أما بعد: لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى [حادثة الإفك] المؤلمة، وهذه الحادثة تمت على إثر غزوة بني المصطلق، التي سبقت دراستها في الأسبوع الماضي.
قال المؤلف غفر الله له والسامعين والسامعات: [عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من غزوة بني المصطلق وقريباً من المدينة] وهم عائدون [نزل الرسول صلى الله عليه وسلم منزلاً] ليلاً للاستراحة [ثم رحل، وحدث في ذلك ما حدث، ولنترك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، صاحبة القصة تحدثنا عنها بالتفصيل] إذ هي صاحبة القصة [كما روى ذلك أصحاب السنن وأهل التفسير.
قالت رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه] وأيتهن خرجت قرعتها تخرج معه، إذ لا يتأتى أن يصحب معه مجموعة من النساء، فهو يأخذ واحدة؛ يستعين بها على حوائجه أثناء سفره ذهاباً وإياباً وإقامة [فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه] وهنيئاً لها [فلما كانت غزوة بني المصطلق، أقرع بين نسائه، فخرج سهمي، فخرج بي معه] فضل الله وتدبيره [وكان النساء إذ ذاك يأكلن العُلق لم يَهجهن اللحم فيثقلن] تريد أن تقول رضي الله عنها أن تلك الفترة كانت صعبة والطعام كان قليلاً، فكان النساء يأكلن العلق، وهذا الأكل القليل لم يهج اللحم فيهن، فهن ضعيفات؛ لقلة الأكل.
قالت: [وكنت إذا وصل بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين يُرحلون بعيري، فيحملون الهودج وأنا فيه فيضعونه على ظهر بعيري] لخفتها كانت تركب في الهودج وتبقى جالسة، فإذا أرادوا الرحيل يأتي الرجال فيأخذون الهودج وهي فيه فيضعونه على البعير؛ لأن وقتها كانت آيات الحجاب قد نزلت، فليس من طريقة إلا هذه، فكانت تدخل في الهودج وهو كالقبة، أو كالسيارة الصغيرة، وتجلس فيه، فإذا جاء الرجال أخذوا الهودج ووضعوه على ظهر البعير، وهذا معناه: أنها كانت قليلة اللحم، خفيفة جداً.
[ثم يأخذون برأس البعير ويسيرون] يقودون البعير [قالت: فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك] تعني: ارتحل [-وكان قريباً من المدينة- بات بمنزل بعض الليل، ثم ارتحل هو والناس، وكنت قد خرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي من جُزع ظفار] والجزع هو الخرز، وظفار مدينة في جنوب اليمن نسب إليها الخرز [انسل من عنقي ولا أدري، فلما رجعت التمست العقد فلم أجده، فرجعت إلى المكان الذي كنت فيه ألتمسه فوجدته، وجاء القوم الذين يرحلون بعيري فأخذوا الهودج -وهم يظنون أني فيه- فاحتملوه على عادتهم وانطلقوا، ورجعت إلى المعسكر، وما فيه داعٍ ولا مجيب -أي ما فيه أحد- فتلففت بجلبابي واضطجعت إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وكان تخلف عن المعسكر لحاجته] قضاء الله وقدره. هو أيضاً تخلف يقضي حاجته، وارتحل القوم وبقي هو في الوادي، والله يسوق أقداراً لأقدار.
قالت: [فلم يبت مع الناس، فلما رأى سوادي] أي: ظلمتي، ظلام جسمها في الليل [أقبل حتى وقف علي فعرفني -وكان رآني قبل أن يضرب الحجاب-] فلذا عرفها لما نظر إليها.
أين جماعة كشف الوجوه يحضرون الليلة معنا؟! لو كان الحجاب عبارة عن تغطية الرأس فقط لكان الشيخ محتجباً، أي حجاب هذا؟! الحجاب: هو الذي لا يرى من ورائه من المرأة شيء، هذا هو الحجاب، أما أن تكشف المرأة عن وجهها وتغني في الشوارع أنها محتجبة، فنحن محتجبون أيضاً، والسعوديون كلهم محتجبون، وهل يظهر مني أنا غير وجهي؟! إذاً: نحن متحجبون.
وما زال القوم يجادلون إلى الآن، وهناك فتنة قائمة بين البنات في المدارس. إذاً: حسبنا الله ونعم الوكيل. وسوف يتحمل من أثار هذه الفتنة بين نساء المؤمنين مسئوليتها.
قالت: [فلما رآني استرجع] أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا شأن المؤمن إذا أصابته مصيبة، فإنه يرجع إلى الله ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، يفعل بنا ما يشاء، ويحكم فينا بما يريد [وقال: ما خلفك؟ فما كلمته] يعني: ما ردت عليه؛ لأنه أجنبي، وسكتت، ما قالت: تخلفت لأني ذهبت أقضي حاجتي وجئت وما وجدتهم، وربع ساعة وهي تحدثه، لا! لكن لم تكلمه.
قالت: [ثم قرب البعير] أدنى بعيره منها [وقال: اركبي، فركبت وأخذ برأس البعير مسرعاً] يقوده [فلما نزل الناس واطمأنوا طلع الرجل يقودني] لما نزلوا منزلهم واستقروا وإذا بـصفوان بن المعطل يقود البعير الذي على ظهره عائشة [فقال أهل الإفك فيَّ ما قالوا] رأوا الرجل يقود بعيراً بأم المؤمنين، وجاء بها وحده، بعد أن نزل المعسكر قبل ذلك، فقالوا الذي قالوا، وكانت كلمة الخبيث ابن أبي : والله ما نجت منه! وهي أول كلمة قالها رئيس المنافقين وكبيرهم، ثم انتشر الكلام.
قالت: [فارتج المعسكر] واضطرب [ولم أعلم بشيء من ذلك] ما تدري ما الذي حدث [ثم قدمنا المدينة فاشتكيت شكوى شديدة] أصابها مرض أو حمى [وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي] هذا الحديث؛ حديث الإفك وصل إلى الرسول، وأن الناس يقولون كذا وكذا، ووصل إلى أبي بكر وإلى زوجه أم رومان وعائشة لا تدري [ولا يذكران لي منه شيئاً] لا الرسول ولا أمها ولا أبوها [إلا أنني أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه] الذي كان يعاملها به [فكان إذا دخل علي -وأمي تمرضني- قال: ( كيف تيكم؟ ) لا يزيد] يدخل عليها وأمها معها تمرضها، فلا يزيد على: كيف تيكم؟! بدون اسم للإشارة.
قالت: [فوجدت في نفسي مما رأيت من جفائه، فاستأذنته في الانتقال إلى أمي لتمرضني] في بيتها [فأذن لي، وانتقلت، ولا أعلم بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي] تماثلت للشفاء [بعد بضع وعشرين ليلة. وكنا عرباً لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف؛ نعافها ونكرهها، إنما كان النساء يخرجن كل ليلة] قالت: في تلك الفترة، كنا ما زلنا على حالة العرب لا نتخذ المراحيض في بيوتنا، ولكن تخرج المرأة إلى خارج الحي فتقضي حاجتها وترجع.
قالت: [فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح بنت أبي رهم بن المطلب وكانت أمها خالة أبي بكر الصديق ، فوالله إنها لتمشي، إذ عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح ! ] لما عثرت في إزارها قالت: تعس مسطح ! [فقلت لها: لعمر الله بئس ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدراً] يعني: كيف تدعين عليه؟ [قالت: أوما بلغك الخبر؟ قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان، فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، فرجعت] ما استطاعت أن تقضي حاجتها وعادت إلى المنزل.
قالت: [فما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي، وقلت لأمي: تحدث الناس بما تحدثوا ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً؟! فقالت لي: يا بنية! خففي عليك؛ فوالله قل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن وكثّر الناس عليها.
قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس! ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيراً -يعني:
[قالت: وكان كِبر ذلك] أي: ذلك الإثم أو الإفك [عند عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ؛ وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة] أي: تساميني [عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله] بدينها، فما قالت الكلمة الباطلة [فلم تقل إلا خيراً، وأما حمنة فأشاعت تضارني لأختها، فشقيت بذلك.
وتكلم أناس في المسجد حتى كادت تكون فتنة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليَّ فدعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، فاستشارهما في الأمر] وهما أقرب الناس إليه [فقال علي رضي الله عنه: سل الجارية وهي بريرة ] التي كانت تعيش دائماً في صحبة عائشة [فسألها وضربها علي فحلفت وما زالت تحلف أنها ما تعلم عن عائشة إلا خيراً، وأنها ما كانت تعيب عليها شيئاً] أي: على عائشة [إلا أنها كانت -أي: بريرة - تعجن العجينة وتأمر عائشة بحفظها فتنام عنها فتأتي الشاة فتأكلها] تقول الجارية: هذا الذي أعرف عنها أني أعجن العجين، ثم أقول لها: احفظيه حتى نقرصه أقراصاً ونطبخ، فتنام وتترك الشاة تأكله، بمعنى: أنها خيّرة فوق العادة، لا تحمل شيئاً في نفسها، فكيف تتهم بهذه التهمة؟!
قالت: [ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وامرأة من الأنصار وأنا أبكي، وهي تبكي] دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها أبواها: أبو بكر وأم رومان وامرأة من الأنصار وهي تبكي رضي الله عنها [فجلس] أي: النبي صلى الله عليه وسلم [فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: ( يا
[ثم قالت: فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه] جاء الوحي، وغشي بإغماءة معتادة عند نزول الوحي [فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت، قد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: أفاق [حتى ظننت لتخرجن أنفسهما؛ فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس] كاد أبو بكر وزوجه أم رومان أن يموتا؛ خشية أن ينزل وحي فيحقق ما قال الناس، أما هي فعليمة بحالها.
[قالت: ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: ذهب ذلك الإغماء [فجلس، وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان] من العرق [في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: ( أبشري يا
[وروي أنها لما نزلت براءتها، قال لها أبواها: احمدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: لا أحمد إلا الله الذي برأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد عرفت الحقَّ لأهله )] الذي يُحمد هو الله الذي برأها، وهذا من فقه هذه المؤمنة، وأنزل الله فيها سبع عشرة آية من سورة النور، وختمها ببشرى لها بدخول الجنة.
ومع هذا ما زال إخواننا المخدوعون المغرر بهم المضللون وإلى هذه الساعة يسخرون من عائشة ويسبونها ويشتمونها، ويقولون: ارتكبت الفاحشة! أي عقول هذه؟ عقول بشر أم حيوانات؟ كيف يطاق هذا الكلام؟ كيف تقبله من أمك أو من أبيك أو من شيخك؟ كيف ترضى بالدياثة لرسولك، وتزعم أنه رسول الله ثم يقع الخبث في أهله؟ سبحان الله! كيف عقول هؤلاء البشر؟! ويتقربون -في نظرهم- إلى الله بهذا، ولكن المرء إذا فقد عناية الله وتركه فإنه يهبط إلى أسفل الدركات وينسى عقله ودينه وكرامته!!
وكان قد استوجب ابن أبي القتل للكلمة التي قالها وهي: [ما زال ابن أبي كبشة يعيث في البلاد فساداً] وأي كفر أعظم من هذا؟ ويعني: بـ(ابن أبي كبشة) الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة كانت تقولها قريش، تطعن بها في النبي صلى الله عليه وسلم [وهي كلمة صاحبها مرتد قطعاً، إلا أن ابن سلول كان كافراً ما آمن حتى يقال: ارتد] إذا لو ارتد لقتل على الفور، لكنه كافر أصلاً، بل هو كبير المنافقين.
قال: [فكيف إذاً بغيره ممن يدعون علم الغيب والمكاشفة؛ تغريراً بالمسلمين وتضليلاً لهم لاستغلالهم] وأخذ أموالهم؟! ولهذا من ادعى علم الغيب طاغوت من الطواغيت، و( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فيما ادعاه فقد كفر بما أنزل على محمد ).
فطبق الرسول الحد الشرعي على ثلاثة، لكنه لم يقمه على ابن أبي ؛ والغافلون والمرضى قالوا: خاف منه! أو خاف الفتنة! ولكن ليس هذا، وإنما لأن ابن أبي نجس لا يطهر، كجلد الخنزير إذا دبغته هل يطهر؟ فهو كافر إذا أقيم عليه الحد لا يطهره؛ لأن الحدود شرعت لتطهيرنا ما هو للانتقام منا وتعذيبنا، فالحد شرعه الله ليطهر به عبده من الجريمة التي اقترفها، أما الكافر إذا أقيم عليه الحد فإنه لا يطهر به، وهو من أهل النار [إذ أقيم الحد على مسطح وحسان وحمنة فطهرهم الله تعالى بذلك] لأنهم تكلموا [ولم يقم الحد على ابن أبي ؛ لأنه كافر لا تطهره الحدود].
قال: [إذ كان قد منع ابن خالته مسطحاً ما كان يقدم له من طعام وكساء لما تورط في قذف أم المؤمنين، ثم كفّر أبو بكر عن يمينه ورد إلى مسطح ما كان يجريه عليه من النفقة بوصفه ابن خالته، وهو مهاجر فقير] وفيه نزل قول الله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، فقال أبو بكر : وكيف لا؟ كيف لا أحب أن يغفر الله لي؟ فرد عليه ما كان يجريه عليه. وهنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير )، أي: من حلف على شيء ألا يفعله ثم رأى أن الذي حلف عليه خير فليكفر عن يمينه وليـأت الذي هو خير، وكذلك فعل أبو بكر كفر عن يمينه وأعاد إلى مسطح ما كان يعطيه.
ما ألذ هذه الأحكام وما أرحمها، وقد حُرم منها المسلمون من إندونيسيا إلى المغرب -إذا استثنينا هذا البلد- إلا من رحم الله، لِم يحرموننا من الطهر؟ هذه الحدود تقام على أولياء الله وعباده لتطهيرهم، وللإبقاء على أنوارهم؛ لأن الظلمة من شأنها أن تزيد فيأتي الحد فيزيلها، لم يحرم المسلمون من هذه الحدود؟ أنا أسأل، أيخافون أن يغضب الشرق والغرب، فليغضب الشرق والغرب، وماذا يحدث إذا غضبوا؟ أنحن مكفولون لهم؟ لا، ولكنها الجهالات والظلمات والغفلات، وقد أقام الله الحجة عليهم بإيجاد هذه الدولة؛ حتى لا يحتجوا يوم القيامة، ماذا أصاب هذه البلاد إلا الخير، لِم لا نقيم الحدود إذاً؟ تعطيلها في صالح من؟ والله لا صالح في تعطيلها ولا صلاح قط، ما هو إلا أن يبقى المؤمنون بذنوبهم وأوساخهم ما وجدوا من يطهرهم.
وعلى كل حال إذا أذنب أحدنا ذنباً في بلد ما تقام فيه الحدود، يكفيه أن يلجأ إلى ربه ويستغفر، ويطلب السماح والعذر ممن قذفه أو قال فيه، ولا يصح أن تقوم جماعة تقيم الحد والحاكم لا يقيمه، فقد بلغنا أن بعض الذين يكفرون الحكام أصبحوا أيضاً يحتالون على الناس ويقيمون عليهم الحد، وهذا باطل باطل باطل!
لما قتل عمر ما تمالك عبيد الله رضي الله عنه -ولده- حتى قتل الهرمزان ، فأراد أصحاب رسول الله أن يقيموا الحد على عبيد الله ويقتلوه، فضجت المدينة، قالوا: بالأمس قتل عمر والآن يقتل ولده؟! وبما أن الحاكم لم يعين بعد وإقامة الحدود خاصة بالحاكم، لم يقام الحد على عبيد الله .
وقد جاء الوعيد الشديد في كتاب الله للذين يقذون المحصنات، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23]، هذا كلام الله عز وجل يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:24-26].
يا شيعي! يا مسكين! يا مخدوع! اقرأه هذه الآية، إنك إذا ما زلت تصر على أن عائشة ارتكبت الفاحشة فإنك تقول بأنها خبيثة والرسول كذلك خبيث، وخرجت من الإسلام ولم يبق لك حق فيه، وهذا تقرير الله عز وجل: الْخَبِيثَاتُ [النور:26] لمن؟ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26]، وَالطَّيِّبَاتُ [النور:26] لمن؟ لِلطَّيِّبِينَ [النور:26]، وكرر تعالى: وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، من يبلغ القوم هذا الكلام؟! من يرضى بجهنم وهو يعيش على دعوى الإسلام؟! إنه تقليد الرؤساء والمشايخ، أليس عندهم عقول يطلبون بها النجاة لأنفسهم؟!
وأخيراً يقول تعالى: أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور:26] في الجنة. بشّر الله صفوان وعائشة بالجنة. لِم نقول هذا الكلام في بلاد العرب الذين يقرءون القرآن؟ لأن ببغوات تحكي هذه الأمراض وتعيدها ويبلغنا هذا، ومن أجل ريال أو عشرة يبيع المرء دينه وجنة الله ويصبح شيعي!
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا عليه وسلموا، وأحبوه أكثر من أنفسكم، وامشوا وراءه تدخلون الجنة بغير حساب، أما أن تمشوا أمامه فلا ينفع، أو تشموا عن يمينه لا ينفع، لابد من اقتفاء آثاره والمشي وراءه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1].
وصلى الله عليه وسلم وآله أجمعين ..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر