاها لكثرتها.
قال: [فأنزل الله تعالى فيهم] قرآناً يقرأ. ما رضي الله تعالى لهؤلاء أن يتعالوا على رسول الله ويمنوا عليه وهو وليه، وكيف يترك وليه يهان ويُمنّ عليه؟ [ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]] أي: قل لهم يا رسولنا: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17] في دعوى الإيمان، وهذا معنى ولاية الله، فدافع الله عن نبيه ووليه. وهذه الآيات من سورة الحجرات بداية المفصّل من القرآن.
قال: [وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العيافة والكهانة وضرب الحصى، فنهاهم عن ذلك] هذه أعمال جاهلية.
والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرِّها، فتجده يزجر الطير، فإذا ذهب يميناً قال: خير، وإذا ذهب شمالاً قال: شر! وإذا أراد أن يتزوج طير طيراً، فإذا ذهب يميناً قال: لا بأس بالزواج، وإذا ذهب شمالاً قال: لا خير في الزواج. وكذلك ضرب الحصى من هذا، والكهانة من باب أولى.
وسألوه عن هذه الأشياء لأنهم يتعاطونها وبلغهم -لا شك- أنها من الشرك، فنهاهم عن ذلك، فلا عيافة ولا كهانة ولا زجر طير ولا حصى.
وقبل أن يودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] أسلموا وانتهى أمرهم وأرادوا أن يعودوا إلى ديارهم [قال له أبو الضبيب شيخ الوفد: ( يا رسول الله! إني رجل فيّ رغبة من الضيافة)] يعني: فطرتي وغريزتي فيها حب استضافة الناس [(فهل لي في ذلك أجر؟ قال: نعم، وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة)] يعني: استضافتك الغني كاستضافتك الفقير، فالكل تؤجر عليه وتثاب، وهذا الرجل سأل ليتعلم، فما دام وصل إلى منبع العلم فلم لا يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم كما سأل الآخرون عن العيافة والكهانة؟! والمعروف للضعيف كأن يعطيه دابة، أو فراش، أو عصا، أو طعام، كل ذلك من المعروف الذي يؤجر عليه.
[وقال الرجل: ( يا رسول الله! كم وقت الضيافة؟ )] أي: كم يوماً وقت الضيافة، يريد أن يتعلم [( قال: ثلاثة أيام -بلياليها- ما كان بعد ذلك فصدقة، ولا يحل للضيف أن يقيم عندك حتى يحرجك )] يعني: ثلاثة أيام وبعدها مع السلامة؛ ويومها لم يكن هناك فنادق ولا نزل، فعندما يجيء الضيف لا بد وأن يستضيفه أحد ثلاثة أيام ثم مع السلامة، وليس للضيف أن يحرج صاحب البيت، يقول: سأزيد يوماً أنتظر فيه فلان مثلاً، أما إذا تطوع صاحب البيت فهذا شأنه، المهم أن ثلاثة أيام واجبة وبعد ذلك شأنه.
[ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أجازهم] أعطاهم جوائز، هذا سيف وهذا فرس وهذا ألف درهم -مثلاً- وهكذا .. وهذا هو الكرم المحمدي!
قال: [جفاء هذا الوفد وسوء أدبه] هذا الوفد القوي كان فيه جفاء، والجفاء هو القسوة.
[ودخلوا المسجد النبوي، ونادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته بلفظ الجفاء وسوء الأدب قائلين: يا محمد يا محمد!] كانوا في الروضة والرسول في حجرته [اخرج إلينا؛ فآذوا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بصياحهم ورفع أصواتهم] كانوا جبارين فأزعجوه بصياحهم ورفع أصواتهم [فخرج إليهم فقالوا: يا محمد! جئناك نفاخرك؛ فأذن لشاعرنا وخطيبنا] لا حول ولا قوة إلا بالله. قالوا: جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا أن يقول شعره وخطيبنا أن يقول خطبته [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد أذنت لخطيبكم فليقل )] وتتجلى هنا الكمالات النبوية في الحلم والرشد!
[فقام رئيس الوفد عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً ووهب لنا أموالاً عظاماً، نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عدداً، وأيسره عدة، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا رءوس الناس وألي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد ما عددنا، وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا، وإنا نُعرف بذلك، أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـثابت بن قيس : ( أجب الرجل ) فقام ثابت فقال:
الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً واصطفى من خير خلقه رسولاً، أكرمهم نسباً، وأصدقهم حديثاً، وأفضلهم حسباً، فأنزل عليه كتابه وأْتمنه على خلقه؛ فكان خيرة الله تعالى من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس نسباً وأحسن الناس وجوهاً، وخير الناس فعالاً، ثم كان أول الخلق استجابة له حين دعاه نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله صلى الله عليه وسلم، نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً وكان قتله علينا يسيراً، والسلام عليكم] هذا ثابت بن قيس الأنصاري أفحم التميمي .
[ثم قالوا: يا رسول الله! ائذن لشاعرنا] أي: ائذنا لشاعرنا أن يلقي الشعر [فأذن له فقام -وهو الزبرقان بن بدر - فقال] ولا أسمعكم إلا بيتاً واحداً، فلم نذكر باقي البيوت؛ لأننا لا نسكنها ولا تظللنا.
[نحن الكرام فلا حي يعادلنـا منا الملوك وفينا تنصب البيع] والبيع جمع بيعة، وهي: مكان العبادة. يتبجح يعني.
[في ثمانية أبيات.
وكان حسان بن ثابت غائباً، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ليجيب شاعرهم فحضر وأجاب قائلاً:
إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
في ثلاثة عشر بيتاً] اكتفينا منها بالبيتين السابقين.
قال: [ومما لا شك فيه أن فرقاً كبيراً بين خطيب المشركين وشاعرهم، وبين خطيب المسلمين وشاعرهم] إي والله! هناك فرق كبير [إذ شتان ما بين من في قلبه ظلمة الشرك والكفر، وبين من في قلبه نور الإيمان وحكمة الإسلام والإحسان] وشاعر المشركين هو الزبرقان ، وشاعر المسلمين هو حسان بن ثابت وهو كذلك شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.
[لذا لما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس : إن هذا الرجل لمؤتَّى له] أي: موفق، يعني: معطى من عند الله، فليس هذا من نفسه [خطيبهم أخطب من خطيبنا، وشاعرهم أشعر من شاعرنا، ثم أسلموا] دخلوا في الإسلام، رضي الله عنهم [وفيهم نزل قول الله تعالى من سورة الحجرات: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:4-5]] فلم يواخذهم رغم مناداتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بأصوات عالية وإزعاجهم له.
ولهذا لا يحل لأحدنا أن يرفع صوته في هذا المسجد إلا من ضرورة، وقد شاهد عمر رجلاً من الطائف يرفع صوته في مسجد رسول الله فقال: ائتوني به! فلما وصل ارتعد، فقال: من أين أنت؟ قال: أنا من الطائف، قال: لو كنت من أهل البلد لأوجعتك ضرباً، كيف ترفع صوتك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات:2]. واحترام الرسول ميتاً والله كاحترامه حياً ولا فرق.
ثم قالوا: [(فمرنا بأمر فصل، نأخذ به من وراءنا وندخل به الجنة)] أذكياء هؤلاء! قالوا: لا نستطيع أن نأتيك في كل شهر؛ لأن الطريق مقطوع باللصوص والمحاربين، وعليه: أعطنا أمراً لا نسأل عنه غيرك ونبلغه من وراءنا ونعمل به [(فقال صلى الله عليه وسلم: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع)] فانتبهوا [(آمركم بالإيمان بالله وحده)] لا شريك له، ثم قال لهم: [(أتدرون ما الإيمان بالله؟)] وسألهم لِيُعلمهم، فقال: أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: لا ندري. [قال: ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )] ومعنى هذا: لا تعبدوا إلا الله ولا تمشوا وراء أحد غير رسول الله، فلا تعترفوا بالشرك ولا بأهله ولا بعمله، وتتبعوا رسول الله فيما يأمر به وينهى عنه. هذه الأولى.
ثانياً: [( وإقام الصلاة )] ثالثاً: [( وإيتاء الزكاة )] رابعاً: [( وصوم رمضان )] هذه أربع [( وأن تعطوا من المغنم الخمس )] لأن الحياة حياة جهاد، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، فيوزع كما بين تعالى: وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] فالخمس يوزع على هؤلاء.
قال: [( وأنهاكم عن أربع )] ما هي؟ [( الدباء والحنتم والنقير والمزفت )] وهذه الأشياء انتهى أمرها الآن؛ فقد كانوا يصنعون منها الخمر، فبدلاً من أن يقول: أنهاكم عن الخمر، نهاهم عن آلاتها حتى لا توجد، والدباء معروفة كانوا يحفرونها ويصنعون فيها الخمر، والحنتم كذلك، والنقير الحجر ينقرونها أو الخشبة ويصنعون فيها الخمر، والمزفت الإناء يدهنونه بالزفت حتى لا يسيل ويصنعون فيه الخمر، فلم يقل صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا الخمر ولكن نهاهم عن وجودها أساساً، وقد فهموا أنه إذا نهاهم عن آلاتها وأدواتها فقد نهاهم عن شربها.
قال: [( فاحفظوهن وادعوا إليهن من وراءكم )] احفظوا هذه الثمانية: أربعة أوامر وأربع نواه، وادعوا إليها من وراءكم.
[ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأشج عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة )] فاحلم يا عبد الله إذا غاضبت ولدك أو أمك أو جارك أو أخاك، لا تقل الباطل، ولا تفعل الشر، ولكن الحلم الحلم. والأناة: أن لا تستعجل في أمورك، فتأنى قبل أن تقول، وتأنى قبل أن تفعل، وتأنى قبل أن تسافر، وهذا هو الهدي المحمدي.
علينا أن نحب هذه الخصال إذا أردنا ولاية الله عز وجل، وها نحن في طريقنا إليها، وقريباً نصل إن شاء الله.
هذه ثلاث من مكاره لله تعالى فاكرهها يا طالب ولاية الله تعالى وإليك بيانها وشرحها.
الرقى: وهي ما يرقي به بعض الناس من كلام باطل وألفاظ منافية لتوحيد الله تعالى؛ إذ هي ليست من كلام الله تعالى ولا من أسمائه ولا صفاته، ولا من الكلام المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والرقى واحدها رقية.
أما التمائم: فجمع تميمة: وهي ما كان أهل الجاهلية يتيممون به، فيعلقونه على أولادهم يتقون به العين، وهو عبارة عن خرزات ونحوها تعلق على الطفل، فجاء الإسلام دين الله الحق فأبطلها وأبطل ما يماثلها من تعليق العظام والحروز ونحوها.
وأما التولة: فهي شيء يصنعه النساء كالسحر يتحببن به إلى أزواجهن.
وهذه الثلاثة كلها من الشرك بالله عز وجل، أي: من أعظم الذنوب وأضرها.
ولنستمع إلى عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه يكلم زوجته. قال: وقد دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود فجذبه فقطعه -مع أن عبد الله بن مسعود قصير الذات، ولكنه جذبه فقطعه- ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً. أي: برهاناً وحجة. ثم قال.
أي: لزوجته.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).
وسألوا عبد الله رضي الله عنه عن التولة ما هي؟ فقال: شيء تصنعه النساء يتحببن به إلى أزواجهن.
فاحذر يا طالب ولاية الله هذه المكروهات لربك وابتعد عنها، ولا تسمح لأحد أن يفعلها أو يرضى بها تظفر بولاية ربك وهنيئاً لك بها، فإنها -والله- لا خير منها للعبد في هذه الحياة.
اللهم حقق لنا ولايتك يا أرحم الراحمين.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر