أما بعد:
لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وها نحن في آخر أحداث السنة السادسة من هجرته صلى الله عليه وسلم، وقد انتهينا إلى كتب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابتها وبعث بها إلى الملوك والرؤساء، فهيا نعيش مع رسولنا صلى الله عليه وسلم هذه الساعة، ونستمع إلى كلامه الطيب السياسي الحكيم الرشيد، وهو يخاطب الملوك والرؤساء على اختلاف أجناسهم وديارهم.
أيها المحبون! أما من لا حب له، فلا يقوى أن يسمع كلام من لا يحب، وحاشانا أن يوجد بيننا من لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبه فريضة، والله إنه لفريضة، وما آمن من كره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صام الدهر كله وقام الليل كله، فلابد من حبه حباً أكثر من النفس والمال والولد، ما السر في فرض الله تعالى حب نبيه علينا؟
لأن الإنسان بفطرته إذا أحب أحداً أطاعه، ويصبح مستعداً لو قال له: أعطني نفسك، أن يعطيه إياها، ولولا فرض حب رسول الله على المؤمنين ما اتبعوه ولا مشوا وراءه؛ فلهذا على التلاميذ أن يحبوا شيخهم، فإذا لم يحبوه لم يطيعوه، فإذا قال لهم: احفظوا الكلام الفلاني لا يحفظون، أو راجعوا كذا لا يراجعون، ولا سيما إذا كان الشيخ مزكياً للنفوس مربياً للأرواح فطاعته واجبة.
ومع الأسف أطاع إخوانكم آباءهم وأجدادهم -رجال الجهل، تحت عنوان التصوف والطرق- طاعة عمياء وما استفادوا؛ لأنهم لا علم لهم ولا بصيرة ولا هداية في الدين فضلوا وأضلوا، نريد أن نطيع من يربينا ويزكي أنفسنا على الكتاب والحكمة، ولنقرأ لذلك قول ربنا عز وجل في كتابه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، ويزكيهم: أي يزكي أنفسهم ويطهرها من أوضار الشرك والجرائم والموبقات والمعاصي.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [مكاتبة الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك والرؤساء.
وفي هذه السنة السادسة من الهجرة] هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة التي ولد بها وتربى وترعرع، وأوحي إليه فيها، وأسري به إلى السماء منها، وأقام بها وهو نبي ورسول ثلاث عشرة سنة، ثم أمره الله بالهجرة إلى المدينة لتصبح داراً وقبة للإسلام، فهاجر وأقام بالمدينة عشر سنين، ثم قبضه الله إليه.
قال: [وبعد عقد الصلح مع قريش] الصلح الذي عقده بينه صلى الله عليه وسلم وبين قريش ومدته عشر سنين، وتمت كتابة العقد ووقع عليها: على أن المؤمنين يتجولون في الحجاز ونجد والجزيرة كما يشاءون لا يعترضهم أحد، والمشركون يتجولون يأتون المدينة يدخلون حيث شاءوا.
ولا ننسى أن سهيل بن عمرو -رضي الله عنه وأرضاه- كان ممثل قريش في كتابة العقد والصلح، فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الكاتب أن يكتب -وهو علي بن أبي طالب - بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : لا نعرف الرحمن الرحيم، ولكن اكتب باسمك اللهم، أما رجال الرسول صلى الله عليه وسلم فتغيرت وجوههم وتألموا وعلى رأسهم عمر ، فقال: اكتب يا علي : ( باسمك اللهم، هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله )، فقال سهيل : لا، لو عرفناك رسول الله لِمَ نقاتلك؟ ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
قولوا لي من يقدر على هذا الموقف سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب: ( هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله ) فصاح عمر ! وقال: يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: ( اسكت يا
هذه هي السياسة الرشيدة، النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يفتح المجال لدعوة الله تنتشر في الأرض، ويريد أن يرفع الآلام والأتعاب وتلك الاضطهادات عن المؤمنين في مكة وغيرها.. ويريد أن يخفف عن أصحابه من المؤمنين والمؤمنات.
هل في العالم الإسلامي اليوم من يحسن هذه السياسة؟ والله ما سمعوا بها، ولا عرفوها، ونحن المتعنترون -والله- لو يتنازل حاكم من حكامنا في عقد من عقود الصلح بيننا وبين الكفار عن كلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) لكفرناه أجمعين ولعناه؛ لأننا ما عندنا رشد، ولا عرفنا الطريق.
هذه الفتن الدائرة منشؤها تكفير الحكام والعلماء، تحت قانون وضعه إبليس ورجال الشياطين، وهو: الحكام ما حكموا كتاب الله فهم كفار!.. والعلماء سكتوا عنهم فهم كفار أيضاً!! والأمة صفقت لهم وسكتت فهي كافرة مثلهم، ولم يبقَ من مؤمن إلا أصحاب هذا الرأي فقط.
وبناءً عليه قالوا: هيا نقتل ونشفِ صدورنا بالاغتيالات وبتأجيج النيران -وأظنكم تسمعون ما يجري في العالم!- وكل هذا ثمرة الجهل المركب، ثمرة العناد والمكابرة، الله تعالى يقول -وقوله الحق-: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، لِم لا نسأل العالمين العارفين؟ ولو سألوهم لقالوا لهم: ما قيمة تكفيركم للناس؟ ما هي ثمارها ونتائجها، دلونا! هل تمطر السماء؟ هل تخرج الأرض كنوزها؟ ما الذي تحصلون عليه؟ وقد درسنا من أيام في سورة النساء أن كافراً قال لـخالد بن الوليد : السلام عليكم، فقتله خالد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هلا شققت على قلبه يا
إذا ما أطقتم أن تعبدوا الله في بلاد، هاجروا واتركوها، والتحقوا ببلاد تعبدون الله فيها، ومع هذا لم يوجد بلد واحد اضطهد فيه المؤمنون عن عبادة الله عز وجل أبداً، إلا ما كان من شيوعية عدن مدة معينة وأزالها الله عز وجل، وإلا المؤمن في أي بلد يصوم ويصلي ويحجب امرأته، ويصوم الإثنين والخميس، ويتصدق بماله، ويخرج زكاته فلا يعترضه معترض.
وما كان من قضية السّنة في اللحية، نعم قد يسخرون منك، ويستهزئون بك فتحمّل؛ لأنهم ما ذاقوا، وما عرفوا، ولو عرفوا كما عرفت ما استهزءوا بك أبداً، ثم هذا الاستهزاء أنت تكسب به أجراً وحسنات، أما الحلق بالقوة -كما يبلغنا- فيكون في أيام الفتنة، أيام الاغتيالات والتفجيرات، كل من يشتبه عليهم يقولون: هذا منهم!
قال: [كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام الدين الحق الذي أرسل به لهداية الناس؛ كل الناس أبيضهم وأصفرهم إلى ما يكملهم عقولاً وأخلاقاً، ويسعدهم أجساماً وأرواحاً في الحياتين: الدنيا والآخرة] الأولى والثانية.
فهمتم سر هذه الدعوة ما هو؟! إنه دخول الناس في الإسلام. لِم؟ ليكملوا عقولاً وأخلاقاً، ويسعدوا أجساماً وأرواحاً في الدنيا والآخرة، فالإسلام بشرائعه وقوانينه وأحكامه ما هو إلا وسيلة -والله العظيم- لإسعاد الإنسان وإكماله في آدابه وأخلاقه في الدنيا والآخرة، ليس لطلب مال ولا شهرة ولا سمعة، أبداً، والعرب والعجم ما عرفوا هذا.
[فبعث صلى الله عليه وسلم الرسلَ تحمل كتبه القيمة الكريمة] وسوف نسمعها [إلى كل من كسرى ملك الفرس، وقيصر ملك الروم، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وأرسل شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى أخي عبد القيس].
أولاً: دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم] ودحية هذا كان جبريل يتمثل به، فيأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي ، وكان من خيرة رجال المدينة؛ فلهذا جعله الرسول صلى الله عليه وسلم سفيراً يبعثه إلى الملوك والرؤساء لكمال ذاته وعقله وإيمانه.
[ثانياً: حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر.
ثالثاً: عبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك الفرس.
رابعاً: عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة.
وهذه نماذج من صور لتلك الكتب].
[( إلى كسرى ملك فارس: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك )] لأنه لو آمن الملك لاتبعه الشعب، وإذا لم يؤمن تبع الشعب إمامه وحاكمه، وعليه يتحمل هو الإثم بكامله.
ثم ختم الكتاب بالختم النبوي وهو:
[الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
الله: اسم الجلالة فوق. و(رسول) تحت، و(محمد) أسفل، لِمَ؟ حتى لا يجعل اسمه فوق اسم الله عز وجل، وهذا الخاتم هو الذي كان يختم به رسائله وكتبه، (الله) فوق، و(رسول) تحتها، و(محمد) في الأسفل، ويقرأ: (محمد رسول الله) من أسفل إلى أعلى، والكتابة من أعلى إلى أسفل. وهذه فائدة نتعلم منها كيف نتأدب مع الله عز وجل.
قال: [ولما بلغ الكتاب كسرى غضب، وقال: هَجْراً ومزق الكتاب] نطق بالفحش ومزق الكتاب وقطعه [ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم] أن ملك الفرس قال الباطل والقبح ومزق الكتاب [دعا عليه بأن يمزق الله ملكه واستجاب الله له ومزق ملكه].
[( بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله ورسوله إلى
الجواب -كما سيأتي في العبر-: كسرى مجوسي من عبدة النار، لا يحترم اسم الله الرحمن الرحيم، وأما الروم النصارى فهم يؤمنون بالله والدار الآخرة ويعرفون الرسل، فهم يحترمون اسم الله عز وجل، فما خاف أن يهينوه، بل يكرموه.
وسبق لهذا سليمان بن داود عليهما السلام في كتابه الذي أرسله إلى بلقيس ملكة اليمن، ونصه موجود عندنا -والله العظيم- في سورة النمل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:30-31]، فقدّم اسمه هو؛ حتى إذا أهين لا يضر، لكن اسم الله لا ينبغي أن يهان، والرسول صلى الله عليه وسلم حفظ سورة النمل وأخذ حكمته منها، فهو أعلم الناس بكتاب الله.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: ( من محمد بن عبد الله ورسوله ) ما قال ملك العروبة، أو زعيم قريش ولكن ( من محمد بن عبد الله ورسوله )، وحقاً -والله- هو عبد الله ورسوله.
قال: [( إلى
عجب هذا الكتاب! كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم، فهذه الآية نزلت في سورة آل عمران، ونتلوها نساء ورجالاً إلى اليوم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ما هذه الكلمة؟ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ أولاً، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ثانياً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ثالثا؛ لأن كلنا عبيد الله، فَإِنْ تَوَلَّوْا ورفضوا الإجابة وقالوا: لا نأتيك ولا نسمع منك، نقول: فَقُولُوا إذاً اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]، وأنتم كافرون. أي: أذعنا لأمر الله وقبلناه وأسلمنا قلوبنا ووجوهنا له فنحن مسلمون وأنتم كافرون.
هذا كتابه إلى قيصر مختوم:
[الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
أي: (محمد رسول الله).
[( بسم الله الرحمن الرحيم )] لم قدم (بسم الله)؟ لأنه لا يخاف أن يهينه المقوقس فهو مؤمن بالله ولقائه، فلا يهينه أبداً، ليس شيوعياً [( من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم )] من الفتن والمحن والآلام، وتسلم من جهنم والخلود فيها [( وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين )] لأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى من أسلم منهم يضاعف له الأجر، أجر على دينه الأول، وعلى دينه الثاني [( فإن توليت فإنما عليك إثم أهل القبط )] من الفلاحين وغيرهم [ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
وملك الحبشة أسلم، ودخل في رحمة الله -ولكن لم يشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك لا يعد صحابياً- ولذلك لما جاءت البرقية الإلهية تعلن عن وفاة النجاشي خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصلوا صلاة الجنازة عليه، ومن ثم شرعت صلاة الغائب، وقد بعث ولده وشاء الله أن تغرق السفينة به، وعلى كل حال: هو وأولاده في دار السلام.
ونلاحظ أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: ( فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو)، للمقوقس ولا لملك الروم؛ لعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أقبل على الإسلام، بل دخل فيه؛ إذ بعث مجموعة من المهاجرين إليه على رأسهم جعفر ابن عمه، ولاقوا منه ما لاقوا من الترحاب والتأهيل؛ فلهذا كان الكتاب يتناسب مع من أرسل إليه، ولكل مقام مقال.
[( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى
[الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى
[الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
ومن هنا: تفهمون أن الإسلام ما جاء للملك والمطالبة بالرياسة، وإنما جاء لنشر الدعوة وإصلاح البشرية.
[الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
[الله
رسـول
محمـــد
صورة الخاتم النبوي]
إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نوجزها في التالي]
هيا نأخذ إذاً بإرشاداته وتوجيهاته، وتتحول سياسيتنا العمياء إلى سياسة مبصرة، فنهدي البشرية إلى دين الله؛ ليسعدوا ويكملوا في الدنيا والآخرة، أو لعلنا لا نستطيع لأننا مكبلون مقيدون بقيود الشهوات والأهواء والجهل المظلم!!
مثال آخر: يجيئك ملك أو حاكم أو سفير لدولة، وما عندك إلا كرسي واحد، أنت جالس عليه، فهل تقول له: اجلس على الأرض أم تتنازل أنت عن الكرسي وتقول له: اجلس ولا حرج؟! لا شك أن تنزله على الكرسي، فهذا يشعر بأنه عظيم وأنه مسئول فلا تهينه وأنزله منزله.
أولاً: نوحد أمتنا ونقول: يا حكام! يا رؤساء! تعالوا إلى الروضة الشريفة؛ لنبايع أكملنا وأفضلنا فيها، ونقول: أنت إمام المسلمين، ويعود كل واحد من الحكام والياً عاماً على المنطقة التي هو فيها، ويبعث بنسخة من الدستور الإسلامي إلى كل إقليم، فيطبق الإسلام في أربع وعشرين ساعة، وتهتز الدنيا وترتج، ولكن ما بقي لها مجال أبداً لأن تنتصر، فأمة الإسلام عادت، وفي هذا الظرف بالذات إمام المسلمين -في المدينة أو في مكة أو في الرياض أو في غيرها- يخاطب المسلمين كلهم وهم يسمعونه -وهذه مستحيلة هذا في الزمن الأول- فيطالب بجيش لقتال أو جهاد المنطقة الفلانية، وفي أربع وعشرين ساعة يكون كل العتاد حاضر.
وحينئذٍ إذا قلنا: الله أكبر كبر العالم، ودخلت الدنيا في الإسلام، وإن قلنا: هذا بعيد، فإي والله بعيد، لم؟ لأن المسئولين في العالم الإسلامي ما عرفوا الله ولا أحبوه ولا خافوه، فكيف يستجيبون لك؟ وهناك مثل عند العامة يقول: من لم يعرف الصقر يشويه. يعني: يحرقه ويأكله.
إذاً: ماذا نصنع؟ الحمد لله، لا نريد القتال ولا السلاح ولا الجهاد، ولسنا -والله- في حاجة إليه اليوم أبداً؛ لأن العالم تفتحت أبوابه لنا، حتى روسيا تحطمت، وادخل أي بلد الآن وأنت تقول لا إله إلا الله وتكبر فليس من يغضب عليك ويضربك أبداً، وأبين -إن كان في الوقت مجال- أن فرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، وبريطانيا مثل ذلك، وفي بلجيكا المساجد والأذان والتعليم، وألمانيا -مخ العالم الأوربي- المساجد تدعو إلى الله هناك، أما أمريكا فلا تسأل عنها، وفي اليابان، وفي الصين، وفي كل مكان أصبحت الأبواب مفتوحة.
إذاً: ضعوا السلاح فلسنا في حاجة إلى القتال أبداً، وإنما واجبنا التبليغ فقط، فهل هناك من يبلّغ؟! وهذا الكلام -والله- نكرره طوال العام، وأقول: يجب أن تتكون لجنة عليا كرابطة العالم الإسلامي، يشارك فيها كل بلد إسلامي بعالم من علمائه أولاً، وهذه اللجنة العليا لعلماء المسلمين تستخدم لجنة خاصة تجوب العالم لتتحسس وتتعرف إلى الجاليات الإسلامية في كل بلد، عددها ومساجدها ومراكزها الدينية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ثم تأتي بعد شهرين أو أربعين يوماً وتضع خريطة، تبين بأن فرنسا -مثلاً- فيها كذا، وإيطاليا فيها كذا، وبلجيكا كذا، وألمانيا كذا، والنرويج كذا .. وبعد أن نعرف الخريطة وأماكن الإسلام والمسلمين -وبسرية كاملة- تزور اللجنة كل العالم الإسلامي في ظرف ستة أشهر، فلا تترك قرية إلا وتدخلها، وهم يدعون المسلمين في صدق إلى أن يدخلوا في هذه الرحمة الإلهية.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر